معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   ألفية ابن مالك (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=64)
-   -   عوامل الجزم (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=2460)

عبد العزيز الداخل 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م 10:02 PM

عوامل الجزم
 
عوامِلُ الْجَزْمِ

بلا ولامٍ طالبًا ضَعْ جَزْمَا = في الفعلِ هكذا بلمْ ولَمَّا
واجْزِمْ بإنْ ومَنْ وماومَهْمَا = أيٍّ مَتَى أيَّانَ أَيْنَ إِذْ مَا
وحيْثُما أنَّى وحَرْفٌ إذْ ما = كإنْ وباقِي الأدواتِ أَسْمَا

محمد أبو زيد 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م 07:29 PM

شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)
 

عَوَامِلُ الجَزْمِ
بِلاَ وَلاَمٍ طَالِبًا ضَعْ جَزْمَا = فِي الفِعْلِ هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا([1])
وَاجْزِمْ بِإِنْ وَمَنْ وَمَا وَمَهْمَا = أَيْ مَتىَ أيَاَّنَ أَيْنَ إِذْ مَا([2])
وَحَيْثُمَا أَنَّى، وَحَرْفٌ إِذَْ مَا = كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا([3])
الأدواتُ الجازمةُ للمضارعِ على قسمينِ:
أحدُهما: ما يجزِمُ فعلاً واحدًا وهو اللامُ الدالَّةُ على الأمرِ نحو: "لِيَقُمْ زَيْدٌ" أو على الدعاءِ نحو: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} و"لا" الدالَّةُ على النهيِ نحو قولِه تعالى: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} أو على الدعاءِ نحو: {رَبَّنَا لا َتُؤَاخِذْنَا} و"لِمَ" و"لَمَّا" وهما للنفيِ، ويختَصَّانِ بالمضارعِ، ويقلبانِ معناه إلى المُضِيِّ نحو: "لم يقُمْ زيدٌ ولمَّا يقُمْ عمرٌو" ولا يكونُ النفيُ بلمَّا إلا متَّصلاً بالحالِ.
والثاني: ما يجزِمُ فعلينِ وهو "إنْ" نحو: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهِ} و"مَنْ" نحوِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} و"مَا" نحو: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٌ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} و"مَهْمَا" نحو: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لكَ بِمُؤْمِنِينَ} و"أَيْ" نحو: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى} و"مَتَى" كقولِه:
334- مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ = تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ([4])
و "أَيَّانَ" كقوله:
س335- أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ تَأْمَنِ غَيْرَنَا، وَإِذَا = لَمْ تُدْرِكِ الأَمْنَ مِنَّا لَمْ تَزَلْ حَذِرَا([5])
و "أَيْنَمَا" كقوله:
أَيْنَمَا الرِّيحُ تُمَيِّلُهَا تَمِلْ([6])
و"إِذْ مَا" نحوَ قولِه:
337- وَإِنَّكَ إِذْ مَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمِرٌ = بِهِ تُلْفِ مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتيا([7])
و"حَيْثُمَا" نحو قوله:
338- حَيْثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ = اللَّهُ نَجَاحًا فِي غَابِرِ الأَزْمَانِ([8])

و"أَنَّى" نحوَ قولِه:
339- خَلِيلَيَّ أَنَّى تَأْتِيَانِيَ تَأْتِيَا = أَخَا غَيْرَ مَا يُرْضِيكُماَ لاَ يُحَاوِلُ ([9])
وهذه الأدواتُ التي تجزِمُ فعلينِ كلُّها أسماءٌ، إلا "إنْ" و"إِذْ مَا" فإنهما حرفانِ، وكذلك الأدواتُ التي تجزِمُ فعلاً واحدًا كلُّّها حروفٌ.


([1])(بلا) جار ومجرور متعلق بقوله: (ضع) الآتي (ولام) معطوف على (لا) طالبا حال من فاعل (ضع) المستتر في (ضع) فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (جزما) مفعول به لضع (في الفعل) جار ومجرور متعلق بضع (هكذا بلم) جاران ومجروران يتعلقان بفعل محذوف دل عليه المذكور قبله: أي ضع كذا بلم (ولما) معطوف على (لم).

([2])(واجزم) فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (بإن) جار ومجرور متعلق باجزم (ومن وما ومهما أي، متى، أيان، أين، إذا ما) كلهن معطوفات على (إن) بعاطف مقدر في بعضهن ومذكور في الباقي.

([3])(وحيثما، أنى) معطوفان على (إن) في البيت السابق أيضا (وحرف) خبر مقدم (إذ ما) قصد لفظه: مبتدأ مؤخر (كإن) جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لحرف و(باقي) مبتدأ، وباقي مضاف و(الأدوات) مضاف إليه (أسما) خبر المبتدأ وقصره للضرورة وأصله (أسماء) جمع اسم.

([4])334 - البيت للحطيئة من قصيدة يمدح فيها بغيض بن عامر، ومطلعها:
آثرت إدلاجي على ليل حرة = هضيم الحشا حسانة المتجرد
اللغة: (تعشو) أي: تجيئه على غير هداية، قاله اللخمي عن الأصمعي أو تجيئه على غير بصر ثابت عن غيره (خير موقد) يحتمل أنه أراد الغلمان الذين يقومون على النار ويوقدونها يريد كثرة إكرامهم للضيفان وحفاوتهم بالواردين عليهم ويحتمل أنه أراد الممدوح نفسه وإنما جعله موقدا – مع أنه سيد - لأنه الآمر بالإيقاد فجعله فاعلا لكونه سبب الفعل كما في قوله تعالى: {يا هامان ابن لي صرحا} وكما في قولهم: "هزم الأمير الجيش وهو في قصره وبنى الأمير الحصن" وما أشبه ذلك.
الإعراب: (متى) اسم شرط جازم يجزم فعلين، الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه وهو – مع هذا – ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب بتجد (تأته) تأت: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف الياء، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به (تعشو) فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو، وفيه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت فاعل، والجملة في محل نصب حال من الضمير المستتر في فعل الشرط (إلى ضوء) جار ومجرور متعلق بقوله: (تعشو) السابق، وضوء مضاف ونار من (ناره) مضاف إليه، ونار مضاف والهاء مضاف إليه (تجد) فعل مضارع جواب الشرط وجزاؤه مجزوم بالسكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (خير) مفعول أول لتجد، وخير مضاف و(نار) مضاف إليه (عندها) عند: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وعند مضاف وها: مضاف إليه (خير) مبتدأ مؤخر، وخير مضاف و(موقد) مضاف إليه، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثان لتجد.
الشاهد فيه: قوله (متى تأته.... تجد – إلخ) حيث جزم بمتى فعلين، أولهما قوله (تأته) وهو فعل الشرط، والثاني قوله (تجد) وهو جواب الشرط وجزاؤه على ما فصلناه في الإعراب.

([5])335 - هذا البيت من الشواهد التي لم نعثر لها على نسبة إلى قائل معين.
اللغة: (نؤمنك) نعطك الأمان (حذرا) خائفا، وجلا.
الإعراب: (أيان) اسم شرط جازم، وهو مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية عامله قوله (تأمن) الذي هو جواب الشرط (نؤمنك) نؤمن: فعل مضارع فعل الشرط، مجزوم بالسكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن والكاف مفعول به (تأمن) فعل مضارع جواب الشرط، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت فاعل (غيرنا) غير: مفعول به لتأمن، وغير مضاف ونا: مضاف إليه (وإذا) ظرف تضمن معنى الشرط (لم) نافية جازمة (تدرك) فعل مضارع مجزوم بلم وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (الأمن) مفعول به لتدرك والجملة من تدرك المنفي بلم وفاعله المستتر فيه في محل جر بإضافة (إذا) إليها (منا) جار ومجرور متعلق بتدرك (لم) نافية جازمة (تزل) فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (حذرا) خبر (تزل) وجملة (تزل حذرا) جواب (إذا).
الشاهد فيه: قوله (أيان نؤمنك تأمن – إلخ) حيث جزم بأيان فعلين، أحدهما فعل الشرط – وهو قوله (نؤمنك) – والثاني جوابه وجزاؤه – وهو قوله (تأمن) على ما بيناه في الإعراب.

([6])336 - هذا عجز بيت لكعب بن جعيل وصدره:
صعدة نابتة في حائر

اللغة: "صعدة" بفتح الصاد وسكون العين: هي القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تقويم ولا تثقيف، ويقولون: امرأة صعدة، أي مستقيمة القامة مستوية، على التشبيه بالقناة، كما يشبهونها بغصن البان وبالخيزران "حائر" هو المكان الذي يكون وسطه مطمئنا منخفضا، وحروفه مرتفعة عالية، وإنما جعل الصعدة في هذا المكان خاصة لأنه يكون أنعم لها واسد لنبتتها.
المعنى: شبه امرأة – ذكرها في بيت سابق – بقناة مستوية لدنة قد نبتت في مكان مطمئن الوسط، مرتفع الجوانب، والريح تعبث بها وتميلها، وهي تميل مع الريح. والبيت السابق الذي أشرنا إليه هو قوله:
وضجيع قد تعللت به = طيب أردانه غير تفل
الإعراب: (أينما) أين: اسم شرط جازم يجزم فعلين، وهو مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية، وعامله قوله (تمل) الواقع جوابا للشرط، وما: زائدة (الريح) فاعل بفعل محذوف يقع فعلا للشرط، يفسره ما بعده، والتقدير: أينما تميلها الريح و(تميلها) جملته لا محل لها مفسرة للفعل المحذوف (تمل) فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بالسكون، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هي يعود إلى الصعدة فاعل.
الشاهد فيه: قوله (أينما..... تميلها تمل) حيث جزم بأينما فعلين: أحدهما – وهو الذي يفسره قوله (تميلها) – فعل الشرط، والثاني – وهو قوله (تمل) – جواب الشرط وجزاؤه.

([7])337 - البيت من الشواهد التي لم نعثر لها على نسبة إلى قائل معين.
المعنى: يقول: إنك إذا فعلت الشيء الذي تأمر غيرك به وجدت المأمور آتيا به يريد أن الأمر بالمعروف لا يؤتى إلا إن كان الآمر مؤتمرا به ليقتدي المأمور به بعد أن يثق بإخلاصه في دعوته.
الإعراب: (وإنك) إن: حرف توكيد ونصب، والكاف اسمه (إذ ما) حرف شرط جازم، يجزم فعلين: الأول فعل الشرط، والثاني جوابه وجزاؤه (تأت) فعل مضارع فعل الشرط، مجزوم بحذف الياء وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (ما) اسم موصول: مفعول به لتأت (أنت) ضمير منفصل مبتدأ (آمر) خبر المبتدأ (به) جار ومجرور متعلق بآمر، والجملة من المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (تلف) فعل مضارع جواب الشرط، مجزوم بإذ ما وعلامة جزمه حذف الياء وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت فاعل (من) اسم موصول: مفعول أول لتلف (إياه) ضمير منفصل: مفعول مقدم على عامله وذلك العامل هو قوله تأمر الآتي (تأمر) فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والجملة لا محل لها صلة (من) الموصولة (آتيا) مفعول ثان لتلف.
الشاهد فيه: قوله (إذ ما تأت.... تلف) حيث جزم بإذ ما فعلين، أحدهما – وهو قوله (تأت) – فعل الشرط، والثاني – وهو قوله (تلف) – جوابه وجزاؤه.

([8])338 - البيت من الشواهد التي لم يذكر العلماء الذين اطلعنا على كلامهم لها قائلا معينا.
اللغة: (تستقم) تعتدل، وتأخذ في الطريق السوي (نجاحا) ظفرا بما تريد ونوالا لما تأمل (غابر) باقي.
الإعراب: (حيثما) حيث: اسم شرط جازم، يجزم فعلين: الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه وهو مبني على الضم في محل نصب على الظرفية وعامله قوله (يقدر) الواقع جوابا للشرط، وما: زائدة (تستقم) فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بالسكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت (يقدر) فعل مضارع، جواب الشرط وجزاؤه، مجزوم وعلامة جزمه السكون (لك) جار ومجرور متعلق بيقدر (الله) فاعل يقدر (نجاحا) مفعول به ليقدر (في غابر) جار ومجرور متعلق بيقدر أيضا، وغابر مضاف (والأزمان) مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله (حيثما تستقم يقدر – إلخ) حيث جزم بحيثما فعلين: أحدهما – وهو قوله (تستقم) – فعل الشرط والثاني – وهو قوله (يقدر) – جواب الشرط وجزاؤه.

([9])339 - وهذا البيت – أيضا – من الشواهد التي لم نقف على نسبتها إلى قائل معين.
الإعراب: (خليلي) منادى بحرف نداء محذوف، منصوب بالياء المفتوح ما قبلها لأنه مثنى، وهو مضاف وياء المتكلم المدغمة في ياء التثنية مضاف إليه (أنى) اسم شرط جازم يجزم فعلين: الأول فعل الشرط، والثاني جوابه وجزاؤه وهو ظرف مبني على السكون في محل نصب بجواب الشرط الذي هو تأتيا الثاني (تأتياني) تأتيا: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف النون، وألف الاثنين فاعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به (تأتيا) فعل مضارع، جواب الشرط مجزوم بحذف النون وألف الاثنين فاعل (أخا) مفعول به لتأتيا منصوب بالفتحة الظاهرة (غير) مفعول به تقدم على عامله، وهو قوله (لا يحاول) الآتي، وغير مضاف و(ما) اسم موصول: مضاف إليه (يرضيكما) يرضي: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما الموصولة، والضمير البارز المتصل مفعول به ليرضي، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (لا) نافية (يحاول) فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قوله (أخا) السابق والجملة من يحاول المنفي بلا وفاعله المستتر فيه في محل نصب صفة لقوله (أخا).
الشاهد فيه: قوله (أنى تأتياني تأتيا – إلخ) حيث جزم بأنى فعلين: أحدهما – وهو قوله (تأتياني) – فعل الشرط، والثاني – وهو قوله (تأتيا) – جواب الشرط وجزاؤه ولا يقال: إنه قد اتحد الشرط والجواب لأن الجواب هنا هو الفعل مع متعلقاته وهي المفعول به ولواحقه فأما الشرط فهو مطلق الإتيان.

محمد أبو زيد 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م 07:30 PM

أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)
 

فصل: وجازِمٌ الفعلِ نَوْعَانِ: جازمٌ لِفِعْلٍ واحدٍ، وهو أَرْبَعَةٌ:
(لا) الطَّلَبِيَّةُ نَهْياً كَانَتْ، نحوُ: {لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ}([1])، أو دُعَاءً، نحوُ: {لاَ تُؤَاخِذْنَا}([2]) وجَزْمُها فِعْلَي المتكلِّمِ مَبْنِيَّيْنِ للفاعلِ نادِرٌ؛ كقولِهِ:
508- لاَ أَعْرِفَنْ رَبْرَباً حُوراً مَدَامِعُهَا([3])
وقالَ:
509- إذَا مَا خَرَجْنَا مِنْ دِمَشْقَ فَلاَ نَعُدْ([4])
ويَكْثُرُ (لا أُخْرَجْ) و(لا نُخْرَجْ)؛ لأنَّ المنهيَّ غيرُ المُتَكَلِّمِ([5]).
واللامُ الطَّلَبِيَّةُ أَمْراً كانَتْ، نحوُ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ}([6])، أو دُعاءً، نحوُ: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}([7])، وجَزْمُها فِعْلَي المتكلِّمِ مَبْنِيَّيْنِ للفاعلِ قليلٌ، نحوُ: ((قُومُوا فلأُصَلِّ لَكُمْ))، و{وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}([8])، وأَقَلُّ مِنه جَزْمُها فعلَ الفاعلِ المخاطَبِ، نحوُ: (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا)([9]) في قراءةٍ([10]) ونحوُ: ((لِتَأْخُذُوا مَصَافَّكُمْ))([11])، والأكثرُ الاستغناءُ عن هذا بفعلِ الأمرِ([12]).
و (لم) و(لَمَّا) ويَشْتَرِكانِ في: الحَرْفِيَّةِ والنفيِ والجَزْمِ والقلبِ للمُضِيِّ([13]).
وتَنْفَرِدُ (لم) بمصاحبةِ الشرطِ، نحوُ: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}([14])، وبجوازِ انقطاعِ نفيِ مَنْفِيِّها، ومِن ثَمَّ جازَ: (لَمْ يَكُنْ ثمَّ كانَ) وامْتَنَعَ في (لَمَّا)([15]).
وتَنْفَرِدُ (لَمَّا) بجوازِ حذفِ مَجْزُومِها؛ كـ (قَارَبْتُ المدينةَ ولَمَّا)؛ أي: ولَمَّا أَدْخُلْها، فأمَّا قولُه:
510- يَوْمَ الأَعَازِبِ إنْ وَصَلْتَ وَإِنْ لَمِ([16])
فضرورةٌ، وبِتَوَقُّعِ ثُبُوتِه، نحوُ: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}([17])، {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فشي قُلُوبِكُمْ}([18])، ومِن ثَمَّ امْتَنَعَ: (لَمَّا يَجْتَمِعِ الضِّدَّانِ)([19]).


([1]) سورةُ لُقْمَانَ، الآيةُ: 13.

([2]) سورةُ البقرةِ، الآيةُ: 286.

([3]) 508-هذا الشاهِدُ من كلامِ النابغةِ الذُّبْيَانِيِّ، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن البسيطِ، ويُرْوَى عَجُزُهُ هكذا:
*كَأَنَّ أَبْكَارَهَا نِعَاجُ دَوَّارِ*

ويُرْوَى عَجُزُه هكذا:
*مُرَدَّفَاتٍ على أعقابِ أَكْوَارِ*

اللغةُ: (رَبْرَباً) بفتحٍ فسكونٍ ففتحٍِ، بزِنَةِ جَعْفَرٍ – أصلُه اسمٌ للقَطِيعِ مِن الظباءِ، أو مِن بَقَرِ الوَحْشِ، ويُطْلَقُ على الجماعةِ مِن مِلاحِ النساءِ، على الاستعارةِ، (حُوراً) جَمْعُ حَوْرَاءَ، والحَوْرَاءُ: الشديدةُ سَوَادِ العيْنِ معَ شِدَّةِ بَيَاضِ بَيَاضِها، وهو وَصْفٌ مِن الحَوَرِ – بفتحِ الحاءِ المهملةِ والواوِ – (مَدَامِعُهَا) المَدَامِعُ: جَمْعُ مَدْمَعٍ – بفتحِ الميميْنِ بينَهما دالٌ ساكنةٌ – وهو اسمُ مكانٍ مِن قولِهِم: (دَمَعَتِ العَيْنُ) المرادُ بالمدامِعِ على هذا العيونُ؛ لأنَّها أماكِنُ الدَّمْعِ، (مُرَدَّفاتٍ) بتشديدِ الدالِ مفتوحةً؛ أي: قد أُرْكِبَتْ خلفَ الراكبينَ فجُعِلَتْ كلُّ واحدةٍ مِنْهُنَّ رَدِيفاً لراكبٍ، (أَعْقَابِ) جمعُ عَقِبٍ – بفتحِ العينِ وكسرِ القافِ – وهو المؤخَّرُ من كلِّ شيءٍ، (أَكْوَارِ) جمعُ كُورٍ، وهو رَحْلُ الناقةِ بأداتِه، وقد جَرَتْ عادَةُ العربِ أنْ يَجْعَلُوا النساءَ المَسْبِيَّاتِ مُرَدَّفَاتٍ خَلْفَ مَنِ اسْتَبَاهُنَّ.
الإعرابُ: (لا) حرفُ نهيٍ، (أَعْرِفَنْ) أَعْرِفَ: فعلٌ مضارعٌ، مَبْنِيٌّ على الفتحِ؛ لاتِّصَالِهِ بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ، في مَحَلِّ جزمٍ بلا الناهيةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنا، ونونُ التوكيدِ الخفيفةُ حرفٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (رَبْرَباً) مفعولٌ به لأَعْرِفَ، (حُوراً) نعتٌ لِرَبْرَبٍ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (مَدَامِعُهَا) مَدَامِعُ: فاعلٌ بِحُورٍ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، ومَدَامِعُ مضافٌ وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى الرَّبْرَبِ مضافٌ إليه، (مُرَدَّفَاتٍ) حالٌ مِن رَبْرَبٍ منصوبٌ بالكسرةِ نيابةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه جمعُ مؤنَّثٍ سالِمٍ، (على) حرفُ جرٍّ، (أَعْقَابِ) مجرورٌ بعلى، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: مُرَدَّفَاتٍ، وأعقابِ مضافٌ و(أَكْوَارِ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (لا أَعْرِفَنْ)؛ فإنَّ (لا) هذه هي الناهيةَ، والفعلُ المضارِعُ المجزومُ بها مَحَلاًّ للمتكلِّمِ، وهو مَبْنِيٌّ للمعلومِ، وذلك شاذٌّ، فإنْ حَاوَلْتَ أنْ تَجْعَلَ، (لا) نافيةٌ مَنَعَ مِن ذلك أنَّ نونَ التوكيدِ إنما يَكْثُرُ دُخُولُها على الفعلِ الطَّلَبِيِّ، وقد قلنا لك مِرَاراً: إنَّ الحَمْلَ على الكثيرِ الغالِبِ أَوْلَى وأَخْلَقَ بالرِّعَايَةِ.
فإنْ قُلْتَ: فأنا مُرْتَكِبٌ في تخريجِ هذا البيتِ – على أيَّةِ حالٍ – الحملَ على أقلِّ الأمريْنِ وتارِكٌ أكثرَهما جَرَياناً في اللِّسانِ العربيِّ، فإمَّا القولُ بأنَّ (لا) ناهيةٌ، ودُخُولَها على فعلِ المتكلِّمِ المَبْنِيِّ للمعلومِ قليلٌ، وإما القولُ بأنَّ لا نافيةٌ، وتوكيدُ المضارِعِ الداخلةِ هي عليه قليلٌ، فما الذي رَجَّحَ أَحَدَهما على الآخرِ؟
قلتُ: حاصلُ المعنَى يُرَجِّحُ الذي ذَهَبَ إليه المؤلِّفُ.
فإنْ كانَ المضارِعُ مَبْنِيًّا للمجهولِ لم يَكُنْ دُخُولُ (لا) الناهيةُ عليه قليلاً، وذلك كقولِ الشاعِرِ:
يا حَارِ لا أَرْقَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ = لَمْ يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي وَلاَ مَلِكُ

([4]) 509- اخْتَلَفَ العلماءُ في نِسْبَةِ هذا البيتِ؛ فنَسَبَه ابنُ هِشَامٍ في (مُغْنِي اللَّبِيبِ) (بحث لا) إلى الفَرَزْدَقِ، ونَسَبَه قومٌ إلى الوليدِ بنِ عُقْبَةَ، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ مِن الطويلِ، وعَجُزُهُ قولُه:
*لها أَبَداً ما دامَ فِيَها الجُرَاضِمُ*
اللغةُ: (الجُرَاضِمُ) – بضمِّ الجيمِ – الواسِعُ البَطْنِ الكثيرُ الأكلِ، قيلَ: وأرادَ الشاعرُ به مُعَاوِيَةَ بنَ أبي سُفْيَانَ، وذَكَرَ ابنُ هِشَامٍ أن (لا) في قَوْلِهِ: (فلا نَعُدْ) تَحْتَمِلُ النهيَ والدعاءَ.
الإعرابُ: (إذا) ظرفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِن الزمانِ، خافضٌ لشرطِه منصوبٌ بجوابِه، مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، (ما) زائدةٌ، (خَرَجْنَا) فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ المقدَّرِ على آخرِه، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وضميرُ المتكلِّمِ المُعَظِّمِ نفسَه فاعلُه مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍ، (مِن) حرفُ جرٍّ، (دِمَشْقَ) مجرورٌ بمِن، وعلامةُ جرِّه الفتحةُ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه ممنوعٌ من الصرفِ للعَلَمِيَّةِ والتأنيثِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بخَرَجَ، (فلا) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ إذا، لا: حرفُ نَهْيٍ، أو حرفُ دعاءٍ، مَبْنِيٌّ على السكونِ، لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (نَعُدْ) فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلا، وعلامةُ جزمِه السكونُ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه نحن، (لَهَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: نَعُدْ، (أَبَداً) ظرفُ زمانٍ منصوبٌ بقولِهِ: نَعُدْ، وجملةُ لا نَعُدْ من الفعلِ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ جوابُ إذا، (ما) مصدريَّةٌ ظرفيَّةٌ حرفٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، (دامَ) فعلٌ ماضٍ ناقصٌ يَرْفَعُ الاسمَ وينصِبُ الخبرَ، (فيها) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ دامَ تَقَدَّمَ على اسمِه، (الجُرَاضِمُ) اسمُ دامَ تَأَخَّرَ عن خبرِه مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وما معَ ما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بإضافةِ اسمِ زمانٍ يَنْتَصِبُ بقولِهِ: نَعُدْ، وتقديرُ الكلامِ: فلا نَعُدْ مُدَّةَ دَوَامِ الجُراضِمِ فيها.
الشاهدُ فيه: قولُه، (فلا نَعُدْ) حيثُ جَزَمَ فعلَ المُتَكَلِّمِ المَبْنِيِّ للمعلومِ بلا الناهيةِ أو الدُّعائيَّةِ، وذلك قليلٌ.

([5]) وذلك لأنَّ الأصلَ: (لا يُخْرِجْنِي أَحَدٌ) ببناءِ الفعلِ للمعلومِ، وفاعلُه هو أحدٌ، وياءُ المتكلِّمِ مفعولٌ به، فحَذَفَ الفاعلَ، وبَنَى الفعلَ للمجهولِ، وجَعَلَ المفعولَ فاعلاً، فاسْتَتَرَ وُجُوباً.

([6]) سورةُ الطلاقِ، الآيةُ: 7.

([7]) سورةُ الزُّخْرُفِ، الآيةُ: 77.

([8]) سورةُ العَنْكَبُوتِ، الآيةُ: 12.

([9]) سُورَةُ يُونُسَ، الآيةُ: 58.

([10]) هذه قِرَاءَةُ عُثمانَ، وأُبَيٍّ، وأَنَسٍ، وزَيْدٍ.

([11]) نظيرُ ذلكَ قولُ الشاعِرِ:
لِتَقُمْ أَنْتَ يَا بْنَ خَيْرِ قُرَيْشٍ = كَيْ لِتُقْضَى حَوَائِجُ الْمُسْلِمِينَا

([12]) ذَكَرَ الزَّجَّاجُ أنَّ جَزْمَ فِعْلِ المُخَاطَبِ بلامِ الأمرِ لغةٌ جَيِّدَةٌ، ونحنُ إلى ما ذَكَرَه الزَّجَّاجُ أَمْيَلُ؛ لِوُرُودِهِ في الحديثِ الصحيحِ وفي قراءةِ جماعةٍ مِن أعلامِ الصحابةِ.

([13]) بَقِيَ مِمَّا تَشْتَرِكُ فيه لم ولَمَّا شيئانِ:
أَحَدُهما: اخْتِصَاصُهما بالدخولِ على الفعلِ المضارِعِ، وثانيهما: جوازُ دُخُولِ همزةِ الاستفهامِ على كلٍّ منهما.

([14]) سورةُ المائدةِ، الآيةُ: 67، والسرُّ في أنَّ (لم) تَلِي حرفَ الشرطِ دونَ (لَمَّا)، أنَّ لم لِنَفْيِ الفعلِ الماضِي، غيرَ المقترِنِ بقدْ، يقولُ لكَ القائلُ: (قامَ زيدٌ) فتقولُ: (لم يَقُمْ)، ولَمَّا لنفيِ الفعلِ الماضي المقترِنِ بقدْ، يقالُ لكَ: (قد قامَ زَيْدٌ) فتقولُ: (لَمَّا يَقُمْ)، وحرفُ الشرطِ لا يَدْخُلُ على قد، فلا تقولُ: (إنْ قدْ قامَ زيدٌ)؛ لِمَا بينَ حرفِ الشرطِ و(قد) من التناقُضِ، فإنَّ (قد) تَقْتَضِي تحقيقَ مَدْخُولِها وتَقْرِيبَه مِن الحالِ، وحرفَ الشرطِ يَقْتَضِي أنه مُحْتَمِلٌ الوقوعَ ومُحْتَمِلٌ عدمَ الوقوعِ، كما يَقْتَضِي أنه مُسْتَقْبَلٌ، فلَمَّا كانَ حرفُ الشرطِ لا يَدْخُلُ في الإثباتِ على قد أَرَادُوا أنْ يُعَادِلُوا بينَ الإثباتِ والنفيِ، فأَجَازُوا دخولَ حرفِ الشرطِ على الفعلِ الذي تكونُ (لم) لِنَفْيِهِ ومَنَعُوا دُخُولَه على الفعلِ الذي تكونُ لَمَّا لِنَفْيِه.

([15]) إنما لم يَجُزْ أنْ يقالَ: (لَمَّا يَكُنْ هذا الأمرُ ثُمَّ كانَ)؛ لأنَّ هذا كلامٌ يُناقِضُ عَجُزُهُ صَدْرَهُ؛ وذلك لأنَّ معنى (لَمَّا يَكُنْ) أنَّ عدمَ وجودِ هذا الشيءِ مُسْتَمِرٌّ إلى زمنِ التكلُّمِ، ومعنى (ثُمَّ كانَ) أنه وُجِدَ في بعضِ أجزاءِ الزمنِ الماضي، ولا رَيْبَ أنَّ في هذا مِن التناقُضِ ما ليسَ يَخْفَى عليك، ولهذا لو قلتَ: (لَمَّا يَكُنْ هذا الأمرُ ثُمَّ إنه سيكونُ) كانَ كلاماً صحيحاً سائغاً؛ لأنَّ نَفْيَ حُصُولِ الشيءِ في الزمنِ الماضي واستمرارَ هذا النفيِ إلى زَمَنِ التكلُّمِ لا يُنَافِي ولا يَتَنَاقَضُ معَ حُصُولِه في الزمنِ المستقبَلِ الذي تُنْبِئُ عنه السينُ في (سَيَكُونُ).

([16]) 510- هذا الشاهِدُ من كلامِ إبراهيمَ بنِ هَرْمَةَ القُرَشِيِّ، وهَرْمَةُ: جَدُّهُ الأَعْلَى، ولكنَّه اشْتَهَرَ به، والذي أَنْشَدَهُ المؤلِّفُ ههنا عَجُزُ بيتٍ مِن الكاملِ، وصَدْرُه قولُه:
*احْفَظْ وَدِيعَتَكَ التي اسْتُودِعْتَهَا*

اللغةُ: (يومَ الأعازِبِ) هكذا هو بالعينِ المهملةِ والزايِ في كلِّ ما وَقَفْنَا عليه مِن الأُصُولِ، والظاهرُ مِن العبارةِ أنه يومٌ مِن أيَّامِ العربِ، ولم أَعْثُرْ على بَيَانِهِ بعدَ البحثِ الطويلِ، ثُمَّ رَأَيْتُ البَغْدَادِيَّ يقولُ: (يومَ الأعازِبِ لم أَقِفْ عليه في كُتُبِ أيَّامِ العربِ)، وزَعَمَ الشيخُ خالدٌ أنه يُرْوَى: (الأَغَارِبِ) بالغينِ المعجمةِ والراءِ المهملةِ، ولم أَعْرِفْ مَأْتَاهُ، فوقَ أنه بعيدٌ.
الإعرابُ: (احْفَظْ) فِعْلُ أمرٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، (وَدِيعَتَكَ) وَدِيعَةَ: مفعولٌ به لاحْفَظْ منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ وضميرُ المخاطَبِ مضافٌ إليه، (التي) اسمٌ موصولٌ نعتٌ للوَدِيعَةِ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، (اسْتُودِعْتَهَا) اسْتُودِعْ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهول مَبْنِيٌّ على فتحٍ مُقَدَّرٍ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وتاءُ المخاطَبِ نائبُ فاعلِه مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ رفعٍ، وهو المفعولُ الأوَّلُ، وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى الوَدِيعَةِ مفعولٌ ثانٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، والجملةُ مِن الفعلِ ونائبِ فاعلِه لا مَحَلَّ لها؛ صلةُ الموصولِ، (يَوْمَ) ظرفُ زمانٍ منصوبٌ بقولِهِ: اسْتُودِعْ، وهو مضافٌ و(الأعازِبِ) مضافٌ إليه، (إنْ) حرفُ شرطٍ جازمٌ يَجْزِمُ فِعْلَيْنِ، (وَصَلْتَ) وَصَلْ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على فتحٍ مُقَدَّرٍ في مَحَلِّ جزمٍ فعلُ الشرطِ، وتاءُ المخاطَبِ فاعلُه، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه سابقُ الكلامِ، (وإنِ) الواوُ حرفُ عطفٍ، إنْ: حرفُ شرطٍ جازمٌ يجزِمُ فعليْنِ، (لم) حرفُ نفيٍ وجزمٍ وقلبٍ، والمجزومُ به محذوفٌ، والتقديرُ: وإنْ لم تَصِلْ، وجملةُ الفعلِ المضارِعِ المجزومِ بلم فعلُ الشرطِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ أيضاً يَدُلُّ عليه سابقُ الكلامِ، والتقديرُ: إنْ وَصَلْتَ فاحْفَظْ وَدِيعَتَكَ، وإنْ لم تَصِلْ فاحْفَظْ وَدِيعَتَكَ، يُرِيدُ: احْفَظْهَا على كلِّ حالٍ.
الشاهِدُ فيه: حَذْفُ المجزومِ بلم؛ أي: إنْ وَصَلْتَ وإنْ لم تَصِلْ، ومثلُه قولُ الآخرِ:
يا رُبَّ شَيْخٍ مِنْ لُكَيْزٍ ذِي غَنَمْ = في كَفِّهِ زَيْغٌ وفي الفَمِ فَقَمْ
*أَجْلَحَ لم يَشْمَطْ وقد كادَ ولَمْ*

الأصلُ: (أَجْلَحَ لم يَشْمَطْ وقد كادَ يَشْمَطُ ولم يَشْمَطْ) فحذَفَ للعِلْمِ بالمحذوفِ، ومِثْلُه قولُ عمرَ بنِ أبي رَبِيعَةَ:
فَقَامَتْ ولم تَفْعَلْ ونَامَتْ فلم تُطِقْ = فقلنا لها: قُومِي، فقامَتْ ولَمْ لَمِ
أرادَ أنْ يقولَ: فقامَتْ ولم تَكَدْ تقومُ، فحَذَفَ للعِلْمِ بالمحذوفِ مِن المَقامِ.

([17]) سورةُ ص، الآيةُ: 8.

([18]) سورةُ الحُجُرَاتِ، الآيةُ: 14.

([19]) قد عَرَفْتَ السرَّ في هذا كلِّه، وهو أنَّ (لم) لِنَفْيِ الفعلِ غيرِ المقترِنِ بقدْ، وأنتَ لو قلتَ: (لم يَحْضُرْ عَلِيٌّ) – وقد عَلِمْتَ أَنَّكَ تَنْفِي قولَ مَن قالَ: (حَضَرَ عَلِيٌّ) لم يَكُنْ في اللفظِ المُثْبَتِ ولا مَنْفِيِّهِ شيءٌ يَدُلُّ على التوقُّعِ، وإذا قُلْتَ: (لَمَّا يَحْضُرْ عَلِيٌّ)، وأنتَ تَعْلَمُ أنَّكَ تَنْفِي قولَ مَن قالَ: (قد حَضَرَ عَلِيٌّ) ففي الإثباتِ ما يَدُلُّ على تَوَقُّعِ الأمرِ وهو قد، فيكونُ نَفْيُه دالاًّ على تَوَقُّعِ حُصُولِهِ، ولا شَكَّ أنك لو قُلْتَ: (لَمَّا يَجْتَمِعِ الضدَّانِ) تكونُ غَالِطاً؛ لأنَّك جِئْتَ بلفظٍ يَدُلُّ على تَوَقُّعِ حُصُولِ ما بعدَ لَمَّا، وتَوَقُّعُ اجْتِمَاعِ الضدَّيْنِ مُحَالٌ؛ لأنَّ مِن أحكامِ الضدَّيْنِ أنه لا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهما.



محمد أبو زيد 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م 07:32 PM

شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني
 

عَوَامِلُ الجَزْمِ

695- بِلَا ولَامٍ طَالِبًا ضَعْ جَزْمَا = فِي الفِعْلِ هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا
واجْزِمْ بِإَنْ ومَنْ وَمَا مَهْمَا = أَيٍّ مَتَى أَيَّانَ أَيْنَ إِذْمَا
696- وَحَيْثُمَا أَنَّى وحرفٌ إِذْمَا = كَإِنْ وَبَاقِي الأدواتِ اسْمَا
(بِلَا ولامٍ طَالبًا ضَعْ جَزْمَا فِي الفِعْلِ) "طَالبًا" حَالٌ مَنْ فَاعِلِ "ضَعْ" المُسْتَتِرِ، وَ"جَزْمًا" مَفْعولٌ بِهِ.
أيْ: تَجْزِمُ "لَا" واللامُ الطلبيتانِ الفِعْلَ المضارعَ، أَمَّا "لَا" فتكونُ للنهيِ، نَحوُ: {لا تُشْرِكْ باللهِ} وللدعاءِ. نحوُ: {لَا تُؤَاخِذْنَا} وَأَمَّا اللامُ فتكونُ للأمرِ، نحوُ: {لِيُنْفِقْ} وللدعاءِ نحوُ: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} وَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الطلبِ الأمرُ والنهيُ والدعاءُ، والاحترازُ بِهِ عَنْ غيرِ الطلبيتينِ، مِثْلُ "لَا" النافيةِ والزائدةِ واللامِ التِي يَنْتَصِبُ بَعْدَهَا المضارعُ، وقَدْ أَشْعَرَ أنَّهُمَا لَا يُجْزَمَانِ، فَعَلَي المُتَكَلِّمِ، وهو كذلكَ فِي "لَا" ونَذَرَ قولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1051- لَا أَعْرِفَنْ رَبْرَبًا حُورًا مَدَامِعُهَا = مُرَدَّفَاتٍ عَلَى أَعْقَابِ أَكْوَارِ
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1052- إِذَا مَا خَرَجْنَا مِنْ دِمَشْقَ فَلَا نَعُدْ = لَهَا أَبَدًا مَا دَامَ فِيْهَا الجُرَاضِمُ
نَعَمْ، إِنْ كَانَ للمفعولِ جَازَ بِكَثْرَةٍ، نحوُ: "لَا أَخْرُجْ" و"لَا تَخْرُجْ" لِأَنَّ المَنْهِيَّ غيرُ المُتَكَلِّمِ، وأَمَّا اللامُ فَجَزْمُهَا لفِعْلَيِ المُتَكلمِ مَبْنِيَّيْنِ للفاعلِ جائزٌ في السَّعَةِ، لكنَّهُ قليلٌ، ومنهُ: "قُوْمُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ"، {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} وأَقَلُّ مِنْهُ جَزْمُهَا فِعْلَ الفاعلِ المُخَاطَبِ، كقراءةِ أُبَيٍّ وأَنَسٍ (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) وقولِهِ عليهِ السلامُ: ((لِتَأْخُذُوا مَصَافَّكُمْ))، والأكثرُ الاستِغْنَاءُ عَنْ هَذَا بِفِعْلِ الأَمْرِ.
تنبيهاتٌ: الأَوَّلُ: زَعَمَ بعضُهُمْ أَنَّ أصْلَ "لَا" الطَلَبِيَّةِ لَامُ الأَمْرِ زِيْدَتْ عَلَيْهَا أَلِفٌ، َفانْفَتَحَتْ وزَعَمَ بعضُهُم أنَّها "لَا" النافيةُ، والجَزْمُ بَعْدَها بلامِ الأَمْرِ مُضْمَرَةً قَبْلَهَا، وحُذِفَتْ كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ لَامَيْنِ فِي اللفظِ، وهُمَا ضَعِيْفَانِ.
الثانِي: لَا يُفْصَلُ بينَ لَا ومجزومِهَا، وأمَّا قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1053- وَقَالُوا أَخَانَا لَا تَخْشَّعْ لِظَالِمٍ = عَزِيْزٍ وَلَا ذَا حَقَّ قَوْمِكَ تَظْلِمِ
فضرورةٌ وَأَجَازَ بعضُهُم فِي قليلٍ مِنَ الكلامِ، نحوُ: لاَ اليومَ تَضْرِبُ.
الثالثُ: حَرَكَةُ اللامِ الطلبيةِ الكَسْرُ، وفَتْحُهَا لغَةٌ، ويجوزُ تَسْكِيْنُهَا بعدَ الواوِ والفاءِ و"ثُمَّ"، وتَسْكِيْنُهَا بعدَ الواوِ والفاءِ أكثرُ مِنْ تَحْرِيْكِهَا، وليسَ بِضَعِيْفٍ بَعْدَ "ثُمَّ" ولَا قَليلٌ، ولَا ضرورةٌ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ.
الرابعُ: تُحْذَفُ لامُ الأمرِ، وَيَبْقَى عَمَلُهَا، وذلكَ عَلَى ثلاثةِ أَضْرُبٍ: كَثِْيرٍ مُطَّرِدٍ، وهو حَذْفُهَا بعدَ أمْرٍ بقولٍ: نحوُ: {قُلْ لِعِبَادِي الذِيْنَ آمَنُوا يُقِيْمُوا الصَّلَاةَ} وقليلٌ جَائِزٌ فِي الاختيارِ، وهو حَذْفُهَا بَعْدَ قولٍ غيرِ أمرٍ كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1054- قُلْتُ لِبَوَّابٍ لَدَيْهِ دَارُهَا: = تِئْذَنْ فَإِنِّي حَمُوهَا وجَارُهَا
قَالَ المصنفُ: وليسَ مُضْطَرًا، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: ائْذِنْ، قالَ: وليسَ لقائلٍ أنْ يقولَ: هَذَا مِنْ تَسْكِيْنِ المُتَحَرِّكِ، عَلَى أَنْ يكونَ الفعلُ مُسْتَحَقًّا للرفعِ، فَسُكِّنَ اضْطِرَارًا؛ لِأَنَّ الرَّاجِزَ لو قَصَدَ الرَّفْعَ لتَوَصَّلَ إليهِ مُستغنيًا عَنِ الفاءِ، فَكَانَ يقولُ: "تَأْذَنْ إِنِّي" وقليلٌ مخصوصٌ بالاضْطِرَارِ، وهو الحذفُ دُوْنَ تَقَدُّمِ قولِهِ بصيغةِ أَمْرٍ ولا بِخِلَافِهِ كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1055- مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ = إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ أَمْرٍ تَبَالَا
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1056- فَلَا تَسْتَطِلْ مِنِّي بَقَائِي وَمُدَّتِي = ولَكِنْ يَكُنْ للْخَيْرِ مِنْكَ نَصِيْبُ
انْتَهَى.
وَ(هَكَذَا بِلَمْ ولَمَّا) أيْ: "لمْ" و"لَمَّا" يَجْزِمَانِ المضارعَ مِثْلَ "لَا" واللامِ الطلبيتينِ، نحوَ: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ} ونحوَ: {ولَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} {ولَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الذِيْنَ خَلُوا مِنْ قَبْلِكُمْ} ويَشْتَرِكَانِ فِي الحَرْفِيَّةِ، والاختصاصِ بالمضارعِ، والنفيِ، والجزم،ِ وقلبِ معنَى الفعلِ للمُضِيِّ، وتَنْفَرِدُ "لَمْ" بِمُصَاحَبَةِ الشَّرْطِ، نحوُ: {وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وجَوَازِ انْقِطَاعِ نَفْيِ مَنْفِيِّهَا عَنِ الحالِ بِخِلَافِ "لَمَّا"، فإنَّهُ يجبُ اتصالُ نَفْيِ مَنْفِيِّهَا بِحَالِ النطقِ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1057- فَإِنْ كُنْتُ مَأْكُولًا فَكُنْ خَيْرَ آكِلٍ = وإِلَّا فَأَدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ
ومِنْ ثَمَّ جَازَ "لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ"، وامْتَنَعَ "لَمَّا يَكُنْ ثُمَّ كَانَ"، والفصلُ بينَهَا وبينِ مَجْزُومِهَا اضْطِرَارًا كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1058- فَذَاكَ وَلَمْ إِذَا نَحْنُ امْتَرَيْنَا = تَكْنْ فِي الناسِ يُدْرِكْكَ المِرَاءُ
وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1059- فَأَضْحَتْ مَغَانِيْهَا قِفَارًا رُسُوْمُهَا = كَأَنْ لَمْ سِوَى أَهْلٍ مِنَ الْوَحْشِ تُؤْهَلُ
وأَنَّها قَدْ تُلْغَي فَلَا يُجْزَمُ بِهَا قَالَ فِي (التَّسْهِيْلِ)، حَمْلًا عَلَى "لَا" وفِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ) حَمْلًا عَلَى "مَا" وهُو أَحْسَنُ لِأَنَّ "مَا" تَنْفِي المَاضِي كَثِيْرًا بِخِلَافِ "لَا" وَأَنْشَدَ الأَخْفَشُ عَلَى إِهْمَالِهَا قَوْلَهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1060- لَوْلَا فَوَارِسْ مِنْ ذُهْلٍ وَأُسْرَتُهُمْ = يَوْمَ الصُّلَيْفَاءِ لَمْ يُوفُونَ بِالجَارِ
وصرَّحَ فِي أَوَّلِ (شَرْحِ التَّسْهِيْلِ) بِأَنَّ الرفعَ لغةُ قومٍ، وتَنْفَرِدُ "لَمَّا" بِجَوازِ حَذْفِ مَجْزُومِهَا، والوقفِ عَلَيْهَا فِي الاختيارِ كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
1061- فَجِئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءًا وَلَمَّا = فَنَادَيْتُ القُبُورَ فَلَمْ يُجِبْنَهْ
أيْ: وَلَمَّا أَكُنْ بَدْءًا قَبْلَ ذلكَ، أَيْ: سيِّدًا وتقولُ: "قَارَبْتُ المَدينةَ ولَمَّا" أيْ: ولَمَّا أَدْخُلْهَا وهو أَحْسَنُ مَا خَرَجَ عليهِ قِراءةُ مَنْ قَرَأَ {وَإِنَّ كُلًا لَمَّا} ولا يجوزُ ذلكَ فِي "لَمْ" وَأَمَّا قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
1062- احْفَظْ وَدِيْعَتَكَ التِي اسْتُودِعْتَهَا = يَوْمَ الأَعَازِبِ إِنْ وَصَلْتَ وَإِنْ لَمِ
فضرورةٌ وبِكَوُنِ مَنْفِيِّهَا يَكونُ قريبًا مِنَ الحالِ، ولَا يُشْتَرَطُ ذلكَ فِي مَنْفِيِّ "لَمْ" تقولُ: لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ فِي العامِ الماضيِ مُقِيْمًا، ولا يجوزُ "لَمَّا يَكُنْ".
وقالَ المُصَنِّفُ: كَوْنُ مَنْفِيِّ لَمَّا يكونُ قريبًا مِنَ الحالِ غَالِبٌ لَا لَازِمٌ.
وبِكَوْنِ مَنْفِيِّهَا، يُتَوَقَّعُ ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ مَنْفِيِّ "لَمْ" أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}، أَنَّهُم لَمْ يَذُوْقُوهُ إِلَى الآنِ، وأنَّ ذَوْقَهُم لهُ مُتَوَقَّع ٌ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيْمَانُ فِي قُلُوْبِكُمْ} مَا فِي "لَمَّا" مِنْ مَعْنَى التَّوَقُّعِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤلاءِ قَدْ آمَنُوا فِيْمَا بَعْدُ، انْتَهَى.
وهَذَا بالنسبةِ إِلَى المستقبلِ فَأَمَّا بالنسبةِ إِلَى الماضِي، فَهُمَا سِيَّانِ فِي التَّوَقُّعِ وعَدَمِهِ، مِثَالُ التَّوَقُّعِ: "مَالَ قُمْتُ وَلَمْ تَقُمْ" أو "وَلَمَّا تَقُمْ"، ومِثَالُ عَدَمِ التوقعِ أَنْ تَقومَ ابتداءً، "لَمْ يَقُمْ" أو "لَمَّا يَقُمْ".
تنبيهاتٌ: الأَوَّلُ: قَالَ فِي (التَّسْهِيْلِ): ومِنْهَا "لَمْ" وَ"لَمَّا" أُخْتُهَا، يَعْنِي مِنَ الجَوَازِمِ، فَقَيَّدَ لَمَّا بِقَولِهِ "أُخْتُهُا" احْتِرَازًا مِنْ "لَمَّا" بِمَعْنَى إِلَّا ومِنْ "لَمَّا" التِي هِيَ حرفُ وُجُودٍ لِوُجودٍ، وكذلكَ فَعَلَ الشارحُ، فَقَالَ: احْتَرَزْتُ بِقَوْلِي: "أُخْتُهَا" مِنْ "لَمَّا" الحِيْنِيَّةِ، ومِنْ لَمَّا بمعنَى "إِلَّا" هذَا كلامُهُ.
وإِنَّمَا لمْ يُقَيِّدُهَا هُنَا بذلكَ، وكذلكَ فَعَلَ فِي (الكَافِيَةِ)، لأنَّ هَاتينِ لَا يَلِيْهِمَا المضارعُ لأَنَّ التِي بمعنَى "إِلَّا" لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى جُمْلَةٍ اسميةٍ، نحوُ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} فِي قِراءةِ مَنْ شَدَّدَ المِيْمَ، أَوْ عَلَى المَاضِي لفْظًا لا معنًى، نحوُ: أُنْشِدُكَ اللهَ لَمَّا فَعَلْتَ أَيْ: إِلَّا فَعَلْتَ والمعنَى: مَا أَسْأَلُكَ إِلَّا فِعْلَكَ وَالتِي هِي حرفُ وُجُودٍ لوجودٍ لا يَلِيْهَا إلا ماضٍ لَفْظًا ومعنًى، ونحوُ: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوْدًا} وأَمَّا قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
أَقُولُ لِعَبْدِ اللهِ: لَمَّا سِقَاؤُنَا = وَنْحنُ بِوَادِي عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ
فَقَدْ تَقَدَّمَ الكلامُ عليهِ فِي بابِ الإضافةِ، وتسميةِ الشارحِ "لَمَّا" هَذِهِ حِيْنِيَّةٌ ِهو مذهبُ ابْنِ السَّرَّاجِ وتَبِعَهُ الفَارِسِيُّ، وتَبِعَهُمَا ابْنُ جِنِّيٍ، وتَبِعَهُمْ جَمَاعَةٌ، أَيْ أَنَّهَا ظَرْفٌ بِمَعْنَى "حِيْنَ" وقَالَ المصنفُ، بِمَعْنَى "إِذْ" وهُو أَحْسَنُ، لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالمَاضِي، وبالإضافةِ إِلَى الجُمْلَةِ وعِنْدَ ابْنِ خَرُوْفٍ أَنَّهَا حَرْفٌ.
الثانِي: حَكَى اللَّحْيَانِي عَنْ بَعْضِ العربِ أنَّهُ يَنْصِبُ بـ"لَمْ" وقالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): زَعَمَ بعضُ الناسِ أَنَّ النصبَ بـ"لَمْ" لُغَةُ اغْتِرَارٍ بِقراءةِ بَعْضِ السَّلَفِ (أَلَمْ نَشْرَحَ لَكَ صَدْرَكَ) ويقولُ الرَّاجِزُ:
1063- فِي أَيِّ يَوْمَيِّ مِنَ المَوْتِ أَفِرْ = أَيَوْمَ ِلَمْ يُقْدَرَ أَمْ يَوْمَ ِقَدِرْ
وهُو عندَ العلماءِ محمولٌ عَلَى أَنَّ الفِعْلَ مُؤَكَّدٌ بالنونِ الخَفِيْفَةِ، فَفَتَحَ لَهَا مَا قَبْلَهَا ثُمَّ حُذِفَتْ وَنُوِّنَتْ، هَذَا كلامُهُ وفِيْهِ شُذُوذَانِ: تُوْكِيْدُ المَنْفِيِّ بـ"لَمْ" وحذفُ النونِ لغيرِ وَقْفٍ ولَا ساَكِنَيْنِ.
الثالثُ: الجمهورُ عَلَى أَنَّ "لَمَّا" مُرَكَّبَةٌ مِنْ "لَمْ" و"مَا" وقِيْلَ: بَسِيْطِةٌ.
الرابعُ: تَدْخُلُ هَمْزَةُ الاستفهامِ عَلَى "لَمْ" و"لَمَّا" فَيَصِيْرَانِ "أَلَمْ" و"أَلَمَّا" باقِيَتَيْنِ عَلَى عَمَلِهِمَا، نَحْوُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيْمًا}، ونحوُ قولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
عَلَى حِيْنِ عَاتَبْتُ المَشِيْبَ عَلَى الصِّبَا = وَقُلْتُ: أَلَمَّا أَصْحُ والشيبُ وَازِعُ
ولمَّا فَرَغَ مِمَّا يَجْزِمُ فِعْلًا واحِدًا انْتَقَلَ إِلَى مَا يَجْزِمُ فعلينِ فَقَالَ: (وَاجْزِمْ بِإَنْ وَمَنْ ومَا ومَهْمَا * أَيٍّ مَتَى أَيَّانِ أَيْنَ إِذْ مَا وحَيْثُمَا أَنَّي) فهذِهِ إِحْدَى عَشْرَةَ أَدَاةٍ، كُلُّهَا تَجْزِمُ فِعْلَيْنِ نَحوُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحْاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} {وإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} ونحوُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ونحوُ: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ}.
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1064- أَرَى العُمْرَ كَنْزًا نَاقِصًا كُلَّ لَيْلَةٍ = ومَا ئَنْقِصُ الأيامُ والدهرُ يَنْفَدُ
ونحوُ: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِيْنَ} وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1065- وَمَهْمَا يَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيْقَةٍ = وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى الناسِ تُعْلَمِ
ونحوُ: {أَيَّامَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى} وقولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1066- لَمَّا تَمَكَّنَ دُنْيَاهُمْ أَطَاعَهُمْ = فِي أَيِّ نَحْوٍ: يُمِيلُوا دِيْنَهُ يَمِلْ
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1067- مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ = تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوْقِدِ
وقولُهُ [مِنَ الوَافِرِ]:
1068- مَتَى مَا تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ = رَوَانِفُ أَلْيَتَيْكَ وتَسْتَطَارَا
ونحوُ قولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1069- أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ تَأْمَنْ غَيْرَنَا، وَإِذَا = لَمْ تُدْرِكِ الأَمْنَ مِنَّا لَمْ تَزَلْ حَذِرًا
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1070- إِذَا النَّعْجَةُ العَجْفَاءُ كانتْ بِقَفْرَةٍ = فَأَيَّانَ مَا تَعْدِلْ بِهِ الرِّيْحُ تَنْزِلُ
ونحوُ قولِهِ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
1071- أَيْن تَصْرِفْ بِنَا العُدَاةَ تَجِدْنَا = نَصْرِفُ العِيْسَ نَحْوَهَا للتَّلَاقِي
ونحوُ قولِهِ تَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ} وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1072- صَعْدَةٌ نَابِتَةٌ فِي حَائِرٍ = أَيْنَمَا الرِّيْحُ تُمُيْلُهَا تَمِلْ
ونحوُ قولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1073- وَإِنَّكَ إِذْمَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمَرٌ = بِهِ تَلْفِ مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا
ونحوُ قولِهِ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
1074- حَيْثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدَّرْ لكَ الـ = ـلَّه ُنَجَاحًا فِي غَابِرِ الأَزْمَانِ
ونحوُ قولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1075- خَلِيْلَيَّ أَنَّي تَأْتِيَانِي تَأْتِيَا = أَخًا غَيْرَ مَا يُرْضِيْكُمَا لَا يُحَاوِلُ
(وحرفٌ إِذْ مَا) أَيْ: إِذْ مَا حرفٌ (كَإِنْ) معْنًى وِفَاقًا لسِيْبَويْهِ، لَا ظَرْفَ زَمَانٍ زِيْدَ عَلَيْهَا مَا كَمَا ذَهَبَ إليهِ المُبَرِّدُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وابْنُ السَّرَّاجِ والفَارِسِيُّ (وبَاقِي الأدواتِ أَسْمَا) أَمَّا "مَنْ" و"مَا" و"مَتَى" و"أَيٌّ" و"أيَّانَ" و"أَيْنَ" و"أَنَّي" و"حَيْثُمَا" فباتفاقٍ، وأَمَّا "مَهْمَا" فَعَلَى الأَصَحِّ.
وتَنْقَسِمُ هذِهِ الأسماءُ إلى ظَرْفٍ وغَيْرِ ظَرْفٍ، فغيرُ الظرفِ "مَنْ" و"مَا" و"مَهْمَا"، فـ"مَنْ" لتِعَمْيِمِ أُوْلِي العَلَمِ، و"مَا" لِتَعْمِيْمِ مَا تَدَلُّ عليهِ، وهِي موصولةٌ، وكِلْتَاهُمَا مُبْهَمَةٌ فِي أَزْمَانِ الربطِ، و"مَهْمَا" بِمَعْنَى "مَا" ولَا تَخْرُجُ عَنِ الاسْمِيَّةِ خِلافًا لِمَنْ زَعَمَ أنَّها تكونُ حَرْفًا، ولَا عَنِ الشرطيةِ خِلافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تكونُ اسْتِفْهَامًا، ولا تُجَرُّ بإضافةٍ، وَلَا بِحَرْفِ جَرِّ، بِخِلَافِ "مَنْ" و"مَا" وذُكِرَ فِي (الكَافِيَةِ) و(التَّسْهِيْلِ) أَنّ "مَا" و"مَهْمَا" قَدْ يَرِدَانِ ظَرْفَي زَمَانٍ، وقَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): جَمِيْعُ النحويينَ يَجْعَلُونَ "مَا" و"مَهْمَا" مَثْلَ"مَنْ" فِي لُزُوْمِ التَّجَرُّدِ عَنِ الظرفيةِ، مَعَ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا ظرفينِ ثَابِتٌ فِي أَشْعَارِ الفُصَحَاءِ مِنَ العربِ، وأَنْشَدَ أَبْيَاتًا، مِنْهَا فِي "مَا" قولُ الفَرَزْدَقِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1076- ومَا تَحْيَ لَا أَرْهَبْ وإِنْ كُنْتُ جَارِمًا = ولوْ عَدَّ أَعْدَائِي عَلَيَّ لَهُمْ ذَحْلًا
وقولُ ابْنِ الزُّبَيْرِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1077- فَمَا تَحْيَ لَا نَسْأَمْ حَيَاةً وَإِنْ تَمُتْ = فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَا العَيْشِ أَجْمَعَا
وفِي "مَهْمَا" قولُ حَاتِمٍ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1078- وإِنَّكَ مَهْمَا تَعْطِ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ = وَفَرْجَكَ نَالَا مُنْتَهَى الذَّمِّ أَجْمَعَا
وقولِ طِفَيْلٍ الغَنَوِيِّ [مِنَ الرَّجَزِ]:
1079- نُبِّئْتُ أَنَّ أَبَا شُتَيْمٍ يَدَّعِي = مَهْمَا يَعِشْ يَسْمَعْ بِمَا لَمْ يُسْمَعِ
قَالَ ابْنُهُ: وَلَا أَرَى فِي هَذِهِ الأبياتِ حُجَّةً، لأنَّهُ يَصِحُّ تَقْدِيْرُهَا بالمَصْدَرِ، ا هـ.
وَأْصْلُ "مَهْمَا" "مَا مَا" الأُوْلَى شَرطيةٌ، والثانيةُ زائدةٌ، فَثَقُلَ اجْتِمَاعُهُمَا فَأُبْدِلَتْ أَلِفُ الأُوْلَى هَاءً. هَذَا مَذْهَبُ البَصْرِيِّيْنَ، ومذهبُ الكُوْفِيِّيْنَ أَصْلُهَا "مَهْ" بِمَعْنَى اكْفُفْ زِيْدَتْ عَلَيْهَا "مَا"، فَحَدَثَ بالتركيبِ معنًى لمْ يَكُنْ، وأَجازَهُ سِيْبَويْهِ، وقِيْلَ: إِنَّهَا بَسِيْطَة ٌ.
وأَمَّا "أَيْ" فَهِيَ عَامَّةٌ فِي ذَوِي العِلْمِ وغيرِهِمْ، وهي بِحَسْبِ مَا تُضَافُ إليهِ فِإِنْ أُضِيْفَتْ إِلَى ظَرْفِ مَكَانٍ؛ فَهْيِ ظَرْفُ مَكَانٍ، وإِنْ أُضِيْفَتْ إِلَى ظَرْفِ زَمَانٍ فَهِيَ ظَرْفُ زَمَانٍ، وإِنْ أُضِيْفَتْ إِلَى غَيِرْهِمَا؛ فهي غيرُ ظَرْفٍ.
وأَمَّا الظَرْفُ فَيَنْقَسِمُ إِلى زَمَانِيٍ وَمَكَانِيٍ، فالزمانِيُّ: "مَتَى" و"أَيَّانَ" وهُمَا لتعميمِ الأزمنةِ، وكسْرُ هَمْزَةِ "أَيَّانَ" لُغَةُ سَلِيْمٍ، وقُرِئَ بِهَا شَاذًّا، والمكانِيُّ، "أَيْنَ" وَ"أَنَّى" و"حَيْثُمَا" وَهِي لِتَعْمِيْمِ الأَمْكِنَةِ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: هذِهِ الأدَوَاتُ فِي لِحَاقِ "مَا" عَلَى ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ، ضَرْبٍ لَا يَجْزِمُ إلا مُقْتَرِنًا بِهَا، وهو "حَيْثُ" و"إِذْ" كَمَا اقْتَضَاهُ صَنِيْعُهُ، وأَجَازَ الفَرَّاءُ الجَزْمَ بِهِمَا بِدُونِ "مَا". وضَرْبٍ لَا يَحْلَقُهُ "مَا"، وهو "مَنْ" و"مَا" و"مَهْمَا" و"أَنَّى" وأَجَازُهُ الكوفيونَ في "مَنْ" و"أَنَّى"، وضَرْبٍ يَجُوزُ فِيهِ الأمرانِ، وهو "إِنْ" و"أَيٌّ" و"مَتَى" و"أَيْنَ" و"أَيَّانَ"، ومَنَعَ بعضُهُم فِي "أَيَّانَ"، والصحيحُ الجَوازُ.
الثانِي: ذُكِرَ فِي (الكَافِيَةِ) و(التَّسْهِيْلِ) أَنَّ "إِنْ" قَدْ تُهْمَلُ حَمْلًا عَلى "لَوْ" كقراءةِ طَلْحَةَ (فَإِمَّا تَرَيْنَ) بياءٍ ساكنةٍ ونونٍ مفتوحةٍ، وأَنَّ "مَتَى" قَدْ تُهْمَلُ حَمْلًا عَلَى "إِذَا"، ومَثَّلَ بالحديثِ "إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَلٌ أَسِيْفٌ، وإِنَّهُ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعُ الناسَ" وفِي (الارْتِشَافِ): ولَا تُهْمَلُ حَمْلًا عَلَى "إِذَا" خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ، يَعْنِي "مَتَى".
الثالثُ: لمْ يُذْكَرْ هُنَا مِنَ الجَوَازِمِ "إِذَا" و"كَيْفَ" و"لَوْ".
أمَّا "إِذَا"، فالمشهورُ أنَّهُ لا يُجْزَمُ بِهِ إِلَّا فِي الشِّعْرِ لَا فِي قليلٍ مِنَ الكلامِ وَلا فِي الكلامِ، إِذَا زِيْدَ بَعْدَهَا "مَا" خِلافًا لِزَاعِمِ ذَلكَ، وقَدْ صَرَّحَ بِذلكَ فِي (الكَافِيَةِ) فَقَالَ:
وَشَاعَ جَزْمٌ بِإِذَا حَمْلًا عَلَى = مَتَى وَذَا فِي النَّثْرِ لَنْ يُسْتَعْمَلَا
وقَالَ فِي شَرْحِهَا: وَشَاعَ فِي الشِّعْرِ الجزمُ بـ "إِذَا" حَمْلاً عَلَى "مَتَى" فَمِنْ ذلكَ إِنْشَادُ سِيْبَويْهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1080- تَرْفَعُ لِي خِنْدِفٌ واللهُ يَرْفَعُ لِي = نَارًا إِذَا خَمِدَتْ نِيْرَانُهُمْ تَقِدِ
وكإِنْشَادِ الفَرَّاءِ [مِنَ الكَامِلِ]:
1081- اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بِالْغِنَى = وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ
لَكِنَّ ظاهرُ كلامِهِ فِي (التَّسْهِيْلِ) جوازُ ذلكَ فِي النَّثْرِ عَلَى قِلَّةٍ، وهو مَا صَرَّحَ بِهِ فِي (التَّوُضِيْحِ) فَقَالَ: هُو فِي النثرِ نادِرٌ، وفِي الشِّعْرِ كثيرٌ، وجُعِلَ مِنْهُ قُوْلُهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لعَلِيٍّ وفاطمةَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُمَا: ((وَإِذَا أَخَذْتُمَا مَضْاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وثَلَاثِيْنَ)) الحديثِ.
وأمَّا "كيفَ" فيُجَازَى بِهَا معنًى لا عَمَلًا خِلافًا للكُوْفِيِّيْنَ، فإنَّهُم أَجَازُوا الجزمَ بِهَا قِيَاسًا مُطْلَقًا، ووافَقَهُمْ قُطْرُبُ، وقيلَ: يجوزُ بشرطِ اقترانِهَا بـ"مَا".
وأمَّا "لَوْ" فَذَهَبَ قَومٌ مِنْهُم ابْنُ الشَّجَرِيِّ إلَى أَنَّها يُجْزَمُ بِهَا فِي الشِّعْرِ، وعليهِ مَشَى المُصَنِّفُ فِي (التوضيحِ)، ورُدَّ ذلكَ فِي (الكَافِيَةِ) فَقَالَ:
وجَوَّزَ الجَزْمَ بِهَا فِي الشِّعْرِ = ذُوْ حُجَّةٍ ضَعَّفَهَا مَنْ يَدْرِي
وتَأَوَّلَ فِي شَرْحِهَا قَوْلَهُ [مِنَ الرَّمَلِ]:
1082- لَوْ يَشَأْ طَارَ بِهِ ذُو مَيْعَةٍ = لاحِقُ الآطَالِ نَهْدٌ ذُو خُصَلْ
وقولُهُ [مِنَ البَسِيْطِ]:
1083- تَامَتْ فُؤَادَكَ لَوْ يَحْزُنْكَ مَا صَنَعَتْ = إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا
ووقَعَ لهُ فِي (التَّسْهِيْلِ) كلامانِ: أَحَدُهُمَا: يَقْتضِي المنعَ مُطلقًا، والثانِي: ظاهِرُهُ مُوَافَقُةُ ابْنِ الشَجَرِيِّ.

محمد أبو زيد 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م 07:33 PM

دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
 

عوامِلُ الْجَزْمِ
3- جَزْمُ المُضَارِعِ وأَدواتُهُ:
695- بِلا وَلامٍ طَالِباً ضَعْ جَزْمَا = في الفعلِ هكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا
696- وَاجْزِمْ بِإِنْ وَمَنْ وَمَا وَمَهْمَا = أَيٍّ مَتَى أَيَّانَ أَيْنَ إِذْمَا
697- وَحَيْثُمَا أَنَّى وَحَرْفٌ إِذْمَا = كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا
تَقَدَّمَ أنَّ إعرابَ المُضَارِعِ رَفْعٌ ونَصْبٌ وجَزْمٌ، وقدْ مَضَى الكلامُ على الرفْعِ والنصْبِ، وهذا الكلامُ في الْجَزْمِ، وأَفْرَدَهُ لطُولِهِ، وكانَ الأَوْلَى أنْ يُعَبِّرَ بِـ(فَصْلٌ)؛ لأنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ البابِ السابِقِ.
والجازمُ نَوْعَانِ:
1- جازِمٌ لفِعْلٍ واحِدٍ 2- جازِمٌ لفِعلَيْنِ.
فالجازِمُ لفِعْلٍ واحدٍ خَمْسَةٌ:
ما يَجْزِمُ مُضَارِعاً وَاحِداً.
1- الطلَبُ، وهذا تَقَدَّمَ.
2- لا الطَّلَبِيَّةُ: فإنْ كانَ مِنْ أَعْلَى إلى أَدْنَى فهوَ نَهْيٌ، كقولِهِ تعالى: {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. وإنْ كانَ مِنْ أَدْنَى إلى أَعْلَى فهوَ دُعاءٌ، نحوُ: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}. وإنْ كانَ مِن الْمُساوِي لِمُسَاوِيهِ فهوَ الْتِمَاسٌ؛ كقولِكَ لِزَميلِكَ: لا تَتَأَخَّرْ في الْحُضورِ.
3- لامُ الطلَبِ: فإنْ كانَ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَدْنَى فهوَ أَمْرٌ، كقولِهِ تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}. وإنْ كانَ مِنْ أَدْنَى إلى أَعْلَى فهوَ دُعاءٌ، نحوُ: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}. وإنْ كانَ مِن الْمُسَاوِي لِمُسَاوِيهِ فهوَ الْتِمَاسٌ؛ كقولِكَ لزَميلِكَ: لِتَأْخُذْ هذا الكتابَ.
4- لَمْ: وهيَ حرْفُ نَفْيٍ مُخْتَصٌّ بِجَزْمِ الْمُضَارِعِ، يَقْلِبُ زَمَنَهُ مِن الحالِ والاستقبالِ إلى الزمَنِ الماضي؛ كقولِهِ تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}. وقدْ تَدْخُلُ عليها همزةُ الاستفهامِ التقريريِّ فلا تُغَيِّرُ عَمَلَها، وهوَ كثيرٌ في القرآنِ، كقولِهِ تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}.
5- لَمَّا الجازِمَةُ: وهيَ تَخْتَصُّ بالمُضَارِعِ فتَجْزِمُهُ، وتَشْتَرِكُ معَ (لَمْ) بالحرفيَّةِ والنفيِ والجزْمِ والقلْبِ للمُضِيِّ، وجوازُ دخولِ همزةِ الاستفهامِ عَلَيْهِما؛ كقولِهِ تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}.
فـ(لم) وكذا (لَمَّا) حَرْفُ نَفْيٍ وجَزْمٍ وقَلْبٍ، والفعْلُ بعدَ (لَمْ) مَجزومٌ وعلامةُ جزْمِهِ حذْفُ النونِ؛ لأنَّهُ مِن الأمْثِلَةِ الْخَمسةِ، وبعدَ (لَمَّا) مجزومٌ بالسكونِ، وحُرِّكَ بالكسْرِ لالتقاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وتَنفرِدُ (لَمَّا) بِأُمُورٍ:
1- جوازُ حذْفِ مَجْزُومِها والوقْفِ عليها في سَعَةِ الكلامِ، نحوُ: قَارَبْتُ مَكَّةَ ولَمَّا؛ أيْ: ولَمَّا أَدْخُلْها.
2- وُجُوبُ امتدادِ الزمنِ الْمَنْفِيِّ بها إلى زَمَنِ النُّطْقِ، فيَشْمَلُ الزمانَ الماضيَ والحالِيَ معاً، نحوُ: أَعْجَبَنِي تفسيرُ ابنِ كثيرٍ وحُسْنُ طِباعتِهِ ولَمَّا أَشْتَرِهِ؛ أيْ: ولَمَّا أَشْتَرِهِ لا في الزمَنِ الْمَاضِي قَبْلَ الكلامِ، ولا في الحالِ وقتَ الكلامِ.
3- جوازُ تَوَقُّعِ ثُبوتِ مَجْزُومِها وحُصُولِهِ بزَوَالِ النفيِ، نحوُ: لَمَّا تُشْرِقِ الشمْسُ؛ أيْ: لم تُشْرِقْ قَبْلَ الكلامِ ولا في أثنائِهِ، ومِن الْمُنْتَظَرِ أنْ تُشْرِقَ. ومنهُ قولُهُ تعالى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}، وقولُهُ تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}.
ومِمَّا تَنْفَرِدُ بهِ (لَمْ):
1- صِحَّةُ دُخولِ بعضِ أدواتِ الشرْطِ عليها؛ كقولِهِ تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وقولِهِ تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، بخِلافِ (لَمَّا) فلا تَقَعُ بَعْدَ أدواتِ الشرْطِ ولا تَسْبِقُها.
2- جوازُ أنْ يكونَ معنى المُضَارِعِ الْمَنْفِيِّ بها قد انْتَهَى وانْقَطَعَ قَبْلَ زَمَنِ التَّكَلُّمِ، كقولِهِ تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً}؛ أيْ: ثُمَّ كَانَ. وقدْ يكونُ مُسْتَمِرًّا مُتَّصِلاً بالحالِ غيرَ مُنْقَطِعٍ، كقولِهِ تعالى: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}.
ولهذا يَصِحُّ أنْ تَقُولَ: لَمْ يَحْضُرِ الضَّيْفُ وقدْ حَضَرَ.
ولا يَصِحُّ: لَمَّا يَحْضُرِ الضيفُ وقدْ حَضَرَ.
ويَجوزُ: وقدْ يَحْضُرُ، أوْ: وسَوْفَ يَحْضُرُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
2- ما يَجْزِمُ فِعلَيْنِ:
أمَّا النوعُ الثاني مِن الجوازِمِ وهوَ ما يَجْزِمُ فِعلَيْنِ، فقدْ ذَكَرَ منهُ ابنُ مالِكٍ إِحْدَى عَشْرَةَ أَداةً، منها ما هوَ اسمٌ لهُ مَحَلٌّ مِن الإعرابِ، ومنها ما هوَ حرْفٌ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ.
وسَأُبَيِّنُ ذلكَ لأَهَمِّيَّتِهِ في الإعرابِ، فَأَقُولُ مُستعيناً باللَّهِ:
1- إنْ:
1- إنْ: وهيَ حرْفُ شرْطٍ جازِمٌ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وتُفيدُ تعليقَ وُقوعِ الجوابِ على وُقوعِ الشرْطِ مِنْ غيرِ دَلالةٍ على زمانٍ أوْ مكانٍ أوْ عاقِلٍ أوْ غيرِ عاقلٍ، نحوُ: إنْ تَصْحَب الأشرارَ تَنْدَمْ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ}.
2- مَنْ:
2- مَن: اسمُ شَرْطٍ جازِمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ.
وهيَ للعاقِلِ، وتكونُ في مَحَلِّ رفْعٍ مُبْتَدَأٌ إنْ كانَ فِعْلُ الشرْطِ لازماً، نحوُ: مَنْ يَكْثُرْ كلامُهُ يَكْثُرْ مَلامُهُ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} فـ (مَنْ): اسمُ شَرْطٍ جازِمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفْعٍ مُبتَدَأٌ، (جَاءَ): فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ جَزْمٍ فِعْلُ الشرْطِ، وجُملةُ (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) في مَحَلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرْطِ، وجُملةُ الشرْطِ خبرُ الْمُبتدأِ على الأَرْجَحِ.
وكذا تُعْرَبُ مُبْتَدَأً إذا كانَ الفعْلُ ناسِخاً، نحوُ: مَنْ يَكُنْ عَجُولاً يَكْثُرْ زَلَلُهُ.
ومنهُ قولُهُ تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}. فـ (مَنْ): مُبتَدَأٌ، وَ(كانَ): فعْلٌ ماضٍ فِعْلُ الشرْطِ، واسْمُها ضميرٌ مُسْتَتِرٌ يَعودُ على (مَنْ)، وجُملةُ (يُرِيدُ): خَبَرُها، وجوابُ الشرْطِ (نَزِدْ لَهُ)، وجُملةُ (كَانَ يُرِيدُ) في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ.
أوْ كانَ الفعْلُ مُتَعَدِّياً وَاقِعاً على أَجْنَبِيٍّ منها، نحوُ: مَن احْتَرَمَ الناسَ احْتَرَمُوهُ.
ومنهُ قولُهُ تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} فـ (مَنْ): اسمُ شَرْطٍ جازِمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رَفْعٍ مُبْتَدَأٌ، (يَعْمَلْ): فِعْلُ الشرْطِ مجزومٌ بالسكونِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ جوازاً تقديرُهُ (هُوَ) يعودُ على (مَنْ)، والجملةُ خبرُ الْمُبتدأِ (مَنْ)، (سُوءاً): مفعولٌ بهِ مَنصوبٌ، (يُجْزَ): جوابُ الشرْطِ مجزومٌ بِحَذْفِ حرْفِ العِلَّةِ وهوَ الأَلِفُ.
وتكونُ في مَحَلِّ نَصْبٍ مفعولٌ+ بهِ إذا كانَ فِعْلُ الشرْطِ مُتَعَدِّياً واقعاً على مَعْنَاهَا، نحوُ: مَنْ تُسَاعِدْ أُسَاعِدْهُ، فـ(مَن): اسمُ شَرْطٍ مفعولٌ مُقَدَّمٌ للفِعْلِ (تُسَاعِدْ)؛ لأنَّهُ لم يَأْخُذْ مَفعولَهُ.
وإنْ سُبِقَتْ بحَرْفِ جَرٍّ أوْ بِمُضافٍ فهيَ في مَحَلِّ جَرٍّ، نحوُ: عَمَّنْ تَتَعَلَّمُ أَتَعَلَّمْ، كِتَابُ مَنْ تَقْرَأْ أَقْرأْ.
3- مَا:
3- مَا: اسْمُ شَرْطٍ جازمٌ لغيرِ العاقلِ، وإعرابُها كإعرابِ (مَنْ)، نحوُ: ما تُنْفِقْ مِنْ خيرٍ تَجِدْ ثَوَابَهُ.
ومنهُ قولُهُ تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}. فـ (مَا): اسْمُ شَرْطٍ جازِمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ مفعولٌ مُقَدَّمٌ لـ (نَنْسَخْ)، وَ(نَنْسَخْ): فعْلُ الشرْطِ، (نَأْتِ): جوابُ الشرْطِ مَجزومٌ بِحَذْفِ حرْفِ العِلَّةِ وهوَ الياءُ.
4- مَهْمَا:
4- مَهْمَا: اسمُ شرْطٍ جازِمٌ على الأَرْجَحِ، وهيَ لغيرِ العاقِلِ. وإعرابُها مِثْلُ إعرابِ (مَا)، نحوُ: مَهْمَا تُنْفِقْ في الخيرِ يُخْلِفْهُ اللَّهُ. فـ(مَهْمَا): اسمُ شَرْطٍ جازِمٌ في مَحَلِّ نَصْبٍ مفعولٌ مُقَدَّمٌ.
ومنهُ قولُهُ تعالى عنْ قومِ مُوسَى عليهِ الصلاةُ والسلامُ: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} فـ (مَهْمَا): اسمُ شرْطٍ جازِمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رَفْعٍ مُبتدأٌ، وَ(تَأْتِنَا): فعْلُ الشرْطِ، وهوَ معَ فاعِلِهِ خَبَرُ (مَهْمَا)، وجُملةُ (فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) جوابُ الشرْطِ في مَحَلِّ جَزْمٍ.
5- أَيٌّ:
5- أيُّ: بالتشديدِ، اسمُ شرْطٍ جازمٌ، وهيَ بِحَسَبِ ما تُضافُ إليهِ.
فتَكُونُ للعاقِلِ، نحوُ: أَيُّهُمْ يَقُمْ أَقُمْ مَعَهُ. وهيَ مُبتَدَأٌ.
ولغيرِ العاقِلِ، نحوُ: أَيَّ الكتُبِ تَقْرَأْ أَقْرَأْ. وهيَ مفعولٌ بهِ مُقَدَّمٌ.
وتكونُ للزمانِ، نحوُ: أَيَّ يومٍ تُسَافِرْ أُسَافِرْ. وللمكانِ، نحوُ: أيَّ بلَدٍ تَسْكُنْ أَسْكُنْ. فتكونُ مَنصوبةً على الظَّرْفِيَّةِ.
وإنْ أُضِيفَتْ إلى مَصْدَرٍ فهيَ مَفعولٌ مُطْلَقٌ، نحوُ: أيَّ نَفْعٍ تَنْفَع الناسَ يَشْكُرُوكَ عليهِ.
ومِنْ أَمْثِلَتِها: قولُهُ تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فـ (أَيًّا): اسْمُ شَرْطٍ جازمٌ مَنصوبٌ بـ (تَدْعُوا) على المفعولِ بهِ، وَ(ما): حرْفٌ زائدٌ إِعْرَاباً مُؤَكِّدٌ معنًى، وَ(تَدْعُوا): فعْلُ الشرْطِ مجزومٌ بحذْفِ النونِ؛ لأنَّهُ مِن الأمْثِلَةِ الخمسةِ، والواوُ فاعلٌ، وجُملةُ (فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) جوابُ الشرْطِ في مَحَلِّ جَزْمٍ، والتنوينُ في (أَيًّا) عِوَضٌ عن الْمُضافِ إليهِ؛ أيْ: أيَّ اسمٍ تَدْعُوا فَلَهُ الأسماءُ الْحُسْنَى. وزِيدَتْ (ما) على أَحَدِ القولَيْنِ لتأكيدِ ما في (أَيٍّ) مِن الإِبْهَامِ، وقيلَ: إنَّها شَرْطِيَّةٌ، وجُمِعَ بينَهما للتوكيدِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
6- مَتَى:
6- متى: اسْمُ شَرْطٍ جازِمٌ، وهيَ مَوضوعةٌ للدَّلالةِ على مُطْلَقِ الزمانِ، ثمَّ ضُمِّنَتْ معنى الشرْطِ، فهيَ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الظرفيَّةِ الزمانيَّةِ، نحوُ: مَتَى يَأْتِ فَصْلُ الصيْفِ يَنْضَج العِنَبُ. ولم تَأْتِ (مَتَى) شَرْطِيَّةً في القرآنِ.
7- أَيَّانَ:
7- أَيَّانَ: اسْمُ شرْطٍ جازِمٌ مِثْلُ (متى)، نحوُ: أَيَّانَ يَكْثُرْ فَراغُ الشبابِ يَكْثُرْ فَسَادُهم، فـ(أَيَّانَ): اسْمُ شرْطٍ جازِمٌ مَبْنِيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الظرْفِيَّةِ، (يَكْثُرْ): فعْلُ الشرْطِ، (يَكْثُرْ فَسَادُهُمْ): جوابُ الشرْطِ، و(فَسَادُهم): فاعلٌ. ولم تَقَعْ (أَيَّانَ) شَرْطِيَّةً في كتابِ اللَّهِ تعالى.
8- أَيْنَ:
8- أَيْنَ: اسمُ شَرْطٍ جازِمٌ، ويَحْسُنُ اتِّصَالُها بـ(مَا) لِيَتَمَكَّنَ الشرْطُ، وهيَ مَوضوعةٌ للدلالَةِ على المكانِ، ثمَّ ضُمِّنَتْ مَعْنى الشرْطِ، فتكونُ في مَحَلِّ نصْبٍ على الظرفِيَّةِ الْمَكَانِيَّةِ، نحوُ: أَيْنَمَا تَذْهَبْ أَصْحَبْكَ.
ومنهُ قولُهُ تعالى: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ}، فـ(أَيْنَ): اسْمُ شَرْطٍ جازمٌ مَبْنِيٌّ عل الفتْحِ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الظرفيَّةِ الْمَكانيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بـ(يُوَجِّهْهُ)، و(ما): للتوكيدِ، وَ(يُوَجِّهْهُ): فعْلُ الشرْطِ، والهاءُ: مفعولٌ بهِ، (لا يَأْتِ بِخَيْرٍ): جوابُ الشرْطِ مجزومٌ بِحَذْفِ حرْفِ العِلَّةِ، وهوَ الياءُ.
وقولُهُ تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ}، فـ (أَيْنَمَا) كما تَقَدَّمَ، وهوَ مُتَعَلِّقٌ بـ (يُدْرِكْكُمُ)، وَ(تَكُونُوا): فعْلُ الشرْطِ، والواوُ: فاعلُ (كانَ) التَّامَّةِ؛ لأنَّها بمَعْنَى (تُوجَدُوا)، وجوابُ الشرْطِ: (يُدْرِكْكُمْ).
9- إِذْمَا:
9- إِذْمَا: وهيَ حَرْفُ شرْطٍ جازمٌ على الأَرْجَحِ، فلا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ، وهيَ لِمُجَرَّدِ تعليقِ الجوابِ على الشرْطِ، مثلُ (إِنْ)، واتِّصَالُها بـ(مَا) الزائدةِ شَرْطٌ في جَزْمِها، نحوُ: إِذْمَا تَفْعَلْ شَرًّا تَنْدَمْ، فـ(إِذْمَا): حرْفُ شَرْطٍ جازمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ لهُ، (تَفْعَلْ): فِعْلُ الشرْطِ، (تَنْدَمْ): جوابُ الشرْطِ. ولم تَقَعْ (إِذْمَا) شَرْطِيَّةً في كتابِ اللَّهِ تعالى.
10- حَيْثُمَا:
10- حَيْثُمَا: اسْمُ شَرْطٍ جازمٌ، واتِّصَالُها بـ(مَا) الزائدةِ شَرْطٌ في جَزْمِها، وهيَ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الظرفِيَّةِ الْمَكانيَّةِ، نحوُ: حَيْثُما تَجِدْ صَدِيقاً وَفِيًّا تَجِدْ كَنْزاً ثَمِيناً.
قالَ تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، فـ(حَيْثُمَا): اسمُ شَرْطٍ جازِمٌ مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ بـ (كُنْتُمْ)، وَ(ما): صِلَةٌ، وَ(كُنْتُمْ): كانَ: فعْلٌ ماضٍ ناقصٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جَزْمٍ فِعْلُ الشرْطِ، والتاءُ: اسْمُهُ، والميمُ: عَلامةُ الْجَمْعِ، (فَوَلُّوا): الْجُملةُ في مَحَلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرْطِ. ولم تأْتِ شَرْطِيَّةً في القرآنِ إلاَّ في هذهِ الآيَةِ ومَثِيلَتِها.
11- أَنَّى:
11- أَنَّى: اسمُ شَرْطٍ جازمٌ، وهيَ مَوضوعةٌ للدَّلالةِ على المكانِ، ثمَّ ضُمِّنَتْ معنى الشرْطِ، فهيَ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الظرفيَّةِ الْمَكانيَّةِ مِثلُ (أَيْنَ)، نحوُ: أَنَّى يَنْزِلْ ذُو العِلْمِ يُكْرَمْ، فـ(أَنَّى): اسْمُ شَرْطٍ جازمٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الظرْفِيَّةِ، (يَنْزِلْ): فعْلُ الشرْطِ، (يُكْرَمْ): جوابُ الشرْطِ.
وإلى الجَوَازِمِ بنَوْعَيْهَا أشارَ ابنُ مالِكٍ بقولِهِ: (بِلا ولامٍ طَالِباً ضَعْ جَزْماً.. إلخ)؛ أي: اجْزِم الفعْلَ المُضَارِعَ بـ(لا) وبـ(اللامِ) حالةَ كَوْنِكَ (طالباً) بِهِما؛ أي: اسْتَخْدَمْتَهُما أَدَاتَيْ طَلَبٍ.
واجْزِمْهُ أيضاً بـ(لَمْ) و(لَمَّا)، ثمَّ سَرَدَ الأدواتِ التي تَجْزِمُ فِعلَيْنِ، وبيَّنَ أنَّها قِسمانِ، فـ(إِذْمَا وَإِنْ) حَرفانِ، والبَقِيَّةُ (أَسْمَا) بالقصْرِ للضَّرورةِ، والأصلُ: أَسْمَاءٌ.


الساعة الآن 09:34 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir