مجلس مذاكرة القسم الأول من تفسير سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم حرر القول في واحدة من المسائل التالية:مجلس مذاكرة القسم الأول من تفسير سورة آل عمران (الآيات 1-9) 1: المراد بالآيات المحكمة والآيات المتشابهة. 2: الوقف والابتداء في قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا}. تنبيهات: - دراسة تفسير سورة آل عمران سيكون من خلال مجالس المذاكرة ، وليست مقررة للاختبار. - مجالس المذاكرة تهدف إلى تطبيق مهارات التفسير التي تعلمها الطالب سابقا. - لا يقتصر بحث المسائل على التفاسير الثلاثة الموجودة في المعهد. - يوصى بالاستفادة من التفاسير الموجودة في جمهرة العلوم، وللطالب أن يستزيد من غيرها من التفاسير التي يحتاجها. - تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب. تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة: أ+ = 5 / 5 أ = 4.5 / 5 ب+ = 4.25 / 5 ب = 4 / 5 ج+ = 3.75 / 5 ج = 3.5 / 5 د+ = 3.25 / 5 د = 3 هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة. معايير التقويم: 1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ] 2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص] 3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد] 4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية. 5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض. نشر التقويم: - يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب. - تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها. - نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم. _________________ وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم |
حرر القول في واحدة من المسائل التالية: 1: المراد بالآيات المحكمة والآيات المتشابهة. ذكر في المراد بالآيات المحكمة والآيات المتشابهة أقوال: الأول: المحكمات هي قوله تعالى:{قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} إلى ثلاث آيات، وقوله في بني إسرائيل: {وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه}. وهو قول ابن عباس. ذكره ابن عطية, وابن كثير. الثاني: المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وما يؤمن به ويعمل، والمتشابه منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به. وهو قول ابن عباس. ذكره ابن عطية, وابن كثير. الثالث: المحكمات الناسخات، والمتشابهات المنسوخات. وهو قول ابن مسعود, قتادة والربيع والضحاك. الرابع: المحكمات ما فيه الحلال والحرام، وما سوى ذلك فهو متشابه يصدق بعضه بعضا، وذلك مثل قوله: {وما يضلّ به إلّا الفاسقين}وقوله: {كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون}. وهو قول مجاهد, وعكرمة. ذكره ابن عطية, وابن كثير. الخامس: المحكمات هي التي فيهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه، والمتشابهات لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد. وهو قول محمد بن جعفر بن الزبير, ذكره ابن عطية. وبمثله قال محمد بن إسحاق بن يسار, ذكره ابن كثير. السادس: المحكم ما أحكم فيه قصص الأنبياء والأمم وبين لمحمد وأمته، والمتشابه هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرير في السور بعضها باتفاق الألفاظ واختلاف المعاني، وبعضه بعكس ذلك نحو قوله:{حيّةٌ تسعى} و{ثعبانٌ مبينٌ}ونحو:{اسلك يدك} و{أدخل يدك}. وهو قول ابن زيد. ذكره ابن عطية. السابع: المحكمات من آي القرآن ما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه.وهو قول جابر بن عبد الله بن رئاب وهو مقتضى قول الشعبي وسفيان الثوري، وغيرهما. ذكره ابن عطية. الثامن: هي الحروف المقطعة في أوائل السور. وهو قول مقاتل. ذكره ابن كثير. التاسع: المحكم هو الذي يعمل به. وهو مروي عن عكرمة، ومجاهدٍ، وقتادة، والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّي. ذكره ابن كثير. الدراسة: أولا: المحكم وذكر فيه عدة تعاريف: 1 - هي المفصلات المبينات الثابتات الأحكام. ذكره الزجاج, وابن عطية. 2 - هو الأصل الّذي يرجع إليه عند الاشتباه. ذكره ابن كثير. المتشابه وذكر فيه عدة تعاريف: 1 - هي التي فيها نظر وتحتاج إلى تأويل ويظهر فيها ببادئ النظر إما تعارض مع أخرى أو مع العقل، إلى غير ذلك من أنواع التشابه. ذكره ابن عطية. 2 - هو ما تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللّفظ والتّركيب، لا من حيث المراد. ذكره ابن كثير. ثانيا: ضعف القول السادس والسابع ابن عطية؛ ذلك لأن أهل الزيغ يتعلقون بمثل هذه التأويلات التي تكون في عبارات بعض المفسرين, مثل الكلام في بعض الغيبيات, وفي الحروف المقطعة في فواتح السور وغيرها مما لا يكون لا تعلق لهم به. ثالثا: رجح ابن عطية وابن كثير القول الخامس أن المحكمات: هي التي فيهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه. والمتشابهات: لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد, كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألّا يصرفن إلى الباطل، ولا يحرّفن عن الحق. رابعا: أن هذه التفسيرات التي ذكرها أهل العلم للمحكم والمتشابه تعد من جهة ضرب المثال على المحكم والمتشابه, إذ أن المحكم يشمل الأمور الواضحة البينة الثابتة, والمتشابه يشمل ما يحتمل موافقة المحكم ويحتمل شيء آخر من حيث اللفظ والتركيب. والله أعلم |
تقويم مجلس مذاكرة القسم الأول من تقسير سورة آل عمران صلاح الدين محمد أ+ أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. لم تذكر تحت أي قسم القول الثامن من المراجع المهمة لبحث هذه المسألة كتب اللغة، وكتب علوم القرآن، ولا يصلح أن يخلو البحث منها. |
تحرير الخلاف في المراد بالآيات المحكمات والآيات المتشابهات ورد التعبير بالآيات المحكمات والمتشابهات في قول الله تعالى من سورة آل عمران: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) ) ففي هذه الآية بين الله عز وجل أن الكتاب وهو القرآن تنقسم آياته إلى محكمات ومتشابهات، بينما وُصف القرآن كاملا بأنه محكم في قوله تعالى: {الر. كتابٌ أُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير} (سورة هود)، ومعنى وصفه بأنه محكم كله أنه في أعلى درجات الجودة والإتقان. ووُصف بأنه متشابه في قوله تعالى: {الله نزّل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا} (سورة الزمر)، ومعنى وصفه بأنه متشابه كله، أي متشابه في الحسن والجودة. وأما آية آل عمران ففيها تقسيم آيات الكتاب إلى محكمات ومتشابهات واختلف المفسرون في بيان المراد بهما على أقوال؛ يمكن تصنيفها إلى جهتين: الجهة الأولى: من جهة العمل، ويدخل تحتها عدة أقوال: الأول: المحكم ما يعمل به، وهو قول قتادة. قول قتادة رواه عبد الرزاق وابن جرير عن معمر عنه. الثاني: المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ، وهو قول الضحاك، والربيع وقتادة، ورواية عن ابن عباس قول الضحاك رواه سفيان الثوري عن سلمة بن نبيط أو جويبر عنه (شك سفيان) ورواه ابن جرير من كلا الطريقين عن الضحاك ورواه ابن جرير عن المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع وروى ابن جرير عن سعيد عن قتادة بلفظ: ( والمحكمات: النّاسخ الّذي يعمل به ما أحلّ اللّه فيه حلاله وحرّم فيه حرامه؛ وأمّا المتشابهات: فالمنسوخ الّذي لا يعمل به ويؤمن. قول ابن عباس رواه ابن جرير من طريق عطية العوفي عنه وهو قريب من القول الأول قول قتادة الثالث: المحكم الحلال والحرام، والمتشابه يصدق بعضه بعضًا، وهو قول مجاهد. رواه عبد بن حميد كما في تغليق التعليق وابن جرير الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن مجاهد بلفظ: (وأخر متشابهاتٌ قال: بعضه يصدّق بعضًا) إلا أن قول مجاهد هنا في المتشابه ليس مقابلا لمعنى المحكم، وليس فيه بيان للمراد بالمتشابه وإنما هو وصف له بأن الآيات المتشابهة يصدق بعضها بعضًا. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أبي صالح عن معاوية بن صالح عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب} المحكمات: ناسخه، وحلاله، وحرامه، وحدوده، وفرائضه، وما يؤمن به، ويعمل به قال: {وأخر متشابهاتٌ} والمتشابهاتٌ: منسوخه، ومقدّمه، ومؤخّره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به، ولا يعمل به. وهذا القول لابن عباس يجمع الأقوال السابقة جميعًا ويوضح معنى المتشابه من جهة العمل؛ وهو ما لا يُعمل به إما لأنه منسوخ أو لأنه من الأخبار والأمثال والقسم ونحو ذلك. الجهة الثانية: من جهة الوضوح: الأول: المحكم ما وضح معناه، والمتشابه ما خفي معناه، وهو قول محمد بن جعفر ابن الزبير، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم والطيبي. قال ابن جرير حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ} فيهنّ حجّة الرّبّ وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لها تصريفٌ ولا تحريفٌ عمّا وضعت عليه، وأخر متشبهتٌ في الصّدق لهنّ تصريفٌ وتحريفٌ وتأويلٌ ابتلى اللّه فيهنّ العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام، لا يصرفن إلى الباطل ولا يحرّفن عن الحقّ. وروى نحوه من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن ابن زيد وقال ابن أبي حاتم: حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق وأخر متشابهاتٌ لم يفصل فيهنّ القول كفصله في المحكمات، تتشابه في عقول الرّجال ويتخالجها التّأويل، فابتلى اللّه فيها العباد كابتلائهم في الحلال والحرام. الثاني: المحكم ما عُلم المراد منه بالظهور أو التأويل والمتشابه ما خفي المراد منه فلا يعلمه إلا الله، ومن ذلك: قيام السّاعة وخروج الدّجّال والحروف المقطّعة في أوائل السّور، ذكره ابن حجر في فتح الباري دون نسبة. رواه ابن جرير الطبري من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رئاب، في معنى (ألم)، وهذا الإسناد واه جدًا. وقال ابن أبي حاتم قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل: قوله: وأخر متشابهاتٌ يعني فيما بلغنا: الم والمص والمر والر، فهؤلاء الأربع المتشابهات. والفرق بين القول الأول والثاني؛ أن معنى المتشابه في الأول نسبي فيمكن أن يخفى على غير العالم، لكن يعلمه العالم، وأما في الثاني فلا يعلمه إلا الله. ويرجع هذا الخلاف إلى الخلاف في الوقف في نفس الآية {فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} فعلى القول الأول يكون الوقف على (العلم) وكلمة (الراسخون) معطوفة على لفظ الجلالة (الله) فيكون المعنى أن الله عز وجل والراسخون يعلمون تأويل المتشابه ومعنى التأويل هنا: وعلى القول الثاني يكون الوقف على لفظ الجلالة (الله) ثم يستأنف (والراسخون) فيكون المعنى أن الله عز وجل وحده من يعلم تأويل المتشابه، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وهم لا يعلمون تأويل المتشابه واجتهد بعضهم في تقسيم المتشابه وفقا لخفاء معناه من حيثيات متعددة: فالأصوليون قسموا المحكم إلى النص والظاهر، والمتشابه إلى المجمل والمؤول، قاله الطيبي والكرماني. وقسم الراغب المتشابه إلى قسمين. أحدهما ما يرجع إلى ذاته، والثاني إلى أمر ما يعرض له. فأما الأول: ما يرجع إلى ذاته فيقسم إلى: أولا: ما يرجع إلى جهة اللفظ: مفردًا ما لغرابته نحو وفاكهة وأبا أو لمشاركته الغير نحو اليد والعين أو مركبًا أما للاختصار نحو: {واسأل القرية} أو للإطناب نحو {ليس كمثله شيء} أو لإغلاق اللفظ نحو فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما الآية. ثانيًا: ما يرجع إلى المعنى أما من جهة دقته كأوصاف الباري عز وجل وأوصاف القيامة أو من جهة ترك الترتيب ظاهرًا نحو: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} إلى قوله: {لعذبنا الذين كفروا} [الفتح: 25] ثالثًا: ما يرجع إلى اللفظ والمعنى معًا وأقسامه بحسب تركيب بعض وجوه اللفظ مع بعض وجوه المعنى نحو غرابة اللفظ مع دقة المعنى ستة أنواع، لأن وجوه اللفظ ثلاثة، ووجوه المعنى اثنان ومضروب الثلاثة في اثنين ستة. وأما الثاني من المتشابه وهو ما يرجع إلى ما يعرض في اللفظ وهو خمسة أنواع. الأول من جهة الكمية كالعموم والخصوص. الثاني من طريق الكيفية كالوجوب والندب. الثالث من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ. الرابع من جهة المكان كالمواضع والأمور التي نزلت فيها نحو: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} [البقرة: 189] وقوله تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} [التوبة: 37] فإنه يحتاج في معرفة ذلك إلى معرفة عاداتهم في الجاهلية. الخامس من جهة الإضافة وهي الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد كشروط العبادات والأنكحة والبيوع. وقال القسطلاني: يقسم المتشابه والمحكم بحسب ذاتهما إلى أربعة أقسام. المحكم من جهة اللفظ والمعنى كقوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} [الأنعام: 151] إلى آخر الآيات. الثاني متشابه من جهتهما معًا قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه} [الأنعام: 125] الآية. الثالث متشابه في اللفظ محكم في المعنى قوله تعالى: {وجاء ربك} الآية. الرابع متشابه في المعنى محكم في اللفظ نحو: الساعة والملائكة. ولابن عباس رضي الله عنهما قول يحتمل تصنيفه وفقًا للجهة الأولى (جهة العمل) أو الثانية (الوضوح) رووى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق هشيمٌ، قال: أخبرنا العوّام، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {منه آياتٌ محكماتٌ} قال: هي الثّلاث الآيات الّتي هاهنا: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم} إلى ثلاث آياتٍ، والّتي في بني إسرائيل: {وقضى ربّك ألا تعبدوا إلاّ إيّاه} إلى آخر الآيات. وروى ابن أبي حاتم والحاكم في المستدرك عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن قيس قال: سمعت ابن عبّاسٍ، نحوه. وفي تفسير ابن أبي حاتم (قيس بن فلان). الدراسة: وصف الله عز وجل الآيات المحكمات في هذه الآية بأنهن أم الكتاب، ومعنى أم الكتاب أي أصل الكتاب، فأم كل شيء أصله، ويُفهم من هذا أنها: 1. تجمع ما يحتاجه المرء من معاني القرآن: قال ابن جرير الطبري مقدمة تفسيره عند بيان معنى تسمية الفاتحة أم القرآن: (وإنما قيل لها -لكونها كذلك- أم القرآن، لتسمية العرب كل جامع أمرا -أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمام جامع- "أما") اهـ وقال ابن الجوزي في زاد المسير: (هن أصل الكتاب اللواتي يعمل عليهن في الأحكام، ومجمع الحلال والحرام) اهـ 2. إذا كانت أصل الكتاب؛ فإنه يُرجع إليها لفهم ما خفي معناه من آيات الكتاب. وهذا الوصف يجمع ما ورد في المراد بالآيات المحكمات؛ فيجمع بين معنى ما يُعمل به من الآيات، وبين ما اتضح معناه من آيات الكتاب بحيث يرجع إليه في فهم الآيات المتشابهات. ويبين في المقابل المراد بالآيات المتشابهات ويزيده بيانًا قول الله عز وجل: {فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} الزيغ لغة هو الميل عن القصد؛ وهؤلاء الذين في قلوبهم زيغ إنما يتبعون المتشابه لغرضين: الأول: ابتغاء الفتنة، وورد في معنى الفتنة أقوال لا تتعارض: القول الأول: الشرك: رواه ابن جرير عن الربيع والسدي، وقال أبو عبيدة وابن قتيبة: الكفر. القول الثاني: الشبهات، رواه ابن جرير عن مجاهد. القول الثالث: فساد ذات البين في الدين والحروب، قاله الزجاج. ونحوه قال ابن كثير: ({ابتغاء الفتنة} أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنّهم يحتجّون على بدعتهم بالقرآن) اهـ والثاني: ابتغاء تأويل الكتاب: والتأويل يحتمل معنيان: المعنى الأول: معرفة تفسيره، وجاء على هذا المعنى قوله تعالى: {نبئنا بتأويله}. المعنى الثاني: معرفة ما تؤول إليه حقيقة الأمور، وجاء على هذا المعنى قوله تعالى: {وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًا} وينطبق هذا الوصف على المبتدعة وغيرهم من أهل الكفر والشرك الذين يريدون فتنة المسلمين. وكثر في نصوص السلف تفسير المراد بالذين في قلوبهم زيغ بأنهم الخوارج؛ لأن بدعتهم أول ما ظهر في الإسلام. قال عبد الرزاق: (قال معمر وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية فأما الذين في قلوبهم زيغ قال إن لم تكن الحرورية أو السبئية فلا أدري من هم) وروى نحوه ابن حرير الطبري عن قتادة. وروى ابن جرير عن عن معمرٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: وذكر عنده الخوارج وما يلقون عند القرآن، فقال: يؤمنون بمحكمه، ويهلكون عند متشابهه وقرأ ابن عبّاسٍ: {وما يعلم تأويله إلاّ اللّه}. ومما يدل على أن المراد بالذين في قلوبهم زيغ أعم من ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث يزيد بن إبراهيم التستري عن أيوب السختياني عن ابن أبي مُليكة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب، منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات}، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» وفي رواية في مسند الإمام أحمد عن إسماعيل بن عُلية قال: أخبرنا أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين عنى الله عز وجل، فاحذروهم " بلا واسطة بين ابن أبي مُليكة وعائشة رضي الله عنها، وبلفظ: ( يجادلون فيه) فيستفاد من هذا أن المتشابه يصح إطلاقه على ما يؤمن به وليس فيه عمل، إذا أراد الذين في قلوبهم زيغ ترك العمل والانشغال بالجدال في تفاصيل آيات قصص القرآن ونحوها مما لم يرد بيانه في القرآن وما لا فائدة منه للمسلم. ويصح إطلاق المتشابه على ما خفي معناه؛ ويفهم من المعاني الواردة في معنى التأويل أن خفاء المعنى على درجتين: الأولى: ما يخفى على عامة الناس، ولا يخفى على أهل العلم الراسخين فيه، وهذا على القول بأن معنى التأويل التفسير. الثانية: ما يخفى على جميع الناس، وهذا على القول بأن التأويل ما تؤول إليه حقيقة الأمور، ومن ذلك وقت قيام الساعة ومعنى الحروف المقطعة ونحو ذلك مما لا يعلمه إلا الله. فيمكن بهذا الجمع بين الأقول التي وردت في معنى المتشابه من جهة خفاء المعنى كما أنه يؤيد إمكانية الجمع بين هذه الأقوال اختلاف أئمة القراءة في الوقف والابتداء في قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} فمن قال بالدرجة الأولى من معنى الخفاء، يقف على العلم، وبهذا يكون الراسخون في العلم معطوفًا على لفظ الجلالة (الله) ويكونون ممن يعلمون تأويل المتشابه. ومن قال بالدرجة الثانية، يقف على لفظ الجلالة (الله) ويستأنف (والراسخون في العلم)؛ وهذا على معنى الدرجة الثانية من معاني الخفاء. هذا والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين. |
حرر القول في واحدة من المسائل التالية:
1: المراد بالآيات المحكمة والآيات المتشابهة. جاء عن أهل العلم عدة أقوال في تعيين المحكمات والمتشابهات، هي: أولا: المحكمات. القول الأول: هي التي أحكمت في الإبانة، فإذا سمعها السامع لم يحتج إلى تأويلها لأنها ظاهرة بينة ثابتة الأحكام، لا التباس فيها على أحدٍ من النّاس. حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير. الأدلة والشواهد: - قوله تعالى: "ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثمّ أنشأناه خلقاً آخر". فهذا اعترف القوم به, وأقروا بأن الله هو خالقهم، وما أخبر اللّه به من خلقه من الماء كل شيء حي وما خلق لهم من الثمار, وسخر لهم من الفلك, والرياح , وما أشبه ذلك. فهذا ما لم ينكروه. ذكره الزجاج. - أقاصيص الأنبياء مما اعترف به أهل الكتاب، وما أخبر الله به من إنشاء الخلق. ذكره الزجاج. القول الثاني: هي ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه، وما يؤمن به ويعمل به. قاله ابن عباس وكذا روي عن قتادة والربيع والضحاك ومجاهد وعكرمة وذكره ابن عطية وابن كثير. قال ابن مسعود وغيره: «المحكمات الناسخات، والمتشابهات المنسوخات». ذكره ابن عطية وابن كثير. القول الثالث: هي الآيات التي في آخر الأنعام، وهي قوله تعالى: "قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم.. " الآيات إلى "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل..". ذكره الزجاج وابن كثير. وحكى سعيد بن جبير أنها: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.." إلى ثلاث آيات بعدها. رواه ابن أبي حاتم وذكره ابن عطية وابن كثير. القول الرابع: هي التي فيهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه. قاله محمد بن إسحاق بن يسار وذكره ابن عطية وابن كثير وقالا: هذا أحسن ما قيل فيه. القول الخامس: هو ما أحكم فيه قصص الأنبياء والأمم وبين لمحمد وأمته. ذكره ابن عطية. القول السادس: هو ما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره. قاله جماعة من العلماء منهم جابر بن عبد الله بن رئاب وهو مقتضى قول الشعبي وسفيان الثوري، وغيرهما، وذكره ابن عطية. ثانيا: المتشابهات. القول الأول: هو ما احتيج معه إلى النظر والتأويل والتدبر، حيث يظهر فيها ببادئ النظر إما تعارض مع أخرى أو مع العقل، إلى غير ذلك من أنواع التشابه، وهو ما أنكره أهل الزيغ. ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير. الأدلة والشواهد: - قوله تعالى: " وقال الّذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبّئكم إذا مزّقتم كلّ ممزّق إنّكم لفي خلق جديد * أفترى على اللّه كذبا أم به جنّة". فقد أنكروا البعث بعد أن صاروا ترابا. ذكره الزجاج. - الحديث الصحيح، عن النبي عليه السلام: «الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور متشابهات» أي يكون الشيء حراما في نفسه فيشبه عند من لم يمعن النظر شيئا حلالا وكذلك الآية يكون لها في نفسها معنى صحيح فتشبه عند من لم يمعن النظر أو عند الزائغ معنى آخر فاسدا فربما أراد الاعتراض به على كتاب الله. ذكره ابن عطية. - أن نصارى نجران قالوا للنبي عليه السلام، أليس في كتابك أن عيسى كلمة وروح منه؟ قال: «نعم»، قالوا: فحسبنا إذا. ذكره ابن عطية. القول الثاني: هو المنسوخ من القرآن ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه، وكل ما سوى الحلال والحرام مما يؤمن به ولا يعمل به. قاله ابن عباس وكذا روي عن قتادة والربيع والضحاك ومجاهد وعكرمة، وذكره ابن عطية وابن كثير. الأدلة والشواهد: - قوله تعالى: وما يضلّ به إلّا الفاسقين". ذكره ابن عطية. - قوله تعالى: "كذلك يجعل اللّه الرّجس على الّذين لا يؤمنون". ذكره ابن عطية. القول الثالث: هي الحروف المقطعة في أوائل السور. قاله مقاتل بن حيان وذكره ابن كثير. الأدلة والشواهد: قوله تعالى: "ألم"، "ألمر"... ذكره الزجاج. القول الرابع: هن اللاتي لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألّا يصرفن إلى الباطل، ولا يحرّفن عن الحق. قاله محمد بن إسحاق بن يسار وذكره ابن عطية وابن كثير وقالا: وهذا أحسن ما قيل فيها. القول الخامس: هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرير في السور بعضها باتفاق الألفاظ واختلاف المعاني، وبعضه بعكس ذلك. ذكره ابن عطية. الأدلة والشواهد: - قوله تعالى: "حيّةٌ تسعى"، وقوله: "ثعبانٌ مبينٌ". ذكره ابن عطية. - وقوله تعالى: "اسلك يدك"، و "أدخل يدك". ذكره ابن عطية. القول السادس: هو ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه. قالته جماعة من العلماء منهم جابر بن عبد الله بن رئاب وهو مقتضى قول الشعبي وسفيان الثوري، وغيرهما، وذكره ابن عطية. الأدلة والشواهد: - وذلك مثل وقت قيام الساعة وخروج يأجوج ومأجوج والدجال ونزول عيسى ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور. ذكره ابن عطية. توجيه الأقوال: وصف تعالى كتابه بالمحكم بقوله تعالى: "ألر، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير". هود قال الطبري في تفسيره: أي أن الله أحكم آياته من الدَّخل والخلل والباطل، ثم فصلها وبينها بالأمر والنهي. وهو من إحكام الشيء: أي إصلاحه وإتقانه. ووصف تعالى آيات كتابه بالتشابه بقوله تعالى: "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني" الزمر. قال الطبري: أي يشبه بعضه بعضا لا اختلاف فيه ولا تضاد. والقول في الإحكام والتشابه هنا مختلف عن وصف كل آيات القرآن المذكور أعلاه، ففي الآية: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات"، فقد قسم تعالى آي الكتاب قسمين: محكما ومتشابها، والمتشابه هنا هو الذي يقابل المحكم. ومن معاني الإحكام والتشابه الذي في الآية وكما جاء في معناهما في المعجم الوسيط أن: المحكم: هو المتقن وَمن الْقُرْآن الظَّاهِر الَّذِي لَا شُبْهَة فِيهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل. والمتشابه: هو الذي يحتمل عدة معاني. ومن المعنى اللغوي: يمكننا تفنيد الأقوال المذكورة أعلاه: فبالنسبة للإحكام: فالقول الرابع الذي حسنه ابن عطية وابن كثير موافق للمعنى اللغوي، وكما ذكر ابن عطية: بأنه هو المتضح المعنى لكل العرب، لا يحتاج إلى نظر ولا يتعلق به شيء يلبس، ويستوي في علمه الراسخ في العلم وغيره، وهو معظم الكتاب وعمدة ما فيه، ودليله ما بعده من قوله تعالى: "هن أم الكتاب"، وهو كثير قد فصل ولم يفرط في شيء منه. ويؤيده القول الأول أنها الآيات التي أحكمت في الإبانة، فإذا سمعها السامع لم يحتج إلى تأويلها لأنها ظاهرة بينة ثابتة الأحكام، لا التباس فيها على أحد من الناس. أما بقية الأقوال فهي من باب المثال على تلك الآيات: فالقول الثاني والذي يتناول الناسخ والحلال والحرام والحدود والفرائض وما يؤمن به ويعمل به كله ظاهر بين لا يلتبس على أحد من الناس، فقد قال ابن عطية: والقول بأنه الناسخ فهذا عندي على جهة التمثيل، لا على أنه وقف على هذا النوع من الآيات. وكذلك القول الثالث: فالآيات الثلاث التي في الأنعام أو في الإسراء هي من آيات الحلال والحرام والأوامر والنواهي. وقطعا هو مما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره، وهو القول السادس. ومن سمع أو قرأ آيات القرآن التي تتناول قصص الأنبياء والأمم فإنه قطعا يفهمها ويعقلها دون الحاجة لتأويل لوضوحها وبينها وهي القول الخامس. وبالنسبة للمتشابه: فالقول الرابع الذي حسنه ابن عطية وابن كثير هو الموافق للمعنى اللغوي، فهي الآيات اللاتي تحتمل التأويل وتحتاج للتفهم والتدبر، ويؤيده القول الأول. وأما بقية الأقوال، فهي كما ذكر ابن عطية أنها من باب التمثيل، فالمنسوخ من القرآن والأمثال بل وحتى الحروف المقطعة التي في أوائل السور، كلها تحتاج لتأمل وتدبر للوصول إلى المعنى المراد منها، ومثله وفيه ما اشتبه من الألفاظ في القصص، وسبب ذكر بعض أجزائها في سورة، والبعض الآخر في سورة أخرى، وكذلك تغير الألفاظ فيها من سورة إلى أخرى، كله يحتاج إلى تأمل وتفهم. وكل علم للغيب مما استأثر الله بعلمه دون خلقه فهو داخل في الآيات المتشابهات. وعليه فإن القول الرابع والأول المؤيد له عليهما مدار المعنى، والأقوال الأخرى أمثلة عليهما، ومما يقويهما، الألفاظ التي في الآية: ف "منه آيات محكمات هن أم الكتاب" أي هن أصل الكتاب الذي يرجع إليه عند الاشتباه، وغالب القرآن، وهذا هو المحكم، وأما المتشابه، فهو الذي يشتبه أمره على بعض الناس دون بعض، فتحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد. "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"، فأهل الزيغ يتبعون المتشابه، ويعارضون به المحكم، ابتغاء الفتنة، وجريا خلف التحريف والتضليل. فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى، ومن في قلبه ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل، فسيحرفون المتشابه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه، وأما المحكم فلا نصيب لهم فيه، لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، لذلك قال: "ابتغاء الفتنة" أي أنهم لم يحملوا المتشابه على المحكم، بل طاروا به على اشتباهه وأولوه بما يوافق ضلالهم، فأخذوا بوصف عيسى عليه السلام أنه "وروح منه"، ولم يحملوها على "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه". وأيضا "وابتغاء تأويله" أي تحريفه لما يريدون. "وما يعلم تأويله إلا لله والراسخون في العلم" فكل ما ذكر من أقوال في المراد بالمتشابه هو إما أن يكون: مما لا يعلمه إلا الله، وإما أن يكون مما علمه الله للراسخين في العلم الذين ردوا المتشابه إلى المحكم، وآمنوا بكل آيات الكتاب محكمه ومتشابهه، ويعلمون أنه من عند الله وأنه لا تناقض فيه. |
تابع التقويم
صفية الشقيفي أ+ أحسنت أحسن الله إليك. - من المهم التقديم للبحث بدراسة المعنى اللغوي للإحكام والتشابه، وهي مرحلة أساسية وفاصلة، فإن مردّ جميع الأقوال في المحكم والمتشابه راجع إلى المعنى اللغوي. - تصنيف الأقوال في المحكم والمتشابه من جهة العمل وجهة الوضوح والخفاء فيه نظر .. فدخول المنسوخ والأمثال والأقسام والمقدّم والمؤخّر في المتشابه ليس لأنها ليس فيها عمل، وإنما لأنها مما يخفى على البعض، فهي من المتشابه النسبي، كما أن المنسوخ مما ترك ظاهره لمعارض، ومن هنا رجع المتشابه إلى المعنى اللغوي وهو الخفاء والالتباس. وعليه فلا يفسّر تعلّق أهل الزيغ بالمتشابه لأنه ليس فيه عمل، وإنما لخفائه والتباسه على البعض فيبتغون بذلك الفتنة وتأويله على مراد باطلهم وأهوائهم. إيمان جلال أ+ أحسنت أحسن الله إليك. فاتك تخريج الأقوال، وهو مطلوب في هذه التطبيقات. |
الوقف والابتداء في قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا}
علم الوقف و الابتداء: هو العلم الذي يبحث في معرفة ما يوقف عليه وما يبتدأ به من الكلام، ويلحق به أيضا ما يتعلق بكيفيات الوقف على الكلمة وكيفية الابتداء بها، وأهمية هذا العلم كبيرة إذ به يعرف تفسير القرآن وفهم كثير من معانيه، ولذلك روي عن كثير من السلف ما يؤكد أهمية معرفته والعناية به، (1) قال علي رضي الله عنه: «الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على النبي صلّى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها. وقال الهذلي: «هو حلية التلاوة وتحلية الدراية وزينة القارئ وبلاغة التالي وفهم المستمع وفخر العالم ... يعلم به الفرق بين المعنيين المختلفين ... والحكمين المتقاربين»(3) قال النحاس: ذكر لي بعض أصحابنا عن أبي بكر بن مجاهد أنه كان يقول: لا يقوم بالتمام إلا نحوي عالم بالقراءات عالم بالتفسير عالم بالقصص وتلخيص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن، وقال غيره: يحتاج صاحب علم التمام إلى المعرفة بأشياء من اختلاف الفقهاء في أحكام القرآن (4) أحببت أن أبتدئ هذه الرسالة بهذه المقدمة حتى يتيبن أهمية هذا العلم و الحاجة إلى فهمه لتدبر آيات الله من خلاله، و أن الحديث في الوقف و الابتداء لهذه الآية يجعلنا نطوف بعلوم القرآن؛ كالقراءات و توجيهها و التفسير و مسائله؛ مسائل لغوية إعراب و معاني الكلمات و كلام المفسرين في توجيه المعنى العام للآية وفق كل ذلك، في منظومة بديعة من الأقوال تأخذ بلب من يجمع و بلب من يقرأ، تزيد الإيمان بإعجاز كلام الله و تعظيمه. و نبدأ بحول الله و قوته و الله الموفق: الأقوال في الوقف في الآية: 1- الوقف على "إلا الله".: و هو قول كلًا من أبي نهيك الأسدي، و عمر ابن عبد العزيز و مالك، و يفهم من كلام عائشة و ابن عباس رضي الله عنهما. • قول أبي نهيك أخرجه كلًا من ابن جرير و ابن أبي حاتم عنه قال: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } فيقول : إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } . في رواية ابن جرير (فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا .) و في رواية ابن أبي حاتم : فَأثْنى عَلَيْهِمْ إلى قَوْلِهِ الَّذِينَ قالُوا: ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ﴾ ثُمَّ قالَ: ﴿والرّاسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ﴾ حكاه ابن عطية عن أبو نهيك الأسدي دون إسناد • قول عمر بن العزيز ؛ - أخرجه عبد حميد عن عمر بن عبد العزيز كما ذكر السيوطي في الدر المنثور و لم أصل إليه - أخرجه كلًا من المنذر وابن جرير في تفسيرهما (وذكر السيوطي ذلك عنهم) عن طريق ابن دكين قال، حدثنا عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول:"والراسخون في العلم"، انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا،"آمنا به كلٌّ من عند ربنا". - و حكاه ابن عطية عنه. • قول مالك أخرجه ابن جرير في تفسيره قال - حدثني يونس قال، أخبرنا أشهب، عن مالك في قوله:"وما يعلم تأويله إلا اللهّ"، قال: ثم ابتدأ فقال:"والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا"، وليس يعلمون تأويله. - ذكر الأنباري في إيضاح الوقف و الابتداء: أنه قول أكثر أهل العلم، و قال أبو عمرو الداني في المكتفي: وهو قول أكثر أهل العلم من المفسرين والقراء والنحويين. ما يؤيد القول الأول: 1- ما أخْرَجَه ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ قالَ: قَرَأْتُ عَلى عائِشَةَ هَؤُلاءِ الآياتِ، فَقالَتْ: كانَ رُسُوخُهم في العِلْمِ أنْ آمَنُوا بِمُحْكَمِهِ ومُتَشابِهِهِ، وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ، ولَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ. 2- القراءات: أ. أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، ابن أبي داود في المصاحف، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ طاوُسٍ قالَ: كانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقْرَؤُها: وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ ويَقُولُ الرّاسِخُونَ في العِلْمِ آمَنّا بِهِ. - ذكر السيوطي في الدر أن ابْنُ الأنْبارِيِّ أخرجه في كِتابِ ”الأضْدادِ“،و لم أصل إلى ذلك. - و ذكر أن ابْنُ أبِي داوُدَ أخرجه في ”المَصاحِفِ“ عَنِ الأعْمَشِ . ب. حكى الفراء ٍ في معاني القرآن ،و ابن جرير في تفسيره و الأنباري في إيضاح الوقف و الابتداء؛أنّ في قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ و أبي بن كعب : "إن تأويله إلّا عند اللّه والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به" . - اعتبر أبو بكر الأنباري في إيضاح الوقف و الابتداء هذه القراءة تقوية للقول الأول و أطلق عليه مذهب العامة. 3- ما أخْرَجَه ابْنُ جَرِير و ابن أبي حاتم ٍ من طريق ع يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعْلى عَنْ عُرْوَةَ قالَ: ﴿الرّاسِخُونَ في العِلْمِ﴾ [النساء: ١٦٢] لا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ ولَكِنَّهم يَقُولُونَ: آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنا. - حكى عن عروة هذا القول ابن عطية في تفسيره. 4- المعنى المراد - و اختار أبو عبدِ الله السَّجَاوَنْدِيُّ في كتابه علل الوقوف هذا القول و و صفه أنه الاصوب، و علله أن مذهب أهل السنة و الجماعة على أن شرط الإيمان بالقرآن هو العمل بمحكمه و التسليم لمتشابهه، و هذا ينافي القول الثاني بالوصل عني أن الراسخين يعلمون المتشابه كما يعلمه الله. و قال أن إعراب {والراسخون} مبتدأ، و أنه ثناء من الله عليهم بالإيمان [على التسليم] بأن الكل [من عند الله]. - ذكر الزركشي في كتابه الرهان في علوم القرآن أن الله تعبد عباده بما يعلمون من محكم الكتاب و بما لا يعلمون من متشابهه. - و مما يؤيد هذا القول؛ أن الآية دلت على ذم متبعي المتشابه، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتغاء الفتنة وابتغاء تَأْوِيلِهِ﴾ . ووصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنة، وعلى مدح الذين فوضوا العلم إلى الله وسلموا إليه، كما مدح الله المؤمنين بالغيب. 5- وما أخْرَجَه ابْنُ المُنْذِرِ، مِن طَرِيقِ الكَلْبِيِّ، عَنْ أبِي صالِحِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: تَفْسِيرُ القُرْآنِ عَلى أرْبَعَةِ وُجُوهٍ، تَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ العُلَماءُ، وتَفْسِيرٌ لا يُعْذَرُ النّاسُ بِجَهالَتِهِ مِن حَلالٍ أوْ حَرامٍ، وتَفْسِيرٌ تَعْرِفُهُ العَرَبُ بِلُغَتِها، وتَفْسِيرٌ لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللَّهُ، مَنِ ادَّعى عَلِمَهُ فَهو كاذِبٌ. 6- و ما أخْرَجَه ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ؛ حَلالٍ وحَرامٍ لا يُعْذَرُ أحَدٌ بِالجَهالَةِ بِهِ، وتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ العَرَبُ، وتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ العُلَماءُ، ومُتَشابِهٌ لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ، ومَنِ ادَّعى عِلْمَهُ سِوى اللَّهِ فَهو كاذِبٌ“» . 7- و ما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال :"والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا"، نؤمن بالمحكم وندين به، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به، وهو من عند الله كله).) 8- و قوله حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"والراسخون في العلم" يعملون به، يقولون: نعمل بالمحكم ونؤمن به، ونؤمن بالمتشابه ولا نعمل به، وكل من عند ربنا. 9- نوع الوقف : قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ و أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ :({والوقف على (وما يعلم تأويله إلا الله) تام لمن زعم أن «الراسخين في العلم» لم يعلموا تأويله. 10- الوجه الإعرابي: ذكر ابن جرير في رفع الراسخين : 1- واو الاستئناف؛ فإنه يرفع"الراسخين في العلم" بالابتداء في قول البصريون، ويجعل خبره:"يقولون آمنا به"، قال به الفراء، و رد أن يكون الرفع باتباع الله. 2- في قول بعض الكوفيين، فبالعائد من ذكرهم في"يقولون"، و هو ما قاله أبوبكر ابن الأنباري، و بنى عليه أن الوقف عندهم لا يتم على العلم و لا يحسن، و ذلك لأنه لا يحسن الوقف على المرفوع دون الرافع؛ الراسخين و يقولون. 3- وفي قول بعضهم: بجملة الخبر عنهم، وهي:"يقولون. قال الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن أن قول الله تعالى( يقولون آمنا) إعرابه متردد بين كونه حالًا َفضلة و خبرًا عمدة و رجح كونه خبر عمدة. 11- و ذكر السجاوندي في كتابه علل الوقوف في بيان رأيه في عدم جواز العطف على الله، سببان الأول منهما: أن التوكيد بالنفي في الابتداء، و الثاني : تخصيص اسم الله بالاستثناء يقتضي أنه مما لا يشاركه في علمه سواه، فلا يجوز العطف على قوله {إلا الله] كما على لا إله إلا الله. 2- القول الثاني: الوقف على "الراسخون في العلم" و هو قول مجاهد، و الربيع. • قول مجاهد: -رواه عبد بن حميد في تفسيره عنه قال ( الراسخون في العلم يعلمون تأوله ) و يقولون آمنا به. -و رواه كلًا من ابن جرير، و ابن أبي حاتم (في تفسيرهما)، أبو بكر الأنباري (في ايضاح الوقف والابتداء)، و أبوعمرو الداني (.في المكتفى) عن طريق المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والراسخون في العلم" يعلمون تأويله، ويقولون:"آمنا به" -ذكر ذلك عنهم السيوطي في الدر المنثور، و حكاه و ابن عطية وابن كثير عنه . • قول الربيع -رواه ابن جرير في تفسيره قال حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه عنه به. ما يؤيد القول هذا القول: 1- ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: قال حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمانَ بْنِ الأشْعَثِ، ثَنا حَمُ بْنُ نُوحٍ، ثَنا أبُو مُعاذٍ، ثَنا أبُو مُصْلِحٍ، عَنِ الضَّحّاكِ: ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ والرّاسِخُونَ في العِلْمِ﴾ يَقُولُ: الرّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ، لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ لَمْ يَعْلَمُوا ناسِخَهُ مِن مَنسُوخِهِ، ولَمْ يَعْلَمُوا حَلالَهُ مِن حَرامِهِ، ولا مُحْكَمَهُ مِن مُتَشابِهِهِ. 2- و ما أخرجه في تفسيره أيضًا قال: حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:"وما يعلم تأويله" الذي أراد، ما أراد، ("إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلّ من عند ربنا"، فكيف يختلف، وهو قولٌ واحدٌ من ربّ واحد؟(ثم ردّوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد، فاتَّسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضًا، فنفذَت به الحجة، وظهر به العذر، وزاحَ به الباطل، ودُمغ به الكفر.( 3- ما عقب به ابن كثير بعد ذكره هذا القول وأن عليه كثير من المفسرين و أهل الأصول أنهم قالوا: الخطاب بما لا يفهم بعيدٌ. 4- وصف الراسخون : فلعلمهم بالمتشابه وصفوا بالرسوخ في العلم، قال ذلك مكي في مشكل إعراب القرآن ، و أن الراسخون عطف على الله. 5- رد مكي القراءة التي رويت عَن ابْن عَبَّاس (وَيَقُول الراسخون فِي الْعلم آمنا بِهِ)، لكونها تخالف المصحف، و تأولها إذا صحت ؛ مَا يُعلمهُ إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم وَيَقُولُونَ آمنا بِهِ ثمَّ أظهر الضَّمِير الَّذِي فِي يَقُولُونَ فَقَالَ وَيَقُول الراسخون. و ممن ردها أيضَا أبو الحسن المجاشعي في كتاب النكت في القرآن الكريم، بعد أن ذكر أنه أبو محمد مكي بن أبي طالب المقرئ ( حدثه أن ابن عباس قرأ (وهو ما يعلم تأويلة إلا الله ويقول الراسخون في العلم يقولون آمنا به) . و قد استبعدها لأمرين: الأول أنها مخالفة المصحف، و الثانية لتكرار اللفظ؛ لأن اللفظ الثاني يغني عن الأول. وموضع: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) على هذا القول نصب على الحال. 6- و ذكر أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ في المكتفي أن من قال بذلك جماعة من أهل العلم، و على قولهم يكون الوقف على قوله: {والراسخون في العلم}، و ذكر ان السبب أن الراسخين نسق على اسم الله عز وجل.)[المكتفى: 194 - 197]. 7- الوجه الإعرابي : الواو واو العطف ؛ عطف بـ"الراسخين" على اسم"الله"، فرفعهم بالعطف عليه. * * *الوقف على آمنا به. ذكر ابن أبي بكر الأنباري اختيار السسجتاني و حجته في اختياره القول الأول، ثم رد عليه؛ الحجة الأولى للسجستاني أن الراسخين في موضع رفع، و الرد عليه أن من اختار القول الثاني أخرج الراسخين من موضع الابتداء و أدخلوهم في النسق فلا يلزمهم أن يدخلوا في المنسوق. و حجته الثانية ، ـن أما تدخل على الأسماء المبتدئة و لا تدخل على المنسوقة، و استدل بأدلة، رد ابن الأنباري حجته بأن لو كان الموضع.. 8- المعنى المراد: مما قيل في سبب ترجيح العطف على الله ، أن الله لم يكلف العباد بما لا يعلمون، و أن الله لم ينزل شيئا من القرآن إلا لينتفع به العباد، و يكون لهم دليلًا على ما أراده من معنى، و من هذا يلزم أن لا يكون المتشابه مما يعلمه الله وحده، و أنه لا يجوز أن يقال أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يعلم المتشابه، فإذا جاز أن يعرفه ، جاز للراسخين في العلم علمه، و يدلل على ذلك بقول ابن عباس أنه من الراسخين في العلم و أنه من القليل الذين يعلمون ؛ ذكر ذلك الزركشي في البرهان في علوم القرآن. * و لبيان القول الذي يترجح نحتاج لمعرفة المراد بالمحكم و المتشابه في الآية: الآيات المحكمات الاتي قد أحكمن باليبان و التفصيل و أبتت حجتهن و أدلتهن على ما كانت دليلا عليه من أحكام، لا لبس في فهمها، و المتشابه ما تَشابهت ألفاظه، واحتمل صَرْف صارفه في وجوه التأويلات باحتماله المعاني المختلفة، اختاره الفراء في معاني القرآن،و ابن جرير في تفسيره و النحاس في معاني القرآن، الجصاص في أحكام القرآن، و ابن عطية و ابن كثير.. - اختار ابن جرير القول الأول، أن الراسخين في العلم لا يعلمون المتشابه الذي ذكره الله عز و جل في الآية و الذي هو العلم بوقتَ قيام الساعة، وانقضاء مدة أكل محمد وأمته، وما هو كائن، و هو خاص بمن نزلت فيهم الآية، استند لقراءة أبي و ابن عباس و ابن مسعود. - و لعل أحسن الأقوال و الله أعلم جواز القولين، فكما بين ابن عطية في تفسيره: أن الأمر أقرب منه للاتفاق للخلاف، و ذلك باعتبار المراد بالمحكم و المتشابه، فأصحاب القول الثاني معنى المحكم لديهم هو المتضح البين، و المتشابه على نوعين ما لا يعلمه إلا الله و ما يحتمل وجوه من التأويل يرجح أحدها بأدلته، و هذا الثاني مما يعلمه الراسخون بالعلم، فالله يعلم المتشابه على وجه الكمال و الاستيفاء، و الراسخون في العلم يعلمون جزء منه، و هذا يستنبط من الآية ؛ (َلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) ، كما ربط الجصاص (في كتابه أحكام القرآن) بين الآيتين، فالآية تقتضي معرفتهم بما يشاء الله لهم من علمه. و عليه فعطف الراسخون على الله يدخلهم في علم المتشابه لا على وجه الكمال، و هذا مما يقتضيه العقل، و يقتضيه رسوخهم في العلم، الذي يجعل عندهم زيادة علم عن غيرهم، فالراسخون في العلم يتميزون عن غيرهم بهذا العلم ، وعلى هذا قد يوجه ما قاله ابن عباس في الأثر: قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجهٌ تعرفه العرب من كلامها، وتفسيرٌ لا يُعْذر أحد بجهالته، وتفسيرٌ يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذِكْره. " و قال ابن عطية أيضًا: أن هذا القول يوافق فصيح العربية. و هو قريب مما بينه الجصاص في كتابه أحكام القرآن. و على ما سبق يكون المعنى بالوقف على العلم : لا يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم كل بقدره. و قد ذكر ابن عطية حجة من قال بالوقف على الله، بُنى على أن المتشابه يحتمل وحده، و أن المتشابه إنما هو ما لا سبيل لأحد إلى علمه، و هو ما اختص الله بعلمه، و اختيار أصحاب هذا القول بسبب خوفهم أن يفهم المعنى أن الراسخون يعلمون المتشابه على وجه الكمال، فيكون قولهم بإخراج الراسخين من علم تأويله مقبول. و الإعراب يحتمل الوجهين و المعنى يتقارب كما ذكر ابن عطية. و قد عقب ابن كثير في تفسيره بعد ذكر القولين ، بذكر تفصيل بعض العلماء لها بما يفيد الجمع بينها، لكن بناء على معنى التأويل عند السلف: 1- التأويل بمعنى العلم بحقائق الأشياء، وهذا لا يعلمه الراسخون في العلم، لأنّ حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجليّة إلّا اللّه عزّ وجلّ. 2- الـتاويل بمعنى التفسير و البيان، و هذا مما يعلمه الراسخون في العلم، لأنّهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علمًا بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه. و قد ذكر الدكتور عبد اللطيف الخطيب في معجم القرأءات أن كثير من الأئمة جوز الأمرين .معجم القراءات: 1/445]. مما سبق و الله أعلم يكون القولان جائزين و مقبولين و فيهما معنى كمال المعنى. المصادر: 1- مقدمات في علم القراءات، المؤلف: محمد أحمد مفلح القضاة، أحمد خالد شكرى، محمد خالد منصور (معاصر) 2- رواه الحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان، باب كيف يتعلم القرآن (١: ٣٥) ورواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب بيان أنه قيل يؤمهم أقرؤهم (٣: ١٧١). 3- الهذلي، الكامل في القراءات الخمسين، ورقة ٣٣/ ب. 4- النحّاس في كتابه القطع و الاسئتناف، باب ما يحتاج إليه من حقق النظر في التمام. كتب التفسير: ابن جرير، ابن أبي حاتم، ابن عطية، ابن كثير، الدر المنثور للسيوطي. أحكام القرآن للجصاص كتب معاني القرآن: الفراء، الزجاج، النحاس، أبو الحسن المجاشعي في كتاب النكت في القرآن الكريم علوم القرآن: كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي. كتب القراءات: ابن الأنباري ( إيضاح الوقف و الابتداء)، السجاوندي ( علل الوقوف). عبد اللطيف الخطيب في معجم القرأءات: . [معجم القراءات: 1/445] |
اقتباس:
التقويم: أ+ أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ. - تتبع الأقوال والأسانيد للتخريج ربما يأخذ وقتا طويلا، لكن سيفيدكِ كثيرًا على طول مسيرتك العلميةإن شاء الله، فاحرصي عليه، وأكثري التدرب عليه من خلال هذه الواجبات وغيرها. - أحسنتِ تحرير المسألة، لكن وددت مع كل قول أن تبيني بصورة واضحة علاقة الوقف بالمراد بالتأويل في قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله}، والمراد بالمتشابه، لأن صحة كل وقف تعتمد على ما يعتقده القارئ من معنى الآية. - انسبي الأقوال للعلماء بحسب ما اشتهروا به من أسماء وألقاب وكنى. - طالما قمتِ بتخريج القول من المصادر الأصلية فلا حاجة لعزوه لمصدر ناقل إلا إذا كان في المصدر الناقل مزيد فائدة؛ كأن يكون فيه توضيح أو تعقيب على القول. زادكِ الله إحسانا وتوفيقًا وسدادا. |
الساعة الآن 01:54 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir