معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   لباب النقول للسيوطي (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=511)
-   -   سورة النساء (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=15445)

نورة آل رشيد 20 رجب 1432هـ/21-06-2011م 02:26 PM

سورة النساء
 
(4) سورة النساء
مدنية وآياتها ست وسبعون ومائة
قوله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)}
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال كان الرجل إذا زوج أيمه أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله عن ذلك فأنزل {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}.
قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)}
أخرج أبو الشيخ ابن حيان في كتاب الفرائض من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار من الذكور حتى يدركوا، فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابنا صغيرا، فجاء ابنا عمه خالد وعرفطة وهما عصبة، فأخذوا ميراثه كله، فأتت امرأته رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك. فقال: ((ما أدري ما أقول؟)) فنزلت {للرجال نصيب مما ترك الوالدان} الآية.
قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)}
أخرج الأئمة الستة عن جابر بن عبد الله قال عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا، فدعا بماء فتوضأ، ثم رش علي فأفقت، فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي؟ فنزلت {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن جابر قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال، فقال: ((يقضي الله في ذلك)) فنزلت آية الميراث.
[لباب النقول: 65]
قال الحافظ ابن حجر: تمسك بهذا من قال: إن الآية نزلت في قصة ابنتي سعد، ولم تنزل في قصة جابر خصوصا أن جابرا لم يكن له يومئذ ولد قال: والجواب أنها نزلت في الأمرين معا، ويحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين، وآخرها وهو قوله {وإن كان رجل يورث كلالة}. في قصة جابر، ويكون مراد جابر بقوله: فنزلت {يوصيكم الله في أولادكم}: أي ذكر الكلالة المتصل بهذه الآية، انتهى.
وقد ورد السبب الثالث، أخرج ابن جرير عن السدي قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الصغار من الغلمان لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة يقال لها أم كحة وخمس أخوات، فجاء الورثة يأخذون ماله فشكت أم كحة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك}. ثم قال في أم كحة {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن}.
(ك) وقد ورد في قصة سعد بن الربيع وجه آخر، فأخرج القاضي إسماعيل في أحكام القرآن من طريق عبد الملك بن محمد بن حزم أن عمرة بنت حرام كانت تحت سعد بن الربيع، فقتل عنها بأحد، وكان له منها ابنة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تطلب ميراث ابنتها، ففيها نزلت {ويستفتونك في النساء} الآية.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}
روى البخاري وأبو داود والنسائي عن ابن عباس قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بسند حسن عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان لهم ذلك في الجاهلية، فأنزل الله {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}.
[لباب النقول: 66]
وله شاهد عن عكرمة عند ابن جرير.
وأخرج ابن أبي حاتم والفريابي والطبراني عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال: توفي أبو قيس بن الأسلت، وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأته، فقالت: إنما أعدك ولدا وأنت من صالحي قومك، فأتت رسول الله صلى الله عليه مسلم فأخبرته، فقال: ((ارجعي إلى بيتك))، فنزلت هذه الآية {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف}.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: كان الرجل إذا توفي عن امرأته كان ابنه أحق بها أن ينكحها إن شاء إن لم تكن أمه أو ينكحها من شاء فلما مات أبو قيس بن الأسلت قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته ولم يورثها من المال شيئا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ((ارجعي لعل الله ينزل فيك شيئا))، فنزلت هذه الآية {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}. ونزلت {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} الآية.
وأخرج أيضا عن الزهري قال: نزلت هذه الآية في ناس من الأنصار كان إذا مات الرجل منهم كان أملك الناس بامرأة وليه فيمسكها حتى تموت.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قلت لعطاء {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم}. قال: كنا نتحدث أنها نزلت في محمد صلى الله عليه وسلم حين نكح امرأة زيد بن حارثة، قال المشركون في ذلك، فنزلت {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم}. ونزلت {وما جعل أدعياءكم أبناءكم}. ونزلت {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم}.
قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}
روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا من سبي أوطاس لهن أزواج فكرهن أن نقع عليهن، ولهن أزواج، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} يقول إلا ما أفاء الله عليكم فاستحللنا بها فروجهن.
[لباب النقول: 67]
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: نزلت يوم حنين لما فتح الله حنينا أصاب المسلمون نساء من نساء أهل الكتاب لهن أزواج، وكان الرجل إذا أراد أن يأتي المرأة قالت: إن لي زوجا، فسئل صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله {والمحصنات من النساء} الآية.
قوله تعالى: {ولا جناح} الآية.
أخرج ابن جرير عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: زعم حضرمي أن رجالا كانوا يفرضون المهر ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة، فنزلت {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة}
قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}
روى الترمذي والحاكم عن أم سلمة أنها قالت: يغزو الرجال ولا يغزو النساء وإنما لها نصف الميراث. فأنزل الله {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} وأنزل فيها {إن المسلمين والمسلمات}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله، {للذكر مثل حظ الأنثيين}، وشهادة امرأتين برجل، أفنحن في العمل هكذا إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة فأنزل الله {ولا تتمنوا} الآية.
قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}
أخرج أبو داود في سننه من طريق ابن إسحاق عن داود بن الحصين قال: كنت أقرأ على أم سعد ابنة الربيع، وكانت مقيمة في حجر أبي بكر، فقرأت {والذين عقدت أيمانكم} فقالت: لا، ولكن والذين عقدت، وإنما نزلت في أبي بكر وابنه حين أبا الإسلام، فحلف أبو
[لباب النقول: 68]
بكر أن لا يورثه، فلما أسلم أمره أن يؤتيه نصيبه.
قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعدي على زوجها أنه لطمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القصاص)) فأنزل الله {الرجال قوامون على النساء} الآية فرجعت بغير قصاص.
وأخرج ابن جرير من طرق عن الحسن، وفي بعضها أن رجلا من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص، فنزلت {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} ونزلت {الرجال قوامون على النساء}.
وأخرج نحوه عن ابن جريح والسدي.
وأخرج ابن مردويه عن علي قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار بامرأة له فقالت: يا رسول الله إنه ضريني، فأثر في وجهي، فقال رسول الله: ((ليس له ذلك)) فأنزل الله {الرجال قوامون على النساء} الآية فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا.
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)}
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم، فأنزل الله {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو
[لباب النقول: 69]
سعيد عن ابن عباس قال: كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب، ورفاعة بن يزيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم، فيقولون: لا تنفقون أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون، فأنزل الله فيهم: {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} -إلى قوله – {وكان الله بهم عليما}.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}
روى أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم عن علي قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون)، فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}.
وأخرج الفرياني وابن أبي حاتم وأبن المنذر عن علي قال نزلت هذه الآية {ولا جنبا} في المسافر تصيبه الجنابة فتيمم ويصلي.
وأخرج ابن مردويه عن الأسلع بن شريك قال: كنت أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة، فخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} الآية كلها.
(ك) وأخرج الطبراني عن الأسلع قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحل له، فقال لي ذات يوم: ((يا أسلع قم فارحل))، فقلت: يا رسول الله أصابتني جنابة، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه جبريل بآية الصعيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قم يا أسلع فتيمم))، فأراني التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، فقمت فتيممت ثم رحلت له.
[لباب النقول: 70]
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب: أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد، فكانت تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم فيريدون الماء ولا يجيدون ممرا إلا في المسجد، فأنزل الله قوله: {ولا جنبا إلا عابري سبيل}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطيع أن يقوم فيتوضأ، ولم يكن له خادم فيناوله فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله {وإن كنتم مرضى} الآية.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال: نال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جراحة ففشت فيهم، ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت {وإن كنتم مرضى} الآية كلها.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)}
أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال كان رفاعة بن يزيد بن التابوت من عظماء اليهود، وإذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه، وقال راعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك، ثم طعن في الإسلام دعابة، فأنزل الله فيه {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة}.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)}
أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال: كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار اليهود، منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسيد، فقال لهم: ((يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا. فوا لله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق))، فقالوا: ما نعرف ذلك يا محمد فأنزل الله فيهم {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا} الآية.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام، قال: ((وما دينه))؟ قال: يصلي ويوحد الله، قال: ((استوهب منه دينه فإن أبى فابتعه منه))، فطلب الرجل ذلك منه فأبى عليه، فأتى النبي يصلى الله عليه وسلم
[لباب النقول: 71]
فأخبره فقال: وجدته شحيحا على دينه، فنزلت {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم، ويقربون قربانهم، ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب، فأنزل الله {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم}.
وأخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة ومجاهد وأبي مالك وغيرهم.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)}
(ك)، أخرج أحمد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت قريش: ألا ترى هذا المنصبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة، وأهل السقاية، قال أنتم خير، فنزلت فيهم {إن شانئك هو الأبتر} ونزلت {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} -إلى – {نصيرا}.
وأخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان، وبني قريظة، حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وأبو رافع والربيع بن أبي الحقيق، وأبو عامر وهوذة بن قيس، وكان سائرهم من بني النضير، فلما قدموا على قريش، قالوا: هؤلاء أحبار يهود أهل علم بالكتب الأولى، فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألهم فقالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أهدى منه، وممن اتبعه، فأنزل الله {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} -إلى قوله – {ملكا عظيما}.
(ك)، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: قال أهل الكتاب
[لباب النقول: 72]
زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع، وله تسع نسوة وليس همه إلا النكاح، فأي ملك أفضل من هذا فأنزل الله {أم يحسدون الناس} الآية.
وأخرج ابن سعد عن عمر مولى غفرة نحو أبسط منه.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}
أخرج ابن مرديه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن أبي طلحة، فلما أتاه قال: ((أرني المفتاح))، فأتاه به فلما بسط يده إليه قام العباس فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجمعه لي مع السقاية، فكف عثمان يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هات المفتاح يا عثمان))، فقال: هاك بأمانة الله، فقام ففتح الكعبة ثم خرج فطاف بالبيت، ثم نزل عليه جبريل برد المفتاح، فدعا عثمان بن أبي طلحة فأعطاه المفتاح ثم قال: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} حتى فرغ من الآية.
وأخرج شعبة في تفسيره عن حجاج عن ابن جريج قال: نزلت هذه الآية في عثمان بن طلحة أخذ منه رسول الله مفاتيح الكعبة، فدخل به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح، قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله من
[لباب النقول: 73]
الكعبة، وهو يتلو هذه الآية: فداه أبي وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك. قلت: ظاهر هذا أنها نزلت في جوف الكعبة.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}
روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عبد الله بن حذافة بن قيس إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، كذا أخرجه مختصرا. وقال الداودي هذا وهم يعني الافتراء على ابن عباس، فإن عبد الله بن حافة خرج على جيش فغضب فأوقد نارا وقال: اقتحموا فامتنع بعض وهم بعض أن يفعل، قال: فإن كانت الآية نزلت قبل، فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره، وإن كانت نزلت بعده فإنما قيل لهم: إنما الطاعة في المعروف، وما قيل لهم لما لم تطيعوه؟ وأجاب الحافظ ابن حجر بأن المقصود في قصته: فإن تنازعتم في شيء فإنهم تنازعوا في امتثال الأمر بالطاعة، والتوقف فرارا من النار فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع، وهو الرد إلى الله والرسول، وقد أخرج ابن جرير أنها نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد وكان خالد أميرا، فأجار عمار رجلا بغير أمره فتخاصما، فنزلت.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)}
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين، فأنزل الله {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا} -إلى قوله- {إلا إحسانا وتوفيقا}.
[لباب النقول: 74]
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة أو سعيد عن ابن عباس قال: كان الجلاس بن الصامت، ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر يدعون الإسلام فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية فأنزل الله فيهم {ألم تر إلى الذين يزعمون} الآية.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فقال اليهودي: أحاكمك إلى أهل دينك أو قال إلى النبي لأنه قد علم أنه لا يأخذ الرشوة في الحكم فاختلفا واتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة، فنزلت.
قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)}
أخرج الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك)) فقال الأنصاري: يا رسول الله إن كان ابن عمتك، فتلون وجهه ثم قال: ((اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك)) واستوعب للزبير حقه، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة، قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}.
وأخرج الطبراني في الكبير والحميدي في مسنده عن أم سلمة قالت: خاصم الزبير رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى للزبير، فقال الرجل: إنما قضى له لأنه ابن عمته، فنزلت {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله {فلا وربك} الآية قال: أنزلت
[لباب النقول: 75]
في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماء، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الأعلى ثم الأسفل.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما، فقال الذي قضى عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب فأتيا إليه فقال الرجل: قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا، فقال ردنا إلى عمر، فقال: أكذلك؟ قال: نعم فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليهما مشتملا على سيفه، فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله، فأنزل الله {فلا وربك لا يؤمنون} الآية.
مرسل غريب في إسناده ابن لهيعة وله شاهد
أخرجه رحيم في تفسيره من طريق عتبة بن ضمرة عن أبيه.
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)}
(ك) وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لما نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم} تفاخر ثابت بن قيس بن شماس، ورجل من اليهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت: والله لو كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم لقتلنا أنفسنا، فأنزل الله {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا}.
قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)}
أخرج الطبراني وابن مردويه بسند لا بأس به عن عائشة قالت: جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية {ومن يطع الله والرسول} الآية.
[لباب النقول: 76]
واخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال: قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما ينبغي لنا أن نفارقك فإنك لو قدمت لرفعت فوقنا ولم نرك فأنزل الله {ومن يطع الله والرسول} الآية.
وأخرج عن عكرمة قال: أتى فتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله إن لنا فيك نظرة في الدنيا ويوم القيامة لا نراك، فإنك في الجنة في الدرجات العلى، فأنزل الله هذه الآية، فقال له رسول صلى الله عليه وسلم: ((أنت معي في الجنة إن شاء الله))، وأخرج ابن جرير نحوه من مرسل سعيد بن جبير ومسروق والربيع وقتادة والسدي.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}
أخرج النسائي والحاكم عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة، قال: ((إتي أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم))، فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا. فأنزل الله: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} الآية.
[لباب النقول: 77]
قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}
روى مسلم عن عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت المسجد، فإذا الناس ينكتون بالحصى وبقولون: طلق رسول الله نساءه، فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه، فنزلت هذه الآية: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} فكنت أنا استنبط ذلك الأمر وأنزل الله عز وجل آية التخيير.

نورة آل رشيد 20 رجب 1432هـ/21-06-2011م 02:26 PM

قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)}
روى الشيخان وغيرهما عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم، وفرقة تقول لا، فأنزل الله: {فما لكم في المنافقين فئتين}.
(ك) وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم عن ابن سعد بن معاذ قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فقال: ((من لي بمن يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني))، فقال سعد بن معاذ: إن كان من الأوس قتلناه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فأطعناك، فقام سعد بن عبادة فقال: ما بك يا ابن معاذ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عرفت ما هو منك، فقام أسيد بن حضير، فقال: إنك يا ابن عبادة منافق تحب النفاق، فقام محمد بن مسلمة، فقال: اسكتوا يا أيها الناس فإن فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأمرنا فننفذ أمره، فأنزل الله {فما لكم في المنافقين فئتين} الآية.
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن عوف أن قوما من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلموا وأصابهم وباء المدينة وحماها فأركسوا فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من الصحابة، فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة، فقالوا: أما لكم في رسول الله أسوة حسنة؟ فقال بعضهم نافقوا، وقال بعضهم لم ينافقوا، فأنزل الله {فما لكم في المنافقين فئتين} الآية
[لباب النقول: 78]
في إسناده تدليس وانقطاع.
قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)}
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثتهم قال: لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بدر وأحد وأسلم من حولهم. قال سراقة: بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج فأتيته فقلت: أنشدك النعمة، بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي وأنا أريد أن توادعهم، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام، وإن لم يسلموا لم يحسن تغليب قومك عليهم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد، فقال: اذهب معه فافعل ما يريد. فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسلموا معهم، وأنزل الله {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} فكان من وصل إليهم كان معهم على عهدهم.
وأخرج أبن أبي حاتم عن ابن عباس قال نزلت: {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} في هلال بن عويمر الأسلمي وسراقة بن مالك المدلجي، وفي بني خزيمة بن عامر بن عبد مناف.
وأخرج أيضا عن مجاهد أنها نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي، وكان بينه وبين المسلمين عهد، وقصده ناس من قومه فكره أن يقاتل المسلمين وكره أن يقاتل قومه.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}
أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان الحارث بن يزيد من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل ثم خرج الحارث مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فنزلت {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} الآية
[لباب النقول: 79]
وأخرج نحوه عن مجاهد والسدي.
وأخرج ابن إسحاق وأبو يعلى والحارث بن أبي أسامة وأبو مسلم الكجي عن القاسم بن محمد نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه.
قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}
أخرج ابن جرير من طريق ابن جريح عن عكرمة: أن رجلا من الأنصار قتل أخا مقيس بن صبابة فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدية فقبلها ثم وثب على قاتل أخيه فقتله: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا أؤمنه في حل ولا حرم)) فقتل يوم الفتح.
قال ابن جريح: وفيه نزلت هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا}. الآية.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}
روى البخاري والترمذي والحاكم وغيرهم عن ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسوق غنما له، فسلم عليهم فقالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا، فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم} الآية.
وأخرج البزار من وجه آخر عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد، فلما أتوا القوم وجدهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((كيف لك بلا إله إلا الله غدا)) وأنزل الله هذه الآية.
وأخرج أحمد والطبراني وغيرهما عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلم بن جثامة فمر بنا عامر بن الأضبط
[لباب النقول: 80]
الأشجعي، فسلم علينا فحمل عليه محلم فقتله: فلم قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله} الآية وأخرج ابن جرير من حديث ابن عمر نحوه.
وأخرج الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن اسم المقتول مرداس بن نهيك من أهل فدك، وأن اسم القاتل أسامة بن زيد، وأن اسم أمير السرية غالب بن فضالة الليثي، وأن قوم مرداس لما انهزموا بقي هو وحده، وكان ألجأ غنمه بجبل، فلما لحقوه قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم، فقتله أسامة بن زيد، فلما رجعوا أنزلت الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق السدي نحوه.
وأخرج عبد من طريق قتادة نحوه، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال: أنزلت هذه الآية {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام} في مرداس، وهو شاهد حسن.
وأخرج ابن منده عن جزء بن الحدرجان قال: وفد أخي مقداد إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن فلقيته سرية النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: أنا مؤمن، فلم يقبلوا منه وقتلوه فبلغني ذلك فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم دية أخي.
قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)}
روى البخاري عن البراء قال: لما نزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أدع فلانا))، فجاء ومعه الدواة واللوح أو الكتف، فقال: ((اكتب {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله} )) وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله: أنا ضرير، فنزلت مكانها {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر}
[لباب النقول: 81]
وروى البخاري وغيره من حديث زيد بن ثابت والطبراني من حديث زيد بن أرقم وابن حبان من حديث الفلتان بن عاصم نحوه.
وروي الترمذي نحوه من حديث ابن عباس وفيه قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم: إنا أعميان، وقد سقت أحاديثهم في ترجمان القرآن، وعند ابن جرير من طرق كثيرة مرسلة نحو ذلك.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)}
روى البخاري عن ابن عباس أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل، فأنزل الله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} وأخرجه ابن مرديه وسمى منهم في روايته: قيس بن الوليد بن المغيرة وأبا قيس بن الفاكه بن المغيرة والوليد بن عتبة بن ربيعة وعمرو بن أمية بن سفيان وعلي بن أمية بن خلف، وذكر في شأنهم أنهم خرجوا إلى بدر، فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك وقالوا: غر هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر.
وأخرجه ابن أبي حاتم وزاد منهم: الحارث بن زمعة بن الأسود والعاص بن منبه بن الحجاج.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كان قوم بمكة قد أسلموا فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا، فأنزل الله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} -إلى قوله- {إلا المستضعفين}.
[لباب النقول: 82]
وأخرج ابن المنذر وابن جرير عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة قد أسلموا، وكانوا يخفون الإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم، فقال المسلمين: هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت {إن الذين توفاهم الملائكة} الآية فكتبوا بها إلى من بقي بمكة منهم، وأنه لا عذر لهم، فخرجوا فلحق بهم المشركون ففتنوهم فرجعوا، فنزلت {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله}. فكتب إليهم المسلمون بذلك فتحزنوا، فنزلت {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} الآية فكتبوا إليهم بذلك، فخرجوا فلحقوهم فنجا من نجا وقتل من قتل وأخرج ابن جرير من طرق كثيرة نحوه.
قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)}
أخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا فقال لأهله: احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الوحي: {ومن يخرج من بيته مهاجرا} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة الزرقي وكان بمكة، فلما نزلت: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة} قال: إني لغني وإني لذو حيلة، فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتنعيم، فنزلت هذه الآية {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله}.
وأخرج ابن جرير نحو ذلك من طرق سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي والضحاك وغيرهم، وسمى في بعضها ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة، وفي بعضها جندب بن ضمرة الجندعي، وفي بعضها الضمري، وفي بعضها رجل من بني ضمرة، وفي بعضها رجل من بني خزاعة وفي بعضها رجل من بني ليث، وفي بعضها ما بني كنانة، وفي بعضها من بني بكر.
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن عبد الله بن قسيط: أن جندع بن ضمرة الضمري كان بمكة، فمرض فقال لبينه: أخرجوني من مكة فقد قتلني غمها، فقالوا: إلى أين؟ فأومأ بيده نحو المدينة يريد الهجرة، فخرجوا به، فلما بلغوا أضاة بني غفار مات، فأنزل الله فيه: {ومن يخرج من بيته مهاجرا} الآية.
[لباب النقول: 83]
(ك)، وأخرج ابن أبي حاتم وابن منده والباوردي في الصحابة عن هشام بن عروة عن أبيه: أن الزبير بن العوام قال: هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة، فنهشته حية في الطريق فمات، فنزلت فيه: {ومن يخرج من بيته مهاجرا} الآية.
وأخرج الأموي في مغازيه عن عبد الملك بن عمير قال: لما بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يأتيه، فأبى قومه أن يدعوه قال: فليأت من يبلغه عني ويبلغني عنه، فانتدب له رجلان، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا: نحن رسل أكثم بن صيفي وهو يسألك من أنت وما أنت وبما جئت؟ قال: ((أنا محمد بن عبد الله، وأنا عبد الله ورسوله))، ثم تلا عليهم: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} الآية، فأتيا أكثم فقالا له ذلك، قال: أي قوم إنه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤساء، ولا تكونوا فيه أذنابا. فركب بعيره متوجها إلى المدينة فمات في الطريق، فنزلت فيه: {ومن يخرج من بيته مهاجرا} الآية: مرسل إسناده ضعيف.
وأخرج أبو حاتم في كتاب المعمرين من طريقين عن ابن عباس: أنه سئل عن هذه الآية، فقال: نزلت في أكثم بن صيفي، قيل: فأين الليثي قال؟ ذا قبل الليثي بزمان وهي خاصة عامة.
قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)}
أخرج ابن جرير عن علي قال: سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} ثم انقطع الوحي، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم: إن لهما أخرى مثلها في إثرها، فأنزل الله بين الصلاتين: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} -إلى قوله - {عذابا مهينا} فنزلت صلاة الخوف
قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ
[لباب النقول: 84]
عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)}
وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبهيقي في الدلائل عن ابن عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله بعسفان فاستقبلنا المشركون وعليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة، فصلى بنا النبي صلى الله عليهم وسلم الظهر فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} الحديث.
وروى الترمذي نحوه عن أبي هريرة.
(ك) وابن جرير نحوه عن جابر بن عبد الله وابن عباس.
أخرج البخاري عن ابن عباس قال: نزلت: {إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى} في عبد الرحمن بن عوف كان جريحا.
قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)}
روى الترمذي والحاكم وغيرهما عن قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله بعض العرب يقول: قال فلان كذا. وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له فيها سلاح درع وسيف، فعدي عليه من تحت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم: فقال بنو أبيرق: ونحن نسأل في الدار والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد
[لباب النقول: 85]
اخترط سيفه وقال: أنا أسرق والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنا أيها الرجل فما أنت بصاحبها. فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فأتيته فقلت: أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي، فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا، وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سأنظر في ذلك))، فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة، فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت. قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة؟)) فرجعت فأخبرت عمي فقال: الله المستعان، فلم نلبث أن نزل القرآن: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) - بني أبيرق - {واستغفر الله} -أي مما قلت لقتادة إلى قوله: {عظيما} فلما نزل القرآن أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة ولحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد فأنزل الله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} إلى قوله- {ضلالا بعيدا}.
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
وأخرج ابن سعد في الطبقات بسنده عن محمود بن لبيد قال: عدا بشير بن الحارث على علية رفاعة بن زيد عم قتادة بن النعمان فنقبها من ظهرها وأخذ طعاما له ودرعين بأداتهما، فأتى قتادة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فدعا بشيرا فسأله فأنكر ورمى بذلك لبيد بن سهل رجلا من أهل الدار ذا حسب ونسب، فنزل القرآن بتكذيب بشير وبراءة لبيد: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس} الآيات، فلما نزل القرآن في بشير وعثر عليه هرب إلى مكة مرتدا، فنزل على سلافة بنت سعد، فجعل يقع في النبي صلى الله عليه وسلم وفي المسلمين، فنزل فيه: {ومن يشاقق الرسول} الآية، وهجاه حسان بن ثابت حتى رجع وكان ذلك في شهر ربيع سنة أربع من الهجرة.
قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قالت اليهود والنصارى: لا يدخل الجنة
[لباب النقول: 86]
غيرنا، وقالت قريش: إنا لانبعث فأنزل الله: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب}.
وأخرج ابن جرير عن مسروق قال: تفاخر النصارى وأهل الإسلام فقال هؤلاء: نحن أفضل منكم وقال هؤلاء: نحن أفضل منكم فأنزل الله: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب}.
وأخرج نحوه عن قتادة والضحاك والسدي وأبي صالح، ولفظهم تفاخر أهل الأديان. وفي لفظ جلس ناس من اليهود وناس من النصارى وناس من المسلمين فقال هؤلاء: نحن أفضل، وقال هؤلاء: نحن أفضل فنزلت. وأخرج أيضا عن مسروق قال: لما نزلت {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواء، فنزلت هذه الآية: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن}.
قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}
روى البخاري عن عائشة في هذه الآية قالت: هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها قد شركته في مالها حتى في العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في مالها فيعضلها، فنزلت
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي: كان لجابر بنت عم دميمة ولها مال ورثته عن أبيها، وكان جابر يرغب عن نكاحها ولا ينكحها خشية أن يذهب الزوج بمالها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت.
قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}
روى أبو داود والحاكم عن عائشة قالت: فرقت سودة أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسنت فقالت: يومي لعائشة، فأنزل الله: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا} الآية
[لباب النقول: 87]
وروى الترمذي مثله عن ابن عباس.
وأخرج سعيد بن منصور عن المسيب أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره، فأراد طلاقها فقالت: لا تطلقني واقسم لي ما بدا ذلك فأنزل الله: {وإن امرأة خافت} الآية. وله شاهد موصول أخرجه الحاكم من طريق ابن المسيب عن رافع بن خديج.
(ك) أخرج الحاكم عن عائشة قال: نزلت هذه الآية {والصلح خير} في رجل كانت تحته امرأة قد ولدت له أولادا، فأراد أن يستبدل بها فراضته على أن تقر عنده ولا يقسم لها.
(ك) وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاءت امرأة حين نزلت هذه الآية: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا} قالت: إني أريد أن تقسم لي من نفسك، وقد كانت رضيت أن يدعها فلا يطلقها ولا يأتيها، فأنزل الله: {وأحضرت الأنفس الشح}.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: لما نزلت: هذه الآية في النبي صلى الله عليه سلم اختصم إليه رجلان: غني، وفقير وكان صلى الله عليه وسلم مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير.
[لباب النقول: 88]
قوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)}
أخرج هناد بن السري في كتاب الزهد عن مجاهد قال: أنزلت: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} في رجل أضاف رجلا بالمدينة فأساء قراه فتحول عنه فجعل يثني عليه بما أولاه فرخص له أن يثني عليه بما أولاه.
قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153)}
أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: جاء ناس من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن موسى جاءنا بالألواح من عند الله فأتنا بالألواح من عند الله حتى نصدقك فأنزل الله: {يسألك أهل الكتاب} -إلى قوله- {بهتانا عظيما} فجثا رجل من اليهود فقال: ما أنزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى ولا على أحد شيئا، فأنزل الله: {وما قدروا الله حق قدره} الآية.
قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)}
قوله تعالى: {إنا أوحينا إليك الآية}.
(ك) روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال عدي بن زيد: ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء من بعد موسى، فأنزل الله الآية.
قوله تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)}
روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال: دخل جماعة من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ((إني والله أعلم أنكم لتعلمون أني رسول الله))، فقالوا: ما نعلم، فأنزل الله {لكن الله يشهد}.
قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ
[لباب النقول: 89]
مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)}
روى النسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال: اشتكيت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أوصي لأخواتي بالثلث قال: ((أحسن)). قلت: بالشطر قال: ((أحسن)) ثم خرج ثم دخل علي قال: ((لا أراك تموت في وجعك هذا إن الله أنزل وبين ما لأخوتك وهو الثلثان))، فكان جابر يقول: نزلت هذه الآية في {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}
قال الحافظ ابن حجر هذه قصة أخرى لجابر غير التي تقدمت في أول السورة.
(ك) وأخرج ابن مردويه عن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف يورث الكلالة؟ فأنزل الله {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} إلى آخرها.
(تنبيه) إذا تأملت ما أوردناه من أسباب النزول آيات هذه السورة عرفت الرد على من قال بأنها مكية.


الساعة الآن 12:01 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir