تفسير سورة النساء [ من الآية (7) إلى الآية (10) ]
تفسير قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} تفسير قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7)} قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: عزّ وجلّ: {للرّجال نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيبا مفروضا}كانت العرب لا تورّث إلا من طاعن بالرماح وزاد عن المال وحاز الغنيمة، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن حق الميراث على ما ذكر من الفرض. وجاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعها بنات لها توفّي أبوهنّ وهو زوجها وقد همّ عمّا البنات بأخذ المال فنزلت: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين} الآية، فقال العمّان: يا رسول الله أيرث من لا يطاعن بالرماح ولا يزود عن المال ولا يحوز الغنيمة؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أعطيا البنات الثلثين، وأعطيا الزوجة - وهي أمّهنّ - الثمن، وما بقي فلكما))، فقالا: فمن يتولى القيام بأمرهما؟ فأمرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوليا ذلك. وقوله عزّ وجلّ: {نصيبا مفروضا} هذا منصوب على الحال، المعنى: لهؤلاء أنصبة على ما ذكرناها في حال الفرض، وهذا كلام مؤكّد لأن قوله - جل ثناؤه - {للرّجال نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيب...} معناه: إنّ ذلك مفروض لهنّ). [معاني القرآن: 2/15] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى:{ للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيباً مفروضاً (7) وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً (8) وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّةً ضعافاً خافوا عليهم فليتّقوا اللّه وليقولوا قولاً سديداً (9)}. سمى الله عز وجل الأب والدا لأن الولد منه ومن الوالدة، كما قال الشاعر: الرجز بحيث يعتش الغراب البائض لأن البيض من الأنثى والذكر، قال قتادة وعكرمة وابن زيد: وسبب هذه الآية، «أن العرب كان منها من لا يورث النساء ويقول: لا يرث إلا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف فنزلت هذه الآية، قال عكرمة: سببها خبر أم كحلة، مات زوجها وهو أوس بن سويد وترك لها بنتا فذهب عم بنيها إلى أن لا ترث فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال العم: هي يا رسول الله لا تقاتل ولا تحمل كلا ويكسب عليها ولا تكسب، واسم العم ثعلبة فيما ذكره». ونصيباً مفروضاً، نصب على الحال، كذا قال مكي، وإنما هو اسم نصب كما ينصب المصدر في موضع الحال، تقديره: فرضا، ولذلك جاز نصبه، كما تقول: لك عليّ كذا وكذا حقا واجبا، ولولا معنى المصدر الذي فيه ما جاز في الاسم الذي ليس بمصدر هذا النصب، ولكان حقه الرفع). [المحرر الوجيز: 2/474-475] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا (7) وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولًا معروفًا (8) وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّةً ضعافًا خافوا عليهم فليتّقوا اللّه وليقولوا قولًا سديدًا (9) إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا (10) }. قال سعيد بن جبيرٍ وقتادة: «كان المشركون يجعلون المال للرّجال الكبار، ولا يورّثون النّساء ولا الأطفال شيئًا، فأنزل اللّه: {للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا} أي: الجميع فيه سواءٌ في حكم اللّه تعالى، يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض اللّه تعالى لكلٍّ منهم، بما يدلي به إلى الميّت من قرابةٍ، أو زوجيّةٍ، أو ولاءٍ. فإنّه لحمة كلحمة النّسب». وقد روى ابن مردويه من طريق ابن هراسة عن سفيان الثّوريّ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر قال: جاءت أمّ كجّة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللّه، إنّ لي ابنتين، وقد مات أبوهما، وليس لهما شيءٌ، فأنزل اللّه تعالى: {للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون} الآية، وسيأتي هذا الحديث عند آيتي الميراث بسياقٍ آخر، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/219] تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (8)} قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا}أي: فأعطوهم منه. قال الحسن رحمة اللّه عليه والنخعي: « أدركنا الناس وهم يقسمون على القرابات والمساكين. واليتامى من العين، يعنيان الورق، والذهب، فإذا قسم الورق والذهب وصارت القسمة إلى الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك؛ قالوا لهم قولا معروفا كانوا يقولون لهم: بورك فيكم». وقال قوم: «نسخ الأمر للمساكين ومن ذكر في هذه الآية الفرض في القسمة، وإباحة الثلث للميّت يجعله حيث شاء». قال أبو إسحاق: «وقد أجمعوا أن الأمر بالقسمة من الميراث للقرابة والمساكين واليتامى قد أمر بهما، ولم يجمعوا على نسخها، والأمر في ذلك على ما أجمع عليه، واللّه أعلم»). [معاني القرآن: 2/15-16] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: وإذا حضر القسمة الآية، اختلف المتأولون فيمن خوطب بهذه الآية على قولين: أحدهما أنها مخاطبة للوارثين، والمعنى: إذا حضر قسمتكم لمال موروثكم هذه الأصناف الثلاثة، فارزقوهم منه، ثم اختلف قائلو هذا القول، فقال سعيد بن المسيب وأبو مالك والضحاك وابن عباس فيما حكى عنه المهدوي: «نسخ ذلك بآية المواريث». وكانت هذه قسمة قبل المواريث، فأعطى الله بعد ذلك كل ذي حق حقه، وجعلت الوصية للذين يحزنون ولا يرثون، وقال ابن عباس والشعبي ومجاهد وابن جبير: «ذلك محكم لم ينسخ »، وقال ابن جبير: «وقد ضيع الناس هذه الآية »، قال الحسن: «ولكن الناس شحوا، وامتثل ذلك جماعة من التابعين»، عروة بن الزبير وغيره، وأمر به أبو موسى الأشعري، واختلف القائلون بأحكامها، فقالت فرقة: «ذلك على جهة الفرض والوجوب أن يعطى الورثة لهذه الأصناف ما تفه وطابت به نفوسهم، كالماعون والثوب الخلق، وما خف كالتابوت، وما تعذر قسمه»، وقال ابن جبير والحسن: «ذلك على جهة الندب، فمن تركه فلا حرج عليه»، واختلف في هذا القول إذا كان الوارث صغيرا لا يتصرف في ماله، فقال سعيد بن جبير وغيره: هذا على وجه المعروف فقط، يقوله ولي الوارث دون عطاء ينفذ، وقالت فرقة: «بل يعطي ولي الوارث الصغير من مال محجوره بقدر ما يرى »، والقول الثاني: فيمن خوطب بها: إن الخطاب للمحتضرين الذين يقسمون أموالهم بالوصية، فالمعنى: إذا حضركم الموت أيها المؤمنون، وقسمتم أموالكم بالوصية، وحضركم من لا يرث من ذي القرابة واليتامى فارزقوهم منه، قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وابن زيد قال: «كانوا يقولون للوصي: فلان يقسم ماله»، ومعنى «حضر»: شهد، إلا أن الصفة بالضعف واليتم والمسكنة تقضي أن ذلك هو علة الرزق، فحيث وجدت رزقوا وإن لم يحضروا القسمة، وأولوا: اسم جمع لا واحد له من لفظه، ولا يكون إلا مضافا للإبهام الذي فيه، وربما كان واحده من غير لفظة: ذو، واليتم: الانفراد واليتيم: الفرد، وكذلك سمي من فقد أباه يتيما لانفراده، ورأى عبيدة ومحمد بن سيرين أن الرزق في هذه الآية، أن يصنع لهم طعام يأكلونه، وفعلا ذلك، ذبحا شاة من التركة، والضمير في قوله: فارزقوهم وفي قوله: لهم عائد على الأصناف الثلاثة، وغير ذلك من تفريق عود الضميرين كما ذهب إليه الطبري تحكم- والقول المعروف: كل ما يؤنس به من دعاء أو عدة أو غير ذلك). [المحرر الوجيز: 2/475-476] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفًا} قيل: المراد: وإذا حضر قسمة الميراث ذوو القربى ممّن ليس بوارثٍ واليتامى والمساكين فليرضخ لهم من التّركة نصيبٌ، وأنّ ذلك كان واجبًا في ابتداء الإسلام. وقيل: يستحبّ واختلفوا: هل هو منسوخٌ أم لا؟ على قولين، فقال البخاريّ: حدّثنا أحمد بن حميد أخبرنا عبيد اللّه الأشجعيّ، عن سفيان، عن الشّيباني، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين} قال: «هي محكمة »، وليست بمنسوخةٍ. تابعه سعيد عن ابن عبّاسٍ. وقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن الحجّاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ قال: «هي قائمةٌ يعمل بها». وقال الثّوريّ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ في هذه الآية، قال: هي واجبةٌ على أهل الميراث، ما طابت به أنفسهم. وهكذا روي عن ابن مسعودٍ، وأبي موسى، وعبد الرّحمن بن أبي بكرٍ، وأبي العالية، والشّعبيّ، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، ومكحولٍ، وإبراهيم النّخعي، وعطاء بن أبي رباحٍ، والزّهريّ، ويحيى بن يعمر: «إنّها واجبةٌ». وروى ابن أبي حاتمٍ عن أبي سعيدٍ الأشجّ، عن اسماعيل بن عليّة، عن يونس بن عبيد، عن محمّد بن سيرين قال: «ولي عبيدة وصيّةً، فأمر بشاةٍ فذبحت، فأطعم أصحاب هذه الآية، وقال: لولا هذه الآية لكان هذا من مالي». وقال مالكٌ، فيما يروى عنه من التّفسير في جزءٍ مجموعٍ، عن الزّهريّ: أنّ عروة أعطى من مال مصعبٍ حين قسّم ماله. وقال الزّهريّ: «وهي محكمةٌ». وقال مالكٌ، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ قال: «هو حقٌّ واجبٌ ما طابت به الأنفس». ذكر من ذهب إلى أنّ ذلك أمرٌ بالوصيّة لهم: قال عبد الرّزّاق: أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة: أنّ أسماء بنت عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ الصّدّيق، والقاسم بن محمّدٍ أخبراه: أنّ عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ قسّم ميراث أبيه عبد الرّحمن وعائشة حية قالا فلم يدع في الدّار مسكينًا ولا ذا قرابةٍ إلّا أعطاه من ميراث أبيه. قالا وتلا {وإذا حضر القسمة أولوا القربى} قال القاسم: فذكرت ذلك لابن عبّاسٍ فقال: ما أصاب، ليس ذلك له، إنّما ذلك إلى الوصيّة، وإنّما هذه الآية في الوصيّة يزيد الميّت أن يوصي لهم. رواه ابن أبي حاتمٍ. ذكر من قال: إنّ هذه الآية منسوخةٌ بالكلّيّة: قال سفيان الثّوريّ، عن محمّد بن السّائب الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإذا حضر القسمة} قال: منسوخةٌ. وقال إسماعيل بن مسلمٍ المكّيّ، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال في هذه الآية: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى} نسختها الآية الّتي بعدها: {يوصيكم اللّه في أولادكم}. وقال العوفي، عن ابن عبّاس في هذه الآية: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى} كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض، فأنزل اللّه بعد ذلك الفرائض، فأعطى كلّ ذي حقّ حقّه، فجعلت الصّدقة فيما سمى المتوفّى. رواهنّ ابن مردويه. وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصبّاح، حدّثنا حجّاج، عن ابن جريج وعثمان بن عطاءٍ عن عطاء، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين} نسختها آية الميراث، فجعل لكلّ إنسانٍ نصيبه ممّا ترك الوالدان والأقربون -ممّا قلّ منه أو كثر -[نصيبًا مفروضًا] وحدّثنا أسيد بن عاصمٍ، حدّثنا سعيد بن عامرٍ، عن همّامٍ، حدّثنا قتادة، عن سعيد بن المسيّب أنّه قال: « إنّها منسوخةٌ، كانت قبل الفرائض، كان ما ترك الرّجل من مالٍ أعطي منه اليتيم والفقير والمسكين وذوي القربى إذا حضروا القسمة، ثمّ نسخ بعد ذلك، نسختها المواريث، فألحق اللّه بكلّ ذي حق حقّه، وصارت الوصيّة من ماله، يوصي بها لذوي قرابته حيث يشاء ». وقال مالكٌ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب: «هي منسوخةٌ، نسختها المواريث والوصيّة». وهكذا روي عن عكرمة، وأبي الشّعثاء، والقاسم بن محمّدٍ، وأبي صالحٍ، وأبي مالكٍ، وزيد ابن أسلم، والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ، ومقاتل بن حيّان، وربيعة بن أبي عبد الرّحمن: أنّهم قالوا: إنّها منسوخةٌ. وهذا مذهب جمهور الفقهاء والأئمّة الأربعة وأصحابهم. وقد اختار ابن جريرٍ هاهنا قولًا غريبًا جدًا، وحاصله: أنّ معنى الآية عنده {وإذا حضر القسمة} أي: وإذا حضر قسمة مال الوصيّة أولو قرابة الميّت {فارزقوهم منه وقولوا لهم} لليتامى والمساكين إذا حضروا {قولا معروفًا} هذا مضمون ما حاوله بعد طول العبارة والتّكرار، وفيه نظرٌ، واللّه أعلم. وقد قال العوفي عن ابن عبّاسٍ: {وإذا حضر القسمة} وهي قسمة الميراث. وهكذا قال غير واحدٍ، والمعنى على هذا لا على ما سلكه أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه، بل المعنى: أنّه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الّذين لا يرثون، واليتامى والمساكين قسمة مالٍ جزيلٍ، فإنّ أنفسهم تتوق إلى شيءٍ منه، إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهذا يأخذ، وهم يائسون لا شيء يعطون، فأمر اللّه تعالى -وهو الرّءوف الرّحيم -أن يرضخ لهم شيءٌ من الوسط يكون برًّا بهم وصدقةً عليهم، وإحسانًا إليهم، وجبرًا لكسرهم. كما قال اللّه تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقّه يوم حصاده} وذمّ الّذين ينقلون المال خفيةً؛ خشية أن يطّلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة، كما أخبر عن أصحاب الجنّة {إذ أقسموا ليصرمنّها مصبحين} أي: بليلٍ. وقال: {فانطلقوا وهم يتخافتون. أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكينٌ} {دمّر اللّه عليهم وللكافرين أمثالها} فمن جحد حقّ اللّه عليه عاقبه في أعزّ ما يملكه؛ ولهذا جاء في الحديث: "ما خالطت الصّدقة مالًا إلّا أفسدته" أي: منعها يكون سبب محاق ذلك المال بالكلية). [تفسير القرآن العظيم: 2/219-221] تفسير قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا (9)} قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّة ضعافا خافوا عليهم فليتّقوا اللّه وليقولوا قولا سديدا} الكلام في ذرية: بضم الذال، ويجوز ذرية، - بكسر الذال، وقد قرئ بهما، إلا أن الضمّ أجود وهي منسوبة إلى الذر، وهي فعليّة منه. ويجوز أن يكون: أصلها ذرّورة، ولكن الراء أبدلت ياء وأدغمت الواو فيها، فأما الكسر في الذال فلكسر الراء كما قالوا في عتي: عتي. وضعاف جمع ضعيف وضعيفة، كما تقول ظريف وظراف وخبيث وخباث، وإن قيل ضعفاء جاز، تقول ضعيف وضعفاء. قيل: ومعنى الآية أنهم كانوا يوصون بأموالهم على قدر أهوائهم ويتركون ضعفة ذراريهم وأولادهم فأمرهم اللّه - عز وجل - أن يوصوا لهم، وأن يجروا ذلك من سداد. وقيل: قيل لهم هذا بسبب اليتامى، فوعظوا في توليتهم اليتامى بأن يفعلوا كما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم. وكلا القولين جائر حسن، ألا أن تسمية الفرائض قد نسخ ذلك بما جعل من الأقسام للأولاد وذوي العصبة). [معاني القرآن: 2/16-17] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله وليخش جزم بلام الأمر، ولا يجوز إضمار هذه اللام عند سيبويه، قياسا على حروف الجر، إلا في ضرورة شعر، ومنه قول الشاعر: [الوافر] محمّد تفد نفسك كلّ نفس ...... إذا ما خفت من أمر تبالا وقرأ أبو حيوة وعيسى بن عمر والحسن والزهري: بكسر لامات الأمر في هذه الآية، وقد تقدم الكلام على لفظ ذرّيّةً في سورة آل عمران، ومفعول يخشى محذوف لدلالة الكلام عليه، وحسن حذفه من حيث يتقدر فيه التخويف بالله تعالى. والتخويف بالعاقبة في الدنيا، فينظر كل متأول بحسب الأهم في نفسه، وقرأ أبو عبد الرحمن وأبو حيوة والزهري وابن محيصن وعائشة: «ضعفاء» بالمد وضم الضاد، وروي عن ابن محيصن «ضعفا» بضم الضاد والعين وتنوين الفاء، وأمال حمزة ضعافاً وأمال- خافوا، والداعي إلى إمالة خافوا الكسرة التي في الماضي في قولك: خفت، ليدل عليها، وخافوا جواب لو، تقديره: لو تركوا لخافوا، ويجوز حذف اللام في جواب- لو- تقول- لو قام زيد لقام عمرو، ولو قام زيد قام عمرو، واختلف من المراد بهذه الآية؟ فقال ابن عباس وقتادة والسدي وابن جبير والضحاك ومجاهد: « المراد من حضر ميتا حين يوصي فيقول له: قدم لنفسك وأعط فلان وفلانة ويؤذي الورثة بذلك، فكأن الآية تقول لهم: كما كنتم تخشون على ورثتكم وذريتكم بعدكم، فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم وذريته، ولا تحملوه على تبذير ماله وتركهم عالة. وقال مقسم وحضرمي: نزلت في عكس ذلك، وهو أن يقول للمحتضر: أمسك على ورثتك وأبق لولدك، وينهاه عن الوصية فيضر بذلك ذوي القربى، وكل من يستحق أن يوصي له، فقيل لهم: كما كنتم تخشون على ذريتكم وتسرون بأن يحسن إليهم، فكذلك فسدوا القول في جهة المساكين واليتامى، واتقوا الله في ضرهم ». قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذان القولان لا يطرد واحد منهما في كل الناس، بل الناس صنفان يصلح لأحدهما القول الواحد، وللآخر القول الثاني، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثة مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية، ويحمل على أن يقدم لنفسه، وإذا ترك ورثة ضعفاء مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين، فالمراعى إنما هو الضعف، فيجب أن يمال معه »، وقال ابن عباس أيضا: « المراد بالآية ولاة الأيتام، فالمعنى: أحسنوا إليهم وسددوا القول لهم، واتقوا الله في أكل أموالهم كما تخافون على ذريتكم أن يفعل بهم خلاف ذلك»، وقالت فرقة: «بل المراد جميع الناس»، فالمعنى: أمرهم باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم، وأن يسددوا لهم القول كما يريد كل أحد أن يفعل بولده بعده، ومن هذا ما حكاه الشيباني قال: كنا على قسطنطينة في عسكر مسلمة بن عبد الملك، فجلسنا يوما في جماعة من أهل العلم فيهم الديلمي فتذاكروا ما يكون من أهوال آخر الزمان، فقلت له: يا أبا بسر ودي أن لا يكون لي ولد، فقال لي: ما عليك، ما من نسمة قضى الله بخروجها من رجل إلا خرجت أحب أم كره، ولكن إن أردت أن تأمن عليهم فاتق الله في غيرهم، ثم تلا هذه الآية. «والسديد» معناه: المصيب للحق، ومنه قول الشاعر: أعلمه الرماية كل يوم ...... فلما اشتد ساعده رماني معناه، لما وافق الأغراض التي يرمي إليها). [المحرر الوجيز: 2/476-478] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّةً ضعافًا خافوا عليهم فليتّقوا اللّه} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: «هذا في الرّجل يحضره الموت، فيسمعه الرّجل يوصي بوصيّةٍ تضر بورثته، فأمر اللّه تعالى الّذي يسمعه أن يتّقي اللّه، ويوفّقه ويسدّده للصّواب، ولينظر لورثته كما كان يحبّ أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضّيعة ».وهكذا قال مجاهدٌ وغير واحدٍ، وثبت في الصّحيحين: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم لمّا دخل على سعد بن أبي وقاصٍّ يعوده قال: يا رسول اللّه، إنّي ذو مالٍ ولا يرثني إلّا ابنةً، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا». قال: فالشّطر؟ قال: «لا ». قال: فالثّلث؟ قال: « »الثّلث، والثّلث كثيرٌ". ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكفّفون النّاس ». وفي الصّحيح أنّ ابن عبّاسٍ قال: « لو أنّ النّاس غضّوا من الثّلث إلى الرّبع » فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الثّلث، والثّلث كثيرٌ ». قال الفقهاء: «إن كان ورثة الميّت أغنياء استحب للميّت أن يستوفي الثّلث في وصيّته وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص الثّلث». وقيل: المراد بقوله: {وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّةً ضعافًا خافوا عليهم فليتّقوا اللّه} أي في مباشرة أموال اليتامى {ولا تأكلوها إسرافًا وبدارًا أن يكبروا}. حكاه ابن جريرٍ من طريق العوفي، عن ابن عبّاسٍ: وهو قولٌ حسنٌ، يتأيّد بما بعده من التّهديد في أكل مال اليتامى ظلمًا، أي: كما تحبّ أن تعامل ذرّيّتك من بعدك، فعامل النّاس في ذرّيّاتهم إذا وليتهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/222] تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم خوّف اللّه عزّ وجلّ وغلظ في أمر اليتامى وأوعد فقال: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنّما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}(يقرأ) {وسيصلون} في هذا - أعني في قوله.. يأكلون أموال اليتامى} - دليل أن مال اليتيم إن أخذ منه على قدر القيام له ولم يتجاوز ذلك جاز، بل يستظهر فيه إن أمكن ألا يقرب ألبتّة لشدة الوعيد فيه، بأن لا يؤكل منه إلا قرضا، وإن أخذ القصد وقدر الحاجة على قدر نفعه فلا بأس إن شاء الله). [معاني القرآن: 2/17] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً (10) يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين فإن كنّ نساءً فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وإن كانت واحدةً فلها النّصف ولأبويه لكلّ واحدٍ منهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولدٌ فإن لم يكن له ولدٌ وورثه أبواه فلأمّه الثّلث فإن كان له إخوةٌ فلأمّه السّدس من بعد وصيّةٍ يوصي بها أو دينٍ آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيّهم أقرب لكم نفعاً فريضةً من اللّه إنّ اللّه كان عليماً حكيماً (11)}. قال ابن زيد: «نزلت في الكفار الذين كانوا لا يورثون النساء والصغار، ويأكلون أموالهم »، وقال أكثر الناس: « نزلت في الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم، وهي تتناول كل آكل وإن لم يكن وصيا، وسمي آخذ المال على كل وجوهه آكلا لما كان المقصود هو الأكل وبه أكثر الإتلاف للأشياء، وفي نصه على البطون من الفصاحة تبيين نقصهم، والتشنيع عليهم بضد مكارم الأخلاق، من التهافت بسبب البطن، وهو أنقص الأسباب وألأمها حتى يدخلوا تحت الوعيد بالنار، وظلماً معناه: ما جاوز المعروف مع فقر الوصي»، وقال بعض الناس: «المعنى أنه لما يؤول أكلهم للأموال إلى دخولهم النار قيل: يأكلون النار»، وقالت طائفة: «بل هي حقيقة أنهم يطعمون النار»، وفي ذلك أحاديث، منها حديث أبي سعيد الخدري قال: حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به، قال: «رأيت أقواما لهم مشافر كمشافر الإبل، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار، تخرج من أسافلهم، قلت:يا جبريل من هؤلاء؟ قال هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما »، وقرأ جمهور الناس «وسيصلون» على إسناد الفعل إليهم، وقرأ ابن عامر بضم الياء واختلف عن عاصم، وقرأ أبو حيوة، وسيصلون على بناء الفعل للمفعول بضم الياء وفتح الصاد وشد اللام على التكثير، وقرأ ابن أبي عبلة «وسيصلون» بضم الياء واللام، وهي ضعيفة، والأول أصوب، لأنه كذلك جاء في القرآن في قوله: {لا يصلاها إلّا الأشقى }. وفي قوله: {صال الجحيم} والصلي هو التسخن بقرب النار أو بمباشرتها، ومنه قول الحارث بن عباد: لم أكن من جناتها، علم الله ...... وإني بحرّها اليوم صال والمحترق الذي يذهبه الحرق ليس بصال إلا في بدء أمره، وأهل جهنم لا تذهبهم فهم فيها صالون، «والسعير»: الجمر المشتعل، وهذه آية من آيات الوعيد، والذي يعتقده أهل السنة أن ذلك نافذ على بعض العصاة، لئلا يقع الخبر بخلاف مخبره، ساقط بالمشيئة عن بعضهم، وتلخيص الكلام في المسألة: أن الوعد في الخير، والوعيد في الشر، هذا عرفهما إذا أطلقا، وقد يستعمل الوعد في الشر مقيدا به، كما قال تعالى:{ النّار وعدها اللّه، الّذين كفروا } فقالت المعتزلة: « آيات الوعد كلها في التائبين والطائعين، وآيات الوعيد في المشركين والعصاة بالكبائر»، وقال بعضهم: « وبالصغائر»، وقالت المرجئة: «آيات الوعد كلها فيمن اتصف بالإيمان الذي هو التصديق، كان من كان من عاص أو طائع »، وقلنا أهل السنة والجماعة: «آيات الوعد في المؤمنين الطائعين ومن حازته المشيئة من العصاة، وآيات الوعيد في المشركين ومن حازه الإنفاذ من العصاة، والآية الحاكمة بما قلناه قوله تعالى: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} » فإن قالت المعتزلة لمن يشاء يعني التائبين، رد عليهم بأن الفائدة في التفضيل كانت تنفسد، إذ الشرك أيضا يغفر للتائب، وهذا قاطع بحكم قوله لمن يشاء بأن ثم مغفورا له وغير مغفور، واستقام المذهب السني). [المحرر الوجيز: 2/478-480] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أعلمهم أنّ من أكل مال يتيمٍ ظلمًا فإنّما يأكل في بطنه نارًا؛ ولهذا قال: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} أي: إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سببٍ، فإنّما يأكلون نارًا تأجّج في بطونهم يوم القيامة. وثبت في الصّحيحين من حديث سليمان ابن بلالٍ، عن ثور بن زيدٍ عن سالمٍ أبي الغيث، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات »قيل: يا رسول اللّه، وما هنّ؟ قال: « الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ». وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبيدة أخبرنا أبو عبد الصّمد عبد العزيز بن عبد الصّمد العمّى، حدثنا أبو هاروي العبدي عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قلنا: يا رسول الله، ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال: « انطلق بي إلى خلقٍ من خلق اللّه كثيرٍ، رجال، كلّ رجلٍ له مشفران كمشفري البعير، وهو موكّل بهم رجالٌ يفكّون لحاء أحدهم، ثمّ يجاء بصخرةٍ من نارٍ فتقذف في في أحدهم حتّى يخرج من أسفله ولهم خوار وصراخ. قلت يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا ». وقال السّدّيّ: «يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النّار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه، يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم ». وقال أبو بكر ابن مردويه: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيدٍ، حدّثنا أحمد بن عمرٍو، حدّثنا عقبة بن مكرمٍ، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا زياد بن المنذر، عن نافع بن الحارث عن أبي برزة؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجّج أفواههم نارًا" قيل: يا رسول اللّه، من هم؟ قال: "ألم تر أنّ اللّه قال: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا} الآية ». رواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبي زرعة، عن عقبة بن مكرمٍ وأخرجه أبو حاتم بن حبّان في صحيحه، عن أحمد بن عليّ بن المثنّى، عن عقبة بن مكرمٍ. وقال ابن مردويه: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر، أحمد بن عصامٍ حدّثنا أبو عامرٍ العبديّ، حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ الزّهريّ، عن عثمان بن محمّدٍ، عن المقبريّ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: « أحرّج مال الضّعيفين: المرأة واليتيم »أي أوصيكم باجتناب مالهما. وتقدّم في سورة البقرة من طريق عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أنزل اللّه: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا} انطلق من كان عنده يتيمٌ، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشّيء فيحبس له حتّى يأكله أو يفسد فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/222-223] * للاستزادة ينظر: هنا |
الساعة الآن 02:07 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir