تأثير القراءة الجزئية على العقل
مقال نافع وهام للشيخ صالح المغامسي حفظه الله, يتحدث فيه عن تأثير القراءة الجزئية على العقل.
العقل والقراءة جاء في بعض كتب التراجم أن عالمين جليلين من بلدين مختلفين التقيا، وتدارسا في اللقاء مسائل متفرقة. فلما انفض لقاؤهما، سُئِل كل واحد منهما كيف وجدت صاحبك؟ فقال أحدهما وجدت علمه أكبر من عقله، وقال الآخر عن صاحبه الأول: وجدت عقله أكبر من علمه، فحين يكون عقل الإنسان أكبر من علمه فلا حرج حينئذ؛ وإن كان الإنسان مطالباً أن يزداد علماً. لكن الإشكال حين يكون الإنسان لا يملك عقلاً يزن به ما يتعلمه، وهذا قد يؤدي إلى التهلكة أحيانا، ولكمال عقل المرء قرائن من أهمها واقعيته في التعامل مع الأحداث حوله. وعدم تصديقه لكل ما يكتب ويقال، والإيمان بسنة التدرج في الكون، والتأمل والنظر في العواقب، كما أن خلق الحياء من أعظم دلائل وفرة العقل. وما قصدت تدوينه هنا أن من أسباب تأثير القراءة في ذهاب العقول – نسأل الله العافية – القراءة الجزئية المفرقة في الإنكفاف مع البعد عن الواقعية، والتماس النصوص المعرفية التي تساعد على حل الإشكالات التي تنشأ عن القراءة الجزئية، وإيضاحاً لهذا المقصد سأضرب أمثلة واقعية ملموسة لمن خالط الناس وعاش واقعهم من ذلك: إنك تلحظ أن الذين يكثرون من قراءة الكتب التي تُعنى بالغيب وأشراط الساعة صحيحها وسقيمها، صادقها وكاذبها لا يقرؤون كتباً غيرها، تلحظ عليهم أو على بعضهم شيئاً من اللوثة في عقله، بل قد يصل به الأمر – عياذاً بالله – إلى أنه يظن نفسه أحد أولئك الذين وُعِدت الأمة بأن يكون الخلاص على أيديهم. ولا ريب أن الساعة حق، وما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أشراطها حق، بل ذلك مندرج في ركن عظيم من أركان الإيمان بالله أولاً وهو ركن الإيمان باليوم الآخر. لكننا حين نقرأ تلك الغيبيات منفكة عن آيات القرآن ونصوص السنة الموضحة لها نقع في تخبط عظيم ، ولهذا سمعنا من يدعي أن السفياني المذكور في الأثر هو صدام حسين – رحمه الله – وحس البعض أن زيداً أو عمراً من الناس هو المهدي المنتظر وهكذا.. ومثال أخر أن الذين لا يقرؤون ألا الروايات البوليسية مثلاً مثل روايات أجاتا كريستي هؤلاء تجد أن سوء الظن يسيطر على عقولهم والارتياب صبغة ثابتة فيهم؛ لأن كثيراً من الروايات تعتمد في حبتكتها على أن المجرم في النهاية يكون ممن لا تدور الشكوك حوله عادة، فيتأثر قارئ تلك الروايات بما فيها – إن لم يكن يقرأ غيرها – فتراه يشك في أقرب الناس منه وألصقهم به شكاً يزيد عن الحد والوصف؛ والذين لا يقرؤون من سير السلف الصالح ألا بعض المواقف الفردية من بعضهم تجاه أهل البدع، فيقرؤها مجزأة عن سياقها تراه لا شعورياً يكثر من الطعن في العلماء والصالحين بحجج واهية؛ زاعماً أنهم مبتدعة، ويقول في نفسه أنا لا أعدو أن أكون سائراً على منهج السلف، وما هو منهم بقريب ... هذه أمثلة ثلاث سقتها لبيان أثر القراءة الجزئية على عقل الإنسان وتفكيره وما في الجعبة أكثر؛ لكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، وأقف هنا حتى يكون للمقال دوره في إحداث تساؤلات عدة لدى القارئ الكريم ، فالبتر هنا مقصود لذاته، وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه. |
بارك الله فيك أختي الكريمة؛ وموضوعك شيّق وله أهداف سامية تنحوا نحو (التصفية والتربية)، ومما يذكر وله علاقة بالموضوع -فيما أحسب- القراءة على شيخ معين لا يتجاوز ترجيحاته وأقواله، فتجد الواحد منَّا يرد كل ما يعارض شيخه ولو كانت أقوال شيخه في بعض المسائل مرجوحة، بله حتى لو اتضح بطلانها، وهنا تذكرت قول أحد السلف: "لا تعرف خطأ شيخك حتى تجالس غيره من العلماء".اهـ. والمثال الأخير الذي ضربته-بارك الله فيك- في القراءة في بعض المواقف الجزئية وجعلها منهاجا عاما للسلف قد نبه عليه غير واحد من العلماء، فإن منهج السلف في مواقفه تجاه المخالف ينبغي أن تؤخذ من مجموع استقراء أفعالهم وأقوالهم لا من مواقف فردية لها ظرفها وزمانها، وهكذا من يقرأ في كتب الردود فقط تلحظ عنده نوع شطط وغلو في المواقف بسبب القراءة الجزئية فيذهب عند أي قراءة إلى ما رسخ في ذهنه من تلك السجالات فيما قرأه في كتب الردود، وهذا النوع من القراءة وإن كان فيه جانب إجابي وهو الحس النقدي لدى القارئ؛ لكن المعيب هو غلبة الشك وسوء الظن لدى صاحبه، وبخاصة إذا كان هذا الصنف من القراء خاويا من العلوم الشرعية الأخرى (علوم أصلية وعلوم آلة ). ولعل الأخت الأستاذة صاحبة الموضوع لها مزيد بسط حول هذه الأمثلة، وآمل من المشايخ والأساتذة الفضلاء إثراء الموضوع ومزيد توجيه..والله أعلم.
|
ظننت الموضوع للأستاذة الكريمة/أمجاد؛ فإذا به للشيخ الفاضل/صالح المغامسي-حفظه الله-، فمعذرة لم أرى عزوه إلا بعد المراجعة.
|
شكر الله لك أخ محمد إضافة نافعة.
أخت أعرفها, ركزت قرائتها في كتب ومواضيع في علم النفس وتحليل الشخصيات, وأيضا في تفسير الأحلام, فأصبحت كأنها تعيش في عالم آخر, بعيد عن الواقع, وغلب عليها التشاؤم, وسوء الظن بالغير من خلال تحليل كلامهم وحركاتهم مماتعلمته من الكتب التي قرأتها عن تحليل الشخصية و و و إلخ. ثم أدركت خطأها ونوعت قراءاتها, في مجالات أخرى, فتغيرت كثيرا للأفضل , صارت أكثر إيجابية, واعتدالا, ورقي في فكرها ونظرتها للأمور, ومرونة مع غيرها. |
وفيكم بارك الله أختي الكريمة...
ثم هل يمكن أن يقال عمن يتوسع في تخريج الأحاديث في غير موضعها كما في كتب الفقه -مثلا- ، لما غلب عليه من القراءة الجزئية في علم تخريج الأحاديث ؟ باعتبار أن بعض العلماء ينتقد هذا المسلك لبعض طلبة العلم، كما يضخم الكتب بالتخريجات بما يخرجها عن مقصودها! والله أعلم. |
تعديل للمشاركة/
وفيكم بارك الله أختي الكريمة... ثم هل يمكن أن يصنف ضمن هذا الصنف من يتوسع في تخريج الأحاديث في غير موضعها كما في كتب الفقه -مثلا- ، لما غلب عليه من القراءة الجزئية في علم تخريج الأحاديث ؟ باعتبار أن بعض العلماء ينتقد هذا المسلك لبعض طلبة العلم، كما يضخم الكتب بالتخريجات بما يخرجها عن مقصودها! والله أعلم. |
لعل من عنده علم في هذا , يجيب على تساؤلك.
|
بارك الله فيك أستاذة.
|
اقتباس:
|
بوركتِ أختي أمجاد لموضوع الهام والذي يختص بما يقرأه القارىء
والذي أراه والعلم لله عزوجل تنوع القراءة ينبوع يدفق على القارىء معارف وفوائد جمة لم يبصرها وزيادة في رقي ذهنه دمت بعطاء وضاء |
الساعة الآن 07:29 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir