باب القول فيمن زعم أنّ الإيمان مخلوقٌ
قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): (باب القول فيمن زعم أنّ الإيمان مخلوقٌ
[الإبانة الكبرى: 6/297] 467 - سمعت أبا بكرٍ أحمد بن سلمان النّجاد، يقول: " ومن الفرق الهالكة قومٌ أحدثوا شيئًا أنكره العلماء. وذكر أنّ الصّوريّ كان نزل بغداد بالجانب الشّرقيّ سوق يحيى وأظهر التّقلّل والتّقشّف، وقال في بعض كلامه: «إنّ الإيمان مخلوقٌ»، وإنّما أردت الحركة، فخاض النّاس في أمره، فطائفةٌ تنصره، وطائفةٌ تنكر عليه فسألوا عبد الوهّاب الورّاق وهارون الحمّال فعرضا كلامه على أحمد بن حنبلٍ " [الإبانة الكبرى: 6/297] 468 - وحدّثنا أبو حفصٍ عمر بن محمّد بن رجاءٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن داود، قال: حدّثنا أبو بكرٍ المرّوذيّ، قال: قلت لأبي عبد [الإبانة الكبرى: 6/297] اللّه: إنّ رجلًا قد تكلّم في ذلك الجانب وقد قعد النّاس يخوضون فيه، وقد ذهبوا إلى عبد الوهّاب فسألوه، فقال: اذهبوا إلى أبي عبد اللّه، وقد ذهبوا إلى غير واحدٍ من المشيخة، فلم يدروا ما يقولون، وقد جاءوا بكلامه على أن يعرضوه عليك وهذه الرّقعة، فقال: " هاتها. فدفعتها إليه، فكان فيها: خلق اللّه عزّ وجلّ لنا عقولًا، وألهمنا الخير والشّرّ، وألهمنا الرّشد، وأوجب علينا فيما أنعم به علينا الشّكر. فقال له رجلٌ: وهكذا إيماننا قولٌ وعملٌ، ويزيد وينقص ونيّةٌ واتّباع السّنّة، وإنّما قلت: إنّه مخلوقٌ على الحركة والفعل، إذ كان في هذا الموضع لا على القول، فمن قال: «إنّ الإيمان مخلوقٌ يريد القول فهو كافرٌ»، وبعد هذا يعرض كلامي على أبي عبد اللّه، فإن كان خطأً رجعت وتبت إلى اللّه، وإن كان صوابًا، فالحمد للّه، فقرأها أبو عبد اللّه حتّى انتهى إلى قوله: وإنّما قلت: إنّه مخلوقٌ على الحركة والفعل، فرمى أبو عبد اللّه بالرّقعة من يده، وغضب شديدًا، ثمّ قال: " هذا أهلٌ أن يحذّر عنه ولا يكلّم، هذا كلام جهمٍ بعينه، وإنّما قلت مخلوقٌ على الحركة، هذا مثل قول الكرابيسيّ، إنّما أراد: الحركات مخلوقةٌ، هذا قول جهمٍ، ويله إذا قال: إنّ الإيمان مخلوقٌ، فأيّ شيءٍ بقي؟ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الإيمان شهادة أن لا إله إلّا اللّه»، فلا إله إلّا اللّه مخلوقٌ؟، قال: من أين هذا الرّجل؟ وعلى من نزل؟ ومن يجالس؟ قلت: هو غريبٌ، قال: حذّروا عنه، ليس يفلح أصحاب الكلام. [الإبانة الكبرى: 6/298] ثمّ غضب غضبًا شديدًا، وأمر بمجانبته، ثمّ قال أبو عبد اللّه: انظر كيف قد قدّم التّوبة أمامه: إن أنكر عليّ أبو عبد اللّه تبت، ولم يرد أن يتكلّم بكلامٍ أنكره عليه [الإبانة الكبرى: 6/299] 469 - وحدّثنا أبو عمر حمزة بن القاسم الهاشميّ، قال: حدّثنا حنبلٌ، قال: سمعت أبا عبد اللّه، وسئل عن من قال: الإيمان مخلوقٌ فقال: هذا كلام سوءٍ رديءٌ، وأيّ شيءٍ بقي والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «الإيمان شهادة أن لا إله إلّا اللّه»، فلا إله إلّا اللّه " مخلوقٌ؟ من قال هذا، فهو قول سوءٍ، يدعو إلى كلام جهمٍ، يحذّر عن صاحب هذا الكلام، ولا يجالس، ولا يكلّم حتّى يرجع ويتوب، وهذا عندي يدعو إلى كلام جهمٍ، الإيمان شهادة أن لا إله إلّا اللّه، ولا إله إلّا اللّه مخلوقٌ هو؟ قال اللّه تعالى {لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم} [البقرة: 255]، {لا إله إلّا هو الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر} [الحشر: 23]، فهذه صفاته وأسماؤه غير مخلوقةٍ وصف اللّه بها نفسه، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «الإيمان شهادة أن لا إله إلّا اللّه» فمن قال: لا إله إلّا اللّه مخلوقٌ، فقد قال بقول الجهميّة، يحذّر عن صاحب هذه المقالة، وصفات اللّه وأسماؤه غير مخلوقةٍ، وهذه من صفات اللّه تعالى، ولم يزل اللّه عالمًا، فمن قال: لا إله إلّا اللّه مخلوقٌ فقد قال مقالة الجهميّة " [الإبانة الكبرى: 6/299] 470 - وحدّثنا جعفر بن محمّدٍ القافلائي، قال: حدّثنا إسحاق بن [الإبانة الكبرى: 6/299] إبراهيم بن هانئٍ، قال: سألت أبا عبد اللّه، عن الإيمان أمخلوقٌ هو؟ فقال أبو عبد اللّه: " وقرأ {اللّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم} [البقرة: 255]، أمخلوقٌ هو؟ ما هو اللّه مخلوقٌ " قال الشّيخ: فالقول في هذا ما كان عليه أهل العلم والتّسليم لما قالوه، فمن قال: إنّ الإيمان مخلوقٌ فهو كافرٌ باللّه العظيم، لأنّ أمل الإيمان وذروة سنامه شهادة أن لا إله إلّا اللّه، ومن قال: إنّه غير مخلوقٍ، فهو مبتدعٌ لأنّ القدريّة تقول: إنّ أفعال العباد وحركاتهم غير مخلوقةٍ، فالأصل المعمول عليه من هذا: التّسليم لما قالته العلماء، وترك الكلام فيما لم يتكلّم فيه الأئمّة، فهم القدوة وهم كانوا أولى بإكلامٍ منّا، نسأل اللّه عصمةً من معصيته، وعياذًا من مخالفته [الإبانة الكبرى: 6/300] |
الساعة الآن 02:24 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir