معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   جمع الجوامع (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=51)
-   -   المجمل والمبين (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=2239)

عبد العزيز الداخل 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م 06:47 PM

المجمل والمبين
 
(المجمل): مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ فَلَا إجْمَالَ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ وَنَحْوُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}، {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}، (لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ)، (رفع عن أمتي الخطأ)، (لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ)، لِوُضُوحِ دَلَالَةِ الكُلِّ وَخَالَفَ قَوْمٌ، وَإِنَّمَا الإِجْمَالُ فِي مِثْلِ: القُرْءِ وَالنُّورُ وَالجِسْمُ، وَمِثْلُ المُخْتَارِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الفَاعِلِ وَالمَفْعُولِ، وقَوْله تَعَالَى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}، {إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}، {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ}؛ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ (لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ) وَقَوْلُك زَيْدٌ طَبِيبٌ مَاهِرٌ، الثَّلَاثَةُ زَوْجٌ وَفَرْدٌ، وَالأَصَحُّ وُقُوعُهُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَنَّ المُسَمَّى الشَّرْعِيَّ أَوْضَحُ مِنْ اللُّغَوِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ حَقِيقَةً فَيُرَدُّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ أَوْ مُجْمَلٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ أَقْوَالٌ، وَالمُخْتَارُ أَنَّ اللَّفْظَ المُسْتَعْمَلَ لِمَعْنًى تَارَةً وَلِمَعْنَيَيْنِ لَيْسَ ذَلِكَ المَعْنَى أَحَدَهُمَا مُجْمَلٌ، فَإِنْ كَانَ أَحَدَهُمَا فَيُعْمَلُ بِهِ وَيُوقَفُ الآخَرُ.
(البيان): إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي وَإِنَّمَا يَجِبُ لِمَنْ أُرِيدَ فَهْمُهُ اتِّفَاقًا، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بالفِعْلُ، وَأَنَّ المَظْنُونَ يُبَيِّنُ المَعْلُومَ، وَأَنَّ المُتَقَدِّمَ وَإِنْ جَهِلْنَا عَيْنَهُ مِنْ القَوْلِ وَالفِعْلِ وَهُوَ البَيَانُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ البَيَانَانِ كَمَا لَوْ طَافَ بَعْدَ الحَجِّ طَوَافَيْنِ، وَأُمِرَ بِوَاحِدٍ، فَالقَوْلُ وَفِعْلُهُ نَدْبٌ أَوْ وَاجِبٌ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا، وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ: المُتَقَدِّمُ.

محمد أبو زيد 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م 07:55 PM

شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي
 

المجمل
(مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَخَرَجَ الْمُهْمَلُ ; إذْ لَا دَلَالَةَ لَهُ، وَالْمُبَيَّنُ لِاتِّضَاحِ دَلَالَتِهِ (فَلَا إجْمَالَ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ) وَهِيَ {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} لَا فِي الْيَدِ، وَلَا فِي الْقَطْعِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: لِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَضُدِ إلَى الْكُوعِ وَإِلَى الْمِرْفَقِ وَإِلَى الْمَنْكِبِ، وَالْقَطْعُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبَانَةِ، وَعَلَى الْجُرْحِ يُقَالُ لِمَنْ جَرَحَ يَدَهُ بِالسِّكِّينِ فَقَطَعَهَا وَلَا ظُهُورَ لِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِبَانَةُ الشَّارِعِ مِنْ الْكُوعِ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الظُّهُورِ لِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ ظَاهِرٌ فِي الْعُضْوِ إلَى الْمَنْكِبِ، وَالْقَطْعُ ظَاهِرٌ فِي الْإِبَانَةِ، وَإِبَانَةُ الشَّارِعِ مِنْ الْكُوعِ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْكُلِّ ذَلِكَ الْبَعْضُ (وَنَحْوُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}) كَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} أَيْ لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْكَرْخِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا: إسْنَادُ التَّحْرِيمِ إلَى الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِأُمُورٍ لَا حَاجَةَ إلَى جَمِيعِهَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا فَكَانَ مُجْمَلًا قُلْنَا: الْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْأَوَّلِ تَحْرِيمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِوَطْءٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي الثَّانِي تَحْرِيمُ الْأَكْلِ، وَنَحْوُهُ ({وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}) لَا إجْمَالَ فِيهِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: التَّرَدُّدُ بَيْنَ مَسْحِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَمَسْحِ الشَّارِعِ النَّاصِيَةَ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ تَرَدُّدَهُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمُطْلَقِ الْمَسْحِ الصَّادِقِ بِأَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَبِغَيْرِهِ، وَمَسْحُ الشَّارِعِ النَّاصِيَةَ مِنْ ذَلِكَ ({لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ}) صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ النَّفْيُ لِنِكَاحٍ بِدُونِ وَلِيٍّ مَعَ وُجُودِهِ حِسًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ وَلَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ مُجْمَلًا قُلْنَا: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ الْمُرَجِّحُ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ قُرْبُهُ مِنْ نَفْيِ الذَّاتِ، فَإِنَّ مَا انْتَفَتْ صِحَّتُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيَكُونُ كَالْمَعْدُومِ بِخِلَافِ مَا انْتَفَى كَمَالُهُ فَقَدْ يُعْتَدُّ بِهِ {رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ} لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْبَصْرِيَّانِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا: لَا يَصِحُّ رَفْعُ الْمَذْكُورَاتِ مَعَ وُجُودِهَا حِسًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أُمُورٍ لَا حَاجَةَ إلَى جَمِيعِهَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا فَكَانَ مُجْمَلًا، قُلْنَا: الْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ رَفْعُ الْمُؤَاخِذِ، وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ التَّيْمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَخِي عَاصِمٍ فِي سَنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ إنَّ اللَّهَ وَضَعَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ ({لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ}) لَا إجْمَالَ فِيهِ، وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي {لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ} وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ {لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ} (لِوُضُوحِ دَلَالَةِ الْكُلِّ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَخَالَفَ قَوْمٌ) فِي الْجَمِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَإِنَّمَا الْإِجْمَالُ فِي مِثْلِ الْقَرْءِ) مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ لِاشْتِرَاكِهِ بَيْنَهُمَا (وَالنُّورُ) صَالِحٌ لِلْعَقْلِ، وَنُورُ الشَّمْسِ لِتَشَابُهِهِمَا بِوَجْهٍ (وَالْجِسْمُ) صَالِحٌ لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لِتَمَاثُلِهِمَا (وَمِثْلُ الْمُخْتَارِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ) بِإِعْلَالِهِ بِقَلْبِ يَائِهِ الْمَكْسُورَةِ أَوْ الْمَفْتُوحَةِ أَلِفًا (وقَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ قَدْ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الزَّوْجِ وَمَالِكٌ عَلَى الْوَلِيِّ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمَا ({إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}) لِلْجَهْلِ بِمَعْنَاهُ قَبْلَ نُزُولِ مُبَيِّنِهِ أَيْ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} إلَخْ وَيَسْرِي الْإِجْمَالُ إلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْ {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} ({وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} لِتَرَدُّدِ لَفْظِ " الرَّاسِخُونَ " بَيْنَ الْعَطْفِ وَالِابْتِدَاءِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الِابْتِدَاءِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْمُوضَعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ (وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا ({لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ}) لِتَرَدُّدِ ضَمِيرِ جِدَارِهِ بَيْنَ عَوْدِهِ إلَى الْجَارِ، وَإِلَى الْأَحَدِ وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَنْعِ لِذَلِكَ، وَالْجَدِيدُ الْمَنْعُ لِحَدِيثِ خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ {لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فِي مُعْظَمِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ فِي بَعْضِهِ وَخَشَبَةً فِي الْأَوَّلِ رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ مُنَوَّنًا، وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ مُضَافًا (وَقَوْلُك زَيْدٌ طَبِيبٌ مَاهِرٌ) لِتَرَدُّدِ مَاهِرٍ بَيْنَ رُجُوعِهِ إلَى طَبِيبٍ وَإِلَى زَيْدٍ وَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِهِمَا (الثَّلَاثَةُ زَوْجٌ وَفَرْدٌ) لِتَرَدُّدِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ بَيْنَ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَجَمِيعِ صِفَاتِهَا، وَإِنْ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ نَظَرًا إلَى صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ ; إذْ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي يُوجِبُ كَذِبَهُ (وَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ) أَيْ الْمُجْمَلِ (فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) لِلْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مِنْهُمَا وَنَفَاهُ دَاوُد وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرٌ فِي الزَّوْجِ ; لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلنِّكَاحِ، وَالثَّانِي مُقْتَرِنٌ بِمُفَسَّرِهِ. وَالثَّالِثُ: هُوَ ظَاهِرٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَالرَّابِعُ ظَاهِرٌ فِي عَوْدِهِ إلَى الْأَحَدِ ; لِأَنَّهُ مَحَطُّ الْكَلَامِ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ) اللَّفْظَ (أَوْضَحُ مِنْ) الْمُسَمَّى (اللُّغَوِيِّ) لَهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ فَيُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِ وَقِيلَ: لَا فِي النَّهْيِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ مُجْمَلٌ وَالْآمِدِيُّ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ (وَقَدْ تَقَدَّمَ) ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ: اللَّفْظُ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ، وَذُكِرَ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْمُسَمَّى الشَّرْعِيُّ لِلَّفْظِ (حَقِيقَةً فَيُرَدُّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ) مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْعِيِّ مَا أَمْكَنَ (أَوْ) هُوَ (مُجْمَلٌ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ وَالْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ (أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ) تَقْدِيمًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ (أَقْوَالٌ) اخْتَارَ مِنْهَا الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ كَغَيْرِهِ الْأَوَّلَ، مِثَالُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ {الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ} تَعَذَّرَ فِيهِ مُسَمَّى الصَّلَاةِ شَرْعًا فَيُرَدُّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ بِأَنْ يُقَالَ: كَالصَّلَاةِ فِي اعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ وَالنِّيَّةِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ لِاشْتِمَالِ الطَّوَافِ عَلَيْهِ فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِمَا ذِكْرًا، وَهُوَ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ (وَالْمُخْتَارُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ لِمَعْنًى تَارَةً وَلِمَعْنَيَيْنِ لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَحَدَهُمَا) تَارَةً أُخْرَى عَلَى السَّوَاءِ، وَقَدْ أُطْلِقَ (مُجْمَلٌ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَيَيْنِ، وَقِيلَ: يَتَرَجَّحُ الْمَعْنَيَانِ ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً (فَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ الْمَعْنَى (أَحَدَهُمَا فَيُعْمَلُ بِهِ) جَزْمًا لِوُجُودِهِ فِي الاستعمالين (وَيُوقَفُ الْآخَرُ) لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ وَقَالَ يُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً، وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ إلَخْ مِمَّا ظَهَرَ لَهُ كَمَا قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ أَيْضًا مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ {لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ} بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَإِنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَطَأُ، وَلَا يُوطَأُ أَيْ لَا يُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ وَطْئِهِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنَيَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ، وَمِثَالُ الثَّانِي حَدِيثُ مُسْلِمٍ {الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا} أَيْ بِأَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا أَوْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا فَيَعْقِدَ لَهَا وَلَا يُجْبِرَهَا، وَقَدْ قَالَ بِعَقْدِهَا لِنَفْسِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَكِنْ إذَا كَانَتْ فِي مَكَانٍ لَا وَلِيَّ فِيهِ وَلَا حَاكِمَ وَنَقَلَهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

البيان
بِمَعْنَى التَّبْيِينِ (إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي) أَيْ الِاتِّضَاحِ فَالْإِتْيَانُ بِالظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ إشْكَالٍ لَا يُسَمَّى بَيَانًا (وَإِنَّمَا يَجِبُ) الْبَيَانُ (لِمَنْ أُرِيدَ فَهْمُهُ) الْمُشْكِلَ (اتِّفَاقًا لِحَاجَتِهِ) إلَيْهِ بِأَنْ يَعْمَلَ بِهِ أَوْ يُفْتِيَ بِهِ خِلَافُ غَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْبَيَانَ (قَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ) كَالْقَوْلِ، وَقِيلَ: لَا لِطُولِ زَمَنِ الْفِعْلِ فَيَتَأَخَّرُ الْبَيَانُ بِهِ مَعَ إمْكَانِ تَعْجِيلِهِ بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمَظْنُونَ يُبَيِّنُ الْمَعْلُومَ) وَقِيلَ: لَا ; لِأَنَّهُ دُونَهُ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ فِي مَحَلِّهِ حَتَّى كَأَنَّهُ الْمَذْكُورُ بَدَلَهُ، قُلْنَا لِوُضُوحِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ، وَإِنْ جَهِلْنَا عَيْنَهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ) الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الْبَيَانِ (وَهُوَ الْبَيَانُ) أَيْ الْمُبَيِّنُ، وَالْآخَرُ تَأْكِيدٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ الْبَيَانُ ; لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُؤَكَّدُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، قُلْنَا: هَذَا فِي التَّأْكِيدِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ فَلَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُمْلَةَ تُؤَكَّدُ بِجُمْلَةٍ دُونَهَا (وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ الْبَيَانَانِ) الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ كَأَنْ زَادَ الْفِعْلُ عَلَى مُقْتَضَى الْقَوْلِ (كَمَا لَوْ طَافَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَعْدَ) نُزُولِ آيَةِ (الْحَجِّ) الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الطَّوَافِ (طَوَافَيْنِ، وَأُمِرَ بِوَاحِدٍ فَالْقَوْلُ) أَيْ فَالْبَيَانُ الْقَوْلُ (وَفِعْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّائِدُ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ (نَدْبٌ أَوْ وَاجِبٌ) فِي حَقِّهِ دُونَ أَمَتِهِ (مُتَقَدِّمًا) كَانَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ (أَوْ مُتَأَخِّرًا) جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ (وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيُّ الْبَيَانُ هُوَ (الْمُتَقَدِّمُ) مِنْهُمَا كَمَا فِي قِسْمِ اتِّفَاقِهِمَا أَيْ فَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ الْقَوْلَ فَحُكْمُ الْفِعْلِ كَمَا سَبَقَ، أَوْ الْفِعْلَ فَالْقَوْلُ نَاسِخٌ لِلزَّائِدِ مِنْهُ، قُلْنَا: عَدَمُ النُّسَخِ بِمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى، وَلَوْ نَقَصَ الْفِعْلُ عَنْ مُقْتَضَى الْقَوْلِ كَأَنْ طَافَ وَاحِدٌ، وَأُمِرَ بِاثْنَيْنِ فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ الْبَيَانَ الْقَوْلُ، وَنَقْصُ الْفِعْلِ عَنْهُ تَخْفِيفٌ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَخَّرَ الْفِعْلُ أَوْ تَقَدَّمَ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي الْحُسَيْنِ أَنَّ الْبَيَانَ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنْ كَانَ الْقَوْلَ فَحُكْمُ الْفِعْلِ كَمَا سَبَقَ، أَوْ الْفِعْلَ فَمَا زَادَهُ الْقَوْلُ عَلَيْهِ مَطْلُوبٌ بِالْقَوْلِ.

محمد أبو زيد 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م 07:56 PM

تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي
 

(ص) المجمل: ما لم تتضح دلالته.
د(ش) إنما قال: (ما) ولم يقل: لفظ ليشمل القول والفعل وإنما قال: لم تتضح دلالته، ولم يقل: لم يدل بمعين، احترازا عن المهمل، إذ لا دلالة له، وهذا له دلالة ولكن غير واضحة.
(ص) فلا إجمال في آية السرقة.
(ش) أي لا في اليد ولا في القطع خلافا لبعض الحنفية فإن اليد للعضو إلى المنكب حقيقة وإطلاقها هنا على الكوع من إطلاق الكل على الجزء وقد دل عليه دليل، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع، وذلك أولى من الإجمال المؤدى إلى التعطيل، وأما القطع فإبانة المفصل فهو ظاهر فيه، فلا إجمال.
(ص) ولا في نحو:{حرمت عليكم أمهاتكم}
(ش) أي فيما وقع فيه التحريم.
على الأعيان لأن المعقول فيه التصرف فيعم جميع أنواعه من العقد على الأم، ووطئها وهذه المسألة مكررة سبقت في باب العموم في قوله: وقد يعم اللفظ عرفا كالفحوي ونحو:{حرمت عليكم أمهاتكم} وإنما أعادها، لأن عادة الأصوليين يذكرون هنا الخلاف عن الكرخي واحتج عليه الشيخ أبو حامد، بأن الصحابة احتجوا بظاهر هذه الآيات في إثبات التحريم ولم يرجعوا لغيره وعلى الأول فيكون من المجاز المنقول حتى صار حقيقة عرفية، وقيل: إنه من باب الحذف بقرينة دلالة العقل على أن الأحكام الشرعية إنما تتعلق بأفعال المكلفين دون أعيانهم ولهذا عرفوا الحكم بأنه الخطاب المتعلق بفعل المكلف، وذهب السرخسي وفخر الإسلام من الحنفية إلى أن الحكم متعلق بالعين، كما يتعلق بالفعل ومعنى حرمة العين خروجها من أن تكون محلا للفعل شرعا كما أن حرمة الفعل خروجه من الاعتبار شرعا فلا ضرورة إلى اعتبار الحذف أو المجاز وأيضا معني الحرمة المنع، فمعنى حرمة الفعل، أن العبد يمنع من اكتسابه وتحصيله، فالعبد ممنوع عنه، ولذلك لا يقال: لا تشرب هذا الماء وهو بين يديه، ومعنى حرمة العين، منعه من التصرف فيها، فالعين ممنوعة. والعبد ممنوع عنها وذلك كما إذا صببت الماء الذي بين يديه وهو أبلغ.
(ص) {وامسحوا برؤوسكم}
(ش) أي لا إجمال فيها خلافا لبعض الحنفية بل هو حقيقة فيما ينطلق عليه الإسلام وهو القدر المشترك بين مسح الكل والبعض فيصدق مسح البعض، وعزاه في المحصول للشافعي رضي الله عنه، ونقل ابن الحاجب عنه ثبوت التبعيض بالعرف.
(ص) (لا نكاح إلا بولي).
(ش) الصيغ الواردة في الشرع لذوات واقعة كقوله: ((لا نكاح إلا بولي)) و((ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)) ((لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل)).
اختلفوا فيها فالجمهور على أنها ليست مجملة بناء على القول بثبوت الحقائق الشرعية وأن الشرعي مخصوص بالصحيح، وأنه محمول على الشرعي دون اللغوي وغيره من المجملات ومع ذلك لا وجه للإجمال إذ لا شك في انتفاء الذوات وذهب القاضي أبو بكر وبعض المعتزلة إلى أنها مجملة بناء على نفيه الحقائق الشرعية، وأن الشرعي للأعم من الصحيح والفاسد، والقائلون بالإجمال اختلفوا في سببه على ثلاثة مذاهب:
أحدها: كون اللفظ لم يرد به نفي الوقوع، إذ وقوعه مشاهد وإنما أريد به أمر آخر لم يذكر، وهو غير معلوم فكان مجملا.
والثاني: أنها ظاهرة في نفي الوجود ونفي الحكم فصار مجملا.
الثالث: إنها مترددة بين نفي الكمال ونفي الجواز وهو الذي صرح به القاضي في التقريب وزعم المازري أن القاضي يقول بالوقف في هذه المسألة قال: وهو غير مذهب الإجمال، فنقول: يحتمل عندي نفي الإجمال ونفي الكمال لا أكثر من ذلك، حتى يعلم دليل من أحد الأمرين، والقائل بالإجمال يقول إنه يستغرق جميع الأشياء فالتحق بالمجملات.
(ص) ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)).
(ش) ذهب أبو الحسين وأبو عبد الله البصريان إلى أنه مجمل لتردده والجمهور على خلافه لظهوره في نفي المؤاخذة والعقاب ولكن هل ذلك بالعرف أو باللغة؟ جزم ابن الحاجب بالأول، وهو الذي قاله القاضي في التقريب تفريعا على ثبوت الأسماء الشرعية وذكر ابن السمعاني الثاني. واعلم أن المصنف تقدم له في باب العموم، نفي أن يكون هذا عاما، حيث قال: لا المقتضى وهنا نفى أن يكون مجملا وهو في هذا الاضطراب متابع لابن الحاجب.
(ص) ((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)).
(ش) هذه سبقت في ((لا نكاح إلا بولي)). فلا وجه للتكرار، وقال ابن دقيق العيد: صار بعض الأصوليين إلى أن هذا اللفظ مجمل من حيث إنه يدل على نفي الحقيقة وهي غير منتفية، فيحتاج إلى الإضمار ولا سبيل إلى إضمار كل محتملة لوجهين:
أحدهما: أن الإضمار إنما احتيج إليه للضرورة، والضرورة تندفع بإضمار فرد، فلا حاجة إلى إضمار أكثر منه.
وثانيهما: أن إضمار الكل قد يناقض، لأن إضمار الكل يقتضي إثبات أصل الصحة ونفي الصحة معارضة وإذا تعين إضمار فرد، فليس البعض أولى من البعض، فتعين الإجمال.
وجواب هذا، بأنا لا نسلم أن الحقيقة غير منتفية إنما تكون غير منتفية لو حمل لفظ الصلاة، على غير عرف الشرع وكذلك الصيام وغيره، وأما إذا حمل على عرف الشرع، فيكون منتفيا حقيقة ولا يحتاج إلى الإضمار المؤدي إلى الإجمال، ولكن ألفاظ الشرع محمولة على عرفه، لأنه الغالب ولأنه المحتاج إليه عنه، فإنه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان موضوعات اللغة.
(ص) لوضوح دلالة الكل وخالف قوم.
(ش) هو راجع لجميع ما سبق وقد بينا وجه الظهور والخلاف فيها.
(ص) وإنما الإجمال في مثل: القرء والنور والجسم، ومثل: المختار لتردده بين الفاعل والمفعول.
(ش) الإجمال يكون تارة في المفرد وتارة في المركب وللأول أسباب:
أحدها: أن يكون وضع لذلك كالقرء للطهر والحيض، والشفق على الحمرة والبياض وهذا ما ذكره ابن الحاجب وغيره لكن للإمام تقي الدين في شرح المقترح، دقيقة الفرق بين المجمل والمشترك أن المجمل يستدعي ثبوت احتمالين متساويين بالنسبة إلى الفهم سواء وضع اللفظ لهما على وجه الحقيقة أو في أحدهما مجاز وفي الآخر حقيقة فالإجمال إنما هو بالنسبة إلى الفهم، والمشترك لا يكون إلا لاحتمالين متساويين بالنسبة إلى الوضع لا بالنسبة إلى الفهم فلا يكون مجملا. انتهى.
ثانيها: صلاحية اللفظ لمتماثلين بوجه، وذلك كالنور، للعقل ونور الشمس بالنهار.
ثالثها: صلاحيته لمتماثلين وذلك كالجسم للسماء والأرض، والرجل لزيد وعمرو، وهذا الذي قلته ذكره الغزالي.
رابعها: صلاحيته للفاعل والمفعول، كالمختار تقول: اخترت فلانا، فأنا مختار وهو مختار، قال العسكري ويتميز بحرف الجر، فتقول في الفاعل مختار لكذا وفي المفعول مختار من كذا.
(ص) وقوله تعالى:{أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح}.
(ش) الإجمال في التركيب له أمثلة منها هذه الآية، لتردد الذي بيده عقدة النكاح بين الزوج والولي ولذلك اختلف فيه فقال الشافعي بالأول ومالك بالثاني.
ويرجح قول الشافعي لأنه المروى عن علي وابن عباس عالمي الصحابة، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، إنما المخالف الزهري ومجاهد والحسن، ثم هو جار على القواعد، فإن الولي لا يجوز له أن يعفو عن مال اليتيم بوجه من الوجوه وحمل المحتمل على موافقة القواعد الشرعية أولى. واعلم أن المصنف تابع ابن الحاجب في جعله هذا من الإجمال، وهو منازع فيه على مذهبه، لظهوره عند الشافعي رضي الله عنه في الزوج ومع ذلك لا إجمال.
(ص) {إلا ما يتلى عليكم}
(ش) ومنها أن يكون موضوعا لجملة معلومة، إلا أنه دخلها استثناء مجهول، فيكون مقتضيا لإجمال جميعه كقوله تعالى:{أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} فإنه صار مجملا لما دخله الاستثناء ومثله قوله تعالى:{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} لما كان الحق مجملا صار ما نهى عنه من القتل مجملا، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا)).
(ص) {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم}.
(ش) ومنها التردد بين العطف والقطع كالواو في قوله تعالى:{والراسخون في العلم} ومن ثم جاء الخلاف في جواز الوقف على قوله:{إلا الله} وقد سبقت هذه المسألة. وهذا يحسن أن يكون معدودا من أسباب الخلاف، لا أن الأصح فيه الإجمال لما سبق من ترجيح خلافه.
(ص) وقوله عليه السلام: ((لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبه في جداره)).
(ش) ومنها التردد في مرجع الضمير إلى ما تقدم، فإن ضمير الجوار يحتمل العود على نفس، (أي في جدار نفسه) وعلى جاره أي في جدار جاره، ولهذا اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في الجدار المختص بأحد الجارين هل للآخر وضع الجذوع عليه، والجديد المنع، بناء على أن الضمير في جداره لصاحب الخشبة أي لا يمنعه الجار أن يضع خشبة على جدار نفسه، ويرجح هذا بأنه الأوفق للقاعدة النحوية في عود الضمير للأقرب.
(ص) وقولك زيد طبيب ماهر.
(ش) ومنها التردد في مرجع الصفة فإن ماهرا قد يرجع إلى الطبيب وقد يرجع إلى زيد ويتفاوت المعنى باعتبارهما.
(ص) والثلاثة زوج وفرد.
(ش) ومنها تردد اللفظة بين جميع الأجزاء وجميع الصفات نظرا إلى اللفظ وإن كان أحدهما يتعين من خارج، كقولك: الثلاثة زوج وفرد، فإنه بالنظر إلى دلالة اللفظ. لا يتعين أحدهما، وبالنظر إلى صدق القائل يتعين أن يكون المراد منه جميع الأجزاء فإن حمله على جميع الصفات أو بعضها يوجب كذبه.
(ص) والأصح وقوعه في الكتاب والسنة.
(ش) أي خلافا لداود وقال الصيرفي: ولا أعلم أحدا أباه غيره الدليل على ما سبق من الآيات والأحاديث.
فائدة: هل نكلف بالتزام شيء قبل ورود البيان قال صاحب (القواطع) قالوا: إن التزام المجمل قبل بيانه واجب، واختلف أصحابنا في كيفية التزامه قبل البيان على قولين:
أحدهما: أنا متعبدون قبل البيان بالتزامه بعد البيان.
الثاني: أنا متعبدون قبل البيان بالتزامه مجملا، وبعد البيان بالتزامه مفسرا.
وهذا الخلاف مما فات المصنف ذكره، وهو قريب من الخلاف السابق في العام، هل يجب اعتقاد عمومه قبل ورود التخصيص؟
(ص) وأن المسمى الشرعي أوضح من اللغوي وقد تقدم.
(ش) أي فيحمل على الشرعي إلا أن يدل دليل على إرادة اللغوي، لاستقراء عرف الشارع غالبا في إطلاق لفظ الصلاة والصوم وغيرهما، لما ثبت له فيه عرف استعمال، وقيل: مجمل، وبه قال القاضي قال الأبياري: وهو يناقض مذهبه في نفي الأسماء الشرعية اللهم إلا أن يكون له قول آخر بإثباتها، وإلا فالإجمال، مع اتحاد جهة الدلالة محال، أو يكون ذلك تفريعا منه على قول من يثبتها وهذا ضعيف فإنه من أين له الحكم عليهم بأنهم يسوون بين النسبة إلى المسميين؟ وقوله: وقد تقدم، أي فصل الحقيقة والمجاز.
(ص) فإن تعذر حقيقة فيرد إليه بتجوز أو يحمل على اللغوي أقوال:
(ش) إذا وردت لفظة لها مسمى لغوي ومسمى شرعي وتعذر الشرعي حقيقة، ولم يمكن الرد إليه إلا بتجوز، كقوله: (الطواف بالبيت صلاة) فإنه لا يمكن حمله على الصلاة الشرعية حقيقة. رد إلى المجاز فيحمل على أن حكمه حكم الصلاة في الطهارة والستر ونحوها، لأن عرف الشارع تعريف للأحكام، فيرد كلامه إلى الشرعي ما أمكن، وقيل: يحمل على اللغوي حتى يقال: المراد بالصلاة، الدعاء وقيل: مجمل، لتردده بينهما، ولم يحك ابن الحاجب فيه القول بالحمل على اللغوي. ونظير المسألة أيضا، أن يتعذر الحمل على اللغوي كما يتعذر على الشرعي فهل يرد إلى الشرعي أو يكون مجملا، فيه هذا الخلاف، وعبارة المصنف شاملة لكل من الصورتين، فإن قوله: تعذر، أعم من الشرعي أو اللغوي، والغزالي ذكر الأولى ومثل لها الطواف بالبيت صلاة كما ذكرنا ويمكن أن يكون مثالا للثانية، فإن الطواف ليس هو نفس الصلاة الشرعية ولا اللغوية، فهل يرد إلى الشرعية أو يكون مجملاً ومثل الأولى بقوله صلى الله عليه وسلم: ((الاثنان فما فوقهما جماعة)) قال: فإنه يحتمل أن يكون المراد به أنه يسمى جماعة (ويحتمل أن يكون المراد به) انعقاد الجماعة أو حصول فضيلتها.
(ص) والمختار أن اللفظ المستعمل لمعنى (تارة ولمعنيين ليس ذلك المعنى) أحدهما: مجمل، فإن كان أحدهما فيعمل به ويوقف الآخر؟
(ش) إذا أمكن حمل الكلام على ما يفيد معنيين، وحمله على ما يفيد معنى واحدا وهو متردد بينهما، فهو مجمل، وقيل: يترجح حمله على ما يفيد معنيين كما لو دار بين ما يفيد وبين ما لا يفيد واختاره الآمدي وأطلق المسألة تبعا للغزالي وحمله المصنف على ما إذا كان المعنى الواحد ليس واحدا من المعنيين، فهذا لا يتجه خلاف في الحمل بذلك المعنى، بل يقطع بكونه مجملا، ولا يقال: الحمل على ما يفيد معنيين أولى، لكونه أكثر فائدة، لأنا نقول: إنما يتحقق هذا لو كان المعنى الواحد أحد المعنيين، أما إذا لم يكن فهو قسيمه، وفي العمل به دفع لأحد محتملي اللفظ بمجرد كونه الآخر أكثر فائدة وهو لا يوجب هذا، فأما إذا كان المعنى الواحد، أحدهما، أي أحد المعنيين من المحل الآخر فيعمل به أي بالمعنى الواحد على كل حال، ولا يتجه فيه خلاف، لأنه إن كان هو تمام المراد باللفظ فلا إشكال، وإلا فهو أحد المرادين فلا مانع من العمل ويقف الآخر فإنه محل النظر.
البيان والمبين
(ص) البيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي.
(ش) هذا نقله ابن السمعاني وغيره عن أبي بكر الصيرفي وزاد عنه إمام الحرمين وابن الحاجب والوضوح وإنما اختاره المصنف لأنه أجاب عما أورده ابن الحاجب عليه، فإن القاضي قال: يخرج عنه البيان ابتداء وهو الظاهر من غير سبق إجمال. وأجاب المصنف أن الصيرفي منع تسميته بيانا، فإن البيان الذي هو فعل المبين، إنما يكون لما ليس واضحا ولأن ما ورد ابتداء أفاد علما لم يكن حاصلا للسامع فهو قبل السماع.
كمن أشكل عليه خطاب سبق وروده، واعترض عليه إمام الحرمين بأنه تجوز بالخبر والمجاز لا يدخل في التعريف، وأجاب المصنف بأن المجاز الظاهر يجوز دخوله وإلا لم يسلم لهم تعريف.
(ص) وإنما يجب لمن يريد فهمه اتفاقا.
(ش) لأن الفهم شرط التكليف، وإن لم يرد لم يجب، ولهذا ذهب بعضهم إلى أنه لا يجب البيان في الخبر، وإنما يجب في التكاليف التي يحتاج إلى معرفتها للعلم بها.
(ص) والأصح أنه قد يكون بالفعل.
(ش) بدليل أنه – عليه الصلاة والسلام- بين الصلاة والحج بالفعل، وقال: ((خذوا عني مناسككم)). ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
وقيل:يمتنع لأنه يطول فيتأخر البيان به مع إمكان تعجيله، ومحل الخلاف ما إذا ورد مجملا ثم فعل فعلا يصلح أن يكون بيانا له (فيعلم بذلك أنه واقع منه على جهة البيان وإلا للزم خلو المجمل عن البيان، وهو ممتنع أما إذا قال القصد بما كلفتهم بهذه الآية ما أفعله ثم فعل فعلا فلا خلاف أن يكون بيانا له) قاله القاضي في (التقريب).
واعلم أنه لا خلاف في وقوع البيان بالقول وإنما الخلاف في الفعل، وسكتوا عن الإشارة والكتابة فيحمل أن يكون على خلاف الفعل، لكن قال صاحب كتاب (الواضح) من الحنفية لا أعلم خلافا في أن البيان يقع بهما.
(ص) وأن المظنون يبين المعلوم.
(ش) هذا نقله القاضي في (التقريب)عن الجماهير وقال: إنه المختار واختاره الإمام الرازي واقتصر ابن الحاجب على نقله عن أبي الحسين ثم اختار أن البيان يجب أن يكون أقوى دلالة من المبين وعن الكرخي المساواة واستنكر الهندي ذلك وقال: لا يتوهم في حق أحد، أنه ذهب إلى اشتراط أنه كالمبين في قوة الدلالة فإنه لو كان كذلك لما كان بيانا له، بل كان هو يحتاج إلى بيان آخر وحكى القاضي عن العراقيين التفصيل بين ما يعم وجوبه سائر المكلفين لبيان أقدار الصلاة والزكاة وصفاتهما وميقاتهما، فيجب أن يكون بيانه معلوما متواترا وبين ما لا تعم به البلوى وتختص معرفته بالعلماء كقدر نصاب السرقة وأحكام المدبر والمكاتب فيقبل في بيانه خبرا لواحد فحصل ثلاثة مذاهب.
(ص) وإن المتقدم وإن جهلت عينه من القول والفعل هو البيان وإن لم يتفق البيانان كما لو طاف بعد الحج طوافين وأمر بواحد، فالقول وفعله ندب أو واجب متقدما أو متأخرا وقال أبو الحسين المتقدم.
(ش) إذا ورد بعد المجمل قول وفعل، فإما أن يتفقا في الحكم أو يختلفا: فإن اتفقا فإما أن يعلم المتقدم منهما أولا فإن اتفقا وعلم المتقدم منهما فهو البيان قولا كان أو فعلا، والثاني تأكيد وإن جهل فأحدهما هو البيان من غير تعيين له، وقيل: يتعين غير الأرجح للتقديم، لأن المرجوح، لا يكون تأكيدا للراجح لعدم الفائدة واختاره الآمدي وإن لم يتفقا كما لو طاف صلى الله عليه وسلم بعد الحج طوافين وأمر بطواف واحد فالمختار أن البيان هو القول (وفعله إما ندب له صلى الله عليه وسلم أو واجب عليه لا علينا سواء كان) متقدما على الفعل أو متأخرا، لأن الجمع بين الدليلين أولى وقال أبو الحسين: البيان هو المتقدم قولا كان أو فعلا، كما في صورة اتفاق القول والفعل وهو باطل، لأنه يلزمه نسخ الفعل بالقول إذا وقع القول متقدما مع إمكان الجمع بينهما.

محمد أبو زيد 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م 07:56 PM

الغيث الهامع لولي الدين العراقي
 

ص: المجمل ما لم تتضح دلالته فلا إجمال في آية السرقة ولا في نحو {حرمت عليكم أمهاتكم} {وامسحوا برؤوسكم} ((لا نكاح إلا بولي)) ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)) ((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)) لوضوح دلالة الكل وخالف قوم.
ش: عبر بـ (ما) ليتناول القول والفعل كتركه عليه الصلاة والسلام التشهد الأول فإنه يحتمل العمد فيكون غير واجب، والسهو فلا يدل على أنه غير واجب سواء تركه عمدا أو سهوا، فلا إجمال فيه، واحترز بقوله: لم تتضح دلالته، عن المهمل فإنه لا دلالة له أصلا، وهذا له دلالة غير واضحة، ثم ذكر صورا ادعى فيها الإجمال، والأصح خلافه:
الأولى: آية السرقة قال بعض الحنفية: فيها إجمال في القطع، لأنه يحتمل الشق والإبانة وفي اليد لاحتمالها الجميع إلى المنكب، وإلى الكوع والأصح خلافه والقطع هو الإبانة وإطلاقه على الشق لأن فيه إبانة لانفصال بعض أجزاء اللحم عن بعضها، واليد حقيقة إلى المنكب وإطلاقها هنا إلى الكوع مجاز من إطلاق الكل على الجزء، دل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع.
الثانية: لا إجمال أيضا في قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} لأن العرف دال على التعميم فيتناول العقد والوطء، وقد تقدم هذا في قول المصنف: في العموم: (وقد يعم اللفظ عرفا كالفحوى) {حرمت عليكم أمهاتكم} وحمله الكرخي على ظاهره وقال: الحكم متعلق بالعين، ومعناه خروجها عن أن يكون محلا شرعا كما أن حرمة الفعل خروج عن الاعتبار شرعا.
الثالثة: قال الحنفية أو بعضهم: قوله تعالى في آية الوضوء: {وامسحوا برؤوسكم} مجمل لاحتماله مسح الكل والبعض على السواء، وبينت السنة المراد بمسحه عليه الصلاة والسلام على الناصية: وقال الجمهور: لا إجمال فيه. ثم قال المالكية: هو حقيقة في مسح الكل.
وقال الشافعية: إنه حقيقة في القدر المشترك بين الكل والبعض وهو ما ينطلق عليه الاسم.
الرابعة: مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا نكاح إلا بولي)) وقوله:
((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)) وقوله: ((لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل)) ذهب قوم إلى أنه مجمل ثم اختلفوا في سبب إجماله على أقوال:
أحدها: أنه ليس المراد نفي الوقوع، فإن وقوعها مشاهد ولم يعلم المراد منها فكانت مجملة.
ثانيها: أنها مترددة بين نفي الجواز ونفي الكمال.
الثالث: أنها ظاهرة في نفي الوجوب ونفي الحكم فسارت مجملة، وقال الجمهور: لا إجمال فيها وهو مبني على ثبوت الحقائق الشرعية وتقديمها على اللغوية واختصاصها بالصحيح، والحقائق الشرعية الصحيحة منتفية في هذه الصورة لانتفاء جزئها أو شرطها.
الخامسة: قوله عليه الصلاة والسلام: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)) ذهب البصريان أبو الحسين وأبو عبد الله إلى أنه مجمل وقال الجمهور: لا إجمال فيه، بل معناه نفي المؤاخذة والعقاب، لكن هل هو بالعرف أو اللغة؟ جزم ابن الحاجب بالأول وابن السمعاني بالثاني.
وقال الشارح: نفى المصنف في باب العموم أن يكون هذا عاما حيث قال: (لا المقتضى) وهنا نفى أن يكون مجملا، وهو في الاضطراب متابع لابن الحاجب.
قلت: لا اضطراب في ذلك فلا عموم فيه، ولا إجمال وإنما معناه رفع شيء مخصوص وهو العقاب بدليل اقتضى ذلك، والله أعلم.
وقول المصنف: (خالف قوم) أي في جميع ما تقدم كما أوضحناه.
ص: إنما الإجمال في مثل القرء والنور والجسم ومثل المختار لتردده بين الفاعل والمفعول وقوله تعالى: {أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح} {إلا ما يتلى عليكم} {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به} وقوله عليه السلام: ((لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره)) وقولك: زيد طبيب ماهر الثلاثة زوج وفرد.
ش: ذكر في هذه الجملة أمثلة للمجمل، والإجمال تارة يكون في المفرد وتارة في المركب، فالأول قد يكون لوضع اللفظ لكل منهما كالقرء، فإنه وضع في اللغة للطهر وللحيض، ولهذا جعل الشافعي العدة بالأطهار وأبو حنيفة بالحيض، وقد يكون لصلاحيته لمتماثلين كالنور للعقل ونور الشمس وغيرها، والجسم للسماء والأرض وغيرهما، وقد يكون لصلاحيته للفاعل والمفعول، كالمختار تقول: اخترت فلانا، فأنا مختار، وهو مختار، قال العسكرى: ويتميز بحرف الجر فتقول في الفاعل: مختار لكذا، وفي المفعول: مختار من كذا ثم ذكر للثاني أمثلة:
أحدها: قوله تعالى: {أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح} فإنه محتمل للزوج والولي، وقد حمله الشافعي على الأول ومالك على الثاني كذا ذكره ابن الحاجب من المجمل ولا إجمال فيه عندنا، لقيام الدليل على أن المراد به الزوج، وذلك مبسوط في موضعه.
ثانيهما: قوله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} فهو مجمل لكونه دخله استثناء لمجهول، والمجهول إذا أخرج من المعلوم صار الجميع مجهولا.
ثالثها: قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} فإن الواو فيه مترددة بين العطف والقطع ولهذا اختلفوا في أن الوقف على قوله: {إلا الله} أم لا؟ وقد سبق ذلك، وأن الأصح أنه لا إجمال فيه.
رابعها: قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره)) فقد وقع التردد في مرجع الضمير في قوله: (جداره) هل يعود على صاحب الخشبة، لأنه أقرب مذكور أو على الجار ويوافق الأول منع الشافعي في الجديد إجبار الجار على وضع جذوع جاره على جداره.
خامسها: قول القائل: زيد طبيب ماهر، قد ترجع المهارة إلى الصنعة وهي الطب وإلى الموصوف وهو زيد، فتكون مهارته في غير الطب.
سادسها: قول القائل: الثلاثة زوج وفرد، متردد من حيث اللفظ بين أن يكون المراد أن مجموع أجزائه زوج وفرد، وأن يكون المراد أنه موصوف بالزوجية والفردية، وإن كان الواقع هو الأول لصدق اللفظ، ولو حمل على الثاني لكان كذبا، وفي عد هذا من المجمل نظر لا يخفى.
ص: والأصح وقوعه في الكتاب والسنة.
ش: المخالف في وقوع المجمل في القرآن والسنة داود الظاهري، قال الصيرفي: لا أعلم قال به غيره، والحجة عليه ما سبق من الآيات والأحاديث.
ص: وأن المسمى الشرعي أوضح من اللغوي وقد تقدم فإن تعذر حقيقة فيرد إليه بتجوز أو مجمل أو يحمل على اللغوي أقوال.
ش: لما كان المسمى الشرعي أوضح من اللغوي قدم عليه، فيحمل اللفظ على مدلوله الشرعي، إلا أن يقوم دليل على إرادة اللغوي، وقد تقدم ذلك في فصل الحقيقة والمجاز.
فإن تعذرت الحقيقة الشرعية فهل يرد إليها بتجوز أو يحمل على الحقيقة اللغوية أو يجعل مجملا؟ فيه أقوال، أصحها الأول، ومثاله قوله عليه الصلاة والسلام: ((الطواف بالبيت صلاة)) فإنه ليست فيه حقيقة الصلاة الشرعية فكان مجازا، والمراد أن حكمه حكم الصلاة في الطهارة وستر العورة، ويدل لذلك قوله في بقية الحديث: ((إلا أن الله أحل فيه الكلام)) فدل على أن المراد كونه صلاة في الحكم إلا ما استثني لا في الحقيقة.
ومن حمله على اللغوي قال: الصلاة هنا بمعنى الدعاء، ومن قال بالإجمال فللتردد بينهما أي بين المجاز الشرعي والحقيقة اللغوية.
ص: والمختار أن اللفظ المستعمل لمعنى تارة ولمعنيين ليس ذلك المعنى أحدهما مجمل فإن كان أحدهما فيعمل به ويوقف الآخر؟
ش: إذا ورد من الشارع لفظ له استعمالان أحدهما لمعنى واحد، والثاني لمعنيين ففيه مذهبان:
أحدهما – وهو المختار: أنه مجمل إذا لم تقم قرينة على المراد.
والثاني – واختاره الآمدي: أنه يحمل على ما يفيد معنيين كما لو دار بين ما يفيد وما لا يفيد، وأطلق الغزالي وغيره المسألة، وقيدها المصنف بما إذا لم يكن ذلك المعنى المنفرد أحد ذينك المعنيين، فإن كان أحدهما عمل به قطعا لأنه إن كان هو تمام المراد باللفظ فلا إشكال، وإلا فهو أحد المرادين ويوقف الآخر عن العمل به، فإنه محل نظر.
البيان والمبين
ص: البيان، إخراج الشيء من خيز الإشكال إلى حيز التجلي وإنما يجب لمن أريد فهمه اتفاقا.
ش: هذا التعريف للبيان حكاه ابن السمعاني وغيره عن أبي بكر الصيرفي، وزاد عنه إمام الحرمين وابن الحاجب: (والوضوح) وأورد عليه القاضي أنه يخرج عنه البيان ابتداء وهو الظاهر من غير سبق إجمال، وأورد عليه إمام الحرمين، أن لفظ الحيز مجاز، ودخوله في التعريف ممتنع، وأجاب المصنف عن الأول بمنع تسمية الواضح ابتداء بيانا، وعن الثاني بأن المجاز الظاهر يجوز دخوله، وإلا لم يسلم لهم تعريف، فلذلك تبعه المصنف فيه واتفقوا على أنه لا يجب بيان المجمل إلا لمن أريد منه الفهم إما للعمل كالصلاة أو للإفتاء كأحكام الحيض في حق الرجال، فالمراد فهمهم لها ليفتوا بها النساء، وكأنه أريد بالواجب هنا ما لا بد منه، فإن الله تعالى لا يجب عليه شيء.
ص: والأصح أنه قد يكون بالفعل وأن المظنون يبين المعلوم وأن المتقدم، وإن جهلنا عينه من القول والفعل هو البيان وإن لم يتفق البيانان كما لو طاف بعد الحج طوافين، وأمر بواحد فالقول وفعله ندب أو واجب متقدما أو متأخرا وقال أبو الحسين المتقدم.
ش: فيه مسائل:
الأولى: يجوز البيان بالقول إما من الكتاب أو السنة اتفاقا، واختلف في البيان بالفعل والأصح جوازه، كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وحجه فإنهما مبينان لقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} {ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا} ومن منع قال: الفعل يطول فيتأخر به البيان مع إمكان تعجيله.
قال القاضي في (التقريب): فلو قال: القصد بما كلفتم بهذه الآية ما أفعله ثم فعل فعلا فلا خلاف أنه يكون بيانا.
الثانية: إذا كان المجمل معلوما فهل يجوز أن يكون المبين له مظنونا؟ فيه مذاهب:
الأول: الجواز، حكاه القاضي أبو بكر عن الجمهور واختاره هو والإمام فخر الدين.
الثاني: أن البيان يجب أن يكون أقوى دلالة من المبين، واختاره ابن الحاجب.
الثالث: أنه يجوز أن يكون مساويا، وبه قال الكرخي.
الرابع: إن عم وجوبه سائر المكلفين كالصلاة ونحوها وجب أن يكون بيانه معلوما متواترا، وإن لم تعم به البلوى، واختص العلماء بمعرفته كنصاب السرقة وأحكام المكاتب قبل في بيانه خبر الواحد، حكاه القاضي أبو بكر عن العراقيين.
الثالثة: إذا ورد بعد المجمل قول وفعل فلهما حالتان:
إحداهما: أن يتفقا في الحكم فالبيان هو المتقدم منهما.
والثاني: تأكيد له، فإن علم عينه فذاك وإلا فهو المبين مع الجهل به في الصحيح.
وقال الآمدي: الأشبه مع الجهل تقدير المرجوح سابقا فيكون هو المبين والثاني تأكيد له، لئلا يلزم من عكسه تأكيد الراجح بالمرجوح، وهو ممتنع.
الثانية: أن يختلفا في الحكم كما لو طاف عليه الصلاة والسلام بعد الحج طوافين وأمر بواحد، فالصحيح أن البيان بالقول، ويحمل فعله على أنه من خصائصه إما مندوب أو واجب، ولا فرق بين أن يتقدم القول أو الفعل.
وقال أبو الحسين البصري: البيان هو المتقدم منهما، قولا كان أو فعلا كما لو اتفقا.


الساعة الآن 12:22 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir