معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   كتاب التوحيد (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=32)
-   -   باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله} (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=125)

حفيدة بني عامر 26 شوال 1429هـ/26-10-2008م 12:28 PM

باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله}
 
بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ}[الْبَقَرَةُ:165].

-
وَقَوْلِهِ: {قُلْ إِن كَانَ ءآبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وإخوَانُكُم وأزوَاجُكُم وعَشِيرَتُكُم وأمْوَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وتِجَارةٌ تَخْشَونَ كَسَادَها وَمَسَاكِنُ تَرْضَونَها أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وجِهَادٍ فِي سَبيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتى يَأتِيَ اللهُ بِأمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ}[التَّوْبَةُ:24].

عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) أَخْرَجَاهُ.
وَلَهُمَا عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)).
وَفِي رِوَايَةٍ: ((لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى..)) إِلَى آخِرِهِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( مَنْ أَحَبَّ فِي اللهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللهِ، وَوَالَى فِي اللهِ، وَعَادَى فِي اللهِ فَإِنَّمَا تُنَالُ وَلاَيَةُ اللهِ بِذَلِكَ، وَلَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ وَصَوْمُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ لاَ يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئًا ) رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ


ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}قَالَ:(الْمَوَدَّةُ).


فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى:


تَفْسِيرُ آيَةِ الْبَقَرَةِ.

الثَّانِيَةُ:


تَفْسِيرُ آيَةِ (بَرَاءةٌ).

الثَّالِثَةُ:


وُجُوبُ مَحَبَّتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّفْسِ وَالأَهْلِ وَالْمَالِ.

الرَّابِعَةُ:


أَنَّ نَفْيَ الإِيمَانِ لاَ يَدُلُّ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الإِسْلاَمِ.

الْخَامِسَةُ:


أَنَّ لِلإِيمَانِ حَلاَوَةً قَدْ يَجِدُهَا الإِنْسَانُ، وَقَدْ لاَ يَجِدُهَا.

السَّادِسَةُ:


أَعْمَالُ الْقَلْبِ الأَرْبَعُ الَّتِي لاَ تُنَالُ وَلاَيَةُ اللهِ إِلاَّ بِهَا وَلاَ يَجِدُ أَحَدٌ طَعْمَ الإِيمَانِ إِلاَّ بِهَا.

السَّابِعَةُ:


فَهْمُ الصَّحَابِيِّ لِلْوَاقِعِ: أَنَّ عَامَّةَ الْمُؤَاخَاةِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا.

الثَّامِنَةُ:


تَفْسِيرُ
{وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}.

التَّاسِعَةُ:


أَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يُحِبُّ اللهَ حُبًَّا شَدِيدًا.

الْعَاشِرَةُ:


الْوَعِيدُ عَلَى مَنْ كَانَتِ الثَّمَانِيَةُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ دِينِهِ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:


أَنَّ مَنِ اتَّخَذَ نِدًّا تُسَاوِي مَحَبَّتُهُ مَحَبَّةَ اللهِ فَهُوَ الشِّرْكُ الأَكْبَرُ.

حفيدة بني عامر 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م 07:32 PM

تيسيرالعزيز الحميد لفضيلة الشيخ:سليمان بن عبدالله
 
(1)
لَمَّا كَانَتْ مَحَبَّةُ اللهِ -سُبْحَانَهُ- هي أَصْلَ دِينِ الإِسْلاَمِ،
الذي يَدُورُ عَلَيْهِ قُطْبُ رَحَاها، فبِكَمَالِها يَكْمُلُ الإِيمَانُ، وبنُقْصانِها يَنْقُصُ توحِيدُ الإِنْسانِ، نبَّهَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ عَلَى وجُوبِهَا عَلَى الأَعْيانِ، ولِهَذَا جاءَ في الحديثِ: ((أَحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ))الحديثَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والحَاكِمُ.
وفي حَدِيثٍ آخَرَ:
((أَحِبُّوا اللهَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ)) وفي حَدِيثِ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ في حَدِيثِ المَنَامِ: ((وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلى حُبِّكَ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَه.
ومَا أَحْسَنَ ما قَالَ
ابنُ القَيِّمِ في وَصْفِها: (هي المَنْزِلَةُ التي يَتَنَافَسُ فيها المُتَنَافِسُونَ، وإِلَى عَمَلِهَا شَمَّرَ السَّابِقُونَ، وعليها تَفَانَى المُحِبُّونَ، فهي قُوتُ القُلُوبِ، وغِذَاءُ الأَرْواحِ، وقُرَّةُ العُيونِ، وهي الحَيَاةُ التي مَنْ حُرِمَها، فهو مِنْ جُمْلَةِ الأَمْوَاتِ، والنُّورُ الذي مَنْ فَقَدَهُ، ففي بِحَارِ الظُّلُماتِ، والشِّفَاءُ الذي مَن عَدِمَهُ، حَلَّتْ بقَلْبِهِ جَمِيعُ الأَسْقَامِ، واللَّذَّةُ التي مَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهَا، فعَيْشُه كلُّه هُمُومٌ وآلاَمٌ، وهي رُوحُ الإيمانِ والأعْمَالِ، والمَقَامَاتِ والأَحْوالِ التي مَتَى خَلَتْ منها، فهي كالجَسَدِ الذي لا رُوحَ فيهِ، تَحْمِلُ أَثْقَالَ السَّائِرِينَ إلى بِلاَدٍ لم يَكُونُوا إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ بالغِيهَا، وتُوصِلُهُم إلى مَنَازِلَ لم يَكُونُوا أَبَدًا بدونِهَا واصِليهَا، وتُبَوِّئُهُم مِن مَقَاعدِ الصِّدْقِ مَقَامَاتٍ لَمْ يَكُونُوا لَوْلاَ هيَ دَاخِلِيهَا.
تاللهِ لَقَدْ ذَهَبَ أَهْلُهَا بشَرَفِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَقَدْ قَضَى اللهُ تَعَالَى يَوْمَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الخَلاَئِقِ، بمَشِيئَتِهِ وحِكْمَتِهِ البَالِغَةِ، أَنَّ المَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، فيالَها مِن نِعْمَةٍ عَلَى المُحِبِّينَ سَابِغَةٍ.
تاللهِ لَقَدْ سَبَقَ القَوْمُ السُّعاةَ، وهم عَلَى ظُهُورِ الفُرُشِ نَائِمُونَ، وَلَقَدْ تَقَدَّمُوا الرَّكْبَ بمَرَاحِلَ وهم في مَسِيرِهِم واقِفُونَ، وأَجَابُوا مُؤَذِّنَ الشَّوْقِ، إذ نَادَى بهم: حيَّ عَلَى الفَلاَحِ، وبَذَلُوا نُفُوسَهُم في طَلَبِ الوُصُولِ إلى مَحْبُوبِهِم، وَكَانَ بَذْلُهم بالرِّضَى والسَّمَاحِ، ووَاصَلُوا إليه المَسِيرَ بالإِدْلاَجِ والغُدُوِّ والرَّواحِ، تاللهِ لَقَدْ حَمِدُوا عندَ الوصُولِ مَسْرَاهُم، وشَكَرُوا مَوْلاَهُم عَلَى مَا أَعْطَاهُم، وإِنَّمَا يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى عندَ الصباحِ)
وأَطَالَ في وَصْفِهَا فراجِعْهُ في (المَدَارِجِ).

واعْلَمْ أَنَّ المَحَبَّةَ قِسْمَانِ:

-
مُشْتَرَكَةٌ
-
وخَاصَّةٌ

فالمُشْتَرَكَةُ ثَلاَثَةُ أَنْواعٍ:
أَحَدُها:
مَحَبَّةٌ طَبِيعِيَّةٌ،
كمَحَبَّةِ الجَائِعِ للطَّعَامِ، والظَّمْآنِ للمَاءِ، ونحوِ ذلكَ، وهذه لاَ تَسْتَلْزِمُ التَّعْظِيمَ.

الثَّانِي:
مَحَبَّةُ رَحْمَةٍ وإِشْفَاقٍ، كمَحَبَّةِ الوالِدِ لوَلَدِهِ الطِّفْلِ، وهذه أيضًا لاَ تَسْتَلْزِمُ التَّعْظِيمَ.

الثالثُ:
مَحَبَّةُ أُنْسٍ وإلْفٍ، وهي مَحَبَّةُ المُشْتَرِكَيْنِ في صِنَاعَةٍ، أو عِلْمٍ أو مُرَافَقَةٍ أو تِجَارَةٍ أو سَفَرٍ لبعضِهم بعضًا، وكمَحَبَّةِ الإِخْوَةِ، بعضِهم بعضًا.
فهذه الأَنْواعُ الثَّلاَثَةُ، التي تَصْلُحُ للخَلْقِ، بعضِهم مِن بعضٍ ووجُودُها فيهم لاَ يَكُونُ شِرْكًا في مَحَبَّةِ اللهِ، ولِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الحَلْواءَ والعَسَلَ، وكَانَ يُحِبُّ نِسَاءهُ،
وعَائِشَةُ أَحَبُّهُنَّ إليهِ، وكانَ يُحِبُّ أَصْحَابَهُ، وأَحَبُّهُم إليهِ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

القِسْمُ الثَّانِي:
المَحَبَّةُ الخَاصَّةُ التي لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ للهِ،
وَمَتَى أَحَبَّ العَبْدُ بِهَا غَيْرَه، كَانَ شِرْكًا لاَ يَغْفِرُهُ اللهُ، وهي مَحَبَّةُ العُبُودِيَّةِ، المُسْتَلْزِمَةُ للذُّلِّ، والخُضُوعِ والتَّعْظِيمِ، وكَمَالِ الطَّاعَةِ، وإِيثَارِه على غَيْرِه.
فهذه المَحَبَّةُ لاَ يَجُوزُ تَعَلُّقُها بغَيْرِ اللهِ أَصْلاً كَمَا حَقَّقَهُ
ابنُ القَيِّمِ، وهي التي سَوَّى المُشْرِكُونَ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وبَيْنَ آلِهَتِهِم فيها.
كَمَا قَالَ تَعَالَى في الآيةِ التي تَرْجَمَ لَهَا المُصَنِّفُ:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا}[البقرة:165] قَالَ ابنُ كَثِيرٍ:(يَذْكُرُ تَعَالَى حَالَ المُشْرِكِينَ بِهِ في الدُّنْيَا، وَمَا لَهُم في الآخِرَةِ مِن العَذَابِ والنَّكالِ حَيْثُ جَعَلُوا للهِ أندادًا، أي: أمثالاً ونُظَرَاءَ، يُحِبُّونَهم كَحُبِّهِ، ويَعْبُدُونَهم مَعَه، وهو اللهُ الذي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هوَ، وَلاَ ضِدَّ لهُ ولاَ نِدَّ له، ولاَ شَرِيكَ مَعَه).

وقولُه:
{يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ}

-
أي: يُسَاوُونَهم باللهِ في المَحَبَّةِ والتَّعْظِيمِ، ولِهَذَا يَقُولُونَ لأَِنْدَادِهِم، وهم في النَّارِ: {تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:97،98]، فهَذَا هوَ مُسَاوَاتُهم بِرَبِّ العَالَمِينَ، وهو العَدْلُ المَذْكُورُ، في قَوْلِهِ: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
أمَّا مُسَاوَاتُهم باللهِ في الخَلْقِ والرَّزْقِ وتَدْبِيرِ الأُمُورِ، فَمَا كَانَ أَحَدٌ مِن المُشْرِكِينَ يُسَاوُونَ أَصْنَامَهُم باللهِ في ذَلِكَ.
وهَذَا القولُ رَجَّحَهُ
شَيْخُ الإِسْلاَمِ.

والثَّانِي:
أَنَّ المَعْنَى يُحِبُّونَ أَنْدَادَهُم، كَمَا يُحِبُّ المُؤْمِنُونَ اللهَ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَحَبَّةَ المُؤْمِنِينَ للهِ أَشَدُّ مِن مَحَبَّةِ أَصْحَابِ الأَنْدَادِ لأَِنْدَادِهم.
قَالَ
شَيْخُ الإِسْلاَمِ:(وهَذَا مُتَنَاقِضٌ، وهو باطِلٌ؛ فإِنَّ المُشْرِكِينَ لاَ يُحِبُّونَ الأَنْدَادَ مِثْلَ مَحَبَّةِ المؤمنينَ اللهَ).

ودَلَّتِ الآيَةُ :
-
عَلَى أَنَّ مَن أَحَبَّ شَيْئًا، كَحُبِّ اللهِ، فَقَد اتَّخَذَهُ نِدًّا للهِ، وذلك هو الشِّرْكُ الأَكْبَرُ. قَالَهُ المُصَنِّفُ.

-
وعَلَى وجُوبِ إِفْرَادِ اللهِ بالمَحَبَّةِ الخَاصَّةِ التي هي تَوْحيدُ الأُلُوهِيَّةِ، بل الخَلْقُ والأَمْرُ والثَّوَابُ والعِقَابُ إِنَّمَا نَشَأَ عن المَحَبَّةِ ولأَِجْلِها، فهي الحَقُّ الذي خُلِقَتْ بهِ السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ، وهي الحَقُّ الذي تَضَمَّنَهُ الأَمْرُ والنَّهْيُ، وهي سِرُّ التَّأَلُّهِ، وتَوْحيدُها هو شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ أو ليسَ كَمَا زَعَمَ المُنْكِرُونَ أَنَّ الإِلَهَ هو الرَّبُّ الخَالِقُ؛ فإِنَّ المُشْرِكينَ كانُوا مُقِرِّينَ بأنَّهُ لاَ رَبَّ إِلاَّ اللهُ، وَلاَ خَالِقَ سِوَاهُ، وَلَمْ يَكُونُوا مُقِرِّينَ بِتَوْحِيدِ الإلَهِيَّةِ الذي هو حَقِيقَةُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فإنَّ الإِلَهَ الذي تَأْلَهُهُ القُلُوبُ حُبًّا وذُلًّا وخَوْفًا ورَجَاءً، وتَعْظِيمًا وطَاعَةً، إِلَهٌ بمَعْنَى مَأْلُوهٍ، أي: مَحْبُوبٍ مَعْبُودٍ، وأَصْلُه مِن التَّأَلُّهِ، وهو التَّعَبُّدُ الذي هو آخِرُ مَرَاتِبِ الحُبِّ.

فالمَحَبَّةُ حَقِيقَةُ العُبُودِيَّةِ،
ودَلَّتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ المُشْرِكِينَ يَعْرِفُونَ اللهَ ويُحِبُّونَهُ، وإِنَّما الذي أَوْجَبَ كُفْرَهُم مُساوَاتُهم بِهِ الأَنْدَادَ في المَحَبَّةِ، فكيفَ بمَنْ أَحَبَّ الأَنْدَادَ أكْثَرَ مِن حُبِّ اللهِ، فكيفَ بمَن لم يُحِبَّ اللهَ أَصْلاً، ولم يُحِبَّ إِلاَّ النِّدَّ وحْدَهُ ... فاللهُ المُسْتَعانُ.
قولُه:
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا للهِ}[البقرة:165].
نَتَكَلَّمُ عليها لتعلُّقِها بما قبلَها تكميلاً للفَائِدَةِ، وإنْ لم يَذْكُرْها
المُصَنِّفُ، وفيها قولانِ:

أحدُهما
-وهو الصَّحِيحُ-: أنَّ المَعْنَى: والذين آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ مِن مَحَبَّةِ المُشْرِكِينَ بالأَنْدَادِ للهِ؛ فإنَّ مَحَبَّةَ المُؤْمِنينَ خَالِصَةٌ، ومَحَبَّةَ أَصْحَابِ الأندادِ قد ذَهَبَتْ أَنْدَادُهم بِقِسْطٍ منها، والمَحَبَّةُ الخَالِصَةُ أَشَدُّ مِن المُشْتَرَكَة.

والثاني:
والذينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ مِن حُبِّ أَصْحَابِ الأندادِ لأندادِهِم
التي يُحِبُّونَها مِن دونِ اللهِ.
قال
ابنُ القيِّمِ:(والقولانِ مُرَتَّبانِ على القَوْلَيْنِ في قولِهِ: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ})[التوبة:25].
وفي الآيَةِ دَلِيلٌ على أنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إلاَّ مَا كَانَ خَالِصًا، وأَنَّ الشِّرْكَ مُحْبِطٌ للأَعْمَالِ.
قالَ:
(وقولُه: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ} إلى قولِهِ: {أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}).

هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللهِ تعالَى لنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يَتَوَعَّدَ مَنْ أَحَبَّ أهْلَهُ وعَشِيرَتَهُ وأَمْوَالَهُ ومَسَاكِنَهُ، أو أَحَدَ هذهِ الأشياءِ على اللهِ ورَسُولِهِ، وجِهَادٍ في سَبِيلِهِ (وقَدْ خُوطِبَ بهذا المُؤْمِنُونَ في آخِرِ الأَمْرِ) كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ.
فقِيلَ لَهُم:
{إن كَانَ آبَاؤُكُمْ وأَبْنَاؤُكُمْ وإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وعَشِيرَتُكُمْ وأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} أي: حَصَّلْتُمُوهَا {وتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} أي: رُخْصَهَا وفَوَاتَ وَقْتِ نفاقِها {وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} أي: لحُسْنِها وطِيبِهَا {أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ ورَسُولِهِ، وجِهَادٍ في سَبِيلِهِ، فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بأَمْرِهِ} أي: انْتَظِرُوا مَاذَا يَحُلُّ بكم مِن عَذَابِ اللهِ {واللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} أي: الخَارِجِينَ عن طَاعَةِ اللهِ.

وهو تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ،
فهوَ مِن الفَاسِقِينَ فهَذَا تَشْدِيدٌ، ووَعِيدٌ عَظِيمٌ، ولاَ يَخْلُصُ منه إِلاَّ مَنْ صَحَّ إِيمَانُهُ فخَلُصَ للهِ سِرُّهُ وإِعْلاَنُهُ، وعلى أنَّ المَحَبَّةَ الصَّادِقَةَ تَسْتَلْزِمُ تَقْدِيمَ مَرَاضِي اللهِ على هذه الثَّمَانِيَةِ كُلِّها، فكيفَ بمَن آثَرَ بعْضَها على اللهِ ورَسُولِهِ، وجِهَادٍ في سَبِيلِهِ.

فإنْ قُلْتَ:
قَدْ قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ: (إِنَّ كثيرًا مِن المسلمينَ أو أَكْثَرَهُم بهذِهِ الصِّفَةِ).

قيلَ:
مُرَادُه أنَّ كَثِيرًا مِنَ المُسْلِمِينَ قد يَكُونُ ما ذُكِرَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ اللهِ ورَسُولِهِ، أي: في إِيثَارِ ذلك على فِعْلِ أَمْرِ اللهِ، وأَمْرِ رَسُولِهِ الذي يَنْشَأُ عن المَحَبَّةِ لا في الحُبِّ الذِي يُوجِبُ قَصْدَ المَحْبُوبِ بالتَّأَلُّهِ؛ فَإِنَّ مَنْ سَاوَى بَيْنَ اللهِ، وبَيْنَ غَيْرِهِ في هَذَا الحُبِّ، فهو مُشْرِكٌ، فكيفَ إِذَا كَانَ غيرُ اللهِ أَحَبَّ إليهِ كما هو الوَاقِعُ مِن عُبَّادِ القُبُورِ، فإِنَّهم يُحِبُّونَ أَنْدَادَهم أَعْظَمَ مِنْ حُبِّ اللهِ، وذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الحُبِّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ بخِلاَفِ الخُلَّةِ، فَإِنَّها لاَ تَقْبَلُ الشَّرِكَةَ أَصْلاً.
ولِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
الحَسَنِ وأُسَامَةَ:((اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُمَا)) حديثٌ صَحِيحٌ.
واعْلَمْ أَنَّ هذِهِ الآيةَ شَبِيهَةٌ بقَوْلِهِ:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي} فَلَمَّا كَثُرَ المُدَّعُونَ لِمَحَبَّةِ اللهِ، طُولِبُوا بإِقَامَةِ البَيِّنَةِ، فجَاءَتْ هَذِهِ الآيَةُ ونَحْوُها.
فمَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللهِ، وهو يُحِبُّ ما ذُكِرَ عَلَى اللهِ ورَسُولِهِ، فهو كَاذِبٌ كمَنْ يَدَّعِي مَحَبَّةَ اللهِ، وهو عَلَى غيرِ طَرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإِنَّهُ كاذِبٌ؛ إذ لَوْ كانَ صَادِقًا لكَانَ مُتَّبِعًا لَهُ.
قَالَ
مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ عن الحَسَنِ قَالَ: (كَانَ نَاسٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّنَا نُحِبُّ رَبَّنَا حُبًّا شَدِيدًا، فأَحَبَّ اللهُ أَنْ يَجْعَلَ لحُبِّهِ عَلَمًا فأَنْزَلَ اللهُ: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عمران:31]).

وقد وَقَعَ لكَثِيرٍ مِن المُدَّعِينَ نَوْعُ انْبِسَاطٍ
في دَعْوَى المَحَبَّةِ أَخْرَجَهُم إِلَى شَيْءٍ مِن الرُّعُونَةِ والدَّعَاوَى التي تُنَافِي العُبُودِيَّةَ، ويَدَّعِي أَحَدُهم دَعَاوَى تَتَجَاوزُ حُدُودَ الأَنْبِياءِ، ويَطْلُبُونَ مِن اللهِ مَا لاَ يَصْلُحُ بكُلِّ وَجْهٍ إِلاَّ للهِ.

وسَبَبُ هَذَا ضَعْفُ تَحْقِيقِ المَحَبَّةِ التي هي مَحْضُ العُبُودِيَّةِ،
بل ضَعْفُ العَقْلِ الذي به يَعْرِفُ العَبْدُ حَقِيقَتَهُ، ومُدَّعِي ذلك فيه شَبَهٌ مِن اليهودِ والنَّصارَى الذين قَالُوا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وأَحِبَّاؤُهُ).

وشَرْطُ المَحَبَّةِ مُوَافَقَةُ المَحْبُوبِ،
فتُحِبُّ ما يُحِبُّ، وتَكْرَهُ ما يَكْرَهُ، وتُبْغِضُ ما يُبْغِضُ، وذلك كمَنْ يَدَّعِي أَنَّ الذُّنُوبَ لاَ تَضُرُّه، لكَوْنِ اللهِ يُحِبُّهُ فيُصِرُّ عليها، أو يَدَّعِي أنَّهُ يَصِلُ إلى حَدٍّ في مَحَبَّةِ اللهِ تَسْقُطُ عنه التَّكَالِيفُ، وكقولِ بعْضِهم: (أيُّ مُرِيدٍ لِي تَرَكَ في النَّارِ أَحَدًا فإِنَّهُ بَرِيءٌ منهُ).
فَقَالَ الآخَرُ: (أيُّ مُرِيدٍ لِي تَرَكَ أَحَدًا مِن المُؤْمِنِينَ يَدْخُلُ النَّارَ فَإِنَّه بَرِيءٌ منه) ونحوَ ذَلِكَ مِن الدَّعَاوَى مَعَ أنَّ كَثِيرًا مِن هذا ونَحْوِه لا يَصْدُرُ إِلاَّ مِنْ كَافِرٍ، والعَاقِلُ يَتَنَبَّهُ، وما هَكَذَا كَانَ سَادَاتُ المُحِبِّينَ الأَنْبِيَاءُ والمُرْسَلُونَ، والصَّحَابَةُ، والتَّابِعُونَ، فكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِن ذلك؛ فإنَّ كَثِيرًا مِن جُهَّالِ المُتَصَوِّفَةِ وَقَعَ فيه، وَقَد يُنسَبُ ذلك إلى بَعْضِ المَشايخِ المَشْهُورِينَ، وهو إِمَّا كَذِبٌ عليهم، وإِمَّا خَطَأٌ منهم؛ فإنَّ العِصْمَةَ مُنْتَفِيَةٌ عن غَيْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(2) قولُهُ:
((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُم)) أي: لاَ يَحْصُلُ له الإيمَانُ الذي تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّتُهُ، ويَسْتَحِقُّ به دُخُولَ الجَنَّةِ بلا عذابٍ حتى يكونَ الرَّسُولُ أَحَبَّ إليهِ مِن أَهْلِهِ ووَلَدِهِ ووالِدِهِ والنَّاسِ أجمعينَ، بل لا يَحْصُلُ له ذلك حَتَّى يَكُونَ الرَّسُولُ أَحَبَّ إليه مِن نَفْسِهِ أيضًا، كَمَا في حَدِيثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ نَفْسِي فَقَالَ:((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ)).
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: (فَإِنَّكَ الآنَ وَاللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي) فَقَالَ: ((الآنَ يَا عُمَرُ))) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

فمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ،
فهو مِن أَصْحَابِ الكَبَائِرِ، إذا لَمْ يَكُنْ كَافِرًا، فَإِنَّهُ لاَ يُعْهَدُ في لِسَانِ الشَّرْعِ نَفْيُ اسمٍ مُسَمًّى، أَمَرَ اللهُ به ورسُولُه إِلاَّ إِذَا تَرَكَ بعضَ واجِبَاتِهِ، فأَمَّا إِذَا كَانَ الفِعْلُ مُسْتَحَبًّا في العِبَادَةِ لم يَنْفِهَا لاِنْتِفَاءِ المُسْتَحَبِّ، ولو صَحَّ هَذَا لَنُفِيَ عن جُمْهورِ المُؤْمِنِينَ اسمُ الإيمانِ والصَّلاَةِ والزَّكَاةِ والحَجِّ وحُبِّ اللهِ ورسُولِهِ؛ لأنَّهُ ما مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ وغيرُه أَفْضَلُ منهُ، وليسَ أَحَدٌ يَفْعَلُ أَفْعَالَ البِرِّ مِثْلَ مَا فَعَلَها النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل ولاَ أَبُوبَكْرٍ وَلاَ عُمَرُ، فلو كَانَ مَن لم يَأْتِ بكَمَالِهَا المُسْتَحَبِّ يَجُوزُ نَفْيُها عنه لجَازَ أَنْ يُنْفَى عن جُمْهُورِ المُسْلِمِينَ مِنَ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، وهَذَا لاَ يَقُولُهُ عَاقِلٌ.
وعَلَى هَذَا
(فمَنْ قَالَ إنَّ المَنْفِيَّ هو الكَمَالُ، فإِنْ أَرَادَ أنَّهُ نَفْيُ الكَمَالِ الوَاجِبِ الذي يُذَمُّ تَارِكُهُ ويَتَعَرَّضُ للعُقُوبَةِ فَقَدْ صَدَقَ، وإنْ أَرَادَ أنَّهُ نَفْيُ الكَمَالِ المُسْتَحَبِّ فهذا لَمْ يَقَعْ قَطُّ في كَلاَمِ اللهِ ورَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قالَهُ شيخُ الإسلامِ.

وأَكْثَرُ النَّاسِ يَدَّعِي أَنَّ الرَّسُولَ أَحَبُّ إليهِ مِمَّا ذُكِرَ، فَلاَ بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ ذلكَ بالعَمَلِ والمُتَابَعَةِ له، وإِلاَّ فالمُدَّعِي كاذِبٌ، فإِنَّ القُرْآنَ بَيَّنَ أنَّ المَحَبَّةَ التي في القَلْبِ تَسْتَلْزِمُ العَمَلَ الظاهِرَ بحُبِّهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{قُلْ إِِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}[آل عمران:31] .

-
وقالَ تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}[النور:47] إلى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[النور:51] فنَفَى الإِيمَانَ عَمَّن تَوَلَّى عن طَاعَةِ الرَّسُولِ، وأَخْبَرَ أنَّ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إلى اللهِ ورَسُولِهِ سَمِعُوا وأَطَاعُوا.
فَتَبَيَّنَ أنَّ هذا مِن لَوَازِمِ الإيمانِ والمَحَبَّةِ، لكنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا بِقَدْرِ ما مَعَهُ مِن الإِسْلاَمِ كَمَا أنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وكُلَّ مُسْلِمٍ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا، وإنْ لم يكُنْ مُؤْمِنًا الإيمانَ المُطْلَقَ؛ لأنَّ ذَلِكَ لاَ يَحْصُلُ إِلاَّ لخَوَاصِّ المُؤْمِنِينَ، فإنَّ الاسْتِسْلامَ للهِ ومَحَبَّتَه لا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الإيمانِ الخاصِّ.
قالَ
شيخُ الإسلامِ: (وهذا الفَرْقُ يَجِدُهُ الإنسانُ مِن نَفْسِه ويَعْرِفُهُ مِنْ غيرِه، فعَامَّةُ النَّاسِ إذا أَسْلَمُوا بَعْدَ كُفْرٍ، أو وُلِدُوا عَلَى الإسْلاَمِ، والْتَزَمُوا شَرَائِعَه، وكَانُوا مِنْ أَهْلِ الطَّاعَةِ للهِ ورَسُولِهِ، وهم مُسْلِمُونَ، ومَعَهُم إِيمَانٌ مُجْمَلٌ، لكنَّ دُخُولَ حَقِيقَةِ الإيمانِ إلى قُلُوبِهم يَحْصُلُ شَيْئًا فَشَيْئًا إنْ أَعْطَاهُمُ اللهُ ذَلِكَ، وإِلاَّ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لاَ يَصِلُونَ إلى اليَقِينِ، وَلاَ إِلَى الجِهَادِ وَلَوْ شُكِّكُوا لَشَكُّوا، ولو أُمِرُوا بالجِهَادِ لَمَا جَاهَدُوا، وليسُوا كُفَّارًا وَلاَ مُنَافِقِينَ، بل ليسَ عندَهُم من عِلْمِ القَلْبِ ومَعْرِفَتِهِ ويَقِينِهِ ما يَدْرَأُ الرَّيْبَ، ولاَ عندَهُم مِن قُوَّةِ الحُبِّ للهِ ورَسُولِهِ ما يُقَدِّمُونَه عَلَى الأَهْلِ والمَالِ.
وهَؤُلاَءِ إنْ عُوفُوا مِن المِحْنَةِ ومَاتُوا دَخَلُوا الجَنَّةَ، وإِنِ ابْتُلُوا بمَنْ يُدخِلُ عليهم شُبُهاتٍ تُوجِبُ رَيْبَهم فإنْ لم يُنْعِمِ اللهُ عليهم بمَا يُزِيلُ الرَّيْبَ، وإِلاَّ صَارُوا مُرْتَابِينَ وانْتَقَلُوا إلى نَوْعٍ مِن النِّفَاقِ)
انتهى.
قولُه:
((أَحَبَّ)) هو بالنَّصْبِ خَبَرُ (أَكُونَ).
قولُه:
((والنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) هو مِن عَطْفِ العَامِّ على الخاصِّ وهو كثيرٌ.


حفيدة بني عامر 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م 07:33 PM

(تابع) تيسيرالعزيز الحميد لفضيلة الشيخ:سليمان بن عبدالله
 
وفي الحديثِ من الفوائدِ:
-
أنه إذا كانَ هَذَا شَأْنَ مَحَبَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا الظَّنُّ بمَحَبَّةِ اللهِ.

وفيه:
أنَّ الأَعْمَالَ مِن الإِيمَانِ؛
لأَنَّ المَحَبَّةَ عَمَلٌ، وقد نُفِيَ الإيمانُ عمَّنْ لم يَكُنِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إليه مِمَّا ذُكِرَ، فَدَلَّ على ذلك.

وفيه:
أَنَّ نَفْيَ الإِيمَانِ لاَ يَدُلُّ على الخُرُوجِ مِنَ الإِسْلاَمِ.

وفيه:
وجُوبُ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ما ذُكِرَ،
ذَكَرَهُمَا المُصَنِّفُ.

(3)
قولُه:
((ثَلاَثٌ)) أي: ثَلاَثُ خِصَالٍ، وجَازَ الابْتِدَاءُ بثَلاَثٍ؛ لأَنَّ المُضَافَ إليه مَنْوِيٌّ؛ ولذلك جَاءَ التَّنْوِينُ.
قولُه:
((مَنْ كُنَّ فيهِ)) أي: وُجِدْنَ وحَصَلْنَ، فهي تَامَّةٌ.
قولُه:
((وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ)) قَالَ ابنُ أَبِي جَمْرَةَ: (إِنَّما عَبَّرَ بالحَلاَوَةِ؛ لأَِنَّ اللهَ شَبَّهَ الإيمانَ بالشَّجَرَةِ في قولِهِ: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ}[إبراهيم: 24]).

قُلْتُ:
والشَّجَرَةُ لها ثَمَرَةٌ، والثَّمَرَةُ لها حَلاَوَةٌ، فكَذَلِكَ شَجَرَةُ الإِيمَانِ لاَ بُدَّ لَهَا مِن ثَمَرَةٍ وَلاَ بُدَّ لتلكَ الثَّمَرَةِ مِن حَلاَوةٍ، لَكِنْ قَدْ يَجِدُها المُؤْمنُ وَقَدْ لاَ يَجِدُها وإنَّما يَجِدُها بِمَا ذُكِرَ في الحديثِ.
قولُه:
((أَنْ يَكُونَ اللهُ ورَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا))((أَحَبَّ)) مَنْصُوبٌ؛ لأَنَّه خَبَرُ ((يَكُونَ)) قَالَ البَيْضَاوِيُّ: (المُرادُ بالحُبِّ هنا الحُبُّ العَقْلِيُّ الذي هو إِيثَارُ ما يَقْتَضِي العَقْلُ السَّلِيمُ رُجْحَانَهُ، وإِنْ كَانَ عَلَى خِلاَفِ هَوَى النَّفْسِ كالمَرِيضِ يَعَافُ الدَّواءَ بطَبْعِهِ، فيَنْفِرُ عنه بِطَبْعِه ويَمِيلُ إِلَيْهِ بمُقْتَضَى عَقْلِهِ فيَهْوَى تَنَاوُلَهُ فإِذَا تَأَمَّلَ المَرْءُ أَنَّ الشَّارِعَ لاَ يَأْمُرُ ولاَ يَنْهَى إِلاَّ بِمَا فيه صَلاَحٌ عاجِلٌ أو خَلاَصٌ آجِلٌ، والعَقْلُ يَقْتَضِي رُجْحَانَ جَانِبِ ذلك تَمَرَّنَ عَلَى الائْتِمَارِ بأَمْرِهِ بحَيْثُ يَصِيرُ هَوَاه تَبَعًا لَهُ، ويَلْتَذُّ بذلك الْتِذَاذًا عَقْلِيًّا؛ إذِ الالْتِذَاذُ العَقْلِيُّ إِدْرَاكُ ما هو كَمَالٌ وخَيْرٌ مِن حيثُ هو كذلك).

قلتُ: وكَلاَمُه على قَوَاعِدِ الجَهْمِيَّةِ ونَحْوِهِم مِن نَفْيِ مَحَبَّةِ المُؤْمِنِينَ لرَبِّهِم لَهُم، والحَقُّ خِلاَفُ ذَلِكَ، بل المُرَادُ في الحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ اللهُ ورَسُولُه عندَ العَبْدِ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُما حُبًّا قَلْبِيًّا كَمَا في بَعْضِ الأحاديثِ ((أَحِبُّوا اللهَ بِكُلِّ قُلُوبِكُم)) فيَمِيلُ بِكُلِّيَّتِهِ إلى اللهِ وحْدَه حتَّى يَكُونَ وَحْدَهُ مَحْبُوبَه ومَعْبُودَه، وإِنَّما يُحِبُّ مَن سِوَاه تَبَعًا لِمَحَبَّتِهِ كمَا يُحِبُّ الأنبياءَ والمُرْسَلِينَ والملائِكَةَ والصالحِينَ لَمَّا كانَ يُحِبُّهُم رَبُّهُ سُبْحَانَه، وذلك مُوجِبٌ لمَحَبَّةِ ما يُحِبُّهُ سبحانَهُ وكَرَاهَةِ ما يَكْرَهُ، وإِيثارِ مَرْضَاتِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ والسَّعْيِ فيما يُرْضِيهِ مَا اسْتَطَاعَ وتَرْكِ ما يَكْرَهُ، فهذهِ عَلاَمَاتُ المَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ ولَوَازِمُها.
وأَمَّا مُجَرَّدُ إِيثَارِ ما يَقْضِي العَقْلُ رُجْحَانَهُ، وإنْ كَانَ على خِلاَفِ هَوَى النَّفْسِ كالمَرِيضِ يَعَافُ الدَّواءَ بطَبْعِهِ فيَنْفِرُ عنهُ إلى آخرِ كَلاَمِهِ، فهذا قد يَكُونُ في بعضِ الأُمُورِ عَلاَمَةً عَلَى الحُبِّ ولاَزِمًا له، لا أنَّهُ هو الحُبُّ.
وقَالَ
شَيْخُ الإِسْلاَمِ:(أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هذه الثَّلاَثَ مَن كُنَّ فيه وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ؛ لأَِنَّ وُجُودَ الحَلاَوَةِ للشَّيْءِ يَتْبَعُ المَحَبَّةَ له فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا واشْتَهَاهُ إِذَا حَصَلَ له مُرَادُهُ فإنَّه يَجِدُ الحَلاَوةَ واللَّذَّةَ والسُّرُورَ بذلك، واللَّذَّةُ أَمْرٌ يَحْصُلُ عَقِيبَ إِدْرَاكِ المُلاَئِمِ الذي هو المَحْبُوبُ أو المُشْتَهَى.
قَالَ:
(فَحَلاَوةُ الإِيمَانِ المُتَضَمِّنَةُ للذَّةِ والفَرَحِ يَتْبَعُ كَمَالَ مَحَبَّةِ العَبْدِ للهِ، وذَلِكَ بثَلاَثَةِ أُمُورٍ:

-
تَكْمِيلِ هذِهِ المَحَبَّةِ

-
وتَفْرِيعِها

-
ودفعِ ضِدِّها، فتَكْمِيلُها أَنْ يَكُونَ اللهُ ورَسُولُهُ أَحَبَّ إليهِ مِمَّا سِوَاهُمَا فإِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ ورَسُولِهِ، لاَ يُكْتَفَى فيها بأَصْلِ الحُبِّ، بل لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ اللهُ ورسُولُهُ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِواهُمَا).
-قُلْتُ: وَلاَ يَكُونُ كَذَلِكَ، إِلاَّ إِذَا وَافَقَ رَبَّه، فيما يُحِبُّه وما يَكْرَهُه.
-قالَ: (وتَفْرِيعُها أنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّه إِلاَّ للهِ)

-قُلْتُ: فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ مَخْلُوقًا للهِ، لاَ لغَرَضٍ آخَرَ، كَانَ هذا مِن تَمَامِ حُبِّهِ للهِ؛ فإِنَّ مَحَبَّةَ مَحْبُوبِ المَحْبُوبِ مِن تَمَامِ مَحَبَّةِ المَحْبُوبِ، فَإِذَا أَحَبَّ أَنْبِيَاءَ اللهِ، وَأَوْلِياءَه، لأَِجْلِ قِيَامِهِم بمَحْبُوباتِ اللهِ، لاَ لِشَيْءٍ آخَرَ، فَقَدْ أَحَبَّهم للهِ لاَ لغيرِهِ.

- قالَ:
(ودَفْعُ ضِدِّها أَنْ يَكْرَهَ ضِدَّ الإيمانِ، كمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ).

-
قُلْتُ: وإِنَّما كَرِهَ الضِّدَّ، لِمَا دَخَلَ قَلْبَهُ مِن مَحَبَّةِ اللهِ، فانْكَشَفَ له بنُورِ المَحَبَّةِ مَحَاسِنُ الإسلامِ، ورَذَائِلُ الجَهْلِ والكُفْرَانِ، وهَذَا هو الحُبُّ الذي يَكُونُ مَعَ مَن أَحَبَّ، كَمَا في (الصَّحِيحَينِ) عن أَنَسٍأَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى السَّاعَةُ؟فَقَالَ:((مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟))

قَالَ:
((مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلاَ صِيَامٍ وَلاَ صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ)) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)).

-
وفي رِوَايَةٍ للبُخَارِيِّ: فَقُلْنَا:(ونَحْنُ كذلك)قَالَ:((نَعَمْ)) قَالَ أَنَسٌ: (ففَرِحْنَا يَوْمَئذٍ، فَرَحًا شَدِيدًا).
وقَوْلُهُ:
((مِمَّا سِوَاهُمَا))فيه جَمْعُ ضَمِيرِ الرَّبِّ سُبْحَانَه، وضَمِيرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ على الخَطِيبِ لمَّا قَالَ: (ومَن يَعْصِهِمَا، فَقَدْ غَوَى)
وأَحْسَنُ مَا قِيلَ فيه قَوْلاَنِ:

أَحَدُهُما:
ما قَالَهُ البَيْضَاوِيُّ وغيرُه: (إِنَّه ثَنَّى الضَّمِيرَ هنا إِيمَاءً إلى أَنَّ المُعْتَبَرَ هو المَجْمُوعُ المُرَكَّبُ مِن المَحَبَّتَيْنِ، لا كلُّ واحِدَةٍ، فإِنَّها وحْدَها لاَغِيَةٌ، وأَمَرَ بالإِفْرَادِ في حديثِ الخَطِيبِ إِشْعَارًا بأَنَّ كلَّ واحِدٍ مِن العِصْيَانَيْنِ مُسْتَقِلٌّ باسْتِلْزَامِ الغِوايَةِ؛ إذ العَطْفُ في تَقْدِيرِ التَّكْرِيرِ، والأَصْلُ اسْتِقْلاَلُ كلٍّ مِن المَعْطُوفَيْنِ في الحُكْمِ).

قلتُ: وهذا جوابٌ بَلِيغٌ جدًّا.
الثاني:
حَمْلُ حديثِ الخَطِيبِ على الأَدَبِ والأَوْلَى، وهَذَا عَلَى الجَوَازِ.

وجَوَابٌ ثَالِثٌ
وهو: أَنَّ هَذَا وَرَدَ على الأَصْلِ، وحَدِيثُ الخَطِيبِ نَاقِلٌ، فيَكُونُ أَرْجَحَ.
قَوْلُه:
((كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ)) أي: يَسْتَوِي عندَه الأَمْرَانِ؛ الإِلْقَاءُ في النَّارِ، والعَوْدُ في الكُفرِ.

قُلْتُ:
وفي الحَدِيثِ مِن الفَوَائِدِ، أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّه المُؤمِنونَ، وهو تعالى يُحِبُّهم، كما قالَ: {يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ}[المائدة:57].

وفيه:
رَدُّ مَا يَظُنُّه بَعْضُ النَّاسِ مِن أَنَّه مَن وُلِدَ على الإسلامِ أَفْضَلُ مِمَّنْ كانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ، فمَنِ اتَّصَفَ بهذه الأُمُورِ، فهو أَفْضَلُ مِمَّن لَمْ يَتَّصِفْ بها مُطْلَقًا، ولِهَذَا كَانَ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ أَفْضَلَ مِمَّن وُلِدَ على الإِسْلاَمِ.

فيه:
(رَدٌّ عَلَى الغُلاَةِ الذِينَ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّ صُدُورَ الذَّنْبِ مِن العَبْدِ نَقْصٌ في حَقِّه مُطْلَقًا، والصَّوَابُ أَنَّه إِنْ لم يَتُبْ كَانَ نَقْصًا وإِنْ تَابَ فَلاَ، ولِهَذَا كَانَ المُهَاجِرُونَ والأَنْصَارُ أَفْضَلَ هذِهِ الأُمَّةِ،وإِنْ كَانُوا في أَوَّلِ الأَمْرِ كُفَّارًا يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ، بل المُنْتَقِلُ مِن الضَّلاَلِ إلى الهُدَى، ومِن السَّيِّئَاتِ إلى الحَسَنَاتِ يُضَاعَفُ له الثَّوَابُ) قَالَهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ.

وفيه:
دَلِيلٌ عَلَى عَدَاوَةِ المُشْرِكِينَ وبُغْضِهم؛ لأَِنَّ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئًا أَبْغَضَ مَن اتَّصَفَ بهِ، فإذا كانَ يَكْرَهُ الكُفْرَ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى في النَّارِ، فكَذَلِكَ يَكْرَهُ مَن اتَّصَفَ بهِ.
قولُه: وفي رِوَايَةٍ:
((لاَ يَجِدُ أَحَدٌ)) هذه الرِّوَايَةُ أَخْرَجَها البُخَارِيُّ في (صَحِيحِهِ) ولَفْظُهُ: ((لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرجِعَ إِلى الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ وَحَتَّى يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)).

(4)
هَذَا الأَثَرُ رَوَاهُ
ابنُ جَرِيرٍ بكَمَالِهِ كَمَا قَالَ المُصَنِّفُ، وأَخْرَجَ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ وابنُ أَبِي حَاتِمٍ الجُمْلَةَ الأُولَى منه فَقَطْ.
قولُه:
((مَن أَحَبَّ في اللهِ)) أي: أَحَبَّ المُسْلِمِينَ والمُؤْمِنِينَ في اللهِ.
قولُه:
((وأَبْغَضَ في اللهِ)) أي: أَبْغَضَ الكُفَّارَ والفَاسِقِينَ في اللهِ لمُخَالَفَتِهِم لرَبِّهِم وإنْ كَانُوا أَقْرَبَ النَّاسِ إليه كَمَا قالَ تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المُجَادَلَة:22].
قولُه:
((ووَالَى في اللهِ)) هَذَا بَيَانٌ لِلاَزِمِ المَحَبَّةِ في اللهِ وهو المُوَالاَةُ.
فيه إِشَارَةٌ إلى أنَّهُ لاَ يَكْفِي في ذَلِكَ مُجَرَّدُ الحُبِّ، بل لاَ بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِن المُوَالاَةِ التي هي لاَزِمُ الحُبِّ، وهي النُّصْرَةُ والإِكْرَامُ والاحْتِرَامُ والكَوْنُ مَعَ المَحْبُوبِينَ باطِنًا وظَاهِرًا.
قولُه:
((وعَادَى في اللهِ)) هَذَا بَيَانٌ لِلاَزِمِ البُغْضِ في اللهِ وهو المُعَادَاةُ فيه، أي: إِظْهَارُ العَدَاوَةِ بالفِعْلِ، كالجِهَادِ لأَِعْدَاءِ اللهِ والبَرَاءَةِ منهم، والبُعْدِ عنهم باطنًا وظاهرًا؛ إشارةً إلى أنَّهُ لاَ يَكْفِي مُجَرَّدُ بُغْضِ القَلْبِ، بل لاَ بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِن الإِتْيَانِ بِلاَزِمِه كَمَا قَالَ تَعَالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللهِ وَحْدَهُ}[المُمْتَحِنَة:4] فهَذَا عَلاَمَةُ الصِّدْقِ في اللهُ البُغْضُ في اللهِ.
قولُه:
((فَإِنَّما تُنالُ وَلاَيَةُ اللهِ بذلك)) يَجُوزُ فَتْحُ الوَاوِ وكَسْرُها، أي: لاَ يَكُونُ العَبْدُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ ولا تَحْصُلُ له وَلاَيَةُ اللهِ إِلاَّ بِمَا ذُكِرَ مِن الحُبِّ في اللهِ، والبُغْضِ في اللهِ، والمُوالاَةِ في اللهِ، والمُعَادَاةِ في اللهِ، كَمَا رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ والطَّبَرَانِيُّ عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لاَ يَجِدُ العَبْدُ صَرِيحَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ للهِ وَيُبْغِضَ للهِ، فَإِذَا أَحَبَّ للهِ، وَأَبْغَضَ للهِ، فَقَدْ اسْتَحَقَّ الوَلاَيَةَ للهِ)).

-
وفي حديثٍ آخَرَ: ((أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)) رواهُ الطَّبَرَانِيُّ وغيرُه.
ويَنْبَغِي لِمَنْ أَحَبَّ شَخْصًا في اللهِ أنْ يَأْتِيَهُ في بَيْتِهِ فيُخْبِرَهُ أنَّهُ يُحِبُّه في اللهِ كما رَوَى
أَحْمَدُ والضِّيَاءُ عن أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: ((إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُم صَاحِبَهُ فَليَأْتِهِ فِي مَنْزِلِهِ فَليُخْبِرَهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ للهِ)) وفي حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ عندَ البَيْهَقِيِّ في (الشُّعَبِ): ((فإِنَّهُ يَجِدُ مثلَ الذي يَجِدُ له)).
قولُه:
((ولَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الإِيمَانِ)) إلى آخِرِهِ أي: لا يَجِدُ عبدٌ طَعْمَ الإيمانِ وإنْ كَثُرتْ صَلاَتُه وصَومُه حتى يُحِبَّ في اللهِ، ويُبْغِضَ في اللهِ، ويُعَادِيَ في اللهِ، ويُوالِيَ في اللهِ، وهذا مُنْتَزَعٌ مِن حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ.
وفي حديثِ
أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: ((مَنْ أَحَبَّ للهِ، وَأَبْغَضَ للهِ، وَأَعْطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ)) رَوَاهُ أَبُو دَاودَ.

والعَجَبُ مِمَّن يَدَّعِي مَحَبَّةَ اللهِ،
وهو على خِلاَفِ ذَلِكَ، ومَا أَحْسَنَ ما قَالَه ابنُ القيِّمِ:

أَتُحِبُّ أَعْدَاءَ الحَبِيبِ وتَدَّعِي حُبًّا لــَهُ مــَا ذَاكَ فـي إِمـــْكــَانِ
قَوْلُه:
((وَقَدْ صَارَتْ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ على أَمْرِ الدُّنْيَا، وذَلِكَ لاَ يُجْدِي عَلَى أَهْلِه شَيْئًا))، أي: المُؤَاخَاةُ عَلَى أَمْرِ الدُّنيا لاَ يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شيئًا، أي: لا يَنْفَعُهُم أَصْلاً، بل يَضُرُّهم، كما قالَ تعالى: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}[الزُّخْرُف:67] فهَذَا حَالُ كُلِّ خُلَّةٍ ومَحَبَّةٍ كانَتْ في الدنيا عَلَى غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ، فإِنَّهَا تَعُودُ عَدَاوَةً ونَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ بخِلاَفِ المَحَبَّةِ والخُلَّةِ على طَاعَةِ اللهِ، فإِنَّهَا مِن أَعْظَمِ القُرُباتِ كَمَا جَاءَ في حَدِيثِ السَّبْعَةِ الذين يُظِلُّهُم اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ قَالَ: ((وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ)) وفي الحديثِ القُدُسِيِّ الذي رَوَاهُ مَالِكٌ وابنُ حِبَّانَ في (صَحِيحِه): ((وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَلِلمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَلِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَلِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ)).
وهَذَا الكَلاَمُ قَالَهُ
ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في أَهْلِ زَمَانِهِ، فكيفَ لو رَأَى النَّاسَ فيما هُمْ فيه مِن المُؤَاخَاةِ على الكُفْرِ، والبِدَعِ، والفُسُوقِ، والعِصْيانِ؟ ولَكِنَّ هَذَا مِصْدَاقُ قولِه عليه السَّلاَمُ: ((بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ)).
وفيه إِشَارَةٌ إلى أنَّ الأَمْرَ قَدْ تَغَيَّرَ في زَمَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ بحَيْثُ صَارَ الأَمْرُ إلى هَذَا بالنِّسْبَةِ إلى مَا كانَ في زَمَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَضْلاً عن زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَى
ابنُ مَاجَه عن ابنِ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيتُنا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ يَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِدينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ المُسْلِمِ.
وأَبْلَغُ منه قولُه تَعَالَى:
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر:9] فهذا كانَ حَالَهُم في ذلكَ الوَقْتِ الطَّيِّبِ، وهؤلاء هُمُ المُتَحَابُّونَ لجَلاَلِ اللهِ كَمَا في الحَدِيثِ القُدُسِيِّ يَقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ((أَيْنَ المُتَحَابُّونَ لِجَلاَلِي، اليَوْمَ أُظِلُّهُم فِي ظِلِّي)) فهذه هي المَحَبَّةُ النَّافِعَةُ لاَ مَحَبَّةُ الدُّنيا، وهي التي أَوْجَبَتْ لهم المُوَاسَاةَ والإِيثارَ على الأَنْفُسِ {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد:21].

(5)
هذا الأثرُ رَوَاهُ
عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أَبِي حَاتِمٍ والحَاكِمُ وصَحَّحَهُ.
قولُه:
((قَالَ: المَوَدَّةُ)) أي: المَحَبَّةُ التي كَانَتْ بينَهُم في الدُّنيا تَقَطَّعَتْ بهم وخَانَتْهُم أَحْوَجَ ما كانُوا إليها، وتَبَرَّأَ بَعْضُهُم مِن بَعْضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عن إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ عليه السَّلاَمُ: إنَّه قَالَ لقَوْمِه: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ}[العنكبوت:25] وهذهِ الآيةُ وإنْ كانَتْ نَزَلَتْ في المُشْرِكِينَ عُبَّادِ الأَوْثَانِ الذين يُحِبُّونَ أَنْدَادَهُم وأَوْثَانَهم كَحُبِّ اللهِ فإنَّهَا عَامَّةٌ؛ لأَِنَّ الاعْتِبَارَ بعُمُومِ اللَّفْظِ لاَ بخُصُوصِ السَّبَبِ.
ولهذا قَالَ
قَتَادَةُ: (وتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ قَالَ: أَسْبَابُ النَّدَامَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، والأَسْبَابُ: المُوَاصَلَةُ التي يَتَواصَلُونَ بها ويَتَحَابُّونَ بِهَا، فَصَارَتْ عَدَاوَةً يومَ القِيَامَةِ، يَلْعَنُ بَعْضُهم بَعْضًا).
رَوَاهُ
عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ، فهذا حَالُ مَنْ كانَتْ مَوَدَّتُه لغَيْرِ اللهِ فاحْذَرْ مِن ذَلِكَ.


حفيدة بني عامر 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م 07:34 PM

فتح المجيد لفضيلة الشيخ:عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ
 
(1)
قَالَ
المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (بابُ قولِ اللهِ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ}[البقرة:165]).
لَمَّا كانتْ مَحَبَّتُه سُبحانَه هي أَصْلَ دِينِ الإسلامِ الذي يَدُورُ عليه قُطْبُ رَحاهُ، فبِكَمَالِها يَكْمُلُ، وبِنَقْصِها يَنْقُصُ تَوحيدُ الإنسانِ، نَبَّهَ
الْمُصَنِّفُ على ذلك بهذه التَّرْجَمَةِ.
قولُه: (بابُ قولِ اللهِ تعالَى:
{ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً}) الآيةَ.
قالَ في
(شَرْحِ الْمَنازِلِ): (أَخْبَرَ تعالى أنَّ مَن أَحَبَّ مِن دُونِ اللهِ شَيْئًا كما يُحِبُّ اللهَ تعالى فهو مِمَّن اتَّخَذَ من دُونِ اللهِ أَندادًا، فهذا نِدٌّ في الْمَحَبَّةِ لا في الْخَلْقِ والربوبِيَّةِ، فإنَّ أَحدًا من أهلِ الأرضِ لا يُثبِتُ هذا النِّدَّ، بخِلافِ نِدِّ الْمَحَبَّةِ. فإنَّ أَكْثَرَ أهلِ الأرضِ قد اتَّخَذُوا من دُونِ اللهِ أَندادًا في الْحُبِّ والتعظيمِ).
ثم قالَ تعالى:
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا للهِ} وفي تقديرِ الآيةِ قَولان:

أحدُهما:
والذين آمَنُوا أشدُّ حُبًّا للهِ من أصحابِ الأندادِ لأَندادِهم وآلِهَتِهم التي يُحِبُّونَها ويُعَظِّمونَها من دُونِ اللهِ.
وروى
ابنُ جَريرٍ عن مُجاهِدٍ في قولِه تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} مُباهاةً ومُضاهاةً للحَقِّ بالأندادِ {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا للهِ} من الكُفَّارِ لأَوْثَانِهم.
ثم رَوَى عن
ابنِ زَيدٍ قالَ: (هؤلاءِ الْمُشرِكونَ أَندادُهم آلِهَتُهم التي عَبَدُوا مع اللهِ يُحِبُّونَهم كما يُحِبُّ الذين آمَنُوا اللهَ، والذين آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ من حُبِّهم آلِهَتَهُمْ) انتهى.

والثاني:
والذين آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ من الْمُشرِكينَ بالأندادِ للهِ؛ فإنَّ مَحَبَّةَ المؤمنينَ خالِصةٌ ومَحَبَّةَ أصحابِ الأندادِ قد ذَهَبَتْ أَندادُهم بقِسْطٍ منها، والْمَحَبَّةُ الخالِصَةُ أَشَدُّ مِن الْمُشْتَرَكَةِ.

والقولانِ مُرَتَّبَانِ على القولينِ
في قولِه تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ}فإنَّ فيها قولينِ أيضًا:

أَحَدُهما:
يُحِبُّونَهم كما يُحِبُّون اللهَ.

فيَكونُ قد أَثْبَتَ لهم مَحَبَّةَ اللهِ، ولكنَّها مَحَبَّةٌ شَرَّكُوا فيها مع اللهِ تعالى أَندادَهم.
والثاني:
أنَّ المعنى: يُحِبُّون أَندادَهم كما يُحِبُّ المؤمنونَ اللهَ، ثم بَيَّنَ تعالى أنَّ مَحَبَّةَ المؤمنينَ للهِ أَشَدُّ مِن مَحَبَّةِ أَصحابِ الأندادِ لأَنْدَادِهم.
وكان شَيخُ الإسلامِ
ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالَى يُرَجِّحُ القَوْلَ الأَوَّلَ ويَقولُ: (إنما ذُمُّوا بأن شَرَّكُوا بينَ اللهِ وبينَ أَندادِهم في الْمَحَبَّةِ ولم يُخْلِصُوها للهِ كمَحَبَّةِ المؤمنينَ له، وهذه التَّسويةُ المذكورةُ في قولِه تعالى حِكايةً عنهم وهم في النارِ، أنهم يَقولونَ لآلِهَتِهم وأَندادِهم وهي مُحْضَرَةٌ معهم في العذابِ: {تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:97،98] ومعلومٌ أنهم لم يُسَوُّوهُم برَبِّ العالمينَ في الْخَلْقِ والربوبيَّةِ وإنما سَوَّوْهُمْ به في الْمَحَبَّةِ والتعظيمِ، وهذا أيضًا هو العَدْلُ المذكورُ في قولِه تعالى: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام:1] أي: يَعْدِلُون بِهِ غيرَه في العِبادةِ التي هي الْمَحَبَّةُ والتعظيمُ.
وقالَ تعالى:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}[آل عمران:31]، وهذه تُسَمَّى آيةَ المحنةِ).
قالَ بعضُ السلَفِ: (ادَّعَى قومٌ مَحَبَّةَ اللهِ، فأَنْزَلَ اللهُ تعالى آيةَ المحنةِ:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}إشارةً إلى دَليلِ الْمَحَبَّةِ وثَمَرَتِها وفائدتِها، فدَليلُها وعَلامتُها: اتِّبَاعُ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفائدتُها وثَمَرَتُها: مَحَبَّةُ الْمُرْسِلِ لكم، فما لم تَحْصُلِ الْمُتَابَعَةُ، فلا مَحَبَّةَ له حاصِلَةٌ، ومَحَبَّتُه لكم مُنْتَفِيَةٌ).

-
وقالَ تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}[المائدة:54]ذَكَرَ لهم أَرْبَعَ عَلاماتٍ:

إحداها:
أنهم أَذِلَّةٌ على المؤمنينَ.

قيلَ معناه:
أَرِقَّاءَ رُحَمَاءَ مُشْفِقِينَ عاطِفينَ عليهم، فلَمَّا ضَمَّنَ {أَذِلَّةٍ} هذا المعنى عَدَّاه بأداةِ {على} قالَ عَطاءٌ رَحِمَه اللهُ: (للمؤمنينَ كالوَلَدِ لوالدِه والعبْدِ لسَيِّدِه، وعلى الكافرينَ كالأسَدِ على فَريستِه {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: 29]).

العَلامةُ الثالثةُ:
الْجِهادُ في سَبيلِ اللهِ بالنَّفْسِ واليدِ والمالِ واللسانِ، وذلك يُحَقِّقُ دَعْوَى الْمَحَبَّةِ.

الْعَلامةُ الرابعةُ:
أنهم لا تَأْخُذُهم في اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ،
وهذا عَلامةُ صِحَّةِ الْمَحَبَّةِ، فكلُّ مُحِبٍّ أَخَذَه اللَّوْمُ على مَحبوبِه فليس بِمُحِبٍّ على الحقيقةِ، وقالَ تعالى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء:57]
فذَكَرَ
الْمَقاماتِ الثلاثةَ:

الْحُبُّ:
وهو ابتغاءُ القُرْبِ إليه،والتوَسُّلُ إليه بالأعمالِ الصالحةِ.

والرجاءُ والخوفُ
يَدُلُّ على أنَّ ابْتغاءَ الوَسيلةِ أَمْرٌ زائدٌ على رَجاءِ الرحمةِ وخَوْف العَذابِ، ومِن الْمَعلومِ قَطْعًا أنه لا يُتَنَافَسُ إلا في قُرْبِ مَن يُحَبُّ قُرْبُه، وحُبُّ قُرْبِه تَبَعٌ لِمَحَبَّةِ ذَاتِه، بل مَحَبَّةُ ذاتِه أَوْجَبَتْ مَحَبَّةَ الْقُرْبِ منه.

وعندَ الْجَهْمِيَّةِ والْمُعَطِّلَةِ: ما من ذلك كلِّه شيءٌ؛
فإنه عندَهم لا تَقْرُبُ ذاتُه من شيءٍ، ولا يَقْرُبُ من ذاتِه شيءٌ، ولا يُحَبُّ لذاتِه ولا يُحِبُّ، فأَنْكَرُوا حياةَ القلوبِ، ونَعيمَ الأرواحِ وبَهجةَ النُّفوسِ، وقُرَّةَ العُيونِ، وأَعْلَى نَعيمِ الدُّنيا والآخِرَةِ.
ولذلك ضُرِبَتْ قُلوبُهم بالقَسْوَةِ وضُرِبَ دونَهم ودُونَ اللهِ حِجابٌ على مَعرِفَتِه ومَحَبَّتِه، فلا يَعرِفونَه ولا يُحِبُّونَهُ ولا يَذْكُرُونَه إلا عندَ تعطيلِ أسمائِه وصِفاتِه، فذِكْرُهُم أَعْظَمُ آثامِهم وأَوْزَارِهم، بل يُعاقِبون مَن يَذْكُرُه بأسمائِه وصِفاتِه ونُعوتِ جَلاَلِه، ويَرْمُونَهم بالأدواءِ التي هم أَحَقُّ بها وأَهْلُها.
وحَسْبُ ذي البصيرةِ وحياةِ القلبِ ما يَرَى على كلامِهم من القَسوةِ والْمَقْتِ والتنفيرِ عن مَحَبَّةِ اللهِ تعالى ومَعرِفَتِه وتَوحيدِه، واللهُ الْمُستعانُ.
وقالَ رَحِمَه اللهُ أيضًا:
(لا تُحَدُّ الْمَحَبَّةُ بِحَدٍّ أَوْضَحَ منها، فالحدودُ لا تَزيدُها إلا خَفَاءً. فَحَدُّها وُجُودُها ولا تُوصَفُ المحبَّةُ بوَصْفٍ أَظْهَرَ من الْمَحَبَّةِ، وإنما يَتَكَلَّمُ الناسُ بأسبابِها ومُوجِبَاتِها وعَلاَمَاتِها وشَواهدِها وثَمَرَاتِها وأَحكامِها).
وأَجْمَعُ ما قِيلَ في ذلك: ما ذَكَرَه
أبو بكرٍ الكَتَّانِيُّ رَحِمَه اللهُ عن الْجُنَيْدِ، قالَ أبو بكرٍ: (جَرَتْ مَسألةٌ في الْمَحَبَّةِ بِمَكَّةَ -أَعَزَّها اللهُ- في أَيَّامِ الْمَوْسِمِ، فتَكَلَّمَ الشيوخُ فيها، وكان الْجُنَيْدُ أَصْغَرَهم سِنًّا، فقَالُوا: (هاتِ ما عِنْدَك يا عِرَاقِيُّ؟)
فأَطْرَقَ رَأْسَه، ودَمَعَتْ عَيناهُ، ثم قالَ: (عبدٌ ذاهِبٌ عن نَفْسِه، مُتَّصِلٌ بذِكْرِ رَبِّه، قائمٌ بأداءِ حُقوقِه، ناظرٌ إليه بقَلْبِه، أَحْرَقَ قلبَهُ نُورُ هَيْبَتِه، وصَفَا شِربُه من كأسِ مَوَدَّتِه، وانْكَشَفَ له الْجبارُ مِن أَستارِ غَيْبِه، فإنْ تَكَلَّمَ فباللهِ، وإن نَطَقَ فعَن اللهِ، وإن تَحَرَّكَ فبِأَمْرِ اللهِ، وإن سَكَنَ فمَعَ اللهِ، فهو باللهِ وللَّه، ومع اللهِ)
فبَكَى الشيوخُ، وقَالُوا:( ما على هذا مَزيدٌ، جَبَرَك اللهُ يا تاجَ العَارِفينَ).

وذَكَرَ رَحِمَه اللهُ:

أنَّ الأسبابَ الجالِبَةَ للمَحَبَّةِ عَشرةٌ:
أحدُها:
قِراءةُ القُرآنِ بالتَّدَبُّرِ والتَّفَهُّمِ لِمَعانِيهِ وما أُريدَ به
.

الثاني:
التَّقَرُّبُ إلى اللهِ تعالى بالنوافِلِ بعدَ الفرائضِ.

الثالثُ:
دَوامُ ذِكْرِه على كلِّ حالٍ باللسانِ والقلْبِ والعَمَلِ والحالِ، فنَصيبُه من الْمَحَبَّةِ على قَدْرِ هذا.

الرابعُ:
إيثارُ مَحَابِّه على مَحَابِّكَ عندَ غَلَبَاتِ الْهَوَى.

الخامسُ:
مُطالَعَةُ القلْبِ لأسمائِه وصِفاتِه ومُشاهدَتُها وتَقَلُّبُه في رِياضِ هذه الْمَعرِفَةِ ومَيَادِينِها.

السادسُ:
مُشاهَدَةُ بِرِّه وإحسانِه ونِعَمِه الظاهرةِ والباطنةِ.

السابعُ
-وهو أَعْجَبُها-: انكسارُ القَلْبِ بينَ يَدَيْهِ.

الثامنُ:
الْخَلوةُ وَقتَ النُّزولِ الإلهيِّ وتِلاوةِ كِتَابِه،
ثم خَتْمُ ذلك بالاستغفارِ والتوبةِ.

التاسعُ:
مُجالسَةُ الْمُحِبِّينَ الصادقينَ،
والْتِقَاطُ أَطايِبِ كَلِمَاتِهِم، ولا تَتَكَلَّمْ إلا إذا تَرَجَّحَتْ مَصلَحَةُ الكلامِ وعَلِمْتَ أنَّ فيه مَزيدًا لِحَالِكَ، ومَنفعةً لغَيْرِكَ.

العاشرُ:
مُباعَدَةُ كلِّ سَببٍ يَحولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وبينَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.

فمِن هذه الأسبابِ العشرةِ وَصَلَ الْمُحِبُّونَ إلى مَنازِلِ الْمَحَبَّةِ، ودَخَلُوا على الْحَبيبِ.
(2) قَالَ
المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَقولُ اللهِ تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:24]).
أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَتَوَعَّدَ مَن أَحبَّ أَهْلَه ومالَه وعَشيرتَه وتِجارَتَه ومَسْكَنَه، فآثَرَها أو بَعْضَها على فِعْلِ ما أَوْجَبَه اللهُ عليه من الأعمالِ التي يُحِبُّها اللهُ تعالى ويَرْضَاهَا، كالْهِجْرَةِ والْجِهادِ ونحوِ ذلك.
قالَ
العِمادُ ابنُ كثيرٍ:(أي: إن كانت هذه الأشياءُ {أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ} أي: انْتَظِرُوا ماذا يَحِلُّ بكم من عِقابِه).
روى الإمامُ
أحمدُ وأبو دَاوُدَ -واللفظُ له- من حديثِ أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ عن عَطاءٍ الْخُراسانيِّ عن نَافعٍ عن ابنِ عُمرَ، قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إذا تَبايَعْتُم بالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذنابَ البَقَرِ، وَرَضِيتُم بِالزَّرْعِ، وتَرَكْتُم الجهادَ، سَلَّطَ اللهُ علَيْكُم ذُلاًّ لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تُراجِعوا دِينَكُم)).
فلا بُدَّ من إيثارِ ما أَحَبَّه اللهُ من عَبْدِه وأَرادَه على ما يُحِبُّه الْعَبْدُ ويُريدُه، فيُحِبُّ ما يُحِبُّه اللهُ، ويَبْغَضُ ما يَبْغَضُه اللهُ، ويُوالِي فيه ويُعَادِي فيه، ويُتابِعُ رَسولَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما تَقَدَّمَ في آيةِ المحنةِ ونَظائِرِها.
(3) قَالَ
المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: ((عَنْ أَنَسٍ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) أَخْرَجَاهُ)). أي: البخاريُّ ومسلِمٌ.

قولُه:
((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ)) أي: الإيمانَ الواجبَ، والمرادُ كَمالُه، حتى يَكونَ الرسولُ أَحَبَّ إلى العَبْدِ من وَلَدِه ووَالِدِه والناسِ أَجمعينَ، بل ولا يَحْصُلُ هذا الكَمالُ إلا بأنْ يَكونَ الرسولُ أَحَبَّ إليه من نَفْسِه، كما في الحديثِ: أنَّ عُمَرَ قالَ: لأنتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسي.
فَقالَ:
((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيكَ مِنْ نَفْسِكَ)).
فَقالَ لَهُ
عُمَرُ: فَإِنَّكَ الآنَ أحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفسِي، فَقالَ:((الآنَ يا عُمَرُ)) رواه البخاريُّ.
فمَن قالَ:
(إنَّ المنفِيَّ هو الكَمالُ، فإنْ أَرادَ الكَمالَ الوَاجِبَ الذي يُذَمُّ تَارِكُه ويُعرَّضُ للعُقوبةِ فقد صَدَقَ، وإن أرادَ أنَّ المنفيَّ الكمالُ الْمُسْتَحَبُّ، فهذا لم يَقَعْ قطُّ في كلامِ اللهِ ورَسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قالَه شيخُ الإسلامِ.

فمَن ادَّعَى مَحَبَّةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدونِ مُتابعَةٍ
وتَقديمِ قولِه على قَولِ غَيرِه فقد كَذَبَ، كما قالَ تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}[النور:47] فنَفَى الإيمانَ عمَّن تَوَلَّى عن طَاعةِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكنَّ كلَّ مسلِمٍ يَكونُ مُحِبًّا بقَدْرِ ما معه من الإسلامِ، وكلَّ مسلِمٍ لا بدَّ أن يكونَ مُؤمنًا، وإن لم يكنْ مؤمنًا الإيمانَ الْمُطْلَقَ؛ لأنَّ ذلك لا يَحْصُلُ إلا لخَواصِّ المؤمنينَ.
قالَ
شيخُ الإسلامِ:(وعامَّةُ الناسِ إذا أَسْلَمُوا بعدَ كُفْرٍ، أو وُلِدُوا على الإسلامِ والْتَزَموا شَرائعَه، وكانوا من أهلِ الطاعةِ للهِ ورسولِه، فهم مُسلِمونَ ومعهم إيمانٌ مُجْمَلٌ،
لكنَّ دُخولَ حَقيقةِ الإيمانِ إلى قلوبِهم يَحْصُلُ شيئًا فشيئًا، إن أَعْطَاهم اللهُ ذلك؛ وإلا فَكثيرٌ من الناسِ لا يَصِلُون إلى اليقينِ ولا إلى الْجِهادِ، ولو شُكِّكُوا لشَكُّوا، ولو أُمِروا بالجهادِ لَمَا جَاهَدُوا؛ إذ ليس عندَهم من عِلْمِ اليقينِ ما يَدْرَأُ الرَّيْبَ، ولا عندَهم من قُوَّةِ الْحُبِّ للهِ ورسولِه ما يُقَدِّمُونه على الأهلِ والمالِ، فهؤلاءِ إن عُوفُوا من الْمِحْنَةِ وماتوا دَخَلوا الجنَّةَ؛ وإن ابْتُلوا بِمَن يُدخِلُ عليهم شُبُهاتٍ تُوجِبُ رِيبَتَهُم، فإن لم يُنْعِمِ اللهُ عليهم بما يُزيلُ الرَّيْبَ، وإلا صارُوا مُرْتَابِينَ، وانْتَقَلُوا إلى نوعٍ من النِّفاقِ)
انتهى.

وفي هذا الحديثِ:
أنَّ الأعمالَ من الإيمانِ؛
لأنَّ الْمَحَبَّةَ عَمَلُ القلبِ.
وفيه:
أنَّ مَحَبَّةَ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واجبةٌ تابعةٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لازِمَةٌ لها؛ فإنها مَحَبَّةٌ للهِ ولأَجْلِه، تَزيدُ بزِيادةِ مَحَبَّةِ اللهِ في قَلْبِ المؤمِنِ وتَنْقُصُ بنَقْصِها، وكلُّ مَن كان مُحبًّا للهِ فإنما يُحِبُّ في اللهِ ولأَجْلِه كما يُحِبُّ الإيمانَ والعملَ الصالحَ، وهذه الْمَحَبَّةُ ليس فيها شيءٌ من شوائبِ الشرْكِ كالاعتمادِ عليه ورَجائِه في حُصولِ مَرغوبٍ منه أو دَفْعِ مَرهوبٍ.

وما كانَ فيها ذلك فمَحَبَّتُه مع اللهِ،
لِمَا فيها من التعلُّقِ على غيرِه والرغبةِ إليه من دُونِ اللهِ، فبهذا يَحْصُلُ التمييزُ بينَ الْمَحَبَّةِ في اللهِ ولأَجْلِه، التي هي من كَمالِ التوحيدِ، وبينَ الْمَحَبَّةِ مع اللهِ التي هي مَحَبَّةُ الأندادِ من دُونِ اللهِ، لِمَا يَتَعَلَّقُ بقُلوبِ المشرِكينَ من الإِلهيَّةِ التي لا تَجوزُ إلا للهِ وَحْدَه لا شريكَ له.

(4)
قَالَ
المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلَهُما عَنْهُ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوةَ الإيمانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)).
وفي روايةٍ:
((لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاوَةَ الإيمانِ حَتَّى)) إلى آخرِهِ.
قولُه: (وَلَهُما عنه) أي:
البخاريِّ ومسلمٍ عن أنسٍ.
قولُه:
((ثلاثٌ)) أي: ثلاثُ خِصالٍ.
قولُه:
((مَنْ كُنَّ فيهِ)) أي: وُجِدَتْ فيه تَامَّةً.
قولُه:
((وجَدَ بِهِنَّ حَلاوةَ الإيمانِ)) الْحَلاوةُهنا: هي التي يُعَبَّرُ عنها بالذَّوْقِ؛ لِمَا يَحْصُلُ به من لَذَّةِ القلبِ ونَعيمِه وسُرورِه وغِذائِه، وهي شيءٌ محسوسٌ يَجِدُه أهلُ الإيمانِ في قُلُوبِهِمْ.
قالَ
السُّيوطيُّ في (التوشيحِ):( ((وَجَدَ حَلاوةَ الإيمانِ)) فيه: استعارةٌ تَخْيِيلِيَّةٌ، شَبَّه رَغْبَةَ المؤمنِ في الإيمانِ بشيءٍ حُلْوٍ، وأَثْبَتَ له لازِمَ ذلك الشيءِ، وأَضَافَه إليه).
وقالَ
النوويُّ: (معنى حَلاوةِ الإيمانِ: استِلْذَاذُ الطَّاعاتِ وتَحَمُّلُ الْمَشَاقِّ وإيثارُ ذلك على أَغراضِ الدنيا، ومَحَبَّةُ العَبْدِ للهِ بفِعْلِ طاعتِه وتَرْكِ مُخالَفَتِه، وكذلك الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم).
قالَ
يَحْيَى بنُ مُعاذٍ:(حَقيقةُ الْحُبِّ في اللهِ: أن لا يَزيدَ بالْبِرِّ، ولا يَنْقُصَ بالْجَفاءِ).
قولُه:
((أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِواهُما)) يعني بالسِّوَى: ما يُحِبُّه الإنسانُ بطَبْعِه، كمَحَبَّةِ الوَلَدِ والمالِ والأزواجِ ونحوِها، فتكونُ ((أحبَّ)) هنا على بابِها.
وقالَ
الْخَطَّابِيُّ: (والمرادُ بالْمَحَبَّةِ هنا: حبُّ الاختيارِ لا حبُّ الطبْعِ، كذا قالَ وأمَّا الْمَحَبَّةُ الشِّرْكِيَّةُ التي قد تَقَدَّمَ بيانُها فقَلِيلُها وكَثيرُها يُنافِي مَحَبَّةَ اللهِ ورسولِه).
وفي بعضِ الأحاديثِ:
((أَحِبُّوا اللهَ بِكُلِّ قُلوبِكُم)) فمِن عَلاماتِ مَحَبَّةِ اللهِ ورسولِه: أن يُحِبَّ ما يُحِبُّه اللهُ ويَكْرَهَ ما يَكْرَهُه اللهُ، ويُؤْثِرَ مَرضاتَه على ما سِوَاهُ، ويَسْعَى فيمَا يُرْضِيه ما استطاعَ، ويَبْعُدَ عما حَرَّمَه، ويَكْرَهَه أَشَدَّ الكَراهةِ، ويُتابِعَ رَسولَه ويَمْتَثِلَ أَمْرَه ويَتْرُكَ نَهْيَه كما قالَ تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}[النساء:80] فمَن آثَرَ أَمْرَ غيرِه على أَمْرِه وخَالَفَ ما نَهَى عنه فذلك عَلَمٌ على عَدَمِ مَحَبَّتِه للهِ ورسولِه؛ فإنَّ مَحَبَّةَ الرسولِ مِن لَوازِمِ مَحَبَّةِ اللهِ، فمَن أَحَبَّ اللهَ وأَطاعَه أَحَبَّ الرسولَ وأَطَاعَه، ومَن لا فلا؛ كما في آيةِ المحنةِ ونظائِرِها ... واللهُ الْمُسْتَعَانُ.
قالَ
شيخُ الإسلامِ:(أَخْبَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ هذه الثلاثَ مَن كُنَّ فيه وَجَدَ حَلاوةَ الإيمانِ؛ لأنَّ وُجودَ الحلاوةِ للشيءِ يَتْبَعُ الْمَحَبَّةَ له.
فمَن أَحَبَّ شيئًا واشْتَهاه إذا حَصَلَ له مُرادُه، فإنه يَجِدُ الحلاوةَ واللَّذَّةَ والسرورَ بذلك، واللَّذَّةُ أَمْرٌ يَحْصُلُ عَقيبَ إدراكِ الْمُلائمِ الذي هو المحبوبُ أو الْمُشْتَهَى)
.

- قالَ:
(فحَلاوةُ الإيمانِ الْمُتَضَمِّنَةُ للَّذَّةِ والفَرَحِ تَتْبَعُ كَمالَ مَحَبَّةِ العبدِ للهِ، وذلك بثلاثةِ أُمورٍ:
- تَكميلُ هذه الْمَحَبَّةِ
- وتَفريغُها
- ودَفْعُ ضِدِّها
فتَكميلُها: أن يكونَ اللهُ ورسولُه أَحَبَّ إلى العَبْدِ مِمَّا سِواهما، فإنَّ مَحَبَّةَ اللهِ ورسولِه لا يُكْتَفَى فيها بأَصْلِ الْحُبِّ، بل لا بدَّ أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مِمَّا سِواهما).

- قُلْتُ:
ومَحَبَّةُ اللهِ تعالى تَستلزِمُ:

-
مَحَبَّةَ طاعتِه، فإنه يُحِبُّ مِن عَبْدِه أن يُطِيعَه والْمُحِبُّ يُحِبُّ ما يُحِبُّه مَحبوبُه ولا بُدَّ.

-
ومِن لَوازِمِ مَحَبَّةِ اللهِ أيضًا:
مَحَبَّةُ أهلِ طَاعَتِه، كمَحَبَّةِ أنبيائِه ورُسُلِه والصالحينَ مِن عِبادِه، فمَحَبَّةُ ما يُحِبُّهُ اللهُ ومَن يُحِبُّه اللهُ من كَمالِ الإيمانِ، كما في حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ الآتي.
قالَ:
( وتَفريغُها: أن يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّه إلا للهِ).
قالَ:
(ودَفْعُ ضِدِّها: أن يَكْرَهَ ضِدَّ الإيمانِ كما يَكْرَهُ أن يُقْذَفَ في النارِ) انتهَى
قولُه:
((أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِواهُما)) فيه جَمْعُ ضميرِ الربِّ سُبْحَانَه وتعالى وضَميرِ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه قولان:

أحدُهما: أنه ثَنَّى الضميرَ هنا إيماءً إلى أنَّ الْمُعتبَرَ هو المجموعُ الْمُرَكَّبُ من الْمَحَبَّتَيْن، لا كلُّ واحدةٍ، فإنها وَحْدَها لاغِيَةٌ، وأَمَرَ بالإفرادِ في حديثِ الخطيبِ إشعارًا بأنَّ كلَّ واحدٍ من العِصْيَانَيْنِ مُسْتَقِلٌّ باستلزامِ الغِوايةِ؛ إذ الْعَطْفُ في تَقديرِ التكريرِ، والأصْلُ استقلالُ كلٍّ من الْمَعْطُوفَيْنِ في الْحُكْمِ.
الثاني:حَمْلُ حديثِ الخطيبِ على الأَدَبِ والأَوْلَى، وهذا على الجوازِ.
وجوابٌ ثالثٌ:وهو أنَّ هذا وَرَدَ على الأَصْلِ، وحديثَ الخطيبِ ناقلٌ فيكونُ أَرْجَحَ.
قولُه:
((كَما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)) أي: يَسْتَوِي عندَه الأمرانِ.
وفيه:رَدٌّ على الغُلاةِ الذين يَتَوَهَّمون أنَّ صُدورَ الذَّنْبِ من العَبْدِ نَقْصٌ في حقِّه مطْلَقًا، وإن تابَ منه.
والصوابُ أنه:

-
إن لم يَتُبْ كان نَقْصًا

-
وإن تابَ فلا، ولهذا كان المهاجِرونَ والأنصارُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَفْضَلَ هذه الأُمَّةِ مع كونِهم في الأَصْلِ كُفَّارًا، فهداهُم اللهُ إلى الإسلامِ، والإسلامُ يَمْحُو ما قَبْلَه وكذلك الْهِجرةُ، كما صَحَّ الحديثُ بذلك.
(5) قولُه: (وَفِي روايةٍ:
((لا يَجِدُ أَحَدٌ))) هذه الروايةُ أَخْرَجَها البُخاريُّ في الأدَبِ من (صحيحِه).
ولَفْظُها:
((لا يَجِدُ أَحَدٌ حَلاوَةَ الإيمانِ حَتَّى يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أنْ يَرجِعَ إِلى الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، وَحَتىَّ أن يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِواهُما)).
وقد تَقَدَّمَ أنَّ الْمَحَبَّةَ هنا عِبارةٌ عمَّا يَجِدُه المؤمنُ من اللَّذَّةِ والبَهجةِ والسرورِ والإجلالِ والْهَيْبَةِ ولَوازِمِ ذلك، قالَ الشاعرُ:

أَهَابُكَ إجلالاًًً وما بِكَ قُدْرَةٌ عـليَّ، ولكنْ
مِلْءُ عينٍ حَبِيبُها

قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَعَنْ
ابنِ عَباسٍ قالَ: (مَنْ أَحَبَّ فِي اللهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللهِ، ووَالَى فِي اللهِ، وَعَادَى فِي اللهِ فَإِنَّمَا تُنالُ ولايةُ اللهِ بذلِكَ، وَلَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الإيمانِ وإنْ كَثُرَتْ صلاتُهُ وصَوْمُهُ حَتى يَكونَ كذلِك، وَقَدْ صارَتْ عامَّةُ مؤاخاةِ الناسِ علَى أَمْر الدُّنْيا وذَلِكَ لا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئاً) رواهُ ابْنُ جَرِيرٍ).
وأَخْرَجَ
ابنُ أبي شَيْبَةَ وابنُ أبي حاتمٍ الجملةَ الأُولَى منه فقط.
قولُه:
((مَنْ أَحَبَّ فِي اللهِ)) أي: أَحبَّ أهلَ الإيمانِ باللهِ وطاعتِه من أَجْلِ ذلك.
قولُه:
((وَأَبْغَضَ فِي اللهِ)) أي: أَبْغَضَ مَن كَفَرَ باللهِ وأَشْرَكَ به وفَسَقَ عن طَاعتِه لأَجْلِ ما فَعَلُوه مِمَّا يُسْخِطُ اللهَ وإن كانوا أَقْرَبَ الناسِ إليه، كما قالَ تعالى: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} الآيةَ [المجادلة:22].
قولُه:
((ووَالَى فِي اللهِ)) هذا والذي قبلَه من لَوازِمِ مَحَبَّةِ العَبدِ للهِ تعالى، فمَن أَحَبَّ اللهَ تعالى أَحبَّ فيه، ووَالَى أَولياءَه، وعَادَى أَهْلَ مَعصِيَتِه وأَبْغَضَهم، وجاهَدَ أعداءَه ونَصَرَ أَنصارَه.
وكُلَّمَا قَوِيَتْ مَحَبَّةُ العَبْدِ للهِ في قَلْبِه قَوِيَتْ هذه الأعمالُ الْمُتَرَتِّبَةُ عليها، وبِكمالِها يَكْمُلُ تَوحيدُ العبدِ ويكونُ ضَعْفُها على قَدْرِ ضَعْفِ مَحَبَّةِ العبدِ لرَبِّه؛ فمُقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ ومَحرومٌ.
قولُه:
((فَإِنَّمَا تُنالُ وَلاَيةُ اللهِ بذلِكَ)) أي: تَوَلِّيهِ لعَبْدِه، و((وَلايةٌ))بفَتْحِ الواوِ لا غيرُ، أي: الأُخُوَّةُ والْمَحَبَّةُ والنُّصْرَةُ، وبالكَسْرِ الإمارةُ، والمرادُ هنا الأَوَّلُ، ولأَحْمَدَ والطبرانيِّ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا يجِدُ العبدُ صَريحَ الإيمانِ حتّى يُحبَّ للهِ ويُبْغِضَ للهِ، فإِذا أحَبَّ للهِ وأبْغَضَ للهِ، فقَدِ اسْتَحَقَّ الوَلايةَ للهِ)).
- وفي حديثٍ آخَرَ: ((أَوْثَقُ عُرَى الإيمانِ الحبُّ في اللهِ والبُغضُ في اللهِ عزَّ وجلَّ)) رواه الطبرانيُّ.
قولُه:
((وَلَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الإيمانِ)) إلى آخِرِه، أي: لا يَحْصُلُ له ذَوْقُ الإيمانِ ولَذَّتُه وسُرورُه وإن كَثُرَتْ صَلاتُه وصَوْمُه، حتى يكونَ كذلك، أي: حَتَّى يُحِبَّ في اللهِ، ويَبْغَضَ في اللهِ، ويُعادِيَ في اللهِ، ويُوالِيَ فيه.

-
وفي حديثِ أبي أُمامةَ مَرفوعًا: ((مَنْ أحَبَّ للهِ وأَبْغَضَ للهِ وَأَعْطى للهِ وَمَنَعَ للهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإيمانَ)) رواه أبو داوُدَ.

قولُه:
((وَقَدْ صارَتْ عامَّةُ مُؤاخاةِ الناسِ علَى أَمْرِ الدُّنْيا، وذَلِكَ لا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئًا)) أي: لا يَنْفَعُهم بل يَضُرُّهُم، كما قالَ تعالى: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:67].
فإذا كانت البَلْوَى قد عَمَّتْ بهذا في زَمَنِ
ابنِ عَبَّاسٍ في خَيْرِ القُرونِ فمَا زادَ الأَمْرُ بعدَ ذلك إلا شِدَّةً، حتى وَقَعَت الْمُوالاةُ على الشرْكِ والبِدَعِ والفُسوقِ والعِصيانِ، وقد وَقَعَ ما أَخْبَرَ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقولِه: ((بَدَأَ الإسلامُ غَرِيباً وَسَيَعودُ غَريباً كَما بَدَأَ)).
وقد كانَ الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم من الْمُهاجرينَ والأنصارِ في عَهْدِ نَبِيِّهِم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعَهْدِ
أبي بكرٍ وعُمرَ يُؤْثِرُ بعضُهم بَعْضًا على نفسِه مَحَبَّةً في اللهِ وتَقَرُّبًا إليه، كما قالَ تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر:9] وعن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: ( لَقَدْ رَأَيْتُنا عَلَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ يَرى أَنَّه أَحَقُّ بِدينارِهِ وَدِرهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ المُسْلِمِ) رواه ابنُ مَاجَه.

(6)
قَالَ
المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: ((وقالَ ابنُ عبَّاسٍ في قولِه تَعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}[البقرة:166] قالَ: الْمَوَدَّةُ)) هذا الأَثَرُ رواه عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَريرٍ وابنُ الْمُنْذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَه.
قولُه:
((قالَ: الْمَوَدَّةُ)) أي: التي كانَت في الدنْيَا خَانَتْهم أَحْوَجَ ما كانوا إليها، وتَبَرَّأَ بعضُهم من بعضٍ، كما قالَ تعالى: {وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ}[العنكبوت:25].
قالَ العَلاَّمَةُ
ابنُ الْقَيِّمِ في قولِه تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ ...}[البقرة:166،167] (فهؤلاءِ الْمَتْبُوعونَ كانوا على الْهُدَى، وأَتباعُهم ادَّعَوْا أنهم على طريقِهم ومِنهاجِهم، وهم مُخالِفُون لهم سالِكِينَ غيرَ طَرِيقِهم، ويَزْعُمُون أنَّ مَحَبَّتَهم لهم تَنْفَعُهم مع مُخالَفَتِهم، فيَتَبَرَّؤُونَ منهم يومَ القِيامةِ، فإنهم اتَّخَذُوهم أَولياءَ من دُونِ اللهِ، وهذا حالُ كلِّ مَن اتَّخَذَ من دُونِ اللهِ وَليجةً وأولياءَ، يُوالِي لهم، ويُعَادِي لهم، ويَرْضَى لهم ويَغْضَبُ لهم، فإنَّ أَعمالَه كلَّها باطلةٌ، يَراها يومَ القِيامةِ حَسَرَاتٍ عليه مع كَثْرَتِها وشِدَّةِ تَعَبِهِ فيها ونَصَبِهِ؛ إذ لم يُجَرِّدْ مُوالاتَه ومُعادَاتَه وحُبَّه وبُغْضَه وانتصارَه وإيثارَه للهِ ورسولِه، فأَبْطَلَ اللهُ عَزَّ وجلّ ذلك العملَ كلَّه.
وقَطَعَ تلك الأسبابَ، فيَنْقَطِعُ يومَ القِيامةِ كلُّ سَببٍ ووَصْلَةٍ ووَسيلةٍ ومَوَدَّةٍ كانت لغيرِ اللهِ، ولا يَبْقَى إلا السببُ الوَاصِلُ بينَ العبدِ ورَبِّه، وهو حَظُّه من الْهِجرةِ إليه وإلى رَسولِه، وتجريدِه عِبادَتَه وَحْدَه،
ولَوَازِمِها:

-
من الْحُبِّ والبُغضِ.

-
والعطاءِ والْمَنْعِ.

-
والْمُوالاةِ والْمُعاداةِ.

-
والتقريبِ والإبعادِ.

-
وتَجريدِ مُتابَعَةِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجريدًا مَحْضًا بَريئًا من شوائِبِ الالتفاتِ إلى غيرِه، فَضْلاً عن الشرْكِ بينَه وبينَ غيرِه، فَضْلاً عن تَقديمِ قولِ غَيرِه عليه.

فهذا السببُ هو الذي لا يَنقطِعُ بصاحبِه،
وهذه هي النِّسبةُ بينَ العبدِ وربِّه.

-
وهي نِسبةُ العُبُودِيَّةِ الْمَحْضَةِ.

-
وهي آخِيَّتُه التي يَجولُ وما يَجولُ إليها مَرْجِعُه، ولا تَتَحَقَّقُ إلا بتجريدِ مُتابَعَةِ الرُّسُلِ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم؛ إذ هذه العُبودِيَّةُ إنما جاءَتْ على أَلْسِنَتِهم، وما عُرِفَتْ إلا بهم، ولا سبيلَ إليها إلا بِمُتابعَتِهم، وقد قالَ تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلُنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً}[الفرقان:23] فهذه هي الأعمالُ التي كانت في الدنيا على غيرِ سُنَّةِ رُسُلِه وطريقتِهم ولغيرِ وَجْهِه، يَجْعَلُها اللهُ هَباءً مَنثورًا، لا يَنْتَفِعُ منها صاحبُها بشيءٍ أَصْلاً، وهذا من أَعظمِ الحَسَراتِ على العَبْدِ يومَ القِيامةِ، أن يَرَى سَعْيَه ضائعًا، وقد سَعِدَ أهلُ السعيِ النافعِ بسَعيِهم) انتهى مُلَخَّصًا.


حفيدة بني عامر 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م 07:35 PM

القول السديد لفضيلة الشيخ : عبدالرحمن السعدي
 
(1)
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ}
.

أصلُ التوحيدِ ورُوحُه:
إخلاصُ المحبَّةِ للهِ وحْدَه، وهي أصلُ التألُّهِ والتعبُّدِ له، بل هي حقيقةُ العبادةِ، ولا يتمُّ التوحيدُ حتى تَكْمُلَ محبةُ العبدِ لربِّه، وتسبقَ محبَّتُه جميعَ المحابِّ وتغلِبَها ويكونَ لها الحكمُ عليها، بحيثُ تكونُ سائرُ محابِّ العبدِ تبعًا لهذه المحبَّةِ التي بها سعادةُ العبدِ وفلاحُه.

ومن تفريعِها وتَكْميلِها:
الحبُّ في اللهِ، فيُحبُّ العبدُ ما يحبُّه اللهُ من الأعمالِ والأشخاصِ، ويُبْغِضُ ما يُبْغِضُه اللهُ من الأشخاصِ والأعمالِ، ويوالي أولياءَه ويعادي أعداءه، وبذلك يَكْمُلُ إيمانُ العبدِ وتوحيدُه.

أما اتخاذُ أندادٍ مِن الخَلْقِ يُحبُّهم كحبِّ اللهِ،
ويقدِّمُ طاعتَهم على طاعةِ اللهِ وَيَلْهَجُ بِذِكْرِهم ودعائِهم، فهذا هو الشركُ الأكبرُ، الذي لا يَغْفِرُه اللهُ، وصاحبُ هذا الشركِ قد انقَطَعَ قلبُه من ولايةِ العزيزِ الحميدِ، وتعلَّقَ بغيرِه مِمَّن لا يملكُ له شيئًا، وهذا السببُ الواهي الذي تعلَّق به المشركون سينقطِعُ يومَ القيامةِ أحوجَ ما يكونُ العبدُ لعملِه، وستنقلبُ هذه المودةُ والموالاةُ بُغْضًا وَعَداوةً.

واعلمْ أنَّ أنواعَ المحبَّةِ ثلاثةُ أقسامٍ:
الأولُ: محبةُ اللهِ التي هي أصلُ الإِيمانِ والتوحيدِ.

الثاني: المحبةُ في اللهِ، وهي محبةُ أنبياءِ اللهِ ورسلهِ وأتباعِهم، ومحبةُ ما يُحِبُّه اللهُ من الأعمالِ والأزمنةِ والأمكنةِ وغيرِهم، وهذه تابعةٌ لمحبةِ اللهِ ومُكَمِّلَةٌ لها.
الثالثُ: محبةٌ مع اللهِ، وهي محبةُ المشركين لآلهتِهم وأندادِهم؛ من شجرٍ، وحَجَرٍ، وبَشَرٍ، ومَلَكٍ، وغيرِها، وهي أصلُ الشركِ وأساسُه.
وهنا قسمٌ رابعٌ: وهو المحبةُ الطبيعيةُ التي تَتْبَعُ ما يلائمُ العبدَ ويوافقُه؛ من طعامٍ، وشرابٍ، ونكاحٍ، ولباسٍ، وَعِشْرَةٍ وغيرِها، وهذه إذا كانت مباحةً، فإن أعانتْ على محبةِ اللهِ وطاعتِه دخلتْ في بابِ العباداتِ، وإن صدَّت عن ذلك وتُوُسِّلَ بها إلى ما لا يحبُّه اللهُ دخلتْ في المنهيِّاتِ، وإلا بَقِيَتْ من أقسامِ المباحاتِ، واللهُ أعلمُ.


حفيدة بني عامر 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م 07:37 PM

تهذيب القول المفيد لفضيلة الشيخ:صالح بن عبدالله العصيمي
 
(1)
قولُهُ: (بابُ قولِ اللهِ تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا...}) جعلَ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى الآيةَ هيَ الترجمةَ، ويُمْكِنُ أنْ يُعْنَى بهذهِ الترجمةِ بابَ المحبَّةِ.
وأصلُ الأعمالِ كُلِّها هوَ المحبَّةُ، فالإنسانُ لا يعملُ إلاَّ لما يُحِبُّ إمَّا لجلْبِ منفعةٍ أوْ لدَفْعِ مضرَّةٍ، فإذا عَمِلَ شيئًا فلأنَّهُ يُحِبُّهُ؛ إمَّا لذاتِهِ كالطعامِ، أوْ لغيرِهِ كالدواءِ.

وعبادةُ اللهِ مبنيَّةٌ على المحبَّةِ
، بلْ هيَ حقيقةُ العبادةِ؛ إذْ لوْ تَعَبَّدْتَ بدونِ محبَّةٍ صارتْ عبادتُكَ قِشْرًا لا رُوحَ فيها، فإذا كانَ الإنسانُ في قلبِهِ محبَّةٌ للهِ وللوصولِ إلى جنَّتِهِ فسوفَ يسْلُكُ الطريقَ المُوَصِّلَ إلى ذلكَ.
ولهذا لمَّا أحبَّ المشركونَ آلهتَهم توصَّلَتْ بهمْ هذهِ المحبَّةُ إلى أنْ عبَدُوها مِنْ دُونِ اللهِ أوْ مَعَ اللهِ.

والمحبَّةُ تنقسمُ إلى قسمَيْنِ:

القسمُ الأوَّلُ: محبَّةُ عِبَادَةٍ، وهيَ: التذلُّلُ والتعظيمُ وأنْ يقومَ بقَلْبِ الإنسانِ منْ إجلالِ المحبوبِ وتعظيمِهِ ما يقتضي أنْ يمْتَثِلَ أمْرَهُ ويجْتَنِبَ نهيَهُ، وهذهِ خَاصَّةٌ باللهِ، فمَنْ أحبَّ معَ اللهِ غيرَهُ محبَّةَ عبادةٍ فهوَ مشركٌ شِرْكًا أكبرَ، ويُعَبِّرُ العلماءُ عنها بالمحبَّةِ الخاصَّةِ.
القسمُ الثاني: محبَّةٌ ليستْ بعبادةٍ في ذاتِها، وهذهِ أنواعٌ:

النوعُ الأوَّلُ: المحبَّةُ للهِ وفي اللهِ، وذلكَ بأنْ يكونَ الجالبُ لها محبَّةَ اللهِ، أيْ: كونُ الشيءِ محبوبًا للهِ تعالى؛ منْ أشخاصٍ: كالأنبياءِ والرسلِ والصدِّيقِينَ والشهداءِ والصالحينَ.

أو أعمالٍ:
كالصلاةِ، والزكاةِ، وأعمالِ الخيرِ، أوْ غيرِ ذلكَ.
وهذا النوعُ تابعٌ للقسمِ الأوَّلِ الذي هوَ
محبَّةُ اللهِ.
النوعُ الثاني: محبَّةُ إشفاقٍ ورحمةٍ، وذلكَ (كمحبَّةِ الولدِ، والصغارِ، والضعفاءِ، والمرضى).
النوعُ الثالثُ: محبَّةُ إجلالٍ وتعظيمٍ لا عبادةٍ، (كمحبَّةِ الإنسانِ لوالِدِهِ ولمُعَلِّمِهِ ولكبيرٍ منْ أهلِ الخيرِ).
النوعُ الرابعُ: محبَّةٌ طبيعيَّةٌ، (كمحبَّةِ الطعامِ والشرابِ والمَلْبَسِ والمَرْكَبِ والمَسْكَنِ).
وأشرفُ هذهِ الأنواعِ النوعُ الأوَّلُ، والبقِيَّةُ منْ قسمِ المُباحِ، إلاَّ إذا اقترنَ بها ما يقتضي التعبُّدَ صارتْ عبادةً، فالإنسانُ يُحِبُّ والدَهُ محبَّةَ إجلالٍ وتعظيمٍ، وإذا اقترنَ بها أنْ يتعبَّدَ للهِ بهذا الحبِّ منْ أجْلِ أن يقومَ ببرِّ والدِهِ صارتْ عبادةً، وكذلكَ يُحِبُّ ولدَهُ محبَّةَ شفقةٍ وإذا اقترنَ بها ما يقتضي أنْ يقومَ بأمرِ اللهِ بإصلاحِ هذا الولدِ صارتْ عبادةً.

وكذلكَ:
المحبَّةُ الطبيعيَّةُ كالأكلِ والشُّربِ والملبسِ والمسكنِ،
إذا قُصِدَ بها الاستعانةُ على عبادةٍ صارتْ عبادةً، ولهذا (حُبِّبَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ النساءُ والطِّيبُ) مِنْ هذهِ الدُّنيا، فحُبِّبَ إليه النساءُ؛ لأنَّ ذلكَ مُقْتَضَى الطبيعةِ ولِمَا يتَرَتَّبُ عليهِ من المصالحِ العظيمةِ، وحُبِّبَ إليهِ الطِّيبُ؛ لأنَّهُ يُنَشِّطُ النفسَ ويُريحُهَا ويشرَحُ الصدرَ، ولأنَّ الطَّيِّباتِ للطَّيِّبينَ واللهُ طيِّبٌ لا يقبلُ إلاَّ طيِّبًا.

فهذهِ الأشياءُ إذا اتَّخذَها الإنسانُ بقصْدِ العبادةِ صارتْ عبادةً،
قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)).
وقالَ العلماءُ: (إنَّ ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلاَّ بِهِ فهوَ واجبٌ).
وقالوا: (الوسائلُ لها أحكامُ المقاصدِ) وهذا أمْرُ مُتَّفَقٌ عليهِ.
قولُهُ:
{وَمِنَ النَّاسِ}، {مِنْ} تبعيضيَّةٌ، وهيَ ومجرُورُها خبرٌ مُقَدَّمٌ، وَ{مَنْ يَتَّخِذُ} مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ.
قولُهُ:
{أَنْدَادًا} جمعُ نِدٍّ، وهو الشبيهُ والنظيرُ.
قولُهُ:
{يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} أيْ: في كيفيَّتِهِ ونوعِهِ، فالنوعُ أنْ يُحِبَّ غيرَ اللهِ محبَّةَ عبادةٍ، والكيفيَّةُ أنْ يُحِبَّهُ كمحبَّةِ اللهِ أوْ أشدَّ، حتَّى إنَّ بعضَهم يُعَظِّمُ محبوبَهُ ويغارُ لهُ أكثرَ ممَّا يُعَظِّمُ اللهَ وَيَغَارُ لهُ، فلوْ قيلَ: (احْلِفْ باللهِ) لَحَلَفَ وهوَ كاذبٌ ولمْ يُبَالِ، ولوْ قيلَ: احْلِفْ بالنِّدِّ، لمْ يَحْلِفْ وهوَ كاذبٌ، وهذا شركٌ أكبرُ.
وقولُهُ:
{كَحُبِّ اللهِ} للمُفَسِّرِينَ فيها قولانِ:

الأوَّلُ:
أنَّها على ظاهرِها،
وأنَّها مضافةٌ إلى مفعولِها، أيْ: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّهِمْ للهِ، والمعنى يُحِبُّونَ هذهِ الأندادَ كمحبَّةِ اللهِ فيجعلونَها شُرَكاءَ للهِ في المحبَّةِ، لكنَّ الذينَ آمنوا أشدُّ حُبًّا للهِ منْ هؤلاءِ للهِ، وهذا هوَ الصوابُ.

الثاني:
أنَّ المعنى كَحُبِّ اللهِ الصادرِ من المؤمنينَ،
أيْ: كحُبِّ المؤمنينَ للهِ، فيُحِبُّونَ هذهِ الأندادَ كما يُحِبُّ المؤمنونَ اللهَ عزَّ وجلّ، وهذا وإن احْتَمَلَهُ اللفظُ لكنَّ السياقَ يَأْبَاهُ؛ لأنَّهُ لوْ كانَ المعنى ذلكَ لكانَ مُناقِضًا لِقَوْلِهِ تعالى فيما بَعْدُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ} وكانتْ محبَّةُ المؤمنينَ للهِ أشدَّ؛ لأنَّها محبَّةٌ خالصةٌ ليسَ فيها شركٌ، فمحبَّةُ المؤمنينَ أشدُّ منْ حُبِّ هؤلاءِ للهِ.

فإنْ قيلَ:
قدْ يَنْقَدِحُ في ذِهْنِ الإنسانِ أنَّ المؤمنينَ يُحِبُّونَ هذهِ الأندادَ نظرًا لقولِهِ: {أَشَدُّ حُبًّا للهِ}، فما الجوابُ؟

أُجِيبُ:
أنَّ اللغةَ العربيَّةَ يجري فيها التفضيلُ بينَ شيئيْنِ وأحدُهما
خالٍ منهُ تمامًا، ومنْهُ قولُهُ تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} معَ أنَّ مُستقرَّ أهلِ النارِ ليسَ فيهِ خيرٌ.

-
وقالَ تعالى: {آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} والطرفُ الآخرُ ليسَ فيهِ شيءٌ منْ هذهِ المُوَازَنَةِ، ولكنَّها منْ بابِ مُخَاطَبَةِ الخصمِ بحَسَبِ اعتقادِهِ.

ومناسبةُ الآيةِ لبابِ المحبَّةِ:

مُنِعَ الإنسانُ أنْ يُحِبَّ أحدًا كمحبَّةِ اللهِ؛
لأنَّ هذا من الشركِ الأكبرِ المُخْرِجِ عن الملَّةِ، وهذا يُوجَدُ في بعضِ العِبَادِ وبعضِ الخَدَمِ، فبعضُ العبادِ يُعَظِّمونَ بعضَ القبورِ أو الأوَّلياءِ كمحبَّةِ اللهِ أوْ أشدَّ، وكذلكَ بعضُ الخَدَمِ تجدُهُم يُحِبُّونَ هؤلاءِ الرؤَساءَ أكثرَ ممَّا يُحِبُّونَ اللهَ، ويُعَظِّمونَهُم أكثرَ ممَّا يُعَظِّمونَ اللهَ، قالَ تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}.

(2)
قولُهُ تعالى:
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ}، {آباؤُكُم} اسمُ كانَ، وباقي الآيةِ مرفوعٌ معطوفٌ عليهِ، وخبرُ كانَ {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}، والخطابُ في قولِهِ: (قُلْ) للرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، والمُخَاطَبُ في قولِهِ: {آباؤُكُمْ}، الأُمَّةُ.
والأمرُ في قولِهِ:
{فَتَرَبَّصُوا} يُرادُ بهِ التهديدُ، أي: انْتَظِرُوا عقابَ اللهِ. ولهذا قالَ: {حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ} بإهلاكِ هؤلاءِ الْمُؤْثِرِينَ لمحبَّةِ هؤلاءِ الأصنافِ الثمانيَةِ على محبَّةِ اللهِ ورسولِهِ وجهادٍ في سبيلِهِ.

فدَلَّت الآيةُ على أنَّ محبَّةَ هؤلاءِ،
وإنْ كانتْ منْ غيرِ محبَّةِ العبادةِ، إذا فُضِّلتْ على محبَّةِ اللهِ صار تْ سببًا للعقوبةِ.
ومن هنا نعْرِفُ أنَّ الإنسانَ إذا كانَ يُهْمِلُ أوامرَ اللهِ لأوامرِ والدِهِ، فهوَ يُحِبُّ أباهُ أكثرَ منْ رَبِّهِ.
وما في القلوبِ وإنْ كانَ لا يعلمُهُ إلاَّ اللهُ، لكنْ لهُ شاهدٌ في الجوارحِ، ولذا يُرْوَى عن
الحسنِ رَحِمَهُ اللهُ أنَّهُ قالَ: (ما أسرَّ أحدٌ سريرةً إلاَّ أظهرَها اللهُ تعالى على صَفَحاتِ وجهِهِ وفَلَتَاتِ لسانِهِ) فالجوارحُ مرآةُ القلبِ.

(3)
قولُهُ في حديثِ
أنسٍ: ((لاَ يُؤْمِنُ)) هذا نفيٌ للإيمانِ، ونفيُ الإيمانِ تارةً يُرادُ بهِ نفيُ الكمالِ الواجبِ، وتارةً يُرَادُ بهِ نفيُ الوجودِ، أيْ: نفيُ الأصلِ.
والمنفيُّ في هذا الحديثِ هوَ كمالُ الإيمانِ الواجبُ، إلاَّ إذا خلا القلبُ منْ محبَّةِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إطْلاقًا، فلا شكَّ أنَّ هذا نفيٌ لأصلِ الإيمانِ.
قال في
(فتح المجيد) (ص386): (فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد الكمال الواجب الذي يذم تاركه، ويعرض للعقوبة فقد صدق، وإن أراد أن المنفي هو الكمال المستحب فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم) قاله شيخ الإسلام .
قولُهُ:
((مِنْ وَلَدِهِ)) يشملُ الذَّكرَ والأنثى، وبدأَ بمحبَّةِ الولدِ؛ لأنَّ تعلُّقَ القلبِ بهِ أشدُّ منْ تعلُّقِهِ بأبيهِ غالبًا.
قولُهُ:
((ووالِدِهِ)) يشملُ أباهُ وجدَّهُ وإنْ علا، وأُمَّهُ وجَدَّتَهُ وإنْ عَلَتْ.
قولُهُ:
((وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) يشملُ إخْوَتَهُ وأعمامَهُ وأبنَاءَهُمْ وأصحابَهُ ونفسَهُ؛ لأنَّهُ من الناسِ، فلا يَتِمُّ الإيمانُ حتَّى يكونَ الرسولُ أحبَّ إليهِ منْ جميعِ المخلوقينَ، وإذا كانَ هذا في محبَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فكيفَ بمحبَّةِ اللهِ تعالى؟

ومحبَّةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تكونُ لأمورٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ رسولُ اللهِ، وإذا كانَ اللهُ أحبَّ إليكَ منْ كلِّ شيءٍ فَرَسُولُهُ أحبُّ إليكَ منْ كلِّ مخلوقٍ.
الثاني: لِمَا قامَ بهِ منْ عبادةِ اللهِ وتبليغِ رسالتِهِ.

الثالثُ:
لِمَا آتاهُ اللهُ منْ مكارمِ الأخلاقِ ومحاسنِ الأعمالِ
.

الرابعُ:
أنَّهُ سببُ هِدَايَتِكَ
وتعليمِكَ وتوجيهِكَ.
الخامسُ: لصبرِهِ على الأذى في تبليغِ الرسالةِ.

السادسُ: لبَذْلِ جَهْدِهِ بالمالِ والنفسِ لإعلاءِ كلمةِ اللهِ.

ومناسبَةُ هذا الحديثِ للبابِ:
مناسبَةُ هذا الحديثِ ظاهرةٌ؛ إذْ محبَّةُ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ منْ محبَّةِ اللهِ، ولأنَّهُ إذا كانَ لا يَكْمُلُ الإيمانُ حتَّى يكونَ الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أحبَّ إلى الإنسانِ منْ نفْسِهِ والناسِ أجمعينَ، فمَحبَّةُ اللهِ أَوْلَى وأعظمُ.

(4)
قولُهُ في حديثِ
أنسٍ الثاني: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ)) أيْ: ثلاثُ خِصالٍ، وَ((كُنَّ)) بمعنى وُجِدْنَ فيهِ.
وإعرابُ
((ثلاثٌ)) مبتدأٌ، وجازَ الابتداءُ بها؛ لأنَّها مُفيدةٌ على حدِّ قولِ ابنِ مالكٍ:

ولا يـجــوزُ الابــْتـِدَا بــالـنَّكِرَة ما لمْ تُفِدْ...........
وقولُهُ:
((مَنْ كُنَّ فِيهِ))((مَنْ)) شرطيَّةٌ، و((كُنَّ)) أصلُها (كانَ)، فتكونُ فعلاً ماضيًا ناسخًا، والنونُ اسمُها، و((فِيهِ)) خبرُها.
قولُهُ:
((وَجَدَ بِهِنَّ))((وَجَدَ)) فعلٌ ماضٍ في محلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرطِ، والجملةُ منْ فعلِ الشرطِ وجوابِهِ في محلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ.
وقولُهُ:
((وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوةَ الإيمانِ)) الباءُ للسببيَّةِ، و((حلاوةَ)) مفعولُ ((وجَدَ)) وحلاوةُ الإيمانِ: ما يجدُهُ الإنسانُ في نفسِهِ وقلبِهِ من الطُّمأنينةِ والراحةِ والانشراحِ، وليستْ مُدْرَكَةً باللُّعابِ والفمِ، فالمقصودُ بالحلاوةِ هنا الحلاوةُ القلبيَّةُ.

الخَصْلَةُ الأُولى من الخصالِ الواردةِ في الحديثِ:
قولُهُ:
((أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)) الرسولُ مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكذا جميعُ الرسلِ تَجِبُ محبَّتُهُم.
قولُهُ:
((أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا)) أيْ: أحبَّ إليهِ من الدُّنيا كلِّها، ونفسِه، وولدِهِ، ووالدِهِ، وزوجتِهِ، وكلِّ شيءٍ سِوَاهُمَا.
فإنْ قيلَ: لماذا جاءَ الحديثُ بالواوِ
((اللهُ وَرَسُولُهُ)) وجاءَ الخبرُ لهما جميعًا ((أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا))؟

فالجوابُ:
لأنَّ محبَّةَ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ منْ محبَّةِ اللهِ،
ولهذا جُعِلَ قولُهُ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ، رُكْنًا واحدًا؛ لأنَّ الإخلاصَ لا يَتِمُّ إلاَّ بالمُتَابَعَةِ التي جاءتْ عنْ طريقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.

الخَصْلَةُ الثانيةُ:
قولُهُ: ((وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ)).
قولُهُ:
((وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ)) يشملُ الرجلَ والمرأةَ.

قولُهُ:
((لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ)) اللامُ للتعليلِ، أيْ: منْ أجْلِ اللهِ؛ لأنَّهُ قائمٌ بطاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

حفيدة بني عامر 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م 07:39 PM

(تابع)تهذيب القول المفيد لفضيلة الشيخ:صالح بن عبدالله العصيمي
 
وحُبُّ الإنسانِ للمرءِ لهُ أسبابٌ كثيرةٌ:

-
يُحِبُّهُ للدُّنيا.

-
ويُحِبُّهُ للقرابةِ.

-
ويُحِبُّهُ للزمالةِ.
ويُحِبُّ المرءُ زوجتَهُ للاستمتاعِ، ويُحِبُّ مَنْ أحسنَ إليهِ،
لكنْ إذا أحْبَبْتَ هذا المرءَ للهِ فإنَّ ذلكَ منْ أسبابِ وُجُودِ حلاوةِ الإيمانِ.
الخَصْلةُ الثالثةُ:

قولُهُ:
((وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))هذهِ الصورةُ في كافرٍ أسْلَمَ، فهوَ يَكْرَهُ أنْ يعودَ في الكُفْرِ بعدَ إذْ أنْقَذَهُ اللهُ منهُ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النارِ، وإنَّما ذَكَرَ هذهِ الصورةَ؛ لأنَّ الكافرَ يَأْلَفُ ما كانَ عليهِ أوَّلاً، فرُبَّما يَرْجِعُ إليهِ، بخلافِ مَنْ لا يعرفُ الكفرَ أصلاً، فمَنْ كَرِهَ العَوْدَ في الكفرِ كما يَكْرَهُ القذفَ في النارِ، فإنَّ هذا مِنْ أسبابِ وُجُودِ حلاوةِ الإيمانِ.

(5)
قولُهُ: وَفِي روايةٍ:
((لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ)) أتى المُؤَلِّفُ بهذهِ الروايةِ؛ لأنَّ انتفاءَ وُجْدَانِ حلاوةِ الإيمانِ بالنسبةِ للروايةِ الأولى عنْ طريقِ المفهومِ، وهذهِ عنْ طريقِ المنطوقِ، ودلالةُ المنطوقِ أقْوَى منْ دلالةِ المفهومِ.

(6)
قولُهُ في أَثَرِ
ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: ((مَنْ أَحَبَّ فِي اللهِ)) (مَنْ) شرطيَّةٌ، وفعلُ الشرطِ (أَحَبَّ) وجوابُهُ جُمْلَةُ ((فَإِنَّمَا تُنالُ وَلايةُ اللهِ بذلكَ)).
و(في) يُحْتَمَلُ أنْ تكونَ للظرفيَّةِ؛ لأنَّ الأصلَ فيها الظرفيَّةُ، ويُحْتَمَلُ أنْ تكونَ للسببيَّةِ؛ لأنَّ (في) تأتي أحيانًا للسببيَّةِ، كما في قوْلِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
((دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ)) أيْ: بسببِ هِرَّةٍ.
وقولُهُ:
((فِي اللهِ)) أيْ: مِنْ أجْلِهِ، إذا قُلْنَا: إنَّ (في) للسببيَّةِ، وأمَّا إذا قُلْنَا: إنَّها للظرفيَّةِ فالمعنى: مَنْ أحبَّ في ذاتِ اللهِ، أيْ: في دينِهِ وشرعِهِ لا لعَرَضِ الدُّنيا.
قولُهُ:
((وَأَبْغَضَ فِي اللهِ)) البُغضُ: الكُرهُ، أيْ: أبْغَضَ في ذاتِ اللهِ، فإذا رأى مَنْ يعْصِي اللهَ كَرِهَهُ.
وفرْقٌ بينَ (في) التي للسببيَّةِ و(في) التي للظرفيَّةِ، فالسببيَّةُ الحاملُ لهُ على المحبَّةِ أو البغضاءِ هوَ اللهُ، والظرفيَّةُ موضعُ الحُبِّ أو الكَرَاهَةِ هوَ في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فَيُبْغِضُ مَنْ أبْغَضَهُ اللهُ ويحِبُّ مَنْ أحَبَّهُ.
قولُهُ:
((وَوَالَى فِي اللهِ)) المُوَالاَةُ هيَ المحبَّةُ والنُّصرةُ وما أشبهَ ذلكَ.
قولُهُ:
((وَعَادَى فِي اللهِ)) المُعَادَاةُ ضِدُّ الموالاةِ، أيْ: يَبْتَعِدُ عنهمْ ويُبْغِضُهُمْ ويَكْرَهُهُمْ في اللهِ.
قولُهُ:
((فَإِنَّمَا تُنَالُ وَلاَيَةُ اللهِ بِذَلِكَ)) هذا جوابُ الشرطِ، أيْ: يُدْرِكُ الإنسانُ ولايةَ اللهِ وَيَصِلُ إليها؛ لأنَّهُ جعلَ محبَّتَهُ وبُغْضَهُ ووَلايَتَهُ ومُعَادَاتَهُ للهِ.
وقولُهُ:
((ولايَةُ)) يجوزُ في الواوِ وجهانِ؛ الفتحُ والكسرُ.

قيلَ:
معناهما واحدٌ.

وقيلَ:
بالفتحِ بمعنى النُّصْرَةِ،
قالَ تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}، وبالكسرِ بمعنى الوِلايةِ على الشيءِ.
قولُهُ:
((بِذَلِكَ)) الباءُ للسببيَّةِ، والمشارُ إليهِ: الحبُّ في اللهِ، والبُغْضُ فيهِ، والمُوَالاةُ فيهِ، والمُعادَاةُ فيهِ.
وهذا الأثرُ موقوفٌ، لكنَّهُ بمعنى المرفوعِ؛ لأنَّ ترتيبَ الجزاءِ على العملِ لا يكونُ إلاَّ بتوقيفٍ، إلاَّ أنَّ الأثرَ ضعيفٌ.
فمعنى الحديثِ: أنَّ الإنسانَ لا يَجِدُ طعمَ الإيمانِ وحلاوتَهُ ولذَّتَهُ حتَّى يكونَ كذلكَ، ولوْ كَثُرَتْ صلاتُهُ وصومُهُ، وكيفَ يستطيعُ عاقلٌ فضلاً عنْ مؤمنٍ أنْ يُوَالِيَ أعداءَ اللهِ، فيرى أعداءَ اللهِ يُشْرِكُونَ بربِّهِ، ويكفرونَ بِهِ، ويصِفُونَهُ بالنقائصِ والعيوبِ ثمَّ يُوَالِيهِم ويُحِبُّهم، فهذا لوْ صلَّى وقامَ الليلَ كلَّهُ، وصامَ الدَّهْرَ كلَّهُ، فإنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ ينالَ طعمَ الإيمانِ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ قلبُكَ مملوءًا بمحبَّةِ اللهِ ومُوَالاتِهِ، وعلى العكسِ مِنْ ذلكَ يكونُ مملوءًا ببُغْضِ أعداءِ اللهِ ومُعَادَاتِهِم.
وقالَ
ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

أَتُحِبُّ أعداءَ الحبيبِ وتدَّعِي حُبًّا لــهُ مــا ذاكَ فـي إمـــكــانِ
وقالَ الإمامُ
أحمدُ رَحِمَهُ اللهُ: (إذا رأيْتُ النَّصْرَانِيَّ أُغْمِضُ عَيْنَيَّ؛ كراهةَ أنْ أرى بعينَيَّ عدوَّ اللهِ).
هذا الذي يَجِدُ طعمَ الإيمانِ، أمَّا والعياذُ باللهِ الذي يرى أنَّ اليهودَ أو النصارى على دينٍ مَرْضِيٍّ ومقبولٍ عندَ اللهِ بعدَ بعثةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ فهوَ خارجٌ عن الإسلامِ، مُكَذِّبٌ بقولِ الله:
{وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} وقولِهِ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ}.

-
وقولِهِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
ولكثرةِ اليهودِ والنصارى والوثنيِّينَ صارَ في هذه المسألةِ خطرٌ على المجتمعِ، وأصبحَ كثيرٌ من الناسِ الآنَ لا يُفَرِّقُ بينَ مسلمٍ وكافرٍ، ولا يدريْ أنَّ غيرَ المسلمِ عدوٌّ للهِ عزَّ وجلَّ، بلْ هوَ عدوٌّ لهُ أيضًا؛ لقوْلِهِ تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} فهمْ أعداءٌ لنا ولوْ تظاهَرُوا بالصداقةِ.

-
قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوُا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
فالآنَ أصْبَحْنَا في محنةٍ وخطرٍ عظيمٍ؛ لأنَّهُ يُخشَى على أبنائِنا وأبناءِ قَوْمِنا أنْ يَرْكَنُوا إلى هؤلاءِ ويُوَادُّوهُم ويُحِبُّوهم؛ ولذلكَ يَجِبُ أنْ تُخَلَّصَ هذهِ البلادُ بالذَّاتِ منهُمْ، فهذهِ البلادُ قالَ فيها الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
((لأَُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لاَ أَدَعَ إِلاَّ مُسْلِمًا)).

-
وقالَ: ((أَخْرِجُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ)).

-
وقالَ: ((أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ)) وهذا كلُّهُ منْ أجلِ أنْ لا يَشْتَبِهَ الأمرُ على النَّاسِ، ويختلطَ أولياءُ اللهِ بأعدائِهِ.
قولُهُ:
((وَقَدْ صارَتْ عامَّةُ مُؤَاخَاةِ الناسِ علَى أَمْرِ الدُّنْيا، وذَلِكَ لا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئًا)).
قولُهُ:
((عامَّةُ)) أيْ: أغلبيَّةُ.
وقولُهُ: (مُؤَاخَاةِ الناسِ) أيْ: مودَّتِهمْ ومُصَاحَبَتِهمْ، أيْ: أكثرُ مُوَدَّةِ الناسِ ومُصَاحبَتِهِم على أمرِ الدُّنيا، وهذا قالَهُ
ابنُ عبَّاسٍ وهو بعيدُ العهدِ منَّا، قريبُ العهدِ من النُّبُوَّةِ، فإذا كانَ الناسُ قدْ تغيَّرُوا في زمنِهِ فما بالُكَ بالناسِ اليومَ؟
فقدْ صارتْ مؤاخاةُ الناسِ إلاَّ النادرَ على أمرِ الدنيا، بلْ صارَ أعظمَ منْ ذلكَ، يبيعونَ دينَهم بدُنْيَاهُم، قالَ تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ولمَّا كانَ غالبُ ما يَحْمِلُ على الخيانةِ هوَ المالَ وحُبَّ الدُّنيا أعقَبَها بقوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
ويُستفادُ منْ أثرِ
ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: (أنَّ للهِ تعالى أولياءَ) وهوَ ثابتٌ بنصِّ القرآنِ، قالَ تعالى: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}.

-
وقالَ تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} فَلِلَّهِ أولياءُ يتوَلَّوْنَ أمرَهُ، ويُقِيمونَ دينَهُ، وهوَ يتوَلاَّهُمْ بالمعونةِ والتسديدِ والحفظِ والتوفيقِ، والميزانُ لهذهِ الولايةِ قولُهُ تعالى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
قالَ
شيخُ الإسلامِ: (مَنْ كانَ مؤمنًا تقيًّا كانَ للهِ وَلِيًّا).
والولايةُ سَبَقَ أنَّها النُّصْرَةُ والتأييدُ والإعانةُ.

والولايةُ تنقسمُ إلى:
-ولايةٍ من اللهِ للعبدِ

-وولايةٍ من العبدِ للهِ.

فمِن الأُولَى:
قولُهُ تعالى: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}.

ومن الثانيةِ:
قولُهُ تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا...}.

والولايةُ التي مِن اللهِ إلى العبدِ تنقسمُ إلى:
عامَّةٍ، وخاصَّةٍ
.

فالولايةُ العامَّةُ هيَ:
الولايةُ على العبادِ بالتدبيرِ والتصريفِ،
وهذهِ تشملُ المؤمنَ والكافرَ وجميعَ الخلقِ، فاللهُ هوَ الذي يتوَلَّى عبادَهُ بالتدبيرِ والتصريفِ والسلطانِ وغيرِ ذلكَ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}.
والولايةُ الخاصَّةُ: أنْ يتولَّى اللهُ العبدَ بعنايَتِهِ وتَوْفِيقِهِ وهدايتِهِ، وهذهِ خاصَّةٌ بالمؤمنينَ، قالَ تعالى: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}.

-
وقالَ: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.

(7)
قولُهُ: (وقالَ ابنُ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ تَعالى:
{وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}، قالَ: المودَّةُ)يشيرُ إلى قوْلِهِ تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}.

الأسبابُ:
جمعُ سببٍ، وهوَ كلُّ ما يُتَوَصَّلُ بِهِ إلى شيءٍ، وفي اصطلاحِ الأُصُوليِّينَ: ما يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الوجودُ، ومِنْ عدمِهِ العدمُ.
فكلُّ ما يُوصِلُ إلى شيءٍ فهو سببٌ، قالَ تعالى:
{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ} ومنهُ سُمِّيَ الحبلُ سببًا؛ لأنَّ الإنسانَ يتوَصَّلُ بهِ إلى استخراجِ الماءِ من البئرِ.
وقولُهُ:
((قالَ: المودَّةُ)) هذا الأثرُ ضعَّفَهُ بعضُهُم، لكنَّ معناهُ صحيحٌ؛ فإنَّ جميعَ الأسبابِ التي يتعَلَّقُ بها المشركونَ؛ لِتُنْجِيَهُم تتَقَطَّعُ بهِم، ومنها: محَبَّتُهُم لأصنامِهِم، وتعظِيمُهُم إيَّاها، فإنَّها لا تنفَعُهم.
ولعلَّ
ابنَ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنْهُما أخذَ ذلكَ منْ سياقِ الآياتِ، فقدْ قالَ اللهُ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ}.
ثُمَّ قالَ تعالى:
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} وبهِ تعرفُ أنَّ مُرَادَهُ المَوَدَّةُ الشِّرْكِيَّةُ، فأمَّا المَوَدَّةُ الإيمانيَّةُ كمَوَدَّةِ اللهِ تعالى، ومودَّةِ ما يُحِبُّهُ من الأعمالِ والأشخاصِ، فإنَّها نافعةٌ مُوَصِّلَةٌ للمُرَادِ، قالَ اللهُ تعالى: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ}.

(8)
فيهِ مَسائِلُ:

الأولى:
(تَفْسِيرُ آيةِ البَقَرَةِ)
وهيَ قولُهُ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} وسبقَ ذلكَ.

(9)
الثانيةُ: (تفسيرُ آيةِ بَرَاءةٌ)
وهيَ قولُهُ تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ...} الآيةَ، وسبقَ تفسيرُها.

(10)
الثالثةُ:
(وُجوبُ مَحَبَّتِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ علَى النَّفْسِ والأهلِ والمالِ) وفي نُسْخَةٍ: (وتقديمُها على النفسِ والأهلِ والمالِ) ولعلَّ الصوابَ وُجُوبُ تقديمِ محَبَّتِهِ كما هوَ مقتضى الحديثِ، وأيضًا قولُهُ: (على النَّفْسِ) يدلُّ على أنَّها قدْ سَقَطَتْ كلمةُ (تقديمُ) أوْ (وتقديمُها).
وتُؤْخَذُ منْ حديثِ
أنسٍ السابقِ، ومنْ قولِهِ تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ... أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} فذكرَ الأقاربَ والأموالَ.

(11)
الرابعةُ: (أنَّ نفْيَ الإيمانِ لا يَدُلُّ علَى الخروجِ مِن الإسلامِ)
سبقَ أنَّ المحبَّةَ كَسْبِيَّةٌ، وذكَرْنَا في ذلكَ حديثَ عمرَ رضيَ اللهُ عنْهُ لمَّا قالَ للرَّسُولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (واللهِ إنَّكَ لأحَبُّ إليَّ مِنْ كلِّ شَيءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِي).
فقالَ لهُ:
((وَمِنْ نَفْسِكَ)).
فقالَ:
(الآنْ أنتَ أحبُّ إليَّ مِنْ نَفْسِي).
وقولُهُ: (الآنَ) يدلُّ على حدوثِ هذه المحبَّةِ، وهذا أمرٌ ظاهرٌ.
وفيهِ أيضًا أنَّ نفْيَ الإيمانِ المذكورِ في قولِهِ:
((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ...)) لا يدلُّ على الخروجِ من الإسلامِ؛ لقولِهِ في الحديثِ الآخَرِ: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ)) لأنَّ حلاوةَ الإيمانِ أمرٌ زائدٌ على أصلِهِ، أيْ: أنَّ الدليلَ مُرَكَّبٌ من الدليليْنِ.

ونفيُ الشيءِ لهُ ثلاثُ حالاتٍ:
فالأصلُ أنَّهُ نفيٌ للوجودِ، وذلكَ مثلُ: (لا إيمانَ لعابدِ صنمٍ).
فإنْ منَعَ مانِعٌ منْ نفيِ الوجودِ فهوَ نفيٌ للصحَّةِ، مثلُ:
((لاَ صَلاَةَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ)) فإنْ منعَ مانعٌ مِنْ نفيِ الصحَّةِ فهوَ نفيٌ للكمالِ، مثلُ: ((لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ)).
فقولُهُ:
((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ)) نفيٌ للكمالِ الواجبِ لا المُسْتَحَبِّ.
قالَ شيخُ الإسلامِ
ابنُ تيمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ: (لا يُنفَى الشيءُ إلاَّ لانتفاءِ واجبٍ فيِهِ ما لمْ يَمْنَعْ مِنْ ذلكَ مانعٌ).

(12)
الخامسةُ: ((أنَّ للإيمانِ حَلاوةً قَدْ يَجِدُها الإنسانُ، وقَدْ لا يَجِدُها))
تُؤخَذُ منْ قولِهِ: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ)) وهذا دليلُ انتفاءِ الحلاوةِ إذا انْتَفَتْ هذهِ الأشياءُ.

(13)
السادسةُ:((أعمالُ القلْبِ الأرْبعَةُ التي لا تُنالُ وَلايةُ اللهِ إلاَّ بِها، ولا يَجِدُ أحَدٌ طَعْمَ الإيمانِ إلاَّ بِها))
وهيَ الحبُّ في اللهِ، والبُغْضُ في اللهِ، والوَلاءُ في اللهِ، والعداءُ في اللهِ.
لا تُنالُ ولايةُ اللهِ إلاَّ بها، ولوْ صلَّى الإنسانُ وصامَ ووَالَى أعداءَ اللهِ فإنَّهُ لا يَنَالُ ولايةَ اللهِ، قالَ
ابنُ القيِّمِ:

أَتُحِبُّ أعداءَ الحبيبِ وتدَّعِي حُبًّا لــهُ مــا ذاكَ فـي إمـــكــانِ
وهذا لا يَقْبَلُهُ حتَّى الصبيانُ أَنْ تُوَالِيَ مَنْ عادَاهُمْ.
وقولُهُ:
((وَلاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ إِلاَّ بِهَا)) مأخوذةٌ منْ قولِ ابنِ عبَّاسٍ: ((وَلَنْ يجدَ عبدٌ طعمَ الإيمانِ...)) إلخ.

(14)
السابعةُ: (فَهْمُ الصحابيِّ للواقِعِ: إِنَّ عامَّةَ المُؤَاخَاةِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيا)
الصحابيُّ يعني بهِ ابنَ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا.
وقولُهُ: (إنَّ عامَّةَ المُؤَاخَاةِ على أمْرِ الدُّنْيَا) هذا في زمنِهِ فكيفَ بزَمَنِنا؟!

(15)
الثامنةُ: تفسيرُ قوْلِهِ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}
فَسَّرَها بالمَوَدَّةِ، وتفسيرُ الصحابيِّ إذا كانت الآيةُ منْ صِيَغِ العُمومِ تفسيرٌ بالمثالِ؛ لأنَّ العبرةَ في نصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ بعُمُومَاتِهَا، فإذا ذُكِرَ فَرْدٌ منْ أفرادِ هذا العمومِ فإنَّما يُقصَدُ بهِ التمثيلُ، أيْ: مثلُ الموَدَّةِ؛ لكنْ حتَّى الأسْبَابُ الأخرى التي يتقَرَّبُونَ بها إلى اللهِ ولَيْسَتْ بصحيحةٍ فإنَّها تَنْقَطِعُ بهمْ ولا يَنَالُونَ منْها خيرًا.

(16)
التاسعةُ: (أنَّ مِن الْمُشْرِكِينَ مَنْ يُحِبُّ اللهَ حُبًّا شَديدًا)
تُؤْخَذُ منْ قولِهِ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} وهُمْ يُحِبُّونَ الأصنامَ حُبًّا شديدًا، وتُؤْخَذُ منْ قولِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ} فأشدُّ: اسمُ تفضيلٍ يدُلُّ على الاشتراكِ في المعنى معَ الزيادةِ، فقد اشتركوا في شِدَّةِ الحبِّ، وزادَ المؤمنونَ بكَوْنِهِمْ أشدَّ حبًّا للهِ منْ هؤلاءِ لأصْنَامِهِم.

(17)
العاشرةُ: (الوعيدُ عَلَى مَنْ كانَت الثمانيةُ أحبَّ إليهِ مِنْ دينِهِ)
الثمانيةُ هيَ المذكورةُ في قولِهِ تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا}.

والوعيدُ
في قولِهِ: {فَتَرَبَّصُوا} فأفادَ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى أنَّ الأمرَ هنا للوعيدِ.

(18)
الحاديةَ عشْرةَ: (أنَّ مَن اتَّخَذَ نِدًّا تُسَاوِي مَحَبَّتُهُ مَحَبَّةَ اللهِ فَهُوَ الشِّرْكُ الأكْبَرُ)
لقولِهِ تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} ثُمَّ بيَّنَ في سياقِ الآياتِ أنَّهُمْ مُشْرِكُونَ شِرْكًا أكبرَ، بدليلِ ما لَهُم مِن العذابِ.


حفيدة بني عامر 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م 07:40 PM

شرح فضيلة الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)
 

هذا الباب والأبواب التي بعده،
شروع من الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في ذكر العبادات القلبية، وما يجب من أنْ تكون تلك العبادات لله جل وعلا.

فهذا في ذكر واجبات التوحيد ومكمّلاته، وبعض العبادات القلبية، وكيف يكون إفراد الله -جل وعلا- بها؟

وابتدأها بباب المحبة:
وأنَّ العبد يجب أن يكون الله -جل وعلا- أحبَّ إليه من كل شيء، حتى من نفسه، وهذه المحبة المراد منها




محبة العبادة، وهي المحبة التي فيها تعلق بالمحبوب بما يكون معه امتثال للأمر رغبةً واختياراً، ورغب إلى المحبوب، واجتناب النهي رغبةً واختياراً.

فمحبة العبادة هي المحبة التي تكون في القلب.

-




يكون معها الرغب والرهب.

-


يكون معها الطاعة.

-


يكونُ معها السعي في مراضي المحبوب، والبعد عما لا يحب المحبوب، والموحِّد ما أتى للتوحيد؛ إلا بشيء وقر في قلبه من محبة الله جل وعلا؛ لأنه دلته ربوبية الله جل وعلا.

-


وأنه الخالق وحده.

-


وأنه ذو الملكوت وحده.

-


وأنه ذو الفضل والنعمة على عباده وحده، من أنه محبوب.

-


وأنه يجب أن يحب.

وإذا أحب العبد ربه فإنه يجب عليه أن يوحد الله بأفعاله - يعني: أفعال العبد- حتى يكون محباً له على الحقيقة.

لذلك نقول: (المحبة التي هي من العبادة، هي المحبة التي يكون فيها اتباع للأمر والنهي، ورغب ورهب).
ولهذا قال طائفة من أهل العلم: المحبة المتعلقة بالله ثلاثة أنواع:
محبة الله على النحو الذي وصفنا،




هذا النوع من العبادات الجليلة، ويجب إفراد الله -جل وعلا- بها.

والنوع الثاني: محبة في الله، وهو أن يحب الرسل في الله عليهم الصلاة والسلام، وأن يحب الصالحين في الله، أن يحب في الله، وأن يبغض في الله.

والنوع الثالث: محبة مع الله، وهذه محبة المشركين لآلهتهم، فإنهم يحبونها مع الله جل وعلا، فيتقربون إلى الله رغباً ورهباً نتيجة محبة الله، ويتقربون إلى الآلهة رغباً ورهباً نتيجةً لمحبتهم لتلك الآلهة، ويتضح المقام بتأمل حال المشركين، وعبدةِ الأوثان، وعبدة القبور في مثل هذه الأزمنة.
فإنك تجد المتوجه لقبر الولي في قلبه من محبة ذلك الولي، وتعظيمه، ومحبة سدنة ذلك القبر، ما يجعله في رغب ورهب، وفي خوف، وفي طمع، وفي إجلال حين يعبد ذلك الولي، أو يتوجه إليه بأنواع العبادة؛ لأجل تحصيل مطلوبه.
فهذه هي محبة العبادة




التي صرفها لغير الله -جل وعلا- شرك أكبر به.

- بل هي عماد الدين.

-




بل هي عماد صلاح القلب، فإن القلب لا يصلح؛ إلا بأن يكون محباً لله جل وعلا، وأن تكون محبته لله -جل وعلا- أعظمَ من كل شيء.

فالمحبة محبة الله وحده، هذه، يعني: محبة العبادة، هذه من أعظم أنواع العبادات، وإفراد الله بها واجب، والمحبة مع الله، محبة العبادة، هذه شركية، من أحب غير الله -جل وعلا- مع محبة العبادة؛ فإنه مشرك الشرك الأكبر بالله جل وعلا، هذه الأنواع الثلاثة هي المحبة المتعلقة بالله.

أما النوع الثاني من أنواع المحبة: وهي المحبة المتعلقة بغير الله من جهة المحبة الطبيعية، وهذا أَذن فيه الشرع وجائز؛ لأن المحبة فيها ليست محبة العبادة والرغب والرهب الذي هو من العبادة، وإنما هي محبةٌ للدنيا، وذلك:
-




كمحبة الوالد لولده.

-


والولد لوالده.

-


والرجل لزوجته.

-


والأقارب لأقربائهم.

-


والتلميذ لشيخه.

-


والمعلم لأبنائه.

- ونحو ذلك من الأحوال، هذه محبة طبيعية لا بأس بها بل الله -جل وعلا- جعلها غريزة.

قال الإمام رحمه الله: (باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله}) قوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً}أنداداً: يعني أشباهاً ونظراء وأكفاء، يعني: يساوونه في المحبة، لهذا قال: {يحبونهم كحب الله}.
وأحد وجهي التفسير:




في قوله: {يحبونهم كحب الله} يعني يحب المشركون الأنداد كحب المشركين لله.

والوجه الثاني من التفسير:


أن قوله {يحبونهم كحب الله} معناه: يحب المشركون الأنداد كحب المؤمنين لله.

والوجه الأول أظهر، و(الكاف) فيه هنا؛ في قوله: (كحب الله) بمعنى: مثل، يعني يحبونهم مثل حب الله، وهي كاف المساواة، ومثلية المساواة، ولهذا قال -جل وعلا- في سورة الشعراء،مخبراً عن قول أهل النار: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين، إذ نسويكم برب العالمين}.

قال العلماء: (سووهم برب العالمين في المحبة بدليل هذه الآية، ولم يسووهم برب العالمين في الخلق والرزق وأفراد الربوبية).
قال: (وقوله: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم... -إلى قوله- أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}) هذا يدل على أنَّ محبة الله -جل وعلا- واجبة، وأنَّ محبة الله يجب أن تكون فوق كلِّ محبوب، وأن يحب الله أعظم من محبته لأي شيء، قال جل وعلا: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم...} إلى أن قال: {أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} وهذا وعيد، فيدل على أنَّ تقديم محبة غير الله على محبة الله كبيرة من الكبائر، ومحرَّم من المحرمات؛ لأنَّ الله توعد عليه، وحكم على فاعله بالفسق والضلال؛ فالواجب لتكميل التوحيد أن يحب العبد الله ورسوله فوق كل محبوب.
ومحبة النبي -عليه الصلاة والسلام- هي محبةٌ في الله، ليست محبة مع الله؛




بل هي محبة في الله؛ لأن الله هو الذي أمرنا بحب النبي عليه الصلاة والسلام، ومحبته إذاً في الله، يعني: في الله لأجل محبة الله؛ فإن من أحب الله -جل وعلا- أحب رسله.

قال: (عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))).

قوله: ((لا يؤمن أحدكم)) يعني الإيمان الكامل، وقوله: ((حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) يعني: أن يكون محابّي مقدمة على محابِّ غيري؛ فحتى أكون في نفسه أحب إليه وأعظم في نفسه من ولده ووالده والناس أجمعين.
وفي حديث عمر المعروف أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام: ((إلا من نفسي، فقال: يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر: أنت الآن أحب إلي من نفسي، قال: فالآن يا عمر)) يعني: كمَّلت الإيمان.
فقوله: ((لا يؤمن أحدكم)) يعني: الإيمان الكامل، حتى يقدم محبة النبي عليه الصلاة والسلام، على محبة الولد، والوالد، والناس أجمعين، ويظهر هذا بالعمل.
فإذا كان يقدم محاب هؤلاء على ما فيه مرضاة الله جل وعلا، وعلى ما أمر به عليه الصلاة والسلام، فإن محبته للنبي -عليه الصلاة والسلام- تكون ناقصة؛ لأن المحبة محركة؛ كما قال شيخ الإسلام في كتابه (قاعدة في المحبة) يقول: (المحبة هي التي تحرك، فالذي يحب الدنيا يتحرك إلى الدنيا، والذي يحب العلم يتحرك للعلم، الذي يحب الله -جل وعلا- محبة عبادة ورغب ورهب، يتحرك طالباً لمرضاته، ويتحرك مبعداً عما فيه مساخط الرب جل وعلا.
كذلك الذي يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- على الحقيقة، فإنه الذي يسعى في اتباع سنته، وفي امتثال أمره، وفي اجتناب نهيه، والاهتداء بهديه، والاقتداء بسنته عليه الصلاة والسلام).
قال:




(ولهما عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار))] والاستدلال به ظاهر على أن محبة الله ورسوله يجب أن تكون مقدمة على محبة ما سواهما، وأنها من كمال الإيمان، وأنَّ العبد لن يجد كمال الإيمان إلا بذلك.

قال: (وفي رواية: ((لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى …))) إلى آخره، المقصود بالحلاوة هنا: الحلاوة الناتجة عن تحصيل كماله؛ لأن الإيمان له حلاوة، حلاوة توجد في الروح، وكلما سعى العبد في تكميل إيمانه كلما اشتدَّ وجده لهذه الحلاوة، واشتد شعوره بتلك الحلاوة واللذة التي تكون في القلب.

قال: (وعن ابن عباس قال: من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تُنَال وَلاَية الله بذلك) هذه محبة في الله، راجعة إلى الأمر والنهي، وهي من أقسام المحبة.
(أحبَّ في الله)




يعني: كانت محبته لذلك المحبوب لأجل أمر الله.

(أبغض في الله) يعني: كان بغضه لذلك المبغض لأجل أمر الله.

(ووالى في الله)




: كانت موالاته للعقد الذي بينه وبين ذاك في الله -جل وعلا- من أخوة إيمانية.

قال: (وعادى في الله) يعني: لما حصل بينه وبين ذاك الذي خالف أمر الله إما بكفرٍ أو بما دونه.

قال: (فإنما تنال ولاية الله بذلك) يعني: إنما يكون العبد ولياً من أولياء الله بهذا الفعل، وهو أن يوالي في الله، وأن يعاديَ في الله جل وعلا، والوَلاية بالفتح: هي المحبة والنصرة، والى ولاية: يعني أحب محبة، ونصر نصرة.
وأما الوِلاية بالكسر: فهي المُلك والإمارة، قال جل وعلا: {هنالك الولاية لله الحق} يعني: المحبة والنصرة إنما هي لله -جل وعلا- وليست لغيره، والوِلاية بالكسر: هي الإمارة ونحو ذلك.
فقوله (فإنما تنال ولاية الله بذلك) يعني: تنال محبة الله ونصرته بذلك، بأن يأتي بالمحبة في الله والبغض في الله.
قال: (ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه، حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً) المؤاخاة والمحبة في الدنيا هذه تراد للدنيا، والدنيا قصيرة زائلة، وإنما يغتر بها أهل الغرور، وأما أهل المعرفة بالله، والعلم بالله، وأهل كمال توحيده، وأهل إكمال الإيمان، وتحقيق التوحيد، فإنما تكون محابهم ومشاعرهم القلبية، وأنواع العلوم والمعارف التي تكون في القلب، وأنواع العبادات، والمقامات، والأحوال التي تكون في القلب، يكون ذلك كله تبعاً لأمر الله ونهيه، ورغبة في الآخرة.
أما الدنيا فلها أهلون،




وهي مرتحلة عنهم، وهم مقبلون على أمر آخرتهم، ولذلك لن تجدي المحبة في الدنيا على أهلها شيئاً، إنما الذي يجدي هو الحب في الله، والرغب في الآخرة.

قال: (وقال ابن عباس في قوله: {وتقطعت بهم الأسباب} قال: المودة) لأن المشركين كانوا يشركون بآلهتهم ويحبونها، ويظنون أنها ستشفع لهم يوم القيامة؛ لأجل مودتهم لها ومحبتهم لها، وستتقطع تلك الأسباب، وتلك الحبال المدّعاة الموهومة يوم القيامة، ولن يجدوا نصيراً، والله -جل جلاله- قال: {وتقطعت بهم الأسباب} يعني: كل ما ظنوه سبباً نافعاً ينفعهم عند الله؛ فإنه سينقطع يوم القيامة: {إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب}.

حفيدة بني عامر 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م 07:40 PM

تخريج أحاديث منتقدة لفضيلة الشيخ : فريح البهلال
 
بابُ قولِ اللهِ تَعالَى:

{ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادأً يحبونهم كحبِّ الله}
وعنِ
ابنِ عبَّاسٍ قالَ: ((مـَنْ أحبَّ في اللهِ وأبغَضَ في اللهِ …))الأثرُ، رواهُ ابنُ جريرٍ.

لم أقفْ عليهِ عندَ
ابنِ جريرٍ، وعزَاهُ السّيوطيُّ لابنِ أبي شيبةَ والحكيمِ التّرمذيِّ في (نوادرِ الأصولِ) وابنُ أبي حاتمٍ عن ابنِ عبَّاسٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُما - قالَ: ((أحبَّ في اللهِ وأبغِضْ في اللهِ وعادِ في اللهِ ووَالِ في اللهِ؛ فإنَّمَا تُنالُ ولايةُ اللهِ بذلِكَ ثمَّ قرأَ {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون} الآية)) اهـ. هكذَا مختصراً.
وأخرجَهُ
ابنُ المبارَكِ بطولِهِ: قالَ: أخبرَنَا سفيانُ عن ليثٍ عن مجاهدٍ عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: ((أحبَّ للهِ وأبغِضْ للهِ …))الأثرَ.
و
ليثٌ هو ابنُ سليمٍ وفيه مقالٌ.
وأخرجَهُ
أبو نعيمٍ من طريقِ حمَّادِ بنِ زيدٍ وزائدةَ بنِ قدامةَ وزهيرِ بنِ معاويةَ وسفيانَ الثَّوريِّ قالُوا: عن ليثِ بنِ أبي سليمٍ عن مجاهدٍ عن ابنِ عمرَ قالَ: قالَ لي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أحبَّ في اللهِ وأبغِضْ في اللهِ…)) الخ، بنحوِ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ عندَ ابنِ المبارَكِ.

وأخرجَهُ
الطَّبرانيُّ من طريقِ سفيانَ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن ابنِ عمرَ، قالَ: قالَ لي: أحبَّ في اللهِ…الأثرُ.
هكذا والظَّاهرُ أنَّهُ غيرُ موقوفٍ؛ لأنَّ لفظَهُ مثلُ لفظِ روايةِ الجماعةِ ومعهُمْ
سفيانُ، فلعلَّهُ سقطَ منه لفظُ: (النـَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) من بعضِ النُّسَّاخِ. واللهُ أعلمُ.
فالحديثُ عندَ
ابنِ المباركِ وأبي نعيمٍ والطَّبرانيِّ مدارُهُ على ليثِ بنِ أبي سليمٍ. وقدْ قالَ ابنُ عديٍّ بعدَ أن أخرجَ له عدَّةَ أحاديثَ: (لهُ من الحديثِ أحاديثُ صالحةٌ غيرَ ما ذكرْتُ، وقد رَوَى عنه شعبةُ والثَّوريُّ وغيرُهُمَا من ثقاتِ النَّاسِ، ومع الضَّعفِ يُكْتَبُ حديثُهُ) اهـ.
قلْتُ:
ليثٌ لم يتفرَّدْ بهِ، بل قدْ تابعَهُ عليه الأعمشُ، قالَ أبو نعيمٍ: (ورواهُ الحسنُ بنُ الحرِّ وفضيلُ بنُ عياضٍ وجريرُ وأبو معاويةَ في آخرين عن ليثٍ.
ورواه
الأعمشُ عن مجاهدٍ عن ابنِ عمرَ نحوَهُ)
اهـ.
ولهُ شاهدانِ صحيحانِ:

الأوَّلُ: جاءَ من حديثِ أبي أمامة رَضِي اللهُ عَنْهُ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ:((مـَنْ أحبَّ في اللهِ وأبغَضَ للهِ وأعطَى للهِ ومنعَ للهِ فقدِ استكملَ الإِيمانَ)).
أخرجَهُ
أبو داودَ، والطَّبرانيُّ، والبيهقيُّ، والبغويُّ، وأبو القاسمِ الأصبهانيُّ.

من طريقِ
يحيى بنِ الحارثِ الذِّماريِّ عن القاسمِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ الدّمشقيِّ عن أبي أمامةَ بهِ.

القاسمُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ
قد اختلفَ فيهِ أهلُ العلمِ بينَ موثِّقٍ ومضعِّفٍ إلا أنَّهُ قالَ فيهِ أبو حاتمٍ الرَّازيُّ: (حديثُ الثِّقاتِ عنه مستقيمٌ لا بأسَ بهِ، وإنَّمَا ينكِرُ عليهِ الضُّعفاءُ) اهـ.
وهذا الحديثُ رواهُ عنه
يحيى بنُ الحارثِ الذّماريُّ وهو ثقةٌ، قالَهُ الحافظُ في (التَّقريبِ).
وقد رمزَ لصحَّتِهِ
السّيوطيُّ، وقالَ الألبانيُّ في (صحيحِ أبي داودَ): صحيحٌ.

والثَّانِي:
جاءَ من حديثِ معاذِ بنِ أنسٍ الجُهَنيِّ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((منْ أعطَى للهِ تعالى، ومنعَ للهِ، وأحبَّ للهِ وأبغضَ للهِ وأنكحَ للهِ فقدِ استكملَ إيمانَهُ)).
أخرجَهُ
أحمدُ، والتّرمذيُّ، والحاكمُ.

من طريقِ
عبدِ اللهِ بنِ يزيدَ عن سعيدِ بنِ أبي أيوبَ أبي يحيى عن أبي مرحومٍ عبدِ الرَّحيمِ بنِ ميمونٍ عن سهلِ بنِ معاذٍ الجهنيِّ عن أبيهِ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ…الحديثَ.
قالَ
التّرمذيُّ: (هذا حديثٌ حسنٌ).
وقالَ
الحاكمُ: (هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشَّيخينِ) وأقرَّهُ الذَّهبيُّ.
وأخرجَهُ
أحمدُ أيضاً: (ثنا حسنٌ ثنَا ابنُ لهيعةَ عن زبانَ عن سهلِ بنِ معاذٍ به).


حفيدة بني عامر 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م 07:42 PM

العناصر
 

مناسبة باب قول الله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً..) لكتاب التوحيد

بيان أهمية باب (قوله تعالى ومن الناس...) ومناسبته لما قبله

تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً) الآية

- مناسبة قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً...) لموضوع الباب (المحبة)
- تعريف المحبة
- ذكر الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى للعبد
- بيان أقسام المحبة، وأحكامها
- اتباع النبي صلى الله عليه وسلم دليل صدق محبته
- معنى قوله: (والذين آمنوا أشد حباً لله)، ونوع التفضيل فيها
- المحبة تستلزم موافقة المحبوب
تفسير قوله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم) الآية
- منزلة محبة الله تعالى من أعظم المنازل
- فضل المحبة في الله، وندرة المحبين فيه
- أنواع المحبة المتعلقة بالله تعالى وأحكامها
- حكم المحبة الطبيعية
شرح حديث أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (لا يؤمن أحدكم حتى...)

- مناسبة حديث أنس (لا يؤمن أحدكم..) للباب
- بيان معنى قوله: (لا يؤمن أحدكم)، وحكم تقديم محبة شيء دنيوي على محبة الرسول
- بيان أسباب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
- نوع العطف في قوله: (والناس أجمعين)
- ذكر بعض ما يستفاد من حديث أنس (لا يؤمن أحدكم..) الحديث
- معنى نفي الإيمان في الحديث
- لا يُتوعد بنفي الإيمان إلا على أمر واجب
شرح حديث أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (ثلاث من كن فيه...)

- معنى قوله: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان)، والحكمة في التعبير بالحلاوة
- بيان المراد بالحب في قوله: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه)، والرد على تفسير البيضاوي له
- الجواب عن جمع النبي ضمير الرب والرسول بقوله (مما سواهما)، مع إنكاره ذلك في غير هذا الموضع
- بيان معنى قوله: (وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله)
- بيان الحكمة في ترتيب حصول الحلاوة على المحبة
- بيان معنى قوله: (كما يكره أن يقذف في النار)
- تخريج رواية (لا يجد أحد حلاوة الإيمان..)، وذكرها بتمامها
- السبب في إتيان المؤلف برواية (لا يجد أحد حلاوة..)
- ذكر جملة من فوائد حديث (ثلاث من كن فيه..)
شرح أثر ابن عباس رضي الله عنهما: (من أحب في الله...)

- تخريج أثر ابن عباس
- بيان معنى الولاية، وأقسامها
- بيان خطر موالاة أعداء الله
شرح أثر ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: (وتقطعت بهم الأسباب)

- تخريج الأثر
- بيان معنى المودة
- قاعدة في تفسير الصحابي
شرح مسائل الباب.

حفيدة بني عامر 27 شوال 1429هـ/27-10-2008م 07:43 PM

الأسئله
 
الأسئله

س1: ما مناسبة إيراد باب قول الله تعالى:
{ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم...} لكتاب التوحيد؟

س2: اذكر أقسام محبة العبد لغير الله تعالى وحكم كل قسم.
س3: اذكر أقوال المفسرين في تفسير قوله - تعالى -: {يحبونهم كحب الله}، وبين أثر هذا الخلاف في تفسير قوله: {والذين آمنوا أشد حباً لله}.
س4: تحدث - باختصار- عن فشو الشرك في المحبة في أكثر الخلق مستشهداً عليه بما يحضرك من الأدلة.
س5: ما المراد بالإيمان المنفي في حديث: ((لا يؤمن أحدكم))؟
س6: بين وجه المناسبة بين حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه...)) وباب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً}.
س7: ما الخصال التي يجد بها الإنسان حلاوة الإيمان؟
س8: لم جاء المصنف - رحمه الله - برواية ((لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى)) بعد رواية: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان...))؟
س9: ما نوع (في) في قولنا: ((الحب في الله، والبغض في الله...))؟
س10: بين وجه ارتباط الولاء والبراء بإخلاص المحبة لله تعالى.
س11: اذكر أنواع موالاة الكفار وحكم كل نوع.
س12: بين تفسير قول الله تعالى: {وتقطعت بهم الأسباب}.
س13: نفي الشيء له مراتب، اذكرها ممثلاً لكل مرتبة.
س14: اذكر سبب نزول قوله -تعالى-: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم...}الآية.
س15: أكثر الناس يدعي محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فما آية صدق تلك الدعوى وكذبها؟
س16: اذكر بعض الأسباب الجالبة لمحبة الله -تعالى-.


الساعة الآن 10:48 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir