مجلس مذاكرة القسم التاسع من تفسير سورة آل عمران
مجلس مذاكرة القسم التاسع من تفسير سورة آل عمران حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:(الآيات 133-152) 1: القراءات في الفعل {قاتل} من قول الله تعالى: {وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربيّون كثير} ومعنى الآية على كل قراءة. 2: معنى {ربيّون} من قوله تعالى: {وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربيّون كثير}. تعليمات الإجابة: تراعى خطوات مهارات بحث وتحرير المسائل التفسيرية وهي كالتالي: أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير. ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها. ثالثا: تخريج الأقوال. رابعا: توجيه الأقوال. خامسا: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها. تعليمات: - دراسة تفسير سورة آل عمران سيكون من خلال مجالس المذاكرة ، وليست مقررة للاختبار. - مجالس المذاكرة تهدف إلى تطبيق مهارات التفسير التي تعلمها الطالب سابقا. - لا يقتصر تفسير السورة على التفاسير الثلاثة الموجودة في المعهد. - يوصى بالاستفادة من التفاسير الموجودة في جمهرة العلوم، وللطالب أن يستزيد من غيرها من التفاسير التي يحتاجها. - تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب. تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة: أ+ = 5 / 5 أ = 4.5 / 5 ب+ = 4.25 / 5 ب = 4 / 5 ج+ = 3.75 / 5 ج = 3.5 / 5 د+ = 3.25 / 5 د = 3 هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة. معايير التقويم: 1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ] 2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص] 3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد] 4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية. 5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض. نشر التقويم: - يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب. - تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها. - نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم. _________________ وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم |
حرّر القول في: معنى {ربيّون} من قوله تعالى: {وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربيّون كثير}. ذكر في معنى ربيون أقوال: الأول: أنهم الجماعات الكثيرة, واختلف في معنى هذه الجماعات الكثيرة إلى أقوال: 1 - الألوف. وهو قول ابن مسعود. وذكره ابن عطية, وابن كثير. 2 - الجموع الكثيرة. وهو قول ابن عباس, وقتادة, وعكرمة, ومجاهد, والربيع, والضحاك, والسدي, وعطاء. وذكره الزجاج, وابن عطية, وابن كثير. الثاني: الفقهاء العلماء. وهو قول الحسن, ورواية عن ابن عباس. وذكره الزجاج, وابن عطية, وابن كثير. الثالث: الأتباع. وهو قول ابن زيد. وذكره ابن عطية, وابن كثير. تخريج الأقوال: قول ابن مسعود أخرجه: - عبد الرزاق في تفسيره, والثوري في تفسيره, وابن جرير في تفسيره, وابن أبي حاتم في تفسيره, والهيثمي في مجمع الزوائد من طرق عن عبد الله بن مسعود: الرّبّيّون: الألوف. قول ابن عباس أخرجه: - سعيد بن منصور في سننه, وابن جرير في تفسيره, وابن أبي حاتم في تفسيره من طرق عن ابن عباس: في قوله: {ربّيّون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ. وقول قتادة أخرجه: - ابن جرير في تفسيره عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ. وقول عكرمة أخرجه: - سعيد بن منصور في سننه, وابن جرير في تفسيره, من طرق عن عكرمة، في قوله: {ربّيّون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ. وقول مجاهد أخرجه: - محمد بن نصر الرملي في جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي, وابن جرير في تفسيره, عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربيون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ وقول الربيع أخرجه: - ابن جرير في تفسيره عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ. وقول الضحاك أخرجه: - ابن جرير في تفسيره عن المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ قتل نبيّهم. وقول السدي أخرجه: - ابن جرير في تفسيره عن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} يقول: جموعٌ كثيرةٌ. وقول عطاء أخرجه: - محمد بن نصر الرملي في جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي عن يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {ربّيّون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ. وقول الحسن أخرجه: - عبد الرزاق في تفسيره, وسعيد بن منصور في سننه, وابن جرير في تفسيره, وابن أبي حاتم في تفسيره من طرق عن الحسن - في قوله عزّ وجلّ: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} -، قال: فقهاء، علماء. رواية ابن عباس أخرجها: - ابن جرير في تفسيره عن سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: علماء كثيرٌ. وقول ابن زيد أخرجه: - ابن جرير في تفسيره عن يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: الرّبّيّون: الأتباع. توجيه الأقوال: - أما القول الأول: فمبناه على نسبة الربيون إلى الربة بكسر الراء, وهي الجموع الكثيرة, أو الألوف, واحدُهُم: رِبِّيٌ؛ نِسبةٌ إلى الرِّبَّةِ, قال ابن عطية: أخذ ذلك من بناء الجمع الكثير في قولهما: هم الألوف وهذا في الربيين أنهم الجماعات الكثيرة هو من الربة بكسر الراء وهي الجماعة الكثيرة، قاله يونس بن حبيب، وقال: إن قوله تعالى: قتل معه ربيون منسوبون إليها، قال قطرب: جماعة العلماء على قول يونس. وقال الزجاج: ربيون، بكسر الراء وضمها، وهم الجماعة الكثيرة. وقال ابن دريد في جمهرة اللغة: وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قلت للأصمعي: الرِّبّة: الْجَمَاعَة من النَّاس فَلم يقل فِيهِ شَيْئا، وأوهمني أَنه تَركه لِأَن فِي الْقُرْآن رِبِّيّونَ، أَي جَماعيّون، منسوبة إِلَى الرِّبّة والرُّبّة والرَّبّة. - أما القول الثاني: فمبناه على نسبة الربيون إلى الرب, قال ابن عطية: إما لأنهم مطيعون له، أو من حيث هم علماء بما شرع، ويقوي هذا القول في قراءة من قرأ «ربيون» بفتح الراء. قال الأزهري: والربانيون: العلماء. وقال سيبويه: زادوا ألفا ونونا في الرباني إذا أرادوا تخصيصا بعلم الرب دون غيره، كأن معناه: صاحب العلم بالرب دون غيره من العلوم. - أما القول الثالث: فمبناه من حيث هم مربوبون, كما ذكر ذلك ابن عطية. الدراسة: اختلف أهل العلم في معنى ربيون إلى عدة أقوال ويرجع هذا الخلاف إلى خلافهم في نسبته إلى أي شيء, أهو منسوب إلى الربة بالكسر فيكون المراد بذلك الجماعات الكثير, أم هو منسوب إلى الرب فيكون المعنى علماء وفقهاء؟ واختار الفراء أنهم الألوف. أما الزجاج فقد جمع بين القولين الأول والثاني وحسنهما فقال: وقيل في تفسير {ربّيّون كثير} أنهم الجماعات الكثيرة. وقال بعضهم: الربوة عشرة آلاف وقيل الربيون العلماء الأتقياء: الصّبر على ما يصيبهم في الله - عزّ وجلّ - وكلا القولين حسن جميل. وذكر ابن جرير أن الخلاف راجع إلى اختلاف النحاة في معنى الربيون فقال: وأمّا الرّبّيّون، فإنّ أهل العربيّة اختلفوا في معناه، فقال بعض نحويّي البصرة: هم الّذين يعبدون الرّبّ، واحدهم ربّيّ. وقال بعض نحويّي الكوفة: لو كانوا منسوبين إلى عبادة الرّبّ لكانوا ربّيّون بفتح الرّاء، ولكنّهم العلماء والألوف. واختار ابن جرير أن المراد بالربيون أنهم الجماعات الكثيرة, فقال: والرّبّيّون عندنا: الجماعات الكثيرة، واحدهم ربّيّ، وهم جماعةٌ. المراجع: - معاني القرآن للفراء. - تفسير عبد الرزاق. - تفسير الثوري. - سنن سعيد بن منصور. - جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي. - معاني القرآن للزجاج. - تفسير ابن جرير. - تفسير ابن أبي حاتم. - تفسير ابن عطية. - تفسير ابن كثير. - مجمع الزوائد للهيثمي. - تهذيب اللغة للأزهري. - جمهرة اللغة لابن دريد. والله أعلم |
تقويم مجلس مذاكرة القسم التاسع من تفسير سورة آل عمران صلاح الدين محمد أ+ أحسنت بارك الله فيك ونفع بك. |
المجلس التاسع
حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين: 1: القراءات في الفعل {قاتل} من قول الله تعالى: {وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربيّون كثير} ومعنى الآية على كل قراءة. بعد الاطلاع ما على جمهرة العلوم، فإنه يمكن القول بأن المسألة تتعلق بعلم القراءات وأسباب النزول، والوقف والابتداء، وإعراب القرآن، وشيء من والسير والمغازي. أولا: ذكر مراجع البحث مرتّبة على مراتب مراجع الأقوال في التفسير. فالمسألة لغوية تفسيرية بيانية ولها تعلق في علوم القرآن مثل: غريب القرآن، وإعراب القرآن، والوقف والابتداء، وأسباب النزول. • المرتبة الأولى: كتب التفسير في دواوين السنة - كتاب تفسير القرآن من جامع عبد الله بن وهب المصري(ت:197هـ). - كتاب التفسير من سنن سعيد بن منصور الخراساني(ت:226هـ). - مسند ابن أبي شيبة (235 هـ) - مسند الإمام أحمد (241 هـ) - كتاب تفسير القرآن من صحيح البخاري(ت:256هـ). - كتاب التفسير من صحيح مسلم(ت:261هـ). - كتاب تفسير القرآن من سنن النسائي (303 هـ) - كتاب التفسير من مستدرك أبي عبد الله الحاكم النيسابوري(ت:405هـ). • المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث - جامع الأصول في أحاديث الرسول لأبي السعادات (606 ه) - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لابن الهيثمي (807 ه) - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر (852 ه) - الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي (911 ه). • المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة - تفسير القرآن العزيز عبد الرزاق الصنعاني (211 ه) - جامع البيان في تأويل آي القرآن لا بن جرير الطبري (310 ه). - تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم الرازي (327 ه) - الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي (427 ه) - معالم التنزيل للبغوي (516). • المرتبة الرابعة: التفاسير المسندة التي طُبع شيء منها - ما طبع من تفسير سفيان الثوري (161 ه) - ما طبع من تفسير عبد بن حميد (249 ه) - ما طبع من كتاب أحكام القرآن لأبي إسحاق الجهضمي (282 ه) - ما طبع من تفسير ابن المنذر (318 ه) - وما كان من تفسير بعض جماعة المحدثين كأمثال: ابن أبي شيبة. • المرتبة الخامسة: أجزاء وصحف تفسيرية مطبوعة، ومنها: - تفسير عطاء بن أبي مسلم الخراساني (135هـ). - تفسير الثوري (161 ه) - تفسير نافع بن أبي نعيم (169هـ). - تفسير مسلم بن خالد الزنجي (179هـ). - تفسير يحيى بن اليمان (188هـ). - تفسير آدم بن أبي إياس العسقلاني (220هـ). - تفسير مجاهد برواية الهمذاني (352 ه). • المرتبة السادسة: التفاسير التي تنقل أقوال السلف في التفسير - الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب القيسي (437هـ) - النكت والعيون للماوري (450هـ). - المحرر الوجيز لابن عطية (542هـ). - زاد المسير لابن الجوزي (597هـ). - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (671هـ). - تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير الدمشقي (774هـ). • المرتبة السابعة: كتب تخريج أحاديث التفسير، ومنها: - الكاف الشاف بتخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر العسقلاني (852هـ). • المرتبة الثامنة: شروح الأحاديث، ومنها: شروح في صحيح البخاري - كابن بطال. - وابن رجب في فتح الباري. - والعيني في عمدة القاري. شرح سنن أبي داود للعيني (855 ه). • وبحسب تصنيف مسألتنا: ** في علم القراءات: - إيضاح الوقف والابتداء لأبي بكر الأنباري (328 ه) - الحجة للقراء السبعة لأبي علي الحسن بن أحمد (377 ه) - المبسوط في القراءات العشر لأبي بكر النيسابوري (381 ه) - حجة القراءت لابن زنجلة (392 ه) - منار الهدى للأشموني. ** في معاني المفردات والأساليب اللغوية: - معاني القرآن للفراء (207 ه). - مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى (210 ه). - معاني القرآن للأخفش الأوسط للبلخي (215 ه) - تأويل مشكل القرآن للدينوري (276 ه). - معاني القرآن وإعرابه للزجاج (311 ه). - معاني القرآن للنحاس (338 ه). ** في غريب القرآن: - تفسير غريب القرآن لابن قتيبة (276 ه). - تهذيب اللغة لأبي منصور الهروي (370 ه) - المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (502 ه). ** في التفسير البياني: - لباب التأويل في معاني التنزيل لعلاء الدين الخازن (741 ه). - البحر المحيط لأبي حيان (754 ه). - الدر المصون للسمين الحلبي (756 ه). - نظم الدرر للبقاعي (885 ه). - تفسير أبي السعود (951 ه). - روح المعاني للألوسي (1270 ه). - التحرير والتنوير لابن عاشور (1393 ه). ** وفي إعراب القرآن: - إعراب القرآن للنحاس (338 ه). ** وفي أسباب النزول: - أسباب النزول للواحدي (468 ه). - العجاب في بيان الأسباب لابن حجر (852 ه). - لباب النقول في بيان أسباب النزول لجلال الدين السيوطي (911 ه). - مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (1423هـ) - الاستيعاب في بيان الأسباب لسليم الهلالي (1425 ه). لا يوجد إلا في كتاب الواحدي. ** بالإضافة لكتب أخرى ظهرت لي أثناء البحث في المكتبة الشاملة، كأمثال: - الجهاد لابن المبارك (181 ه). - مغازي الواقدي (207 ه) - حجج القرآن لأبي الفضائل. قبل القيام ببحث الأقوال في القراءات للفظة "قاتل" نحتاج لفهم معنى الآية بشكل مبدئي. • المعنى الإجمالي للآية: جاءت الآية في سياق الحديث عن غزوة أحد، وما لحق المسلمين من مصاب في إعمال القتل بالصحابة، كما فيها تسلية للمؤمنين، وحث على الاقتداء بالأنبياء، والفعل كفعلهم، وأن هذا أمر قد كان متقدما، لم تزل سنة الله جارية بذلك، فقال: ﴿وكأين من نبي﴾ أي: وكم من نبي ﴿قاتل معه ربيون كثير﴾ أي: جماعات كثيرون من أتباعهم، الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة، فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك. ﴿فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا﴾ أي: ما ضعفت قلوبهم، ولا وهنت أبدانهم، ولا استكانوا، أي: ذلوا لعدوهم، بل صبروا وثبتوا، وشجعوا أنفسهم، ولهذا قال: ﴿والله يحب الصابرين﴾. ذكر الواحدي في أسباب النزول: قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَدْ أُصِيبَ مُحَمَّدٌ فَأَعْطُوهُمْ بِأَيْدِيكُمْ، فَإِنَّمَا هم إخوانكم، وقاد بَعْضُهُمْ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أُصِيبَ ألا ما تَمْضُونَ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ نَبِيُّكُمْ حَتَّى تَلْحَقُوا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إِلَى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا} لِقَتْلِ نَبِيِّهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا}. وقال محقق الكتاب: أخرج معناه ابن جرير (4/72) عن قتادة مرسلاً بإسناد صحيح، وأخرجه كذلك (4/74) عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع مرسلاً نحوه.، وقال محقق آخر: عطية العوفي: ذكره ابن حبان في المجروحين (2/ 176) وقال: لا يحل الاحتجاج به. وذكر أنه كنى الكلبي بأبي سعيد حتى يتوهم الناس أنه أبا سعيد الخدري. ** ولفظ "وكأين" كثر الكلام فيها، ولكنها باختصار: تستخدم في اللغة للتكثير كما ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير. ** ولفظ "ربيون"، جاء فيها عدة معاني، هي: القول الأول: نسبة لعبادة الرب، وهم الذين يعبدون الرب. قاله نحويي البصرة. وقد خالفهم نحويي الكوفة معللين بأن من ينسب إلى عبادة الرب يسمى: رَبي بفتح الراء. وقال ابن عطية: وقد أجمع السبعة وجماعة من الناس على كسر الراء من «ربيون». القول الثاني: العلماء. قاله ابن عباس والحسن ورواه ابن جرير القول الثالث: الألوف، والجماعات الكثيرة، واحدهم "(رِبي). قاله عبد الله بن مسعود وابن عباس وقتادة وعكرمة ومجاهد والربيع والضحاك والسدي وابن إسحاق ورواه ابن جرير. قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أصله من الربّة. وهي الجماعة. يقال للجمع: ربّي كأنه نسب إلى الربّة. ثم يجمع ربّي بالواو والنون. فيقال: ربّيون. القول الرابع: هم الأتباع، والرعية والولاة. قاله ابن زيد ورواه ابن جرير. ثانيا: استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها. للعلماء قولان في القراءات المتواترة الواردة في "قاتل"، هما: القراءة الأولى: "قاتل"، بفتح القاف وبالألف (بصيغة المفاعلة). وهي قراءة الحجاز والكوفة. قرأ بها: ابن عامر، وحمزة، وعاصم، والكسائي، وخلف، وأبو جعفر. ذكره أبو بكر الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء. ورواها سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم. وذكرها الفراء والأخفش والزجاج. القراءة الثانية: "قُتِل"، بضم القاف وكسر التاء (أي بصيغة المبني للمجهول). وهي قراءة الحجاز والبصرة. قرأ بها: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب، وأبو بكر عن عاصم. ورواها ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. وذكرها الفراء والأخفش والزجاج. وقد جاءت فيها قراءة ثالثة شاذة هي: قُتِّلَ، بضم القاف وكسر التاء المشددة بدون ألف. قال ابن عطية: وقرأ قتادة «قتل» بضم القاف وكسر التاء مشددة على التكثير. وإسناد الفعل هنا كما قال أبو الفتح: لا يحسن أن يسند الفعل إلا إلى الربيين، لما فيه من معنى التكثير الذي لا يجوز أن يستعمل في قتل شخص واحد. ثالثا: تخريج الأقوال. أولا: قراءة "قاتل": ** فإن الفعل فيها يسند إلى: 1. النبي صلى الله عليه وسلم. فيكون الوقف التام بعد "وكأين من نبي قاتل"، ثم يستأنف الكلام بقول: "معه ربيون كثير.." الآية. فيكون النبي هو من قاتل. قال أبو بكر الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء: وقف حسن ثم تبتدئ: (معه ربيون) على معنى: «قاتل النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه جموع كثيرة فما ضعفوا لقتل نبيهم ولا استكانوا»، الدليل على هذا قوله (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) وهذا القول حكاه أبو عمرو عن بعض المفسرين. 2. "ربيون" وهم أتباع الأنبياء الذين يقاتلون معهم، فيكون الوقف على "كثير"، ثم يستأنف الكلام بقول: "فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا". فيكون الأتباع هم من قاتلوا. والمعنيان متلازمان، فالأول: قاتل النبي، ومعه جموع من أتباعه تقاتل معه، والثاني: أن الأتباع الجماعات تقاتل مع نبيها، فالمعنى واحد. قال الفراء: ومن قال: قاتل جعل الوهن للمقاتلين. وإنما ذكر هذا لانهم قَالُوا يوم أحد: قتل مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم، ففشلوا، ونافق بعضهم، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، وأنزل: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ. ومن قال بمعنى القراءة الأولى "قاتل" من السلف: عبد الله بن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعوف والحسن، ورواه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم. التخريج: أما قول ابن مسعود: فقد رواه سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق خُصَيف، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، عَنه- فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَأَيِّنْ من نبي قتل معه ربيون كثير} -، يَقُولُ: (قَاتَلَ)، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ في سبيل الله … } الآية أما قول ابن عباس: فقد رواه ابن جرير من طريق معاوية عن علي عنه. أما قول سعيد بن جبير: فقد رواه سعيد بن منصور من طريق خصيف عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا سَمِعْنَا قَطّ أَنَّ نَبِيًّا قُتل فِي الْقِتَالِ. أما قول إبراهيم النخعي: فقد رواه سعيد بن منصور من طريق هشيم عن عوف عن الحسن وعنه أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ: {قَاتَلَ مَعَهُ}. أما قول عوف: ومثل السابق عنه. أما قول الحسن: فقد رواه ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور أنه سأل الحسن عَنْ قَوْلِهِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ قَالَ: قَدْ كَانَتْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ قَاتَلَ مَعَهَا عُلَمَاءُ. ثانيا: قراءة "قُتِل": ** فإن الفعل يسند إلى: 1. النبي، أنه هو من قتل، ومعه ألوف وجماعات تقاتل معه لم يهنوا لقتل نبيهم ولم يضعفوا ويستكينوا لما أصابهم في سبيل الله. فيكون الوقف بعد "وكأين من نبي قتل"، ثم يستأنف بقوله تعالى: "معه ربيون كثير". رواه ابن جرير. والمعنى: كم من نبي قاتل ومعه جموع تقاتل معه، فقتل النبي ولم يهن المقاتلون معه بعد مقتل نبيهم. قال ابن جرير: وأما "الربيون"، فإنهم مرفوعون بقوله: "معه" لا بقوله: "قتل، وفي الكلام إضمار "واو"، لأنها "واو" تدل على معنى حال قَتْل النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه اجتزأ بدلالة ما ذكر من الكلام عليها من ذكرها، وذلك كقول القائل في الكلام: "قتل الأمير معه جيش عظيم"، بمعنى: قتل ومعه جيشٌ عظيم. 2. أن يسند الفعل إلى "ربيون" فيكونون هم المقتولون، فيكون الوقف على "كثير"، والمعنى: وكم من نبي قاتل معه جماعات كثير من الربيين فقتلوا، فما وهن من بقي منهم لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا. قال بهذا القول: ابن عباس، وسعيد بن جبير، والضحاك، وقتادة، والسدي، والربيع، وابن إسحاق. واختاره ابن جرير ورواه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنهدي في نقله لتفسير الثوري. التخريج: أما قول ابن عباس: - فقد رواه ابن المنذر من طريق سعيد بن جبير عنه أنه قال: "فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله" أي لقتل أنبيائهم. - ورواه ابن أبي حاتم من طريق هارون عن عنترة عن أبيه عنه به. - ورواه النهدي في نقله لتفسير سفيان الثوري: عن سفيان في قراءة ابن عباس: وما كان النبي أن يغل، قال: بلى ويقتل. أما قول سعيد بن جبير: فقد رواه ابن المنذر أن خصيفا قال لسعيد بن جبير: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ يَقُول يخان، قَالَ: بل يغل ويقتل أَيْضًا ". أما قول الضحاك: - فقد رواه ابن جرير من طريق عبيد بن سليمان أنه قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"قتل معه ربيون كثير" يعني الجموع الكثيرة، قتل نبيهم. - ورواه ابن جرير من طريق أبو زهير، عن جويبر، عنه في قوله:"وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير"، يقول: جموع كثيرة، قُتل نبيهم. - ورواه ابن المنذر من طريق وهب بْن جرير، عن أبيه، عَنْ علي بْن الحكم، عَنْه أنه قال: {رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قَالَ " فالربيون: الجموع، قتل نبيهم فِي قتالهم، فلم يهنوا لذلك، ولم يضعفوا لإيمانهم ". أما قول قتادة: فقد رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد عنه أنه قال: فِي قوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا} يقول: " مَا عجزوا وَمَا تضعضعوا لقتل نبيهم ". أما قول السدي: فقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أحمد بن مفضل عن أسباط عنه أنه قال: قَوْلَهُ: فَمَا وَهَنُوا قَالَ: فَمَا وَهَنَ الرِّبِّيُّونَ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ النَّبِيِّ. أما قول الربيع: فقد رواه ابن جرير من طريق ابن أبي جعفر، عن أبيه، عنه أنه قال: "قتل معه ربيون كثير" يقول: جموع كثيرة. أما قول ابن إسحاق: - فقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سلمة عنه أنه قال في قوله: "وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير" قال: وكأين من نبي أصابه القتل، ومعه جماعات. - ورواه ابن المنذر من طريق أحمد عن إبراهيم بن سعد عنه أنه قال: {فَمَا وَهَنُوا} لفقد نبيهم. رابعا: توجيه الأقوال. على القراءة الأولى "قاتل": ** قال ابن جرير: فأما من قرأ (قَاتَلَ)، فإنه اختار ذلك، لأنه قال: لو قُتلوا لم يكن لقوله: "فما وهنوا"، وجه معروف. لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يَهِنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا. ** قال أبو عبيد: قال أبو عبيد: إن الله تعالى إذا حمد من قاتل كان من قُتل داخلًا فيه، وإذا حمد من قُتل خاصة لم يدخل فيه غيرهم، فقاتل أعم. ذكره الثعلبي. ** قال ابن زنجلة في حجة القراءات: وحجتهم قَوْله {فَمَا وهنوا} قَالُوا لأَنهم لَو قتلوا لم يكن لقَوْله {فَمَا وهنوا} وَجه مَعْرُوف لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يوصفوا بِأَنَّهُم لم يهنوا بَعْدَمَا قتلوا وَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول {قَاتل} أَلا ترى ** قال الزجاج: فمن قرأ قاتل المعنى إنهم قاتلوا وما وهنوا في قتالهم. ** وذكر محقق كتاب سنن سعيد بن منصور فيما يتعلق بحديث ابن مسعود: سنده ضعيف جدًّا، خصيف تقدم في الحديث [204] أنه صدوق سيء الحفظ، وعتّاب بن بشير لا بأس به إلا في روايته عن خصيف فإنها منكرة، وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود تقدم في الحديث [4] أنه لا يصح سماعه من أبيه، وزياد بن أبي مريم لم يذكروا أنه سمع من ابن مسعود، وقد قال أبو حاتم: ((لم يدخل على أبي موسى الأشعري قط)) كما في "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص61 رقم 217) ، مع أن أبا موسى توفي بعد ابن مسعود بزمن، فابن مسعود كانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين للهجرة، وأما أبو موسى فقيل إن وفاته كانت سنة اثنتين وأربعين، وقيل سنة أربع وأربعين، وقيل سنة خمسين، وقيل: إحدى وخمسين. انظر "التهذيب" (5 / 363)، و (6 / 28). فالحديث منقطع، بين زياد وأبي عبيدة وبين ابن مسعود. ** وقول سعيد بن جبير، فقد قال عنه محقق كتاب سنن سعيد بن منصور: سنده ضعيف؛ فخصيف صدوق سيء الحفظ، وعتّاب لا بأس به إلا في روايته عن خصيف، فإنها منكرة. ** أما الأثر عن إبراهيم النخعي والحسن البصري فحسن سنده محقق كتاب سعيد بن منصور. ** وعلق محمود شاكر محقق تفسير ابن جرير على قول ابن عباس عن معاوية: في هذا الموضع من الآثار التالية، كتب "قاتل معه"، وسائرها "قتل"، كالقراءة التي اختارها أبو جعفر، فتركت قراءة أبي جعفر كما هي في هذه الآثار، وإن خالفت القراءة التي عليها مصحفنا وقراءتنا في مصر وغيرها. وذلك لأن معاني الآثار كلها مطابقة لقراءتها "قتل" بالبناء للمجهول. على القراءة الثانية "قتل": ** قال ابن جرير: وأما الذين قرأوا ذلك: (قُتِلَ)، فإنهم قالوا: إنما عنى بالقتل النبيَّ وبعضَ من معه من الربيين دون جميعهم، وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقى من الربيين ممن لم يقتل. ** قال ابن زنجلة في حجة القراءات: والمعنى على هذه القراءة، أَي وَكم من نَبِي قتل قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَمَعَهُ ربيون كثير وحجتهم أَن ذَلِك أنزل معاتبة لمن أدبر عَن الْقِتَال يَوْم أحد إِذْ صَاح الصائح قتل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ فَلَمَّا تراجعوا كَانَ اعتذارهم أَن قَالُوا سمعنَا قتل مُحَمَّد فَأنْزل الله {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم} ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك وكأين من نَبِي قتل مَعَه ربيون كثير أَي جموع كثير فَمَا تضعضع الجموع وَمَا وهنوا لَكِن قَاتلُوا وصبروا فَكَذَلِك أَنْتُم كَانَ يجب عَلَيْكُم أَلا تهنوا لَو قتل نَبِيكُم فَكيف وَلم يقتل. ** قال الفراء: فمن أراد قتل جعل قوله: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ للباقين. ** قال أبو بكر الأنباري: وقال قوم: «الربيون» مرفوعون بـ (قتل)، و «القتل» واقع بهم كأنه قال: «قتل بعضهم فما وهن الباقون لقتل من قتل منهم ولا ضعفوا ولا استكانوا» وهذا معروف في كلام العرب أن يقولوا «قتل بنو فلان» وإنما قتل بعضهم. و «جاءتك تميم» وإنما جاءك بعضهم. وقال الشماخ: وجاءت سليم قضها بقضيضها … تمسح حولي بالبقيع سبالها فمعنى قوله: «قضها بقضيضها» كلها، ومحال أن يكونوا جاءوا كلهم لأنهم متفرقون في أقطار الأرض، فعلى هذا المذهب لا يتم الكلام على (قتل) لأن «الربيين» مرفوعون به. ** قال الأخفش في معاني القرآن: يجعل النبيّ هو الذي قُتِلَ وهو أحسنُ الوَجهين لأَنَّه قد قال {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} وقال بعضهم {قَاتَلَ مَعَهُ} وهي أكثر وبها نقرأ. لأَنَّهم كانوا يجعلون {قُتِلَ} على {رِبِّيُّون} . ونقول: "فكيف نقول "فكيف نقول {فَمَا وَهَنُواْ} وقد قلنا انهم قد قتلوا فانه كما ذكرت لك أن القتل على النبي صلى الله عليه. ** قال الزجاج: ومن قرأ قُتِل، فالأجود أن يكون (قُتِلَ) للنبي عليه السلام المعنى. وكأين من نبي قتل ومعه ربيون فما وهنوا بعد قتله، لأن هولاءِ الذين وهنوا كانوا توهموا أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل، فأعلم الله - عزَّ وجلَّ - أن الربانيين بعد قتل نبيهم ما وهنوا. وجائز أن يكون (قُتِلَ) للربانيين، ويكون (فما وهنوا) أي ما وهن من بقي منهم. ** قال الأشموني في منار الهدى: فمن قرأ: «قتل» بغير ألف مبنيًّا للمفعول بإسناد القتل للنبي فقط عملًا بما شاع يوم أُحد: ألا إنَّ محمدًا قد قتل؛ فالقتل واقع على النبي فقط، كأنه قال: كم من نبي قُتِل ومعه ربيون كثير، فحذف الواو، كما تقول: جئت مع زيد، بمعنى: ومعي زيد، أي: قُتِل ومعه جموع كثيرة فما وهنوا بعد قتله، هذا بيان هذا الوقف، ثم يبتدئ: «معه ربيون كثير»، فـ «ربيون» مبتدأ ومعه الخبر، فما وهنوا لقتل نبيهم، ولو وصله لكان ربيون مقتولين أيضًا، فقتل خبر لـ «كأيٍّ» التي بمعنى: كم، و «من نبي» تمييزها. خامسا: دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها. قال ابن جرير: وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب، قراءة من قرأ بضم"القاف": (" قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُونَ كَثِيرٌ ") ، لأن الله عز وجل إنما عاتب بهذه الآية والآيات التي قبلها = من قوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ) الذين انهزموا يوم أحُد، وتركوا القتال، أو سمعوا الصائح يصيح:"إن محمدًا قد قتل". فعذلهم الله عز وجل على فرارهم وتركهم القتال فقال: أفائن مات محمد أو قتل، أيها المؤمنون، ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم؟ ثم أخبرهم عما كان من فعل كثير من أتباع الأنبياء قبلهم، وقال لهم: هلا فعلتم كما كان أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم = من المضي على منهاج نبيهم، والقتال على دينه أعداءَ دين الله، على نحو ما كانوا يقاتلون مع نبيهم = ولم تهنوا ولم تضعفوا، كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم، ولكنهم صَبروا لأعدائهم حتى حكم الله بينهم وبينهم؟ وبذلك من التأويل جاء تأويل المتأوِّلين. وأما من احتج بجواز قتل الأنبياء، فقد ذكر أبو الفضائل في حجج القرآن: [وَذَلِكَ فِي عشرَة مَوَاضِع فِي الْبَقَرَة (ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق وفيهَا (قل فَلم تقتلون أَنْبيَاء الله من قبل إِن كُنْتُم مُؤمنين) وَفِي آل عمرَان (وكأين من نَبِي قَاتل مَعَه ربيون كثير وفيهَا (وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم) وَفِي الْبَقَرَة (أفكلما جَاءَكُم رَسُول بِمَا لَا تهوى أَنفسكُم استكبرتم ففريقا كَذبْتُمْ وفريقا تقتلون) وَفِي آل عمرَان (ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق) وفيهَا (سنكتب مَا قَالُوا وقتلهم الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق وفيهَا (قل قد جَاءَكُم رسل من قبلي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلم قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنْتُم صَادِقين) وَفِي النِّسَاء (فبمَا نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيَات الله وقتلهم الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق وَفِي الْمَائِدَة (كلما جَاءَهُم رَسُول بِمَا لَا تهوى أنفسهم فريقا كذبُوا وفريقا يقتلُون)]. وأنه يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم فقال: وَذَلِكَ فِي خَمْسَة أَشْيَاء الْعَمى وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فِي يُوسُف قَوْله (وابيضت عَيناهُ من الْحزن فَهُوَ كظيم وفيهَا (فألقوه على وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا وفيهَا (فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير أَلْقَاهُ على وَجهه فَارْتَد بَصيرًا وَمن ذَلِك الْبكاء والحزن أَرْبَعِينَ سنة لغير الله وَمن ذَلِك طلب الْملك وَالْولَايَة فِي ص (قَالَ رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب وَفِي يُوسُف (قَالَ اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض إِنِّي حفيظ عليم) وَمن ذَلِك الِاسْتِعَانَة بِغَيْر الله فِي الْقَصَص (فَأرْسلهُ معي ردْءًا يصدقني وَفِي الصَّفّ (من أَنْصَارِي إِلَى الله وَفِي يُوسُف (اذْكُرْنِي عِنْد رَبك وَمن ذَلِك مدح النَّفس فِي يُوسُف (إِنِّي حفيظ عليم) وفيهَا (أَلا ترَوْنَ أَنِّي أوفي الْكَيْل وَأَنا خير المنزلين وَمن ذَلِك الحذر من الْعين) فِي يُوسُف (يَا بني لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد وادخلوا من أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قال الشنقيطي: وأغلب معاني الغلبة في القرآن الغلبة بالسيف والسنان كقوله : إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا [ 8 \ 65 ] ، وقوله : فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين ، وقوله : الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين [ 30 \ 40 ] ، وقوله : كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة [ 2 \ 249 ] ، وقوله : قل للذين كفروا ستغلبون [ 3 \ 12 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . [ ص: 211 ] وبين تعالى أن المقتول ليس بغالب بل هو قسم مقابل للغالب بقوله : ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب [ 4 \ 74 ] ، فاتضح من هذه الآيات أن القتل ليس واقعا على النبي المقاتل ; لأن الله كتب وقضى له في أزله أنه غالب ، وصرح بأن المقتول غير غالب . وقد حقق العلماء أن غلبة الأنبياء على قسمين : غلبة بالحجة والبيان ، وهي ثابتة لجميعهم ، وغلبة بالسيف والسنان ، وهي ثابتة لخصوص الذين أمروا منهم بالقتال في سبيل الله ; لأن من لم يؤمر بالقتال ليس بغالب ولا مغلوب ; لأنه لم يغالب في شيء وتصريحه تعالى ، بأنه كتب إن رسله غالبون شامل لغلبتهم من غالبهم بالسيف ، كما بينا أن ذلك هو معنى الغلبة في القرآن ، وشامل أيضا لغلبتهم بالحجة والبيان ، فهو مبين أن نصر الرسل المذكور في قوله : إنا لننصر رسلنا الآية [ 40 \ 51 ] ، وفي قوله : ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون [ 37 \ 171 \ 172 ] ، أنه نصر غلبة بالسيف والسنان للذين أمروا منهم بالجهاد ; لأن الغلبة التي بين أنها كتبها لهم أخص من مطلق النصر ; لأنها نصر خاص ، والغلبة لغة القهر والنصر لغة إعانة المظلوم ، فيجب بيان هذا الأعم بذلك الأخص . وقال الشنقيطي في تفسيره: وبهذا تعلم أن ما قاله الإمام الكبير ابن جرير - رحمه الله - ومن تبعه في تفسير قوله : إنا لننصر الآية ، من أنه لا مانع من قتل الرسول المأمور بالجهاد ، وأن نصره المنصوص في الآية ، حينئذ يحمل على أحد أمرين : أحدهما : أن الله ينصره بعد الموت ، بأن يسلط على من قتله من ينتقم منه ، كما فعل بالذين قتلوا يحيى وزكرياء وشعيا من تسليط بختنصر عليهم ، ونحو ذلك . الثاني : حمل الرسل في قوله : إنا لننصر رسلنا على خصوص نبينا - صلى الله عليه وسلم - وحده ، أنه لا يجوز حمل القرآن عليه لأمرين : أحدهما : أنه خروج بكتاب الله عن ظاهره المتبادر منه بغير دليل من كتاب ، ولا سنة ولا إجماع ، والحكم بأن المقتول من المتقاتلين هو المنصور بعيد جدا ، غير معروف في لسان العرب ، فحمل القرآن عليه بلا دليل غلط ظاهر ، وكذلك حمل الرسل على نبينا وحده - صلى الله عليه وسلم - فهو بعيد جدا أيضا ، والآيات الدالة على عموم الوعد بالنصر لجميع الرسل كثيرة ، لا نزاع فيها . الثاني : أن الله لم يقتصر في كتابه على مطلق النصر الذي هو في اللغة إعانة المظلوم ، بل صرح بأن ذلك النصر المذكور للرسل نصر غلبة بقوله : كتب الله لأغلبن أنا ورسلي الآية ، وقد رأيت معنى الغلبة في القرآن ومر عليك أن الله جعل المقتول قسما مقابلا للغالب في قوله : ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب ، وصرح تعالى بأن ما وعد به رسله لا يمكن تبديله بقوله جل وعلا : ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين [ 6 \ 34 ] ، ولا شك أن قوله تعالى : كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [ 21 ] ، من كلماته التي صرح بأنها لا مبدل لها وقد نفى جل وعلا عن المنصور أن يكون مغلوبا نفيا باتا بقوله : إن ينصركم الله فلا غالب لكم [ 3 \ 160 ] ، وذكر مقاتل أن سبب نزول قوله تعالى : كتب الله لأغلبن الآية [ 58 \ 21 ] أن بعض الناس قال : أيظن محمد وأصحابه أن يغلبوا الروم وفارس ، كما غلبوا العرب زاعما أن الروم وفارس لا يغلبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لكثرتهم ، وقوتهم فأنزل الله الآية ، وهو يدل على أن الغلبة المذكورة فيها غلبة بالسيف والسنان ; لأن صورة السبب لا يمكن إخراجها ، ويدل له قوله قبله : أولئك في الأذلين [ 58 \ 20 ] ، وقوله بعده : إن الله قوي عزيز . وإنه ليستشهد للبيان بالقراءة السبعية بقراءة شاذة ، فيشهد للبيان الذي بينا به ، أن نائب الفاعل ربيون ، وأن بعض القراء غير السبعة قرأ قتل معه ربيون بالتشديد ; لأن التكثير المدلول عليه بالتشديد يقتضي أن القتل واقع على الربيين . ولهذه القراءة رجح الزمخشري ، والبيضاوي ، وابن جني ; أن نائب الفاعل ربيون ، ومال إلى ذلك الألوسي في " تفسيره " مبينا أن دعوى كون التشديد لا ينافي وقوع القتل على النبي ; لأن : كأين إخبار بعدد كثير أي : كثير من أفراد النبي قتل خلاف الظاهر ، وهو كما قال ، فإن قيل : قد عرفنا أن نائب الفاعل المذكور محتمل لأمرين ، وقد ادعيتم أن القرآن دل على أنه ربيون لا ضمير النبي لتصريحه بأن الرسل غالبون ، والمقتول غير غالب ، ونحن نقول دل القرآن في آيات أخر ، على أن نائب الفاعل ضمير النبي ، لتصريحه في آيات كثيرة بقتل بعض الرسل كقوله : ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون [ 2 \ 87 ] ، وقوله : قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم [ ص: 213 ] الآية [ 3 \ 183 ] ، فما وجه ترجيح ما استدللتم به على أن النائب ربيون ، على ما استدللنا به على أن النائب ضمير النبي فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول : أن ما استدللنا به أخص مما استدللتم به ، والأخص مقدم على الأعم ، ولا يتعارض عام وخاص ، كما تقرر في الأصول ، وإيضاحه أن دليلنا في خصوص نبي أمر بالمغالبة في شيء ، فنحن نجزم بأنه غالب فيه تصديقا لربنا في قوله : كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ، سواء أكانت تلك المغالبة في الحجة والبيان ، أم بالسيف والسنان ، ودليلكم فيما هو أعم من هذا ; لأن الآيات التي دلت على قتل بعض الرسل ، لم تدل على أنه في خصوص جهاد ، بل ظاهرها أنه في غير جهاد ، كما يوضحه . الوجه الثاني : وهو أن جميع الآيات الدالة على أن بعض الرسل قتلهم أعداء الله كلها في قتل بني إسرائيل أنبياءهم ، في غير جهاد ، ومقاتلة إلا موضع النزاع وحده . الوجه الثالث : أن ما رجحناه من أن نائب الفاعل ربيون ، تتفق عليه آيات القرآن اتفاقا واضحا ، لا لبس فيه على مقتضى اللسان العربي في أفصح لغاته ، ولم تتصادم منه آيتان ، حيث حملنا الرسول المقتول على الذي لم يؤمر بالجهاد ، فقتله إذن لا إشكال فيه ، ولا يؤدي إلى معارضة آية واحدة من كتاب الله ; لأن الله حكم للرسل بالغلبة ، والغلبة لا تكون إلا مع مغالبة ، وهذا لم يؤمر بالمغالبة في شيء ، ولو أمر بها في شيء لغلب فيه ، ولو قلنا بأن نائب الفاعل ضمير النبي لصار المعنى أن كثيرا من الأنبياء المقاتلين قتلوا في ميدان الحرب ، كما تدل عليه صيغة وكأين المميزة بقوله : من نبي ، وقتل الأعداء هذا العدد الكثير من الأنبياء المقاتلين في ميدان الحرب مناقض مناقضة صريحة لقوله : كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ، وقد عرفت معنى الغلبة في القرآن ، وعرفت أنه تعالى بين أن المقتول غير الغالب كما تقدم ، وهذا الكتاب العزيز ما أنزل ليضرب بعضه بعضا ، ولكن أنزل ; ليصدق بعضه بعضا ، فاتضح أن القرآن دل دلالة واضحة على أن نائب الفاعل ربيون ، وأنه لم يقتل رسول في جهاد ، كما جزم به الحسن البصري وسعيد بن جبير ، والزجاج ، والفراء ، وغير واحد ، وقصدنا في هذا الكتاب البيان بالقرآن ، لا بأقوال العلماء ، ولذا لم ننقل أقوال من رجح ما ذكرنا . وما رجح به بعض العلماء كون نائب الفاعل ضمير النبي من أن سبب النزول يدل على ذلك ; لأن سبب نزولها أن الصائح صاح قتل محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن قوله : أفإن مات أو قتل [ ص: 214 ] [ 3 \ 144 ] ، يدل على ذلك وأن قوله : فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله [ 3 \ 146 ] ، يدل على أن الربيين لم يقتلوا ; لأنهم لو قتلوا لما قال عنهم : فما وهنوا لما أصابهم الآية ، فهو كلام كله ساقط وترجيحات لا معول عليها فالترجيح بسبب النزول فيه أن سبب النزول لو كان يقتضي تعيين ذكر قتل النبي لكانت قراءة الجمهور قاتل بصيغة الماضي من المفاعلة جارية على خلاف المتعين وهو ظاهر السقوط كما ترى والترجيح بقوله : أفإن مات أو قتل ، ظاهر السقوط ; لأنهما معلقان بأداة الشرط والمعلق بها لا بدل على وقوع نسبة أصلا لا إيجابا ، لا سلبا حتى يرجح بها غيرها . وإذا نظرنا إلى الواقع في نفس الأمر وجدنا نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت لم يقتل ، ولم يمت والترجيح بقوله : فما وهنوا ، سقوطه كالشمس في رابعة النهار وأعظم دليل قطعي على سقوطه قراءة حمزة والكسائي : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم [ 2 \ 191 ] ، كل الأفعال من القتل لا من القتال ، وهذه القراءة السبعية المتواترة فيها . فإن قتلوكم بلا ألف بعد القاف فعل ماض من القتل فاقتلوهم أفتقولون هذا لا يصح ; لأن المقتول لا يمكن أن يؤمر بقتل قاتله . بل المعنى قتلوا بعضكم وهو معنى مشهور في اللغة العربية يقولون : قتلونا وقتلناهم ، يعنون وقوع القتل على البعض كما لا يخفى . وعليه: فالقراءة الأولى تؤيدها النصوص الصحيحة الصريحة، وهي أعم من القراءة الثانية بل هي داخلة فيها، وإن ثبت أن تحقق النصر للأنبياء السابقين وأتباعهم قد يحصل بموت النبي ويكون النصر بنصرة الدين، عندها، يكون القول بأن كلا المعنيين مقبولين، دون ترجح أحد القولين على الآخر، مع قوة القول بمعنى القراءة الأولى وعمومه واشتماله على معنى القراءة الثانية. والله أعلم. |
تابع التقويم
إيمان جلال أ+ أحسنت بارك الله ونفع بك. |
تحرير معنى {ربيّون} من قوله تعالى: {وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربيّون كثير} فاللهم ارزقنا حسن القصد وحسن العمل، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين.قال الله عز وجل: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) ) جاءت هذه الآية في سياق عتاب الله عز وجل للصحابة رضوان الله عليهم، على ما بدر منهم في غزوة أحد، وتسلية لهم على ما مسهم من قرح، وذلك ببيان سنة الله في الأمم التي قد خلت من قبل، لنتأسى بهم، ونصبر على مراد الله عز وجل، ونواصل المجاهدة بلا فتور أو ضعف أو عجز أو مذلة لأعداء الله عز وجل. وقوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير}، يحتمل عدة معاني بحسب الاختلاف في القراءة والاختلاف في الوقف والابتداء، والإعراب، وهذه المعاني تتوافق ولا تتعارض: الأول: على قراءة {قاتل}، فيكون الفاعل {ربيون}، ويكون المعنى أن الربيين قاتلوا مع نبيهم وصبروا ولم يعجزوا أو يفتروا. الثاني: على قراءة {قُتل}، وهذه القراءة تحتمل معنيين بحسب الخلاف في الوقف والابتداء: أولا: الوقف على {قُتل}؛ فيكون المعنى أن النبي قُتل، وواصل الربيون من بعده القتال والمجاهدة ولم يفتروا بموته، و{ربيون} على هذا القول مبتدأ. ثانيًا: الوقف على {كثير}؛ فيكون المعنى أن النبي قُتل معه ربيون كثير؛ فالقتل وقع على بعضهم، ومن تبقى منهم لم يفتروا بل واصلوا المجاهدة. وكل هذه المعاني تحث على المجاهدة والصبر والثبات مهما اشتد بهم البأس وأن هذه سنة الأمم من قبلنا، فالله المستعان. فما معنى {ربيون} الذين أمرنا الله عز وجل أن نتأسى بهم؟ هذه الكلمة تحتمل عدة معان لاحتمال اشتقاقها من كلمتين: الاحتمال الأول: اشتقاقها من الرّبة، بمعنى الجماعة، وهو قول الفراء وأبي عبيدة وابن قتيبة ومكي بن أبي طالب القيسي. فيكون معنى الربيين على هذا القول: الجماعات الكثيرة، وقيل ألوف كثيرة، وهو قول عبد الله بن مسعود ورواية عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وقول قتادة وعكرمة ومجاهد والضحاك والربيع والسدي ورواية عن الحسن. - قال عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: ألوفٌ". رواه سفيان الثوري في تفسيره وعبد الرزاق وابن جرير من طرق وابن أبي حاتم والطبراني، وقال الهيثمي: "رواه الطّبرانيّ، وفيه عاصم ابن بهدلة وثّقه النّسائيّ وغيره، وضعّفه جماعةٌ". وبهدلة يُكنى بأبي النجود. - قال محمد بن زياد اليشكري عن ميمون بن مهران أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس رضي الله عنهما فقال: (فأخبرني عن قول الله تعالى: {قاتل معه ربيون كثير} [آل عمران: 146] ما الربيون؟ قال: الجموع الكثيرة. قال فيه حسان بن ثابت: وإذا معشر تجافوا عن الحقـ … ق حملنا عليهم ربيا". رواه ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء. - قال هشيمٌ، قال: أخبرنا عوفٌ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ربّيّون كثيرٌ} قال: "جموعٌ كثيرةٌ"، رواه سعيد بن منصور في سننه وابن جرير. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم نحوه عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة عنه. - قال معمر عن قتادة: "جموع كثير". رواه عبد الرزاق وابن جرير. وروى ابن جرير من طريق سعيد عن قتادة نحوه. - قال سفيان بن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة، قال: "الجموع الكثيرة". رواه سعيد بن منصور وابن جرير. - قال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "جموعٌ كثيرةٌ". رواه مسلم بن خالد الزنجي وابن جرير. - قال هشيمٌ، قال: نا أبو إسحاق، عن الضّحّاك بن مزاحم - في قوله عزّ وجلّ: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} -، قال: "الرّبة الواحدة ألف". رواه سعيد بن منصور. وروى ابن جرير نحوه عن الضحاك من طريق جويبر عنه، ومن طريق عبيد بن سليمان عنه. - قال ابن جرير: حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: "جموعٌ كثيرةٌ". - قال إسماعيل ابن علية عن أبي رجاء عن الحسن في قوله: وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: "الجموع الكثيرة". - قال أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} يقول: "جموعٌ كثيرةٌ". رواه ابن جرير. - قال ابن جرير: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: وكأيّن من نبيٍّ أصابه القتل، ومعه جماعاتٌ. الاحتمال الثاني: اشتقاق ربيون من الرب، وكان الأصل فتح الراء، لكنها كُسرت من تغيير النسب وهو معروف عند العرب. وقال بهذا القول الأخفش الأوسط وعبد الله بن يحيى بن المبارك اليزيدي والراغب الأصفهاني، ونسبه أبو منصور الأزهري لسيبويه في تهذيب اللغة. قال أبو منصور الأزهري: "وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: زادوا ألفا ونُوناً فِي الرّبّاني إِذا أَرَادوا تَخْصيصاً بِعلْم الرّبّ دون غَيْره، كأنّ مَعْنَاهُ: صاحبُ العِلْم بالرّبّ دون غَيره من العُلوم. قَالَ: وَهَذَا كَمَا قَالُوا: رَجُل شَعْرانيّ، ولِحْيانيّ، ورَقَبانيّ، إِذا خُصّ بكَثرة الشّعر، وطُول اللِّحْية، وغِلظ الرّقبة. وَإِذا نَسَبوا إِلَى (الشّعْر) قَالُوا: شَعْري، وَإِلَى الرّقبة قَالُوا: رَقَبيّ. والرِّبِّي؛ مَنْسوب إِلَى الرّبّ، والرّبّاني، المَوْصوف بعِلْم الرّبّ". اهـ. وعلى هذا القول وردت عدة أقوال عن السلف: الأول: علماء: - قال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: "علماء كثيرٌ". رواه ابن جرير. - قال معمر عن الحسن: "علماء كثير". رواه عبد الرزاق وابن أبي حاتم. - قال هشيم عن عوف عن الحسن: "علماء فقهاء". رواه سعيد بن منصور وابن جرير. - وفي رواية أخرى عن الحسن: "علماء صبر" رواه ابن أبي حاتم عن جعفر بن نضرٍ الواسطيّ، ثنا أبو قطنٍ، عن أبي الأشهب، عن الحسن به. وكونهم يعبدون الله عز وجل عن علم، من لازم انتسابهم للرب عز وجل، فمن يعبد الله عن جهل من الضالين. الثاني: أبرار أتقياء صبر: قال ابن أبي حاتم: حدّثني أبي، ثنا أبو عمر الحوضيّ، ثنا مباركٌ، عن الحسن وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: "أبرارٌ أتقياء صبرٌ". والتقوى والصبر من أمثلة عبادة الله عز وجل. الثالث: أتباع الأنبياء، وهو قول ابن زيد. قال ابن جرير: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: "الرّبّيّون: الأتباع، والرّبّانيّون: الولاة، والرّبّيّون: الرّعيّة، وبهذا عاتبهم اللّه حين انهزموا عنه، حين صاح الشّيطان إنّ محمّدًا قد قتل، قال: كانت الهزيمة عند صياحه في سببةٍ صاح: أيّها النّاس إنّ محمّدًا رسول اللّه قد قتل، فارجعوا إلى عشائركم يؤمّنوكم" واتباع الأنبياء من لازم انتسابهم للرب عز وجل. الدراسة: كلمة (ربيون) يحتمل اشتقاقها من الرّبة وهي الجماعة، ومن الرَّب فيكون بمعنى الذين يعبدون الرب عز وجل مخلصين له في ذلك، وممن ذكر جواز نسبتها لكلا المعنيين الزجاج في معاني القرآن وأبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة. قال الزجاج: (وقيل في تفسير {ربّيّون كثير} أنهم الجماعات الكثيرة. وقال بعضهم: الربوة عشرة آلاف وقيل الربيون العلماء الأتقياء: الصّبر على ما يصيبهم في الله - عزّ وجلّ - وكلا القولين حسن جميل). اهـ. فتبين بهذا أنهم يحملون صفات القوة؛ المادية بكثرة العدد، والمعنوية بأنهم عباد لله عز وجل مخلصين له في ذلك، عن علم وليس عن جهل، وهو من لازم انتسابهم للرب عز وجل؛ فهم يتبعون الأنبياء والعلماء الربانيين، كما أنهم يتحلون بالصبر والتقوى وهي من أمثلة العبادة. ومع كثرة عددهم، لكن لم يفتروا حتى وإن قُتل منهم عدد كثير، أو قُتل نبيهم، لأن ما معهم من هذه الصفات المعنوية يحملهم على الصبر والثبات؛ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، لهذا كان دعاؤهم مع اشتداد البأس كما قال الله عز وجل: {وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} |
تابع التقويم
صفية الشقيفي أ+ أحسنت أحسن الله إليك. - نقول: عدة معانٍ، ولا نقول: عدة معاني. - على قراءة "قاتل"، يجوز أن يكون الفاعل هو النبي، وأن يكون الفاعل هو الربيون. وعلى كلٍ فاختلاف القراءات في الفعل والوقف في الآية ليس له تأثير على معنى اللفظة محل البحث. ولكن رويت قراءات في "ربيون" تفيد في توجيه المعنى. |
الأقوال في مَعْنى الرِّبِّيِّينَ خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُمُ الأُلُوفُ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ و الضحاك، واخْتارَهُ الفَرّاءُ. والثّانِي الجَماعاتُ الكَثِيرَةُ، قاله ابْنِ عَبّاسٍ، و مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، والرَّبِيعُ. والثّالِثُ: أنَّهُمُ الفُقَهاءُ والعُلَماءُ، رَواهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ. والرّابِعُ: أنَّهُمُ الأتْباعُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والخامِسُ: أنَّهُمُ المُتَألِّهُونَ العارِفُونَ بِاللَّهِ تَعالى، قالَهُ الأخفش و ابْنُ فارِس كما ذكر ابن الجوزي و ابن تيمية، ونسبه ابن جرير لبعض نحوي البصرة. • تخريج الأقوال مع ما تيسر مما قيل فيهم من الصنعة الحديثية: القول الأول: أنَّهُمُ الأُلُوفُ جمع ألف، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، ، ابْنُ عَبّاسٍ ، و الضحاك، عطاء الخرساني، واخْتارَهُ الفَرّاءُ. o قول ابن مسعود: o رواه ابن عيينة ( كما ذكر عبد الرزاق في تفسيره)، و الثوري، و ابن حميد، و ابن جرير، و ابن أبي حاتم، و ابن المنذر في تفاسيرهم، و الطبراني في المعجم الكبير، من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه به. o و رواه الفريابي عنه في تفسيره كما ذكر السيوطي في الدر المنثور o قال الهَيْثَميُّ في مجمع الزوائد؛ رواه الطّبرانيّ، وفيه عاصم ابن بهدلة وثّقه النّسائيّ وغيره، وضعّفه جماعةٌ. قول ابن عباس: حكاه ابن عطية و أبي حيان قول الضحاك: رواه سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ في سننه، و ابن المنذر في تفسيره من طريق سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا أبو إسحاق، عن الضّحّاك بن مزاحم - في قوله عزّ وجلّ: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} -، قال: الرّبة الواحدة ألف). o قال المحقق لسنن سعيد بن منصور( د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد): سنده ضعيف، وآفته أبو إسحاق الذي يرويه عن الضحاك. o قول عطاء الخرساني: o رواه الترمذي في كتابه جزء فيه تفسير القرآن برواية أبي جعفر الترمذي، وابن المنذر في تفسيره، من طريق يوسف بْن عدي، قَالَ: حَدَّثَنَا رشدين، عَنْ يونس بْن يزيد، عَنْ عطاء الخرساني، قَالَ " الربوة عشر آلاف فِي العدد " و هذه الروايات تعضد بعضها بعضًا، وتجبر الضعف للضعيف منها. القول الثّانِي الجَماعاتُ الكَثِيرَةُ، قاله ابْنِ عَبّاسٍ، و مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، والرَّبِيعُ، واخْتارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، والمثني و البخاري و ابن جرير و ابن تيمية و غيرهم. o قول ابن عباس: o رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن المنذر( في تفاسيرهم)، من طريق عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: جموعٌ. - علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس باتفاق العلماء، والأقرب أنه لم يدركه أيضاً؛ فإنّ وفاة ابن عباس رضي الله عنهما كانت سنة 68هـ،ولم يتلقّ هذه الصحيفة بالدراسة كما تلقّى مجاهد التفسير عن ابن عباس، وإنما هي صحيفة فيها تفسير منسوب إلى ابن عباس؛ فمنه ما يصحّ عنه، ومنه ما لا يصحّ لمخالفته لما ثبت عن ابن عباس بالأسانيد الصحيحة( جمهرة العلوم). o وأخرجه ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء، و الطستي في مسائله ( كما ذكر السيوطي في الدر المنثور) عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {ربيون} قال: جموع قال: وهل يعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول حسان: وإذا معشر تجافوا القصد أملنا عليهم ريبا. o و مسائل نافع عن ابن عباس في إسنادها محمد بن زياد و مما قيل فيه: *في الجرح و التعديل لابن أبي حاتم؛ قال عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: سألت أبي عن محمد بن زياد الميموني قال: كان أعور كذابا خبيثا يضع الأحاديث . و في تهذيب الكمال للمزي ،قال أبو زرعة: كان يكذب . - و رواه ابن جرير من طريق آخر فيه مجهول بلفظ فيه زيادة كثيرة: - حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عوفٌ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ربّيّون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ - و رواه ابن جرير بإسناد ضعيف إلى ابن عباس: - حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) الرّبّيّون: الجموع الكثيرة. - قال أحمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري: أن هذا إسناد مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة، إن صح هذا التعبير! وهو معروف عند العلماء بـ "تفسير العوفي"، لأن التابعي -في أعلاه- الذي يرويه عن ابن عباس، هو"عطية العوفي" ثم نقل قال السيوطي في الإتقان 2: 224: " وَطَرِيقُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَ مِنْهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ كَثِيرًا وَالْعَوْفِيُّ ضعيف لبس بِوَاهٍ وَرُبَّمَا حَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ " و أتبع أحمد شاكر بعد هذا بتفصيل سبب الضعف. - حكاه عن ابن عباس رضي الله عنهما سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ في سننه o قول عكرمة - رواه سعيد الخرساني في سننه و ابن جرير، و أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ في المكتفي ،من طريق سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة، قال: الجموع الكثيرة. o قال د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد في تحقيقه لسنن سعيد بن منصور :سنده صحيح. o قول مجاهد: o رواه مسلم بن خالد الزنجي، عبد بن حميد، و ابن جرير و ابن المنذر من طريق ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: جموعٌ كثيرةٌ. قول عطاء الخرساني: o رواه الرملي، قالَ ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {ربّيّون كثيرٌ} قال: جموعٌ كثيرةٌ. ( تفسير عطاء الخرساني) o قول الحسن: o رواه ابن جرير، قال : حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله: وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: الجموع الكثيرة o قول قتادة: o رواه ابن جرير، قال: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ. - يزيد بن زريع قال ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة ثبت - سعيد بن أبي عروبة؛ قال ابن حجر: ثقة حافظ، له تصانيف ؛ لكنه كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة .تقريب التهذيب (1/ 384)] . وسعيد اختلط، لكن يزيد سماعه منه قديم. o قول الربيع: o رواه ابن جرير، قال: حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ. - قول الضحاك: -رواه ابن جرير بإسنادين مختلفين إليه، قال: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يقول: جموعٌ كثيرةٌ قتل نبيّهم. و قال: حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: (قتل معه ربّيّون كثيرٌ) يعني الجموع الكثيرة قتل نبيّهم. o قول السدي: o رواه ابن جرير، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} يقول: جموعٌ كثيرةٌ. قول ابن اسحق: - رواه ابن جرير، قال: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: وكأيّن من نبيٍّ أصابه القتل، ومعه جماعاتٌ. و حكاه ابن المنذر عن عكرمة، والضحاك، وقتادة وعطاء الخرساني. o و رواه عبد بن حميد في تفسيره عن مجاهد وعكرمة و قتادة و عن عطية جموع دون كثيرة القول الثّالِثُ: أنَّهُمُ الفُقَهاءُ والعُلَماءُ، قاله ابْنِ عَبّاسٍ، و الحَسَنُ، واخْتارَهُ اليَزِيدِيُّ. o قول ابن عباس: - رواه ابن جرير، قال: حدّثني به سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: علماء كثيرٌ. o رجاله ثقات، و سليمان بن عبد الجبار فيه من قال أنه ثقة كالذهبي ،و من قال أنه صدوق كابن حجر. قول الحسن: - رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ ، وابن جرير و ابن أبي حاتم، من طريق معمر عن الحسن في قوله تعالى معه ربيون كثير قال علماء كثير، و رواه عنه ابن جرير. - وأخرجه عنه به عبد بن حميد كما قال السيوطي في الدر المنثور. - و رواه سعيد بن منصور، وابن جرير و ابن المنذر بلفظ فقهاء علماء، من طريق هشيمٌ، قال: أخبرنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: فقهاء علماء. قال د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد في تحقيقه لسنن سعيد بن منصور ؛ سنده صحيح إلى الحسن البصري، وأما إلى ابن عباس فضعيف للانقطاع بين عوف وابن عباس - و رواه ابن جرير من طريق آخر بزيادة صبروا؛ حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جعفر بن حبّانٍ، والمبارك، عن الحسن، في قوله: {وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ} قال جعفرٌ: علماء صبروا. - رواه ابن أبي حاتم و ابن المنذر من طريق أبي الأشهب، عن الحسن في هذه الآية: وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: علماء صبرٌ القول الرّابِعُ: أنَّهُمُ الأتْباعُ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. - رواه ابن جرير، قال :حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: (وكأيّن من نبيٍّ قتل معه ربّيّون كثيرٌ) قال: الرّبّيّون: الأتباع، والرّبّانيّون: الولاة، والرّبّيّون: الرّعيّة، وبهذا عاتبهم اللّه حين انهزموا عنه، حين صاح الشّيطان إنّ محمّدًا قد قتل، قال: كانت الهزيمة عند صياحه في سببةٍ صاح: أيّها النّاس إنّ محمّدًا رسول اللّه قد قتل، فارجعوا إلى عشائركم يؤمّنوكم). - ذكر ابن حجر قول ابن عدي عن ابن وهب : ولا أعلم له حديثا منكرا إذا حدث عنه ثقة من الثقات [تهذيب التهذيب (2/ 453)] القول الخامِسُ: أنَّهُمُ الذين يعبدون الرب، المُتَألِّهُونَ العارِفُونَ بِاللَّهِ تَعالى، قاله الأخفش و نسبه ابن الجوزي في زاد المسير إلى ابْنُ فارِس , و نسبه ابن جرير إلى بعض نحويّي البصرة: هم الّذين يعبدون الرّبّ، واحدهم ربّيّ. - و رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر يصفهم فيه، قال:- حدّثني أبي، ثنا أبو عمر الحوضيّ، ثنا مباركٌ، عن الحسن وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه ربّيّون كثيرٌ قال: أبرارٌ أتقياء صبرٌ. • توجيه الأقوال: لتوجيه الأقوال لا بد أن نبين الاشتقاق اللغوي لكلمة ( ربيون) و القراءات التي ذكرت فيها ، و أقوال العلماء فيها. o أولًا: الأصل اللغوي لربيين: أختلف فيه على أقوال: 1- جمع مفرده ربّي، معناه الجماعة الكثيرة، قاله أبو عبيدة المثني في مجاز القرآن، و مكي القيسي في تفسير مشكل القرآن، ابن جرير في تفسيره، و البخاري في صحيحه و نسبه أبوحيان و ابن عطية إلى يونس بن حبيب. أصله من الرِبَة وهي الجماعة، كما قال ابن قتيبة الدينوري في تفسير غريب القرآن، و النحاس في معاني القرآن، و ابن سيده في المخصص،و مكي، و قال مكي: كأنه نُسب إلى الرِبَة ثم جمع . و قَالَ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ في تفسير غريب القرآن: ثم يجمع ربّي بالواو والنون، فيقال: ربّيون. و عبر النحاس عن هذا الرأي أنه معروف، و قال: ويقال للخرقة التي يجمع فيها القدح ربة وربة والرباب قبائل تجمعت. نقل ابن دريد في كتاب جمهرة اللغة إقرار الأصمعي لأبي حاتم لمعنى الرِبة الجماعة، فقال: قلت للأصمعي: الرِّبّة: الْجَمَاعَة من النَّاس فَلم يقل فِيهِ شَيْئا، وأوهمني أَنه تَركه لِأَن فِي الْقُرْآن رِبِّيّونَ، أَي جَماعيّون، منسوبة إِلَى الرِّبّة والرُّبّة والرَّبّة. و قال ابن سيده المرسي في المخصص: سِيبَوَيْهٍ، الرُّبَّة - الفِرْقة من النَّاس وَجمعه رِبَاب وَكَذَلِكَ نُسِب إِلَيْهِ فَقيل رُبِيُّ. و قد ذكر أبو حيان و ابن عطية أن قطرب خص قول يونس بن حبيب بجماعة العلماء. 2- نسبة إلى الرُّبَّة، والربة: عشرة آلاف في العدد، قاله الرملي في جزء تفسير عطاء الخراساني، وابن الأنباري في كتاب الزاهر في معاني كلمات الناس، و يؤيد ذلك قراءة الضم. و نسب النحاس إلى أبان بن تغلب قوله: الربي عشرة آلاف. و نسب ابن عطية إلى بعض المفسرين قولهم :هم عشرة آلاف فصاعدا، و قال :أخذ ذلك من بناء الجمع الكثير في قولهما: هم الألوف. و في المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم (مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها) قال د. محمد حسن حسن جبل: "الرِبَّة: الفِرقة من الناس عشرة آلاف أو نحوها. 3- نسبة إلى الرب؛ مفردها رِبي، عابد الرب كما عبر عنه أبو حيان في البحر المحيط، و نسبه ابن جرير لبعض نحوي البصرة، اختاره الأخفش واليزيدي في غريب القرآن و تفسيره، و أرجع إليها النحاس و ابن عطية قول من قال أن ربّيّون معناه علماء، و قال مكي القيسي في تفسيره: والربيون" الذين يعبدون الرب نسبوا إليه لعبادتهم إياه وإقرارهم له، واحدهم ربي منسوب إلى الرب ولكن كسرت الراء اتباعاً للكسرة التي بعدها كما قالوا: نسي وعصي فكسروا الأول للاتباع. ذكر ابن عطية مظنة هذا التفسير: إما لأنهم مطيعون له، أو من حيث هم علماء بما شرع، و ويقوي هذا القول في قراءة من قرأ «ربيون» بفتح الراء وأما في ضم الراء وكسرها فيجيء على تغيير النسب، كما قالوا في النسبة إلى الحرم: حرمي بكسر الحاء، وإلى البصرة، بصري بكسر الباء، وقال : في هذا نظر. و يعود لهذه النسبة قول من قال أن المعنى: الأتباع، و فسر ذلك ابن عطية، فقال من حيث هم مربوبون. نقل فخر الدين الرازي في تفسيره طَعَنَ ثَعْلَبٌ في هذا القول، وقالَ: كانَ يَجِبُ أنْ يُقالَ: رَبِّيٌّ لِيَكُونَ مَنسُوبًا إلى الرَّبِّ، وأجابَ مَن نَصَرَ الأخْفَشَ وقالَ: العَرَبُ إذا نَسَبَتْ شَيْئًا إلى شَيْءٍ غَيَّرَتْ حَرَكَتَهُ، كَما يُقالُ: بِصْرِيٌّ في النَّسَبِ إلى البَصْرَةِ، ودُهْرِيٌّ في النِّسْبَةِ إلى الدَّهْرِ. و ممن رده ابن تيمية في جامع المسائل، (سنذكر تفصيل ما ذكره لاحقَا)، و نسب رد هذا القول العيني في عمدة القارئ إلى بعضهم، و عقب على ذلك أنه لا وجه له لأن الكسرة من تغييرات النّسبة كما تقرر عنده. 4- : اشتقاق ربي من ربا الشيء يربو إذا كثر، فسمي بذلك الكثير العلم، نسبه أبي حيان و ابن عطية إلى النقاش، و عقب عليه ابن عطية بقوله: وهذا ضعيف، و خطأه أبي حيان و السبب عنده؛ ِاخْتِلافِ المادَّتَيْنِ؛ لِأنَّ رِبا أُصُولُهُ راءٌ وباءٌ وواوٌ، وأُصُولُ هَذا راءٌ وباءٌ وباءٌ. القراءات: قرئ: 1- بكسر الراء، وهى قراءة الجمهور. 2- بضم الراء، وهو من تفسير النسب، وهى قراءة على، وابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، والحسن، وأبى رجاء، وعمرو بن عبيد، وعطاء بن السائب. 3- بفتح الراء، وهى قراءة ابن عباس، وهى لغة تميم. ( لقراءات — الموسوعة القرآنية — إبراهيم الأبياري) و نقل ابن عطية في تفسيره قول ابن جني: الفتح في الراء لغة تميم وكلها لغات. ذكر ابن حجر في فتح الباري و العيني و القسطلاني أنه قيل في قراءة الضم و الكسر ترجع لتغيير النسبة، و هو ما اختاره أبو حيان. و ابن حجر يرى أنه لا تغيير إذا كانت النسبة للربة و هي الجماعة، و قد ذكر القسطلاني في إرشاد الساري أن فيها لغتان الكسر والضم، و هو ما اختاره ابن تيمية. الدراسة: بمراجعة كلام العلماء نجد أن منهم من جمع بين أكثر من قول لبيان معنى ربيين، و من ذلك: - روى ابن أبي حاتم في تفسيره قولا يجمع بين القول أنه الجماعة الكثيرة و لقول أنها الآلاف: قال أخبرنا العبّاس بن الوليد قراءةً، أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه: وأمّا ربّيّون كثيرٌ، فالرّبوّة عشرة آلافٍ في العدد، والرّبّيّون الجموع الكثيرة. - اختار الزجاج جماعات كثيرة، و ذكر الزجاج قول من قال أنه عشرة آلاف و من قال اَلْعُلَماءُ الأتْقِياءُ، الصُّبُرُ عَلى ما يُصِيبُهم في اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -، و عقب على ذلك بقوله: كِلا القَوْلَيْنِ حَسَنٌ جَمِيلٌ - اختار الزمخشري في الكشاف : أن الرِبِّيُّونَ هم الرَبّانِيُّونَ، والرَبّانِيُّ عنده مَنسُوبٌ إلى الرَبِّ بِزِيادَةِ الألِفِ والنُونِ، وهو شَدِيدُ التَمَسُّكِ بِدِينِ اللهِ وطاعَتِهِ، و كذا قال النسفي 710 في تفسيره. - و جعل البيضاوي في أنوار التنزيل: القول يدور بين أنهم علماء أتقياء، أو عابدون لربهم، و الربانيين عنده ذكره في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ﴾ ولَكِنْ يَقُولُ كُونُوا رَبّانِيِّينَ، والرَّبّانِيُّ مَنسُوبٌ إلى الرَّبِّ بِزِيادَةِ الألِفِ والنُّونِ كاللِّحْيانِي والرُّقْبانِيِّ، وهو الكامِلُ في العِلْمِ والعَمَلِ. - قال الشيخ السعدي: جماعات كثيرون من أتباعهم، الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة، فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك. - قال ابن عاشور في التحرير والتنوير قولًا جمع بين القول بالأتباع وبين المتألهين و المتعبدين و العالمين، فقال: والرِّبِّيُّونَ جَمْعُ رِبِّيٍّ وهو المُتَّبِعُ لِشَرِيعَةِ الرَّبِّ مِثْلُ الرَّبّانِيِّ، والمُرادُ بِهِمْ هُنا أتْباعُ الرُّسُلِ وتَلامِذَةُ الأنْبِياءِ. ومَحَلُّ العِبْرَةِ هو ثَباتُ الرَّبّانِيِّينَ عَلى الدِّينِ مَعَ مَوْتِ أنْبِيائِهِمْ ودُعاتِهِمْ. و قد اختار ابن تيمية (728) أنها الجماعة الكثيرة ورد قول من قال أنهم الربانين نسبة إلى الرب، و فصل في ذلك، و هم العلماء -مستندًا إلى الدلالات العقلية، والسياق، والنظائر، ولغة العرب- فقال وجوهًا : أحدها: أن الربانيين غيرُ الأحبار، وهم الذين يُرَبُّون الناس، وهم أئمتهم الذين يقتدون بهم في دينهم. ومعلوم أن هؤلاء لا يكونون إلا قليلًا، فكيف يقال: هم كثير؟. والثاني: أن الأمر بالجهاد والصبر لا يختصُّ بهؤلاء، والصحابة لم يكونوا كلهم ربانيين، فيقولون: أولئك أُعطُوا علمًا منعهم [من] الخوف. الثالث: أن استعمال لفظ "الربِّي" في هذا ليس معروفًا في اللغة، بل المعروف الأول. والذين قالوا ذلك قالوا: هو نسبة إلى الربّ بلا نون، والقراءة المشهورة: "رِبِّيّ" بالكسر، وما قالوه إنما يتوجَّه على قراءة من قرأ "ربيُّون" بالفتح، وقد قُرِئَ "رُبّيُّون" بالضم. فعُلِمَ أنها لغات. الرابع: أن الله تعالى يأمر بالصبر والثبات كلَّ من يأمره بالجهاد، سواء كان من الربانيين أو لم يكن. الخامس: أنه لا مناسبة في تخصيص هؤلاء بالذكر، وإنما المناسب ذكرهم في مثل قوله: (لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) (١)، وفي مثل قوله: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) (٢)، وهناك ذكرهم بلفظ الربانيين. السادس: أن "الرباني" قيل: منسوب إلى الربّ بزيادة الألف والنون، كالرقباني واللحياني، وقيل: إنه منسوب إلى ربَّان السفينة. وهذا أصحّ، فإن الأصل عدم الزيادة في ال تربية الناس وكونهم يُرَبُّونهم، وهذه النسبة تختص بهم. وأما نسبتهم إلى الربّ فلا اختصاص لهم بذلك، بل كلُّ عبدٍ فهو منسوبٌ إليه. ولم يُسمِّ الله تعالى أولياءه المتقين ربانيين، ولا سَمَّى أنبياءه والرسلَ ربانيين، فإن الربَّانيِ من يَرُبُّ الناسَ كما يَرُبُّ الرَّبَّانُ السفينةَ. ولهذا كان الربانيون يُذمُّون تارةً ويُمدَحون أخرى، ولو كانوا منسوبين إلى الربّ بأنهم عرفوه وعبدوه لم يكونوا مذمومين قطُّ، وهذا هو الوجه السابع: أن نسبتهم إلى الرب إن جُعِلَتْ مدحًا فقد ذمَّ الله الربانيين في موضعٍ آخر، وإن لم تُجعَل مدحًا لم يكن لهؤلاء خاصَّةٌ يمتازون بها من جهة المدح. وإذا كان الربَّاني منسوبًا إلى ربَّان السفينة لا إلى الربّ بَطَلَ قولُ من يجعل الربَّانيَّ منسوبًا إلى الربّ، فنسبة "الربيون" إلى الرب أولى بالبطلان. الثامن: أنه إذا قُدِّر أنهم منسوبون إلى الرب فهذه النسبة لا تدلُّ على أنهم علماء، نعم تدلُّ على إيمان وعبادة وتألُّهٍ، قاله ابن فارس. وهذا يَعُمُّ جميع المؤمنين، فكلُّ من عبدَ الله وحدَه لا يُشرِك به شيئًا فهو متألِّهٌ عارفٌ بالله. والصحابة كلُّهم كانوا يعبدون الله وحدَه لا يُشركون به شيئا، وكانوا متألهين عارفين بالله، ولم يُسَمَّوا "ربيون" ولا "ربَّانيون". خلاصة الأمر: نستطيع أن نخلص مما سبق والله أعلم أن معنى ربيين يدور بين معنين: أحدهما: الجماعة الكثيرة التي عددها عشرة آلاف فما فوق لجمع الكثرة، و الذي يعود للأصل اللغوي ربة بالكسر و الضم و الفتح، و تكون القراءات هنا لغات. والمعنى الثاني: الأتباع؛ ويكون كل ما ذكر هو وصفًا لهم وبيان لمن هم؟ فهم العارفون بالله العابدون له، الثابتون مع أنبيائهم، والذي يؤيده من أرجع القراءات المختلفة لاختلاف النسب، وهنا تعود النسبة للرب. و يظهر مما ذكرنا و الله أعلم أن الربيون تحتمل المعنيين، أحدهما يدل على العدد و الآخر وصف لهم، فهم جماعات كثيرة، عددها عشرة آلاف فما فوق، و هم الأتباع ؛ من عرفوا ربهم و أطاعوه، و كان علمهم و طاعتهم سببًا لثباتهم؛ ويظهر ذلك من سياق الآية في الإخبار عن فئة ثبتت.
• لمصادر و مراتبها: المرتبة الأولى: المصادر الأصلية في استخراج أقوال السلف في التفسير : -تفسير عبد الرزاق الصنعانى - قطعة من تفسيرعبد بن حميد -تفسير ابن جرير الطبري - تفسير ابن أبي حاتم - تفسير ابن المنذر -الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب. - الرملي في جزء تفسير عطاء الخراساني التفسير من كتب السنة: - كتاب تفسير القرآن من صحيح البخاري، - المعجم الكبير للطبراني في معجمه الكبير - ابن وهب في الجامع في علوم القرآن - سنن سعيد بن منصور الخرساني - كتاب جزء فيه تفسير القرآن برواية أبي جعفر الترمذي - الهَيْثَميُّ في مجمع الزوائد للطبراني -المصادر البديلة: 1- مصادر ناقلة بإسناد: - تفسير ابن كثير - الدر المنثور للسيوطي 2- المصادر الناقلة للأقوال دون إسناد: - تفسير المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» ابن عطية - زاد المسير لابن الجوزي - مفاتيح الغيب في التفسير الكبير لفخر الدين الرازي - الكشاف للزمخشري - أنوار التنزيل للبيضاوي - ابن تيمية في جامع المسائل - التحرير و التنوير للطاهر ابن عاشور السعدي - كتب التفسير اللغوى: - معاني القرآن للفراء. - ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى. - معاني القرآن للأخفش - واليزيدي في غريب القرآن و تفسيره - ومعاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج . - ومعاني القرآن لأبي جعفر النحاس. -- إعراب القرآن للنحاس - ابن دريد في كتاب جمهرة اللغة - ابن الأنباري في كتاب الزاهر في معاني كلمات الناس - و ابن سيده في المخصص - تفسير مشكل القرآن لمكي القيسي - المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم (مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها) د. محمد حسن حسن جبل كتب الوقف والابتداء: - إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري - كتب شروح السنة - فتح الباري لابن حجر - عمدة القاري للعيني - إرشاد الساري للقسطلاني كتب الجرح و التعديل: - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - تهذيب الكمال (25/ 222)] - تهذيب التهذيب |
اقتباس:
التقويم: أ+ أحسنتِ، أحسن الله إليكِ وزادكِ إحسانا وتوفيقا وسدادًا. |
الساعة الآن 01:54 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir