تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي
تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي الدرس (هنا) - مجلس مناقشة دروس دورة أساليب التفسير. تنبيه: - الآيات موضوع التطبيق تكون من الأجزاء الثلاثة الأخيرة. وفقكم الله وسددكم. |
بسم الله الرحمن الرحيم رسالة في تفسير قوله تعالى:{ السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا(18)} سورة المزمل. الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمد و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد: فهذه رسالة نسعى فيها لتفسير آية من آيات كتاب الله تعالى، هي آية من سورة المزمل، و سورة المزمل سورة مكية، وهي من أوائل ما نزل في مكة عند بداية الوحي، و السورة تتحدث عن المزمل صلى الله عليه وسلم و ما شرع الله له من قيام الليل و تلاوة للقرآن و غيرها من العبادات الجليلة، ثم بدأ الله في تهديد الكفار و بيان سوء عاقبتهم في الدنيا و أنه سيفعل بهم مثل ما فُعل بأشياعهم {فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا}، ثم خوفهم سبحانه إذا لم ينكفوا عن كفرهم بمآلهم يوم القيامة، فقال تعالى: {فكيف تتّقون إن كفرتم يومًا يجعل الولدان شيبًا} أي: فكيف تحجبون عن أنفسكم أيها الكفار عذاب الله يوم القيامة، حيث في ذلك اليوم يشيب الطفل الصغير. ثم ذكر الله وصفا آخر لذلك اليوم فقال سبحانه:{ السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا(18)} و هذه الآية هي موضوع رسالتنا اليوم. و تفسيرنا للآية بحول الله و قوته سينتظم على قسمين: القسم الأول: قوله تعالى:{ السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ}. ما معنى الإنفطار لغة؟ اتفق أهل اللغة على أن كلمة منفطر تعني: منشق. أما أهل التفسير فقد اختلفوا في المراد بالإنفطار على قولين: الأول: منفطر به أي: منشق به، و شبيه ذلك قوله تعالى:{إذا السماء انشقت}، كما ذكر ذلك الطبري و ابن كثير و القرطبي و الزجاج و ابن عاشور. و استدلوا له بما ورد عن ابن عباس قوله: {السّماء منفطرٌ به} يعني: تشقق السّماء حين ينزل الرحمن جل وعز. الثاني: أي: مثقل و ممتلئ به، قال بذلك كل من ابن عباس و مجاهد و قتادة و الحسن و عكرمة و ابن زيد كما نقل ذلك الطبري و القرطبي. و القرطبي قد جمع بين القولين بقوله:( ويقال : مثقلة به إثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظمته عليها وخشيتها من وقوعه ، كقوله تعالى : {ثقلت في السماوات والأرض}). و كما هو ملاحظ لم يقل الله تعالى السماء منفطرة رغم أن السماء لفظ مؤنث، لماذا؟ الجواب ذكره أبو عمرو بن العلاء حيث اعتبر أن هذا التعبير مجازيّ أُريد به السقف، كقولك: هذا سماء البيت أي سقفه، و هذا كقوله تعالى:{و جعلنا السماء سقفا محفوظا}. أما الفراء فقد اعتبر أن لفظ السماء يذكر ويؤنث. بقي لفهم القسم الأول من الآية فهم المراد بقوله تعالى: {به}، و قد اختلف المفسرون في حرفي هذه الكلمة، أي اختلف في معنى الباء، و اختلف في مرجع الضمير في قوله:{به}. 1- الباء: قيل: هي باء السببية كما قال ابن كثير. و قيل: الباء متضمنة لمعنى: في، أي السماء منفطر فيه أي في ذلك اليوم، و ذكر ذلك القرطبي و البغوي و ابن عاشور. و قد ذكر القرطبي أن القول بالتضمين هو من أحسن ما قيل، و اختاره ابن عاشور. و الله أعلم أنه بإمكاننا حمل الباء على المعنيين معا فالسماء ستنفطر في يوم القيامة و سبب انشقاقها سنعرفه عند معرفتنا لمرجع هاء الضمير. 2- هاء الضمير: قد اختلف فيها على ثلاثة أقوال: الأول: قيل تعود على يوم القيامة، أي أن سبب تشقق السماء هو لهول ذلك اليوم، قاله الحسن و قتادة و ابن زيد، ذكره الطبري و ابن كثير و القرطبي و ابن عاشور. الثاني: تعود على الله تعالى و هذا عند نزوله سبحانه تتشقق السماء، قاله ابن عباس و مجاهد، ذكره الطبري و البغوي و ابن عطية و الزجاج. الثالث: الضمير يعود على الملائكة، فعند نزولها تنفطر السماء كقوله تعالى:{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا}، ذكره البغوي و ابن عطية. و أقوى الأقوال هو القول الأول و هذا ما أشار إليه ابن كثير و رجحه، حيث حكم بضعف القول الثاني و هذا من جهتين: الأولى لعدم قوة ما روي عن ابن عباس ومجاهد، و الثاني لأنه لم يجر ذكر لله تعالى من قبل، و القاعدة تقول أن الضمير يحمل على أقرب مذكور، و أقرب مذكور هو يوم القيامة الذي ذكر في الآية التي قبلها عند قوله تعالى:{...يوما يجعل الولدان شيبا} و بالتالي يضعف القول الثالث لأنه لا ذكر للملائكة من قبل. خلاصة لما سبق يكون المعنى: { السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} أي: أن السماء في يوم القيامة تثقل بسبب شدة ذلك اليوم و عظيم هوله، فينتج عن ذلك الثقل: تشققها، و عند تشققها ينزل الله تعالى و ملائكته و الله أعلم. و القسم الثاني: قوله تعالى:{ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا}. لمعرفة مراد الآية علينا بيان مرجع هاء الضمير في قوله تعالى:{ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا}، و قد اختلف أهل التفسير في ذلك على ثلاثة أقوال: الأول: عوده على الله تعالى، فيكون المعنى: أن الله تعالى هو الذي وعد باليوم الآخر، و إذا وعد سبحانه فإن وعده كائن لا شك فيه، ذكره الطبري و القرطبي و ابن عطية. الثاني: يعود على يوم القيامة، فهو وصف آخر لذلك اليوم، فيصير المعنى: أن الوعد بوقوعه كائن لا محالة، ذكره ابن كثير و ابن عطية و ابن عاشور. الثالث: يعود على الدين، كما قال مقاتل : كان وعده بأن يظهر دينه على الدين كله، ذكره القرطبي. و كلا المعنيين الأوليين صحيحين و محتملين و لا تعارض بينهما، فيوم القيامة كائن لا محالة بوعد من الله لا محالة قال تعالى:{إن الساعة لآتية} و قوله:{ وعد الله لا يخلف الله وعده}. غير أن القول الثالث بعيد و غير متبادر إلى الذهن، لأن الأولى في تفسير كتاب الله هو حمل القرآن على ظاهره و وفق سياق الآيات إلا بدليل يجب الرجوع إليه و الله أعلم. في الأخير، فيا عباد الله يقول تعالى:{و بنينا فوقكم سبعا شدادا} الله القوي سبحانه قد خلق هذه السموات السبع في غاية الإحكام و القوة و لكن رغم شدة بنائها و عظيم خلقها تتشقق و تنفطر في ذلك اليوم العسير المهيب، و يقول تعالى:{لخلق السموات و الأرض أكبر من خلق الناس...} فكيف سيكون حالي و حالك عند تشقق من هو أشد منا خلقا؟؟؟... و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. المراجع : - جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310) - معاني القرآن وإعرابه للزجاج ت ( 311هـ) - النكت والعيون للماوردي ت (450هـ) - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت (542هـ) - معالم التنزيل للبغوي ت ( 510هـ) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ) - تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ) - التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ) |
صفات الأنصار في سورة الحشر بين يدينا آية عظيمة من سورة الحشر، تحوي ذكر خصال جليلة لأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج رضي الله عنهم. ففي هذه السورة بعد أن تضمنت الآية السابقة الثناء على المهاجرين ووصفهم بالصادقين، جاءت هذه الآية بالثناء على الأنصار وذكر أوصافهم الجميلة النبيلة. قال الله تعالى: (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم) فهم سكنوا دار الهجرة قبل كثير من المهاجرين، وتبوؤها حتى صارت موئلاً ومرجعاً يرجع إليه المهاجرون ويسكن بحماه المسلمون، وهم اختاروا الإيمان فآمنوا قبل كثير من المهاجرين، وتمكنوا من الإيمان تمكناً شديداً. وفي اقتران الدار مع الإيمان في سياق الثناء على الأنصار دلالة على فضيلة المدينة بحيث جُعل تبوؤهم المدينة قرين الثناء عليهم بالإيمان، ولعل هذا هو مراد الإيمان مالك لما استنبط من هذه الآية فضل المدينة، حيث حكى عنه ابن وهب قال: سمعت مالكاً يذكر فضل المدينة على غيرها من الآفاق، فقال: "إن المدينة تبوئت بالإيمان والهجرة، وإن غيرها من القرى افتتحت بالسيف"، ثم قرأ: (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم) الآية. ومن أوصافهم الجميلة أنهم لحبهم الله ورسوله (يحبون من هاجر إليهم)، مع أن شأن القبائل والشعوب أنهم يتحرجون من الذين يهاجرون إلى ديارهم ويضايقونهم، وقد كان من آثار تلك المحبة أنهم أحسنوا إلى المهاجرين وواسوهم وأشركوهم في أموالهم ومساكنهم، ولم يتبرموا منهم، حتى قال بعض المهاجرين: "ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول: أبوا أن يملوا ولو أن أُمَّنَّا لقت مثل الذي لقوا منَّا لملَّتِ وهؤلاء الأنصار لسلامة قلوبهم وغنى نفوسهم كانوا كما وصفهم الله: (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا): أي مما أوتي المهاجرون. والمراد بالحاجة هنا: الحسد والغيظ والحزازة، وإطلاق لفظ الحاجة على هذه المعاني من إطلاق الملزوم على اللازم؛ لأن هذه المعاني لا تنفك عن الحاجة غالباً. وفي المراد بما أوتي المهاجرون في الآية قولان: أحدهما: أنه مال الفيء. الآخر: أنه الفضل والتقدم. ولا منافاة بين القولين؛ فهم لا يجدون حاجة مما أوتوا من المال ولا من الجاه، والحسد يقع على هذا كما ذكر ابن تيمية. ومن عظيم ما يؤثر من أوصاف الأنصار ما ذكرته الآية بعدُ، وقد كان لذلك سبب نزول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا رجل يضيف هذه الليلة يرحمه الله، فقام رجل من الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله، فقال لامرأته: ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدَّخريه شيئاً، قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوِّميهم وتعالي فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة! ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لقد عجب الله عز وجل من فلان وفلانة"، فأنزل الله عز وجل: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة). أخرجه البخاري. والخصاصة في الأصل: من خصاص البيت وهو ما يبقى بين عيدانه من الفُرج والفتحات، وكل خلل أو خرق في باب أو غيره فهو خصاص. والمراد بالخصاصة في الآية: الفقر الذي لم يسد، والخلل في الأحوال، والحاجة الشديدة المحيطة بهم من كل جانب، وهذه المعاني ترجع للمعنى اللغوي للخصاص، فالشيء إذا انفرج اختل ووهى، والخصاصة ثلمة تختل بها الحال. والمدح في هذه الآية أعظم من المدح في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً)، فإن للإنفاق في القرآن مراتب ثلاثة: أحدها: الإنفاق من بعض المال بصفه عامة، كما في قوله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون). الثانية: الإنفاق مما يحبه الإنسان ويحرص عليه، وهذا أخص من الأول، كما في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً)، وقوله تعالى: (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب). الثالثة: الإنفاق مع الإيثار على النفس في الإنفاق مع وجود الخصاصة، كالمذكور في هذه الآية. ثم خُتمت هذه الآية بختام بديع فقال تعالى: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وفي هذا دلالة على أن صفات الأنصار التي اتصفوا بها مردها إلى أنهم سلموا من شح النفس؛ أي أنه لسلامتهم من شح النفس لم يجدوا في أنفسهم حسداً على إخوانهم، ولسلامتهم من شح النفس كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، فالشح أصل للحسد وأصل للبخل. وفي هذا الختام حض للناس على التحلي بهذه الفضائل. قال ابن زيد: من وقي شح نفسه فلم يأخذ من الحرام شيئاً ولم يقربه، ولم يدعه الشح أن يحبس من الحلال شيئاً فهو من المفلحين. فطوبى لمن امتثل هذه الأوصاف الجليلة، وتخلَّق بهذه الأخلاق الجميلة. ورضي الله عن الأنصار، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية الإيمان حب الأنصار". متفق عليه. المصادر: أضواء البيان، للشنقيطي وتتمته لتلميذه عطية سالم. التحرير والتنوير، لابن عاشور. التفسير الجامع لابن تيمية، جمع: إياد القيسي. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير. تهذيب اللغة، للجوهري. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري. فتح البيان، للقنوجي. المفردات، للراغب الأصفهاني. مقاييس اللغة، لابن فارس. مناهل العرفان، للقاسمي. |
{إنّ الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير}
{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} الملك (12) هذه الآية هي الميزان الدقيق الذي يوزن به المؤمن إيمانه، وإذا طبقنا هذه الآية في حياتنا سيتحقق الإخلاص الذي هو عزيز، ويستوي السر والعلانية عند المؤمن في تعامله مع الله. قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا الحارث بن عبيد، عن ثابت، عن أنس قال: قالوا: يا رسول الله، إنا نكون عندك على حال، فإذا فارقناك كنا على غيره؟ قال: " كيف أنتم وربكم؟ " قالوا: الله ربنا في السر والعلانية. قال: " ليس ذلكم النفاق " لمَّا ذكر الله تعالى حال الكفار الأشقياء أعقبه بذكر حال المؤمنين السعداء، كماهي عادة القرآن في الترهيب والترغيب {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} الملك (12) كما قال تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} (11) يس {إنّ الذين} أنَّ واسمها. {يخشون} من الخشية، والخشية الخوف مع حب وتعظيم. قال أبو هلال العسكري في معجم الفروق اللغوية: " أن الخوف يتعلق بالمكروه وبترك المكروه تقول خفت زيدا كما قال تعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} وتقول خفت المرض كما قال سبحانه :و{يخافون سوء الحساب} والخشية تتعلق بمنزل المكروه ولا يسمى الخوف من نفس المكروه خشية ولهذا قال: {ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} فإن قيل أليس قد قال { إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل} قلنا إنه خشي القول المؤدي إلى الفرقة والمؤدي إلى الشيء بمنزلة من يفعله وقال بعض العلماء يقال خشيت زيدا ولا يقال خشيت ذهاب زيد فإن قيل ذلك فليس على الأصل ولكن على وضع الخشية مكان الخوف، وقد يوضع الشيء مكان الشيء اذا قرب منه. وقال أبو هلال أيضًا: "ذكر المحقق الطوسي في بعض مؤلفاته ما حاصله: أن الخوف والخشية وإن كانا في اللغة بمعنى واحد إلا أن بين خوف الله وخشيته وفي عرف أرباب القلوب فرقا وهو أن الخوف تألم النفس من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيات، والتقصير في الطاعات. وهو يحصل لأكثر الخلق وإن كانت مراتبه متفاوتة جدا، والمرتبة العليا منه لا تحصل إلا للقليل. والخشية: حالة تحصل عند الشعور بعظمة الخالق وهيبته وخوف الحجب عنه، وهذه حالة لا تحصل إلا لمن اطلع على حال الكبرياء وذاق لذة القرب، ولذا قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}. فالخشية: خوف خاص، وقد يطلقون عليها الخوف". {ربهم}أي خالقهم ورازقهم ومربيهم بالنعم، وأضافهم إلى الربّ تشريفًا وتكريمًا لهم، لأنَّ الربوبية قسمان: ربوبية خاصَّة وربوبيَّة عامَّة، والمراد بها هنا الربوبيّة الخاصَّة. ربوبيَّة التشريف والتكريم والهداية والحفظ. {بالغيب} الجار "بالغيب" متعلق بحال من فاعل "يخشون" والمعني، وهو سبحانه غيبٌ لم يروه كقوله تعالى: {ليعلم الله من يخافه بالغيب} وقوله سبحانه {من خشي الرحمن بالغيب} والغيب ما غاب عن الحواس، قال تعالى { لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) الأنعام. أو المعنى في حال كونهم غائبين عن النّاس لا يراهم أحد، فهم يخشونه سبحانه في السر والعلانية كما في الحديث، " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، إلى أن قال، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" متفق عليه وكما قال الشاعر: يتجنب الهفوات في خلواته ... عف السريرة، غيبه كالمشهد وقال الماوردي في تفسريه النكت والعيون فيه ستة أوجه: أحدها: أن الغيب اللَّه تعالى وملائكته، قاله أبو العالية. الثاني: الجنة والنار، قاله السدي. الثالث: أنه القرآن، قاله زر بن حبيش. الرابع: أنه الإسلام لأنه يغيب، قاله إسماعيل بن أبي خالد. الخامس: أنه القلب، قاله ابن بحر. السادس: أنه الخلوة إذا خلا بنفسه فذكر ذنبه استغفر ربه، قاله يحيى بن سلام. ولم يرجح الماوردي أيّ قول منها. وأكثر المفسرين على أنها الخلوة أو أنّ الله سبحانه غيب لم يروه. {لهم مغفرة} الجملة في محل رفع خبر(إنَّ) في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ} {ولهم} جار ومجرور خبر قدم لإفادة الحصر والتخصيص، أي لهم خاصَّة أجرٌ عظيم دون غيرهم. و"المغفرة" هي ستر الذنب عن الخلق والتجاوز عن عقوبته. {وأجرٌ كبير}أي: وثوابٌ عظيم في جنّات النعيم، وإذا قال الله أنّ أجرهم كبير فلا يقدر كبره إلا الله عزّ وجل، العظيم الكبير جل شأنه. وسمى الله عزّ وجل ثوابهم أجرًا مع أنَّه لا يجب عليه سبحانه شيء لخلقه، تكرّمًا منه وامتنانا عليهم لأنه هو الذي تكفّل به وأوجبه على نفسه {كتب ربكم على نفسه الرّحمة} قال بن القيم: ما للعباد عليه حق واجب *** هو أوجب الأجر العظيم الشأن كلا، ولا عمل لديه ضائع *** إن كان بالإخلاص والإحسان. فجمع لهم عزّ وجل بين مغفرة ذنوبهم بسترها والتجاوز عنها وبذلك يزول المرهوب، وبين إثابتهم بالأجر وبذلك يحصل المطلوب، وقّم مغفرة الذنوب لأن التخلية قبل التحلية. ما يستفاد من الآية: 1/ أعدَّ الله تعالى المغفرة والأجر الكبير لمن يخشاه بالغيب فحريٌ بالعبد أن يغتنم هذا الأجر الكبير والثواب الجزيل. 2/يجب على العبد أن تكون علانيته كَسِرهِ، خاصّة في التعامل مع الله، وليس ذلكم النفاق كما قال صلى الله عليه وسلم. 3/ التخلية قبل التحلية فقد ذكر الله عز وجل المغفرة ثم رتب الأجر، كذلك يجب أن يكون حال المؤمن دائما يفرغ قلبه من المعاصي والذنوب ثم يعمل الصالحات لتجد القلب خاليا نظيفا فتستقر، كما قال الشاعر: أَتاني هواها قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الهوى فصادفَ قلباً خالياً فتمكنا. المصادر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير تفسير الماوردي النكت والعيون تنوير العقول والأذهان في تفسير مفصل القرآن ( سليمان بن إبراهيم اللاحم. معجم الفروق اللغوية لأبي الهلال العسكري. إعراب القرآن لقاسم دعّاس. |
بسم الله الرحمن الرحيم رسالة تفسيرية في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُواوَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). إن الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هذاه، أما بعد: فإنني أستعين الله تعالى في بيان شيء من تفسير الآية الكريمة من سورة التغابن وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وهي آية مدنية ضمن سورة اختلف العلماء في كونها مدنية أم مكية استثنيت منها هذه الآية والتي تليها إلى آخر السورة فكانت مدنية، ولهذه الآية سبب نزول ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: " أنه قال حين سئل عن هذه الآية: فهؤلاء رجالٌ أسلموا من مكّة، فأرادوا أن يأتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؛ فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعوهم، فلمّا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهَمُّوا أن يعاقبوهم؛ فأنزل اللّه هذه الآية: "وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنَّ الله غفورٌرحيمٌ". وورد أيضا عن ابن عباس: أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه حين شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده؛ فنزلت. وعن عطاء بن أبي يسارأنها نزلت فيعوف بن مالك الأشجعي:كان ذا أهل وولد ، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه فقالوا : إلى من تدعنا ؟ فيرق فيقيم؛ فنزلت :يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم"الآية. والمقصد من هذه الآية الكرية هو تحذير المؤمنين من الاغترار بالأزواج والأولاد حتى يكون منهم من هو سبب في غضب الله تعالى على العبد. وقوله تعالى: "إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم" إنَّ تفيد التوكيد، و "من" تفيد التبعيضحيث إن بعضَ وليس كلَّ أزواج المؤمنين وأبنائهم يكونون أعداءً لهم في حقيقة الأمر، وتقديم خبر ( إن ) وهو متعلَّق شبه الجملة (من أزواجكم) المحذوف على اسمها وهو (عدوا)؛ للاهتمام بهذا الخبر، وكذلك التشويق إلى الاسم؛ ليتمكن مضمون هذا الخبر في الذهن أتم تمكن لما فيه من الغرابة والأهمية. أما العدو، فهو وصف من العداوة بمعنى فاعل، أي الذي يقوم بالعدوان وهو الذي يريد بالإنسان الشر. فالأرزواج و الأبناء يكونون أعداء من حيث إنهم قد يكون منهم إلهاءٌ للعبد عما افترضه الله عليه، وصرفٌ له عن وجوه الطاعات، و إقحامٌ له في مزالقِ المحرمات، يحمله على ذلك حبُّه الشديدُ لهم، و حرصُه على نفعهم. وقوله تعالى: "فاحذروهم" يعود الضمير على بعض الأزواج و الأولاد الذين حصلت منهم العداوة المشار إليها. والحذر منهم يكون على الدين؛ لأن أثر تلك العداوة يكون عائدا متوجها إلى الدين؛ فوجب الحذر منهم على الدين. إذ لا يمكن أن يكون الحذر من الأزواج و الأولاد عاما، فالحذر يتعلق بما يطلبونه أو يحتاجونه من رزق مما يحتوي على محذور شرعي إما أن يكون على جهة تفويت الواجبات أو فعل المحرمات. قوله تعالى: "وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا، فإن الله غفور رحيم" العفو عن الذنوب التي ارتكبها أولئك الأزواج و الأولاد، وترك التثريب عليه، وسترها. وقد أمر تعالى بالعفو والصفح والمغفرة؛ حتى لا يتوهم المسلم أنه مأمور بالغلظة و الشدة على زوجه وأولاده طلبا لمرضاة الله تعالى الذي حذر منهم؛ فأزال الله ما قد يوجب اللبس في الأفهام. ولأنَّ الجزاءَ مِن جِنْسِ العمَلِ، فمَن عَفَا عفَا اللَّهُ عنه، ومَن صَفَحَ صَفَحَ اللَّهُ عنه، ومَن عامَلَ اللَّهَ تعالى فيما يُحِبُّ وعامَلَ عِبادَه بمايُحِبُّونَ ويَنْفَعُهم، نالَ مَحَبَّةَ اللَّهِ ومَحَبَّةَ عِباده. المصادر: تفسير القرآن العظيم ابن كثير الجامع لأحكام القرآن القرطبي التحرير والتنوير الطاهر ابن عاشور تيسير الكريم الرحمن السعدي زبدة التفسير الأشقر |
رسالة تفسيريه في قول الله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21))سورة الحشر
تتحدث هذه الآية عن تعظيم القرآن الكريم وعلو قدره، ومايحمل من آيات فيها من العبر والأحكام و الأوامر ماتتصدع لها الجبال العظام ، فأمر الله بني آدم أن يأخذوه ويفهمونه الفهم السليم ويعملون مابه ويتدبرونه ويتفكرون به ،فمن كانت هذه حالته فيرجى له أن يلين قلبه ويخشع لله . *قال تعالى :( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) ماورد من القراءات في الآيه : *قرأ طلحة بن مصرف «مصدعا» على إدغام التاء في الصاد. *يقول الله تعالى مخاطبا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، يامحمد لو أنزلنا على سبيل الفرض هذا القرآن على جبل فأمرته بما أمرتكم به وحملته من تأدية مافي القرآن الكريم لتصدع وتشقق من التذلل والخشية ،فكيف ببني آدم ؟ . وقال ابن عباس في تفسير هذه الآيه : (لو أنّي أنزلت هذا القرآن على جبلٍ حمّلته إيّاه تصدّع وخشع من ثقله ومن خشية اللّه، فأمر اللّه عزّ وجلّ النّاس إذا أنزل عليهم القرآن، أن يأخذوه بالخشية الشّديدة والتّخشّع، قال: كذلك يضرب اللّه الأمثال للنّاس، لعلّهم يتفكّرون) *وماورد في معنى الخشوعُ في كتاب حصول المأمول : هوَ التَّذَلُّلُ والتطامُنُ، وهوَ بمعنَى الْخُضوعِ إلاَّ أنَّ الخضوعَ يَغْلِبُ أنْ يكونَ في البدَنِ، والخشوعَ في القلبِ أو البصَرِ أو الصوت: - قالَ تعالَى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} . - وقالَ تعالَى: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ} وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: ((وأصل الخشوع: هو لين القلب ورقته، وسكونه، وخضوعه، وانكساره، وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح، والأعضاء؛ لأنها تابعة له، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... ألاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَالْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ)) ومعنى الخشيه :هو الخوف مع العلم بعظمة من يخشاه ،بعكس الخوف الذي يكون بجهل حال من يخافه هل هو قادر أم لا؟. فتدل هذه الآيه : أن ابن آدم إذا لم يخشع قلبه لله ويتأثر به ،فإنه لم يعطي القرآن حقه الذي أوجبه الله عليه. و ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآيه (أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا عمل له المنبر، وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذعٍ من جذوع المسجد، فلمّا وضع المنبر أوّل ما وضع، وجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليخطب فجاوز الجذع إلى نحو المنبر، فعند ذلك حنّ الجذع وجعل يئنّ كما يئنّ الصّبيّ الّذي يسكّن، لما كان يسمع من الذّكر والوحي عنده. ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصريّ بعد إيراده: "فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجذع". وهكذا هذه الآية الكريمة، إذا كانت الجبال الصّمّ لو سمعت كلام اللّه وفهمته، لخشعت وتصدّعت من خشيته فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟) *وذكر ابن عاشور فائدة الإتيان باسم الإشاره القريب (هذا ): أن القرآن قريب غير بعيد ،وأنه في متناولهم وليس فيه كلفة على تدبره . قال تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) وهذه الأمثال التي يذكرها الله تكون للتفكر والنظر والتأمل ثم الأنقياد والعمل بمافيه من الأوامر والنواهي ، فكيف بحجر على قساوته وصلابته يخشع ويخشى ويتذلل لله ،فالأولى لهذا الخشوع والخشيه لبني آدم . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المراجع : محمد بن جرير الطبري ابن عطية الأندلسي ابن كثير الوسيط للطنطاوي السعدي ابن عاشور ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف حصول المأمول لفضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان |
بسم الله الرحمن الرحيم رسالة في تفسير قوله تعالى: { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره} القيامة 24، 25 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: والآية التي نتدارسها هي آية من سورة القيامة ، وسورة القيامة سورة مكية ، وواضح من اسم السورة أنها تدعونا إلى التفكر والاعتبار بمشاهد يوم القيامة ذلك اليوم العظيم المهيب، كما يظهر في السورة جلياً حال الإنسان في هذا اليوم العصيب مقارنة بما كان عليه في الدنيا من الغفلة وعدم الاستعداد للآخرة ، وهي من سور المفصل ، وهو الذي فُضل به نبينا صلى الله عليه وسلم. ويقول الله عز وجل فيها: { بل الإنسان على نفسه بصيرة}، "بل" للإضراب الانتقالي فبعد أن ذكر الله تعالى في الآية السابقة أن الإنسان يخبر يوم القيامة بأعماله ، ذكر في هذه الآية أنه شاهد على نفسه بما عمل ، أي: هو بصير على نفسه، عالم بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ، حسيب على نفسه شهيد عليها ، يشهد عليه سمعه وبصره ولسانه كما قال تعالى: { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}. ومعنى" بصيرة " أي: مبصر شديد المراقبة فيكون "بصيرة "خبراً عن الإنسان ، وعلى نفسه متعلقاً ب بصيرة ، أي: (الإنسان بصير بنفسه ) وعدي بحرف على لتضمينه معنى المراقبة . وفي تفسير قوله تعالى:"بصيرة " وجهان للمفسرين : الأول:المراد جوارحه تشهد عليه بما عمل فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه ، والمعنى : بل للإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله ، ويشهدون عليه به، قالوا هم الملائكة الحفظة ، وعن ابن عباس:" سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه " وعلى هذا التفسير فالبصيرة جوارح ابن آدم ، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}. وعلى هذا التفسير يكون إعراب الإنسان مبتدأ ، وخبره جملة {على نفسه بصيرة}. الثاني: قاله ابن عباس في رواية ثانية وقتادة وابن زيد ، بل الإنسان شاهد على نفسه وحده ، شاهد عليها بعملها ، لأن الإنسان يعلم ما يقربه من ربه ويعلم أن فيه سعادته ، ويعلم ما يبعده عن ربه ويشغله بالدنيا، ويعلم أن فيه شقاوته ، وهو كقوله تعالى:{ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} ، ومصداق هذا التفسير ماجاء في السنة في حديث تقرير العبد بذنوبه " أتذكر ذنب كذا وكذا" فيقول: نعم يارب" . قال الأخفش : جعله ( أي الإنسان ) هو البصيرة ، كما تقول للرجل أنت حجة على نفسك ، وجاءت الهاء في {بصيرة} في صفة المذكر كما كانت في: رجل راوية ، وطاغية ، وعلامة للمبالغة . وعلى هذا التأويل إعراب {الإنسان } مبتدأ وخبره {بصيرة } . وجملة { ولو ألقى معاذيره} في موضع الحال من المبتدأ وهو الإنسان ، والمعاذير : اسم جمع معذرة ، وليس جمعاً لمعذرة لأنها تجمع على معاذر ، وعن الضحاك : أن معاذير جمع معذار وهو الستر بلغة اليمن. وفي قوله تعالى: {ولو ألقى معاذيره } قولان لأهل التفسير: أحدهما: أن المعاذير الأعذار ، أي يشهد الإنسان على نفسه بأعماله ولو اعتذر عن قبائحها وأنكرها، وهو قول جمهور المفسرين. الثاني:المعاذير الستور ، أي يشهد على نفسه يوم القيامة ولو سدل الستور على نفسه في الدنيا حين يرتكب القبائح ، وهو قول السدي والضحاك. والخلاصة: أن الإنسان يعلم يومئذ أعماله التي استحق العقاب عليها ولو كان متخفياً بها في الدنيا، ويحاول الاعتذار منها وهو يعلم أن لا عذر له ، ومهما اعتذر الإنسان وأنكر وجادل فهو عالم بأعماله بصير على نفسه عالم بخفاياها وعيوبها ، ولكنه قد يغفل عن نفسه ويتبصر بعيوب الآخرين كما رُوي عن قتادة عند هذه الآية قال: يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه – نسأل الله العافية والسلامة. .----- المراجع : - جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت(310) - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت (542هـ) - معالم التنزيل للبغوي ت ( 510هـ) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ) - تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ) - التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ) |
تطبيق المسائل التفسيرية (1)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى وسلام على نبيه الذي اصطفى وبعد :وقفات مع قوله تعالى :(فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) سورة الصف آية (5) وردت هذه الآية في سورة الصف وهي سورة مدنية، مفتتحة بتنزيه الله، وتقديسه عما لا يليق به من كل نقص وعيب، قال تعالى في مطلعها:(سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) ومقصد هذه السورة الكريمة إظهار شريعة الجهاد، وحث المؤمنين على نصرة دين الله تعالى، والجهاد في سبيله . قال تعالى:( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) أي واذكر يا محمد ما قاله موسى لقومه الذين كذبوه وآذوه لم تؤذونني بمخالفة أمري، مع علمكم أني رسول الله إليكم حقًا، وهذا فيه تسلية لنبينا الكريم فيما يلاقيه من أذى المشركين ومواساةٌ له بذكر ما حصل للأنبياء قبله، وتعريض بمن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول أو الفعل أو العصيان لأمره. ويؤخذ من مفهوم الآية أيضًا نهي المؤمنين عن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ورد هذا المعنى صريحًا في قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا..) الأحزاب 69. ثم قال جل وعلا :( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) الزيغ هو الميل من زاغ يزيع زيغا، وقوم زاغة عن الشيء أي زائغون .قال تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) أي : لا تملنا عن الهدى والقصد ولا تضلنا، وقيل : لا تزغ قلوبنا لا تتعبدنا بما يكون سببا لزيغ قلوبنا. وفي الدعاء : "اللهم لا تزغ قلبي" أي لا تمله عن الإيمان . يقال : زاغ عن الطريق يزيغ إذا عدل عنه . وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه- الذي أخرجه الشيخان: "إني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ". أي: أجور وأعدل عن الحق ، وزاغت الشمس : مالت؛ قال الله تعالى:( ما زاغ البصر) قال الطبري: " ما مال بصر محمد يَعْدِل يمينا وشمالا عما رأى" والمعنى فلما مالوا عن الحق وعدلوا عن السبيل أمال الله قلوبهم عنه. فإن قال قائل: هل في إسناد فعل الزيغ إلى الله تعالى ما يتنافى مع تنزيه الله تعالى وذلك بنسبة فعل الشر إليه ؟ وهل في تعذيب الله تعالى لمن أزاغهم وأضلهم عن سبيل الهدى منافاة لما وصف به من العدل والحكمة والرحمة؟؟ فالجواب: - إن من طريقة القرءان أن تضاف إلى الله تعالى محاسن الأمور دون مساويها مع أن كل ما يجري من فعل حسن أو قبيح في هذه الدنيا إلا هو واقع بمشيئة الله وإرادته وعلمه، وهذا من باب التأدب معه سبحانه ، قال ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى:( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم) " أن هذا جاء على الطريقة المعهودة في القرآن الكريم وهي أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى فيذكر فاعلها منسوبة إليه ولا يبني الفعل معها للمفعول فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف وبني الفعل معها للمفعول أدبا في الخطاب وإضافته إلى الله تعالى أشرف قسمي أفعاله ...ونظيره قول إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه: {الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين} فنسب الخلق والهداية والإحسان بالطعام والسقي إلى الله تعالى" أ.هـ أما ما ورد في هذه الآية من نسبة فعل الزيغ إلى الله تعالى فهو من باب الجزاء للزيغ الذي وقع منهم باختيارهم ومثله قوله تعالى: ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) وقوله :( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) وقوله :( سأصرف عن ءاياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) الأعراف 146 - أما تعذيبه سبحانه لمن أضلهم وأزاغهم فلا يثبت منافاته للعدل والحكمة والرحمة ؛ وذلك أن الإضلال لم يحصل ابتداء، وإنما حصل بعد إقامة الحجة، ومخالفتهم الفطرة ، وإرادتِهم الزيغَ بقلوبهم قال تعالى:(وما كان الله ليضل قومً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم:" وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " وقال تعالى: ( وهديناه النجدين ) فأثبت الله تعالى للعبد اختيارًا يستعين فيه بما وهبه الله إياه من العقل الذي يميز به بين الخير والشر. - فاجتمعت للعباد ثلاثة أمور تدل على أن إيقاع العقوبة والعذاب على الزائغين منهم لا تنافي كمال عدل الله وحكمته ورحمته وهي : 1- الفطرة التي فطر الخلق عليها وهي الإسلام . 2- ومع ذلك لم يحاسب الخلق بمقتضى تلك الفطرة بل أقام الحجة عليهم بحصول البيان عن طريق الرسل والكتب . 3- ما جعله الله للعبد من إرادة واختيار، يقع عليه التكليف بموجبها ويرتفع عنه بفقدها. وهنا نكتة لطيفة وهي أن في افتتاح السورة بالتنزيه لله تعالى ما يدفع ما قد يقع في القلب من مثل هذا التوهم فلا يمكن أن يقع منه الظلم لعباده بأي وجه من الوجوه . ثم قال سبحانه : (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) الفسق هو العصيان والترك لأمر الله عز وجل ،والخروج عن طريق الحق . والمعنى أن الله تعالى لن يوفق لإصابة الحق هؤلاء الذين خرجوا عن الجادة واختاروا الكفر على الإيمان ما داموا على حالهم. وفي ظاهر الآية ما يدل على أن الخارج عن طاعة الله لا يهديه الله تعالى مما يتعارض مع قوله تعالى:( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) الأنفال 38 وقوله :( كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا ) النساء 94 ، ونظائرها من الآيات مما يثبت حدوث الهداية للفاسقين والكافرين. ووجه الجمع ما ذكره الشنقيطي رحمه الله بقوله: "- أن هذا من العام المخصوص فهي في خصوص الأشقياء الذين أزاغ الله قلوبهم لشقاوتهم الأزلية. وقيل : المعنى : لا يهديهم الله ما داموا على فسقهم، فإن تابوا منه هداهم" أ . هـ وفي الآية الكريمة فوائد منها: - أن الهداية و الضلال بيد الله تعالى، ولكن سببه من العبد نفسه. - ضرورة الاعتناء بالقلب والحرص على تنقيته من كل ما يمكن أن يجلب له الحرمان والشقاوة في الدنيا والآخرة من الإرادات الفاسدة والشبه والشهوات. - الاعتصام واللجأ إلى الله بطلب حفظ القلب وتثبيته على الجادة فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء. - إن الله تعالى لا يوقع عقوبة على العبد إلا بذنب ، وفي هذا دليل على كمال عدل الله وحكمته ورحمته بعباده. مصادر الرسالة : - جامع البيان للطبري - الجامع لأحكام القرءان للقرطبي - تفسير القرءان العظيم لابن كثير. - التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور - دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي - تفسير القرءان الكريم للشيخ ابن عثيمين - لسان العرب لابن منظور - تنزيه القرءان الكريم لـ د . منقذ السقار |
رسالة فى تفسير قول الله تعالى " فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة " • اقتحم فعل ماض من الاقتحام ، ومعنى الاقتحام فى اللغة : هو الرمى بالنفس فى شىء بغير روية . يقال :قحم يقحم قحوما، واقتحم اقتحاما . قحّم الفرس فارسه تقحيما على وجهه إذا رماه. القُحمة ( بالضم) هى المهلكة والسنة الشديدة ، يقال: أصابت الأعراب القٌحمة ،إذا أصابهم قحط شديد فدخلوا الريف. • العقبة هى طريق فى الجبل وعر ، جمعها عقب وعقاب وسميت بذلك لصعوبة سلوكها. بالنسبة لقوله تعالى " فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة " فيه مسائل وهى : - المراد بالعقبة . - السبب فى عدم تكرار (لا) مع الفعل الماضى على غير عادة العرب. - المراد من الاسلوب فى الآية. أولا المراد بالعقبة أو تفسير العقبة : فسرت العقبة على وجهين : الأول :أنها فى الآخرة فقيل أنها عقبة جهنم وهى النار نفسها ، وقيل أنها عقبة بين الجنة والنار فهى الصراط الذى يضرب على جهنم كحد السيف . وهذه الأقوال قالها عطاء والكلبى ومجاهد والضحاك . الثانى : أن المراد بالعقبة مثال ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس والشيطان فى أعمال البر، قاله الحسن ومقاتل، كما قيل : إني بُلِيتُ بأربعٍ يَرْميننَي بالنَّبْل قد نَصَبوا عليّ شِراكا إبليسُ والدنيا ونفسي والهوَى من أين أرجو بينهن فَكاكا يا ربِّ ساعدني بعفوٍ إنني أصبحت لا أرجو لهن سِواكا فالإنسان يرمو إلى نيل المعالى ورضا مولاه وتحصيل الثواب لكن الذنوب والمعاصى التى ارتكبها تكون بالنسبة له كالعقبة التى ينبغى له أن يتجاوزها كما وجهه ربه عز وجل حتى ينال رضاه وإنما منشأ هذه الذنوب يكون من طاعة النفس والهوى والشيطان . وبالنسبة للقول الأول ففيه نظر لأن الإنسان ما اقتحم عقبة جهنم بعد ، وقال هذا الواحدى . أما القول الثانى فهو الصحيح لأن الله تعالى بين فى الآيات بعدها كيفية اقتحام هذه العقبة وتجاوزها فقال تعالى " فك رقبة أو إطعام فى يوم ذى مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ". المسألة الثانية : أن (لا ) إذا دخلت على الفعل الماضى عادة تكون مكررة على عادة العرب كما قال تعالى فى سورة القيامة" فلا صدق ولا صلى " ، فما السبب فى عدم تكرارها هنا فى قوله تعالى " فلا اقتحم العقبة " ؟ والرد على هذه المسألة من ثلاثة أوجه : - الأول : أنه قد يكون التكرار فى المعنى لأنه جل شأنه فسر اقتحام العقبة بفك رقبة أو إطعام مسكين فيكون المعنى فلا اقتحم العقبة ولافك رقبة ولا أطعم مسكين ، كما أنه تعالى قال بعدها " ثم كان من الذين ءامنوا وتواصوا " فيكون المعنى ( فلا اقتحم العقبة ولا آمن).أى أن آخر الكلام دل عليها فلا حاجة للتكرار، قاله الفراء والزجاج. - الثانى : قد تكون (لا) بمعنى ( لم) وهنا لا تحتاج إلى تكرارإذ لا يجب التكرار مع لم فيكون المعنى " لم يقتحم العقبة فى الدنيا " ، قاله أبو على الفارسى . - الثالث: وقيل أنه جار مجرى الدعاء فتكون بمعنى " لا نجا ولا سلم من لم ينفق ماله فى فك الرقاب أو إطعام المساكين لاقتحام العقبة ". المسألة الأخيرة وهى المراد من أسلوب الكلام فى الآية: قال جماعة من المفسرين أن المراد من الكلام هو الاستفهام للإنكار وعليه فيكون المعنى ، هلا أنفق ماله فى فك الرقاب وغيره من القرب التى تساعده على تجاوز العقبة ، أو أفلا اقتحم العقبة بفك رقبة أو كذا وكذا بدلا من إنفاقه فى عداوة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قال تعالى بعدها " وما أدراك ما العقبة " لتفخيم شأنها والاستعداد لها لتجاوزها لأنها عقبة شديدة صعبة لا يستطيعها إلا من كان حمله قليل من الذنوب . واعلم أيها الكريم أن الله تعالى إذا قال فى كتابه العظيم " وما أدراك " فإنه يخبرك ، أما إذا قال " وما يدريك " فإنه أمر غيبى يخفيه عنك . ومثال ذلك الآية التى بين أيدينا حيث قال تعالى " وما أدراك ما العقبة " فذكر بعدها أنواع من القرب المالية التى تعين على اقتحامها . وفى آية أخرى قال تعالى " وما يدريك لعل الساعة قريب" وما أخبر تعالى عن وقتها ، والله أعلى وأعلم . المراجع: - تفسير معالم التنزيل/ البغوي -تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) - تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) - فتح القدير للشوكانى. |
رسالة تطبيقية على أسلوب التقرير العلمي
رسالة في تفسير قوله تعالى : {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وأما بعد: هذه الرسالة تأملات في قوله تعالى :{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } وردت هذه الآية في سورة الجن في سياق ذكر الله تعالى لموقف الجن عند سماعهم القرآن وماكان عليه سفهاؤهم من الشرك بالله وما نسبوا له من الصاحبة والولد وماكانوا عليه من استراق السمع وتلقُف الوحي بينهم حتى جعل الله لوحيه عند بعثة نبيه من الحفظ بالشهب التي تحرق الجن الذين كانوا يسترقون السمع ثم ذكر تعالى على لسان الجن أن منهم الصالحون المسلمون ومنهم دون ذلك من القاسطين الكافرين وذكر جزاء كلا من الفريقين ثم اتبع ذلك بذكر أن المساجد لله تنبيها لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بتخصيص المساجد التي هي أماكن للعبادة ويُحتمل أن المراد بها أعضاء السجود بأنها لله حتى لا يسلكوا مسلك اليهود والنصارى الذين إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعِهم أشركوا بالله ومنه انتقل السياق إلى بيان موقف الجن من النبي صلى الله عليه وسلم- على أحد الأقوال - حين يقوم بعبادة ربه من صلاة وقراءة للقرآن وهي الآية موضوع الرسالة. ولكي نفهم الآية لابد من إجابة على أهم مسائلها وتتلخص في: 1. ما وقت أو سبب نزول الآية. 2. من المراد ب " عبد الله في الآية " ؟ 3. المراد بقوله " يدعوه" ؟ أي ما المقصود بالدعوة في الآية ؟ 4. مرجع الضمير في " كادوا يكونون " أي مرجع واو الجماعة في هذه الجملة ؟ 5. ما معنى " لِبَدا" ؟ وما دلالة استخدامها في الآية ونقول وبالله التوفيق... - بالنسبة للمسألة الأولى: - قال بعض أهل التفسير من السلف أنها نزلت حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي ويقرأ القرءان ببطن نخلة فجاءه نفر من الجن تزاحموا عليه وركب بعضهم بعضا حرصا على استماع القرءان ودنوا منه فلم يعلم حتى أتاه الرسول، فجعل يقرئه : {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ } وهذا قول الضحاك ورواية عطية عن ابن عباس ونقله عنهم الطبري والبغوي وذكره القنوجي عن المحلي ؛ وقال الحفناوي "سياق هذه الآية إنما يظهر في المرة الثانية من مرَّتي الجن وهي التي كانت بحجون مكة؛ وكان معه فيها ابن مسعود وكان الجن إثني عشر ألفاً أو أكثر، وأما المرة الأولى التي تقدم الكلام فيها التي كانت ببطن نخل فكانوا فيها تسعة أو سبعة ولا يظهر في حقهم أن يقال (كادوا يكونون عليه لبداً) كما لا يخفى فليتأمل" اهـ. وعن ابن مسعود قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة إلى نواحي مكة فخط لي خطاً وقال لا تحدثن شيئاً حتى آتيك؛ ثم قال لا يهولنك شيء تراه؛ فتقدم شيئاً ثم جلس فإذا رجال سود كأنهم رجال الزط وكانوا كما قال الله تعالى (كادوا يكونون عليه لبداً) أخرجه ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل ". وعن ابن عباس في الآية قال: " لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) أخرجه ابن جرير وابن مردويه ......وهذا على أحد الأقوال في المقصود بالضمير " كادوا يكونون". - وبالنسبة للمسألة الثانية : فلم يختلف أهل التفسير في أن المراد بعبد الله هو النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن قيل لِم لم يقُل نبي الله أو رسول الله ؟ فالإجابة لأن في ذلك تكريما للنبى صلى الله عليه وسلم حيث وصفه بأنه " عبد الله " لما فى هذه الإِضافة من التشريف والتكريم ولأنه من أحب الأسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ولأنه لما كان واقعاً في كلامه صلى الله عليه وسلم عن نفسه جيء به على ما يقتضيه التواضع؛ أو لأن عبادة عبد الله المستفادة من قوله: "يدعوه" ليست بمستبعدة. - وبالنسبة للمسألة الثالثة : معنى " قام يدعوه " على أقوال من العلماء : · أن المراد بها قيامه لصلاة الفجر بنخلة حين أتاه الجن، فاستمعوا لقراءته، وتزاحموا عليه وبه قال البغوي ووالطنطاوي والقنوجي. · أو أن المراد به قراءته للقرآن... وذكر هذا القول البغوي وذكره الطبري عن ابن عباس والضحاك والطنطاوي والقنوجي والزجاج، - وقد يكون ذلك أثناء الصلاة فلا تعارض بين هذا القول والقول الأول. · أن المراد به لما قام رسول يعبد الله وحده و يدعو الله ويقول: " لا إله إلا الله" ، مخالفا المشركين فى عبادتهم ..قال بهذا الطبري والقنوجي. - والحقيقة أنه لا تعارض بين الثلاثة أقوال فيجوز أنه كان يُصلي الفجر وأثناء صلاته كان يقرا بالقرآن وهو في هذه الحالة يعبد ربه ويتقرب إليه بالعباده وذلك من تمام توحيد الله ومن أركان الإسلام التي أولها شهادة أن لا إله إلا الله. - وبالنسبة للمسألة الرابعة : مرجع الضمير في " كادوا يكونون " أي مرجع واو الجماعة في هذه الجملة ؟ وهذه المسألة من المسائل المحورية االتي بها ينكشف معنى الآية ودلالتها وعلاقتها بما قبلها من الآيات ، وقد اختلف فيها المفسرون على ثلاثة أقوال: 1) أن الضمير يعود على الجن أنهم تزاحموا حتى كادوا يركبون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا القرآن...وهذا قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَرِوَايَةُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ونقله عنهم الطبري والبغوي وقاله الزجاج ورجحه الطنطاوي حيث قال: " ويبدو لنا أن عودة الضمير فى " كادوا " على مؤمنى الجن أرجح، لأن هذا هو الموافق لإِعجابهم بالقرآن الذى سمعوه من النبى صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الظاهر من سياق الآيات، حيث أن الحديث عنهم، ولأن الآثار قد وردت فى أن الجن قد التفوا حول النبى صلى الله عليه وسلم حين سمعوا يقرأ القرآن ، ومن هذه الآثار قول الزبير بن العوام: هم الجن حين استمعوا القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم كادوا يركب بعضهم بعضا ازدحاما عليه". 2) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْهُ: هَذَا مِنْ قَوْلِ النَّفَرِ الَّذِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ مِنَ الْجِنِّ أَخْبَرُوهُمْ بِمَا رَأَوْا مِنْ طَاعَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقْتِدَائِهِمْ بِهِ فِي الصَّلَاةِ ووذكره عنه البغوي ، وقال الطنطاوي " والجن: إنما ازدحموا حول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ويقرأ القرآن.. تعجبا مما شاهدوه من صلاته، ومن حسن قراءته، ومن كمال اقتداء أصحابه، قياما، وركوعا، وسجودا". وعن ابن جرير وابن مردويه في الآية قال: " لما أتى الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده فعجبوا من طواعية أصحابه، فقالوا لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً " أخرجه عبد بن حميد والحاكم والترمذي وصححاه وغيرهم. 3) وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وذكره عنهم البغوي: يَعْنِي لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بِالدَّعْوَةِ تَلَبَّدَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ، وَتَظَاهَرُوا عَلَيْهِ لِيُبْطِلُوا الْحَقَّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ، وَيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، وَيُتِمَّ هَذَا الْأَمْرَ، وَيَنْصُرَهُ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ وبذلك قال القنوجي والزجاج واختاره ابن جرير وعلّل ذلك بقوله : " وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب لأن قوله: { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } عقيب قوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } وذلك من خبر الله فكذلك قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ) وأخرى أنه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله: (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) فمعلوم أن الذي يتبع ذلك الخبر عما لقي المأمور بأن لا يدعو مع الله أحدا في ذلك، لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوين وسرعتهم إلى الإجابة. " - وأرى والله أعلم أنه يُمكن الجمع بين الثلاثة أقوال حيث أن الجن اجنمعوا وتزاحموا على النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يصلي بأصحابه ويقرأ القرآن فلما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما كان من أمر النبي تعجبا مما شاهدوه من صلاته، ومن حسن قراءته، ومن كمال اقتداء أصحابه، قياما، وركوعا، وسجودا ، وذلك لايمنع أن كفار قريش أيضا تكالبوا على النبي حينما كان يدعو ربه ويصلي رغبةً منهم في إبطال الحق الذي جاء به وإطفاء نور الله. - وبالنسبة للمسألة الخامسة: ما معنى " لِبَدا" ؟ وما دلالة استخدامها في الآية؟ قال الطبري : "وفيها لغتان: كسر اللام لِبدة، ومن كسرها جمعها لِبَد؛ وضم اللام لُبدة، ومن ضمها جمعها لُبَد بضم اللام، أو لابِد؛ ومن جمع لابد قال: لُبَّدًا، مثل راكع وركعا، وقراء الأمصار على كسر اللام من لِبَد، غير ابن مُحَيْصِن فإنه كان يضمها، وهما بمعنى واحد، غير أن القراءة التي عليها قرّاء الأمصار أحبّ إليّ، والعرب تدعو الجراد الكثير الذي قد ركب بعضه بعضًا لُبْدَةً؛ ومنه قول عبد مناف بن ربعيّ الهذلي: صَابُوا بسِتَّةِ أبْياتٍ وأرْبَعَةٍ حتى كأنَّ عليهِمْ جابِيًا لُبَدَا والجابي: الجراد الذي يجبي كل شيء يأكله. ، قال الزجاج: ومعنى لبداً يركب بعضهم بعضاً؛ ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش. قرأ الجمهور لبداً بكسر اللام وفتح الباء وقرىء بضم اللام وفتح الباء وبضم الباء واللام وبضم اللام وتشديد الباء مفتوحة فعلى القراءة الأولى المعنى ما ذكرناه وعلى الثانية المعنى كثيراً كما في قوله: " أهلكت مالاً لبداً". وقال مجاهد: لبداً أي جماعات وهو من تلبد الشيء أي اجتمع، ومنه اللبد الذي يفرش لتراكم صوفه وكل شيء ألصقته الصاقاً شديداً فقد لبدته، ويقال للشعر الذي على ظهر الأسد لبدة وجمعها لبد، ويقال للجراد الكثير لبد ويطلق اللبد بضم اللام وفتح الباء على الشيء الدائم، ومنه قيل لنسر لقمان لبد لطول بقائه. فجاء المعنى اللغوي متوافقا مع المراد به في الآية وهو إما تراكب وتراكم الجن على النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون قراءته ويتعجبون من حسن تلاوته وحُسن اتباع أصحابه له في ركوعه وسجوده وطواعيتهم له وأيضا متوافق مع القول بأن كفار قريش تزاحموا عليه كاللبد، لا لكى ينتفعوا بما يسمعون، ولكن لكى يطفئوا نور الله بأفواههم، والحال أن الله - تعالى - قد رد كيدهم فى نحورهم، وأبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون. المراجع: جامع البيان في تفسير القرآن للطبري. معالم التنزيل للبغوي. الوسيط في تفسير القرآن الكريم للطنطاوي. فتح البيان للقنوجي. معاني القرآن وإعرابه للزجاج. |
قال تعالى : " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا "
الآية في صلاة الليل ووصف القرآن لها وهي تشمل ثلاثة مسائل (المراد بناشئة الليل - المراد بأشد وطئا - المراد بأقوم قيلا ) المراد بناشئة الليل معنى ناشئة : الناشئة مصدر من نشأ إذا قام ونهض على فاعلة وعليه فالنفس الناشئة بالليل ، التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة ، أي : تنهض وترتفع ، من نشأت السحابة : إذا ارتفعت ، ونشأ من مكانه ونشز : إذا نهض وقال الزجاج :ناشئة الليل كل ما نَشَأ منه، أي كل ما حدث منه فيعم ساعات الليل وقيل من نشأت أي ابتدأت وقال ابن الأعرابي: إذا نمت من أول الليل ثم قمت، فتلك النشأة، فالمعنى اللغوي يدور بين القيام من الليل عامة أو بعد نوم وبين الابتداء أو كل حادث في الليل وأقوال المفسرين اختلفت بناء على اختلاف اللغويين وقد اختلفوا على أربعة أقوال الأول : الليل كله وهو مروي عن ابن عباس وابن مسعود وابن الزبير واستدلوا له بالمعنى اللغوي وبتفسير ابن مسعود لناشئة الليل بقيامه بالحبشية الثاني :كل شيء بعد العشاء وهو مروي عن مجاهد وقتادة وأبي مجلز الثالث : القيام بعد النوم وهو مروي عن عائشة واستدلوا له بما روى عن عبيد بن عمير : قلت لعائشة : رجل قام من أوّل الليل ، أتقولين له قام ناشئة ؟ قالت لا ؛ إنما الناشئة القيام بعد النوم . الرابع : الساعات الأول من الليل وهو مروي عن علي بن الحسين ودليله ما روي عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنه كان يصلي بين المغرب والعشاء ويقول : أما سمعتم قول الله تعالى : ) إن ناشئة اليل وقد رجح ابن كثير عمومه لليل كله وهو يشمل الثاني ورجح ابن تيمية والسعدي الثالث وهو لما كان بعد نوم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هكذا كان يصلي، والأحاديث بذلك متواترة عنه،واستبعد الرابع لأن النبي كان يقوم بعد النوم لم يكن يقوم بين العشاءين . والقولان وجيهان ولهما سند لغوي المراد بقوله تعالى " أشد وطئا" الوصف الأول لصلاة الليل معنى وطئا في اللغة : أثقل وأغلظ ، من قول العرب: اشتدت على القوم وطأة السلطان.إذا ثقل عليهم ما يلزمهم، ومنه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم اشدد وطأتك على مضر» أو بمعنى المواطأة كما في قراءة (وطاء ) فهو فعال من أوطأت فلانا على كذا موطأة، ووطأ إذا وافقته عليه، ومنه قوله تعالى: {ليواطئوا عدة ما حرم الله} أوبمعنى الوطء: وأصله وضع الرجل على الأرض، وهو هنا مستعار لمعنى يناسبه وبعد أن تبين معناها اللغوي نعرج إلى أقوال المفسرين فيها وقد تنوعت أقوالهم حاصلها يرجع إلى ستة أقوال الأول : أثقل على المصلي من ساعات النهار لأن الليل جُعِلَ لِيُسْكنَ فيه. وهو مروي عن ابن قتيبة الثاني : أشد وَطئًا أي أبلغ في الثواب، لأن كل مجتهد فثوابه عَلَى قَدْرِ اجتهاده. الثالث :أن ناشئة الليل أوطأ للقيام ، وأسهل على المصلي من ساعات النهار ؛ لأن النهار خلق لتصرف العباد فيه ، والليل خلق للنوم والراحة والخلوة من العمل ، فالعبادة فيه أسهل . ذكره الواحدي الرابع :أن ناشئة الليل كانت صلاتهم أوّل الليل أجدر أن تُحْصُوا ما فرض الله عليكم من القيام، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ.مروي عن ابن عباس وهو على اختلافهم في معنى الناشئة الخامس :أثبت في الخير، وأحفظ في الحفظ مروي عن قتادة فيكون الوطء مستعارا لحالة صلاة الليل وأثرها في المصلي، أي أشد أثر خير في نفسه وأرسخ خيرا وثوابا السادس : أن صلاة ناشئة الليل يواطئ السمع القلب فيها، أكثر مما يواطئ في ساعات النهار، لأن البال أفرغ للانقطاع عن كثير مما يشغل بالنهاروأكثر طمأنينة مما يعين على تحصيل مقصود القرآن من الخشوع والإخلاص وهذا معنى قول الضحاك وابن زيد ومجاهد والحسن والقولان الأول والثاني متلازمان فلأنه أثقل كان ثوابه أعظم أما الثالث فهو بعيد لغويا وبعيد عن سياق الآية أما القول الرابع فقد سبق استبعاد الرأي الذي بني عليه كما أن الإحصاء ليس من المعنى اللغوي والقول الخامس يدخل في الأول والثاني كما يعمه السادس أيضا فيكون معنى أشد وطئا أنه أثقل على المصلي ولذلك فإنه أعظم أجرا لأنها أشد مواطأة للقلب والسمع والبصر وأجمع لهم على الخشوع والإخلاص وتحصيل مقصود القرآن وهو من قوة بيان القرآن المراد بقوله تعالى " وأقوم قيلا " الوصف الثاني لصلاة ناشئة الليل معنى الأقوم: الأفضل في التقوي الذي هو عدم الاعوجاج والالتواء وهو بمعنى أصوب وأهيأ واستعير أقوم للأفضل الأنفع. ومعنى قيلا: القول، وأريد به قراءة القرآن لتقدم قوله: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا فيكون المراد بأقوم قيلا أسد مقالا وأثبت قراءة لهدوء الأصوات وقد تنوعت فيه أقوال السلف وحاصلها راجع لهذا المعنى فقال ابن عباس :أدنى من أن تفقهوا القرآن وقال قتادة :أحفظ للقراءة وقال ابن زيد :أقوم قراءة لفراغه من الدنيا وقال الكلبي :أبين قولا بالقرآن وهو من قبيل تفسير السلف للمعنى ببعض أفراده والمعنى يعمهم جميعا فقد بينت الآية عظم فضل صلاة الليل خاصة ما كان منها بعد نوم وأنها أدعى إلى تدبر القرآن ففيها يخلو القلب من شواغل الدنيا وهم الرزق ويتواطأ مع السمع والبصر على فهم مراد الله من آيات القرآن العظيمة مع عظم الأجر فيه كما قال تعالى " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب " وفي الآية إشارة إلى أن من أعظم ما يجمع القلب على فهم القرآن هو صلاة الليل وأنها من أعظم أسباب الثبات والصلاح كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لعبدالله بن عمر " إن عبدالله رجل صالح لو كان يصلي من الليل " وفي عصر كثرت فيه الملهيات ينبغي على العبد أن يحرص على أن تكون له صلاة الليل سياجا من الوقوع في الغفلة المصادر تفسير ابن جرير الطبري تفسير الواحدي تفسير الزمخشري تفسير ابن كثير تفسير السعدي تفسير الأشقر التحرير والتنوير لابن عاشور غريب القران معاني القران للزجاج مجموع فتاوى ابن تيمية |
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في تفسير قوله تعالى(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين). الأميون: جمع أمي ، وهو في اللغة من لايحسن القراءة ولا الكتابة. أما المراد بالأميين في الآية فللمفسرين فيها أقوال: 1/من لم يكن عندهم كتاب سواءا كانوا عربا أو عجما كما قال ذلك السعدي. 2/هم العرب على وجه الخصوص لأنهم لم يكونوا أهل كتاب وكان غالبهم لا يعرف القراءة والكتابة،قاله مجاهد وقتادة وابن زيد ذكره عنهم الطبري وذكره ابن كثير والأشقر. والحكمة من تخصيص الأميين بالذكر مع أن رسالته صلى الله عليه وسلم إلى كافة الناس: هي أن المنة فيهم أعظم وأبلغ فهم كانوا في جهل ليس عندهم علم ولا كتاب، وهذا الأسلوب جاء في القرآن في أكثر من موضع منها قوله تعالى(وإنه لذكر لك ولقومك)مع أنه ذكر لهم ولغيرهم. أما وجه الامتنان في أنه بعث رسولا منهم فيتلخص في وجوه منها: 1_أنه أقرب لموافقتهم فهو منهم ومشاكل حاله لحالهم. 2_لموافقة مابشر به الأنبياء في الكتب السابقة. 3_ حتى لايظن أنه تعلم من الكتب السابقة وقرأها. 4_ أنه ادعى للإيمان به لمايعلمون من صدقه وحسن خلقه. والمراد بالتزكية في قوله تعالى(ويزكيهم)جاء على ثلاثة أقوال عند المفسرين وهي: 1_أنه يطهرهم بأخذ الزكاة منهم كما قاله ابن عباس والفراء. 2_أنه يطهرهم من الشرك والكفر فتزكو قلوبهم بالإيمان،قاله:مقاتل وذكره الأشقر. 3_يحثهم على حسن الأخلاق قاله السعدي. ولا تعارض بين الأقوال فيمكن أن تكون جميعها هي المراد بالتزكية. واختلف المفسرون في المراد بالكتاب والحكمة على ثلاثة أقوال: 1_ أن الكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة،قاله ابن عباس وقتادة ،ذكره الطبري وابن كثير والسعدي. 2_أن الكتاب هو القرآن والحكمة هي الحلال والحرام ومواعظ القرآن. 3_أن الكتاب هو الخط بالقلم والحكمة هي الفقه في الأحكام قاله مالك بن أنس وذكره الأشقر. وقد ذكر ابن عاشور عبارة جميلة في الحكمة من ترتيب مهام النبي صلى الله عليه وسلم في أمته في هذه الآية فقال(ابتدأ بالتلاوة لأن أول تبليغ الدعوة بإبلاغ الوحي ،وثنى بالتزكية لأن ابتداء الدعوة بالتطهير من الرجس المعنوي وهو الشرك ومايعلق به من مساوئ الأعمال والطباع ،وعقب بذكر تعليمهم الكتاب لأن الكتاب بعد إبلاغه إليهم تبين إليهم مقاصده ومعانيه). |
تقويم تطبيقات أسلوب التقرير العلمي أحسنتم، بارك الله فيكم وسدّدكم. ومن التوصيات التي نودّ التذكير بها والتنبيه عليها للأهمية: - العناية بأمّهات التفاسير كتفاسير ابن جرير وابن أبي حاتم والزجّاج والفرّاء وابن عطية، وعدم الاقتصار على التفاسير المتأخّرة. - الاهتمام بالتفاسير التي تعنى بالترجيح كتفاسير ابن جرير وابن عطية وابن عاشور والشنقيطي، وابن تيمية وابن القيّم. - توسع دائرة الاطّلاع وعدم الاقتصار على عدد قليل من التفاسير، لما في ذلك من إثراء للرسالة بكثير من المسائل والفوائد. - عند النقل عن الصحابة والتابعين، لابد من التحقّق من صحة النسبة إليهم من مصدر أصلي أو بديل، مع ذكر هذه المصادر عند نسبة الأقوال، لأن التفاسير الناقلة قد يقع فيها الخطأ. - العناية بنظائر الآية المفسّرة، وهي الآيات المشابهة لها، لأن عادة المفسّرين أنهم لا يكرّرون الكلام على نفس المسائل طالما بسط الكلام عنها في موضع سابق، فربما وجد الطالب تحريرا أفضل لمسائله في موضع مشابه. - مراعاة العرض العلمي للرسالة، وذلك باستخلاص مسائل التفسير بدقّة، وعرضها من منظور علمي وتفسيرها بطرق التفسير المعتبرة، ومناقشة الأقوال وإعمال قواعد الجمع والترجيح، وذلك لأن بعض الرسائل غلب عليها الأسلوب الوعظي وكان تناولها لمسائل التفسير مجملا مختصرا. 1: عباز محمد أ+ أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور أسلوب الكاتب وشخصيته في الرسالة. - استيفاء الرسالة لمسائل الآية، مع جودة الطرح. - جودة المصادر المختارة وتنوّعها. الملاحظات على الرسالة: - القول بالامتلاء غير القول بالثقل فلا يصلح اعتبارهما قولا واحدا ونسبته إلى من ذكرت، ولكن يفصل بينهما ثم ينظر فيما يمكن أن يجمعهما. - إذا كان الانفطار معناه لغة الشقّ، فالقول بالامتلاء والثقل يحتاج إلى توجيه، فمن المفسّرين من أرجعه إلى امتلاء السماء بالملائكة وثقلها بسبب ذلك ومن ثمّ تشقّقها، فهو بمثابة تفسير لسبب الانشقاق، ومنهم من أرجعه إلى غير ذلك. التوصيات: واصل التدرّب على كتابة الرسائل العلمية، ووسّع دائرة اطّلاعك واستفد من الرسائل المكتوبة بهذا الأسلوب. 2: لولوة الحمدان أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور شخصية الكاتبة وأسلوبها. - جودة المصار المختارة وتنوّعها ووفرتها. - شمول الرسالة لكثير من مسائل الآية المهمّة. الملاحظات على الرسالة: - رسالتك حقّا قيّمة نافعة، وأسلوبك فيها حاضر لكن غلب عليها الأسلوب الوعظي، فهي تدور حول استحثاث القلب على التحلّي والاقتداء بصفات الأنصار رضي الله عنهم. والرسالة لم تخل من الصبغة العلمية، لكنها ضعيفة بجوار الخطاب الوعظي، ورغم شمولها كثير من مسائل الآية، إلا أن طريقة تناول هذه المسائل هي التي عليها الملاحظة، فأنت تتناولين مسائل التفسير بنوع من الإجمال والاختصار، والواجب في الرسائل العلمية تفصيل القول فيها أكثر من ذلك. ولكتابة رسالة علمية في تفسير هذه الآية يجب علينا تفصيل القول فيما اشتملت عليه من مسائل، مثل: - معنى الواو في أول الآية. - دلالة استعمال الاسم الموصول "الذين" دون التصريح باسم الأنصار. - معنى التبوّء لغة. - معنى التعريف في "الدار والإيمان"، ودلالة اقترانهما. - معنى تبوّء الدار والإيمان. - مرجع الضمير في {قبلهم}. - معنى الهجرة لغة وشرعا. - ..... وهكذا يستخلص الطالب مسائل الآيات، وليس للطالب في هذه المرحلة أن يغطي جميع هذه المسائل، لكن القصد بيان طريقة تناول الآية من منظور علمي والوقوف على كلام السلف والمفسّرين فيها ونسبته، وبيان المسائل اللغوية وغيرها. والتفاسير التي اخترتيها تفاسير قيّمة ووافية بهذه المسائل، ولكن ربما عدم تصوّرك لخطة الرسالة جعلك تختصرين الكثير من المسائل ظنا أنها لا تدخل في موضوعها. التوصيات: حرصا منا على الإفادة فأرجو إعادة كتابة الرسالة سواء في هذه الآية أو غيرها، ومراعاة التوصيات العامّة التي ذكرناها في التقويم، لأنه من المهمّ إتقان هذا الأسلوب على وجه الخصوص والتفريق بينه وبين باقي الأساليب، وأنت أهل له -بإذن الله-، وفقك الله وسدّدك. 3: إشراقة جيلي محمد أ أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور شخصية الكاتبة. - شمول الرسالة أهمّ مسائل الآية، مع جودة الطرح. الملاحظات على الرسالة: - قلة مصادر الرسالة، واعتمادك في غالبها -على ما يظهر- على كتب المتأخّرين. التوصيات: اعتني بأمّهات التفاسير، ووسّعي دائرة اطّلاعك، ولا يكون اعتمادك على التفاسير المتأخّرة حتى لا ينحصر عملك في النقل فقط. - الطوسي من الرافضة، وقد يكون النقل عنهم صحيحا من الجهة العلمية، لكن لا ننصح الطالب المبتديء بالنقل عن أمثال هؤلاء وهو في بداية الطلب، أعلم أنك لم تنقلي عنه مباشرة، ولكن وجب التنبيه للفائدة. 4: محمد شمس الدين فريد أ أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور أسلوب الكاتب في الرسالة. - شمول الرسالة أهمّ مسائل الآية. - جودة التفاسير المختارة. الملاحظات على الرسالة: - غياب التفاسير المسندة عن مراجع الرسالة. - عدم ذكر المصدر الذي نقلت منه سبب نزول الآية. - وجود بعض عبارات المفسّرين في الرسالة بنصّها دون عزو. التوصيات: - احرص أن تكون التفاسير المسندة من أولى مصادر الرسالة. - عند النقل عن الصحابة والتابعين لابد من التأكّد من صحة النسبة من مصدر أصلي أو بديل، وذكر هذا المصدر في الرسالة. - إذا احتجت إلى نقل عبارات بنصّها من التفاسير فلابد من عزوها إلى أصحابها. 5: مها الحربي أشكرك على هذه الرسالة القيّمة، لكن هذه الرسالة مكتوبة بالأسلوب الوعظي وليس العلمي. كما يؤخذ على الرسالة أنها معتمدة على النقل، وليس هذا هو المطلوب في هذه التطبيقات، بل المطلوب أن يكتب الطالب بيده ويعبّر بأسلوبه. فأرجو اختيار آية أخرى وكتابة الرسالة بأسلوب التقرير العلمي، مع مراعاة ما ذكرناه من التوصيات، وفقك الله وسدّدك. 6: مها محمد ب أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور شخصية الكاتبة. - جودة المصادر المختارة. الملاحظات على الرسالة: - عدم ذكر المصادر التي تنقلين عنها الأحاديث والآثار. - ضمّنتِ القول بأن "البصيرة" هم الحفظة ضمن القول الأول، رغم أنه قول مستقلّ في المسألة. - فاتتك أقوال في معنى تأنيث "بصيرة" وفي المراد بالمعاذير. التوصيات: - اعتني بذكر مصادر الأقوال والنقول، فلا يكفي مثلا نسبة القول لابن عباس فقط، بل نذكر مصدره فنقول مثلا: رواه ابن جرير. - احرصي على استيفاء جميع الأقوال في كل مسألة. 7: حليمة محمد أ+ أحسنت جدا بارك الله فيك وأحسن إليك. مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور شخصية الكاتبة. - شمول الرسالة أهمّ مسائل الآية. - جودة المصادر المختارة وتنوّعها. التوصيات: واصلي التدرّب على كتابة الرسائل العلمية، ووسّعي دائرة اطّلاعك واستفيدي من الرسائل المكتوبة بهذا الأسلوب. 8: مروة كامل ب+ أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور شخصية الكاتبة. - شمول الرسالة لأهمّ مسائل الآية. - جودة العرض. الملاحظات على الرسالة: - أهمّ ملاحظة هي على التفاسير المختارة، فهذه التفاسير لا تستقلّ وحدها بتحرير واف لمسائل التفسير، بل تكون مساندة لغيرها من التفاسير الأصول. - ضعف التقديم للرسالة وبيان المناسبة بين الآيتين وما قبلهما من الآيات، وهو مهمّ. - عدم ذكر مصادر النقول، فأنت تنسبين القول لمن قاله من السلف لكن لا تذكري المصدر الذي روى عنه ذلك. - بالنسبة للترجيح بين القولين في المراد بالعقبة، فلا يصحّ الاكتفاء بترجيح الواحدي فقط، خاصّة وأن "لا" فسّرت بأوجه عديدة وأنت اقتصرتِ في ترجيحك على معنى النفي، وعلى فرضية النفي فإن القول بأنها عقبة حسّية له وجه، ولو راجعت تفسير ابن جرير مثلا لتبيّن لك كثرة القائلين بهذا القول من السلف، ولعلك تراجعين كلام ابن القيّم فيه، والقصد من ذلك أن خطوة الترجيح لا تتمّ باختصار هكذا، سواء ترجّح القول الأول أو الثاني. التوصيات: العناية بمصادر الرسالة، ولعل في الإرشادات العامّة ما يغني عن التفصيل، وأثني جدا على أدائك في هذه الرسالة وودت لو أعدتيها للفائدة. 9: إيمان شريف أ+ أحسنت جدا بارك الله فيك ونفع بك. مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور شخصية الكاتبة خاصّة في أول الرسالة، وحسن التقديم للرسالة والربط بين المسائل. - شمول الرسالة أهمّ المسائل، وحصر الأقوال فيها ونسبتها، والاجتهاد في الترجيح. الملاحظات على الرسالة: - الإكثار من النقول في الشطر الثاني من الرسالة. - اعتماد الرسالة بشكل كبير على التفاسير المتأخّرة. التوصيات: - العناية بأمّهات التفاسير، والتفاسير التي تعنى بالترجيح ونقد المرويات، ولتكن التفاسير المتأخّرة مصادر تكميلية في عمل الرسالة. - تحقّقي من نسبة الأقوال من مصادر التفسير الأصلية. - عند النقل عن تفاسير مفقودة كتفسير ابن مردوية يجب ذكر المصدر الوسيط. - اجتهدي في تفهّم كلام المفسّرين في كل مسألة والتعبير عنه بأسلوبك دون الركون إلى النقل. وانتبهي أن إمكانية الجمع بين أسباب النزول تعتمد ابتداء على ثبوت الآثار المروية فيها وصحّتها، وليس مجرّد توافق المعاني، وأثني جدا على أدائك في هذه الرسالة، زادك الله من فضله. 10: فاطمة أحمد صابر أ+ أحسنت جدا بارك الله فيك ونفع بك. مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور شخصية الكاتبة وأسلوبها. - شمول الرسالة مسائل الآية وجودة الطرح وإعمال قواعد الجمع والترجيح. - جودة المصادر المختارة ووفرتها. الملاحظات على الرسالة: - عدم ذكرك لمصادر النقول، فقول منسوب لابن عباس مثلا لابد معه من ذكر المصدر، وقبل ذلك بالطبع الأحاديث. التوصيات: واصلي التدرّب على كتابة الرسائل العلمية، واستفيدي من الرسائل المكتوبة بهذا الأسلوب، وفقك الله وسدّدك. 11: بيان الضعيان ج أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور أسلوب الكاتبة في الرسالة. - شمول الرسالة لكثير من مسائل الآية. - نسبة الأقوال، وعزو النقول. الملاحظات على الرسالة: - التقديم للرسالة، فلو أنك ذكرتِ مقصد الآية لكان مدخلا جيدا للرسالة. - غياب مسائل مهمّة كمسألة "سبب تسمية من لا يقرأ ولا يكتب بالأميّ"، ومعنى التلاوة والمراد بالآيات، ومعنى التزكية في اللغة، ومعنى "الضلال المبين" وما أريد به. - نسبة الأقوال إلى أصحابها من السلف في بعض مواضع الرسالة دون ذكر المصدر الذي نقلت منه. - لم تشيري إلى ترجيحات المفسّرين في المراد بالأميّين رغم اعتمادك للقول الثاني ضمنا في مسألة "الحكمة من تخصيص الأميّين بالذكر". التوصيات: - اعتني بأمهات التفاسير كمصادر أساسية في رسائل التقرير العلمي على وجه الخصوص، ولا يكون اعتمادك على التفاسير المتأخّرة، مع العناية بتوسيع دائرة الاطّلاع وعدم الاقتصار على عدد قليل من التفاسير. - طالما تفسّرين آية كاملة فلابد من تغطية جميع المسائل، لأن رسالة التقرير العلمي تتطلّب الوقوف مع جميع مسائل الآية، ولعلك تراجعين تفسير آية الكرسي لابن عثيمين رحمه الله وطريقة عرضه للمسائل. ويمكنك متابعة هذه الملاحظات وإعادة كتابة الرسالة ليس لتحسين الدرجة بل لظهور الفائدة منها بإذن الله، وفقك الله وسدّدك. رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح وكل عام وأنتم بخير |
بوركتم.
كنا بحاجة لهذه التوجيهات بارك الله فيكم ونفع بكم. |
رسالة تفسيرية في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواكُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَمَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِفَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَاالَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) }
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛ فهذه رسالة تفسيرية في الآية التي ختمت بها سورة الصف، فبعد أن أمر الله المؤمنين بأن يصدق فعلُهم قولَهم، وأمرهم بأن يكونوا صفا مرصوصا في مواجهة أعدائهم، ثم ذكر إيذاء بني إسرائيل لموسى عليه السلام، وبشارة عيسى ابن مريم برسالة محمد عليهم الصلاة والسلام، ثم ذِكْر ظهور الإسلام على جميع الأديان رغم كيد الحاقدين، وتشويق المؤمنين إلى معرفة التجارة الرابحة وهي الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله، وختمت الآيات بدعوة عباد الله المؤمنين بأن ينصروا الله ورسوله، كما نصر الحواريون عيسى عليه السلام في سبيل الله. وفي الآية عدة مسائل: أولا: علوم الآية: 1- القراءات الواردة في قوله تعالى: {كونوا أنصار الله}: (أنصارًا لله) بتنوين الأنصار، وهي قراءة عامّة قرأة المدينة والبصرة.(الطبري) (أنصارَ الله)بإضافة الأنصار إلى اللّه، وهي قراءةعامّة قرأة الكوفة.(الطبري) (أنتم أنصارُ الله) في قراءة عبد الله. (الفراء) والقراءتين الأوليين متواترتين، أما الثالثة فلا. 2- القراءات الواردة في قوله تعالى: {فأيَّدنا}: قرأ الجمهور بتشديد الياء، وهي القراءة المتواترة. وقرأ مجاهد وحميد والأعرج وابن محيصن: «فأيدنا» مخففة الياء ممدودةالألف. (ابن عطية) ثانيا: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواكُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} 1- المراد ب: {من أنصاري إلىاللّه} يعني من أنصاري منكم إلى نصرة اللّه لي.وعن مجاهدٍ، في قول اللّه: {من أنصاري إلى اللّه} قال: من يتّبعنيإلى اللّه؟(الطبري) وقيل: أي من أنصاري في الله. (اليزيدي) وقيل: أي مع اللّه. (ابن قتيبة). والأقوال الثلاثة يعضد بعضها بعضا. 2- من هم أنصار الله؟ عن قتادة، {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا أنصار اللّه كما قال عيسى ابن مريمللحواريّين من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه} قال: قد كانت للّهأنصارٌ من هذه الأمّة تجاهد على كتابه وحقّه. وذكر لنا أنّه بايعه ليلة العقبةاثنان وسبعون رجلاً من الأنصار، ذكر لنا أنّ بعضهم قال: هل تدرون علام تبايعون هذاالرّجل؟ إنّكم تبايعون على محاربة العرب كلّها أو يسلموا. وذكر لنا أنّ رجلاً قال: يا نبيّ اللّه اشترط لربّك ولنفسك ما شئت، قال: أشترط لربّي أن تعبدوه، ولا تشركوابه شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا منعتم منه أنفسكم وأبناءكم. قالوا: فإذافعلنا ذلك، فما لنا يا نبيّ اللّه؟ قال: لكم النّصر في الدّنيا، والجنّة في الآخرة. ففعلوا، ففعل اللّه.(الطبري) 3- كيف تكون نصرة الله؟ نصرة الله تكون بالأقوال والأفعال، وذلك بالقيام بدين الله، والحرص على إقامته على الغير، وجهاد من عانده ونابذه، بالأبدان والأموال. ومن نصر الباطل بما يزعمه من العلم ورد الحق، بدحض حجته، وإقامة الحجة عليه، والتحذير منه. ومن نصر دين الله: تعلم كتاب الله وسنة رسوله، والحث على ذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (السعدي) ثالثا: قوله تعالى: {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَمَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} 1- قصة عيسى عليه السلام مع حوارييه: عن ابن عبّاسٍ رضي اللّهعنهما قال: لمّا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يرفع عيسى إلى السّماء، خرج إلى أصحابه وهمفي بيتٍ اثنا عشر رجلًا من عينٍ في البيت، ورأسه يقطر ماءً، فقال: إنّ منكم من يكفربي اثنتي عشر مرّةً بعد أن آمن بي. قال: ثمّ قال: أيّكم يلقى عليه شبهي فيقتلمكاني، ويكون معي في درجتي؟ قال: فقام شابٌّ من أحدثهم سنًّا فقال: أنا. قال: فقالله: اجلس. ثمّ أعاد عليهم، فقام الشّابّ فقال: أنا. فقال له: اجلس. ثمّ عادعليهم فقام الشّابّ، فقال: أنا. فقال: نعم، أنت ذاك. قال: فألقي عليه شبه عيسى، ورفععيسى عليه السّلام من روزنة في البيت إلى السّماء، قال: وجاء الطلب من اليهود،فأخذوا شبهه فقتلوه وصلبوه، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرّةً بعد أن آمن به،فتفرّقوا فيه ثلاث فرقٍ. فقالت فرقةٌ: كان اللّه فينا ما شاء، ثمّ صعد إلى السّماء. وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقةٌ: كان فينا ابن اللّه ما شاء، ثمّ رفعه إليه وهؤلاءالنّسطوريّة، وقالت فرقةٌ كان فينا عبد اللّه ورسوله ما شاء اللّه ثمّ رفعه إليه،وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة، فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسًاحتّى بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، {فآمنت طائفةٌ من بني إسرائيل وكفرتطائفةٌ} يعني: الطّائفة الّتي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى، والطّائفة الّتيآمنت في زمن عيسى، {فأيّدنا الّذين آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين} بإظهار محمّدٍصلّى اللّه عليه وسلّم دينهم على دين الكفّار {فأصبحوا ظاهرين} (ابن كثير). 2- من هم حواريوا هذه الأمة؟ هم سبعون رجلا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة ونصروه وآووه حتى أظهرالله دينه. وعنقتادة قال: الحواريين كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وجعفر وأبو عبيدةبن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد اللهوالزبير بن العوام. (الصنعاني) ولعل الآية تشملهم جميعا، والمراد: كل من قام بنصرة الحق والقيام به. 3- ما معنى الحواري؟ وما المراد به؟ معنى "الحواريين" في اللغة: الذين أخلصوا ونقّوا من كل عيب، وكذلك الدقيق الحواري منهذا، إنما سمّي لأنّه ينقى من لباب البرّ وخالصه. (الزجاج) المراد به: خلصانالأنبياء وصفوتهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الزبير ابن عمّتي وحواريّي من أمّتي. وأصحابرسول الله -صلى اللهعليه وسلم- حواريّون.(الزجاج) 4- لم سمي الحواريون بهذا الاسم؟ قيل: إن الحواريين سموابذلك لبياض ثيابهم. (الطبري، ومكي القيسي في تفسير المشكل من غريب القرآن)، ولعل هذا القول أولى لما ذكره الزجاج. وقيل: كانوا قصّارين. (الطبري) ويقال: كانواغسّالين. (مكي القيسي في تفسير المشكل من غريب القرآن) رابعا: قوله تعالى: {فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَاالَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} 1- من هي الطائفة التي آمنت؟ والطائفة التي كفرت؟ قال قتادة: والطائفة الكافرة ثلاث فرق: اليعقوبية: وهم قالوا هو الله،والإسرائيلية: وهم قالوا ابن الله، والنسطورية: وهم قالوا هو إله، وأمه إله واللهثالثهما، تعالى الله عن أقوالهم علوا كبيرا.(ابن عطية) 2- كيف ظهرت الطائفة المؤمنة؟ بعدفترة من رفع عيسى عليه السلام، رد الله تعالى الكرة لمن آمن به، فغلبوا الكافرينالذين قتلوا صاحبه الذي ألقي عليه الشبه. وقيل: ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم، أصبحالمؤمن بعيسى ظاهرا لإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه لا يؤمن أحد حقالإيمان بعيسى، إلا وفي ضمن ذلك الإيمان بمحمد. وقيل: كانالمؤمنون به قديما ظاهرين بالحجة، وإن كانوا مفرقين في البلاد، مغلوبين في ظاهرالحياة الدنيا. (ابن عطية). فأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لايزالون ظاهرين على الحقّ، حتّى يأتي أمر اللّه وهم كذلك، وحتّى يقاتل آخرهمالدّجّال مع المسيح عيسى ابن مريم عليه السّلام، كما وردت [بذلك] الأحاديث الصّحاح،واللّه أعلم. (ابن كثير). _______________ المراجع: تفسير عبد الرزاق لابْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ) غريب القرآن وتفسيره لعَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِالمُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) تفسير غريب القرآن لعَبْدُ اللهِبْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276ه) جامع البيان لمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍالطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) معاني القرآن ل إِبْرَاهِيمُ بْنُالسَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) تفسير مجاهد لعَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352ه) تفسير المشكل من غريب القرآن، و العمدة في غريب القرآن لمَكِّيُّ بْنُأَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437ه) المحرر الوجيز لعَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَالأَنْدَلُسِيُّ (ت:546ه) تفسير القرآن العظيم لابْنِ كَثِيرٍالقُرَشِيُّ (ت: 774 ه) الدر المنثور لجَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 ه) تيسير الكريم الرحمن للسعدي |
تفسير قوله تعالى:"وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا"الجن:6
جاءت هذه الاية ضمن سياق كلام الجن في سورة الجن, وهي من السور المكية, وجل موضوعها عن الجن كما يتبين هذا من اسمها, وذلك لما استمع الجن إلى القرآن الكريم, بعد أن حيرهم ما حصل من تغير, فمنعوا من استراق السمع إلى خبر السماء, فصاروا يرمون بشهب كلما حاولوا فعل ذلك, وقد جاء ذكر هذا في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين فقالوا: ما لكم ؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قال ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث، فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء، قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر.....الحديث". وفي الآية عدة مسائل: المسألة الأولى: تقرير ما يجب أن يعتقده المسلم في الجن: فالجن مخلوقات لله تعالى, خلقها من نار قبل خلق آدم, كما في قوله تعالى:"وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ"الحجر:27, وقد حمل هذا إبليس على الاعتقاد بأن النار أفضل من الطين الذي خلق منه آدم, قال تعالى عنه:" قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ"الأعراف:12, وهذا قياس فاسد مخالف للنص, وهو قوله تعالى:"اسجدوا لآدم"الأعراف:11. والجن عالم غيبي لا نعلم عنه إلا ما أطلعنا الله عليه من خلال نصوص الوحي, لأن القاعدة في الغيبيات أن لا نخوض فيها المسلم بعقله, بل يعتمد على ما ثبت في نصوص الوحي, ومن أنكر وجود الجن كفر كفرا أكبرا مخرجا من الملة, وهذا لتكذيبه صريح نصوص القرآن التي ذكرت الجن, وصحيح ما تواتر من السنة, كقوله عليه الصلاة والسلام فيما روته عنه عائشة رضي الله عنها,قال:"خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم" رواه مسلم في صحيحه. وتكذيبه لإجماع المسلمين في ذلك, فهو مرتد كافر بإنكاره هذا. والجن مكلف كما هو حال بني آدم, قال تعالى:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"الذاريات:56, وفي هذا دليل على إن التكليف يشمل الثقلين: الإنس والجن. وذكر ابن عاشور في تفسيره سبب إطلاق كلمة "رجال" على الجن, فقال: الرجل اسم للذكر البالغ من بني آدم, أما إطلاق الرجال على الجن فهو على طريق التشبيه والمشاكلة, لوقوعه مع رجال من الإنس. وقد اختلف العلماء هل أرسل إلى الجن أنبياء ورسل منهم؟ على قولين: القول الأول: أن الرسل من الإنس فقط, ولم يرسل رسل من الجن, بل كان منهم نذر, فيكونون رسل رسل الإنس, واستدلوا بقول الله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى " يوسف:109. وقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ ) الفرقان:20. وهو قول ابن عباس وحمهور أهل العلم, فقال ابن عباس في قوله تعالى:""يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ ": هم الجن لقُوا قومهم, وهم رسل إلى قومهم . رواه عنه ابن جريج, وذكره ابن جرير في تفسيره. القول الثاني: إن الجن كالإنس قد أرسل إليهم رسل منهم, واستدلوا بقول الله تعالى:"يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا"130:الأنعام, وهذا قول مقاتل والضحاك, كما رواه الطبري في تفسيره, حيث سئل الضحاك عن الجن، هل كان فيهم نبيّ قبل أن يُبْعث النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع إلى قول الله: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصُّون عليكم آياتي"، يعني بذلك: رسلا من الإنس ورسلا من الجن؟ فقالوا: بلَى!. رواه عنه عبيد بن سليمان. ورد اصحاب القول الأول على قوله تعالى:"يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ " إنما الرسل من أحد الفريقين, كما قال: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ"[سورة الرحمن: 19]، ثم قال: "يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ"[سورة الرحمن: 22]، واللؤلؤ والمرجان يخرجان من البحر المالح دون العذب منهما. وقال أصحاب القول الأول ممن تبع الضحاك في قوله: إن الله تعالى أخبرَ أن من الجن رسلا أرسلوا إليهم, كما أخبر أن من الإنس رسلا أرسلوا إليهم , ولو جاز أن يكون خبره عن رسل الجن بمعنى أنهم رسل الإنس, جاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى أنهم رسل الجن, وهو معنى ظاهر البطلان. والراجح والله اعلم هو القول الأول, قول جمهور المفسرين, لصراحة الأدلة فيه, ولقول الله تعالى:"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ"الحديد:26، وهذا حصر للنبوة في ذرية نوح وإبراهيم عليهما السلام, والجن ليسوا من ذرية نوح ولا إبراهيم ، فيمتنع أن يكون منهم رسول . المسألة الثانية: بين الله سبحانه وتعالى في الآية, كذب ما كان يعتقده الكفار من امتلاك الجن القدرة على النفع والضر, حتى جرهم اعتقادهم هذا إلى الشرك بالله, فصرفوا للجن بعض العبادات التي لا يجوز صرفها إلا لله تعالى, فأشركوا بالله في الربوبية حينما اعتقدوا قدرتهم على النفع والضر, وأشركوا به في ألوهيته سبحانه. وقد جاء عن الحسن رحمه الله تعالى, في تفسير هذه الاية قوله:"كان الرجل منهم إذا نـزل الوادي فبات به، قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه", رواه عنه عوف, وقد ذكره الطبري في تفسيره. ووقوع الإنسان في الخوف من الجن سببه عدم قدرته على رؤية الجن, مع يقينه بوجوده, ويقينه بقدرة الجن على رؤيته, كما قال تعالى:" إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ [الأعراف: 27]. وهذا مما جرت العادة بالخوف منه, فتوهم الكفار إن للجن قدرة مطلقة عليه, فلما حصل منهم الخوف, ألجأهم هذا إلى محاولة استرضاء الجن اتقاء لشرهم, فكانوا يستعيذون بهم إذا حطوا رحالهم في مكان ناء موحش. وها هنا فائدة يجدر التنبيه إليها: ألا وهي أهمية وضرورة العلم, ويترتب على هذا مسئولية طالب العلم في توعية من حوله, وتعليمهم, وحثهم على تعلم ما يقوم به دينهم, ولو كان بمقدار ما لا يسع أي مسلم جهله. المسألة الثالثة: في معنى الإستعاذة, والاستعاذة هي الاستجارة, قال القرطبى: معنى الاستعاذة في كلام العرب: الاستجارة والتحيز إلى الشيء، على معنى الامتناع به من المكروه؛ يقال: عذت بفلان واستعذت به؛ أي لجأت إليه. وهو عياذي، أي ملجأي. قال ابن كثير: والاستعاذة هي الالتجاء إلى اللّه والالتصاق بجنابه من شرّ كلّ ذي شرٍّ، والعياذة تكون لدفع الشّرّ، واللّياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبّي: يا من ألوذ به فيما أؤمّله ...... ومن أعوذ به ممّن أحاذره وقد أمر الله سبحانه وتعالى, نبيه عليه الصلاة والسلام, وأمته بالاستعاذة به في أكثر من موضع, مثل قوله تعالى:"قل أعوذ برب الفلق"الفلق:1, ومثلها:"قل أعوذ برب الناس"الناس:1, وقوله:"وَقُلْ رَبِّ أَعُوَذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ "المؤمنون:97, فدل هذا على أن الاستعاذة عبادة, لأن من المتقرر إن العبادة تعرف بثلاث طرق: 1-أن يرد في النصوص تسمية الأمر "عبادة", مثل قوله عليه الصلاة والسلام:"وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ "غافر:60. 2- أن يأمر الله عباده به, لأن في هذا دليل على محبة الله له. 3- أن يرد في النصوص ما يدل على أن الله يحبه, أو يكون قد رتب ثواب على فعله, أو رتب عقابا على تركه. فأمر الله بالاستعاذة دليل على أنها عبادة يحب الله من عباده أن يتقربوا إليه بأدائها, فيحب الله من عبده أن يعترف بضعفه ونقصه وعجزه عن دفع ما يضره عنه, وأن يعلم أن القادر على أن يعيذه ويحميه, ويدفع ما به من ضر: هو الله وحده, وهذا من فوائد الآية الجليلة, حيث يتيقن القلب بهذا, فلا يتعلق إلا بخالقه سبحانه. لذلك إذا كانت الاستعاذة عبادة, لم يجز صرفها لغير الله تعالى,فصرفها لغيره شرك في الألوهية, فيترتب على هذا أن تكون الاستعاذة بالجن شرك أكبر بالله. وهنا يأتي سؤال: بما إنه قد تقرر بأن الخوف من الله عبادة, لأمر الله بها في قوله تعالى:" فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" آل عمران:175, فيترتب على هذا عدم جواز صرفها لغير لله عز وجل, فهل يقال عن الخوف من الجن بأنه شرك بالله؟ والجواب: الخوف نوعان: الأول: هو الخوف الجبلي الطبيعي, كخوف الإنسان من الحيونات المفترسة كالأسد مثلا, فيهرب منه إذا رآه خوفا على حياته, وهذا النوع مباح لقوله تعالى:"فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّب [القصص: 21].. الثاني: هو الخوف الذي يصحبه تذلل وتعظيم, وهذا لا يكون إلا من الله سبحانه وتعالى, وهو ما يطلق عليه العلماء:خوف السر, كخوف القبوريين من الأولياء الأموات اعتقادا منهم بقدرتهم على إيصال الضرر لهم ولو بعد موتهم, وكخوف الكفار من أصنامهم, كما قال تعالى في قول قوم هود:"إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ"54:هود . والخوف من الجن يدخل في النوع الأول, وهو:الخوف الجبلي الطبيعي, لكن قد يتحول هذا الخوف إلى خوف السر, إن اعتقد بأن الجن تملك أن تضره وتنفعه استقلالا, فيقع في قلبه خشيتها, فهنا يقال بأن الخوف تحول إلى شرك بالله تعالى, خاصة إذا حمله خوفه على صرف عبادات لها, كما جاء في الآية من استعاذة مشركي قريش بالجن. . المسألة الرابعة: قوله تعالى:"فزادوهم رهقا": معنى"رهقا": الرهق في كلام العرب: الإثم وغِشيان المحارم؛ ومنه قول الأعشى: لا شَـيْءَ يَنْفَعُنِـي مِـنْ دُونِ رُؤْيَتِهـا هـلْ يَشْـتَفِي وَامِقٌ ما لم يُصِبْ رَهَقا وجاء في لسان العرب: الرَّهَق السَّفَه والنُّوكُ,.... والرَّهَقُ الإِثْمُ...تقول لا تُرْهِقْني لا أَرهَقك اللهُ أَي لا تُعْسِرْني لا أَعْسَرَك اللهُ, وأَرْهَقَه إِثماً أَو أَمراً صَعْباً حتى رَهِقه رَهَقاً والرَّهَق غِشْيان الشيء رَهِقَه بالكسر يَرْهَقُه رهَقاً أَي غَشِيَه تقول رَهِقه ما يَكْره أَي غشيه ذلك ... وجاء في معنى الآية ثلاثة أقوال: القول الأول: إن الإنس زادوا الجن بسبب استعاذتهم بهم جرأة عليهم بسبب اعتقادهم أن لهم مزيد فضل على الإنس, وبالتالي ازدادوا إثما لشناعة فعلهم, وهو قول ابن عباس حيث قال:"فَزَادُوهُمْ رَهَقًا"فزادهم ذلك إثما. رواه عنه العوفي. وقول قتادة حيث قال: "فَزَادُوهُمْ رَهَقًا" : أي إثما، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة. رواه عنه سعيد. وهو قول إبراهيم كما نقل هذا عنهم إمام المفسرين في تفسيره, وكذا فعل ابن كثير. القول الثاني: إن الكفار هم الذين ازدادوا طغيانا, وهو قول مجاهد حيث قال في قوله تعالى: "فَزَادُوهُمْ رَهَقًا" قال: زاد الكفار طغيانا. رواه عنه ابن أبي نحيح, وذكره الطبري في تفسيره. القول الثالث: إن الجن زادت الكفار خوفا منهم, فكلما استعاذوا بهم, زادتهم خوفا وفرقا, وهو قول الربيع بن أنس, حيث قال في قوله تعالى: "فَزَادُوهُمْ رَهَقًا " قال: فيزيدهم ذلك رهقا. وهو الفرق. رواه عنه أبو جعفر, وهو قول ابن زيد, حيث قال:"زادهم الجنّ خوفا". رواه عنه ابن وهب, وذكر اقوالهم ابن جرير في تفسيره, وذكره ابن كثير في تفسيره. والأقوال الثلاثة لا تعارض بينها, وتحتملها الاية, والقاعدة أنه متى ما أمكن حمل الاية على ما ورد من معاني بلا تعارض, فالأولى فعل ذلك, فالجن ازدادوا طغيانا على الإنس وتكبرا بسبب استعاذة الإنس بهم, فاعتقدوا بأنهم الجنس الأفضل, والأقوى, فأدى بهم هذا إلى فعل المزيد مما يجلب الخوف في قلوب الكفار أحيانا, ليزدادوا خوفا منهم, فتستمر عبادتهم لهم, وليستمر تفوقهم عليهم, فازداد الجن بذلك إثما. أما الكفار فلما كانوا يستعيذون بالجن ولا يحصل من الجن اذى لهم, ينسبونه لاستعاذتهم بهم وما صرفوه لهم من عبادات, فيستمرون على كفرهم هذا, فيزدادوا طغيانا وكفرا. هذا والله اعلم, وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ------------------------------------------------------------------------------------- المصادر: - جامع البيان عن تأويل آي القرآن\ للإمام محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطبري. - الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمن من السنة وأحكام الفرقان\ لمؤلفه الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. - تفسير القرآن العظيم \ للإمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المعروف بابن كثير. - تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد\ لمؤلفه: محمد الطاهر بن عاشور. - تفسير الشيخ أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن العثيمين . |
رساله تفسيريه في قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ) سورة النبأ الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ، تتحدث هذه الآية بعد ذكر ثواب المحسنين وعقاب العاصين المعرضين ،عن مشهد عظيم في يوم عظيم ،يكون فيه جميع الخلق أضعف مايكون ،لاملك ولامتصرف فيه سوى الله ،قال تعالى :( مالك يوم الدين ) ،فجميع الخلائق تحت تصرفة وتحت ملكه وهو يوم القيامة . قال تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ): في يوم القيامة يقوم الروح و الملائكة صفوفا لايعلم عددهم إلا الله ،خاضعين لله هيبة له وإذلالا له ، وهذا المشهد من مشاهد العبودية إذ أن جميع الخلق في هذه الحاله مستعدون لمايصدر من أوامر ، مستعدون للحساب والجزاء . واختلف المفسرون في المقصود بالروح ،قيل : 1/أرواح بني آدم ،وهذا القول قول ابن عباس 2/هم بنو آدم وهو قول قتادة ،وقال قتادة في القول أنه مما كتمه ابن عباس 3/أنهم خلق من خلق على صور بني آدم ،وليسوا بملائكة ولابشر ،وهم يأكلون ويشربون وهو قول ابن عباس ومجاهد وأبو صالح والأعمش 4/وقيل هو القرآن الكريم قاله ابن زيدٍ، كقوله: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا..} الآية. 5/أنه ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقا قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {يوم يقوم الرّوح}. قال: هو ملكٌ عظيمٌ من أعظم الملائكة خلقاً. والدليل : عن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: الرُّوحُ مَلَكٌ في السماءِ الرابِعَةِ، هوَ أَعْظَمُ مِن السماواتِ ومِن الجِبالِ ومِن الملائِكَةِ، يُسَبِّحُ اللَّهَ كلَّ يوْمٍ اثْنَيْ عَشرَ ألْفَ تَسْبِيحَةٍ، يَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كلِّ تَسْبِيحَةٍ مَلَكاً مِن الملائِكَةِ، يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَفًّا وَحْدَهُ. 6/قيل هو جبريل قاله الشّعبيّ وسعيد بن جبيرٍ والضّحّاك، ويستشهد لهذا القول بقوله: {نزل به الرّوح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين}. وقال مقاتل بن حيّان: الرّوح هو أشرف الملائكة وأقرب إلى الرّبّ عزّ وجلّ، وصاحب الوحي يقصد به جبريل ورجح ابن كثير أنهم بنو آدم وهو القول الثاني ، و قيل يحتمل أنه جبريل عليه السلام لقوة الدليل عليه وللخروج من الخلاف و خلاصة الأقوال ماذكره الطبري : (إنَّ اللَّهَ تَعالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أنَّ خَلْقَهُ لا يَمْلِكُونَ مِنهُ خِطاباً يومَ يَقُومُ الرُّوحُ، والرُّوحُ: خَلْقٌ مِنْ خلْقِهِ. وجائِزٌ أنْ يكونَ بعضَ هذهِ الأشياءِ التي ذَكَرْتُ، واللَّهُ أعلَمُ أيُّ ذلكَ هوَ. ولا خَبَرَ بشيءٍ مِنْ ذلكَ أنَّهُ المعنيُّ بهِ دونَ غَيْرِهِ يَجِبُ التسليمُ لهُ، ولا حُجَّةَ تَدُلُّ عليهِ، وغيرُ ضائِرٍ الجَهْلُ بِهِ) قال تعالى : (لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا): في هذا اليوم العظيم جميع الخلق ساكتون لاأحد يستطيع أن يتكلم ،من شدة الموقف كل الخلق خاضعون مستسلمون ، إلا من يملك شروط التكلم وهما شروط الشفاعة : 1/إذن الله له بالتكلم فقيل يؤذن لهم بالتكلم حين يمر أهل النار إلى النار ، وأهل الجنة إلى الجنة وروي عنْ عِكْرِمَةَ، وقرَأَ هذهِ الآيَةَ: {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً}، قالَ: يُمَرُّ بأُناسٍ مِنْ أهلِ النارِ على ملائِكَةٍ، فيَقُولُونَ: أينَ تَذْهَبُونَ بهؤلاءِ؟ فيُقالُ: إلى النارِ، فيَقُولُونَ: بِمَا كسَبَتْ أَيْدِيهم، وما ظَلَمَهُم اللَّهُ. ويُمَرُّ بأُناسٍ مِنْ أهلِ الجنَّةِ على ملائِكَةٍ، فيُقالُ: أينَ تَذْهَبونَ بهؤلاءِ؟ فيَقُولُونَ: إلى الجنَّةِ، فيَقُولُونَ: بِرَحْمَةِ اللَّهِ دَخَلْتُم الجنَّةَ. قالَ: فَيُؤْذَنُ لهم في الكلامِ أوْ نَحْوِ ذلكَ. 2/أن يقول القول الصواب الذي لاباطل معه: 1/من قول الحق قول ( لاإله إلا الله ) كما قاله أبو صالح وعكرمه 2/قيل أن المراد بالقول الصواب :من وحد الله في الدنيا وعمل بما أوجب عليه ولاتعارض بين القولين ،فالقولين من الأقوال المتنوعة وليس المتضادة خلاصة مااحتوت عليه الرساله :أن الخلق مهما ملكوا من أمورفإنه لامالك ولامتصرف في هذا الكون إلا الله ،وأن هناك يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين ، كل الخلق فيه مستسلمون خاضعون لاتصرف لهم فيه، فليحرص المسلم على مايخلصه من هذا اليوم بسلام وهو القول والفعل الصواب في هذه الدار وفعل الأوامر وترك النواهي والمسارعة في الخيرات . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المراجع : تفسير ابن كثير تفسير السعدي تفسير الأشقر تفسير الطبري تفسير ابن عطية الأندلسي تفسيرابن عاشور |
تطبيق على الأسلوب العلمي رسالة في قول الله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)) بسم الله و الحمدلله و الصلاة و السلام على أشرف الخلق محمد صلى الله عليه و سلم و على آله و صحبه أجمعين و أما بعد فهذه رسالة خاصة لتفسير آية عظيمة من آيات كتاب الله قد تضمنتها سورة عظيمة و هي سورة الملك التي ذكر في فضلها ((قال أحمد: حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ وابن جعفرٍ قالا حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن عبّاسٍ الجشمي، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ سورةً في القرآن ثلاثين آيةً شفعت لصاحبها حتّى غفر له: " تبارك الّذي بيده الملك)) ". و قد تضمنت السورة الكلام عن آيات الله الدالة على قدرته و تمام ملكه سبحانه و ذكر أهل الشقاء و حالهم و بما أن القرآن مثاني فقد ذكر أهل أضدهم من أهل النعيم و هي الآية محور رسالتنا (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) . و من نظائر هذه الآية قول الله تعالى (( من خشي الرحمن بالغيب )) . أي من خاف الرحمن و أطاعه بالغيب و لم يره . قبل أن نتطرق لمسائل الآية لا بد أن نذكر معنى الخشية فهل هي مطابقة للخوف ؟ قال ابن القيم في المدارج الفرق بين الخوف و الخشية و الرهبة و الإجلال فذكر فيها : الخوف هو هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره . الخشية أخص من الخوف فهي خوف مقرون بعلم و هي مبنبية على تعظيم المخشي منه و معرفة قدره . أما الهيبة فهو خوف مقارن للتعظيم و الإجلال مع المحبة و المعرفة . و أما الإجلال فهو تعظيم مقرون بالحب . أما الرهبة فهي وصف عمل القلب عند حصول الخوف و فيها معنى الهيبة و الإجلال . فالخوف لعامة المؤمنين و الخشية للعلماء العارفين و الهيبة للمحبين و الإجلال للمقربين و على قدر العلم و المعرفة يكون الخوف و الخشية كما قال تعالى (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) . و كان هذا من رد الشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله على طالب علم . و قال صلى الله عليه و سلم (( إني أتقاكم لله و أشدكم له خشية )) . و إفراد الله بالخشية منزلة الأنبياء كما في قوله تعالى (( الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا إلا الله و كفا بالله حسيبا )) . و العرب تمدح من يكون في خلوته كمشهده مع الناس و منه قول المسلم بن الوليد : يتجنب الهفوات في خلواته عف السريرة غيبه كالمشهد . و نأتي إلى مسائل الآية و في توضيحنا لها على قسمين : القسم الأول : عمل يقوم به المؤمن . و القسم الثاني : جزاء هذا العمل . فالقسم الأول به مسائل و هي : * أسلوب الآية و هو الأسلوب الخبري. * متعلق الخشية : فأخبر سبحانه عن من يخاف مقام ربه فيما بينه و بينهم إذا كان غائبا عن الناس فينكف عن المعاصي و يقوم بالطاعات مخلصا لله وحده و وعده بالثواب الجزيل كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه و سلم (( سبعة يظلهم الله تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله و كان منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )) . * دلالة التعبير بصفة الربوبية : عبرت الأية بصفة الربوبية فهو الجامع لصفات الإحسان فهم قد غلب عليهم النظر إلى الإحسان فقادهم إلى الشكر فهو ربهم الذي أحسن إليهم و إذا كانت تلك الخشية حال النظر إلى الإحسان فما بالها حال النظر لصفات انتقامه ( الإمام البقاعي ) . * بالغيب : أما الغيب ففيه تفصيل : فقد ذكر الإمام الموردي في النكت و العيون المراد بالغيب على ستة أوجه : 1- الله تعالى و ملائكته قاله أبو العالية . 2- الجنة و النار قاله السدي . 3- القرآن قاله زر بن حبيش . 4- الإسلام لأنه يغيب قاله اسماعيل بن أبي خالد . 5- القلب قاله بن حجر . 6- الخلوة إذا خلا بنفسه فذكر ذنبه استغفر ربه قاله يحي بن سلام . ذكر الإمام الشوكاني : يخشون ربهم و عذابه حال كونهم غائبين عن أعين الناس و به قال كثير من المفسرين مثل ابن كثير و السعدي و الأشقر . و للإمام الشوكاني قول أخر أن المراد بالغيب كون العذاب غائبا عنه لأنهم في الدنيا و هو إنما يكون يوم القيامة فتكون الباء هنا للسببيه . القسم الثاني : الجزاء المترتب على الخشية : * مناسبة الشطر الثاني للآية للشطر الأول : و لما كانت الخشية مشيرة إلى الذنوب فكان أهم شئ الإراحة منها فقال تعالى (( لهم مغفرة)) أي ستر عظيم تأتي على جميع الذنوب . و قد ذكر الإمام الماوردي ثلاثة أوجه للمغفرة : 1- التوبة و الاستغفار . 2- خشية ربهم بالغيب . 3- لأنهم حلوا باجتناب الذنوب محل المغفور له . * دلالة تنكير المغفرة : ذكرت المغفرة نكرة للتعظيم . * الأقوال في أجر عظيم : بشرهم الله بفضل كبير ينسوا ما قاسوه في الدنيا . ذكره الإمام البقاعي . الأجر العظيم في الجنة . ذكره الإمام الماوردي و ابن كثير و السعدي و الأشقر . العفو عن العقاب و مضاعفة الثواب . للإمام الماوردي و تلك الأقوال يمكن الجمع بينها حيث أن فضل الله الكبير يكون بالعفو عن العقاب و مضاعفة الثواب و إدخالهم الجنة . * دلالة تقديم المغفرة : قدم المغفرة تطمينا لقلوبهم لأنهم يخشون ربهم ثم أعقبها بالبشارة بالأجر العظيم . ذكره ابن عاشور . من هدايات الآية : و الواقع أن هذه الصفة و هي خشية الله بالغيب و الإيمان بالغيب أساس عمل المسلم كله و معاملاته فالمؤمن بهذه الثقة سيعمل كل خير طمعا في ثواب الله و بمخافة الله بالغيب يتجنب كل سوء . و كان مدح الله للمتقين في أول المصحف بوصفهم (( الذين يؤمنون بالغيب )) سورة البقرة . فمجاهدة الإنسان نفسه لتحقيق تلك الصفة لا بد أن تكون من أهم أولوياته و قد قال الله سبحانه و تعالى ( و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . المصادر : - نظم الدرر للبقاعي . - التحرير و التنوير . - فتح القدير للشوكاني . - النكت و العيون للماوردي . - منتدى الإمام الآجري . - أضواء البيان للشنقيطي . - تفسير ابن كثير . - تفسير الشيخ السعدي . |
تابع تقويم تطبيقات أسلوب التقرير العلمي فداء حسين أ+ مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور شخصية الكتابة وأسلوبها في الرسالة. - جودة التفاسير المختارة. - استيفاء الرسالة مسائل الآية وجودة الطرح العلمي. الملاحظات على الرسالة: رسالتك قيّمة -بارك الله فيك- ونزيد هذه الفائدة في أنواع الاستعاذة، وهي نوعان: استعاذة العبادة: وهي التي يصاحبها قيام معان تعبّدية في قلب المستعيذ تجاه المستعاذ به من الخوف والتعظيم والتعلّق والخضوع والذلّ والافتقار، فهذه لا تجوز إلا لله وصرفها لغيره شرك أكبر، ولهذا كانت استعاذة الإنس بالجن من هذا النوع. استعاذة التسبب: وهي من قبيل بذل الأسباب لأجل العصمة مما يُخاف منه دون أن يصاحبها معان تعبّدية في قلب المستعيذ، فهذه جائزة، وقد جاء في الحديث: "ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به". التوصيات: واصلي التدرّب على كتابة الرسالة العلمية، نفع الله بك. مها الحربي أ مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور شخصية الكاتبة. - جودة المصادر. الملاحظات على الرسالة: - تصويب: "خاضعين لله، هيبة له وذلا له". - عدم توثيق مصادر المرويات المأثورة عن السلف. التوصيات: - لابد من ذكر مصادر النقولات التفسيرية، واعتني بالمصادر الأصلية أو البديلة. - واصلي التدرّب على كتابة الرسائل بأسلوب التقرير العلمي. 14: منال أنور ب مظاهر القوة في الرسالة: - ظهور شخصية الكاتبة وأسلوبها في الرسالة. - جودة المصادر المختارة وتنوعها. الملاحظات على الرسالة: - غياب التفاسير المسندة عن مصادر الرسالة. - كان الأولى أن تراجعي كتاب ابن القيّم نفسه ونقل الفروقات التي ذكرها من كتابه مباشرة، وهذا هو المطلوب في البحث أن يكون من المصادر الأصلية. - مسألة خشية الله بالغيب تعتبر أهمّ مسائل الآية، ولم تأخذ حقّها الكافي في التحرير والبيان، وهذه أظهر ملاحظة على الرسالة، والاستعانة بنظائر الآية مما يساعد على فهمها وتحريرها، ولعلك تراجعينها في وقت لاحق. - ما نقلتيه عن الماوردي في تفسير شطري الآية يحتاج إلى إيضاح، وتفسير للآية وفق كل قول وبيانه، ولا يكتفى بسرد الأقوال فقط. - ما ذكرتيه من أقوال في المراد بالأجر الكبير مردّه إلى شيء واحد ولا يصحّ تعدادها كأقوال مختلفة. - ابن كثير متقدّم على الشوكاني كثيرا وله مكانته الكبيرة في التفسير، فراعي الترتيب أثناء نسبة الأقوال. التوصيات: أثني على جهدك في الرسالة، وأوصيك بالعناية أكثر بالتحرير العلمي، وتوسيع دائرة مصادرك، مع الاستفادة من نظائر الآية موضوع الرسالة. بارك الله فيكم ووفقكم لما يحبه ويرضاه |
معنى المحادة في قوله تعالى (إن اللذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين) المجادلة في أول سورة المجادلة يقول الله تعالى (إن اللذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت اللذين من قبلهم وقد أنذلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين) فاللذين يحادون الله ورسوله في هذه الآية هم المشركون المعلنون بالمحادة أما في الآية موضوع الرسالة فهم المنافقون المسرون للمحادة المظهرون للموالاة والمحادة في كتب اللغة من الفعل حادَّ ولهذا الفعل في اللغة معنيين: - جاور وشارك في الحد كقولنا: حادَّت مزرعته الأرض أي: شاركتها في حدودها - غاضب وخالف وعصى وعادى كقوله تعالى: (إن اللذين يحادون الله ورسوله ......) وللمحاذاة في كتب التفسير معاني كثيرة سنذكرها ثم نقوم بترتيب هذه المعاني وشرح العلاقة بين كل منها: · تفسير الطبري: يقول تعالى ذكره: إن اللذين يخالفون الله ورسوله في حدوده وفيما فرض عليهم من فرائضه فيعادونه وعن قتاده: (إن اللذين يحادون الله ورسوله) يقول: يعادون الله ورسوله وعن مجاهد: (يحادون الله ورسوله) قال: يعادون ويشاقُّون · تفسير بن عاشور: (إن اللذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين) موقع هذه الآية بعد ما ذكر من أحوال المنافقين المسرون للمحادة والمظهرون للموالاة · تفسير بن كثير: يقول تعالى مخبرا عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله يعني: اللذين هم في حد والشرع في حد أي مجانبون للحق مشاقُّون له هم في ناحية والهدى في ناحية · تفسير السعدي: هذا وعد ووعيد، وعد لمن حاد الله ورسوله بالكفر والمعاصي أنه مخزول مذلول لا عاقبة له حميدة ولا راية له منصورة · تفسير الطنطاوي: أي اللذين يحادون دين الله ويحاربون ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خلال هذه التفاسير وغيرها نجد أن للمحادة مجموعة من المعاني: 1. المخالفة 2. المعاداة 3. المشاقَّة 4. المعاندة 5. المحاربة وجميع هذه المعاني التي ذكرها المفسرون متقاربة في الغرض من المحادة التي تنشئ بين الكفار والمنافقين وبين الله ورسوله. فالكفار والمنافقون مخالفون لله ورسوله و فالكفار والمنافقون يعادون الله ورسوله و فالكفار والمنافقون مشاقُّون لله ورسوله و فالكفار والمنافقون معاندون لله ورسوله و فالكفار والمنافقون محاربون لله ورسوله ولكن كيف تكون هذه المحادة من الكفار والمنافقين لله ورسوله؟ وبالنظر إلى كلام المفسرين نجد أن هذه المحادة تكون بشيء من الأمور التالية: & مخالفة حدود الله والوقوع فيما حرم الله & ترك ما فرض الله وعدم القيام بما أمر به & معاداة من يلتزم بحدود الله ومن يقوم بما فرض الله والوقوف مع أعدائهم & موالاة من يعادون الله ورسوله والمؤمنين وعدم نصرة المؤمنين عليهم & محاربة الله ورسوله والمؤمنين بالقول والفعل & معاندة الله ورسوله فيما أمر وفيما نهى فلا يلتزم بالأوامر والنواهي & مشاقَّة الله ورسوله والمؤمنين بترك ما أُمر به والقيام بما نُهيَ عنه إذا فما الفرق بين المحادة لله ورسوله في كلتا الآيتين؟ بالنظر للآية التي في أول السورة وقد علمنا أنها في الكفار المشركين أما في الآية موضوع الرسالة فهي في المنافقين ومن المعلوم أن العدو الظاهر أسهل من العدو الخفي فقد أمرنا الله بمعاملة الناس بما يظهرون وترك السرائر لله وعلى ذلك نرى اختلاف العقاب في الحالتين: ففي المشركين كان العقاب (...... كبتوا كما كبت اللذين من قبلهم ......) والكبت هو الخزي والهلاك وأهينوا ولعنوا ونرى أن كلها عقوبات ظاهرة واضحة في أثرها على الكفار اللذين يحادون الله ورسوله ولو كانت مؤجلة ليوم الحساب أما في الآية موضوع الرسالة فكان العقاب (..... أولئك في الأذلين) أي من أهل الذلة الأشقياء المبعدون عن الصواب اللذين يلحقهم الذل في الدنيا قبل الآخرة ونرى أن كلها عقوبات نسبية قد لا يتطلع عليها المؤمنون رغم أنها في الدنيا ولكن المنافق يشعر بها فالخزي يقتله والذل يؤرقه والشقاء يؤلمه وقد يكون لذلك حكمة فالكافر الذي يموت كافرا فعقوبته في الآخرة أما المنافق فقد يتوب الله عليه فعقوبته في الدنيا غير ظاهرة ولعل الله يهديه والحمد لله رب العالمين المراجع : - جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310هـ) - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ) - تفسير الطنطاوي ت (2010م) - تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ) - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ) -تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور (1973 م) |
بسم الله الرحمن الرحيم رسالة في المراد بالصراط المستقيم في سورة الفاتحة بين أيدينا في هذه الأسطر وقفة يسيرة مع دعاء عظيم، هو من أنفع وأجمع الأدعية التي يدعو بها العبد لنفسه، ولعظمته شُرع له تكراره في كل ركعة من صلاة ليل أو نهار فرض أو نفل؛ لضرورته إلى ذلك. ذلكم الدعاء الذي ورد في أعظم سورة في القرآن يلهج به العبد سائلاً ربه (اهدنا الصراط المستقيم)، فحقيق بكل مؤمن أن يعتني به فيجمع قلبه عند الدعاء به، ولا يكون له ذلك إلا بإدراك معناه وفهم المراد به. وقد تنوعت عبارات السلف في تفسير الصراط وبيان المراد به، ويمكن إجمال ما ورد من أقوالهم فيما يلي: القول الأول: أن المراد بالصراط المستقيم الإسلام، قال بهذا القول كلٌّ من عبد الله بن مسعود وجابر وابن عباس وابن الحنفية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما أخرجه الطبري عنهم، وبه قال مقاتل كما ذكر البغوي. واُستدل لهذا القول بحديث النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا، وداع يدعو من جوف الصراط فإذا أراد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه. والصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله عز وجل، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم". أخرجه أحمد. القول الثاني: أن المراد بالصراط المستقيم القرآن، قال بهذا القول علي بن أبي طالب وابن مسعود كما أخرجه الطبري عنهما. واُستدل لهذا القول بحديث علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصراط المستقيم كتاب الله". أخرجه ابن أبي حاتم. القول الثالث: أن المراد بالصراط المستقيم رسول الله وصاحباه، وبه قال أبو العالية والحسن أخرجه الطبري عنهما. القول الرابع: أن المراد بالصراط المستقيم ما ترك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، قاله ابن مسعود كما أخرجه الطبراني. القول الخامس: أن الصراط المستقيم هو الحق، قاله مجاهد كما ذكر ابن كثير. القول السادس: أن المراد بالصراط المستقيم طريق السنة والجماعة، قاله سهل بن عبد الله كما ذكر البغوي. القول السابع: أن المراد بالصراط المستقيم طريق الجنة، قاله سعيد بن جبير كما ذكر البغوي. القول الثامن: أن المراد بالصراط المستقيم طريق الحج، قاله الفضيل بن عياض كما ذكر القرطبي، واستبعده لخصوصه وكون العموم أولى. وكل هذه الأقوال ترجع في حاصلها إلى شيء واحد وهو المتابعة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، واختلاف عبارات السلف فيه من قبيل اختلاف التنوع بحسب صفات الصراط ومتعلقاته، قال ابن القيم في ذكر حاصل الأقوال في الصراط المستقيم: "وحقيقته شيء واحد وهو طريق الله الذي نصبه لعباده على ألسن رسله وجعله موصلاً لعباده إليه...وهو إفراده بالعبودية وإفراد رسوله بالطاعة، فلا يشرك به أحداً في عبوديته، ولا يشرك برسوله أحداً في طاعته، فيجرد التوحيد ويجرد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم". ومما يجلي اتفاق هذه الأقوال واتحاد مرجعها كونها – وإن تنوعت – متلازمة، فإن من اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن، وذلك هو الدين الحق، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه، وهو طريق السنة والجماعة الذي ترك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ومن اهتدى إليه وثبت عليه في الدنيا اهتدى إلى طريق الجنة في الآخرة. ومع اتفاق هذه الأقوال فإن أولاها وأظهرها دلالة على المراد هو القول الأول وهو ما ذهب إليه جمهور المفسرين من تفسير الصراط المستقيم بالإسلام؛ فإنه أجمع تلك الأقوال وإليه يرجع سائرها، فإن الإسلام إذا أطلق شمل مراتب الدين كلها. وقد سمى الله دينه الذي هو دين الإسلام صراطاً مستقيماً في مواضع من كتابه، قال تعالى: (قل إنني هداني ربي إلى طراط مستقيم. ديناً قيماً) الآية. وقال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله). ولا ريب أن حمل معاني كلام الله على الغالب من أسلوب القرآن ومعهود استعماله أولى. فنسأل الله تعالى بمنِّه وكرمه أن يهدينا إلى الصراط المستقيم وأن يهدينا فيه، وأن يدلنا عليه ويثبتنا عليه حتى نلقاه، إنه سميع قريب. المراجع: بدائع التفسير، لابن القيم. تفسير ابن رجب الحنبلي. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري. الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي. معالم التنزيل، للبغوي. |
تابع تقويم تطبيقات أسلوب التقرير العلمي رقية عبد البديع بارك الله فيك وشكر جهدك. وأثني على مصادرك في الرسالة واجتهادك في عرض مسائل الآية. وأظهر الملاحظات على الرسالة -مع ثنائي على جهدك فيها- هو اعتمادك على عبارات المفسّرين، فإكثارك من النقل -ولو مع العزو- أثّر على أسلوبك في الرسالة، فصارت كأنها تجميع وترتيب لأقوال المفسّرين فقط، وهذا لا يحقّق الغرض من هذه التطبيقات الذي هو تدريب الطالب على الكتابة، لذا فالرسالة بحاجة إلى إعادة وتلخيص لكلام المفسّرين بأسلوبك، واجعلي أسلوبك حاضرا أثناء عرض المسائل وأحسني الربط وبيان المناسبة بين كل مسألة والتي تليها. وتوجد بعض الملاحظات التي أرجو مراعاتها عند الإعادة: - في الرسائل التفسيرية نعرض مسائل القراءات التي لها أثر على المعنى فقط. - مسألة معنى قوله تعالى: {من أنصاري إلى الله} فسّرتيها في غير موضعها. - مسألة "من هم أنصار الله" هي في فضل الأنصار رضي الله عنهم، وتعدّ مسألة استطرادية، وكل من اقتدى بهم يصدق عليه هذا الوصف، وليس الوصف مقتصرا عليهم، ومثلها مسألة "من هم حواريّو هذه الأمة" هي مسألة أيضا استطرادية فتؤخّر. - يجب أن يكون تحريرك للمسألة الواحدة مستفاد من جميع المصادر دون الاقتصار على تفسير واحد، حتى لا يحصل اختلاف أو نقص كما حصل في بيان الطائفة المؤمنة والطائفة الكافرة من بني إسرائيل. وفقك الله وسدّدك. لولوة الحمدان أ+ أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك. |
تطبيق اسلوب التقرير العلمى :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
نحن بصدد تفسير ءاية رقم 16 من سورة التغابن آخر السور التى تبدأ بتسبيح الله عزوجل قال تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) وقبل ان نبدأ بتفسير الآية لابد أن نشير أنها مرتبطة بما قبلها فى السياق وسنقوم بعرض بعض المسائل التى تشتمل عليها الآية ثم نقوم بتوضيح كل مسألة على حدى والله الموفق والمستعان . قائمة المسائل التفسيرية : - علاقة الآية بما قبلها من آيات - فائدة الفاء فى قوله تعالى (فاتقوا) - معنى التقوى - المراد بالتقوى فى الآية - نوع ما - المراد من حذف متعلق (اتقوا ) - المراد بالاستطاعة - العلاقة بين الآية وءاية آل عمران (يا ايها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ) - فائدة العطف (واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا ) - متعلق السمع - متعلق الطاعة - متعلق النفقة - أوجه الإنفاق – أوجه إعراب خيرًا – المراد ب( أنفقوا خيرا لأنفسكم) – الفرق بين الشح والبخل – المراد من إضافة الشح للنفس – كيف يتقى الأنسان شح نفسه – المراد ب ( المفلحون ) نبدأ وبالله التوفيق توضيح المسائل : - علاقة الآية بما قبلها من آيات قال تعالى فى الايتين السابقتين للآية محل التفسير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ-إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ولا خلاف بين أهل العلم أن الآيات نزلت بسبب قوم تأخروا عن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإيمان بسبب انشغالهم بأزواجهم وأولادهم وتثبيطهم لهم وأخبر تعالى أن الأموال والأولاد ابتلاء منه عزوجل واختبارعلى ترك الطاعة وكسب الحرام ووعد بالثواب الجزيل لمن آثر طاعته على طاعة غيره ولم ينشغل عنه بمتاع الدنيا ثم فى هذه الاية يبين لنا أنه إذا علمتم ذلك فاتقوا الله وتنزهوا عن فتن الدنيا ولا يشغلكم حبها عن طاعة الله وأداء حقوقه . - فائدة الفاء فى قوله تعالى (فاتقوا) الفاء للافصاح والتفريع على ما تقدم فى الآيتين السابقتين أى إذا علمتم هذا فاتقوا الله. - معنى التقوى - طاعة الله ورسوه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه . - الخوف من عقاب الله واجتناب عذابه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه والعمل بما يقرب إليه . وهذا خلاصة ما ذكره المفسرون وكلا المعنيين يكمل بعضه بعض فإذا خاف الإنسان الله امتثل أوامره واجتنب نواهيه وجعل بينه وبين كل ما يغضب الله عزوجل وقاية . - المراد بالتقوى فى الآية أى راقبوه وتنزهوا عن فتن الدنيا من الاموال والاولاد أن تشغلكم عن طاعته وأداء حقوقه . - نوع ما ما مصدرية ظرفية . - المراد من حذف متعلق (اتقوا ) تعميم ما يتعلق بالتقوى فى جميع الأحوال . - المراد بالاستطاعة نهاية الطاقة والجهد فى طاعة الله والمداومة على ذلك فى جميع الوقات بدون تفريط يصل إلى حد المشقة فقد قال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) وفى الآية دليل على أن كل ما يعجز عنه العبد يسقط عنه . - العلاقة بين الآية وءاية آل عمران (يا ايها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ) - ذهب بعض العلماء إلى أن الآية ناسخة لآية آل عمران واستدلوا بقول الألوسى عن سعيد بن جبير قال:لما نزلت(اتقوا الله حق تقاته ) إشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت أقدامهم فأنزل الله (فاتقوا الله ما استطعتم تخفيفا على المسلمين . أخرجه بن أبى حاتم . - وذهب البعض انها ليست ناسخة . وليس هناك تعارض بين الايتين لأن كلاهما يأمران المسلم على بذل قصارى جهده فى طاعة الله ولا يأخذه فى الله لومة لائم . - فائدة العطف (واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا ) من باب عطف الخاص على العام للاهتمام به . - متعلق السمع كل ما يعظكم به الله وما شرع من أحكام وما يبلغكم به الرسول سماع تدبر وتفكر وذلك فى جميع أموركم . - متعلق الطاعة كل ما يامركم به وينهاكم عنه . - متعلق النفقة من كل ما رزقكم الله من خير . - أوجه الإنفاق - الزكاة وهو قول بن عباس - النفل و التطوع والصدقة ذكره بعض السلف - الجهاد وهو قول الضحاك - نفقة الرجل على نفسه وكل ما ينفق الرجل من خير فهو لنفسه وهو قول الحسن وبن عربى . والصحيح أنها عامة فالنفقة صيغة أمر تشمل كل واجب ومندوب وفيه تحريض على الإنفاق بمرتبتيه . – أوجه إعراب خيرًا - خيرا : اسم تفضيل أى افنفاق خير لكم من الإمساك ذكره الكسائى والفراء - خيرا : منصوب على أنه مفعول لفعل مضمر دل عليه أنفقوا والتقدير خيرا لأنفسكم . ذكره سيبويه - – المراد ب( أنفقوا خيرا لأنفسكم) أحسنوا إلى خلق الله كما أحسن الله إليكم يكن خيرا لكم فى الدنيا والآخرة ومن لم يفعل يكن من الخاسرين . – الفرق بين الشح والبخل قال بعض العلماء أن الشح والبخل سواء وذهب أهل اللغة أن الشح أشد من البخل وهذه بعض أقوال العلماء فيه ذكرها عنهم بن عاشور : - الشح هو البخل مع حرص فى الصحاح - الشح هو الظلم قول بن مسعود وبن عيينة - البخل أن يبخل الإنسان بما فى يده والشح يشح بما فى أيدى الناس ولا يقنع قول طاوس - الشح منع الزكاة وادخار الحرام وهو قول بن جبير - الشح اتباع الهوى وعدم قبول الايمان وترك الفرائض وانتهاك المحارم قول بن عباس و الليث - الشح أضر من الفقر لأن الفقير إذا وجد شبع والشحيح إذا وجد لم يشبع أبدا قول كسرى – المراد من إضافة الشح للنفس للاشارة إلى أن الشح من طبائع النفس فالنفس شحيحة بما تحبه من أشياء . – كيف يتقى الأنسان شح نفسه قال بن زيد من لم يدعه الشح على أن يمنع شيئا من شىء أمره الله به فقد وقاه الله شح نفسه وعن أنس رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (برىء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى فى النائبة ) فعلينا عن ننهى أنفسنا فى اتباع هواها ونوجهها إلى طاعة مولاها . – المراد ب ( المفلحون ) الفائزون بالجنة الناجون من النار الناجحون الذين منعوا أنفسهم من الشح واتباع الهوى وامتثلوا لطاعة أوامر الله عزوجل . المراجع : - تفسير الطبرى - تفسير ابن كثير - تفسير القرطبى - تفسير البغوى - تفسير بن عاشور - تفسير السعدى - تفسير الوسيط تم بفضل الله . |
رسالة تفسيرية في تفسير آية"فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس"
بسم الله و الحمد لله و صلى الله على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة و أشد التسليم. أما بعد فهذا تفسير لمعاني الآية الكريمة" فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس" من سورة التكوير، و قد اختلف أهل التفسير في تفسير معنى الخنس، فقيل: 1/البقر لأنه يجري في النهار و يكنس أي يختفي في الليل و هو قول بن مسعود و غيره 2/الضباء و هو قول علي رضي الله عنه 3/النجوم لأنها تظهر بالنهار و تختفي في الليل و هو قول الحسن و قتادة و غيرهم 4/الكواكب الخمس و هي المشتري و عطارد و زحل و المريخ و الزهرة، و قيل هذه الكواكب بالذات لأنها تعترض للشمس و هذا القول ذكره القرطبي في تفسيره و لم يعزه لأحد 5/قيل هي الكواكب عامة و هو قول الجمهور 6/الملائكة ذكر هذا القول الماوردي في تفسيره هذه الأقوال ذكرها أغلب المفسرين في كتبهم و ملخص القول أن معنى الخنس حسب قول الجمهور هو النجوم أو الكواكب، و أن الله استعار صفة الخنس التي هي صفة البقر و الضباء ليصف بها النجوم لوجه الشبه بينهم في أنها تجري في الليل و تخنس في النهار، و من الأدلة على أنها استعارة كما ذكره بن عاشور في تفسيره: 1/أن الله تعالى لا يقسم إلا بما كان عظيما أو مباركا. 2/ذكر الليل و عطفه على النجوم لمناسبة جريان الكواكب في الليل. المصادر: *جامع البيان في تفسير القرآن للطبري *الجامع لأحكام القرآن للقرطبي *تفسير القرآن لابن كثير *فتح القدير للشوكاني *التحرير و التنوير لان عاشور *أضواء البيان الشنقيطي *صفوة التفاسير للصابوني |
إعادة الرسالة
جزاكم الله خيرا على الملاحظات القيمة، نفعنا الله بها وجزاكم عنا خير الجزاء،
الأسلوب العلمي رسالة تفسيرية في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواكُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَمَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِفَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَاالَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) } بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛ فهذه رسالة تفسيرية في الآية التي ختمت بها سورة الصف، فبعد أن أمر الله المؤمنين بأن يصدق فعلُهم قولَهم، وأمرهم بأن يكونوا صفا مرصوصا في مواجهة أعدائهم، ثم ذكر إيذاء بني إسرائيل لموسى عليه السلام، وبشارة عيسى ابن مريم برسالة محمد عليهم الصلاة والسلام، ثم ذِكْر ظهور الإسلام على جميع الأديان رغم كيد الحاقدين، وتشويق المؤمنين إلى معرفة التجارة الرابحة وهي الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله، وختمت الآيات بدعوة عباد الله المؤمنين بأن ينصروا الله ورسوله، كما نصر الحواريون عيسى عليه السلام في سبيل الله. وفي الآية عدة مسائل: أولا: المسائل التفسيرية: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواكُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} كيف تكون نصرة الله؟ تكون نصرة الله بالأقوال والأفعال، من تعلم العلم النافع العمل به والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، كما تكون بجهاد الكفار والمنافقين بالسيف والقلم، وبذل المال والنفس نصرة لدين الله. قوله تعالى: {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَمَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} قصة عيسى عليه السلام مع حوارييه: عن ابن عبّاسٍ رضي اللّهعنهما قال: لمّا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يرفع عيسى إلى السّماء، خرج إلى أصحابه وهمفي بيتٍ اثنا عشر رجلًا من عينٍ في البيت، ورأسه يقطر ماءً، فقال: إنّ منكم من يكفربي اثنتي عشر مرّةً بعد أن آمن بي. قال: ثمّ قال: أيّكم يلقى عليه شبهي فيقتلمكاني، ويكون معي في درجتي؟ قال: فقام شابٌّ من أحدثهم سنًّا فقال: أنا. قال: فقالله: اجلس. ثمّ أعاد عليهم، فقام الشّابّ فقال: أنا. فقال له: اجلس. ثمّ عادعليهم فقام الشّابّ، فقال: أنا. فقال: نعم، أنت ذاك. قال: فألقي عليه شبه عيسى، ورفععيسى عليه السّلام من روزنة في البيت إلى السّماء، قال: وجاء الطلب من اليهود،فأخذوا شبهه فقتلوه وصلبوه، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرّةً بعد أن آمن به،فتفرّقوا فيه ثلاث فرقٍ. فقالت فرقةٌ: كان اللّه فينا ما شاء، ثمّ صعد إلى السّماء. وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقةٌ: كان فينا ابن اللّه ما شاء، ثمّ رفعه إليه وهؤلاءالنّسطوريّة، وقالت فرقةٌ كان فينا عبد اللّه ورسوله ما شاء اللّه ثمّ رفعه إليه،وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة، فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسًاحتّى بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم.(ابن كثير). المراد ب: {من أنصاري إلىاللّه} أي: من يتبعني منكم إلى الله نصرة لدينه وشرعه. معنى الحواري، المراد به "الحواريين" في اللغة: الذين أخلصوا ونقّوا من كل عيب، والمراد به: خلصانالأنبياء وصفوتهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الزبير ابن عمّتي وحواريّي من أمّتي. لم سمي الحواريون بهذا الاسم؟ قيل: إن الحواريين سموابذلك لبياض ثيابهم، فأطلق عليهم لصفاء قلوبهم ونقاءها من الخبث، وقيل: كانوا قصّارين،وقيل: كانواغسّالين. قوله تعالى: {فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَاالَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} من هي الطائفة التي آمنت؟ والطائفة التي كفرت؟ الطائفة المؤمنة: هي من وحدت الله عز وجل، وقالت: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثمّ رفعه. أما الطائفة الكافرة ثلاث فرق: اليعقوبية: وهم قالوا هو الله،والإسرائيلية: وهم قالوا ابن الله، والنسطورية: وهم قالوا هو إله، وأمه إله واللهثالثهما - تعالى الله عن أقوالهم علوا كبيرا-. كيف ظهرت الطائفة المؤمنة؟ في المراد بالظهور قولان: الأول: أن المراد الظهور الحسي، بالسيف والسنان؛ وذلك أن الله تعالى رد الكرة لمن آمن به، فغلبوا الكافرين.بعدفترة من رفع عيسى عليه السلام. أو أن ظهورهم بظهور الإسلام، فلما تظاهرت الطوائف الكافرة على المؤمنة فقتلوها لم يزل الإسلام طامسا حتى جاء الإسلام. الثاني: أن المراد الظهور المعنوي، بالحجة والبرهان؛ فقد كانالمؤمنون به قديما ظاهرين بالحجة، وإن كانوا مفرقين في البلاد، مغلوبين في ظاهرالأمر. ثانيا: المسائل الاستطرادية: فضائل الأنصار قال قتادة في هذه الآية: قد كانت للّهأنصارٌ من هذه الأمّة تجاهد على كتابه وحقّه. وذكر لنا أنّه بايعه ليلة العقبةاثنان وسبعون رجلاً من الأنصار، ذكر لنا أنّ بعضهم قال: هل تدرون علام تبايعون هذاالرّجل؟ إنّكم تبايعون على محاربة العرب كلّها أو يسلموا. وذكر لنا أنّ رجلاً قال: يا نبيّ اللّه اشترط لربّك ولنفسك ما شئت، قال: أشترط لربّي أن تعبدوه، ولا تشركوابه شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا منعتم منه أنفسكم وأبناءكم. قالوا: فإذافعلنا ذلك، فما لنا يا نبيّ اللّه؟ قال: لكم النّصر في الدّنيا، والجنّة في الآخرة. ففعلوا، ففعل اللّه.(الطبري) ويدخل في الآية كل من نصر دين الله في كل زمان ومكان. من هم حواريوا هذه الأمة؟ هم سبعون رجلا من الأنصار، بايعوا رسول الله عند العقبة، وقيل: بأنهم سبعون رجلا من قريش وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة والعشرة المبشرون بالجنة. والآية تشملهم جميعا، لأن المراد: كل من قام بنصرة الحق والقيام به؛ فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. _______________ المراجع: تفسير عبد الرزاق لابْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ) غريب القرآن وتفسيره لعَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِالمُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) تفسير غريب القرآن لعَبْدُ اللهِبْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276ه) جامع البيان لمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍالطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) معاني القرآن ل إِبْرَاهِيمُ بْنُالسَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) تفسير مجاهد لعَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352ه) تفسير المشكل من غريب القرآن، و العمدة في غريب القرآن لمَكِّيُّ بْنُأَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437ه) المحرر الوجيز لعَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَالأَنْدَلُسِيُّ (ت:546ه) تفسير القرآن العظيم لابْنِ كَثِيرٍالقُرَشِيُّ (ت: 774 ه) الدر المنثور لجَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 ه) تيسير الكريم الرحمن للسعدي |
الساعة الآن 02:31 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir