تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي
تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي الدرس (هنا) |
قال تعالى : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون )
مقصد الآية : قال أبو جعفر الطبري : يعني بقوله جل ثناؤه : ( ومنهم أميون ) ، ومن هؤلاء – اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات ، وأيأس صحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيمانهم ، فقال لهم : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ، وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ، وهم إذا لقوكم قالوا آمنا !! ما المقصود بـ ( الأمي ) ؟ قال الزجاج : الأمي في اللغة : المنسوب إلى ماعليه جبلته أمته ، أي : لا يكتب ، فهو في أنه لا يكتب على ماولد عليه . ، قاله أبو العالية ، والربيع ، وقتادة ، وابراهيم النخعي ، وغير واحد وقال ابن عطية : هو الذي لا يكتب ولا يقرأ في كتاب ، ونسبته إلى : -الأم : إما لأنه بحال أمه من عدم الكتابة لا بحال أبيه ، إذ النساء ليس من شغلهن الكتاب –وذكره الطبري- -نسب إلى الأمة ، وهي القامة والخلقة ، كأنه ليس من الآدميين إلا في ذلك -نسب إلى الأمة على سذاجتها قبل أن تعرف المعارف ، فإنها لا تقرأ ولا تكتب ، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في العرب : ( إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب ، الشهر هكذا وهكذا ) أي : لا نفتقر في عباداتنا وموتقيتها إلى كتاب ولا حساب ، وكما قال : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) –الجمعة : 2 قوله تعالى : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ذكر تعالى أن هؤلاء المعنيون في الآية لا يتجاوز علمهم من كتاب إلا أمانيَ ، وقال ابن جرير : لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله ، ولا يدرون ما اودعه الله من حدوده واحكامه وفرائضه ، كهيئة البهائم معنى ( أماني) -لا يعلمون إلا تلاوته : كما قال عز وجل : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيه ) أي : إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته ، قاله الزجاج -وقيل الأماني : أكاذيب العرب ، تقول : أنت إنما تتمنى هذا القول : أي تختلقه ، قاله الزجاج ، وقال الضحاك عن ابن عباس : إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا ) ومثله قال مجاهد . وقال ابن جرير : تمنى الرجل إذا كذب واختلق الحديث ، ومنه قول عثمان رضي الله عنه : ( ما تمنيت ولا تغنيت منذ أسلمت) يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب . وهذا المعنى اللغوي يغيب اليوم عن كثير من الناس ، يتبادر إلى الذهن معنى ( التمني ) بمجرد سماع الكلمة ، وهي وإن كانت من المعنى اللغوي للكلمة إلا أنها ليست المعنى المحصور فيها . -قيل : هو التمني : قال أبو العالية والربيع وقتادة : ( إلا أماني ) يتمنون على الله ماليس لهم وقال عبد الرحمن بن أسلم : ( إلا أماني ) قال : تمنوا ، فقالوا : نحن من أهل الكتاب ، وليسوا منهم. وعن ابن جريج عن مجاهد : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) قال : أناس من يهود ، لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا ، وكانوا يتكلمون بالظن بغير مافي كتاب الله ، ويقولون هو من الكتاب ، أماني يتمنونها ) وعن أبي طلحة عن ابن عباس : ( إلا أمني ) إلا الأحاديث من هم ( الأميون ) ؟ قال : أبو العالية ومجاهد وغيرهما : ( هؤلاء اليهود المذكورين ) – عامة اليهود – قال ابن عطية : هم جهلة التوراة قال عكرمة والضحاك : هم في الآية نصارى العرب قيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هم المجوس وقال ابن عطية : على هذا يكون مرجع الضمير في ( منهم ) على الكفار جميعا وذكر ابن عطية : قيل : المراد بالأميين هنا قوم ذهب كتابهم لذنوب ركبوها فيقوا أميين وذكر ابن جرير قولا عن الضحاك عن ابن عباس : ( ومنهم أميون ) قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله ، فكتبوا كتابا بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله ، وقال : قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين ، لجحودهم كتب الله ورسله . ويرى ابن كثير أن في صحة هذا الاسناد إلى ابن عباس نظر والقولان الأخيران : لا يتفقان مع المعنى اللغوي للأمي ، وقال ابن جرير : وهذا التأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم وذلك أن ( الأمي ) عند العرب : هو الذي لا يكتب . والأرجح أن الكلام في اليهود لما تضمنه السياق القرآني في الحديث عنهم ، و ( الكتاب ) هو التوراة والألف واللام للعهد . فهم فيهم الأحبار وعلماء اليهود الذين يخفون ما في التوراة مما وافق القرآن ومن صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا يختلقون الأكاذيب ويروجونها على عامة اليهود – وهم الغاليبة منهم – فيتبعوهم ويصدقونهم في كل ما جاؤوا به ،فهم يسمعون من أحبارهم اشياء مختلقة ويظنون أنها من الكتاب وفي هذا تيئيس للمؤمنين من الطمع في إيمان أمثال هؤلاء. ( وإن هم إلا يظنون ) إن : نافية هم : ضمير الفصل للتأكيد على شناعة حالهم وجهلهم والظن في الآية : قال مجاهد : يظنون : يكذبون قال : قال قتادة وأبو العالية يظنون الظنون بغير الحق . قال ابن عطية : هو اعتقاد شيء راجح فهو على بابه من الميل على أحد الجائزين ومن هدايات الآية السلوكية : -التحذير من القول على الله بغير علم ( إن هم إلا يظنون ) ، ففيه من المحاذير ما فيه ، قال تعالى : ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تعلمون ) -كثرة معاشرة أهل الباطل ومجالستهم تميت القلب وتعمي البصير ، فليحذر المسلم من هذه المزالق ، فحال من ذكرهم تعالى في الآية يدل على اغترارهم بعلمائهم حتى ألفوا باطلهم واستحسنوه لكثرة ما أخذوا منهم ، وحالهم يوم القيامة كما قال تعالى : ( لو لا أنتم لكنا مؤمنين ) -إذا جاءك القول فاعرضه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فثم الحق لا غير ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) فليس لهم مرجعية صحيحة . -فيها حث على طلب العلم الصحيح لأنه السبيل الوحيد للنجاة من الفتن والغوايات ( لا يعلمون إلا أماني ) ففيه انكار من الله تعالى على من أخذ العلم بلا تثبت -يسعى أهل الباطل إلى تزيين أقوالهم وأباطيلهم ويكسونها بالزي الشرعي ليتقبلها الناس ، فليكن المسلم شديد الحذر من أمثال هذه الفتن .( إن هم إلا يظنون ) لفرط جهلهم تزينت لهم الفتنة فقبلوها |
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:{ بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } قوله تعالى : { بل الإِنسان على نفسه بصيرة } صالح لإِفادة معنيين : أولهما أن يكون { بصيرة } بمعنى مبصر شديد المراقبة فيكون { بصيرة } خبراً عن { الإنسان } . و { على نفسه } متعلقاً ب { بصيرة } ، أي الإِنسان بصيرٌ بنفسه . قال الأخفش: جعله هو البصيرة، كما تقول للرجل أنت حجة على نفسك. وقال ٱبن عباس: «بَصِيرَةٌ» أي شاهد، وهو شهود جوارحه عليه: يداه بما بطش بهما، ورجلاه بما مشى عليهما، وعيناه بما أبصر بهما. والبصيرة: الشاهد. وأنشد الفرّاء: كأنّ على ذي العقلِ عَيْناً بصيرةً بمعقِده أو مَنْظَرٍ هو ناظِرُهُ يُحاذِرْ حتى يَحسِبَ الناسَ كلَّهمْ من الخوفِ لا تَخْفَى عليهم سَرَائِرُهُ ودليل هذا التأويل من التنزيل قوله تعالى: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النور: 24]. وجاء تأنيث البصيرة لأن المراد بالإنسان ها هنا الجوارح، لأنها شاهدة على نفس الإنسان؛ فكأنه قال: بل الجوارح على نفس الإنسان بصيرة؛ قال معناه القتبيّ وغيره. وناس يقولون: هذه الهاء في قوله: «بَصِيرَةٌ» هي التي يسمِّيها أهل الإعراب هاء المبالغة، كالهاء في قولهم: داهِية وعلاّمة وراوية. وهو قول أبي عُبيد. أي الإِنسان عليم بصير قوي العلم بنفسه يومئذٍ . وعُدّي بحرف { على } لتضمينه معنى المراقبة وهو معنى قوله في الآية الأخرى : { كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } . والمعنى الثاني : أن يكونَ { بصيرة } مبتدأ ثانياً ، والمراد به قرين الإِنسان من الحفظة يدل عليه قوله تعالى: { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } فيمن جعل المعاذير السُّتور. وهو قول السّديّ والضحاك ، وعلى نفسه خبرَ المبتدأ الثاني مقدماً عليه ، ومجموعُ الجملة خبراً عن { الإنسان } ، و { بصيرة } حينئذٍ يحتمل أن يكون بمعنى بصير ، أي مبصر والهاء للمبالغة ، كما تقدم في المعنى الأول ، وتكون تعدية { بصيرة } ب { على } لتضمينه معنى الرقيب كما في المعنى الأول . ويحتمل أن تكون { بصيرة } صفة لموصوف محذوف ، تقديرة : حجة أو عين بصيرة ، فيكون تقديره: بل الإنسان على نفسه عين بصيرة؛ وأنشد الفراء: كأنّ علـى ذِي العقلِ عينـاً بصيرةً وتكون { بصيرة } مجازاً في كونها بينة كقوله تعالى : { قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلاّ ربّ السماوات والأرض بصائر } [ الإسراء : 102 ] ومنه قوله تعالى : { وآتينا ثمودَ الناقة مبصرة } [ الإسراء : 59 ] والتأنيثُ لتأنيث المَوصوف . وقد جرت هذه الجملة مجرى المثل لإِيجازها ووفرة معانيها . وقوله تعالى : { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ }لها معنيان : المعنى الأول :أي ولو أَرْخَى سُتوره. والسِّتر بلغة أهل اليمن: مِعذار؛ قاله الضحاك. وقال الشاعر: ولكنها ضَنَّتْ بِمنزِلِ ساعةٍ علينا وأَطَّتْ فَوْقَهَا بالْمَعَاذِرِ قال الزجاج: المعاذِر: السُّور، والواحد مِعذار؛ أي وإن أرخى ستره؛ يريد أن يخفي عمله، فنفسه شاهدة عليه. المعنى الثاني : أي ولو ٱعتذر فقال لم أفعل شيئاً، لكان عليه من نفسه من يشهد عليه من جوارحه، فهو وإن ٱعتذر وجادل عن نفسه، فعليه شاهد يكذِّب عذره؛ قاله مجاهد وقتادة وسعيد بن جُبير وعبد الرحمن بن زيد وأبو العالية وعطاء والفرّاء والسّديّ أيضاً ومقاتل. قال مقاتل: أي لو أدلى بعذر أو حجة لم ينفعه ذلك. نظيره قوله تعالى: { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ }[غافر: 52] وقوله: { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ }[المرسلات: 36] فالمعاذير على هذا: مأخوذ من العذر؛ قال الشاعر: وإِياكَ والأمرَ الذي إنْ تَوَسَّعَتْ مَوَارِدُهُ ضاقتْ عليكَ المصادِرُ فما حَسنٌ أن يَعْذِرَ المرءُ نفسَهُ وليس له مِن سائِرِ الناسِ عاذر وٱعتذر رجل إلى إبراهيم النَّخَعيّ فقال له: قد عذرتك غير مُعتذِر، إن المعاذِير يَشُوبها الكذب. وقال ٱبن عباس: { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } أي لو تجرّد من ثيابه. حكاه الماورديّ. والأظهر أنه الإدلاء بالحجة والاعتذار من الذنب؛ ومنه قول النابغة: ها إِنَّ ذِي عِذْرَةٌ إِلاَّ تَكنْ نَفَعتْ فإنّ صاحِبَها مُشَارِكُ النَّكَدِ والدليل على هذا قوله تعالى في الكفار: { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23]، وقوله تعالى في المنافقين: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } [المجادلة: 18]. وفي الصحيح أنه يقول: " يا ربِّ آمنتُ بك وبكتابك وبرسولك، وصليت وصُمتُ وتصدّقتُ، ويُثني بخير ما ٱستطاع "الحديث. والمعاذير والمعاذِر: جمع مَعْذرة؛ ويقال: عَذَرته فيما صنع أعذِره عُذْراً وعُذُراً، والاسم المَعْذِرة والعُذْرى؛ قال الشاعر: إنِّـي حُدِدْتُ ولا عُـذْرَى لِمَحْدُودِ وكذلك العِذْرة وهي مثل الرِّكْبَة والجِلْسَة؛ قال النابغة: ها إِنْ تَاعِذْرَةٌ إلاّ تَكُنْ نَفَعَتْ فإنّ صاحِبَها قَدْ تاه في الْبَلَدِ. حكاه القرطبي فمعنى الآية : بل الإنسان حجة بينة على نفسه، وشاهدة بما كان منه من الأعمال السيئة، ولو أدلى بأية حجة يعتذر بها عن نفسه. لم ينفعه ذلك. قال صاحب الكشاف: بَصِيرَةٌ أى: حجة بينة، وصفت بالبصارة على المجاز، كما وصفت الآيات بالإبصار في قوله: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً أو: عين بصيرة والمعنى أنه ينبأ بأعماله، وإن لم ينبأ ففيه ما يجزئ عن الإنباء، لأنه شاهد عليها بما عملت، لأن جوارحه تنطق بذلك، كما قال- تعالى- يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.ذكره طنطاوي من ثمرات هذه الآية أن على العبد أن يسعى إلى التفتيش عن عيوبه، وأن يسعى في التخلص منها قدر الطاقة، فإن هذا نوع من جهاد النفس المحمود، والا يزكيها فلا يرى عيوبها، فإنه لا أحد من الناس أعلم بها من نفسه وعيوبها وأخطائها وذنوبها، وما تسره من أخلاق، أو تضمره من خفايا النوايا. ولا يكون كما قال قتادة: ـ في تفسيره لهذه الآية ـ: {بل الإنسان على نفسه بصيرة} قال: إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم، غافلاً عن ذنوبه، وهذا ـ بلا ريب ـ من علامات الخذلان، كما قال بكر بن عبدالله المزني: إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس، ناسيا لعيبه، فاعلموا أنه قد مُكِرَ بِهِ. و من أكبر ثمرات البصيرة بالنفس، أن يوفق الإنسان إلى الاعتراف بالذنب، والخطأ، وهذا مقام الأنبياء والصديقين والصالحين، وتأمل في قول أبوينا ـ حين أكلا من الشجرة ـ: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23]}،ثم من بعدهما نوح، وموسى،في سلسلة متتابعة كان من آخرها: ما أثبته القرآن عن أولئك المنافقين الذين اعترفوا بذنوبهم فسلموا وتيب عليهم، قال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102] "فعلم أن من لم يعترف بذنبه كان من المنافقين" (الصارم المسلول) أسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا، وأن يقينا شحها. أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزه *** عنك، فإن جحودَ الذنب ذنبانِ. * *قواعد قرآنية |
تفسير قول الله عز وجل :( أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه)
بسم الله الرحمن الرحيم القراءات : قراءة الجمهور: عَبْدَهُ بالإفراد أي محمد صلى الله عليه وسلم. وقرأ حمزة والكسائي: عباده، أي الأنبياء عليهم السلام . ورد في سبب نزولها : قال القرطبي: وذلك أنهم خوفوا النبي صلّى الله عليه وسلم مضرة الأوثان فقالوا له: أتسب آلهتنا لئن لم تنته عن ذكرها لتصيبنك بالسوء. وقال قتادة: مشى خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها بالفأس، فقال له سادنها: أحذرك منها يا خالد، فإن لها شدة لا يقوم لها شيء. فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها، وتخويفهم لخالد تخويف للنبي صلّى الله عليه وسلم لأنه هو الذي أرسله. ويدخل في الآية تخويفهم النبي صلّى الله عليه وسلم بكثرة جمعهم وقوتهم. المعنى : أَلَيْسَ) الهمزة حرف استفهام تقريري ، أليس الله بكاف عبده حذفت الياء من " كاف " لسكونها وسكون التنوين بعدها ،( القرطبي)،قال الطنطاوي في الوسيط :أليس الله- تعالى- بكاف عبده محمدا صلّى الله عليه وسلم من كل سوء؟ وكاف عباده المؤمنين الصادقين من أعدائهم؟ بلى إنه- سبحانه- لعاصم نبيه صلّى الله عليه وسلم من أعدائه، ولناصر عباده المتقين على من ناوأهم. ونقف قليلاً مع معنى الكفاية قال ابن القيِّم - رحمه الله -: : " الكفاية على حسب العبودية "، والمعنى كلما زادت عبودية المرء زادت كفاية الله له ،والكافي اسم من أسماء الله الحسنى ، ومعناه : الذي يكفي عبادَه حاجاتَهم ، ويقدّم لهم مُتطلّبات حياتهم ، ويحفظهم من كلِّ شرّ،( معجم المعاني). ،وكفاية الله تدل على رعايته وعنايته عز وجل برسوله ،وأتى اللفظ بعد الكفاية بالعبودية وهي اشرف مقام ،ودائماً نرى في القرآن أن الله إذا مدح اولياءه يصفهم بالعبودية ، كقوله تعالى :( سبحان الذي أسرى بعبده )، وقوله تعالى :( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ).وفي إضافة العبودية لله تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم ، ( ابن عاشور). وقال الجرجاني : إن الله كاف عبده المؤمن وعبده الكافر ، هذا بالثواب وذاك بالعقاب. والاية فيها حث على التوكل على الله ، قال تعالى :( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ).فمن حرص على طاعة مولاه وعبادته والتوكل عليه فإن الله لن يضيعه وسيكفيه ما أهمه ويدافع عنه ، قال تعالى :( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ). فمهما تكالب الأعداء من حولك ،توكل على ربك ،قال تعالى :( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ،فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ). استغفر الله العظيم واتوب اليه |
{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)} البقرة.
" الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته " يُبين الحق سبحانه وتعالى صفة المؤمنين حقا بكتابه وعلامة إيمانه بهذا الكتاب الكريم ويوضح شروط التلاوة الصحيحة ،ويتوعد من يكفر بكتابه ويبين عاقبة كفره وتكذيبه . {الذين} يرفع بالابتداء، وخبر الابتداء {يتلونه} ومعنى " آتيناهم " أعطيناهم . والمراد " بالذين فيه ثلاثة أقوال: 1- المراد به أهل الكتاب أي:" اليهود والنصارى " وهو قول عبد الرحمن بن أسلم واختاره ابن جرير ، ويكون على هذا التأويل " الكتاب" هو التوراة . والدليل عليه أن الذين تقدم ذكرهم هم أهل الكتاب فلما ذم طريقتهم وحكى عنهم سوء أفعالهم، أتبع ذلك بمدح من ترك طريقتهم، بل تأمل التوراة وترك تحريفها وعرف منها صحة نبوة محمد عليه السلام. 2- المراد به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول :قتادة وعلى هذا التأويل "الكتاب " هو القران . وحجة القائلين بهذا القول :أنهم المؤمنون الذين آتاهم الله القرآن واحتجوا عليه من وجوه. أحدها: أن قوله: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ}حث وترغيب في تلاوة هذا الكتاب، ومدح على تلك التلاوة، والكتاب الذي هذا شأنه هو القرآن لا التوراة والإنجيل، فإن قراءتهما غير جائزة. وثانيها: أن قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} يدل على أن الإيمان مقصود عليهم، ولو كان المراد أهل الكتاب لما كان كذلك. وثالثها: قوله: {وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} والكتاب الذي يليق به هذا الوصف هو القران . وقال قوم: هذا مخصوص في الأربعين الذين وردوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في السفينة، فأثنى الله عليهم .ذكر هذه الاقوال ابن عطية وابن كثير والخازن وغيرهم . 3-ويحتمل أن يراد ب "الّذين" العموم في مؤمني بني إسرائيل والمؤمنين من العرب، ويكون الكتاب اسم الجنس..ذكر هذه الاقوال ابن عطية وابن كثير والخازن وغيرهم. " يتلونه حق تلاوته" وقيل في معنى ذلك أقوال منها: 1- يتبعونه حق الاتباع بامتثال الأمر والنهي فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ويؤمنون بمتشابهه ولا يؤلونه على غير تأويله ، قال عكرمة : أما سمعت قول الله تعالى : والقمر إذا تلاها أي أتبعها ، وهو معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما . وقال الشاعر : قد جعلت دلوي تستتليني قال الامام الطبري وقوله : ( حق تلاوته ) ، مبالغة في صفة اتباعهم الكتاب ولزومهم العمل به ، كما يقال : "إن فلانا لعالم حق عالم" ، وكما يقال : "إن فلانا لفاضل كل فاضل." 2- يقرؤونه حق قراءته ،وهذا يتضمن الاتباع والامتثال أيضا. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : هم الذين إذا مروا بآية رحمة سألوها من الله ، وإذا مروا بآية عذاب استعاذوا منها . وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا مر بآية رحمة سأل ، وإذا مر بآية عذاب تعوذ . فائدة التعبير بقوله " يتلونه حق تلاوته " الفائدة أن هذا التعبير أفاد حكما جديدا وإرشادا عظيما ، وهو أن الذي يتلو الكتاب لمجرد التلاوة مثله كمثل الحمار يحمل أسفارا ، فلا حظ له من الإيمان بالكتاب ؛ لأنه لا يفهم أسراره ولا يعرف هداية الله فيه . وقراءة الألفاظ لا تفيد الهداية وإن كان القارئ يفهم مدلولاتها كما يقول المفسر والمعلم لها ؛ لأن هذا الفهم من قبيل التصور ، وما التصور إلا خيال يلوح ويتراءى ثم يغيب ويتناءى ، وإنما الفهم فهم التصديق والإذعان ممن يتدبر الكتاب مستهديا مسترشدا ملاحظا أنه مخاطب به من الله - تعالى - ليأخذ به فيهتدي ويرشد ، والمقلدون محرومون من هذا فلا يخطر لهم ببال أنهم مطالبون بالاهتداء بكتاب الله - تعالى - ، وإنما الهداية عندهم محصورة في كلام رؤسائهم الدينيين ، ولا سيما إذا كانوا ميتين ،وإذا كنا نعتبر بما قص الله - تعالى - علينا من خبر أهل الكتاب ، كما قال : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) فإننا نعرف حكم أهل القرآن عنده - تعالى - مما ذكره عن أهل التوراة والإنجيل ، كما نعرفه مثل قوله - عز وجل - : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) ( وقوله : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) ( 38 : 29 ) فكل هذه الآيات والعبر لم تحل دون اتباع هذه الأمة سنن من قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع كما أنبئت للتحذير ، والقرآن حجة عليها كما ورد في الحديث ( ( والقرآن حجة لك أو عليك ) ولا شك أن من يتلو ألفاظ القرآن وهو معرض عن هدايته غير معتبر بوعده ووعيده فهو كالمستهزئ بربه . ذكر هذه الفائدة الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله . الاقوال في إعراب " يتلونه " 1- إذا أريد ب "الّذين "الخصوص فيمن اهتدى يصح أن يكون خبر الابتداء ويصح أن يكون يتلونه في موضع الحال والخبر أولئك 2-وإذا أريد ب" الّذين "العموم لم يكن الخبر إلا أولئك، ويتلونه حال لا يستغنى عنها وفيها الفائدة، لأنه لو كان الخبر في يتلونه لوجب أن يكون كل مؤمن يتلو الكتاب حقّ تلاوته، وحقّ مصدر، والعامل فيه فعل مضمر، وهو بمعنى أفعل، ولا يجوز إضافته إلى واحد معرف، وإنما جازت هنا لأن تعرف التلاوة بإضافتها إلى الضمير ليس بتعرف محض، وإنما هو بمنزلة قولهم رجل واحد أمة، ونسيج وحده .ذكره ابن عطية " أولئك يؤمنون به" هوخبر عن {الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته} أي: من أقام كتابه من أهل الكتب المنزّلة على الأنبياء المتقدّمين حقّ إقامته، آمن بما أرسلتك به يا محمّد. ذكره ابن كثير. وجيء باسم الإشارة في تعريفهم دون الضمير وغيره للتنبيه على أن الأوصاف المتقدمة التي استحضروابواسطتها حتى أشير إليهم باتصافهم بها هي الموجبة لجدارتهم بالحكم المسند لاسم الإشارة على حد ( أولئك على هدى من ربهم ) فلا شك أن تلاوتهم الكتاب حق تلاوته تثبت لهم أوحديتهم بالإيمان بذلك الكتاب لأن إيمان غيرهم به كالعدم . ومرجع الضمير في " به" فيه ثلاثة أقوال : قيل :عائد على الكتاب .وذلك من قوله تعالى " الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته" وقيل: يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، لأن متبعي التوراة يجدونه فيها فيؤمنون به. ويحتمل أن يعود الضمير على الهدى الذي تقدم، وذلك أنه ذكر كفار اليهود والنصارى في أول الآية وحذر رسوله من اتباع أهوائهم، وأعلمه بأن هدى الله هو الهدى الذي أعطاه وأعلمه به . ذكر ذلك ابن عطية وغيره. " ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون " والضمير في" يكفر به" يحتمل من العود على ما ذكر في الأول. (ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} كما قال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده} [هودٍ: 17]. وفي الصّحيح: "والّذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمّة: يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثمّ لا يؤمن بي، إلّا دخل النّار"). ولما وصف المؤمنين به ولم يبين ما لهم أتبعه بالكافرين فقال: {ومن يكفر به} أي بالكتاب، ثم حصر الخسر فيهم بقوله: {فأولئك} أي البعداء البغضاء {هم} خاصة {الخاسرون} فافهم أن المؤمنين به هم الرابحون؛ ومن الوصف بالخسار يعلم أنهم كانوا على حق وشيء يمكن الربح فيه بتكملة الإيمان بكتابهم بالإيمان بالكتاب الخاتم فضيعوه فخسروا، فإنه لا يخسر إلا من له أصل مال متهيئ للنماء والربح- والله أعلم. ذكره البقاعي . والخسران هو :نقص الحظ. وفي هذه الآية دلالة على : أن غيرهم جاحد لما يعلم حقيقته؛ لأن هؤلاء كانوا من علماء اليهود، وكذلك من آمن من علماء النصارى ممن تلا كتبهم.ذكره الزجاج . قال ابن عرفة: وفي الآية رحمة وترجّ لكونها لم يذكر فيها إلا من آمن بالكتاب ومن كفر به، ويبقى من كان في زمن الفترة والمجانين والصغار مسكوتا عنهم لم يتناولهم هذا الوعيد. ومن فوائد هذه الآية الكريمة : 1-أن للإيمان علامة؛ وعلامته العمل؛ لقوله تعالى: { أولئك يؤمنون به } بعد قوله عزّ وجلّ: { يتلونه حق تلاوته }. 2- ومنها: أن من خالف القرآن في شيء كان ذلك دليلاً على نقص إيمانه؛ لقوله تعالى: { يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به }؛ فمعنى ذلك: إذا لم يتلوه حق تلاوته فإنهم لم يؤمنوا به؛ بل نقص من إيمانهم بقدر ما نقص من تلاوتهم له. 3- ومنها: أن تلاوة القرآن نوعان؛ تلاوة حق؛ وتلاوة ناقصة ليست تامة؛ فالتلاوة الحق أن يكون الإنسان تالياً للفظه، ولمعناه عاملاً بأحكامه مصدقاً بأخباره؛ فمن استكبر أو جحد فإنه لم يتله حق تلاوته. 4- ومنها: أن الكافر بالقرآن مهما أصاب من الدنيا فهو خاسر؛ لقوله تعالى: { ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون }؛ يكون خاسراً ــــ ولو نال من الدنيا من أموال، وبنين، ومراكب فخمة، وقصور مشيدة ــــ؛ لأن هذه كلها سوف تذهب، وتزول؛ أو هو يزول عنها، ولا تنفعه؛ واذكر قصة قارون، واتل قول الله تعالى: {قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين} [الزمر: 15] ؛ فإذاً يصدق عليهم أنهم هم الخاسرون، كما في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} [المنافقون: 9] ؛ ولما كان الذي يتلهى بذلك عن ذكر الله يظن أنه يربح قال تعالى: { ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون } [المنافقون: 9] يعني: ولو ربحوا في دنياهم. 5- ومن فوائدها: علوّ مرتبة من يتلون الكتاب حق تلاوته؛ للإشارة إليهم بلفظ البعيد: { أولئك يؤمنون به }. أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم بالقران العظيم ويجعلنا ممن يتلوه حق تلاوته ويجعله حجة لنا لا علينا ،والحمد لله رب العالمين . |
تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } - معنى (خلق) : الخلق : الاختراع والإيجاد بعد العدم ، وقد يقال في الإنسان خلق بعد إنشائه شيئا، ومنه قول الشاعر: ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري - فائدة قوله (لكم) : قال قوم : أفادت معنى الاعتبار، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده من نصب العبر: الإحياء، والإماتة، والخلق، والاستواء إلى السماء وتسويتها. وقال قوم: بل معنى لكم إباحة الأشياء وتمليكها وقد ذكرهما ابن عطية ، والراجح أنها تشمل الجميع . - ما أفادته (ثم) قيل : ثمّ هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الأمر في نفسه ، وقد ذكر ذلك ابن عطية وابن كثير . - معنى الاستواء اختلف العلماء في تفسير معنى الاستواء على أقوال : القول الأول : قال قوم: معناه علا دون تكييف ولا تحديد ، هذا اختيار الطبري، والتقدير علا أمره وقدرته وسلطانه. القول الثاني : معناه قصد إلى السماء قاله ابن كيسان ، وقال القاضي أبو محمد رحمه الله: أي: بخلقه واختراعه . القول الثالث : قيل: معناه: كمل صنعه فيها كما تقول: استوى الأمر. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قلق. القول الرابع : قيل : معناه أقبل ، حكاه الطبري وضعفه. القول الخامس : حكي عن قوم «المستوي» هو الدخان ، قال ابن عطية : هذا المعنى يأباه رصف الكلام . القول السادس : قيل: المعنى استولى، كما قال الشاعر الأخطل: قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق قاله ابن عطية ، وقال : والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان. والراجح في معنى الاستواء في الآية : رجح ابن كثير القول الثاني وهو القصد إلى السماء ، ويجب ملاحظة أن القول السادس يتنافى مع عقيدة أهل السنة والجماعة ، وهو اعتقاد المعتزلة الذين يفسرون الاستواء بالاستلاء ، وهذا المعنى لا يجوز في حق الرب سبحانه وتعالى ، ولذا فهو مردود . - معنى (السماء) السماء في اللغة: السقف، ويقال لكل ما ارتفع وعلا: قد سما يسمو والسّماء : إما أنها جمع، وإما أنها مفرد اسم جنس، فهو دال على الجمع ، فلهذا قال: {فسوّاهنّ}. - معنى (فسواهن) فيها قولان : القول الأول : قيل: المعنى جعلهن سواء . القول الثاني : قيل: سوى سطوحها بالإملاس . ويمكن الجمع بين المعنيين بأن جعلهن سواء وسوى سطوحها بالإملاس . - قوله : (وهو بكل شيء عليم) علمه محيطٌ بجميع ما خلق من الموجودات وتحقق علمه بالمعدومات من آيات أخر - الجمع بين الآية والآيات الأخر في سورة فصلت والنازعات قال ابن عطية : هذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خلق قبل السماء، وذلك صحيح، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء، وبهذا تتفق معاني الآيات . قال ابن كثير : وهذه الآية دالّةٌ على أنّ الأرض خلقت قبل السّماء، كما قال: {قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك ربّ العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّامٍ سواءً للسّائلين * ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخانٌ فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين * فقضاهنّ سبع سماواتٍ في يومين وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم}[فصّلت: 9-12] فهذه وهذه دالّتان على أنّ الأرض خلقت قبل السّماء، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعًا بين العلماء إلّا ما نقله ابن جريرٍ عن قتادة: أنّه زعم أنّ السّماء خلقت قبل الأرض. وقيل: إنّ الدّحى كان بعد خلق السّماوات، روي عن ابن عبّاسٍ. وفي صحيح البخاريّ: أنّ ابن عبّاسٍ سئل عن هذا بعينه، فأجاب بأنّ الأرض خلقت قبل السّماء وأنّ الأرض إنّما دحيت بعد خلق السّماء، وكذلك أجاب غير واحدٍ من علماء التّفسير قديمًا وحديثًا. الدّحي مفسّرٌ بقوله: {والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها}[النّازعات: 30-32] ففسّر الدّحي بإخراج ما كان مودعًا فيها بالقوّة إلى الفعل لمّا اكتملت صورة المخلوقات الأرضيّة ثمّ السّماويّة دحى بعد ذلك الأرض، فأخرجت ما كان مودعًا فيها من المياه، فنبتت النّباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها، وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثّوابت والسّيّارة، واللّه سبحانه وتعالى أعلم. |
قال تعالى "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون."
قال علقمة ومجاهد كل آية أولها "يا أيها الناس فانما نزلت بمكة. وكل آية أولها "يا أيها الذين آمنوا فانما نزلت بالمدينة. ويرد هذا أن هذه السورة وسورة النساء مدنيتان وفيهما "يا أيها الناس وقا عروة بن الزبير ما كان من حد أو فريضة فانما نزل بالمدينة وما كان من ذ ذكر العذاب والأمم فانما نزل بمكة و"يا" في يا أيها حرف نداء و"أي منادى مفرد مبني على الضم. أمر الله تعالى الفريقين الذين أخبر الله عنهم بأنهم "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون." لطبعه على قلبهم وسمعهم وأبصارهم والآخر الذين "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا أنفسهم." بمايبدي بلسانه منقوله آمنا بالله واليوم الآخر مع استبطانه خلاف ذلك لشكهم والمرض الذي على قلوبهم بالاستكانة له بالطاعة وافراده بالربوبية والعبادة دون الأوثان لأنه جل ذكره هو خالقهم وخالق من قبلهم من آبائهم وأجدادهم وآلهتهم فالذي خلقكم وخلق آلهتكم وسائر الخلق غيركم وهو يقدر على ضركم ونفعكم أولى بالطاعة ممن لا يقدر لكم على نفع ولا ضر. وروي عن ابن عباس في معنى "اعبدوا ربكم." وحدوا ربكم. وروي عن ابن عباس أيضا "يا أيها الناس اعبدوا ربكم." هي للفريقين جميعا من الكفار والمنافقين واختلف في المراد بالناس على قولين: 1 الكفار الذين لم يعبدوه يدل على ذلك قوله تعالى "وان كنتم في ريب." 2 أنه عام في جميع الناس فيكون خطابه في المؤمنين باستدامة العبادة وللكافرين بابتدائها. قوله تعالى "اعبدوا ربكم والعبادة هنا عبارة عن توحيده والتزام شرائع دينه. وأصل العبادة الخضوع والتذلل، يقال: طريق معبدة إذا كانت موطوءة بالاقدام. والتعبد: التنسك. وعبدت فلانا: اتخذته عبدا. قوله تعالى: (الذي خلقكم) خص تعالى خلقه لهم من بين سائر صفاته إذ كانت العرب مقرة بأن الله خلقها، فذكر ذلك حجة عليهم وتقريعا لهم. وقيل: ليذكرهم بذلك نعمته عليهم. وفي أصل الخلق وجهان: أحدهما: التقدير، يقال: خلقت الاديم للسقاء إذا قدرته قبلالقطع. الثاني: الانشاء والاختراع والابداع، قال الله تعالى: " وتخلقون إفكا " (3) [ العنكبوت: 17 ]. "لعلكم تتقون." قال أبو جعفر لعلكم تتقون بعبادتكم ربكم الذي خلقكم وطاعتكم أياه فيما أمركم به ونهاكم عنه وافرادكم له بالعبادة لتتقوا سخطه وغضبه أن يحل عليكم وتكونوا من المتقين الذين رضي عنهم ربهم . وقال مجاهد "لعلكم تتقون." تطيعون. |
رسالة تفسير في معاني الحروف المقطعة والحكمة من ورودها في القرآن الكريم بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فالقرآن الكريم معجزة الله تعالى الخالدة في كل زمان ومكان لا يحاط به علما لا إنسان ولا زمان مهما بلغ علمهم فلا تنفذ عجائبه ولا تنتهي حكمه وأسراره وفوائده كتاب لكل زمان ومكان فيه الكفاية والغنى لكل من اعتصم به واتخذه منهجا . الحروف المقطعة في القرآن الكريم من الأسرار التى حارت في تفسيرها العقول وبذل فيها العلماء أوقاتًا وأعمارًا وهذا دلالة على عظيم شأن القرآن وعظيم حكمته فيثير العقول للكشف عن أسراره والانتفاع بأحكامه وقد تعددت أقوال المفسرين وأكثروا فيها وسنلخص في تلك الرسالة بعضًا من تلك الأقوال مع الرد عليها باختصار والله ولي التوفيق . اختلف العلماء في الحروف التي في أوائل السور على قولين: القول الأول : أنه لا يجب التكلم فيها فهي مما استأثر الله بعلمه . ومن أقوالهم في ذلك : - للّه في كل كتاب سر، وسره في القرآن حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور - هي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه، ولا يجب أن يتكلم فيها، ولكن يؤمن بها وتمرّ كما جاءت .وروي ذلك عن الشعبي عامر بن شراحيل وسفيان الثوري والرّبيع بن خثيم، واختاره أبو حاتم بن حبّان وحكاهالقرطبيّ في تفسيره عن أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعليٍّ وابن مسعودٍ رضي اللّه عنهم به ، مجموع ما ذكره الزجاج وابن عطية و ابن كثير - قال السعدي رحمه الله : أماالحروف المقطعة في أوائل السور، فالأسلم فيها، السكوت عن التعرض لمعناها من غير مستند شرعي ، مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها. القول الثاني : أن لها معنى يجب التكلم فيه لاكتشافه والتماس الفوائد منه - وهو قول كثير من العلماء واستدلوا على ذلك بأن العرب قد تكلمت بالحروف المقطعة ولها نظم بها ومن ذلك : قول الشاعر الوليد بن مغيرة : قلنا لها قفي فقالت قاف واختلفوا في تأويلها على عدة أقوال منها : 1-أنها أسماء لله تعالى أو أفعاله جل وعلا. - قال علي بن أبي طالب( الحروف المقطعة في القرآن هي اسم الله الأعظم، إلا أنا لا نعرف تأليفه منها) كذا رواه شعبة عن السدي عن ابن عباسو كذا رواه ابن جرير - وعن ابن مسعودٍ. وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {الم}. قال: أمّا {الم} فهي حروفٌ استفتحت من حروف هجاء أسماء اللّه تعالى. ذكره ابن كثير - وروى عن ابن عباس عدة أقوال في ذلك : الأول: ( هي أسماء الله أقسم بها )وكذا روى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس ذكره ابن عطية وابن كثير الثاني : أن« {الر}و{حم}و{نون}اسم للرحمن عزّ وجلّ مقطع في اللفظ موصول في المعنى ». الثالث : أنّه قال: « {الم}معناه: أنا اللّه أعلم، و{الر}معناه: أنا الله أرى، و{المص}معناه: أنا الله أعلم وأفصل، و{المر}معناه: أنا الله أعلم وأرى ».ذكره الزجاج الرابع : ( هي حروف كل واحد منها إما أن يكون من اسم من أسماء الله، وإما من نعمة من نعمه، وإما من اسم ملك من ملائكته، أو نبي من أنبيائه) رواه بن جبير ذكره ابن عطية - قال الشّعبيّ( فواتح السّور من أسماء اللّه تعالى )وكذلك قال سالم بن عبد اللّه، وإسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ الكبير 2- هي أسماء للسور أو للقرآن - قال زيد بن أسلم ( هي أسماء للسور ) قال الزمخشري وهو قول الأكثر ونص سيبويه عليه ويستدلون على ذلك القول بما ورد في الصّحيحين، عن أبي هريرة: "أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الصّبح يوم الجمعة: {الم}السّجدة، و{هل أتى على الإنسان}".ذكره ابن عطية و ابن كثير - - قال قتادة: «هي أسماء للقرآن كالفرقان والذكر. وكذاقال مجاهدٌ في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعودٍ، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ .ذكره ابن عطية وابن كثير وأول ابن كثير مجموع قولي زيد وقتادة أنه لعله يرجع إلى أن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن،فإنّه يبعد أن يكون {المص}اسمًا للقرآن كلّه؛ لأنّ المتبادر إلى فهم سامع من يقول: قرأت{المص}، إنّما ذلك عبارةٌ عن سورة الأعراف، لا لمجموع القرآن. واللّه أعلم. ذكره ابن كثير 3- هي فواتح للسور - عن مجاهدٍ: أنّه قال: {الم}، و{حم}، و{المص}، و{ص}، فواتح افتتح اللّه بها القرآن. رواه سفيان الثوري وكذا قال غيره: عن مجاهدٍ. ذكره ابن عطية وابن كثير - كما يقولون في أول الإنشاد لشهير القصائد: «بل» و «لا بل». نحا هذا النحو أبو عبيدة والأخفش. ذكره الزجاج وابن عطية - وقيل لنعرف بها أوائل السور . حكاه ابن جرير وضعف ذلك ابن كثير لأن الفصل حاصل بدونها في باقي السور بورود البسملة تلاوة وكتابة . 4- هي آية للدلالة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم - قال قوم: «هي أمارة قد كان الله تعالى جعلها لأهل الكتاب أنه سينزل على محمد كتابا في أول سور منه حروف مقطعة». ذكره ابن عطية - وقيل: « أقسم اللّه بهذه الحروف أن هذا الكتاب الّذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: هوالكتاب الذي عنده، عزّ وجلّ لا شك فيه. روي عن ابن عباس ذكره الزجاج 5- هي دالة على معرفة المدد - قال قوم: «هي حساب أبي جاد لتدل على مدة ملة محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث حيي بن أخطب» وهو قول أبي العالية رفيع وغيره. ذكره ابن عطية وأبطل هذا القول ابن كثير وأخبر عن ضعف الحديث فقال : وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد ، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم ، فقد ادعى ما ليس له ، وطار في غير مطاره ، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف ، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته. 6- هي تحدي للعرب وحجة عليهم - قال قطرب وغيره أن:{الم}و{المص}و{المر}و{كهيعص}و{ق}و{يس}و{نون} حروف المعجم ذكرت؛ لتدل على أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف المقطعة التي هي حروف أ. ب. ت. ث، فجاء بعضها مقطعاً وجاء تمامها مؤلفاً؛ ليدل القوم الذين نزل عليهم القرآن أنه بحروفهم التي يعقلونها لا ريب فيه. ذكره الزجاج وابن عطية - قال قوم: «روي أن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن بمكة نزلت ليستغربوها فيفتحوا لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة». ذكره ابن عطية وحكاه ابن جرير وضعفه ابن كثير وقال :أنه لو كان كذلك للزم أن يكون ذلك في جميع السور وللزم أن يكون أول ما يخاطبون به. 7- هي للتنبيه على ما بعدها قال قوم: «هي تنبيه ك «يا» في النداء». ذكره ابن عطية 8- هي أسماء الأيام الستة أنها الأيام الستة، التي خلق الله تعالى فيها الدنيا، وهذا قول الضحاك بن مزاحم. رواه الماوردي 9- هي مدار الألسن كلها - عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله تعالى: {الم}قال: هذه الأحرف الثّلاثة من التّسعة والعشرين حرفًا دارت فيها الألسن كلّها، ليس منها حرفٌ إلّا وهو مفتاح اسمٍ من أسمائه، وليس منها حرفٌ إلّاوهو من آلائه وبلائه، وليس منها حرفٌ إلّا وهو في مدّة أقوامٍ وآجالهم. قالعيسى ابن مريم، عليه السّلام، وعجب، فقال: وأعجب أنّهم ينطقون بأسمائهويعيشون في رزقه، فكيف يكفرون به؛ فالألف مفتاح اسم اللّه، واللّام مفتاحاسمه لطيفٍ والميم مفتاح اسمه مجيدٍ فالألف آلاء اللّه، واللّام لطف اللّه، والميم مجد اللّه، والألف سنةٌ، واللّام ثلاثون سنةً، والميم أربعون [سنةً]. الترجيح بين الأقوال: - قول ابن جرير رحمه الله : حاول الجمع بين كل الأقوال فقال : أنّه لا منافاة بين كلّ واحدٍ منها وبين الآخر، وأنّ الجمع ممكنٌ، فهي أسماءالسّور، ومن أسماء اللّه تعالى يفتتح بها السّور، فكلّ حرفٍ منها دلّ على اسمٍ من أسمائه وصفةٍ من صفاته، كما افتتح سورًا كثيرةً بتحميده وتسبيحه وتعظيمه. قال: ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسمٍ من أسماء اللّه، وعلى صفةٍ من صفاته، وعلى مدّةٍ وغير ذلك، كما ذكره الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية؛ لأنّ الكلمة الواحدة تطلق على معانٍ كثيرةٍ، كلفظة الأمّة فإنّها تطلق ويراد به الدّين، كقوله تعالى: {إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ} تطلق ويراد بها الرّجل المطيع للّه، كقوله: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين} وتطلق ويراد بها الجماعة، كقوله: {وجد عليه أمّةً من النّاس يسقون} - رد ابن كثير على ترجيح ابن جرير قال ابن كثير : إن أبو العالية زعم أن الحرف دل على كل هذه المعان في آن واحد ، وهذا خلاف ما في لفظ الأمة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الاصطلاح إنّما دلّ في القرآن في كلّ موطنٍ على معنًى واحدٍ دلّ عليه سياق الكلام، فأمّا حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألةٌ مختلفٌ فيها بين علماء الأصول وهذا ممّا لا يفهم إلّا بتوقيفٍ ، والمسألة مختلفٌ فيها، وليس فيها إجماعٌ حتّى يحكم به فمن ظهر له بعض الأقوال بدليلٍ فعليه اتّباعه، وإلّا فالوقف حتّى يتبيّن.. - قول الشنقيطي رحمه الله : أَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي يَدُلُّ اسْتِقْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى رُجْحَانِهِ فَهُوَ :أَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ ذُكِرَتْ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ الَّتِي ذُكِرَ تْ فِيهَا بَيَانًا لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ ، وَأَنَّ الْخَلْقَ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ بِمِثْلِهِ مَعَ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الَّتِي يَتَخَاطَبُونَ بِهَا ، وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْمُبَرِّدِ ، وَجَمْعٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ ،وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْفَرَّاءِ ، وَقُطْرُبٍ ، وَنَصَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ . قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ ،وَشَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمُجْتَهِدُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ ، وَحَكَاهُ لِي عَنِ ابْنِ تَيْمِيَةَ . - وبالنظر في أقوال المفسرين رحمهم الله يتبين أن منهم من تكلم في معناها كابن جرير ومنهم من تكلم في الحكمة منها وتوقف في معناها كالشنقيطي رحمه الله ووافقه ابن كثير ومنهم من توقف تماما عن التكلم في معناها أو الحكمة منها كالسعدي رحمه الله . - ولا شك أن القول بأن فيها بيان لإعجاز القرآن هو الأقرب للصواب كما قال ابن كثير ووافقه الشنقيطي رحمهم الله : وهو الواقع في تسع وعشرين سورة ، ولهذا يقول تعالى : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) [ البقرة : 1 ، 2 ] . ( الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ) [ آل عمران : 1 - 3 ] . المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ) [ الأعراف : 1 ، 2 ] . الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ) [ إبراهيم : 1 ] ( الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) [ السجدة : 1 ، 2 ] . ( حم تنزيل من الرحمن الرحيم ) [ فصلت : 1 ، 2 ] . ( حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ) [ الشورى : 1 - 3 ] ، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر ، والله أعلم .ذكره ابن كثير ومما يستفيده طالب علم التفسير من هذا فوائد عدة ومنها : - عظمة القرآن الكريم وعظمة دلالة حروفه وكلماته وأنه معجزة الله الخالدة التى لا تنقضي عجائبه ولا تحصر حكمه. - أن من القرآن ما يتتضح معناه لعامة الناس ومنه ما هو متشابه يعلمه الراسخون في العلم . - التوقف عن القول فيما وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وتابعه على ذلك الصحابة والتابعين مما لا مجال فيه للاجتهاد . - عدم القول على الله بغير علم وتحرى الدقة في التعبير عن مراد الله تعالى من كلامه . هذا والله تعالى أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين . |
تلخيص قوله تعالى ( وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ )(89)
يَقُولُ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ} - مرجع الضمير في(جاءهم ) على الْيَهُودَ. - كتاب : أي القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم - (مصدق) صفه للقران . - (لما معهم ) أي التوراة. - (يستفتحون على الذين كفروا) الاستفتاح الاستنصار حيث كان اليهود يستنصرون على الأوس والخزرج يقولون أن نبي سيبعث قد أطل زمانه نتبعه ونقتلكم قتل عاد و ارم ,وكانوا أهل كتاب يعلمون صفته وزمانه لما معهم من العلم بالتوراة والإنجيل , وَفِي الْحَدِيثِ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ، أَيْ يَسْتَنْصِرُ بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ ,ومِنْهُ( فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِه) . ذكره ابن كثير والقرطبي . - و قَيلَ: يَسْتَظْهِرُونَ يَقُولُونَ: نَحْنُ نُعِينُ مُحَمَّدًا على المشركين، ولما بعث من العرب كفروا به حسدا أن بعث من العرب.ذكره ابن كثير. - وقيل أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ اقْتَتَلُوا فِي زَمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ مَعَ غَطَفَانَ فَهَزَمَتْهُمْ غَطَفَانُ، فَدَعَا الْيَهُودُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الذِي وَعَدْتَنَا بِإِخْرَاجِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، إِلَّا نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ, فَنُصِرُوا عَلَيْهِمْ, وَكَذَلِكَ كَانُوا يَصْنَعُونَ يَدْعُونَ اللَّهَ فَيُنْصَرُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَمَنْ نَازَلَهُمْ. ذكره ابن كثير - {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُواكَفَرُوا بِهِ } أَيْ مِنَ الْحَقِّ وَصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي هو موافق لما عندهم في التوراة والإنجيل كفروا بة ولما قيل لهم اتقوا الله وآمنوا بة أليس هذا الذي كنتم تحدثوننا بة قالوا ماجاءنا بشيء نعرفه حسدا من عند أنفسهم,وخوفا على الرياسه . - جواب ( لما): اختلفت النحاة في جواب لَمَّا ولَمَّا الثانية في هذه الآية. فقيل: جوابهما في قوله: كَفَرُوا، وأعيدت لما الثانية لطول الكلام، ويفيد ذلك تقريرا للذنب، وتأكيدا له. وقيل : لَمَّا الأولى لا جواب لها للاستغناء عن ذلك بدلالة الظاهر من الكلام عليه.وعلق على ذلك ابن عطية بقولة كأنه محذوف . وقيل: جواب لَمَّا الأولى في الفاء وما بعدها، وجواب لما الثانية كَفَرُوا. ( فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ): أي عليهم، وأظهر لفظ الجلاله للدلالة على أنهم لعنوا لكفرهم، فتكون اللام للعهد، ويجوز أن تكون للجنس ويدخلون فيه دخولاً أولياً لأن الكلام فيهم. مقصد الآية : يذم الله تعالى اليهود على كفرهم بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الحق وقد أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بة ولتنصرنه وأقروا على ذلك ثم جحدوا به حسدا إن لم يكن منهم وكبرا منهم أن يتبعوا غيرهم بعد أن كانوا متبوعين . الفوائد السلوكية من الآية : - الحذر من الاتصاف بصفات اليهود كالحسد والتكبر والأنفة عن متابعة الحق حتى لا يتعرض صاحبة لغضب الله .(فلما جاءهم ماعرفوا كفروا بة) - وجوب الإيمان بدين الإسلام وما جاء به من الأحكام فهو الدين الحق (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) - إن صدق الإيمان بصدق العمل وليس بالإدعاءات.(وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا) والحمد لله رب العالمين |
تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)}
في سبب النزول وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال ابن صوريا الفطيوني لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد، ما جئتنا بشيءٍ نعرفه، وما أنزل اللّه عليك من آيةٍ بيّنةٍ فنتبعك. فأنزل اللّه في ذلك من قوله: {ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ وما يكفر بها إلا الفاسقون}» وقد بدأ الله سبحانه هذه الآية بـ"قد" وهي إنما تدخل في الكلام لقوم لا يتوقعون الخبر، واللام في {لقد} لام قسم. "الآية" في اللغة: العلامة. أما المراد بالآيات فهي الآيات التي جرى ذكرها مما قد بيّنه الله في كتابه من خفايا علوم اليهود، ومكنونات سرائر أخبارهم، وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنّبأ عمّا تضمّنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلّا أحبارهم وعلماؤهم، وما حرّفه أوائلهم وأواخرهم وبدّلوه من أحكامهم، التي كانت في التّوراة. ومعنى {بينات}: واضحات، والخطاب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أي: أنزلنا إليك يا محمّد علاماتٍ واضحاتٍ [دلالاتٍ] على نبوّتك. كما قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ} يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوةً وعشيّةً، وبين ذلك، وأنت عندهم أمّيٌّ لا تقرأ كتابًا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه. يقول اللّه: في ذلك لهم عبرةٌ وبيانٌ، وعليهم حجّةٌ لو كانوا يعلمون. أما المراد بالفاسقين فهم الذين قد خرجوا عن القصد، والقصد هو الإيمان ، والفسق الكفر ، والتقدير: ما يكفر بها أحد إلّا الفاسقون، لأن الإيجاب لا يأتي إلا بعد تمام جملة النفي ، وقول العرب "فسقت الرطبة": خرجت عن قشرتها. |
تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)}
هذه الآية مهمة جداً ،وقاعدة قرآنية هامة في حياة المسلم،فيقول تعالى مخاطباً عبادة ،اطلبوا العون علي كل أحوالكم الدينية والدنيوية ، بالصبروالدعاء، وبالصلاة التي تقربكم إلي الله وإلي رضاه ، فيعينكم علي ذلك،ويحفظكم ويذهب ما بكم من ضر ويسددكم ،وإن الصلاة لشاقة وعظيمة إلا على الخاضعين لربهم ،الخائفين من يوم الحساب المشفقين منه،في الآية إن كانت في سياق الحديث لبني إسرائيل ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ،فتكون الآية عامة ،وأن من الصبر والصلاة من أعظم ما يعين العبدفي شؤون حياته كلها. {و}أفاد حرف العطف إن الآية معطوفة على ما قبلها من السياق الذي هو خطاب لبني إسرائيل ،وهذا يرجح القول بأن الخطاب في قوله {استعينوا } لبني إسرائيل على من زعم أن الخطاب للمسلمين ،أورد هذا القول ابن عاشور في التحرير والتنوير. {استعينوا} :طلب العون من الله. {الصبر} :حبس النفس عن المعاصي حتى تجتنب ،وعلي الطاعات حتى تؤدى ،وعلي التسخط على أقدار الله المؤلمة. و"الاستعانة بالصبر" أن يصبر الإنسان على ما أصابه من البلاء ،أوحُمِّل إياه من الشريعة. وقيل الصبر المقصود به الصيام ،قاله مجاهد وذكره ابن عطيه وابن كثير. {الصلاة}:لغة بمعني الدعاء ،واصطلاحاً :هي الركن الثاني من أركان الإسلام ،وهي العبادة المعروفة،وتعم الفرض والنفل ،فإنّ الصّلاة من أكبر العون على الثّبات في الأمر، كما قال تعالى: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصّلاة إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر اللّه أكبر} الآية، قال حذيفة، يعني ابن اليمان: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حزبه أمرٌ صلّى». {وأنها}:قيل الضمير يعود على الصّلاة،قاله مجاهدٌ، واختاره ابن جريرٍ. وقيل على الاستعانة التي يقتضيها قوله واستعينوا، وقيل على العبادة التي يتضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة. وقالت فرقة: على إجابة محمد صلى الله عليه وسلم. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا ضعف، لأنه لا دليل له من الآية عليه. وقيل: يعود الضمير على الكعبة، لأن الأمر بالصلاة إنما هو إليها. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أضعف من الذي قبله. والراجح أن الضمير يعود على {الصلاة} لأنها أقرب مذكور،والقاعدة في اللغة العربية أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور ما لم يمنع منه مانع،اختاره ابن جرير وابن كثير وابن عطية. {لكبيرة}: لثقيلة ،شاقة. {الخاشعين}:الخاشع: المتواضع المطيع المجيب، الخائف ، الخاضع. والخشوع هيئة في النفس يظهر منها على الجوارح سكون وتواضع. الفوائد والهدايات من الآية : 1-الصبر والصلاة من أعظم ما يعين العبد على شؤون حياته. 2-جواز الاستعانة بما شرع الله لنا من أسباب شرعية ممن يستعان به من دون الله. 3-فضيلة الصبر وأنه العون على مصائب الدنيا. 4-الصبر يتضمن أنواع ثلاث: ا-صبر على طاعة الله، حتى تؤدى على وجههاوهو أفضلها وأشقها . ب- صبرعن معصية الله. ج- صبر على أقدار الله المؤلمة. 5- الصبر درجات متفاوتة. 6- الصبر مكتسب، كما قيل :"إنما الصبر بالتصبر". 7-الحث على الصبربأن يحبس الإنسان نفسه ويحملها على المشقة حتى يحصل المطلوب. 8-فضيلة الصلاة وأهميتها في حياة العبد ،وأنها العون على مصائب الدنيا. 9-المؤمنين الخاشعين العبادات عليهم ميسرة خفيفة ،لما حصل في قلوبهم من خشوع،والعكس في غير المؤمنين الخاشعين. 10-أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. 11- الخشوع خشوع القلب وخوفه وأنكساره . 12- الخاشع ينظر في العواقب فتخف عليه التكاليف. 13-الخاشعون وصفهم الله عزوجل بأنهم يتيقنون بأنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون. 14- الأمر يقتضي الوجوب ما لم تصرفه صارفة إلى الندب والاستحباب. 15- رحمة الرب الجليل الأكرم بعبادة،بأنه دلهم على كل خير في الدنيا والآخرة. |
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)
أولئك : ) المشار إليهم بأولئك هم الذين بينت حالهم الآيات السابقة بأنهم يقولون : ( آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) إلخ ، وهو صريح في أن طغيانهم وعمههم من كسبهم ، ولم يجبروا عليه بخلق ربهم ، قيل أنهم : جميع الكفار ، أو أهل الكتاب ، أو هم المنافقين واشتروا : من الشراء . والشراء هنا مستعار . وفي تأويلها معنيان : - استحبوا الكفر على الإيمان ، كما قال : فاستحبوا العمى على الهدى فعبر عنه بالشراء ; لأن الشراء إنما يكون فيما يحبه مشتريه . فأما أن يكون معنى شراء المعاوضة فلا ; لأن المنافقين لم يكونوا مؤمنين فيبيعون إيمانهم . - استبدلوا واختاروا الكفر على الإيمان ،قال ابن عباس : أخذوا الضلالة وتركوا الهدى . إنما أخرجه بلفظ الشراء توسعا ; لأن الشراء والتجارة راجعان إلى الاستبدال ، والعرب تجعل من آثر شيئا على شيء مشتريا له ، وبائعا للآخر .قال أبو ذؤيب : فإن تزعميني كنت أجهل فيكم فإني شريت الحلم بعدك بالجهل ووجه اختياره ( ( اشتروا ) ) على استبدلوا أن الأول أخص من وجهين : أحدهما : أن الاستبدال لا يكون شراء إلا إذا كان فيه فائدة يقصدها المستبدل منه سواء كانت الفائدة حقيقية أو وهمية . ثانيهما : أن الشراء يكون بين متبايعين بخلاف الاستبدال ، فإذا أخذت ثوبا من ثيابك بدل آخر ، يقال : إنك استبدلت ثوبا بثوب ، فالمعنى الذي تؤديه الآية : أن أولئك القوم اختاروا الضلالة على الهدى لفائدة لهم بإزائها يعتقدون الحصول عليها من الناس ، فهو معاوضة بين طرفين يقصد بها الربح ، وهذا هو معنى الاشتراء والشراء ، ومثلهما البيع والابتياع ، ولا يؤديه مطلق الاستبدال . .والضلالة والضلال بمعنى واحد . وفيها للمفسرين ثلاثة أقوال . أحدها: أن المراد هاهنا الكفر ، والمراد بالهدى: الإيمان. والثاني: أنها الشك ، والهدى: اليقين . والثالث: أنها الجهل ، والهدى: العلم . وأصل الضلالة : الحيرة . ويسمى النسيان ضلالة لما فيه من الحيرة ،" فعلتها إذا وأنا من الضالين" أي الناسين . ويسمى الهلاك ضلالة ، كما قال عز وجل : وقالوا أئذا ضللنا في الأرض . وفي كيفية استبدالهم الضلالة بالهدى ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم آمنوا ثم كفروا ، قاله مجاهد ،ولم يرجح هذا القول الطبري ذلك لأن دلائل أول الآيات في نعوتهم إلى آخرها ، دالة على أن القوم لم يكونوا قط استضاءوا بنور الإيمان ، ولا دخلوا في ملة الإسلام ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) والثاني: أن اليهود آمنوا بالنبي قبل مبعثه ، فلما بعث كفروا به ، قاله مقاتل والثالث: أن الكفار لما بلغهم ما جاء به النبي من الهدى فردوه واختاروا الضلال ، كانوا كمن أبدل شيئا بشيء ورجح الطبري القول الثالث وهو أخذوا الضلالة وتركوا الهدى . وذلك أن كل كافر بالله فإنه مستبدل بالإيمان كفرا ، باكتسابه الكفر الذي وجد منه ، بدلا من الإيمان الذي أمر به" ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل "(سورة البقرة : 108 ) وذلك هو معنى الشراء ، لأن كل مشتر شيئا فإنما يستبدل مكان الذي يؤخذ منه من البدل آخر بديلا منه . فكذلك المنافق والكافر ، استبدلا بالهدى الضلالة والنفاق ، فأضلهما الله ، وسلبهما نور الهدى ، فترك جميعهم في ظلمات لا يبصرون " فما ربحت تجارتهم" أسند تعالى الربح إلى التجارة على عادة العرب في قولهم : ربح بيعك ، وخسرت صفقتك ، أي فما ربحوا في تجارتهم . فما ربحت تجارتهم ) في الدنيا ، إذ لم تثمر لهم ثمرة حقيقية ، بل خسروا وخابوا بإهمالهم الصحيح الذي لا تقوم المصالح ولا تحفظ المنافع إلا به ، وإسناد الربح إلى التجارة؛ لأنها سببه والوسيلة إليه و الربح : هو النماء في التجر ، وهذه المعاوضة هي التي من شأنها أن تثمر الربح وما كانوا مهتدين قولان : 1- وما كانوا مهتدين في اشترائهم الضلالة في دينهم ، لأنهم لم يأخذوه على وجهه ، ولم يفهموه حق فهمه ، أو ما كانوا مهتدين في هذه التجارة ، لأنهم باعوا فيها ما وهبهم الله من الهدى والنور بظلمات التقاليد وضلالات الأهواء والبدع التي زجوا أنفسهم فيها ، أو ما كانوا مهتدين في طور من الأطوار ولا مس الرشد قلوبهم في وقت من الأوقات لأنهم نشئوا على التقليد الأعمى من أول وهلة ولم يستعملوا عقولهم قط في فهم أسراره واقتباس أنواره ، 2- وما كانوا مهتدين في سابق علم الله . والله أعلم |
رسالة تفسيرية فى قوله تعالى {وقال الرسول يارب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا}
المهجور :المتروك والمفارق والمراد هنا ترك الاعتناء به وسماعه قال بن الجوزى فى معنى مهجورا قولان:أحدهما :متروكا لا يلتفتون إليه ولا يؤمنون به وهذا معنى قول بن عباس ومقاتل والثانى :هجروا فيه أى جعلوه كالهذيان ومنه يقال فلان يهجر فى منامه أى يهذى قاله بن قتيبة وقال ابن عطية :مهجورا :مبعدا مقصيا من الهجر (بفتح الهاء )وهو قول بن زيد ،ويحتمل :مقولا فيه الهجر (بضم الهجر) إشارة إلى قولهم شعر وكهانة وسحر وهذا قول مجاهد وإبراهيم النخعى قال الزجاج: الهجر ما لا ينتفع به من القول ويجوز أن يكون مهجورا أى متروكا أى جعلوه مهجورا لا يستمعونه ولا يتفهمونه. وقوله {اتخذوا}فعل الإتخاذ إذا قيد بحالة يفيد شدة اعتناء المتخذ بتلك الحالة بحيث ارتكب الفعل لأجلها وجعله له قصدا ؛فهذا أشد مبالغة فى هجرهم القرآن من أن يقال إن قومى هجروا القرآن واسم الإشارة {هذا}لتعظيم القرآن وأن مثله لا يتخذ مهجورا بل هو جدير بالإقبال عليه والإنتفاع به . قال الشنقيطى :معنى هذه الآية الكريمة ظاهر وهو نبينا شكا إلى ربه هجر قومه لهذا القرآن العظيم أى :تركهم لتصديقه والعمل به ،وهذه شكوى عظيمة وفيها أعظم تخويف لمن هجر هذا القرآن العظيم فلم يعمل بما فيه من الحلال والحرام والآداب والمكارم ولم يعتقد ما فيه من العقائد ويعتبر بما فيه من الزواجر والقصص والأمثال . قال :وقد استنبط السبكي من الآية الكريمة مسألة أصولية وهى :أن الكف عن الفعل فعل ،والمراد بالكف الترك . قال القاسمى :هذه الآية وإن كانت فى المشركين وإعراضهم هو عدم إيمانهم إلا أن نظمها الكريم مما يرهب هموم المعرضين عن العمل به والأخذ بآدابه الذى هو حقيقة الهجر لأن الناس إنما تعبدوا منه بذلك إذ لا تؤثر تلاوة إلا لمن تدبرها ولا يتدبرها إلا من يقوم بها ويتمسك بأحكامها . قال ابن عطية تعليقا على قول بن زيد :وقول بن زيد منبه للمؤمنين على ملازمة المصحف وأن لا يكون الغبار يعلوه فى البيوت ويشتغل بغيره وروى أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال :{من علق مصحفا ولم يتعاهده جاء يوم القيامة متعلقا به يقول هذا اتخذنى مهجورا افصل يارب بينى وبينه } ومن فوائد الإمام بن القيم رحمه الله قال هجر القرآن أنواع : أحدها هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه والثانى هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به والثالث هجر تحكيمه والتحاكم إليه فى أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم والرابع هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه والخامس هجر الإستشفاء والتداوى به فى جميع أمراض القلوب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوى به وكل هذا داخل فى قوله {وقال الرسول يارب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا} وإن كان بعض الهجر أهون من بعض . قال أبو السعود:وفيه تلويح بأن من حق المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن كى لا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم ،وفيه من التحذير ما لا يخفى ؛فإن الأنبياء إذا شكوا إلى الله قومهم عجل لهم العذاب ولم ينظروا . |
تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي التطبيق الأول : (أسلوب التقرير العلمي)
تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي التطبيق الأول : (أسلوب التقرير العلمي). الحمد لله الذي أغنى وأقنى ، وأضل وهدى ، وقدر فهدى ، والصلاة والسلام على إمام الهدى الداعي إلى التقى محمد وآله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين ، وبعد.... كثير من الناس أصبح في زماننا هذا خاصة لا يدري ما له وما عليه ، فإنك لو سألت الكثير منهم لماذا تفعل كذا؟ أو لماذا لا تفعل كذا؟ يرد بأنها عادة رآها ، أو خصلة اعتاد عليها ، حتى إنك لو سألت الكثير : لماذا خُلقت ؟ أجاب بلا أدري ، فلا عجب حينما ترى شباب مغيب ، ضائع ، تائه ، لا يعرف قضيته التي يجب عليه أن يعيش لأجلها ، ولا يعلم من دينه إلا اسمه وما يسمعه من كل ناعق منافق في وسائل الإعلام وغيرها ، ولا عجب أن ترى من يسب دين الله جل وعلا ح لأنه ما عرف قيمته ولا قدر له قدره ، بل لا عجب من أولئك الذين لا يعرفون من نبيهم ومن ربهم وحقيقة دينهم ، وكل هذا ناتج حرب طويلة خاضها ويخوضها أعداء الإسلام إلى يومنا هذا بل ستظل إلى قيام الساعة ، ولكن الله وعد أهل الحق بالنصر المبين ، وتوعد أهل الباطل بالخزي والخسران المبين في الدنيا والآخرة، وبما يُنتصر به في هذه المعركة الفكرية الكبرى : العلم . فالعلم يرفع بيوتا لا عماد لها والجهل يهدم بيوت العز والكرمِ الوقفة الأولى: تفسير معانيها : معناها إجمالاً:قال ابن كثير في تفسيره : أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له ، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ، ومن عصاه عذبه أشد العذاب ، فقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).خبر مستعمل في التعريض بالمشركين الذين انحرفوا عن الفطرة التي خُلقوا عليها فخالفوا سنتها اتباعاً لتضليل المضلين. ذكره ابن عاشور وَمَا خَلَقْتُ: أي ما أوجدت ، فالخلق هو إيجاد الشيء من العدم. الْجِنَّ : جنس من المخلوقات مستتر عن أعين الناس وهو جنس شامل للشياطين قال تعالى عن إبليس:{كان من الجن}. وَالْإِنْسَ : اسم جمع واحده إنسي ، وهم بنوا آدم عليه السلام، وهم المقصودون من هذا الإِخبارِ ، وإنما ذُكر الجن إدماجاً، وتقديم الجن في الذكر في قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}للاهتمام بهذا الخبر الغريب عند المشركين الذين كانوا يعبدون الجن ، ليعلموا أن الجن عباد لله تعالى ، فهو نظير قوله: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون}. إِلَّا لِيَعْبُدُونِ: أي : إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي ، لا لاحتياجي إليهم، والعبادة في اللغة : هي غاية الخضوع والتذلل للمعبود واعتقاد أنه يملك نفع العابد وضُرّه مِلكاً ذاتياً مستمراً ، فالمعبود إله للعابد كما حكى الله قول فرعون{وقومهما لنا عابدون}، و عرفها ابن تيمية –رحمه الله تعالى-بقوله: [ العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة]، فعبادة الإِنسان ربَّه لا تخرج عن كونها محقِّقة للمقصد من خَلقه وعلَّةً لحصوله عادةً. والحصر المستفاد من قوله:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}قصرُ علةِ خلق الله الإِنسَ والجنَّ على إرادته أن يعبدوه ، أي إلا ليعبدوني وحدي ، أي لا ليشركوا غيري في العبادة ، فهو ردّ للإِشراك. الوقفة الثانية: اقوال العلماء في قوله تعالى: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: وللعلماء في تفسير هذه الآية أقوال منها: -أي : إلا ليقروا بعبادتي طوعا أو كرها . رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وهو اختيار ابن جرير - أي: إلا ليعرفون: قاله ابن جريج - أي : إلا للعبادة .وهذا قول الربيع ابن أنس -- وقيل معنى ذلك: وما خلقت السُّعداء من الجنّ والإنس إلا لعبادتي, والأشقياء منهم لمعصيتي. وهذا قول زيد بن اسلم. - وذكر ابن عاشور قولاً آخر وهو : أي ما خلقتهم لعلة إلا علة عبادتهم إياي . والتقدير : لإِرادتي أن يعبدون ، واستدل على هذا التقدير بقوله تعالى في جملة البيان :{ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} . وبين أن معنى الإِرادة هنا : الرضى والمحبة ، وليس معناها الصفةَ الإِلهية التي تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه على وفق العلم ، التي اشتق منها اسمُه تعالى : المريد . وقال:[وهذا يغني عن احتمالات في تأويل التعليل من قوله : { ليعبدون } من جعل عموم الجن والإِنس مخصوصاً بالمؤمنين منهم ، أو تقديرِ محذوف فيالكلام ، أي إلا لآمُرهم بعبادتي ، أو حَمل العبادة بمعنى التذلل والتضرع الذي لا يخلو منه الجميع في أحوال الحاجة إلى التذلل والتضرع كالمرضوالقحط وقد ذكرهَا ابن عطية، ويرد على جميع تلك الاحتمالات أن كثيراً من الإِنس غير عابدٍ بدليل المشاهدة ، وأن الله حكى عن بعض الجن أنهم غير عابدين]. الوقفة الثالثة: فوائد من الآية وهذه الآية بينت قواعد وأصول عدة من أهمها: 1-معرفة الغاية من خلق الجن والأنس. 2-أن الله هو الخالق المربي ، فهو أحق من يُعبد. 3-أن الجن مكلفون كالأنس. 4-أن الواجب على جميع الخلق عبادة الله وحده ، وعدم الإشراك به. 5-معرفة معنى العبادة. 6-أن العبادة لا تنفع إذا أُشرك مع الله غيره فيها. 7-السعي في تحقيق معنى العبادة لله وحده. |
رسالة فى تفسير قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} الفاتحة
*************** هذه الآية المباركة هى الآية السادسه من سورة الفاتحة التى افتتح بها الله سبحانه وتعالى كتابة العزيز أخر كتب الملك العظيم جل وعلا الى عباده وقال بن كثير رحمه الله فى مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما تقدم الثناء على المسؤول، وهو الله تبارك وتعالى أول السورة، ناسب أن يعقّب بعده بالسّؤال؛ كما قال في الحديث: (فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل) وفى قوله تعالى (اهْدِنَا) أربعة مسائل المسألة الأولى الحكمه من ورود صيغة الأمر فى الأية والغرض منها المسأله الثانيه معنى الهداية لغتاً المسأله الثالثة أحوال لفظ الهدايا في التعدي المسألة الرابعة الحكمة من استعمال صيغة الجمع فأما جواب المسألة الأولى: فقوله تعالى : { اهدنا } رغبة لأنها من المربوب إلى الرب ، وهكذا صيغة الأمر كلها ، فإذا كانت من الأعلى فهي أمر ذكره بن عطية وأما جواب المسألة الثانية: فالهداية في اللغة الإرشاد ، لكنها تتصرف على وجوه يعبرعنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد ، وكلها إذا تؤملت رجعت إلى الإرشاد -فالهدى يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ، ومنه قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] وقوله تعالى : { والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } [ يونس : 25 ] -وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء ، من ذلك قوله تعالى : { ولكل قوم هاد } [ الرعد : 7 ] أي داع وقوله تعالى : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } [ الشورى : 52 ] وهذا أيضاً يبين فيه الإرشاد ، لأنه ابتداء إرشاد أجاب المدعو أو لم يجب -وقد جاء بمعنى الإلهام ، من ذلك قوله تعالى : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 5 ] . قال المفسرون : معناه « ألهم الحيوانات كلها إلى منافعها » . وهذا أيضاً بين فيه معنى الإرشاد -وقد جاء الهدى بمعنى البيان ، من ذلك قوله تعالى : { وأما ثمود فهديناهم } [ فصلت : 17 ] . قال المفسرون : « معناه بينا لهم » . قال أبو المعالي : معناه دعوناهم ومن ذلك قوله تعالى : { إن علينا للهدى } [ الليل : 12 ] أي علينا أن نبين ، وفي هذا كله معنى الإرشاد . - وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها ، من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين : { فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم } [ محمد : 5 ] ومنه قوله تعالى : { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } [ الصافات : 23 ] معناه فاسلكوهم إليها .ذكره بن عطية عن أبو العالى -وقال بن عطية وهذه الهداية بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا ، وهي ضد الضلال وهي الواقعة في قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } على صحيح التأويل ، وذلك بين من لفظ { الصراط } -ومن الأقوال فى معنى الهدى ماذكره بن عطية عن ابن سيده : « والهدى اسم من أسماء النهار » واستدل بقول ابن مقبل : حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة ... يخشعن في الآل غلفاً أو يصلينا وأما جواب المسألة الثالثة: فلفظ الهداية ثلاثة أحوال في التعدي: الأول: أن يتعدى بنفسه، كما في الآية {اهدنا الصّراط المستقيم} فتضمّن معنى ألهمنا، أو وفّقنا، أو ارزقنا، أو أعطنا؛ وكقوله تعالى: {وهديناه النّجدين}[البلد: 10] أي: بيّنّا له الخير والشّرّ. الثاني: أن يتعدى بــ (إلى)، كقوله تعالى: {اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ}[النّحل: 121]، وقوله: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم}[الصّافّات: 23]، وذلك بمعنى الإرشاد والدّلالة، وكذلك قوله تعالى: {وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ}[الشّورى: 52] الثالث: أن يتعدّى باللام، كقول أهل الجنّة: {الحمد للّه الّذي هدانا لهذا} [الأعراف: 43] أي: وفّقنا لهذا وجعلنا له أهلًا. ذكر هذه الأقوال ابن كثير والمراد بالهداية في الآية هداية الإرشاد والدلالة، وهداية التوفيق، ذكر ذلك ابن كثير والسعدي والأشقر وبن عطية وأما جواب المسألة الرابعة: فاستعمال صيغة الجمع في قوله: {اهدنا} - ليدخل في الدعاء جميع المؤمنين، كما ذكر ابن كثير لأنّه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة، ولهذا أرشد اللّه تعالى إليه لأنّه الأكمل ذكره بن كثير وفى الصراط المستقيم ثلاثة مسائل ذكرها المفسرون المسأله الأولى القراءات في كلمة {الصراط} المسألة الثانية معنى الصراط المستقيم لغة المسألة الثالثة المراد بالصراط المستقيم أما جواب المسألة الأولى: القراءات فى الصراط ذكر بن كثير فيها ثلاث قراءات - قراءة الجمهور بالصّادّ. - وقرئ: "السّراط" - وقرئ بالزّاي، قال الفرّاء: وهي لغة بني عذرة وبلقين وبني كلب. وأما جواب المسألة الثانية: فالصراط المستقيم لغتاً هو الطّريق الواضح الّذي لا اعوجاج فيه. ذكره ابن كثير عن ابن جرير، وذكره الأشقر. وكذلك في لغة جميع العرب، فمن ذلك قول جرير بن عطيّة الخطفي: أمير المؤمنين على صراطٍ ** إذا اعوجّ الموارد مستقيم ثمّ تستعير العرب الصّراط فتستعمله في كلّ قولٍ وعملٍ، وصف باستقامةٍ أو اعوجاجٍ، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوجّ باعوجاجه. قاله ابن جرير، وأورده ابن كثير. وأما المسألة الثالثة: المراد بالصراط المستقيم فقداختلفت عبارات المفسّرين من السّلف والخلف في تفسير الصّراط، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيءٍ واحدٍ، وهو المتابعة للّه وللرّسول صلى الله عليه وسلم وذكر المفسرون أربعة أقوال القول الأول: أنه كتاب الله - عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الصّراط المستقيم كتاب اللّه». رواه ابن أبي حاتم وابن جريرٍ، وذكره ابن كثير - وعن عليٍّ مرفوعًا: «وهو حبل اللّه المتين، وهو الذّكر الحكيم، وهو الصّراط المستقيم». رواه أحمد والترمذيٍ، وذكره ابن كثير - قال ابن كثير: (وقد روي هذا موقوفًا على عليٍّ، وهو أشبه، واللّه أعلم). - وعن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: «الصّراط المستقيم: كتاب اللّه»، رواه سفيان الثوريٍ، وذكره ابن كثير القول الثاني: أنه الإسلام. - عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ، عليهما السّلام: قل: يا محمّد،{اهدنا الصّراط المستقيم}. يقول: اهدنا الطّريق الهادي، وهو دين اللّه الّذي لا عوج فيه». رواه الضحاك - وعن النّوّاس بن سمعان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ضرب اللّه مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصّراط سوران فيهما أبوابٌ مفتّحةٌ، وعلى الأبواب ستورٌ مرخاةٌ، وعلى باب الصّراط داعٍ يقول: يا أيّها النّاس، ادخلوا الصّراط جميعًا ولا تعوّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصّراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه؛ فإنّك إن تفتحه تلجه. فالصّراط الإسلام، والسّوران حدود اللّه، والأبواب المفتّحة محارم اللّه، وذلك الدّاعي على رأس الصّراط كتاب اللّه، والدّاعي من فوق الصّراط واعظ اللّه في قلب كلّ مسلمٍ». رواه احمد وابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ والتّرمذيّ والنّسائي، وذكره ابن كثير والأشقر. - وعن ابن عبّاسٍ، في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «ذاك الإسلام»ٍ، ذكره ابن كثير. - وكذا روي عن ابن مسعودٍ، وجابر وابن الحنفية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: «هو الإسلام»ٍ، كما ذكر ابن كثير. القول الثالث: أنه الحق - قال مجاهدٌ: {اهدنا الصّراط المستقيم}، قال: «الحقّ». ذكره ابن كثير. وقال: وهذا أشمل، ولا منافاة بينه وبين ما تقدّم. - قال السعدي: هوَ الطريقُ الواضحُ الموصلُ إلى اللهِ وإلى جنتِهِ، وهو معرفةُ الحقِّ والعملُ بهِ. القول الرابع: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه - عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وصاحباه من بعده» - قال عاصمٌ: فذكرنا ذلك للحسن، فقال: «صدق أبو العالية ونصح». رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وذكره ابن كثير. والقول الراجح في المراد بالصراط المستقيم في الآية: - قال ابن كثير:((كل هذه الأقوال صحيحةٌ، وهي متلازمةٌ، فإنّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، واقتدى باللّذين من بعده أبي بكرٍ وعمر؛ فقد اتّبع الحقّ، ومن اتّبع الحقّ فقد اتّبع الإسلام، ومن اتّبع الإسلام فقد اتّبع القرآن، وهو كتاب اللّه وحبله المتين، وصراطه المستقيم، فكلّها صحيحةٌ يصدّق بعضها بعضًا، وللّه الحمد)). - وعن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: «الصّراط المستقيم الّذي تركنا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم». رواه الطبراني ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه: ((والّذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي -أعني {اهدنا الصّراط المستقيم}- أن يكون معنيًّا به: وفّقنا للثّبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قولٍ وعملٍ، وذلك هو الصّراط المستقيم؛ لأنّ من وفّق لما وفق له من أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، فقد وفق للإسلام، وتصديق الرّسل، والتّمسّك بالكتاب، والعمل بما أمره اللّه به، والانزجار عمّا زجره عنه، واتّباع منهاج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومنهاج الخلفاء الأربعة، وكلّ عبدٍ صالحٍ، وكلّ ذلك من الصّراط المستقيم)). و يخطر لنا مسألة هامة ونحن بصدد البحث فى تفسير هذه الآية العظيمة كيف يحتاج المسلم لسؤال الهداية وهو متصف بها؟ وحاصل ما ذكره المفسرون فى هذه المسألة: - طلب المؤمن للهداية لا يقتضي ضلالته عنها؛ بل يكون مطلوبه تثبيته عليها، وتبصره بها وبتفاصيلها علما وعملا، وازدياده منها، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}، هذا حاصل ما ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر. - قال ابن جرير: ((والّذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي -أعني {اهدنا الصّراط المستقيم}- أن يكون معنيًّا به: وفّقنا للثّبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قولٍ وعملٍ))، كما ذكر ابن كثير. - وقال ابن كثير: ((فإن العبد مفتقرٌ في كلّ ساعةٍ وحالةٍ إلى اللّه تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصّره، وازدياده منها، واستمراره عليها. وقد قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل} الآية [النّساء: 136]، فقد أمر الّذين آمنوا بالإيمان، وليس في ذلك تحصيل الحاصل؛ لأنّ المراد الثّبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك، واللّه أعلم. وقال تعالى آمرًا لعباده المؤمنين أن يقولوا: {ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب} وقد كان الصدّيق رضي اللّه عنه يقرأ بهذه الآية في الرّكعة الثّالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرًّا. فمعنى قوله تعالى: {اهدنا الصّراط المستقيم} استمرّ بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره)). وفى الآية الكريمة دلالة على لطف الله بعبادة ورحمته بهم قال ابن كثير: (فإن العبد لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا إلّا ما شاء اللّه، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كلّ وقتٍ أن يمدّه بالمعونة والثّبات والتّوفيق، فالسّعيد من وفّقه اللّه تعالى لسؤاله؛ فإنّه تعالى قد تكفّل بإجابة الدّاعي إذا دعاه، ولا سيّما المضطرّ المحتاج المفتقر إليه آناء اللّيل وأطراف النّهار). ولعل من المناسب ذكر ما دلة عليه الآية من أداب الدعاء التى ذكرها بن كثير فى تفسيره للأية - أكمل أحوال السّائل، أن يمدح مسؤوله، ثمّ يسأله حاجته، ولهذا أرشد اللّه تعالى إليه لأنّه الأكمل. - قد يكون السّؤال بالإخبار عن حال السّائل واحتياجه، كما قال موسى عليه السّلام: {ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خيرٍ فقيرٌ}[القصص: 24] - وقد يتقدمه مع ذلك وصف المسؤول، كقول ذي النّون: {لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}[الأنبياء: 87] - وقد يكون بمجرد الثناء على المسؤول، كقول الشّاعر: أأذكر حاجتي أم قد كفاني ** حياؤك إنّ شيمتك الحياء إذا أثنى عليــك المرء يومًـــــا ** كفـــاه مـــن تعــرّضــه اسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا ويعيننا على جمع قلوبنا على طلب الهدايا التى ندعوا بها فى كل ركعة من الصلاة لشدة حاجتنا لها ونسأله سبحانه أن يسلك بنا سبيل الذين أنعم عليهم ويهدينا الصراط المستقيم |
رسالة تفسيرية في قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ))
الكدح : العمل والسعي والكسب والخدش . والكدح : عمل الإنسان لنفسه من خير أو شر،كدح يكدح كدحا وكدح لأهله كدحا : وهو اكتسابه بمشقة ،قاله الأزهري ، يكدح لنفسه بمعنى يسعى لنفسه ; ومنه قوله تعالى :( إنك كادح إلى ربك كدحا) أي ناصب إلى ربك نصبا ; وقال الجوهري : أي تسعى . قال أبو إسحاق : الكدح في اللغة السعي والحرص والدءوب في العمل في باب الدنيا وباب الآخرة ; قال ابن مقبل : وما الدهر إلا تارتان ، فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح أي تارة أسعى في طلب العيش وأدأب وقال غيره مشيرا إلى أن الكدح فيه معنى النصب : ومضت بشاشة كل عيش صالح وبقيت أكدح للحياة وأنصب ويشهد لهذا قوله تعالى :( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) . وفي معنى الخدش قال النبي - صلى الله عليه وسلم : من سألَ وهوُ غنيّ جاءت مسألته يوم القيامةِ خدوشاً أو خموشاً أو كدوحاً في وجهه . -ومن طريف أمر الكاف والفاء إذا وقعا فاءً وعيناً للكلمة دلت على على الجهد والدأب والتأثير يقال فلان كدود يكدّ نفسه في العمل ويتعبها فهذ خلاصة كلام علماء اللغة في معنى الكدح ، وأقوال المفسرين في تفسير الآية لا تخرج عن هذا المعنى اللغوي. قال "ابن عباس" رضي الله عنهما : أي تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أو شرا . ووقال "قتادة: إنك كادح إلى ربك كدحا ) قال : عامل له عملا . وقال إن كدحك يا ابن آدم لضعيف ، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل،ولا قوة إلا بالله وقال "السدي" : إنك كادح إلى ربك كدحا قال : عامل عملا فملاقيه قال : ملاق عملك . وذكر نحوه " الضحاك " . وقال " ابن كثير"أي : ساع إلى ربك سعيا وعامل عملا ( فملاقيه ) ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر ويشهد له ما رواه أبو داود، عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جبريل يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه 🔷 وأما قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} ففيه عدة مسائل : الأولى قوله {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ } بعد ذكر تلك الأهوال العظيمة المذكورة في أول السورة وجه الخطاب الى الإنسان الذي أوجده وأحسن خلقه وأنعم عليه بما يمكنه من القيام بشؤون حياته ليتبصر في حاله ومآله . - وأورد المفسرون اقوال في المراد بالإنسان ، هل هو للعموم أي للجنس الإنسان ، أم يراد به الفرد ،فمن خصص ، ذكر له سبب نزول ،كا "مقاتل"ذكر أنها في الأسود بن هلال المخزومي جادل أخاه أبا سلمة في أمر البعث فقال أبو سلمة: إي والذي خلقك لتركبن الطبقة ولتوافين العقبة، فقال الأسود:فأين الأرض والسماء وما حال الناس؟ وقيل: المراد أبي بن خلف كان يكدح في طلب الدنيا وإيذاء الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والإصرار على الكفر، ذكره " الألوسي"وقال وأبعد غاية الإبعاد من ذهب إلى أنه الرسول عليه الصلاة و السلام على أن المعنى: إنك تكدح في إبلاغ رسالات الله عز وجل وإرشاده عباده سبحانه واحتمال الضرر من الكفار، فأبشر أنك تلقى الله تعالى بهذا العمل وهو غير ضائع عنده عز وجل ، وذكر هذا القول " الشنقيطي" في تفسيره ، ورجح القول الأول وهو " العموم " مستشهداً بدلالة السياق، وللتقسيم الوارد في الآية، فأما من أوتي كتابه بيمينه ، وأما من أوتي كتابه بشماله ، وأنه يراد به كلّ أنسان مهما كان حاله مؤمن أوكافر ، بر أوفاجر ، لأن الكل يكدح ويعمل جاهدا لتحصيل ما هو مقبل عليه ، كما في الحديث : " اعملوا كل ميسر لما خلق له " أي : ومجد فيه وراض به ، وهذا منتهى حكمة العليم الخبير ،وهو القول الرّاجح الّذي عليه جمهور المفسرين "وورد عن القفال" تفصيل في العموم فذكر فيه قولان : الأول : أن المراد جنس الناس كما يقال : أيها الرجل ، وكلكم ذلك الرجل ، فكذا هنا،وكأنه خطاب خُص به كل واحد من الناس ،وهو أبلغ من العموم لأنه قائم مقام التخصيص على مخاطبة كل واحد منهم على التعيين بخلاف اللفظ العام فإنه لا يكون كذلك . -قوله {يَا أَيُّهَا} يا حرف نداء ومنادى مبني على الضم ، والهاء للتنبيه، وكأنها أتت بهذه الصيغة لتوقظ الغافل المنغمس في دنياه لينتبه، ولينظر في في أمره أن كان على هدى وأمرٍ مستقيم جدّ في وسعى في اتقانه، وإن كان على غير هذا اصلح من أمره وفتش عن عيبه وخلله، وهذا ا النّداء كما سلف موجه لجميع الناس البّر والفاجر،المؤمن والكافر ،كلٌّ محتاج إلى وقفة محاسبة سواءً كان في أمر دينه أم ديناه .كما ورد في الحديث الشريف (كلُّ النَّاس يغدو، فبائع نَفْسَهُ فمعتقُها، أو مُوبِقها)) - قوله : {إِنَّكَ} " إنَّ " اداة توكيد ونصب ، إنّك إيها الإنسان تبذل كلّ هذا الجهد. لتنال ما كدحت لأجله،فانظر عاقبته ونهايته لأن من لم يتصور العاقبة لن يسعى هذا السعي الحثيث وسيؤثر الرٰاحة على التعب وهذا هو الذي يظهر من مفهوم المخالفة كادحٌ ، كلمة كادح جمعت معاني عظيمة لاتجمعها كلمة أخرى فهي تشير إلى إرادة قوية ، وعمل دائم وسعي متواصل ،وبذل جهد،وانهماك فكر وبدن ،وتنوع العمل، وغير ذلك من المعان العظيمة التي حوتهاهذه الكلمة . - {إِلَىٰ رَبِّكَ } يراد بها هنا " الغاية" أي إلى غاية كدحك ونهاية مبتغاك عمل دؤوب لاينقطع لا تواني فيه ولا كسل، قد بان الهدف وعظمت الغاية سائقه الخوف ،ومغذية الرجاء مع عظم يقين واخلاص عمل . كلمة { رَبِّكَ } لفظة عظيمة لها دلالات بليغة منها: تربيته لعبده وعنايته به عبده،وحسن تدبيره له واصلاح حاله ، ورزقه ، وغير ذلك من المعاني والدلا لات الّتي تحتويها هذه الكلمة - {كَدْحًا} اتت نكرة لتشمل كلّ كدح ، ذهنيّ ،أم جسدي ، في القلب أو الجوارح ، للدنيا إم للأخرة ، والموفق من جعل مبتغاه الأخرة ، سواءً فيما يطلب من أمر الدنيا ،أو مما يقوم به من عبادات وذلك بحسن القصد واخلاص العمل واحتساب الأجر ،كما قال تعالى ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا .....)) حيث ورد فيها قولان : الأول :قال به "الحسن" وقتادة" : ومعناه : لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ، ونظرك لعاقبة دنياك . والكلام على هذا التفسير فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه "ذكره القرطبي" . والثاني : لا تنس نصيبك من الدنيا بأن تعمل فيها للآخرة ،وهو قول " ابن عباس" واختاره أكثر المفسرين ، قال مجاهد : لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة ، فالكلام على هذا التأويل يراد به الشدة في الموعظة . ونرى أنه لا منافاة بين القولين فالمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا فيتمتع بها تمتعاً مباحاً ، لا يجره إلى الحرام ، ويستعين بهذا المباح على طاعة الله تعالى ،لأنه ترويح عن النفس ، واستجماع لنشاطها، وكذلك لا ينسى نصيبه من الدنيا ، وهو عمله الصالح الذي سيصحبه في قبره ، ولهذا أثنى الله تعالى على من يدعو قائلاً : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) قال ابن كثير : " فجمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا ، وصرَفت كلّ شر ؛ فإن الحسنة في الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي ، من عافية ، ودار رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ومركب هنيء ، وثناء جميل ، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين ، ولا منافاة بينها ، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا . وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العَرَصات ، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة " - {فَمُلَاقِيهِ} الفاء حرف عطف (ملاقيه)معطوف على كادح ،والضمير في قوله: {فَمُلاقِيهِ} إما يعودإلى الله- تعالى-،وهو لقاؤه الذي وعد به،أوإلى العمل حيث يراه في الكتاب مسطورا مثبتا وهذا هو منطوق الآية والذي يظهر منها أن كلّ عامل سيلقى عمله إن خيراً فخير ،وإن شراً فشر والمقصد الإستعداد للقاء الله بحسن السير إليه وبذل الجهد فيه واليقين بوعده الذي وعده عباده المؤمنين كما قال تعالى {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} جعل الله كدحنا فيما يرضيه ، ومنّ علينا بالإستعداد للوقوف بين يديه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . |
تقويم التطبيق الأول أحسنتم بارك الله فيكم، ونفع بكم، وهذا التطبيق الأول من غير المستغرب أن تكون عليه ملحوظات يمكن تلافيها في التطبيقات التالية إن شاء الله تعالى. ملحوظات عامة: 1. وقع خلط بين تلخيص الدروس وكتابة الرسائل التفسيرية؛ فكتابة الرسائل يبنغي أن يكون أسلوب الكاتب فيها ظاهراً، ولغته في الخطاب حاضرة، وأن لا تكون رسالته مجرد تلخيص. 2. أسلوب التقرير العلمي ينبغي أن يعتنى فيه جيدا بتحرير المسائل العلمية وحسن تقسيم الأقوال فيها، وكذلك مناسبة الانتقال من مسألة إلى أخرى. 3. عند النقل عن الصحابة والتابعين لا بدّ من ذكر المصدر الأصلي أو البديل؛ لأن النقل عن المصادر الناقلة قد يقع فيه خطأ، فإذا وجدت قولاً منسوباً إلى ابن عباس أو مجاهد أو عكرمة مثلا في تفسير ابن عطية أو الزجاج أو ابن كثير أو غيرها ؛ فانظر إلى مصدره الأصلي من التفاسير المسندة كتفاسير ابن جرير وابن أبي حاتم وعبد الرزاق وابن المنذر وغيرها وهي مجموعة في جمهرة التفاسير يمكن الوصول إليها بسهولة ثم نقل نصّ عباراتهم وتخريجها. 4. درستم فيما مضى طريقة تحرير أقوال المفسرين فمن الخطأ ترك التحرير والاقتصار على جمع نقول عن المفسرين ولصقها. 5. آمل مراعاة خطوات إعداد الرسالة التفسيرية، وخصوصاً استخراج المسائل بدقة قبل بدء كتابة الرسالة التفسيرية. - كوثر التايه: ب آمل مراجعة الملحوظات العامة، واحرصي على أن يكون أسلوبك ظاهراً في البيان عن المسائل العلمية وأن تعتني بصياغة رؤوس المسائل خصوصاً؛ فالمدخل إلى ذكر الأقوال مهم جداً. - مضاوي الهطلاني: آمل الإعادة بأسلوبك، وأن لا تكون رسالتك نسخ ولصقاً من تفاسير متعددة ؛ فهذا لا يفيدك شيئاً في تحسين أسلوبك انظري المسائل التي تكلّم عنها المفسّرون ولخصيها في ورقة خاصة وتفهّميها جيدا ثم عبري بأسلوبك دون التقيد بعبارات المفسرين، إلا إذا وجدت عبارة يحسن نقلها بنصها فتنقل مع النسبة. ريم الحمدان: ب آمل مراجعة الملحوظات العامة. فاطمة الزهراء: أ أحسنت بارك الله فيك، وخصوصاً في أول رسالتك، وأسلوبك فيها ظاهر حسن، لكن غلب عليك بعد ذلك التلخيص والتجميع. هناء هلال: أ أحسنت بارك الله فيك، اعتني بصياغة رؤوس المسائل خاصّة فهي مدخل لما بعدها، وراجعي الملحوظات العامة. - القاضي أبو محمد هو ابن عطية، وذكره بالاسم الذي يعرف به أولى. - بعض الأقوال لديك من غير نسبة. شيماء طه: ب+ أحسنت بارك الله فيك - اعتني بتفصيل المسائل التفسيرية. - إذا نسبت إلى أحد من الصحابة أو التابعين قولا فاذكري مصدره. الشيماء وهبة: أ+ أحسنت بارك الله فيك. قولك: (ومنهم من تكلم في الحكمة منها وتوقف في معناها كالشنقيطي رحمه الله ووافقه ابن كثير...) هذا التعبير لا يحسن لأن ابن كثير متقدم على الشنقيطي كثيراً. عابدة المحمدي: ب أحسنت بارك الله فيك، وآمل مراجعة الموضوعات العامة. تماضر: آمل الإعادة بارك الله فيك؛ لأن ما ذكرتيه عامّته نسخ ولصق وتجميع ليس فيه تحرير بأسلوبك، وقد فاتك ذكر مسائل مهمة في تفسير الآية. - راجعي خطوات إعداد الرسالة التفسيرية. مها شتا: أ+ أحسنت بارك الله فيك - بعض الأقوال لم تنسبيها. - القاضي أبو محمد هو ابن عطية نفسه؛ فذكره بما يعرف به أولى. - نبيلة الصفدي: أ أحسنت بارك الله فيك أسلوبك في أوّل الرسالة ظاهر حسن لكنّك قصّرت في آخرها، وكذلك فاتك عزو كثير من الأقوال. أمل يوسف: آمل الإعادة بارك الله فيك ، واعتني بتحرير المسائل وصياغتها بأسلوبك، وليس بالتجميع المجرد من أقوال المفسرين بنصها. هلال الجعدار: أ أحسنت بارك الله فيك، وأول رسالتك الأسلوب فيها يميل إلى الوعظ مع حدة في الأسلوب لعلك تخففها فيما بعد. - اعتن بالصياغة اللغوية: مثلا: قولك: (فلا عجب حينما ترى شباب مغيب) : الصواب: شباباً مغيباً. - ( فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء)، الأصل أن يقال: (جزاه) في الثواب، و(جازاه) في العقاب؛ كما قال تعالى: {وهل نجازي إلا الكفور} ويطلق الجزاء على العقوبة إما على التهكم كما في البشارة في قوله تعالى: {بشر المنافقين بأنّ لهم عذابا أليما} أو على أصل الجزاء. عائشة أبو العينين: أ+ - أحسنت بارك الله فيك. - آمل التنبه في مسائل الاعتقاد خاصة أن لا يعبّر عنها بتعبيرات الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم فقولك: (فالهدى يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب) هذا ليس من تعبير أهل السنة، وهي من العبارات الموهمة التي تفسّرها كل فرقة على اعتقادها فلذلك تجتنب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والقول في أن الإيمان مخلوق أو غير مخلوق بدعة). منيرة محمد: ج+ - إذا نقلت كلام مفسّر بنصه فانسبيه إليه كقولك: (ومن طريف أمر الكاف والفاء إذا وقعا فاءً وعيناً للكلمة دلت على على الجهد والدأب والتأثير يقال فلان كدود يكدّ نفسه في العمل ويتعبها) وإن فهمت المسألة من مجموع كلامهم ثم عبّرت عنه بأسلوبك فلا تلزم النسبة إلا أن يكون في الكلام قول لأحد الصحابة أو التابعين فيعزى إلى مصدره الأصلي ببيان من رواه. - اعتني بتخريج الأحاديث والآثار التي تذكرينها في رسالتك. - عند النقل عن مفسرين تفاسيرهم مفقودة كالسدي والضحاك وغيرهما لا بدّ من بيان المصدر الوسيط؛ فتقولين مثلا: ذكره ابن كثير عن السدي. - قولك: (ففيه عدة مسائل : الأولى قوله {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ } ). هذه الآية فيها مسائل عدة ، وليست مسألة واحدة. - اعتني بالصياغة اللغوية واحترزي من الأخطاء الإملائية؛ فقولك: (وأورد المفسرون اقوال في المراد بالإنسان) الصواب: وأورد المفسرون أقوالاً في المراد بالإنسان. - اعتني بتحرير الأقوال وتفصيلها كما سبقت دراسته. |
&تفسير قوله تعالى :{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِ وَالإِنسَ إلاَّ لَيَعْبُدُونِ ما أُريدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَما أُريدُ أَن يُطعِمونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتينُ ﴾
[الذاريات: 57-59] 📌تفسير قوله تعالى :{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِ وَالإِنسَ إلاَّ لَيَعْبُدُونِ }: أن الله تبارك وتعالى خلق الخلق على وجه الكمال وأمدهم بالأدوات وأعدهم أيما استعداد لعبادته وتوحيده .ولعل تقديم الجن في الذكر لتقدم خلقهم على خلق الإنس في الوجود، ومعنى الجن مأخوذ من الاستتار لأنهم مستترون عن الإنس، ولم يذكر الله سبحانه الملائكة لأن الآية تبين إعراض المعرضين حيث تركوا عبادة الله تعالى وقد خلقوا لها؛ ويخرج من هذا الملائكة لأنهم عباد مكرمون لا يستكبرون عن عبادته عز وجل، وقد ورد في هذه الآية عدة أقوال هي : القول الأول: أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي وأدعوهم لها ، لا لاحتياجي إليهم ، إذ العبادة هي مضمن الأمر.قاله عليُّ بن أبي طالب، وابن عباس ومجاهد مضمون ما ذكره الزجاج والماوردي وابن عطية وابن كثير و ابن الجوزي والألوسي والشعراوي. القول الثاني : إلا ليعبدوني طوعاً أو كرهاً، قاله ابن عباس. والربيع بن أنس.مضمون ما ذكره الماوردي وابن عطية وابن كثير و ابن الجوزي . -دليل هذا القول: 1-قوله تعالى { ولئن سألتهم منْ خلقهم ليقولُنَّ الله} 2-قوله تعالى : {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ} القول الثالث: أن الآية خاصّة في حقِّ المؤمنين وليست عامة .وأن الناس إنما جبلوا على الشقاء والسعادة، ،أي {وما خلقت الطائعين من {الجن والإنس} إلا لعبادتي ،قاله زيد بن أسلم وسفيا وقال بذلك الضحاك والفراء وابن قتيبة و سعيد بن المسيّب ،ورجحه القاضي ابي يعلي بدليل الآية : {ولقد ذرأْنا لجهنَّم كثيراً من الجِنِّ والإنس} ؛ فالكُفَّار يخرُجون من هذاالخطاب . كما أن البُله والأطفال والمجانين وإن كانوا من الإنس يخرجون أيضاً . -دليل هذا القول :ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: "وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدوني" مضمون ما ذكره الماوردي وابن عطية وابن كثير و ابن الجوزي . القول الرابع: إلا ليعرفوني، قاله الضحاك. وابن جريج، كما ذكر الماوردي وابن كثير القول الخامس: إلا للعبادة، فكُلُّ الخلْق خاضعٌ ذليلٌ لقضاء الله عز وجل لا يملك خُروجاً عمّا قضاه اللهُ عز وجل،وبه قال الربيع بن انس .وقال ابن عباس أي ليتذللوا لي ولقدرتي، وإن لم يكن ذلك على قوانين الشرع. وعمم القاضي أبو محمد الخطاب لجميع الجن والإنس وقال :ألا تراهم عند القحط والأمراض وغير ذلك ،وقال السدي: من العبادة ما ينفع، ومنها ما لا ينفع ودلّل ب قوله تعالى :{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ} وقال: هذا منهم عبادة، وليس ينفعهم مع الشرك، كما رجح هذا القول جماعة من أهل المعاني. -دليل هذا القول : معنى العبادة في اللغة: الذُّلُّ والانقياد.مضمون ما ذكره الماوردي وابن عطية وابن كثير و ابن الجوزي . القول السادس:أي ما خلقت الجن والإنس إلا معدين ليعبدون، أي أن الله أمدهم بالأدوات اللازمة لعبادته من حواس وعقول وأجسام ولكن البعض لم يعمل بما خلق له أصلاً وانحرف عن ذلك ، فالبقر مخلوقة للحرث، والخيل للحرب، وقد يكون منها ما لا يحارب به أصلاً. -دليل هذا القول :قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له". وقوله: "كل مولود يولد على الفطرة".ذكره ابن عطية الترجيح : قال ابن عطية أن الناس اختلفوا في المعنى مع إجماع أهل السنة على أن الله تعالى لم يرد أن تقع العبادة من الجميع، لأنه لو أراد ذلك لم يصح وقوع الأمر بخلاف إرادته. 📌من خلال تفسير قوله تعالى :{مَآ أُرِيدُ مِنْهُمْ مَّنْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} .يتبين أن الله تبارك وتعالى خلق العباد لعبادته وتوحيده وهو الغني عنهم وأنهم فقراء محتاجون اليه في جميع أمورهم فمن أطاعه، جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب. فهو خالقهم ورازقهم.ذكره ابن كثير . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال الله تعالى: يابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلا تفعل، ملأت صدرك شغلاً، ولم أسد فقرك» رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمران بن زائدة، وقال الترمذي: حسن غريب.كما ذكر ابن كثير وفي الحديث القدسي : يقول الله تعالى:( ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، فاطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء. )ذكره ابن كثير، والمراد بالرزق في الآية هو كلّ ما يُنتفع به، وعلى هذا فالعلم رزق، والحلم رزق، والكرم رزق، والصحة رزق وهكذا، فالرزق هنا هو الرزق العام وفي قوله تعالى:{ما أُريدُ منهم من رِزْقٍ} عدة أقوال هي : القول الأول : ما أريد أن يرزقوا غيرهم ذكره الزجاج والماوردي وابو عطية القول الثاني : ما أُريدُ أن يرزُقوا أنفسهم،ذكره الماوردي وابن عطية وابن الجوزي. أمّا قوله تعالى: {وما أُريدُ أن يُطْعِموني} عطف الطعام كرزق خاص على الرزق العام لأن الطعام أظهر شيء في الرزق، وبه تقوم الحياة وتستبقي. ولم يذكر الشراب لأنه داخل في الطعام. وفي المراد بقوله تعالى : {وما أُريدُ أن يُطْعِموني} أقوال هي: القول الأول : المعنى أن يطعموا خلقي . الأدلة على هذا القول : 1- أن سبب إضافة الله سبحانه الإطعام الى نفسه على سبيل التجوز كما قال ابن عباد وأن الخلق عيال الله فمن أطعمهم كأنه أطعم الله . أي أن فعل الخير يقع في يد الله قبل أنْ يقع في يد العبد، والحق سبحانه وتعالى قادر على إنزال رزقه إلى عباده مباشرة، لكن جعله من خلال الناس بعضهم لبعض ليتكاتف المجتمع ويتعاون وليزرع بينهم الألفة والمودة والمحبة، ويشيع بينهم التراحم وعدم الاستكبار. 2-ما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يقول اللهُ عز وجل يوم القيامة: يا ابن آدم: استطعمتُكَ فلم تُطْعِمْني» اي: لم تُطْعِم عبدي، ، مضمون ما ذكره الزجاج و الماوردي وابن عطية وابن كثير وابن الجوزي والشعراوي . القول الثاني :ما أريد منهم معونة ولا فضلاً ولا نفعاً على عموم اللفظ ومثّل ابن عطية لذلك قول أحدهم : أعطيت فلاناً كذا وكذا طعمة، وأنت قد أعطيته عرضاً أو بلداً يحييه، ونحو هذا فكأنه قال: جزءاً من المنافع وجعله دالاً على الجميع.ذكره الماوردي وابن عطية وابن كثير. 📌تفسير قوله تعالى :{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتينُ }: {الرزاق} هو المتكفِّل بالرِّزق القائمُ على كل نَفْس بما يُقيمها من قُوتها. وجيء الوصف بصيغة مبالغة لتقرير ما تقدم من عدم إرادة الرزق وعدم الاستعانة بالغير . ومعنى {ذو} كما قال ابن حجر تعظيم ما أضيفت إليه. والمراد بالقوة هو تقرير عدم الاستعانة بغيره . {والمتينُ} الشديد القُوَّة الذي لا تنقطع قُوَّته ولا يَلحقه في أفعاله مَشقَّة ،الذي له ثبات لا يتزلزل، وعند جمع الصفتين يزدان المعنى ويصبح {ذو القوَّة المتينِ} أي الشديد في قوته، لأن القوة قد يصيبها الوهن فتضعف . ومن رفع «المتين» فهو صفة الله عز وجل، ومن خفضه جعله صفة للقُوة، لأن تأنيث القُوَّة كتأنيث المُوعظة، فهو كقوله: {فمن جاءه مَوعِظةٌ من ربِّه} ،ذكره الزجاج. كونه تعالى هو الرزاق ناظر إلى عدم طلب الرزق لأن من يطلبه يكون فقيراً محتاجاً؛ وكونه عز وجل هو ذو القوة المتين ناظر إلى عدم طلب العمل المراد من قوله سبحانه: { وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } لأن من يطلبه يكون عاجزاً لا قوة له فكأنه قيل: ما أريد منهم من رزق لأني أنا الرزاق وما أريد منهم من عمل لأني قوي متين. .مضمون ما ذكره ابن الجوزي ، وابن عطية والألوسي والشعراوي. ومن الهدايات في هذه الآيات : -بينت الآيات أن علة الخلق هي العبادة وإقامة تكاليف الخلافة في الأرض ؛فعلى الإنسان أن لا يغتر بهذه الحياة وما هو عليه من رزق ولا يجعله صارفاً يصرفه عما خلق لأجله .ولا يفني عمره بالبحث عن الأرزاق الدنيوية لأن الله تكفل برزق العباد اذا هم عبدوه وأخذوا بالأسباب . -كما بينت الآيات أن الله غني عن خلقه لا يحتاجهم بأي حال من الأحوال . نسأل الله برحمته وفضله أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا |
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:{ بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ *وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } يبين الله تعالى أن العبد يوم القيامة يوقف بين يدي ربه فيحاسبه على أعماله ويوقفه عليها ، أولها وآخرها ،دقها وجلها ،ويشهد عليه الشهود والتي منها جوارحه فيقول الله تعالى : { بل الإِنسان على نفسه بصيرة * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } أي: بل الإنسان على نفسه شهيداً على نفسه معترفاً بذنبه ولو تعذر بأنواع الاعذار . واختلف المفسرون في المراد ببصيرة إلى أقوال: أولا: سمعه وبصره ويديه ورجليه وجوارحه،قاله ابن عباس، أي أن جوارحه تشهد عليه ، بدليل قوله تعالى:{ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }وكما جاء في الحديث عند مسلم، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ ؟ قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .قَالَ : مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ : يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ ؟ قَالَ يَقُولُ بَلَى . قَالَ فَيَقُولُ فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي ، قَالَ فَيَقُولُ : كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا ، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا . قَالَ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ : انْطِقِي . قَالَ فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ قَالَ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ قَالَ فَيَقُولُ : بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ " . الثاني : شاهد على نفسه قاله ابن عباس وقتادة ، وقال به ابن زيد عند تفسير الآية ثم قرأ:(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) قال الأخفش: جعله هو البصيرة، كما تقول للرجل أنت حجة على نفسك الثالث: الملائكة الحفظة الذين يكتبون أعماله ، ويدل عليه قوله تعالى في الآية التي تليها :( ولو ألقى معاذيره) فيمن فسر المعاذير بالستور ، وهو قول السدي والضحاك ، ذكره القرطبي في تفسيره معنى الهاء في ( بصيرة) قيل : للمبالغة كالهاء في داهية وعلامة وراوية . وهو قول أبي عبيد. وقيل : هاء التأنيث فهي صفة لموصوف محذوف ، تقديره : حجة بصيرة. فالإنسان يوم القيامة على نفسه بصيرة جوارحة تشهد عليه وهو شاهد ومقرّ بنفسه وكذلك الحفظة تشهد عليه .فلا مفرّ له ولا مهرب ، {وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } ولو اعتذر وجادل عن نفسه. واختلفت أقوال المفسرين بالمراد بالمعاذير إلى أربعة أقوال: أولا: الإعتذار والمجادلة ، قال به ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وابن زياد قال : معاذيرهم التي يعتذرون بها يوم القيامة فلا ينتفعون بها .قال: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم ويعتذرون بالكذب. واستدل ابن عباس على ذلك بقوله تعالى :{لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ }وقال الله: {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ ، مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ }. وقولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ .} ثانياً: ولو تجرد من ثيابه ، قاله ابن عباس ثالثاً: ولو أرخى ستوره وأغلق أبوابه ، قاله السدي ذكره عنه ابن جرير رابعا: أي لم تقبل ذكر عن الحسن . واختار ابن جرير وابن كثير قول ابن عباس ومجاهد واصحابه لأنها كما قال ابن جرير اشبه المعاني بظاهر التنزيل فقد اخبر الله ان الإنسان على نفسه بصيره فالأولى أن يتبع ذلك لو اعتذر عنها وجادل بالباطل فشهادة نفسه عليه احق وأولى من الإعتذار بالباطل . فهاتان الآيتان الكريمتان تبينان لنا أن الإنسان يكون عليه شهود يوم القيامة من نفسه تشهد عليه بما عمل في الدنيا من آثام ومعاصي وأنه مهما قدم من الأعذار والحجج الباطلة لن تقبل فإذا كانت هذه الحال فعلى الإنسان أن يبصر هذه الحقيقة و أن يسعى في الدنيا لخلاص نفسه من الأوزار بتجنبها وبالتوبة مما اقترف منها وأن يكون رقيباً على نفسه مفتشاً عن عيوبه محاسباً لها فمن حاسب نفسه في الدنيا خف عليه حساب الآخرة. |
بسم الله الرحمن الرحيم
في قوله تعالى {وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } مقدمة: جاءت هذه الآية في سياق مجموعة من الآيات تناولت الطعن فى نبوة الرسول بحجة بشريته وأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وكيف رد الله عليهم شبهتهم بل وذكر مشهدا لهم يوم القيامة حين يرون من الله ما لم يكونوا يحتسبون وأصبح وصفهم ذلك اليوم الحسرة والندامة ومن ذلك ما جاء عنهم في قوله تعالى {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ،ياويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني } وهنا يتبين لنا موقع الآية التى هى محل دراستنا من هذه الآية وهي أن هذا الكافر الذي اتخذ خليلا أضله عن الذكر وهو القرآن يتحسر على أنه مااتخذ القرآن صاحبا له بل اتخذه مهجورا وكان ينبغي له أن يكون القرآن صاحبه وخليله وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم شاكيا إلى ربه إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا عاملوه بالهجر والجفاء ولا ينبغى لمثله أن يعامل إلا بكل تعظيم وإجلال . والآن مع معنى الآية تفصيلا والله المستعان: -معنى الواو في قوله تعالى {وقال الرسول} هذه الواو عاطفة على ما سبق من أقوال المشركين ومنها قوله{لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني} فحكيت شكاية الرسول قومه إلى ربه لنبذهم القرآن والإستعاضة عنه بمن أضلهم وصرفهم عنه،خلاصة ما ذكره ابن عاشور -{وقال الرسول}الزمان الذى وقع فيه هذا القول قيل :وقع في الدنيا حين أيس الرسول من قومه حيث نبذوا القرآن بتسويل زعمائهم إياه فصرفوهم عن التأمل فيه بعد تمكنهم من ذلك، وهذا قول مقاتل ،ذكره الجرجاني وقيل: بل قاله الرسول يوم يعض الظالم على يديه أي فى يوم القيامة ذكره الطبري وابن كثير -المراد بالرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم -دلالة التعبير بوصف الرسول فيه تشريف لمقامه وردا على إنكارهم رسالته "والله أعلم" -المقصود من حكاية قول الرسول إنذار قريش بأن الرسول توجه إلى ربه في هذا الشأن فهو يستنصر به ويوشك ان ينصره ،ذكره ابن عاشور -دلالة قوله {إن} تأكيد القول بإن للإهتمام به وليكون التشكي أقوى ،ابن عاشور -التعبير عن قريش ب {قومي} لزيادة التذمر من فعلهم لأن شأن قوم الرجل أن يوافقوه ،بن عاشور -دلالة فعل الإتخاذ {اتخذوا هذا القرآن}إذا قيِد بحالة يفيد شدة اعتناء المتخذ بتلك الحالة بحيث ارتكب الفعل لأجلها وجعلها له مقصدا وهذا فيه دلالة على المبالغة في هجرهم القرآن من أن يقال إن قومي هجروا القرآن .بن عاشور -دلالة اسم الإشارة {هذا} للدلالة على عظمة القرآن وأن مثله لا يتخذ مهجورا بل هو جدير بالإقبال عليه والإنتفاع به بن عاشور -معنى مهجورا فيه قولان: الأول بمعنى الهـجر بفتح الهاءأى: الترك والمفارقة،والمعنى أن المشركين هجروا القرآن وأعرضوا عنه ولم يسمعوا له ،قاله ابن زيد وذكره ابن عطية عنه الثاني بمعنى الهجر بضم الهاء وهو القول السيىء فى القرآن وزعمهم أنه سحر وشعر وكهانة فقالوا فيه غير الحق ،خلاصة قول مجاهد وإبراهيم النخعي ذكره الطبري وأجمع ما قيل في هذا المعنى: ما ذكره ابن كثير:وإذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه فهذا منهجرانه وترك علمه وحفظه وترك تدبره وتفهمه من هجرانه وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والعدول عنه إلى غيره من هجرانه. وقد رجح ابن جرير القول الثاني بأن الله أخبر عنهم قولهم {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} وذلك هجرهم إياه والذي يظهر والله أعلم أن كلا المعنيين داخل في ذلك لقوله تعالى {مستكبرين به سامرا تهجرون } أنه جاء فى معنى تهجرون أن الضمير يعود إلى القرآن وأنهم يذكرونه بالهجر من الكلام إنه سحر إنه شعر إنه كهانة إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة ،ذكره ابن كثير -مقصد الآية التحذير من ترك الإعتناء بالقرآن قراءة وسماعا وتدبرا وعملا قال ابن زيد وهذا منبه للمؤمنين على ملازمة المصحف وأن لا يكون الغبار يعلوه في البيوت ويشتغلون بغيره -ما يستفاد من الآية: من منطوق الآية يفهم شكوى الرسول قومه الذين هجروا القرآن وهذا يفيد إنذارا شديدا لمن هجر القرآن وبمفهوم المخالفة أنه ينبغي الإيمان بالقرآن وصحة الإعتقاد فيه وكثرة تلاوته وتدبره وتفهم معانيه والحرص على تعلم أحكامه والعمل به والإعتبار بقصصه وأمثاله وتقديمه على كل دواء إذا عرض الداء والبحث عن كنوزه وهداياته فقد قال تعالى {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى}وقال تعالى {لقد انزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون} أى شرفكم وما تحتاجون إليه من امر دينكم وتذكرة لما تلقونه من رجعة وحساب فكيف يهجر من هذا وصفه فليس إلا العيشة الضنكة والعذاب الأخروي نسأل الله العافية. ومن نظر إلى حال الأمة الإسلامية وصلتها بكتاب رب العالمين الفرقان علم جيدا سبب تأخرها وضعفها وتكالب الأمم الاخرى عليها يمزقون جسد الأمة وهى بلا حراك فإن أحوال المسلمين مع القرآن لا تخرج عن ثلاثة أحوال: -حال من يقبل على كتاب ربه إقبال المتشوف المحتاج إلى النور والهداية والشفاء وهؤلاء قليل ما هم والله المستعان -وصنف ليس له من القرآن حظ إلا الحروف والألفاظ المجردة عن معانيها وهداياتها فيقيم حروفه ويضيع حدوده وهؤلاء كثرة كثيرة لا كثرهم الله وهم سبب النكبات والويلات على تلك الامة ومنهم كان الخوارج ومن شابههم ولا حول ولا قوة إلا بالله -وصنف لا يقرأ القرآن ولا يعتني به ولا يهتدي بهداه وهؤلاء قسمان : قسم لا يقرأ ولا يؤمن به وهؤلاء المنافقون أبعدهم الله،وقسم لا يقرأ لكنه يؤمن به لكن حيل بينه وبين الإنتفاع به كما جاء فى الحديث ما معناه {مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها حلو ورائحتها طيبة ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها حلو ولا رائحة لها ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة رائحتها طيبة وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا رائحة لها} |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد فإن القرآن الكريم كلام الله المنزل على نبيه ﷺ معجزة له وبيانًا على نبوته ، فهو معجز في آياته ودلائلها ومعانيها وبيانها ووصفها ، وقد أثبت الله تعالى ذلك في كتابه في آيات كثيرة منها ما سنتناول تفسيره في هذه الرسالة القصيره وهي قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)} فقد جاءت ردًا على من أنكر أن الله أنزل آيات بينات واضحة ليتبعها الناس كما ذكر ذلك محمّد بن إسحاق نقله عنه ابن كثير في تفسيره : قال حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال ابن صوريا الفطيوني لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد، ما جئتنا بشيءٍ نعرفه، وما أنزل اللّه عليك من آيةٍ بيّنةٍ فنتبعك. فأنزل اللّه في ذلك من قوله: {ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ وما يكفر بها إلا الفاسقون}» كما أن فيها إشعار بقرب الله سبحانه لنبيه وتسلية له بأن عادة هؤلاء اليهود والكفار نكث العهد فلا تبال بمن طريقتهم هذه وأنهم سلكوا هذا الطريق معك ، فرد الله بها على من أنكر بيان القرآن ووضوحه وإعجازه فقال مخاطبًا نبيه ﷺ (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} إثباتًا لتنزيل القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أن هذا التنزيل يدل على نبوته عليه الصلاة والسلام ، والمعنى أن الله قد أنزل إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم - بعظمته وقدرته التي وسعت كل شيء سبحانه- فيما أُوحي إليه من القُرآن، آياتٍ هي دلائل واضحة، دالَّةٍ على صِدق نبوَّته وصحة أمره وما جاء به ، وهذه الآيات الواضحات البينات تحصل بها الهداية لمن طلبها وبحث عنها ، وإقامة الحجة على من عاند وكفر وأعرض ، كما أنها قد بلغت من الوضوح والدَّلالة على الحقِّ، مَبلَغًا عظيمًا، ووصلتْ إلى حال لا يَجحدها ويمتنع من قَبولها إلَّا مَن خرَج عن دائرة الإيمان، والالتزام بشريعة الرَّحمن فاستكبر وأعرض وأدبر وكفر. والمراد بالآيات البينات : هي الآيات التي جرى ذكرها مما قد بيّنه الله في كتابه من خفايا علوم اليهود، ومكنونات سرائر أخبارهم، وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنّبأ عمّا تضمّنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلّا أحبارهم وعلماؤهم، وما حرّفه أوائلهم وأواخرهم وبدّلوه من أحكامهم، التي كانت في التّوراة. كما ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله وغفر له وغيره من المفسرين. وقد روى ابن جرير الطبري رحمه الله وغفر له في معنى هذه الآية عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيّناتٍ} يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوةً وعشيّةً، وبين ذلك، وأنت عندهم أمّيٌّ لا تقرأ كتابًا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه. يقول اللّه: في ذلك لهم عبرةٌ وبيانٌ، وعليهم حجّةٌ لو كانوا يعلمون. (وما يكفر بها إلا الفاسقون) أي الخارجون عن طريق الخير والإيمان ، والفاسق يطلق على الخارج عن الشيء ، والتقدير: ما يكفر بهذه الآيات البينات أحد إلّا الفاسقون المتجاوزون الحد في الكفر والعصيان المتمردون فيه ، وعبر عن كفرهم بالمضارع ليدل على تجدد واستمرار وجود هؤلاء الفسقة الكفرة المعرضون عن كتاب الله وصراطه المستقيم ، وفي هذه الآية تسلية من الله سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإخباره بهذا الخبر لئلا يضيق صدره وليعلم أن عليه البلاغ والإنذار فقط وليس بيده هداية الناس، كما أن فيها إثبات لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم و إثبات لمسألة تنزيل القرآن وأن القرآن كلام الله منزل على نبيه صلى الله عليه وسلم بالوحي غير مخلوق ، وأنه معجز من عند الله من تدبره وقرأه وتأمل آياته وجد فيها الكثير من العبر والعظات والحجج والبيان والإعجاز . رزقنا الله قراءته والعلم به والعمل بما فيه وتبليغه ، وجعله الله ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا وغمومنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. |
بسم الله الرحمن الرحيم تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) ) - مقصد الرسالة : بيان تقرير أخوة الدين والدعوة للإصلاح بين المتنازعين منهم والأمر بتقوى الله تعالى؛ فهذه الأعمال تُرجى بها الرحمة منه تعالى. من إحدى الوصايا الإلهية التي تضمنتها سورة الحجرات؛ هي المحافظة على علاقة الأخوة بين أفراد المجتمع الإسلامي،وقد جاءت هذه الآية تعليلا عن الأمر بالإصلاح في قوله تعالى :" (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) )وهذا هو الواجب في علاقة المسلمين مع بعضهم البعض. وقد ذكر الفراء في معاني القرآن أنّ هذه الآية :"نزلت في رهط عبد الله بن أبي، ورهط عبد الله بن رواحة الأنصاري، فمر رسول الله صلى الله عليه على حمار فوقف على عبد الله بن أبي في مجلس قومه، فراث حمار رسول الله، فوضع عبد الله يده على أنفه وقال: إليك حمارك فقد آذاني، فقال له ابن رواحة: ألحمار رسول الله تقول هذا؟ فوالله لهو أطيب عرضا منك ومن أبيك، فغضب قوم هذا، وقوم هذا، حتى اقتتلوا بالأيدي والنعال، فنزلت هذه الآية" اهـ و الخطاب هنا موجّه لأهل الإيمان به تعالى ؛ذكر ذلك الطبري؛وقد استهلت هذه الآية الكريمة بأداة القصر(إنما) تقريرا لأهمية هذه العلاقة بينهم، وبيانا لوجوبها؛ وقد ذكر الطاهر ابن عاشور أنّ (إنما) تأتي لبيان خبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحته أو لما ينزّل منزلة ذلك، وهذا التقرير يُفيد أنّ معنى الأخوة بينهم معلوم في الأصل . وقوله تعالى :"إخوة" من أخ وأصلها أخو؛ وهو المشارك في الولادة من الطرفين أو من أحدهما أو من الرضاع ؛ وقد ذكره الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن ، وبيّن أنّ هذا اللفظ يُستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة أو الدين أو الصنعة أو مايربطه به من المودة، وغير ذلك. والمراد بالأخوة في هذه الآية الأخوة في الدين، ذكره الطبري وابن كثير والبغوي وغيرهم ، وقد بيّن الله تعالى في غير موضع من كتابه العزيز هذه العلاقة :"فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين " ،كما بيّنت ذلك السنة المطهرة ، حدّثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن سالما أخبره أنّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أخبره أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه..."رواه البخاري وذكره ابن كثير ،ومنه ما تفرّد به أحمد: حدثنا أحمد بن الحجاج، حدثنا عبد الله، أخبرنا مصعب بن ثابت، حدثني أبو حازم قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:إ"ن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد في الرأس" وذكر ابن كثير أنه لا بأس بإسناده،وغير ذلك من الشواهد كثيرة. وقوله تعالى :"فأصلحوا بين أخويكم" من صلح والصّلاح الذي هو ضد الفساد؛ والصّلح مختص بإزالة النفور بين النّاس؛فيُقال اصطلحوا وتصالحوا ،كما يقال أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير،وبيّن تعالى ذلك في غير موضع فقال تعالى في سورة النساء:"وإن تصلحوا وتتقوا" ،ذكره الأصفهاني في المفردات . واختلفت القراءات في قوله تعالى:"فأصلحوا بين أخويكم": فقُرأت: "بين أخويكم" مراعاة لحال أقل عدد يقع فيه القتال والتشاجر ؛ومتى فصل الإصلاح فإنما هو بين رجلين رجلين، وهي قراءة جمهور القرآء.ذكره ابن عطية . وقرأت: "بين إخوتكم" ،وهي قراءة ابن عامر والحسن بخلاف عنه. ذكره الطبري وابن عطية وابن عاشور. وقرأت: "بين إخوانكم"، وهي قراءة ابن سيرين وزيد بن ثابت وابن مسعود والحسن وعاصم الجحدري وحماد بن سلمة.ذكره الطبري وابن عطية . الطبري ذكر أنّه لا يحب القراءة بها وإن كانت من جهة العربية صحيحة إلا أنّها خالفت قراءة قُراء الأمصار، بينما رأى ابن عطية أنها حسنة؛ وعلل ذلك بأن الأكثر من جمع الأخ في الدين ونحوه من النسب إخوان. والأكثر في جمعه من النسب إخوة وإخاء. واستدل على ذلك بقول الشاعر: [الطويل] وجدتم أخاكم دوننا إذ نسيتم ....وأي بني الإخاء تنبو مناسبه. وسبب إيثار لفظة التثنية كما بينها ابن عاشور مراعاة لكون الكلام جرى حول طائفتين من أهل الإيمان كل منهما جُعلت أخ للأخرى؛ثم ذكر الطبري متعلق الإصلاح بينهم وهو الاقتتال ،بحيث يقوم هذا الإصلاح على حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم. "واتقوا الله" خطاب عام لجميع المؤمنين يشمل الباغية والباغي عليها، والتقوى كما عرّفها الأصفهاني : من وقى وقاية :حفظ الشيء مما يؤذيه أو يضره؛ فيقال: وَقَيْتُ الشيءَ أَقِيهِ وِقَايَةً ووِقَاءً، قال تعالى:"فوقاهم اللّه" ، وقوله تعالى :" وما لهم من الله من واق" . وتقوى النفس أي جعلها في وِقَايَةٍ مما تخاف، فعليه يكون معنى الآية كما ذكرها الطبري؛خافوا الله أيها الناس وذلك بقيامكم بفرائضه التي منها الإصلاح بين المتخاصمين منكم واجتناب معاصيه ،فإن بالتقوى تُرجى لكم الرحمة فقال تعالى :"لعلكم ترحمون " ولعلّ تفيد هنا الترجي، فيكون من رحمته تعالى الصفح عنكم كما أصفحتم عن بعضكم ، وهو جزاء من جنس العمل. - مصادر الرسالة: - التفاسير: . جامع البيان للطبري. . تفسير القرآن العظيم ابن كثير. . معالم التنزيل للبغوي. . المحرر الوجيز لابن عطية. . التحرير والتنوير لابن عاشور. . أضواء البيان للشنقيطي. .- المعاجم اللغوية: . المفردات في غريب القرآن للأصفهاني. هذا والله تعالى أعلى وأعلم. |
تابع تقويمات أسلوب التقرير العلمي 1: ميسر ياسين ب أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. - أحسنتِ -بارك الله فيك- في حصر الأقوال، ونسبتها والاستدلال لكل قول، والعناية بالترجيح. - يلاحظ أن الرسالة قريبة في عرضها من ملخّصات التفسير، فلم تقدّمي لرسالتك، بل دخلتِ مباشرة في تفسير الآيات، كذلك لم تعتني بالربط بين كل مسألة والتي تليها، فأوصيك بحسن التقديم والختام للرسالة، ولكل مسألة. - يلاحظ غياب التفاسير المسندة كأصل في التفسير وكأصل في التحقّق من نسبة الأقوال، وهذا لا ينبغي في حقّ رسالة علمية. - يلاحظ ضعف في جانب الترجيح بين الأقوال، وعدم العناية بالتفاسير التي تعنى بهذا الجانب على وجه الخصوص كتفاسير الطبري وابن عاشور والشنقيطي، فعليك بها بعد ذلك إن شاء الله. - إضافة إلى التوصيات أعلاه، أوصيك بالاعتماد في كتابة الرسالة على أسلوبك الخاصّ، وهذا هو عماد هذه التطبيقات، حفظك الله ورعاك. 2: مضاوي الهطلاني ب أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. - ما ذكرتيه كقول رابع في معنى المعاذير ليس قولا رابعا، إنما هو إشارة إلى إتمام الكلام باعتبار وجود حذف، فكأن المعنى: [بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره لم تقبل]، فهذه صياغة ثانية للمعنى. - يلاحظ أنك تنسبين الأقوال لمن قالها من السلف دون ذكر مصادرها من كتب التفسير، فتقولين مثلا هو قول ابن عباس، فاعتني بتوثيق المرويات من التفاسير المسندة. - يلاحظ قلة مصادر الرسالة، فاعتني بتوسعتها، لأنها من عوامل ثراء الرسالة، واعتني أن يكون منها تفاسير تعتني باللغة، ولك أن تراجعي تفسير ابن عاشور رحمه الله في الآية تجدينه تعرّض لمسائل أخرى في الآية فاتك الكلام عنها، وزاد في بيان المسائل المذكورة، وفقك الله وسدّدك. 3: أمل يوسف د بارك الله فيك ونفع بك. - ما عرضتيه يعتبر تلخيصا لتفسير الآية وليس رسالة تفسيرية، وليس المطلوب منك تجزئة الرسالة إلى مقدمة ومسائل، كما أننا اتفقنا أن كتابة الطالب بأسلوبه لا يلزمه أن يقول هذا خلاصة قول فلان وفلان. فالمطلوب إذا أن يسترسل الكاتب في رسالته دون قلق، وأن يبسط القول في تفسير الآية بما يحصّل المقصود من بيانها، ولعلك تراجعين رسالة ابن عثيمين رحمه الله في تفسير آية الكرسي وتلاحظين طريقته في التفسير وتقارنين بينها وبين أسلوب التلخيص الموجز. - الملاحظة الثانية قلة المصادر، ولعلك تستفيدين من الملاحظات المذكورة في التصحيحات السابقة، وفقك الله وسدّدك. 4: تماضر أ+ أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. 5: هبة الديب أ+ أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. - يجب التثبّت من صحة النسبة ثم صحة الأثر الوارد في سبب النزول من مصدر أصلي. - لم يقصد الطبري أن متعلّق الإصلاح هو الاقتتال، بل الإصلاح يكون حال حصول الاقتتال، ويكون بإنزال كل طائفة على حكم الله ورسوله. - وقد أحسنتِ في رسالتك -بارك الله فيك- واستوفيتِ الكلام عن جميع مسائل الآية، ويغنيك عن كثرة الإحالة للمفسّرين أن تلخّصي الكلام بأسلوبك، بدلا من تقطيع الكلام بكثرة الإحالات، فإذا احتجت لنقل عبارة بنصّها نسبتيها حينئذ. بارك الله فيكم ووفقكم لما يحب ويرضى. |
رسالة تفسيرية في قوله تعالى {وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}
وردت هذه الآية الكريمة في سورة الفرقان التى تناولت الرد على أقوال المشركين وما أثاروه من شبهات ومسائل فيها من التعنت والجحود مالايخفى وقد رد الله تعالى أقوالهم الباطلة في نحورهم وجلى الحق ساطعا كماقال في نفس السورة {ولايأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا} ومن أمثلة ذلك في السورة {وقال الذين لايرجون لقاءنا لولانزل علينا الملائكة أو نرى ربنا} فهذا قول من لايرغب في معرفة الحق ولزوم الصراط المستقيم بل قول معاند مكابر مستعل على الحق ولذا قال تعالى {لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا} ثم ساق سبحانه وتعالى آيات تبين مايؤول إليه حالهم يوم القيامة وما يكون منهم من الندم والحسرة على ترك سبيل الرسول المفضي لرضوان الله وجنته إلى سبيل الشيطان المفضي إلى سخط الله وعذابه ثم عطف سبحانه وتعالى على قولهم {وقال الذين لايرجون لقاءنا} قول الرسول {وقال الرسول يارب} ومابينهما بيان لجانب من تعنتهم وجحودهم الذي ضاقت منه الصدور فشكاهم الرسول إلى ربه وقوله تعالى {وقال الرسول}معبرا عنه بصفة الرسالة في هذا المقام ردا عليهم إذ جحدوا رسالته ونبوته وماجاء به فكان في قوله {الرسول}بيان لهذا الحق وقول الرسول {يارب} فيه مايشعر بمناجاة ربه وبثه حزنه وشكواه ممالقيه من قومه من طغيانهم وعتوهم ؛فهو دعاء وسؤال بالربوبية إذ الربوبية نوعان ،غام وخاص والربوبية الخاصة لاتكون إلا لأولياء الله وأصفيائه يربيهم بعنايته وحفظه ويدنيهم ويجيبهم وينصرهم ويواليهم على من عاداهم ولهذا كان أغلب دعاء الرسل بالربوبية وقوله {إن قومي} بإستعمال {إن}حرف التوكيد الدال على الإهتمام وقوة التشكي منه صلى الله عليه وسلم ،وقوله {قومي} وقوم الرجل عشيرته وشأنهم في الأغلب أن يوافقوه ويصدقوه وينصروه ولكن ذلك لم يكن منهم بل كان منهم التكذيب والخذلان فكان التذمر والتشكي من فعلهم أقوى لوقوعه ممن لايتوقع منه ذاك فقد كان المتوقع منهم أن يصدقوه فيماجاء به وهم يعرفون صدقه وأمانته ؛فلما جاءهم بالقرآن الذي فيه شرفهم وذكرهم وسعادتهم في دنياهم وأخراهم كان موقفهم منه {اتخذوا هذا القرآن مهجورا}وفعل {اتخذ} إذا قيد بحال كما هنا {اتخذوا ...مهجورا} دل على اعتناء المتخذ بتلك الحال يعنى هنا حال الهجر فهو دال على مبالغتهم في هجر القرآن وقوله تعالى {هذا القرآن} إشارة لعظمة شأن هذا القرآن وعلو منزلته وأن مثله لاينبغي أن يتخذ مهجورا وقوله {مهجورا} من الهجر بفتح الهاء أى مقصيا مبعدا متروكا لايؤمنون به ولايعملون بما فيه فأعرضوا عنه بالكلية فحرموا أنفسهم الخير وظلموها غاية الظلم بل وصدوا غيرهم عنه أيضا فقالوا {لاتسمعوا لهذا القرآن}قال به:ابن زيد وقيل من الهجر :بضم الهاء وهومالاينفع من الكلام من العبث والهذيان ومن ذلك قولهم عنه أنه شعر وسحر وكهانة وأساطير الأولين ؛فيكون المعنى مهجورا فيه بتقدير الجار المحذوف قال به مجاهد والنخعي وقيل هو مصدر من الهجر بضم الهاء :وقد ذكر صاحب البحر المحيط أن المصدر من اسم المفعول قليل لكن الكوفييين يثبتونه ؛فيكون المعنى اتخذوه نفس الهجر والهذيان والقول الأول وإن كان أظهر فى المعنى لمناسبة السياق لقوله تعالى {لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى}فقد جاءهم وعرفوه وسمعوه ثم منعوا أنفسهم عن تدبره وتأمل هداياته ومعانيه كبرا وعتوا إلا إنهم لم يكتفوا بذلك بل هجروا فيه أي قالوا فيه الكلام الهجر وهو القبيح فجعلوه من قبيل الكهانة والشعر والسحر وأساطير الأولين ويؤيد ذلك قوله تعالى {ألم تكن آيلتى تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون }{مستكبرين به سامرا تهجرون} فكلا المعنيين محتمل في الآية وهذا القول من الرسول وشكايته قومه في الدنيا من هجرهم القرآن بدلالة قوله تعالى بعده {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين} ففيها تسلية له صلى الله عليه وسلم ووعدا له بالنصر والهداية والكفاية وهذا هو قول جمهور المفسرين كما ذكر ابن عطية،وهذه الشكاية منه صلى الله عليه وسلم فيها تخويف وتهديد ووعيد لقومه لأن الأنبياء إذا شكوا قومهم عجل لهم العذاب وقيل إن قول الرسول هذا معطوف على قوله تعالى {ويوم يعض الظالم على يديه}فيكون المعنى ويقول الرسول يوم يعض الظالم على يديه .. أي يوم القيامة لا في الدنيا وإنما عبر بالفعل الماضي للدلالة على تحقق وقوعه كقوله تعالى {أتى أمر الله فلاتستعجلوه} فيكون هذا القول من الرسول من قبيل الشهادة على هؤلاء الكافرين الجاحدين يوم القيامة كقوله {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} فلايكون تخويفا وهذه الآية وإن كانت نازلة في المشركين وما قابلوا به القرآن من الهجر والإعراض إلا أن للمسلمين الهاجرين للقرآن منها نصيب من الوعيد وذلك أن الهجر ليس محصورا على الإعراض عن الإعتقاد والإيمان به وبمنزله ومن جاء به وإنما هجر القرآن له أنواع قد ذكرها ابن القيم رحمه الله وهذا نص كلامه: هجر القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه. :والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به. والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم. والرابع: هجر تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه. والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها. فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به. قال: وكل هذا داخل في هذه الآية، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض. انتهى . وذكر القاسمى نقلا عن صاحب الإكليل وفيه:إن في الآية إشارة إلى التحذير من هجر المصحف وعدم تعاهده بالقراءة فيه. وكذا قال أبو السعود: فيه تلويح بأن من حق المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن، كيلا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم. ثم قال: وفيه من التحذير ما لا يخفى. فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم، عجل لهم العذاب ولم يُنظروا |
أمل يوسف أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. - تصويب الآية: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا}. - لو تكلّمتِ عن الربوبية العامّة حتى يكتمل تحرير المسألة. - يلاحظ عدم توثيق مرويات السلف، كقول ابن زيد ومجاهد والنخعي، وهذا مطلب مهمّ في الرسائل العلمية، وكان الأولى بعد الوصول لهذا المستوى أن تخرّج أقوالهم. - كذلك عدم توثيق النقول، ككلام ابن القيّم لم تذكري اسم الكتاب. |
الساعة الآن 02:12 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir