معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   لامية العرب (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=82)
-   -   شرح لامية العرب (10/10) [ويوم من الشعرى يذوب لوابه ... أفاعيه في رمضائه تتململ] (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=2800)

عبد العزيز الداخل 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م 06:25 PM

شرح لامية العرب (10/10) [ويوم من الشعرى يذوب لوابه ... أفاعيه في رمضائه تتململ]
 

61- ويومٍ مِن الشِّعْرَى يَذوبُ لُوَابُهُ = أَفاعِيهِ في رَمضائِهِ تَتملمَلُ
62- نَصَبْتُ له وَجْهِي ولا كِنَّ دُونَهُ = ولا سِتْرَ إلاَّ الأَتْحَمِيُّ الْمُرَعْبَلُ
63- وضافٍ إذا هَبَّتْ له الريحُ طَيَّرَتْ = لَبائدَ عن أَعطافِه ما تُرَجَّلُ
64- بَعيدٌ بِمَسِّ الدُّهْنِ والفَلْيِ عَهْدُه = له عَبَسٌ عافٍ مِن الغِسْلِ مُحْوِلُ
65- وخَرْقٍ كظَهْرِ التُّرْسِ قَفْرٍ قَطَعْتُهُ = بعامِلَتَيْنِ ظَهْرُهُ ليس يُعْمَلُ
66- وأَلْحَقْتُ أُولاهُ بأُخراهُ مُوفِياً = على قُنَّةٍ أُقْعِي مِراراً وأَمْثُلُ
67- تَرودُ الأَرَاوِي الصُّحْمُ حَوْلِي كأنها = عَذَارَى عَليهنَّ الْمُلاءُ الْمُذَيَّلُ
68- ويَرْكُدْنَ بالآصالِ حولِي كأَنَّنِي = مِن العُصْمِ أَدْفَى يَنتحِي الكِيحُ أَعْقَلُ

ساجدة فاروق 12 محرم 1430هـ/8-01-2009م 12:05 AM

شرح أبي فيد مؤرج بن عمرو السدوسي
 

63 - ويومٍ من الشِّعْرَى يَذوبُ لُوَابُهُ = أفاعِيهِ في رَمْضائِه تَتَمَلْمَلُ
يَذوبُ لُوَابُهُ: مِن شِدَّةِ الْحَرِّ، ولُوَابُ الْحَرِّ ولُعابُ الشمْسِ واحدٌ، وهو شيءٌ تَراهُ في الهاجِرَةِ كأنه الإِبْرِيسَمُ الأبيضُ, يَنحدِرُ مِن السماءِ إلى الأرْضِ مِن شِدَّةِ الْحَرِّ، ويُقالُ: رَمِضَ يَرْمَضُ رَمَضًا.
ويَتململُ: يَتحرَّكُ مِن شِدَّةِ الحَرِّ ويَتقَلَّبُ حَرًّا وكَرْبًا.
ويُرْوَى: "لُعَابُه" ويَتململُ: يَتقلَّبُ، وقالَ غيرُه: لُوَابُ الشمْسِ ولُعَابُها واحدٌ, وهو شِدَّةُ حَرِّهَا.
وأَنْشَدَ: [الطويل]
وذابَ لُوَابُ الشمْسِ فَوقَ الْجَماجِمِ
وقالَ: سَأَلَ أَعرابِيٌّ عن الصوْمِ, قِيلَ: هذا الشهْرُ الذي أنتَ فيه, فقالَ: سَكَتُّمْ عنه حتى إذا تَصَارَّتْ الْجَنادِبُ، وتَغَوَّرَتْ الْجِرَانُ وتَأَجَّمَ القَيْظُ، وتَنَفَّسَ النهارُ، وتَصَابَتِ الْجَوْنَةُ، وسالَ لُعَابُها، وتَحَيَّرَتْ سَمَاؤُها، حتى كادَتْ أنْ يَصِلَ مَغِيبُها أَخَذْتُم في الصوْمِ، وشاهَدْتُمْ على الشهْرِ، وما أُراكُم إلا مُخْطِئينَ في العِدادِ، وقد وَهِمْتُم شَهْرَكم.

64 - نَصَبْتُ له وَجهِي ولا كِنَّ دُونَه = ولا سِتْرَ إلا الأَتْحَمِيُّ الْمُرَعْبَلُ
الأَتْحَمِيُّ: بُرْدُه.
والْمُرَعْبَلُ: الْمُتَخَرِّقُ، شِواءٌ مُرَعْبَلٌ: لم يَنْضَجْ, وهو الْمُلَهْوَجُ، ويُقالُ: مُرَعْبَلٌ: مُشَقَّقٌ.
وقالَ غيرُه: الأَتْحَمِيُّ: بُرْدٌ مَنسوبٌ إلى اليَمَنِ.
الْمُرَعْبَلُ: الثوبُ الذي لا عَلَمَ عليه, ويُقالُ: هو السَّحِيقُ الذاهِبُ.

65 - وضافٍ إذا هَبَّتْ له الريحُ طَيَّرَتْ = لَبائدَ عن أعطافِه ما تُرَجَّلُ
الضافِي: الطويلُ, يَعنِي شَعَرَه، إذا هَبَّتِ الريحُ طَيَّرَتْهُ، واللبائدُ: جَمْعُ لِبْدٍ، يُقالُ: لِبْدَةٌ ولُبَدٌ ولَبائدُ، و"أَعطافِه": جَوانبِه, "ما تُرَجَّلُ": ما تُسَرَّحُ، وقالَ غيرُه: ضافٍ: يُريدُ الشعَرَ الطويلَ الكثيرَ، وكلُّ ثَوبٍ واسعٍ فهو ضافٍ.
إذا هَبَّتْ له الرِّيحُ طَيَّرَتْ لَبائدَ ما قد تَلَبَّدَ مِن شَعَرِه.

66 - بعيدٌ بِمَسِّ الدُّهنِ والْفَلْيِ عَهدُه = له عَبَسٌ عافٍ من الغِسْلِ مُحْوِلُ

له عَبَسٌ, أيْ: له وَسَخٌ كثيرٌ متَعَلِّقٌ به كما يَتعلَّقُ بجَوانبِ أَلْيَةِ الكبْشِ.
قالَ أبو النَّجْمِ: [الرجز]
كأنَّ في أَذْنَابِهِنَّ الشُّوَّلِ
من عَبَسِ الصيفِ قُرونَ الإِيَّلِ
وقولُه: عافٍ، أيْ: لا عَهْدَ له بالغِسْلِ وهو الْخَطْمِيُّ، وقد عَفَا شَعَرُه: إذا كَثُرَ، ويُروى: مِن الغَسْلِ، أيْ: لم يُغْسَلْ ولم يُدْهَنْ.
و"مُحْوِلُ": قد حالَتْ عليه أَحوالٌ, وقالَ غيرُه: "عَبَسِ": غُبارِ، و"عافٍ": خالٍ.
قالَ غيرُه: "عافٍ": كثيرٌ.
والغِسْلُ: الْخَطْمِيُّ، وكلُّ شيءٍ يُغسَلُ به الرأسُ فهو غَسْلٌ وغَسولٌ، والغَسْلُ: المصدَرُ, ويُقالُ: العَبَسُ: بَوْلُ الإبلِ على عَرَاقِيبِها, شَبَّهَ وَسَخَ حبته (؟) بِها.
وقالَ جَريرٌ :[الطويل]

تَرَى العَبَسَ الْحَوْلِيَّ جَوْنًا بِكُوعِها = لها مَسَكٌ مِن غيرِ عاجٍ ولا ذَبْلِ

67 - وخَرْقٍ كظَهْرِ التُّرْسِ رَحْبٍ قَطَعْتُه = بعَامِلَتَيْنِ بَطْنُه ليس يُعْمَلُ
الْخَرْقُ: البَلَدُ البَعيدُ الأطرافِ، تَنخرِقُ فيه الرياحُ.
وقولُه: "كظَهْرِ التُّرْسِ": في استوائِه، وبِعَامِلَتَيْنِ, أيْ: رِجْلَيْهِ، و"بَطْنُه": بطْنُ هذا الْخَرْقِ, ليسَ يُعمَلُ: ليس يُسْلَكُ.

68 - فأَلْحَقْتُ أُولاه بأُخْرَاه مُوفِيًا = على قُنَّةٍ أُقْعِي مِرارًا وأَمْثِلُ
أَلْحَقْتُ أُولاهُ بأُخراهُ مُوفِيًا, أيْ: قَطعتُه وجُزْتُه.
ويُقالُ: لم يَعْنِ الْخَرْقَ ولكنَّه عَنَى شَعَرَه, أيْ: ضَفَرَه وأَلْحَقَ أُولاهُ بأُخراهُ.
مُوفِيًا: قد أَوْفَى على جبَلٍ, أيْ: صَعِدَ عليه.
والقُنَّةُ: الجبَلُ الدقيقُ الأسودُ.
وأَمْثِلُ: أَنْتَصِبُ.
وأُقْعِي: يَقعُدُ على رُكبَتَيْهِ، وهي قِعدَةُ الكلْبِ والسَّبُعِ، وإنما يُقْعِي ويَمْثِلُ متَرَقِّبًا للأشباحِ ليَرَى مُجتازًا أو مَالاً ناشِرًا فيَستاقَه ويُغِيرَ عليه، ومُوفيًا: مشْرِفًا، وقالَ غيرُه: أُقْعِي, أيْ: أجْلِسُ على قَوَائِمِي، وأَمْثِلُ: أَنْتَصِبُ.

69 - تَرودُ الأَرَاوِي الصُّحْمُ حَوْلِي كأنها = عَذَارَى عليهنَّ الْمُلاءُ الْمُذَيَّلُ
تَرودُ: تَجيءُ وتَذهبُ، والأَرَاوِي: ضَرْبٌ مِن الظِّباءِ وهي دُكْنٌ إلى الْحُمْرَةِ كألوانِ اليَحامِيرِ، ويُقالُ: هي التيوسُ الْجَبليَّةُ.
والصُّحْمُ: جَمْعُ أصْحَمَ، والصُّحْمَةُ سَوادٌ إلى الصُّفرَةِ، والْمُذَيَّلُ: طويلٌ وجَعَلَ له ذَيلاً سابِغًا، وشَبَّهَهُنَّ بالعَذَارَى؛ لأنهنَّ قد أَنِسْنَ به فإذا عارَضَهُنَّ في مَذهبٍ صَدَفْنَ عنه غيرَ نَوافِرَ كما تَصْدِفُ العَذارَى حَياءً.
قال غيرُه: الأَرَاوِي: الأُنْثَى، أرادَ الضأْنَ الجبلِيَّةَ.
والصُّحْمُ: السُّودُ في ألوانِها؛ هو فَوقَ القُنَّةِ والأَرَاوِي دُونَه.

70 - ويَرْكُدْنَ بالآصالِ حَوْلِي كأنني = من العُصْمِ أَدْفَى يَنْتَحِي الكِيحَ أَعْقَلُ
أيْ: إنه يَرِدُ الماءَ مع الوَحْشِ ثم يُلِبُّ قَريبًا مِن الماءِ، فإذا صَدَرَتْ عن الْمَوْرِدِ أَنِسَتْ به فأَقامَتْ قَريبةً منه، ويَرْكُدْنَ: يَبِتْنَ حَولَه أُنْسًا به, والآصالُ: العَشِيَّاتُ, واحدُها أَصيلٌ.
الأَعْصَمُ: الوَعْلُ؛ سُمِّيَ بذلك لبَياضٍ في يَدِه، وهي العُصْمَةُ, والأَدْفَى: الذي تَميلُ قَرنَاه على ظَهْرِه، فإذا طَالاَ حتى يَبْلُغَا عَجُزَه فذاك الناخِسُ، ويَنْتَحِي: يَعتَمِدُ، والكِيحُ: حرْفٌ مِن حُروفِ الجبَلِ، وكذلكَ الْحَيْدُ وجَمْعُه حُيودٌ وكُيوحٌ.
قالَ غيرُه: يُقالُ: تَيْسٌ أَدْفَى وعَنْزٌ دَفياءُ, إذا كانتْ مُستويةَ القُرونِ.
ويُرْوَى: يَنتحِي الْجيحَ، والْجيحُ: الغُروبُ.
ويُقالُ: أَعْصَمُ أعقَلُ: إذا كان في قوائمِه بياضٌ.
والأَدْفَى: مُعْوَجُّ القُرونِ الذي تَكادُ قَرناهُ أنْ تَمَسَّا ذَنَبَه، والأعْقَلُ: مُنْحَنٍ قَرْناهُ إلى الخلْفِ.

ساجدة فاروق 12 محرم 1430هـ/8-01-2009م 12:10 AM

تفريج الكرب للشيخ: محمد بن القاسم ابن زاكور الفاسي
 

61- ويَوْمٍ من الشِّعْرَى تذُوبُ لُؤَابُهُ = أَفَاعِيهِ فِي رمْضَائِهِ تَتَمَلْمَلُ
الشِّعْرَى: نجمٌ، وهما شِعْرَيَانِ: العَبُورُ وهيَ المُرَادةُ هنا، سُمِّيَتْ بذلكَ؛ لأنَّها عَبَرَتَ نهرَ المَجَرَّةِ، والأُخْرَى الغُمَيْصَاءُ. وكانَ الشِّعْرَى العبورُ تَطْلُعُ في شدَّةِ الحرِّ. ولُؤَابُ اليومِ ( 16 / ب ) ولُعَابُهُ: ما يُرَى فيهِ عندَ الهاجرةِ مُتَدَلِّياً في الجوِّ كخيوطِ الحريرِ ونسجِ العنكبوتِ، وقدْ يُضَافُ ذلكَ للشمسِ أيضاً، فيقالُ: لُعَابُ الشمسِ، كما قالَ أبو الطَّيِّبِ: [ الطويل ]
وأَصْدَى فلا أُبْدِي إلى المَاءِ حاجَةً وللشَّمْسِ فوقَ اليَعْمَلاتِ لُعَابُ
وقالَ الآخَرُ: [ الطويل ]
........................... وَذَابَ لُؤَابُ الشمسِ فَوْقَ الجماجمِ
وواحدُ الأفَاعِي: أفْعًى بالتنوينِ، مصروفٌ، وقدْ لا يُصْرَفُ كنظَائِرِهِ، وهيَ: (أجْدَلُ) و(أخْيَلُ). والرمضاءُ الأرضُ التي تَرْمَضُ فيها أقدامُ مَنْ مَشَى عليها لاشتدادِ حرِّها. والتَّمَلْمُلُ: التقَلُّبُ ظَهْراً لبطنٍ منْ شدَّةِ الحرِّ هنا، أوْ منْ شدَّةِ الوجعِ.
قولُهُ: (ويومٍ) مخفوضٌ بِـ (رُبَّ) المُقدَّرةِ بعدَ الواوِ، وما بعْدَهُ من الجملِ وما في معناها صفاتٌ لهُ، ومعَ ذلكَ فهوَ مرفوعُ المحلِّ بالابتداءِ، خبرُهُ في قولِهِ:

62- نَصَبْتُ لهُ وجْهِي وَلا كِنَّ دُونَهُ = ولا سِتْرَ إلاَّ الأَتْحَمِيُّ الْمُرَعْبَلُ

الكِنُّ، بالكَسْرِ: السِّتْرُ والغطاءُ. والأتْحَمِيُّ: بُرْدٌ منسوبٌ إلى أَتْحَمَ على ما قيلَ، وهيَ بُلَيْدَةٌ باليمنِ، وليسَ هذا في القاموسِ. والذي فيهِ: أنَّهُ كالأتْحَمِيَّةِ، والمُتْحَمَةُ كمُكْرَمَةٍ ومُعْظَمَةٍ ـ بُرْدٌ معلومٌ. وفيهِ أيضاً تَحَمَ الثوبَ: وَشَّاهُ، والتَّاحِمُ: الحَائِكُ. والمُرَعْبَلُ: المُتَخَرَّقُ.
والمعنى: ورُبَّ يومٍ كائنٍ منْ أيَّامِ الشِّعْرَى ذائبٍ لُعَابُهُ، فهوَ يَسِيلُ منْ شدَّةِ حرِّهِ، مُتَقَلِّبَةٌ أفاعِيهِ في أرضِهِ الحاميَةِ منْ شدَّةِ وَهَجِ الشمسِ، نَصَبْتُ وجهي لحرِّهِ؛ أيْ: سِرْتُ فيهِ منكشفَ الوجهِ لشُعاعِ الشمسِ ولا سِتْرَ كائنٌ دونَ وجهي يَقِيهِ منْ وَقْعِ الحرِّ عليهِ، ولا غطاءَ إلاَّ البُرْدُ المُسَمَّى بالأتْحَمِيِّ الذي تَخَرَّقَ وصارَ رَعَابِيلَ: أيْ قِطَعاً. ثمَّ عطفَ على (الأتْحَمِيِّ) قولَهُ:

63- وَضَافٍ إذا هَبَّتْ لهُ الريحُ طَيَّرَتْ = لَبَائِدَ عنْ أعْطَافِهِ ما تُرَجَّلُ
الضَّافِي: الشعرُ الكثيرُ الطويلُ. وهُبوبُ الريحِ لهُ: إصابَتُها إيَّاهُ عندَ هُبُوبِها؛ أيْ: هيَجَانِها. وتطْيِيرُها لَبَائِدَهُ ـ جمعُ لَبِيدَةٍ بمعنى مَلْبُودَةٍ: ما تلبَّدَ من الشعرِ ـ رَفْعُها إيَّاها عندَ الهبوبِ. والأعطافُ: الجوانبُ، واحِدُها عِطْفٌ بالكسرِ، وترجيلُ الشعرِ: تسْرِيحُهُ بالمُشطِ بعدَ الادِّهَانِ.
والمعنى: ولا سِتْرَ دونَ الوجهِ إلاَّ الأَتْحَمِيُّ المُرَعْبَلُ، وشعرٌ كثيرٌ ( 17 / آ ) طويلٌ، إذا هبَّت الريحُ منتهيَةً إليهِ في هُبوبِها رفَعَتْ ما تلبَّدَ منهُ لعَدَمِ تسريحِهِ وادِّهانِهِ وبُعْدِ تفقُّدِهِ. وهذا معنى قولِهِ:

64- بَعِيدٌ بِمَسِّ الدُّهْنِ والفَلْيِ عهْدُهُ = لهُ عَبَسٌ عَافٍ من الغِسْلِ مُحْوِلُ

فهوَ تذييلٌ، أيْ: مُؤَكِّدٌ لمفهومِ ما قبْلَهُ.
قولُهُ: (بعيدٌ)، فَعِيلٌ بمعنى فاعلٍ، وهوَ خبرٌ مُقَدَّمٌ. و(عَهْدُهُ): مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، ويصحُّ أنْ يرتَفِعَ عهدُهُ على أنَّهُ فاعلُ (بَعِيدٌ) لاعتمادِهِ على المبتدأِ المحذوفِ، بِنَاءً على أنَّ التقديرَ (هوَ بعيدٌ)، ولا محلَّ للجملةِ على التقديرَيْنِ؛ لأنَّها تذْيِيلِيَّةٌ. وفَلْيُ الرأسِ: استخراجُ قَمْلِهِ، وصُؤَابِهِ. والصُّؤَابُ، بزِنَةِ غُرَابٍ: بيضُ القَمْلِ، ويُجْمَعُ على صِئْبَانٍ. والعهدُ: التعَهُّدُ، أي التفَقُّدُ. والعَبَسُ، بالعينِ المهملةِ والتحريكِ: ما تعلَّقَ بأذْنَابِ الإبلِ منْ أوْضَارِها وما يَبِسَ على أفخاذِها منْ ثَلْطِهَا وأبْوَالِهَا. والعَافِي: المَتْرُوكُ على حالِهِ حتَّى عَفِيَ؛ أيْ: كَثُرَ وطالَ منْ ترَاكُمِ بعْضِهِ على بعضٍ، وقدْ يُشَبَّهُ بالقرونِ, كما قالَ أبو النجمِ: [ الرجز ]
كأنَّ في أذْنَابِهِنَّ الشُّوَّلِ
مِنْ عَبَسِ الصَّيْفِ قُرُونَ الأَيِّلِ
والغِسْلُ بالكسرِ: الغَاسُولُ الذي يُغْسَلُ بهِ الرأسُ، وهوَ الطَّفْلُ، وقيلَ: آسٌ طَيِّبٌ ومَاءٌ. والمُحْوِلُ: اسمُ الَّذِي أحَالَ؛ أيْ: أَتَى عليهِ حولٌ منْ كلِّ شيءٍ.
قولُهُ: (بمَسِّ الدُّهْنِ) مُتعلِّقٌ بِـ (عَهْدُهُ) وإنْ كانَ في معنى المصدرِ؛ أيْ: (تعهُّدُهُ)؛ لأنَّ الصحيحَ جوازُ تقدُّمِ معمولِ المصدرِ عليهِ إذا كانَ ظرفاً أوْ جارًّا ومجروراً للاتِّسَاعِ في الظروفِ. وقولُهُ: (عَافٍ) يصحُّ أنْ يكونَ وصْفاً لِـ (عَبَسٌ)، وعليهِ ما تقدَّمَ فهوَ حينئذٍ بمعنى كثيرٍ، و(من الغِسْلِ) يتعلَّقُ بِـ (مُحْوِلُ) لتضَمُّنِهِ معنى (مِغْفَر)، ويصحُّ أنْ يكونَ منْ أوصافِ (ضَافٍ) و(من الغِسْلِ) حينئذٍ يتعلَّقُ بـ (عَافٍ).
والمعنى: هوَ ـ أي الشعرُ الضَّافِي ـ بعيدٌ تعَهُّدُهُ: أيْ تفقُّدُهُ بمَسِّ الدُّهْنِ، وباستخراجِ القَمْلِ وبيْضِهِ منهُ. لهُ منْ أجلِ ذلكَ وَسَخٌ ووَدَحٌ لبَّدَ شعْرَهُ لكَثْرَتِهِ وتوفُّرِهِ. أوْ هوَ ـ أي: الضافي ـ عَافٍ: أيْ دَارسٌ من الطَّفْلِ والخَطَمِيِّ أتى عليهِ عامٌ منْ عهْدِهِ بما ذَكَرَ من الترْجِيلِ والغِسْلِ والفَلْيِ.

65- وخَرْقٍ كظهرِ التُّرْسِ قَفْرٍ قَطَعْتُهُ = بعَامِلَتَيْنِ ظهْرُهُ ليْسَ يُعْمَلُ

الخَرْقُ، بفتحِ الخاءِ المُعْجَمَةِ: المكانُ الذي تخْتَرِقُهُ الرياحُ لإقْفَارِهِ ممَّا يَسْتُرُ الرياحَ منْ بِنَاءٍ ( 17 / ب ) وشجرٍ. والتُّرْسُ: المِجَنُّ الذي يُتَّقى بهِ في الحربِ من الطعنِ والضربِ. وقَطْعُ القَفْرِ: الخروجُ منهُ وتخْلِيفُهُ وراءَ الظهرِ بالسيْرِ. والعاملتانِ هنا: قيلَ الرَّجُلانِ، وكانَ الشنْفَرَى ـ كخَالِهِ تأبَّطَ شرًّا ـ يعدُو على رجْلَيْهِ، وهكذا شأنُ لُصُوصِ العربِ. و (يُعْمَلُ) بالبناءِ للمفعولِ، أيْ: لا يُعْمَلُ فيهِ بالحرثِ والغرسِ لكوْنِهِ لا يُنْبِتُ.
قولُهُ: (وخَرْقٍ) مخفوضٌ لفظاً برُبَّ المحذوفةِ، مرفوعٌ محَلاًّ بالابتداءِ، و(كظهْرِ التُّرْسِ) و(قَفْرٍ) منْ أوصافِ الخَرْقِ. وقولُهُ: (قَطَعْتُهُ) خبرُهُ، وجملةُ (ظَهْرُهُ ليسَ يُعْمَلُ) منْ أوصافِ الخَرْقِ تضمَّنَت الاحتراسَ ممَّا عسى أنْ يُتَوَهَّمَ منْ كونِهِ يصحُّ إعمالُهُ ويتَأَتَّى. والأَوْلَى أنَّ هذا إِيغَالٌ لخَتْمِ البيتِ بهِ معَ كوْنِهِ مُفِيداً لنُكْتَةٍ يتمُّ أصلُ المعنى بدُونِها، وأصلُ المعنى هنا: قَطْعُهُ المفازةَ الخاليَةَ التي تُشْبِهُ ظَهْرَ التُّرْسِ برِجْلَيْهِ. وهوَ تَامٌّ لا يتوقَّفُ على ما خَتَمَ بهِ البيتَ الذي أفادَ أنَّ المفازةَ لا يَتَمَكَّنُ فيها البقاءُ لكَوْنِهَا غيرَ معمولةٍ لعدمِ صلاحِها لذلكَ، فليسَ فيها منْ ساكنٍ لأجْلِ ذلكَ.
ووَجْهُ الشبهِ بينَ الخَرْقِ والتُّرْسِ قيلَ: الاستواءُ، والأَوْلَى إنْ شاءَ اللَّهُ كثْرَةُ مَسَارِبِهِ التي يتَحَيَّرُ فيها السَّالِكُ، وتحْمِلُهُ على الضلالِ ككثرةِ آثارِ ظهرِ التُّرْسِ بالضربِ والطعنِ واختلافِها وتفَاوُتِهَا.

66- فَأَلْحَقْتُ أُولاهُ بأُخْرَاهُ مُوفِياً = على قُنَّةٍ أُقْعِي مِراراً وَأَمْثِلُ

الضمِيرانِ للخَرْقِ. وإلحاقُ الشيءِ بغيرِهِ: جعْلُهُ لاحقاً بهِ، وإلحاقُ أُولَى الخَرْقِ بأُخْرَاهُ كنايَةٌ عنْ قطْعِهِ بالسيرِ وجوَازِهِ إلى غيْرِهِ. والمُوفِي: الذي أوْفَى؛ أيْ: أشْرَفَ.
والقُنَّةُ: رَأْسُ الجبلِ الأعلى. والإقعاءُ بالنسبةِ للإنسانِ: جُلوسُهُ على أَلْيَتَيْهِ نَاصِباً فَخِذَيْهِ كأنَّهُ مُتَسَانِدٌ إلى ما ورَاءَهُ.
وإقعاءُ الكلبِ: جلوسُهُ على ألْيَتَيْهِ مُفْتَرِشاً رِجْلَيْهِ ناصباً يدَيْهِ. ومَثُلَ يَمْثِلُ، بِكَسْرِ المضارعِ: انتصبَ قائماً.
قولُهُ: (فألْحَقْتُ)، الفاءُ للترتيبِ الذِّكْرِيِّ؛ لأنَّ إلحاقَ أُولَى الخَرْقِ بأُخْرَاهُ نفسُ قطْعِهِ لا غيرُهُ، رَتَّبَ عليهِ وعطَفَهُ عليهِ لتفصيلِهِ إجمالَ القَطْعِ؛ لأنَّ في إلحاقِ الأُولَى بالأُخْرَى تَنْصِيصاً على أنَّهُ استوعَبَهُ بالسيرِ، ولمْ يتْرُكْ منهُ شيئاً، والقَطْعُ لهُ مُحْتَمِلٌ لغيرِ ذلكَ من الاقتصارِ على مُعْظَمِهِ مَثَلاً، واللَّهُ أعلمُ سُبحانهُ. ( 18 / آ ).
والمعنى: أنَّهُ فعلَ ما ذكرَ منْ إلحاقِ إحْدَى الغايتيْنِ بالأُخْرَى في حالِ كونِهِ مُشْرِفاً على رأسِ جبلٍ, رَبِيئَةً، وفي حالِ كونِهِ يجلسُ على ألْيَتَيْهِ مِراراً، وينتصبُ مِراراً أخرى، قائماً يُقْعِي إذا خافَ أنْ يُفْطَنَ لهُ ويُعْلَمَ بمكانِهِ، وينتصبُ إذا أَمِنَ منْ ذلكَ ليُشْرِفَ على مَنْ تحْتَهُ ليَرْصُدَهُ للغارةِ إنْ أمْكَنَتْهُ فرصةٌ انتهَزَهَا. ومنْ جُمْلَةِ أحْوَالِهِ في إشرافِهِ على القُنَّةِ ما قرَّرَهُ بقوْلِهِ:

67- تَرُودُ الأَرَاوِيُّ الصُّحْمُ حَوْلِي كأنَّها = عَذَارَى عليْهِنَّ المُلاءُ المُذَيَّلُ

تَرُودُ: أيْ تَجِيءُ وتذهبُ، وتُقْبِلُ وتُدْبِرُ في طلبِ ما تأكُلُهُ. وواحدُ الأَرَاوِيِّ: أُرْوِيَّةٌ، وهيَ الشِّيَاهُ الجبلِيَّةُ. والمُلاءُ اسمُ جمعٍ، وهيَ الرَّيْطَةُ والمِلْحَفَةُ.
والمُذَيَّلُ: المُطَالُ. والصُّحْمُ، جَمْعُ أَصْحَمَ وصَحْمَاءَ, وهوَ ما في لَوْنِهِ صُحْمَةٌ ـ بضمِّ الصَّادِ ـ أيْ: صُفْرَةٌ تَضْرِبُ إلى السوادِ.
المعنى أنَّ إيفاءَهُ على القُنَّةِ كما كانَ في حالِ إقعَائِهِ مَرَّةً، ومُثُولِهِ أُخْرَى، كانَ أيضاً في حالِ رَوْدِ شِيَاهِ الجبلِ الصُّحْمِ حولَهُ.
والمقصودُ أنَّهُ ارتقى إلى موضعٍ من الجبلِ ليْسَ فيهِ إلاَّ الأُرْوِيَّةُ، فهيَ تجيءُ وتذهبٌ غيرَ مُكْتَرِثَةٍ بهِ لأمْنِهَا منْ أنْ تُؤْتَى هنالكَ بمَكْرُوهٍ، أوْ لأنَّها ألِفَتْهُ وأنِسَتْ بهِ، فهيَ لذلكَ لا تَنْفِرُ منهُ، وقدْ شبَّهَها في حالةِ رَوْدِهَا حوْلَهُ بالأبْكَارِ اللاَّئِي لَبِسَت المَلاحِفَ المُذَيَّلَةَ.
ويدلُّ لِمَا قلناهُ آنفاً مِنْ أنَّ تَرَدُّدَهَا حولَهُ سببُهُ الإِلْفُ والأُنْسُ قولُهُ:

68- ويَرْكُدْنَ بالآصَالِ حَوْلِي كأنَّنِي = من العُصْمِ أدْفَى يَنْتَحِي الْكِيحَ أعْقَلُ

فإنَّهُ صريحٌ في ذلكَ. ورُكُودُ الأُرْوِيَّةِ: رُبُوضُهَا، أيْ: بُرُوكُها ساكنةً. والآصالُ، جمعُ أصيلٍ: وهوَ العَشِيُّ. والعُصْمُ جمعُ أعصمَ وعَصْمَاءَ: وهوَ ما في معاصِمِهِ بياضٌ من الوُعُولِ والظِّبَاءِ. والأَدْفَى: الذي طالَ قَرْنَاهُ وانْعَطَفَا إلى ظهرِهِ حتَّى كادَا يمَسَّانِ عجُزَهُ.
والأعقلُ: الذي تدَانَتْ رِجْلاهُ.
والانْتِحَاءُ القصدُ.
والكِيحُ، بالكافِ المكسورةِ فالياءِ فالحاءِ المُهملةِ: سفحُ الجبلِ وسَنَدُهُ.
فقولُهُ: (كأَنَّنِي من العُصْمِ)، في محلِّ نصبٍ على الحالِ من الياءِ في (حوْلِي)، و(من العُصْمِ) حالٌ منْ (أدْفَى)، وهوَ في الأصْلِ نعتٌ لهُ، فلمَّا قُدِّمَ عليهِ انتصبَ على الحالِ كغيْرِهِ منْ نعوتِ النكرةِ المُتَقَدَّمِ عليها، و(أعْقَلُ) كَـ (ينْتَحِي الكِيحَ) نعتانِ لِـ (أدْفَى).
والمعنى: ( 18 / آ ) أنَّ الأُرْوِيَّةَ ـ منْ فَرْطِ أُنْسِهِنَّ بِي ـ يَرْقُدْنَ فيما قَرُبَ منِّي عندَ العَشِيِّ حتَّى أشْبَهَتْ بمُخَالَطَتِهِنَّ لي، وعدمِ استيحاشِهِنَّ بمكانِي، وَعْلاً طالَ قَرْنَاهُ وانْعَطَفَا إلى ناحيَةِ أَلْيَتِهِ في حالِ كونِهِ من الأُرْوِيَّةِ التي ابْيَضَّتْ معاصِمُها مَوْصُوفاً بتدَانِي الرِّجْلَيْنِ، ويَقْصِدُ سفْحَ الجبلِ.
جعلَ اللَّهُ إليهِ قَصْدَنَا، وحصرَ في قَصْدِهِ مَقَاصِدَنَا، آمينَ. والحمدُ للَّهِ أجلِّ مَقْصودٍ، وأعظمِ محمودٍ، على تمامِ ما قصَدْنا منْ شرحِ (لامِيَّةِ العربِ). والشُّكرُ لهُ على ما يسَّرَهُ منْ ذلكَ وسَنَّاهُ، وما كُنَّا لنهتديَ لولا أنْ هدَانا اللَّهُ، وصلَّى اللَّهُ وسلَّمَ على أفصحِ العربِ قاطبةً، سيِّدِنا محمَّدٍ الذي فصاحةُ كلِّ فصيحٍ منْ فصاحَتِهِ راهبةٌ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ المُقْتَبِسِينَ منْ فصاحَتِهِ ما امْتَطَوْا إليهِ سَنَامَ البيانِ وغارِبَهُ.
ووافقَ تمامُ تَبْيِيضِهِ عَشِيَّةَ الخميسِ لليالٍ خَلَتْ منْ ربيعٍ النبَوِيِّ سنةَ اثنَتَيْ عشْرَةَ ومائةٍ وأَلْفٍ.
وكتبَ مُؤَلِّفُهُ محمَّدُ بنُ قاسمِ بنِ محمَّدِ بنِ عبدِ الواحدِ بنِ زَاكُورَ.
قالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلَغَت المطالعةُ برَسْمِ التحريرِ، والحمدُ للَّهِ العليِّ الكبيرِ.
وفي يومِ الخميسِ التالي لِمَا قبْلَهُ عرَّفَنَا اللَّهُ خيرَهُ وخيرَ ما بعدَهُ، ووَقَانَا ضَيْرَ ذلكَ، آمينَ. وصلَّى اللَّهُ وسلَّمَ على النبيِّ محمَّدٍ الأمينِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وكتبَ مُحمَّدُ بنُ قاسمِ بنِ محمَّدِ بنِ عبدِ الواحدِ بنِ زَاكُورَ وكانَ اللَّهُ لهُ آمينَ ولجميعِ المؤمنينَ.
انتهى بحمدِ اللَّهِ تعالى وحُسْنِ عوْنِهِ وتوفيقِهِ الجميلِ على يدِ كاتبِهِ لنفسِهِ، ثمَّ لمَنْ شاءَ اللَّهُ منْ بعْدِهِ، أحمدُ ابنُ المُؤَلِّفِ المَذْكُورِ صبيحةَ يومِ الخميسِ منْ مُحَرَّمِ الحرامِ مُفْتَتَحَ عامِ ثلاثةٍ وعشرينَ ومائةٍ وألفٍ. والحمدُ للَّهِ على ذلكَ، وصلَّى اللَّهُ على سيِّدِنا ومَوْلانا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليماً.

ساجدة فاروق 12 محرم 1430هـ/8-01-2009م 12:14 AM

أعجب العجب لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري
 

ويومٍ مِن الشِّعْرَى يَذوبُ لُوَابُهُ = أَفاعيهِ في رَمضائِه تَتَمَلْمَلُ

الشِّعْرَى الكوكبُ الذي يَطْلُعُ بعدَ الجوزاءِ، وطُلوعُه في شِدَّةِ الْحَرِّ، وذابَ الشيءُ نَقيضُ جَمُدَ، ولُوابُه ولُعابُه واحدٌ، ولُوابُه هنا ما تَراهُ مِن شِدَّةِ الْحَرِّ مثلَ نسْجِ العَنكبوتِ، والأَفاعِي جَمْعُ أَفْعَى وهي الْحَيَّةُ، والرَّمْضُ شِدَّةُ وقْعِ الشمسِ على الرمْلِ وغيرِه، والأرضُ رَمضاءُ, أيْ أصابَها الرمْضُ، والتَّمَلْمُلُ التحرُّكُ على الفِراشِ إذا لم تَستَقِرَّ عليه مِن الوَجَعِ، كأنه على مَلَّةٍ, والْمَلَّةُ الرمادُ الحارُّ، قالَ الشاعرُ:

أَبَاتَكَ اللهُ في أبياتِ مُعْتَتِرٍ = عن الْمَكارِمِ لا عَفٌّ ولا قَارِي
صَلْدُ النَّدَى زاهدٌ في كُلِّ مَكْرُمَةٍ = كأنما ضَيْفُهُ في مَلَّةِ النارِ
الْمُعْتَتِرُ الذي يَتَنَحَّى يَنْزِلُ ناحيةً هرَبًا مِن القِرَى، وقولُه: ولا قارِي، أيْ: لا يَقْرِي الضيْفَ.
والواوُ في و"يومٍ" واوُ "رُبَّ"، وقد ذُكِرَ مِثلُه، و"مِن" لبيانِ الجنْسِ, والتقديرُ: ويومٍ مِن الأيامِ التي تَطْلَعُ فيها الشِّعْرَى، و"مِن الشِّعْرَى" صفةُ يومٍ، و"يَذوبُ" نَعْتٌ لـ"يومٍ" أيضاً، أيْ: ذائبٌ لُوابُه، وأَفاعيهِ مُبتدأٌ و"تَتملمَلُ" خَبَرُه, وفي رَمضائِه مُتعلِّقٌ بـ"تَتملمَلُ".

نَصَبْتُ له وَجْهِي ولا كِنَّ دُونَه = ولا سِتْرَ إلا الأَتْحَمِيُّ الْمُرَعْبَلُ

النصْبُ الإقامةُ. تَقولُ: نَصبتُ وَجْهِي للحَرِّ أَقَمْتُهُ، والكِنُّ السِّتْرُ، والجمْعُ أَكنانٌ، قالَ عَزَّ مِن قائلٍ: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً} قالَ الكِسائيُّ كَنَنْتُ الشيءَ سَترتُه وصُنْتُه مِن الشمسِ، والأَتْحَمِيُّ ضَرْبٌ مِن البُرودِ, قالَ قائلُهم:
وعليه أَتْحَمِيٌّ نَسْجُه مِن نَسْجِ هَوْرَمْ
غزَلَتْهُ أمُّ خَلْمِي كلَّ يومٍ وزنَ دِرْهَمْ
والْخِلْمُ بكسْرِ الخاءِ وسكونِ اللامِ الصدِيقُ.
والْمُرَعْبَلُ الممَزَّقُ، يُقالُ: ثَوبٌ مُرَعْبَلٌ, أيْ مُمَزَّقٌ.
"نَصَبْتُ" هو العاملُ في "يومٍ"، الذي هو أوَّلُ البيتِ الْمُتَقَدِّمِ، ويُسَمَّى جَوابَ رُبَّ، ويَجوزُ أنْ يكونَ نَعْتاً لهذا أيْ: ويومٍ مَنصوبٍ له وَجْهِي، وهذا أظهَرُ الوجهينِ؛ لأنَّ "نَصبتُ" قد استَوْفَى مفعولَه، فلا يَتعدَّى غيرَه، وكذلك لو قُلتَ: لَقيتُ اليومَ زَيْداً، لم يكنِ اليومُ مَفعولاً لـ "لَقِيتُ". ويُؤَيِّدُه عَوْدُ الهاءِ في "له" إليه، وهذا شأنُ الصفةِ، فعلى هذا يكونُ العاملُ في "رُبَّ" فِعْلاً تقديرُه: لابَسْتُ يوماً شديدَ الْحَرِّ، والهاءُ في "له" لليومِ، ولا كِنَّ, "كِنَّ" مَبنيَّةٌ مع "لا"، لتَضَمُّنِها معنى "مِن" الْمُقَدَّرَةِ بعدَ "لا"، و"دونَه" في مَوْضِعِ رفْعٍ، أيْ لا كِنَّ استَقَرَّ دُونَه، وهو خبرُ "لا", وموضِعُ هذا المجموعِ حالٌ مِن "وَجْهِي"، أيْ: نَصبتُ له وجهي بارزاً أو مَكشوفاً، و"لا سِتْرَ" معطوفٌ على "لا كِنَّ"، والخبرُ محذوفٌ دَلَّ عليه خبرُ "لا" الأُولَى، والأَتْحَمِيُّ مرفوعٌ بدَلٌ مِن مَوْضِعِ لا واسْمِها؛ لأنَّ موْضِعَهما رفْعٌ على أنه مُبتدأٌ, وهو مِثلُ قولِنا: لا إلهَ إلاَّ اللهُ، كأنه قالَ: اللهُ الإلهُ.

وضافٍ إذا هَبَّتْ له الريحُ طَيَّرَتْ = لَبائدَ عن أَعطافِه ما تُرَجَّلُ

الضَّفْوُ السُّبوغُ، وثوبٌ ضافٍ, وشَعْرٌ ضافٍ، أيْ سابغٌ، قالَ الشاعرُ:
ليالِيَ لا أُطاوِعُ مَن نَهَانِي ويَضْفُو تحت كَعْبَيَّ الإزارُ
واللبائدُ: جَمْعُ لَبيدةٍ، وهي الشعْرُ المتراكِبُ بينَ كَتِفَيْهِ، والأعطافُ جَمْعُ عِطْفٍ، وعِطْفَا الرجُلِ جانِباهُ مِن لَدُنْ رأسِه إلى وَرِكَيْهِ، وعِطفَا كُلِّ شيءٍ جَانِباهُ، وتَرَجَّلُ تُسَرَّحُ.
والمعنى أَنِّي لا يَسترُ وجْهِي إلا الثوبُ الْمُمَزَّقُ وشعْرُ رأسي؛ لأنه سابغٌ, وإذا هبَّتْ الريحُ لا تُفَرِّقُه، لأنه ليس بِمُسَرَّحٍ، بل قد تَلَبَّدَ واتَّسَخَ، لأني في قَفْرٍ مِن الأرضِ، ولا أَعْبَأُ بدَهْنِه ولا تَرجيلِه.
وضافٍ معطوفٌ على الأَتْحَمِيِّ، وهو صفةٌ لمحذوفٍ، أيْ: وشعْرٍ سابغٍ، و"إذا" ظَرْفٌ لـ"طَيَّرَتْ"، و"هَبَّتْ" في مَوْضِعِ جَرٍّ بإضافةِ "إذا" إليه، أيْ تُطَيِّرُه الريحُ وقتَ هُبُوبِها، ولبائدُ لا يَنصرِفُ, وقد تَقَدَّمَ الكلامُ على نَظائرِه، وعن أَعطافِه متَعَلِّقٌ بـ "طَيَّرَتْ"، ويَجوزُ أنْ يكونَ صفةً للبائدَ، و"تُرَجَّلُ" نعْتٌ لـ "لبائدَ".

بَعِيدٌ بِمَسِّ الدُّهْنِ والفَلْيِ عَهْدُهُ = له عَبَسٌ عافٍ مِن الغِسْلِ مُحْوِلُ

العَبَسُ: ما يَتعلَّقُ بأذنابِ الإبِلِ مِن أبوالِها وأبعارِها فيَجِفُّ عليها، وعَبَسَ الوَسَخُ في يَدِ فُلانٍ, أيْ يَبِسَ، والمعنى أنه لبُعْدِ هذه بهذه الأشياءِ، اجْتَمَعَ في رأسِه الوَسَخُ حتى صارَ كأنه مِثلُ العَبَسِ الذي في أَذنابِ الإبلِ، وعافٍ كثيرٌ، أيْ: عَبَسُه كثيرٌ، والغِسْلُ ما يُغسَلُ به الرأسُ مِن خَطْمِيٍّ وغيرِه, وأَنْشَدَ:

فيَا لَيْلَ إنَّ الغِسْلَ ما دُمتُ آيِمًا = عَلَيَّ حرامٌ لا يَمَسَّنِيَ الغِسْلُ

والْمُحْوِلُ الذي أَتَى عليه حَوْلٌ، قالَ الكُمَيْتُ:

أَأَبْكَاكَ بالعُرُفِ المَنْزِلُ = وما أَنْتَ والطَّلَلُ المُحْوِلُ

وقالَ آخَرُ:

مِن القاصِراتِ الطرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ = مِن الذَّرِّ فوقَ الإِتْبِ منها لأَثَّرَا

الإِتْبُ القميصُ الصغيرُ الذي لا يَكونُ ثَخينًا.
والمعنى أنَّ شعْرَه منذُ حَوْلٍ لم يُغسَلْ ولم يَتعَهَّدْهُ بشيءٍ مما ذَكَرَه.
"بعيدٌ" صفةُ ضافٍ، وعهْدُه مرفوعٌ بـ "بعيدٌ"، لأنه اسمُ فاعلٍ، أيْ بَعُدَ عهْدُه، ويَجوزُ أنْ يكونَ عهْدُه مُبتدأً, وبعيدٌ خبرَه، كما تَقولُ: قائمٌ زيدٌ، وبِمَسِّ الدُّهْنِ يَتعلَّقُ بـ "بعيدٌ"، على القوْلَيْنِ جميعاً, وعلى القولِ بأنه مُبتدأٌ وخبرٌ، يكونُ نَعْتاً لـ "ضافٍ" أيضاً, وعَبَسٌ مُبتدأٌ, وعافٍ نَعْتٌ له, وله خبرُه، والجملةُ نعتٌ لـ "ضافٍ"، أيْ مُعْبِسٌ، ومُحْوِلٌ كذلك أيضاً، ومِن الغِسْلِ يَجوزُ أنْ يكونَ نَعتاً لـ "مُحْوِلُ" قُدِّمَ فصارَ حالاً، ويَجوزُ أنْ يكونَ بمعنى بَدَلٍ، ويكونُ التقديرُ: له عَبَسٌ كثيرٌ بَدَلٌ مِن الغِسْلِ، فيكونُ على هذا صفةً لـ"عافٍ"، ويَجوزُ أنْ يَتعلَّقَ بـ"عافٍ"، أيْ: كَثُرَ مِن عدَمِ الغِسْلِ.

وخَرْقٍ كظَهْرِ التُّرْسِ قَفْرٍ قَطَعْتُهُ = بعامِلَتَيْنِ ظَهْرُه ليس يُعْمَلُ

الْخَرْقُ الأرضُ الواسعةُ تتَخَرَّقُ فيها الرياحُ، وجَمْعُها خُروقٌ، قالَ الْهُذَلِيُّ:
وإنهما لَجَوَّابَا خُرُوقٍ
وكظَهْرِ التُّرْسِ، يُريدُ أنها مُستويةٌ، و"قَفْرٍ" ليس بها أحَدٌ.
والعامِلتانِ رِجلاهُ, وظَهْرُه إشارةٌ إلى الْخَرْقِ، أيْ: ليسَ مما تَعْمَلُ فيها الركابُ، ورُوِيَ ظَهْرُها. وهو إشارةٌ إلى الْخَرْقِ أيضًا.
و"خَرْقٍ" مجرورٌ بـ "رُبَّ"، وكظَهْرِ التُّرْسِ صفةٌ لـ "خَرْقٍ"، و"قَفْرٍ قَطعتُه" صِفتانِ لـ"خَرْقٍ" أيضاً، والواوُ واوُ رُبَّ، وتَتعلَّقُ بمحذوفٍ، أيْ قَصدْتُ خَرْقاً مِن الأرضِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ "قَطعتُه" هو العاملُ في "رُبَّ"، فلا يكونُ صِفةً، الباءُ في بـ "عَامِلَتَيْنِ" تَتعلَّقُ بـ"قَطَعْتُ"، وظَهْرُه مُبتدأٌ، وليس وما عَمِلَتْ فيه خبرُه، واسمُ ليس مُستَتِرٌ فيها، و"يَعمَلُ" خبرُها، والمبتدأُ وخبرُه صفةٌ لِـ "خِرْقٍ"، أيْ: غيرُ مُعْمَلٍ فيها الرِّكابُ.

وأَلْحَقْتُ أُولاهُ بأُخْرَاهُ مُوفِياً = على قُنَّةٍ أَقْعِي مِراراً وأَمْثُلُ

أَلْحَقْتُ أُولاهُ بأُخراهُ، يَعنِي: جَمَعْتُ بينَهما بسَيْرِي فيه، والضميرُ في "أُولاَهُ وأُخراهُ" عائدٌ إلى الْخَرْقِ، ولسُرْعَتِي لَحِقَ أوَّلُها بآخِرِها، و"مُوفِياً" مُشْرِفاً عليها، أيْ كَمَلَ سَيْرُها، والقُنَّةُ بالضمِّ أَعْلَى الجبَلِ، مِثلُ القُلَّةِ, قالَ الشاعرُ:

أَمَا ودِماءٍ مائراتٍ تَخالُها = على قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَما
وما سَبَّحَ الرُّهبانُ في كلِّ بِيعةٍ = أَبِيلَ الأَبِيلَيْنِ المسيحَ ابنَ مَرْيَمَا
لقدْ ذاقَ مِنَّا عامِرٌ يومَ لَعْلَعٍ = حُساماً إذا ما هُزَّ بالكَفِّ صَمَّمَا
والإقعاءُ عندَ أهْلِ اللغةِ أنْ يُلْصِقَ الرجُلُ ألْيَتَيْهِ بالأرضِ ويَنْصِبَ ساقَيْهِ، ويَتسانَدَ إلى ظهْرِه، و"أَمْثُلُ" أي أَنْتَصِبُ قائماً.
الباءُ في أُخراهُ مُتَعَلِّقَةٌ بـ "أَلْحَقْتُ"، و"مُوفِياً" حالٌ مِن الضميرِ في "أَلْحَقْتُ"، و"على قُنَّةٍ" يَتعلَّقُ بـ "أُقْعِي"، و"أُقْعِي" حالٌ مِن الضميرِ في "مُوفِياً" أو في "أَلْحَقْتُ"، ويكونُ على هذا حالاً مُقَدَّرَةً. و"مِراراً" يَجوزُ أنْ يَنتصِبَ على الْمَصْدَرِ، أيْ أَمُرُّ مِراراً، ويَجوزُ أنْ يَنتصِبَ على الظرْفِ، أيْ أُقْعِي أَحياناً، و"أَمْثُلُ" مَعطوفٌ على "أُقْعِي"، و"مِراراً" مُقَدَّرَةٌ هنا ودَلَّ عليها "مِراراً" الأُولَى.

تَرُودُ الأَرَاوِي الصُّحْمُ حَوْلِي كَأَنَّهَا = عَذَارَى علَيْهِنَّ الْمُلاَءُ الْمُذَيَّلُ

تَرُودُ: تَذهبُ وتَجيءُ، والأَرَاوِي واحِدُها أَرْوِيَّةٌ، وهي الأُنْثَى مِن الوُعولِ، والصُّحْمُ جَمْعُ أَصْحَمَ وصَحماءَ، وهي الوُعولُ السُّودُ التي يَضْرِبُ لونُها إلى صُفرةٍ، والعَذارَى جمْعُ عَذراءَ وهي البِكْرُ، والْمُلاءُ ضَرْبٌ مِن الثيابِ، والْمُذَيَّلُ الطويلُ الذَّيْلِ.
والمعنى أنَّ الأَرَاوِيَ تَذهبُ وتَجيءُ حَوْلِي كالْعَذَارَى، أيْ قد أَنِسَتْ بي لكثرةِ مُخَالَطَتِي لها، فما تَنْفِرُ مِنِّي, كما أنَّ العَذَارَى كذلك.
تَرُودُ حالٌ مِن الضميرِ في "أُقْعِي"، أيْ "أُقْعِي" رائدةً لِي الأَرَاوِي، و"عَذَارَى" خبرُ "كأنَّ", والْمُلاءُ مُبتدأٌ، والْمُذَيَّلُ صِفَتُه, و"علَيْهِنَّ" خبرُ المبتدأِ, والمبتدأُ وخبرُه صِفةُ "عَذَارَى" تَقديرُه: لابِساتٌ.

ويَرْكُدْنَ بالآصالِ حَوْلِي كَأَنَّنِي = مِن العُصْمِ أَدْفَى يَنْتَحِي الكِيحَ أَعْقَلُ

يَرْكُدْنَ يَثْبُتْنَ، وكلُّ ثابتٍ في مَكانٍ فهو راكِدٌ، والآصالُ جَمْعُ أَصيلٍ، وهو الوقتُ مِن العَصْرِ إلى الْمَغْرِبِ، قالَ الشاعرُ:

لعَمْرِي لأَنْتَ البيتُ أُكْرِمَ أهْلُه = وأَقْعُدُ في أفيائِه بالأَصَائِلِ

والعُصْمُ جَمْعُ أعْصَمَ مِن الوُعولِ، وهو الذي في ذِراعَيْهِ بَياضٌ، وقيلَ: الذي بإِحْدَى يَدَيْهِ بَياضٌ، والأَدْفَى مِن الوُعولِ الذي طالَ قَرْنُه جِدًّا وذهَبَ قِبَلَ أُذُنَيْهِ، و"يَنتحِي" يَعتمِدُ ويَقْصِدُ، والكِيحُ عرْضُ الجبَلِ وسَنَدُه، والأعقَلُ الْمُمْتَنِعُ في الجبَلِ العالِي.
والمعنى أنَّ الأرَاوِيَ لا تُنْكِرُنِي كأَنَّنِي واحدٌ منها.
يَرْكُدْنَ معطوفٌ على "تَرودُ"، والنونُ ضميرُ الأراوي، و"بالآصالِ" ظرْفٌ لـ "يَرْكُدْنَ"، وهو ظرْفُ زَمانٍ، و"حَوْلِي" ظرْفُ مكانٍ لـ "يَرْكُدْنَ" أيضاً، و"كأنني" حالٌ مِن الياءِ في "حَوْلِي"، والحالُ مِن الْمُضافِ إليه ضعيفٌ مِن جهةِ أنَّ العامِلَ في الحالِ هو العاملُ في صاحبِ الحالِ، ولا يَعملُ المضافُ, لكنْ أمْكَنَ ههنا أنْ يُقالَ: حَوْلِي ظرْفٌ, والحالُ يَعملُ فيها رَوائحُ الأفعالِ، فبطريقِ الأَوْلَى أنْ يَعملَ فيها الظرْفُ، ويُمكِنُ أنْ يُقالَ: حَوْلاً في الأصْلِ مَصدَرٌ؛ لأنه مِن: حالَ يَحولُ حَوْلاً، ثم جُعِلَ اسماً لكلِّ ما أَحاطَ بالشيءِ مِن جوانِبِه, فهو بمعنى الإحاطةِ، فيكونُ التقديرُ: تُحيطُ بي مُشْبِهاً حالِي حالَ أَدْفَى. فيكونُ معنى "حَوْلِي" هو العاملُ في الحالِ، و"أَدْفَى" خبرُ "كأنَّ" و"مِن العُصْمِ" يَجوزُ أنْ يكونَ حالاً، العاملُ فيه معنى "كأنَّ"، وصاحبُ الحالِ الضميرُ في "كأَنَّنِي", وقد جاءَ مِثلُ هذا, قالَ الشاعِرُ:

كأنه خَارِجاً مِن جَنْبِ صَفْحَتِه = سَفُّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عند مُفْتَئِدِ

ويَجوزُ أنْ يكونَ صِفةً لـ "أَدْفَى"، قُدِّمَ فصارَ حالاً، و"يَنتحِي" يَجوزُ أنْ يكونَ نَعْتاً لـ "أَدْفَى"، ويَجوزُ أنْ يكونَ حالاً مِن الضميرِ في "أَدْفَى"، والكلامُ في "أَعْقَلُ" كذلك, يَجوزُ أنْ يكونَ نَعتاً لـ "أَدْفَى"، وأنْ يكونَ حالاً مِن الضميرِ في "يَنتحِي"، واللهُ سُبحانَه وتعالى أَعْلَمُ.


الساعة الآن 01:51 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir