مقدمة رَقْمِ الْحُلَلِ فِي نَظْمِ الدُّوَل تَأْلِيفُ لِسَانِ الدِّينِ بْنِ الْخَطِيبِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ] الحمدُ للَّهِ الذي لا يُنْكِرُهْ = مَنْ سَرَحَتْ في الكائناتِ فِكَرُهْ ذِي الفضلِ والقدرةِ والجلالِ = مخترعُ الخلقِ بلا مثالِ المَلِكُ الحقُّ بلا نِهَايَهْ = ومَنْ لهُ في كلِّ شيءٍ آيَهْ مَنْ رَفَعَ السماءَ منْ غيرِ عَمَدْ = دونَ مُعِينٍ أوْ ظهيرٍ أوْ وَلَدْ وبثَّ في الأرضِ على الماءِ زَبَدْ = نادَتْ بهِ قُدْرَتُهُ اجْمُدْ فَجَمَدْ وبثَّ فيها وَالِداً وما وَلَدْ = يَجْرِي من العُمْرِ لِحَدٍّ وأَمَدْ فَمِنْ شَقِيٍّ ضَلَّ سعياً وسَعِيدْ = ومِنْ قريبٍ منْ رِضَاهُ وبَعِيدْ وَآمِرٍ يَسْطُو على مأمورِ = ومُهْتَدٍ يَعْجَبُ منْ مَغْرُورِ في تَعَبٍ لا ينقضي وجَهْدِ = وأَرَقٍ مُتَّصِلٍ بعدَ سُهْدِ أُغْرِيَ عمرٌو منهمُ بِزَيْدِ = في حِيَلٍ لا تنتهي وَكَيْدِ ولَذَّةٍ حِسِّيَّةٍ وَهْمِيَّهْ = وحالةٍ حِلْمِيَّةٍ وَهْمِيَّهْ+ حتَّى إذا ما اسْتَيْقَظُوا لمْ يَجِدُوا = شيئاً من الحُلْمِ الَّذِي قدْ عَهِدُوا وانْتَبَهُوا كأنَّهُم ما رَقَدُوا = وحَلَّتِ الأيَّامُ ما قدْ عَقَدُوا والوعدُ حقٌّ والإلهُ الحاكِمُ = واللَّهُ لا يَفْلِتُ منهُ الظالمُ نَسْأَلُهُ التوفيقَ والسَّعَادَهْ = فالخيرُ للفاعلِ خَيْراً عَادَهْ والحمدُ للَّهِ وليِّ الحمدِ = بحمْدِهِ يُفتحُ بابُ القصْدِ فَضَّلَ في وُجُودِهِ الإِنْسَانَا = وواصلَ الإنعامَ والإِحْسَانَا عَلَّمَنَا سُبْحَانَهُ بالقلمِ = حتَّى اسْتَفَدْنَا عِلْمَ ما لمْ نَعْلَمِ كَمْ رَسْمِ عِلْمٍ كانَ لَوْلاهُ دَثَرْ = من حكمةٍ ومنْ بيانٍ وأَثَرْ ومنْ لسانٍ واعتقادٍ وخبَرْ = وعبرةٍ بها لقلبٍ مُعْتَبَرْ حتَّى علِمْنَا علمَ ما لمْ نَشْهَدِ = على نَوَى الدارِ وبُعْدِ الأَمَدِ منْ أُمَمٍ طَوَاهُمُ صَرْفُ الرَّدَى = وجارَ في الحُكْمِ علَيْهم وَعَدَا سَطَا على مَنْ رَاحَ مِنْهُمْ وَغَدَا = فما وَقَى البَأْسُ ولا أَغْنَى النَّدَا الأمرُ جدُّ ما عَدَا عمَّا بَدَا = هيهاتَ لا يَلْتَمِسُ الدَّهْرُ فِدَا كلُّ امرئٍ قَدَّمَ ما قدْ وَجَدَا = والحاكمُ الدَّيَّانُ والفصْلُ غَدَا ثمَّ صلاةُ اللَّهِ والسلامُ = على مَن انْجَابَ بهِ الظلامُ ووَضُحَتْ بدِينِهِ الأحكامُ = وعُلِمَ الحلالُ و الحرامُ المُجْتَبَى منْ خيرِ أصنافِ الأمَمْ = بُحْبُوحَةِ العزِّ ويَنْبُوعِ الحِكَمْ خيرِ رسولٍ مُصْطَفًى مُقَرَّبِ = منْ عَجَمٍ فوقَ الثَّرَى وعَرَبِ أوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بابَ الجَنَّهْ = يُلْبِسُهُ اللَّهُ ثيابَ المِنَّهْ ويُرْزَقُ القبولَ والشفَاعَهْ = في حِزْبِهِ يومَ تقومُ السَّاعَهْ فَيَا لَهَا منْ حُظْوَةٍ نَفَّاعَهْ = لقدْ أطاعَ اللَّهَ مَنْ أَطَاعَهْ أتى وبحرُ الكفرِ طَامِي اللَّجَجِ = والناسُ منْ ظَلْمَائِهِمْ في ثَبَجِ فأوضحَ الحقَّ و أبْدَى المَذْهَبَا = وجمعَ الخلقَ وهُمْ أَيْدِي سَبَا وأَصْبَحَتْ سامعةً مُطِيعَهْ = واتَّصَلَ الحبلُ بلا قَطِيعَهْ وقادَ بالسَّيْفِ إلَيْهَا مَنْ أَبَى = فَعَمَّرَ الدِّينُ الوِهَادَ والرُّبَى أَذَلَّ أعناقَ العُتَاةِ قَسْرَا = وحازَ ما تَحْتَ سَرِيرِ كِسْرَى ونُقِلَتْ خزائنُ الهِرَقْلِ = بذا تَلَقَّيْنَا صحيحَ النَّقْلِ وحلَّ في أَقْصَى حدودِ الغَرْبِ = مُقْتَدِحاً فيهِ زِنَادَ الحَرْبِ في كلِّ فجٍّ مسجدٌ ومِنْبَرُ = وعَلَمٌ لدِينِهِ أوْ أَثَرُ وراحَ حزبُ اللَّهِ فيها وَغَدَا = واللَّهُ لا يُخْلِفُ مَهْمَا وَعَدَا صلَّى عليهِ اللَّهُ ما نَجْمٌ بَدَا = وما حَمَامُ البانِ في الْبَانِ شَدَا ورَضِيَ الرحمنُ عنْ أَصْحَابِهِ = الْوَاثِقِينَ بِعُلَى جَنَابِهِ أَئِمَّةِ الرُّشْدِ وأعلامِ الهُدَى = وسُرُجِ الحقِّ وأمطارِ النَّدَى وبعدُ فالتاريخُ والأخبارُ = فيهِ لنفسِ الغافلِ اعتبارُ وفيهِ للمُسْتَبْصِرِ اسْتِبْصَارُ = كيفَ أتى القومُ وكيفَ صَارُوا يُجْرِي على الحاضرِ حُكْمَ الغائِبِ = فَيَثْبُتُ الحقُّ بسَهْمٍ صائِبِ ويَنْظُرُ الدُّنْيَا بعينِ النُبْلِ = ويَتْرُكُ الجهلَ لأهلِ الجهْلِ وإنَّنِي اغْتَرَفْتُ واللَّهُ المُعِينُ = بالنظمِ منْ مَشْرَعِهِ العَذْبِ المَعِينِ عُلالَةً قريبةً للحِفْظِ = يَسَّرْتُ منها في وجيزِ اللَّفْظِ أَمْلاكَ هذي الدُّولِ المَشْهُورَهْ = وذكْرَ ما ضَمَّتْ لهُ ضَرُورَهْ منْ وقعةٍ منقولةٍ مذكورهْ = أو ثَوْرَةٍ أخبارُها مَأْثُورَهْ ورُبَّما اسْتَوْفَيْتُ منها الصُّورَهْ = مشروحةً في نُبْذَةٍ مَنْثُورَهْ بَدَأْتُ بالنبيِّ ثمَّ الخُلَفَا = ثمَّ بَنِي أُمَيَّةَ بلا خَفَا في مَشْرِقٍ ثُمَّةَ في أَنْدَلُسِ = ثمَّ بَنِي عَبَّاسِهِمْ في نَفَسِ كأنَّهُم قدْ جُمِعُوا في مجلسِ = لمْ يَبْقَ منْ أُغْفِلَ منهم أوْ نُسِي ثمَّ مُلُوكِ التُّرْكِ لَمَّا ظَهَرُوا = وغَلَبُوا مَنْ دُونَهُمْ وقَهَرُوا ومَنْ وَلِي بعدَ بَنِي أُمَيَّهْ = بحِمْصَ أوْ قُرْطَبَةٍ أوْ رَيَّهْ أو غيْرِها منْ وطنٍ شهيرِ = يليقُ بالتَّمْلِيكِ والتَّأْمِيرِ ثمَّ بَنِي الأغلبِ ثمَّ الشِّيعَهْ = إذْ صارتِ الأرضُ لها مُطِيعَهْ ثمَّ على الفَرَاغِ منْ مَسُوفَهْ = دولةِ عبدِ المؤمنِ المعروفَهْ ثمَّ بني يحيَى بنِ عبدِ الواحِدِ = كيفَ تَوَلَّوْا وَلَداً عنْ وَالِدِ ثمَّ بني زَيَّانَ سَمَتْ ذِكْراً = أَجْرَيْتُهُمْ منْ بعدُ هذا المَجْرَى ثمَّ الملوكِ منْ بني المَرِينِ = فطَالَمَا هَبُّوا لنَصْرِ الدِّينِ ثمَّ بني نَصْرٍ على الترتيبِ = في مَأْخَذٍ مُهَذَّبٍ قَرِيبِ فوائدٌ مُقْرِبَةٌ ومُغْرِبَهْ = يَكْسَبُ منها المرءُ عقلَ التَّجْرِبَهْ واللَّهُ رَبُّنَا وَلِيُّ العِصْمَهْ = بِيَدِهِ الكثيرُ ومنهُ النِّعْمَهْ وها أنا أَبْتَدِئُ التَّقْيِيدَا = وأستعينُ المُبْدِئَ المُعِيدَا |
الساعة الآن 09:17 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir