معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   الجوهر المكنون (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=68)
-   -   معنى الفصاحة والبلاغة (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=1556)

عبد العزيز الداخل 22 ذو القعدة 1429هـ/20-11-2008م 05:12 PM

معنى الفصاحة والبلاغة
 
(الْمُقَدِّمَةُ)


فَصَاحَةُ الْمُفْرَدِ أَنْ يَخْلُصَ مِنْ = تَنَافُرٍ غَرَابَةٍ خُلْفٍ زُكِنْ
وَفِي الْكَلامِ مِنْ تَنَافُرِ الْكَلِمْ = وَضَعْفِ تَأْلِيفٍ وَتَعْقِيدٍ سَلِمْ
وَذِي الْكَلامِ صِفَةٌ بِهَا يُطِيقْ = تَأْدِيَةَ الْمَقْصُودِ بِاللَّفْظِ الأَنِيقْ
وَجَعَلُوا بَلاغَةَ الْكَلامِ = طِبَاقُهُ لِمُقْتَضَى الْمَقَامِ
وَحَافِظٌ تَأْدِيَةَ الْمَعَانِي = عَنْ خَطَأٍ يُعْرَفُ بِالْمَعَانِي
وَمَا مِنَ التَّعْقِيدِ فِي الْمَعْنَى يَقِي = لَهُ الْبَيَانُ عِنْدَهُمْ قَدِ انْتُقِي
وَمَا بِهِ وُجُوهُ تَحْسِينِ الْكَلامْ = تُعْرَفُ يُدْعَى بِالْبَدِيعِ وَالسَّلامْ

محمد أبو زيد 1 محرم 1430هـ/28-12-2008م 09:02 AM

حلية اللب المصون للشيخ: أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري
 

[المقدمة] أقول رتب المصنف كتابه كأصله على مقدمة وثلاثة فنون فجعل الخاتمة داخلة في فن البديع، وهو الوجه بدليل كلام صاحب الأصل في الإيضاح.
وقال بعض شارحي الأصل بعدم الدخول فوجه الحصر، على الأول أن المذكور في الكتاب إما أن يكون من قبيل المقاصد في هذا الفن أو لا.
الثاني المقدمة والأول إن كان الغرض منه الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد فهو الفن الأول، وإلا فإن كان الغرض منه الاحتراز عن التعقيد المعنوي فهو الفن الثاني؛ وإلا فهو الفن الثالث ووجهه على الثاني أن المذكور في الكتاب إما من قبيل المقاصد أو لا، فإن كان من قبيل المقاصد، فإن كان الغرض منه الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد، فهو الفن الأول وإن كان الغرض منه الاحتراز عن التعقيد المعنوي فهو الفن الثاني، وإن كان الغرض منه معرفة وجوه تحسين الكلام فهو الفن الثالث، وإن لم يكن من قبيل المقاصد، فإما أن يتعلق بها تعلق السابق باللاحق أو تعلق اللاحق بالسابق.
فالأول هو المقدمة والثاني هو الخاتمة.
فإن قلت هذا التقسيم غير شامل للخطبة والتراجم لظهور عدم دخولها في شيء من الأقسام؛ مع أنها من جملة ما ذكر في الكتاب.
فالجواب أن المراد بالمذكور في الكتاب المذكور في التقسيم ماله مدخل وخصوصية بهذا الفن، فحينئذ لا تكون الخطبة ونحوها داخلة في المقسم حتى يلزم عدم شمول الأقسام لها.
والمقدمة بالكسر مأخوذة من مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه، أي: منقولة من ذلك لمناسبة بينهما، لأن هذه المقدمة تقدم الإنسان لمقصوده ،كما أن مقدمة الجيش تقدمه، أي: تجسره على التقدم فيكون استعمال لفظ المقدمة في مقدمة العلم ومقدمة الكتاب حقيقة عرفية، ويحتمل أنها مأخوذة منها أي: (غير واضح في الأصل) وبالفتح من الأول لا غير لأن المؤلف قدمها أمام مقصوده وهي قسمان: مقدمة علم ومقدمة كتاب. فمقدمة العلم ما يتوقف عليها الشروع في ذلك العلم، وهو تصوره بوجه ما إن أريد مجرد الشروع، أو تصوره برسمه، أو حده، وتصور موضوعه وغايته إن أريد الشروع على بصيرة وهذه معان محضة وذكر الألفاظ لتوقف الأنباء عنها عليها، لا أنها مقصودة لذاتها حتى لو تيسر فهم المعنى من غير ألفاظ لم يحتج إليها أصلا.
ومقدمة الكتاب اسم لطائفة من كلامه قدمت أمام المقصود، لارتباط له بها وانتفاع بها فيه، فالأولى معان، والثانية ألفاظ.
فبين المقدمتين تباين والمقدمة هنا مقدمة كتاب لا علم خلافا لصاحب المنن في شرحه لأنها طائفة من الكتاب، وهي ألفاظ ذكرت أمام المقصود، وهو المعاني والبيان والبديع لارتباط كل بما ذكره هنا من معنى الفصاحة والبلاغة، وانحصار علم البلاغة في علمي المعاني والبيان وما يلائم ذلك، ولو عبر المصنف بمقدمة بالتنكير كما عبر أصله لكان صوابا، إذ لا وجه للتعريف لأن طرقه أربعة العهد الخارجي أو الذهني أو الجنس أو الاستغراق ولا يصلح المقام لشيء من ذلك، بخلاف التعريف في الفنون الثلاثة فله وجه، وهو تقدم العلم بها.
من قوله: ومن التعقيد البيتين فناسب الإيراد بالتعريف.
قال:

(فصاحة المفرد أن يخلص من = تنافر غرابة خلف زكن)
أقول: (الفصاحة) في اللغة تنبئ عن الظهور والإبانة، يقال فصح الأعجمي إذا انطلق لسانه وخلصت لغته من اللكنة، وقال تعالى حكاية عن سيدنا موسى{ وأخي هرون هو أفصح مني لسانا} أي أبين مني قولا، ومعناها اصطلاحا يختلف باختلاف موصوفها وموصوفها الكلمة والكلام والمتكلم، يقال كلمة فصيحة وكلام فصيح في النار وقصيدة فصيحة في النظم ومتكلم فصيح.
وأما (البلاغة) فيوصف بها المتكلم والكلام فقط فيقال كلام بليغ ومتكلم بليغ ولا يقال كلمة بليغة، وذكر المصنف فصاحة الكلمة وهي مقصوده بالمفرد في هذا البيت فذكر أنها عبارة عن خلوصه من ثلاثة أمور- الأول (التنافر) وهو وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها فمنه ما تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل كالهعخع بضم الهاء والخاء المعجمة وسكون العين المهملة الأولى من قول أعرابي وقد سئل عن ناقته فقال تركتها ترعى الهعخع والهاء والعين لا يكادان يجتمعان من غير فصل وهو شجر مستحدث قيل ولا أصل له في كلامهم وإنما هو الخعخع بخاءين معجمتين ومنه ما دون ذلك كمستشزرات من قول امرئ القيس:


*غدائره مستشزرات إلى العلى*
=
أي: ذوائبه جمع غديرة، والضمير للفرع قبله، والفرع الشعر التام، ومستشزرات أي: مرتفعات إن قرئ بكسر الزاي أو مرفوعات إن قرئ بفتحها.
وضابط التنافر كل ما عده الذوق السليم الصحيح ثقيلا معسر النطق سواء كان من قرب المخارج أو بعدها أو غير ذلك.
الثاني (الغرابة) وهي كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى، ولا مألوفة الاستعمال، فتحتاج معرفتها إلى تفتيش عنها في كتب اللغة المبسوطة ،كما روي عن بعضهم أنه سقط عن حماره فاجتمع عليه ناس فقال مالكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنة، أفرنقعوا أي: اجتمعتم تنحوا عني أو تخريج لها على معنى بعيد نحو مسرج في قوله العجاج*وفاحما ومرسنا مسرجا*فإنه لم يعرف ما أراد بقوله مسرجا حتى اختلف في تخريجه، فقيل هو من قولهم في السيوف سريجية منسوبة إلى قين ،أي: حداد يقال له سريج يريد أنه في الدقة والاستواء كالسيف السريجي، وقيل من السراج يريد أنه في البريق واللمعان كالسراج ،وهذا يقرب من قولهم سرج الله وجهه أي: بهجه وحسنه وفاحما أي شعرا أسود كالفحم معطوف على منصوب قبله والمرسن بفتح الميم مع فتح السين وكسرها الأنف الثالث المخالفة للقواعد بأن تكون الكلمة على خلاف قانون مفردات الألفاظ الموضوعة ،كالفك فيما يجب إدغامه وعكسه نحو قول أبي النجم: الحمد لله العلي الأجلل الواحد الفرد القديم الأول.
والقياس الأجل بالإدغام لاجتماع مثلين مع تحريك الثاني، فنحو ماء وآل وعور وقطط فصيح، لأنه ثبت عن الواضع كذلك فهو في حكم الاستثناء من القياس، وزاد بعضهم أمرا رابعا وهو الخلوص من الكراهة في السمع، بأن تكون الكلمة بحيث يمجها السمع نحو الجرشي أي: النفس في قول أبي الطيب*كريم الجرشي شريف النسب*ورد ذلك بأن الكراهة في السمع*من قبيل الغرابة فلا زيادة على الثلاثة وزكن علم.
قال:

(وفي الكلام من تنافر الكلم = وضعف تأليف وتعقيد سلم)
أقول المراد (بالكلام) المركب مجازا من باب إطلاق اسم الخاص على العام، ومقابلته بالمفرد قرينة، لذلك: فيشمل المركب الناقص كان قام زيد والتام كزيد قائم فالتعميم في جانبه أي:( الكلام )ما ليس بمفرد وقيل إن المركب الناقص داخل في المفرد والتعميم فيه، أي: المفرد ما ليس بكلام، أي: مركب تام، وهو مختار السعد في شرح الأصل والمرجح الأول.
قوله (من تنافر.. الخ) أي: خلوصه من هذه الأمور الثلاثة، وترك رابعا ذكره، أصله هو فصاحة كلماته احترازا من نحو زيد أجلل، فليس بفصيح، فالتنافر أن تكون الكلمات ثقيلة على اللسان، وإن كان كل منها أسأي تاافصيحا والثقل يكون متناهيا كما في قوله:

وليس قرب قبر حرب قبر
=
وغير متناه كما في قوله:


كريم متى أمدحه أمدحه والورى.
=
معي وإذا ما لمته لمته وحدي.
ومنشأ الثقل في الأول نفس اجتماع الكلمات، وفي الثاني حروف منها، وهو في تكرار( أمدحه) دون مجرد الجمع بين الحاء والهاء لوقوعه في التنزيل نحو فسبحه، فلا يقال إن مثل هذا الثقل مخل (بالفصاحة)، وضعف التأليف أن يكون تأليف الكلام على خلاف القانون النحوي، كالإضمار قبل الذكر لفظا ومعنى وحكما نحو ضرب غلامه زيدا، بخلاف ضرب زيد غلامه قوله وضرب غلامه زيد وهو زيد قائم. و(التعقيد) أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى المراد لخلل واقع إما في نظم الكلام بسبب تقديم أو تأخير فيه أو حذف أو غير ذلك مما يوجب صعوبة فهم المعنى المراد وإما في انتقال الذهن من المعنى الأصلي إلى المعنى المقصود فالأول كقول الفرزدق في خال هشام بن عبد الملك وهو إبراهيم:



وما مثله في الناس إلا مملكا
=
أبو أمه حي أبوه يقاربه أي ليس مثله في الناس أحد يقاربه أي يشبهه في الفضائل إلا مملكا أي رجلا أعطي الملك يعني هشاما أبو أمه أي أبو أم ذلك المملك أبوه أي أبو إبراهيم الممدوح أي لا يماثله أحد إلا ابن أخته وهو هشام ففيه فصل بين المبتدأ والخبر أعني أبو أمه أبوه بالأجنبي الذي هو حي وفصل بين الموصوف وصفته أعني حي يقاربه بالأجنبي الذي هو أبوه وتقديم المستثنى أعني مملكا على المستثنى منه أعني حي وفصل كثير بين البدل وهو حي والمبدل منه وهو مثله فمثله اسم ما وفي الناس خبره وإلا مملكا منصوب لتقدمه على المستثنى منه .و الثاني .

كقول الآخر:

سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا = وتسكب عيناء الدموع لتجمد
جعل (سكب الدموع )كناية عما يلزم فراق الأحبة من الكآبة والحزن وأصاب لكنه أخطأ في جعل جمود العين كناية عما يوجبه التلاقي من الفرح والسرور فإن الإنتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع حال إرادة البكاء وهي حالة الحزن لا إلى ما قصده من السرور الحاصل بالملاقاة وزاد بعضهم الخلوص من كثرة التكرار وتتابع الإضافات.
فالأول كقوله:

سبوح لها منها عليها شواهد
=
والثاني كقوله:




حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي
=
ورد بأن ذلك إن ثقل اللفظ بسببه على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بالتنافر وإلا فلا يخل بالفصاحة كيف وقد وقع في القرآن قال الله تعالى {والشمس وضحاها}الخ فكرر الضمائر وقال{ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك}وقال{واعف عنا واغفر لنا وارحمنا} وقال تعالى في تكرير الأضافات {ذكر رحمة ربك عبده زكريا. كدأب آل فرعون}.


[فائدة] ذكر بعض الفضلاء أن من خصائص القرآن أنه اجتمع فيه ثمان ميمات متواليات ولم يحصل بسببها ثقل على اللسان أصلا بل إزدادت خفة وذلك في قوله تعالى {وعلى أمم ممن معك} فإن التنوين في أمم والنون في ممن معك يدغمان في الميم بعدهما فيصيران في حكم ميم أخرى والميم المشددة في ممن بميمين وفيه أربع أخر فهذه ثمانية وقوله سلم أي خلص خبر مبتدأ معلوم من المقام وهو مؤول بمصدر ومن تنافر متعلق به أي و(الفصاحة) في الكلام خلوصه من تنافر الكلم.
قال:

(وذي الكلام صفة بها يطيق = تأدية المقصود باللفظ الأنيق)
أقول: (ذي الكلام) معطوف على الكلام في البيت قبله أي: والفصاحة في ذي الكلام أي صاحبه وهو المتكلم صفة.. الخ. والمراد بالصفة الملكة.
ومعنى البيت والفصاحة في المتكلم ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح.
والملكة هي الكيفية الراسخة في النفس والكيفية عرض لا يتوقف تعقله على تعقل غيره ولا يقتضي القسمة واللاقسمة اقتضاء أوليًّا فخرج بالقيد الأول الأعراض النسبية وهي الإضافة والملك والفعل والانفعال والأين والمنى والوضع وبالقيد الثاني الكم متصلا كان أو منفصلا وبالثالث النقطة. وبالقيد الرابع دخل مثل العلم بالمعلومات المقتضية للقسمة واللاقسمة فإن اقتضاء العلم لذلك ثانوي بواسطة المعلوم فعلم أن من تكلم بالفصيح وليس له ملكة غير فصيح متكلم أو لا،
قال:
(وجعلوا بلاغة الكلام = طباقه لمقتضى المقام)
أقول: (بلاغة الكلام) مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته وأسقط المصنف هذا القيد لضيق النظم واحترز به عن نحو شعره مستشزر إذا ألقى إلى خالي الذهن ويقيد المطابقة عن نحو إن زيدا قائم إذا ألقي لخالي الذهن. والحال هو الأمر الداعي إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به أصل المراد خصوصية ما وهي أي موصوفها مقتضى الحال، مثلا كون المخاطب منكرا للحكم حال يقتضي كلاما مؤكدا وهو كلي وهذا الكلي مقتضى الحال وإن زيدا قائم فرد من أفراد ذلك الكلي مطابق له بمعنى أنه مصدوق لذلك الكلي وفرد من أفراده وهذا عكس مطابقة الكلي لجزئياته إذ هي صدقه على كل واحد منها ولم يتكلم المصنف على البلاغة في المتكلم للعلم بها من الفصاحة فيه فهي ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ فعلم مما ذكر في حد البلاغة أن كل بليغ كلاما كان أو متكلما فصيح لجعل الفصاحة شرطا للبلاغة وليس كل فصيح بليغا كلاما كان أو متكلما لأن الفصيح قد يعرى عن المطابقة كما تقدم ولبلاغة الكلام طرفان أعلى وهو ما يقرب من حد الإعجاز هو أن يرتفع الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضته وخص البشر لأنهم أقوى أصناف المخلوقين على ذلك فإذا عجزوا فغيرهم أولى أو لأنه لم يوجد معاند إلا منهم، وأسفل وهو ما إذا غير الكلام عنه إلى ما دونه أي إلى مرتبة هي أدنى منه التحق وإن كان صحيح الإعراب عند البلغاء بأصوات الحيوانات. وبين الطرفين مراتب كثيرة بعضها أعلى من بعض بحسب تفاوت المقامات ورعاية الإعتبارات ويتبعها وجوه أخر غير المطابقة والفصاحة تورث الكلام حسنا وهي أنواع البديع.
قال:

وحافظ تأدية المعاني = عن خطأ يعرف بالمعاني
وما من التعقيد في المعنى يقي = له البيان عندهم قد انتقي
وما به وجوه تحسين الكلام = تعرف يدعى بالبديع والسلام
أقول : قد علم مما تقدم أن البلاغة مرجعها أي ما يجب حصوله لتحصل أمران: الأول تمييز الكلام الفصيح من غيره وإلا لربما أدى الكلام المطابق لمقتضى الحال غير فصيح فلا يكون بليغا لوجوب الفصاحة في البلاغة.
الثاني الإحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد وإلا لربما أدى المعنى المراد بلفظ فصيح غير مطابق لمقتضى الحال فلا يكون بليغا أما الأول فبعضه يعرف من علم اللغة وهي الغرابة وبعضه من علم التصريف وهو مخالفة القياس وبعضه من علم النحو وهو ضعف التأليف و(التعقيد) اللفظي وبعضه يدرك بالحس وهو التنافر فاستغنى عن ذكر ما يعرف به في هذا الكتاب وغيره من كتب البلاغة وهذا الذي يعرف من هذه العلوم ويدرك بالحس ما عدا التعقيد المعنوي فلم يبق مما ترجع إليه البلاغة إلا الثاني وكذلك ما يحترز به عن التعقيد المعنوي على ما تقدم فوضع للثاني أعني ما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى المراد علم المعاني، ولما يحترز به عن التعقيد المعنوي علم البيان، وللوجوه التابعة للبلاغة علم البديع. وأشار إلى الأول بقوله: وحافظ البيت وليس في المعاني الأول والثاني الإيطاء لاختلاف المعنى لأن الأول جمع والثاني مفرد والثاني بقوله: وما من (التعقيد) البيت فقوله يقي أي يحفظ ومن التعقيد يتعلق به وانتقي اختير والثالث بقوله: وما به البيت وما مبتدأ وبه متعلق بتعرف ويدعى أي يسمى خبر ما وقوله والسلام أي على من اتبع الهدى تكميل ولما كان هذا التأليف في علم البلاغة وتوابعها انحصر مقصوده في ثلاثة فنون وكثير من الناس يسمي الجميع علم البيان وبعضهم يسمي الأول علم المعاني ويسمي الأخيرين أي (البيان والبديع) علم البيان والثلاثة علم البديع. أما تسمية الأول بالمعاني فلتعلقه بالمعاني لأن به الاحتراز عن الخطأ في المعنى وتسمية الثاني بالبيان فلتعلقه بإيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة لأجل بيان المعنى وإيضاحه. وأما تسمية الثالث (بالبديع) فلبحثه عن المحسنات ولا شك في بداعتها وظرافتها.
وأما تسمية الفنون الثلاثة بالبيان فلأن البيان هو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير ولا شك في تعلق الثلاثة به تصحيحا وتحسينا. وأما تسمية الفنين الأخيرين بالبيان فلتغليب حال الفن الثاني على الثالث والأول بالمعاني لما تقدم. وأما تسمية الفنون الثلاثة بالبديع فلأنه لا خفاء في بداعتها وظرافة لطائفها والله أعلم.

محمد أبو زيد 8 محرم 1430هـ/4-01-2009م 08:22 AM

حاشية المنياوي على حلية اللب المصون للشيخ: مخلوف بن محمد البدوي المنياوي
 

[المقدمة] أقول رتب المصنف كتابه كأصله على مقدمة وثلاثة فنون فجعل الخاتمة داخلة في فن البديع، وهو الوجه بدليل كلام صاحب الأصل في الإيضاح.
وقال بعض شارحي الأصل بعدم الدخول فوجه الحصر، على الأول أن المذكور في الكتاب إما أن يكون من قبيل المقاصد في هذا الفن أو لا.
الثاني المقدمة والأول إن كان الغرض منه الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد فهو الفن الأول، وإلا فإن كان الغرض منه الاحتراز عن التعقيد المعنوي فهو الفن الثاني؛ وإلا فهو الفن الثالث ووجهه على الثاني أن المذكور في الكتاب إما من قبيل المقاصد أو لا، فإن كان من قبيل المقاصد، فإن كان الغرض منه الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد، فهو الفن الأول وإن كان الغرض منه الاحتراز عن التعقيد المعنوي فهو الفن الثاني، وإن كان الغرض منه معرفة وجوه تحسين الكلام فهو الفن الثالث، وإن لم يكن من قبيل المقاصد، فإما أن يتعلق بها تعلق السابق باللاحق أو تعلق اللاحق بالسابق.
فالأول هو المقدمة والثاني هو الخاتمة.
فإن قلت هذا التقسيم غير شامل للخطبة والتراجم لظهور عدم دخولها في شيء من الأقسام؛ مع أنها من جملة ما ذكر في الكتاب.
فالجواب أن المراد بالمذكور في الكتاب المذكور في التقسيم ماله مدخل وخصوصية بهذا الفن، فحينئذ لا تكون الخطبة ونحوها داخلة في المقسم حتى يلزم عدم شمول الأقسام لها.
والمقدمة بالكسر مأخوذة من مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه، أي: منقولة من ذلك لمناسبة بينهما، لأن هذه المقدمة تقدم الإنسان لمقصوده ،كما أن مقدمة الجيش تقدمه، أي: تجسره على التقدم فيكون استعمال لفظ المقدمة في مقدمة العلم ومقدمة الكتاب حقيقة عرفية، ويحتمل أنها مأخوذة منها أي: (غير واضح في الأصل) وبالفتح من الأول لا غير لأن المؤلف قدمها أمام مقصوده وهي قسمان: مقدمة علم ومقدمة كتاب. فمقدمة العلم ما يتوقف عليها الشروع في ذلك العلم، وهو تصوره بوجه ما إن أريد مجرد الشروع، أو تصوره برسمه، أو حده، وتصور موضوعه وغايته إن أريد الشروع على بصيرة وهذه معان محضة وذكر الألفاظ لتوقف الأنباء عنها عليها، لا أنها مقصودة لذاتها حتى لو تيسر فهم المعنى من غير ألفاظ لم يحتج إليها أصلا.
ومقدمة الكتاب اسم لطائفة من كلامه قدمت أمام المقصود، لارتباط له بها وانتفاع بها فيه، فالأولى معان، والثانية ألفاظ.
فبين المقدمتين تباين والمقدمة هنا مقدمة كتاب لا علم خلافا لصاحب المنن في شرحه لأنها طائفة من الكتاب، وهي ألفاظ ذكرت أمام المقصود، وهو المعاني والبيان والبديع لارتباط كل بما ذكره هنا من معنى الفصاحة والبلاغة، وانحصار علم البلاغة في علمي المعاني والبيان وما يلائم ذلك، ولو عبر المصنف بمقدمة بالتنكير كما عبر أصله لكان صوابا، إذ لا وجه للتعريف لأن طرقه أربعة العهد الخارجي أو الذهني أو الجنس أو الاستغراق ولا يصلح المقام لشيء من ذلك، بخلاف التعريف في الفنون الثلاثة فله وجه، وهو تقدم العلم بها.
من قوله: ومن التعقيد البيتين فناسب الإيراد بالتعريف.
قال:

(فصاحة المفرد أن يخلص من = تنافر غرابة خلف زكن)
أقول: (الفصاحة) في اللغة تنبئ عن الظهور والإبانة، يقال فصح الأعجمي إذا انطلق لسانه وخلصت لغته من اللكنة، وقال تعالى حكاية عن سيدنا موسى- وأخي هرون هو أفصح مني لسانا- أي أبين مني قولا، ومعناها اصطلاحا يختلف باختلاف موصوفها وموصوفها الكلمة والكلام والمتكلم، يقال كلمة فصيحة وكلام فصيح في النار وقصيدة فصيحة في النظم ومتكلم فصيح.
وأما (البلاغة) فيوصف بها المتكلم والكلام فقط فيقال كلام بليغ ومتكلم بليغ ولا يقال كلمة بليغة، وذكر المصنف فصاحة الكلمة وهي مقصوده بالمفرد في هذا البيت فذكر أنها عبارة عن خلوصه من ثلاثة أمور- الأول (التنافر) وهو وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها فمنه ما تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل كالهعخع بضم الهاء والخاء المعجمة وسكون العين المهملة الأولى من قول أعرابي وقد سئل عن ناقته فقال تركتها ترعى الهعخع والهاء والعين لا يكادان يجتمعان من غير فصل وهو شجر مستحدث قيل ولا أصل له في كلامهم وإنما هو الخعخع بخاءين معجمتين ومنه ما دون ذلك كمستشزرات من قول امرئ القيس:



*غدائره مستشزرات إلى العلى*


أي: ذوائبه جمع غديرة، والضمير للفرع قبله، والفرع الشعر التام، ومستشزرات أي: مرتفعات إن قرئ بكسر الزاي أو مرفوعات إن قرئ بفتحها.
وضابط التنافر كل ما عده الذوق السليم الصحيح ثقيلا معسر النطق سواء كان من قرب المخارج أو بعدها أو غير ذلك.
الثاني (الغرابة) وهي كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى، ولا مألوفة الاستعمال، فتحتاج معرفتها إلى تفتيش عنها في كتب اللغة المبسوطة ،كما روي عن بعضهم أنه سقط عن حماره فاجتمع عليه ناس فقال مالكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنة، أفرنقعوا أي: اجتمعتم تنحوا عني أو تخريج لها على معنى بعيد نحو مسرج في قوله العجاج*وفاحما ومرسنا مسرجا*فإنه لم يعرف ما أراد بقوله مسرجا حتى اختلف في تخريجه، فقيل هو من قولهم في السيوف سريجية منسوبة إلى قين ،أي: حداد يقال له سريج يريد أنه في الدقة والاستواء كالسيف السريجي، وقيل من السراج يريد أنه في البريق واللمعان كالسراج ،وهذا يقرب من قولهم سرج الله وجهه أي: بهجه وحسنه وفاحما أي شعرا أسود كالفحم معطوف على منصوب قبله والمرسن بفتح الميم مع فتح السين وكسرها الأنف الثالث المخالفة للقواعد بأن تكون الكلمة على خلاف قانون مفردات الألفاظ الموضوعة ،كالفك فيما يجب إدغامه وعكسه نحو قول أبي النجم: الحمد لله العلي الأجلل الواحد الفرد القديم الأول.
والقياس الأجل بالإدغام لاجتماع مثلين مع تحريك الثاني، فنحو ماء وآل وعور وقطط فصيح، لأنه ثبت عن الواضع كذلك فهو في حكم الاستثناء من القياس، وزاد بعضهم أمرا رابعا وهو الخلوص من الكراهة في السمع، بأن تكون الكلمة بحيث يمجها السمع نحو الجرشي أي: النفس في قول أبي الطيب*كريم الجرشي شريف النسب*ورد ذلك بأن الكراهة في السمع*من قبيل الغرابة فلا زيادة على الثلاثة وزكن علم.
قال:


(وفي الكلام من تنافر الكلم = وضعف تأليف وتعقيد سلم)
أقول المراد (بالكلام) المركب مجازا من باب إطلاق اسم الخاص على العام، ومقابلته بالمفرد قرينة، لذلك: فيشمل المركب الناقص كان قام زيد والتام كزيد قائم فالتعميم في جانبه أي:( الكلام )ما ليس بمفرد وقيل إن المركب الناقص داخل في المفرد والتعميم فيه، أي: المفرد ما ليس بكلام، أي: مركب تام، وهو مختار السعد في شرح الأصل والمرجح الأول.
قوله (من تنافر.. الخ) أي: خلوصه من هذه الأمور الثلاثة، وترك رابعا ذكره، أصله هو فصاحة كلماته احترازا من نحو زيد أجلل، فليس بفصيح، فالتنافر أن تكون الكلمات ثقيلة على اللسان، وإن كان كل منها أسأي تاافصيحا والثقل يكون متناهيا كما في قوله:


وليس قرب قبر حرب قبر



وغير متناه كما في قوله:



كريم متى أمدحه أمدحه والورى.

=

معي وإذا ما لمته لمته وحدي.

ومنشأ الثقل في الأول نفس اجتماع الكلمات، وفي الثاني حروف منها، وهو في تكرار( أمدحه) دون مجرد الجمع بين الحاء والهاء لوقوعه في التنزيل نحو فسبحه، فلا يقال إن مثل هذا الثقل مخل (بالفصاحة)، وضعف التأليف أن يكون تأليف الكلام على خلاف القانون النحوي، كالإضمار قبل الذكر لفظا ومعنى وحكما نحو ضرب غلامه زيدا، بخلاف ضرب زيد غلامه قوله وضرب غلامه زيد وهو زيد قائم. و(التعقيد) أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى المراد لخلل واقع إما في نظم الكلام بسبب تقديم أو تأخير فيه أو حذف أو غير ذلك مما يوجب صعوبة فهم المعنى المراد وإما في انتقال الذهن من المعنى الأصلي إلى المعنى المقصود فالأول كقول الفرزدق في خال هشام بن عبد الملك وهو إبراهيم:


وما مثله في الناس إلا مملكا


أبو أمه حي أبوه يقاربه أي ليس مثله في الناس أحد يقاربه أي يشبهه في الفضائل إلا مملكا أي رجلا أعطي الملك يعني هشاما أبو أمه أي أبو أم ذلك المملك أبوه أي أبو إبراهيم الممدوح أي لا يماثله أحد إلا ابن أخته وهو هشام ففيه فصل بين المبتدأ والخبر أعني أبو أمه أبوه بالأجنبي الذي هو حي وفصل بين الموصوف وصفته أعني حي يقاربه بالأجنبي الذي هو أبوه وتقديم المستثنى أعني مملكا على المستثنى منه أعني حي وفصل كثير بين البدل وهو حي والمبدل منه وهو مثله فمثله اسم ما وفي الناس خبره وإلا مملكا منصوب لتقدمه على المستثنى منه .و الثاني .
كقول الآخر:

سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا = وتسكب عيناء الدموع لتجمد
جعل (سكب الدموع )كناية عما يلزم فراق الأحبة من الكآبة والحزن وأصاب لكنه أخطأ في جعل جمود العين كناية عما يوجبه التلاقي من الفرح والسرور فإن الإنتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع حال إرادة البكاء وهي حالة الحزن لا إلى ما قصده من السرور الحاصل بالملاقاة وزاد بعضهم الخلوص من كثرة التكرار وتتابع الإضافات.
فالأول كقوله:


سبوح لها منها عليها شواهد

والثاني كقوله:


حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي

ورد بأن ذلك إن ثقل اللفظ بسببه على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بالتنافر وإلا فلا يخل بالفصاحة كيف وقد وقع في القرآن قال الله تعالى {والشمس وضحاها}الخ فكرر الضمائر وقال{ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك}وقال{واعف عنا واغفر لنا وارحمنا} وقال تعالى في تكرير الأضافات {ذكر رحمة ربك عبده زكريا. كدأب آل فرعون}.
[فائدة] ذكر بعض الفضلاء أن من خصائص القرآن أنه اجتمع فيه ثمان ميمات متواليات ولم يحصل بسببها ثقل على اللسان أصلا بل إزدادت خفة وذلك في قوله تعالى{وعلى أمم ممن معك} فإن التنوين في أمم والنون في ممن معك يدغمان في الميم بعدهما فيصيران في حكم ميم أخرى والميم المشددة في ممن بميمين وفيه أربع أخر فهذه ثمانية وقوله سلم أي خلص خبر مبتدأ معلوم من المقام وهو مؤول بمصدر ومن تنافر متعلق به أي و(الفصاحة) في الكلام خلوصه من تنافر الكلم.
قال:

(وذي الكلام صفة بها يطيق = تأدية المقصود باللفظ الأنيق)
أقول: (ذي الكلام) معطوف على الكلام في البيت قبله أي: والفصاحة في ذي الكلام أي صاحبه وهو المتكلم صفة.. الخ. والمراد بالصفة الملكة.
ومعنى البيت والفصاحة في المتكلم ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح.
والملكة هي الكيفية الراسخة في النفس والكيفية عرض لا يتوقف تعقله على تعقل غيره ولا يقتضي القسمة واللاقسمة اقتضاء أوليًّا فخرج بالقيد الأول الأعراض النسبية وهي الإضافة والملك والفعل والانفعال والأين والمنى والوضع وبالقيد الثاني الكم متصلا كان أو منفصلا وبالثالث النقطة. وبالقيد الرابع دخل مثل العلم بالمعلومات المقتضية للقسمة واللاقسمة فإن اقتضاء العلم لذلك ثانوي بواسطة المعلوم فعلم أن من تكلم بالفصيح وليس له ملكة غير فصيح متكلم أو لا،
قال:
(وجعلوا بلاغة الكلام = طباقه لمقتضى المقام)
أقول: (بلاغة الكلام) مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته وأسقط المصنف هذا القيد لضيق النظم واحترز به عن نحو شعره مستشزر إذا ألقى إلى خالي الذهن ويقيد المطابقة عن نحو إن زيدا قائم إذا ألقي لخالي الذهن. والحال هو الأمر الداعي إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدي به أصل المراد خصوصية ما وهي أي موصوفها مقتضى الحال، مثلا كون المخاطب منكرا للحكم حال يقتضي كلاما مؤكدا وهو كلي وهذا الكلي مقتضى الحال وإن زيدا قائم فرد من أفراد ذلك الكلي مطابق له بمعنى أنه مصدوق لذلك الكلي وفرد من أفراده وهذا عكس مطابقة الكلي لجزئياته إذ هي صدقه على كل واحد منها ولم يتكلم المصنف على البلاغة في المتكلم للعلم بها من الفصاحة فيه فهي ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ فعلم مما ذكر في حد البلاغة أن كل بليغ كلاما كان أو متكلما فصيح لجعل الفصاحة شرطا للبلاغة وليس كل فصيح بليغا كلاما كان أو متكلما لأن الفصيح قد يعرى عن المطابقة كما تقدم ولبلاغة الكلام طرفان أعلى وهو ما يقرب من حد الإعجاز هو أن يرتفع الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضته وخص البشر لأنهم أقوى أصناف المخلوقين على ذلك فإذا عجزوا فغيرهم أولى أو لأنه لم يوجد معاند إلا منهم، وأسفل وهو ما إذا غير الكلام عنه إلى ما دونه أي إلى مرتبة هي أدنى منه التحق وإن كان صحيح الإعراب عند البلغاء بأصوات الحيوانات. وبين الطرفين مراتب كثيرة بعضها أعلى من بعض بحسب تفاوت المقامات ورعاية الإعتبارات ويتبعها وجوه أخر غير المطابقة والفصاحة تورث الكلام حسنا وهي أنواع البديع.
قال:

وحافظ تأدية المعاني = عن خطأ يعرف بالمعاني
وما من التعقيد في المعنى يقي = له البيان عندهم قد انتقي
وما به وجوه تحسين الكلام = تعرف يدعى بالبديع والسلام
أقول : قد علم مما تقدم أن البلاغة مرجعها أي ما يجب حصوله لتحصل أمران: الأول تمييز الكلام الفصيح من غيره وإلا لربما أدى الكلام المطابق لمقتضى الحال غير فصيح فلا يكون بليغا لوجوب الفصاحة في البلاغة.
الثاني الإحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد وإلا لربما أدى المعنى المراد بلفظ فصيح غير مطابق لمقتضى الحال فلا يكون بليغا أما الأول فبعضه يعرف من علم اللغة وهي الغرابة وبعضه من علم التصريف وهو مخالفة القياس وبعضه من علم النحو وهو ضعف التأليف و(التعقيد) اللفظي وبعضه يدرك بالحس وهو التنافر فاستغنى عن ذكر ما يعرف به في هذا الكتاب وغيره من كتب البلاغة وهذا الذي يعرف من هذه العلوم ويدرك بالحس ما عدا التعقيد المعنوي فلم يبق مما ترجع إليه البلاغة إلا الثاني وكذلك ما يحترز به عن التعقيد المعنوي على ما تقدم فوضع للثاني أعني ما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى المراد علم المعاني، ولما يحترز به عن التعقيد المعنوي علم البيان، وللوجوه التابعة للبلاغة علم البديع. وأشار إلى الأول بقوله: وحافظ البيت وليس في المعاني الأول والثاني الإيطاء لاختلاف المعنى لأن الأول جمع والثاني مفرد والثاني بقوله: وما من (التعقيد) البيت فقوله يقي أي يحفظ ومن التعقيد يتعلق به وانتقي اختير والثالث بقوله: وما به البيت وما مبتدأ وبه متعلق بتعرف ويدعى أي يسمى خبر ما وقوله والسلام أي على من اتبع الهدى تكميل ولما كان هذا التأليف في علم البلاغة وتوابعها انحصر مقصوده في ثلاثة فنون وكثير من الناس يسمي الجميع علم البيان وبعضهم يسمي الأول علم المعاني ويسمي الأخيرين أي (البيان والبديع) علم البيان والثلاثة علم البديع. أما تسمية الأول بالمعاني فلتعلقه بالمعاني لأن به الاحتراز عن الخطأ في المعنى وتسمية الثاني بالبيان فلتعلقه بإيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة لأجل بيان المعنى وإيضاحه. وأما تسمية الثالث (بالبديع) فلبحثه عن المحسنات ولا شك في بداعتها وظرافتها.
وأما تسمية الفنون الثلاثة بالبيان فلأن البيان هو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير ولا شك في تعلق الثلاثة به تصحيحا وتحسينا. وأما تسمية الفنين الأخيرين بالبيان فلتغليب حال الفن الثاني على الثالث والأول بالمعاني لما تقدم. وأما تسمية الفنون الثلاثة بالبديع فلأنه لا خفاء في بداعتها وظرافة لطائفها والله أعلم.






المقــدمة


قوله: (رتب المصنف كتابه.. إلخ) شرع يتكلم على أربعة مباحث:
الأول في انحصار الكتاب في أربعة أجزاء المقدمة والفنون الثلاثة وبيان أن الخاتمة ليست جزءا خامسا مستقلا بل هي من الثالث.
الثاني في بيان نقل المقدمة واشتقاقها.
الثالث في الفرق بين مقدمة العلم ومقدمة الكتاب وبيان أنها هنا مقدمة كتاب.
الرابع في الاعتراض على المصنف في تعريف المقدمة ويأتي ما فيه.
قوله: (بدليل.. إلخ) قال السعد قال في الإيضاح في آخر بحث المحسنات اللفظية هذا ما تيسر لي بإذن الله جمعه، وتحريره من أصول الفن الثالث وبقيت أشياء يذكرها في البديع بعض المصنفين وهي قسمان: أحدهما ما يجب ترك التعرض له لعدم كونه راجعا إلى تحسين الكلام أو لعدم الفائدة في ذكره لكونه داخلا فيما سبق من الأبواب.
و الثاني ما لا بأس بذكره لاشتماله على فائدة مع عدم دخوله فيما سبق مثل: القول في السرقات الشعرية وما يتصل بها اه،ـ فأنت تراه جعل المقصود بالخاتمة، وهو السرقات.. إلخ. مما يذكر في البديع فتعين كون الخاتمة داخلة فيه.
قوله: (التعقيد المعنوي) هو أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد لخلل في الانتقال وسيأتي بيانه.
قوله: (المذكور في التقسيم) بالجر نعت للمذكور قبله وما خبر أن.
قوله: (والمقدمة) أي: من حيث هي لا بقيد كونها لهذا الكتاب، ولذلك أظهر مع أن المقام للإضمار تأمل صبان.
قوله: (للجماعة) أي: الموضوعة للجماعة اهـ منه أي: أنها نقلت من الوصفية إلى الجماعة المذكورة.
قوله: (منقولة) فسر الشارح مأخوذه تبعا للفنري وغيره بمنقولة، أو مستعارة ورده عبد الحكيم فانظره.
قوله: (لأن هذه المقدمة.. إلخ) المناسب حذف هذه لأن الكلام ليس في مقدمتنا بخصوصها كما علمت، وهذا بيان للمناسبة بينهما ويأتي ما فيه.
قوله: (فهي من.. إلخ) أي: باعتبار أصلها قبل النقل وكذا يقال في ويحتمل.. إلخ، وهذا بيان لاشتقاقها حال الوصفية بعد بيان نقلها أو استعارتها، وهو تفريع على المناسبة المذكورة ،وذلك أنه حيث اعتبر في مقدمة الجيش كونها تقدمه يكون قد نقل إليها اللفظ المأخوذ من المتعدي وقد نقل منها لهذه للمناسبة بينهما.
وحاصل المقام أن المقدمة في الأصل صفة بلا نزاع، مأخوذة من قدم اللازم على المختار لما قاله الحفيد من أن الظاهر أن تضاف الصفة المتعدية إلى المفعول كمقدمة المشتغل بها، لا إلى ما له نوع تعلق كالكتاب وعلى هذا فهي مكسورة الدال لا غير، وعلى خلافه يصح أيضا الفتح، ثم نقلت للاسمية، فإما أن تجعل للطائفة المتقدمة من الجيش ثم تنقل عنها على وجه الحقيقة، أو المجاز إلى اسم أول كل شيء، ويتعين المراد بالإضافة كالكتاب والعلم، وإما أن تنتقل أولا إلى اسم أول كل شيء، والتعيين بالإضافة كالجيش والكتاب، فالنقل على الأول إلى مقدمة الكتاب أو العلم بواسطة دون الثاني والتاء على كل النقل كذا في الحفني على رسالة الوضع وغيره، وهو شائع جدا والأول من وجهي النقل هو ما يفيده الشارح.
إذا علمت هذا فتقديم الشارح احتمال الأخذ من المتعدي، وبناء مناسبة النقل عليه وتمريض المختار بقوله، ويحتمل ليس على ما ينبغي، ولعبد الحكيم أن إطلاق المقدمة على مقدمة الجيش باعتبار الوصفية لا الاسمية ،وقد علمت أنه لا يقول بالنقل عن مقدمة الجيش.
قوله: (وبالفتح.. إلخ) الظاهر أنها حينئذ باقية على الوصفية.
قوله: (هو تصوره) أي متعلق تصوره وكذا يقال فيما بعده ليوافق قوله بعد وهذه معان محضة تأمل.
قوله: (لطائفة) أي جماعة وقوله من كلامه من إضافة العام إلى الخاص، أو المعنى من كلام مؤلفه صبان.
قوله: (قدمت) أي جعلت أمام فلا بد من التجريد للسلامة من الركة بتكرار أمام معه اهـ دسوقي.
قوله: (لارتباط له بها) أي سواء توقف عليها الشروع أم لا، وإنما اعتبر الارتباط في جانب المقصود دون المقدمة نظرا إلى أنه موقوف عليها نقله الصبان عن يس وقوله سواء توقف.. إلخ، بأن كان مدلولها مقدمة علم.
قوله: (فالأولى.. إلخ) تفريع على التعريفين إلا أن أوله مكرر فالأولى حذفه، وإبدال لفظ الثانية بلفظ هذه للتناسب وتفريع كل من قوله هذه معان فيما سبق، ولفظ هذه ألفاظ هنا على سابقه. فإن قلت إذا جعل مقدمة الكتاب عبارة عن الألفاظ يلزم الحذف في بها وبها أي: بمعناها إذ ارتباط المقاصد والانتفاع إنما هو بالمعاني ومعلوم، أن ارتكاب الحذف في موضع واحد أعني.
قوله:( لطائفة) أي لمعاني طائفة أولى. قلت لما كانت الألفاظ هي طريق الإفادة والاستفادة لم يحتج إلى تقدير مضاف في الموضعين اهـ من الفنري بتصرف.
وقوله:(هي طريق.. إلخ) أي فيصح جعل الارتباط بها لإفادتها المرتبط به حقيقة وكذا الانتفاع وهو ظاهر.
قوله: (فبين المقدمتين.. إلخ) وبين مقدمة العلم ومدلولات مقدمة الكتاب، أو دوال مقدمة العلم ومقدمة الكتاب عموم، وخصوص مطلق إن اعتبر في مفهوم مقدمة العلم نقدمها وضعا، وإلا وهو ما يقتضيه تعريف الشارح كان كل من العموم والخصوص وجهيا صبان بتصرف.
قوله: (لارتباط كل.. إلخ) لبحث هذه الفنون عن أسرار البلاغة المتوقفة على الفصاحة والاقتصار عليها في المقصود المقتضي الانحصار فيها.
قوله: (إذ لا وجه للتعريف) ممنوع لعهد المقدمة ذكرا ضمنيا في قوله سلكت ما أبدي.. إلخ، إذ هو في قوة رتبته على مقدمة.. إلخ، والعهد الذكري نوع من الخارجي كما سيتضح وحينئذ فقوله ولا يصلح.. إلخ، ممنوع.
قوله: (وما من التعقيد البيتين) صوابه وحافظ الأبيات.
قوله: (فصاحة المفرد) المراد بها الكيفية القائمة به التي أوقعها المتكلم، لا الإيقاع الذي هو المعنى المصدري، وقدم المصنف الفصاحة على البلاغة لتوقف معرفة البلاغة على معرفتها، لكونها مأخوذة في تعريفها، وقدم فصاحة المفرد على فصاحة الكلام والمتكلم لتوقفهما عليها قاله السعد.
قوله: (أن يخلص) قال السعد تفسير الفصاحة بالخلوص، لا يخلو عن تسامح قال الصبان نقل عنه في وجه التسامح أن الخلوص لازم غير محمول؛ لكون الفصاحة عندهم وجودية، والخلوص عدميا، لأنها كون اللفظ جاريا على القوانين المستنبطة من استقراء كلام العرب متناسب الحروف كثير الاستعمال، والخلوص من الأمور المذكورة عبارة عن عدمها من اللفظ، فلا يصح أن الفصاحة هي الخلوص، وإن صح أن الفصيح هو الخالص، لأن تصادق المشتقات كالناطق والضاحك لا يستلزم تصادق مأخذها كالنطق والضحك، إلا أن يكون أحدهما بمنزلة الجنس للآخر كالمتحرك والماشي فإنه يصح المشي حركة مخصوصة، وإنما استقام في الجملة تفسيرها بالخلوص لقصد المبالغة وادعاء أنها نفسه اه.
ـقوله: (تنافر) أي في الحروف.
قوله: (تنبئ.. إلخ) لما كان الواقع في كتب اللغة ذكر معان متعددة للفصاحة وكلها تدل على معنى الظهور، ولم يتحقق منها الحقيقي من المجازي لما وقع في ذلك من الاختلاف والاشتباه أتى الشارح في بيان الفصاحة بما يجمع معانيها الحقيقية والمجازية، وهو الإنباء عن الظهور والإبانة والمراد بالإنباء الدلالة أعم من أن تكون بطريق المطابقة أو التضمن أو الالتزام، فإن كانت موضوعة للظهور والإبانة كان إنباؤها عنهما مطابقة أولهما ولغيرهما كان تضمنا أو لشيء يلزمه الظهور والإبانة ،كخلوص اللغة وانطلاق اللسان كان التزاما، فهذا نكتة قول الشارح تنبئ.. إلخ، دون أن يقول هي الظهور والإبانة اهـ صبان.
قوله: (بضم الهاء والخاء) الذي في الفنري بكسر الهاء وفتح الحاء المعجمة، وكسرها نبت أسود والضم إنما هو للخاءين في الرواية التي يذكرها ذكره الفنري أيضا.
قوله: (امرئ القيس) لقب.
قوله: (غدائره) تمامه.

تضل العقاص في مثنى ومرسل

(تضل) أي تغيب والعقاص جمع عقيصة، وهي الخصلة المجموعة من الشعر، وهي بمعنى الغدائر وأقام الظاهر مقام المضمر إشارة إلى تسمية تلك عقاصا أيضا، و(المثنى) المفتول والمرسل الخالي من العقص والثني، ومعنى البيت أن الذوائب التي هي الخصل المجموعة مرتفعة على الرأس إلى جهة العلى مشدودة عليها، كالرمانة تغيب هذه الذوائب التي تسمى عقاصا أيضا في شعر مفتول وخال من الجمع والفتل يسبلان عليها، لأن عادة نساء العرب بعد أن تعقص جانبا من الشعر وتشده على الرأس ،كالرمانة ترسل فوقه المثنى والمرسل وفي جمع العقاص مع إفراد المثنى والمرسل لطيفة، وهي الإشارة إلى أن العقاص مع كثرتها تغيب في الأخيرين مع وحدتهما، ففيه إشارة إلى كثرة شعرهما، والغرض من الكلام برمته بيان كثرة الشعر اهـ، من السعد وحاشيتيه ورد عبد الحكيم كون الغدائر هي العقاص وهو مدفوع بتأمل سابق الكلام ولاحقه.
قوله: (إلى العلى) جمع العلياء تأنيث الأعلى أي: إلى جهة العلى، وهي السموات صبان.
قوله: (ذوائبه) جمع ذؤابة بالهمز، أبدلت الهمزة الأولى بالواو لاستثقالهم وقوع ألف الجمع بين الهمزتين اهـ عبد الحكيم، والذؤابة الشعر المنسدل من الرأس إلى الظهر اهـ سيرامي أي: الذي شأنه الانسدال فلا ينافي أنه قد يكون فوق وسط الرأس كما هنا صبان.
قوله: (غدائره) سميت بذلك لأنها غودرت أي: تركت حتى طالت كذا يؤخذ من الفنري، فهي في الأصل فعيلة بمعنى مفعولة.
قوله: (وضابط.. إلخ) ومن ضبطه بتقارب مخارج الحروف، أو تباعدها، أو بغير ذلك مما ليس فيه، وكول للذوق فقد نقض عليه راجع شرحي السعد وحواشيهما.
قوله: (الذوق الصحيح) هو قوة النفس بهما كمال الإدراك، وهو سيلقى كما للعرب العرباء وكسبي كما للمولدين الممارسين كلام بلغاء العرب المزاولين لنكاتهم وأسرارهم صبان.
قوله: (أو غير ذلك) كتوسط الشين بين التاء والزاي في مستشزرات أفاده الصبان.
قوله: (وحشية) إنما وسطها في البين، ولم يقتصر على قوله كون الكلمة غير.. إلخ، تنبيها على تفسير الوحشية بأنها غير ظاهرة المعنى.. إلخ، صبان.
قوله: (غير ظاهرة المعنى) أي الموضوع فلا يرد المتشابه والمشكل والمجمل، لأنها غير ظاهرة الدلالة على المراد اهـ عبد الحكيم.
وقوله: (غير ظاهرة الدلالة.. إلخ) أي مع ظهور المعنى الوضعي، فالاستواء المذكور في القرآن معناه الوضعي ظاهر وهو الجلوس، والمعنى المراد خفي، ومثله الوجه وكذا يقال في المجمل.
قوله: (ولا مألوفة الاستعمال) أي استعمال العرب العرباء، فلا يرد غريب القرآن والحديث لكونه مستعملا لهم عبد الحكيم أي: فغرابته بالنسبة لغيرهم.
قوله: (العجاج) لقب.
قوله: (وفاحما) شطر أخير قبله.

*ومقلة وحاجبا مزججا *

ومقلة عطف على واضحا في بيت قبله، وهي بياض العين مع سوادها وقد تستعمل في الحدقة اهـ فنري ومزججا، أي: مدققا خلقة مطولا مع تقوس.
قوله: (فإنه.. إلخ) تعليل لعد مسرجا غريبا.
قوله: (هو من قولهم.. إلخ) أي ناشئ منه بنسبته إليه وكذا يقال في من السراج.
قوله: (يريد أنه.. إلخ) بيان لحاصل المعنى وتطبيق العبارة عليه، على وفق القاعدة أن يقال فعل قد يجئ لنسبة الشيء إلى أصله نحو تممته، أي: نسبته إلى تميم فمسرج بمعنى منسوب إلى السريجي، أي: بالمشابهة فوجه التخريج هذا ووجه البعد أن مجرد النسبة لا تدل على التشبيه، فأخذه منها بعيد نقله الصبان عن سم.
وقوله: (وتطبيق العبارة.. إلخ) أي تنزيل لفظ مسرج على هذا الحاصل جاريا على.. إلخ.
وقوله: (فمسرج.. إلخ) تفريع على ما يفهم من قوله فعل قد يجئ.. إلخ، من كون صيغة النسب على مفعل، وما هنا يقال في قوله وقيل من السراج.
قوله: (وهذا يقرب.. إلخ) أي المعنى الثاني قريب من هذا القول لأن البريق واللمعان موجب للحسن مطردا بخلاف الدقة والاستواء، فإنه قد يوجبه وقد لا يوجبه، فيؤيد التخريج الثاني بأنه قريب من استعمال سرج بمعنى حسن بخلاف الأول اهـ عبد الحكيم، وانظر حكمة عدم جعل مسرجا اسم مفعول منه في شرحي السعد وحواشيهما.
قوله: (على خلاف قانون.. إلخ) أي على خلاف ما ثبت عن الواضع، ولم يهجر سواء كان موافقا للقياس التصريفي كقام ومد، أو مخالفا أفاده السعد والصبان.
قوله: (نحو قول) أي نحو مخالفة الأجلل في قول، فإن قلت ليس الأجلل مفردا غير فصيح لأن المفرد قسم من الموضوع والموضوع هو الأجل لا الأجلل. قلت أصل كل مغير موضوع عندهم كالفرع إلا أنه هجر الأصل نقله الصبان عن الأطول.
قوله: (الحمد لله.. إلخ) تمامه.



*الواحد الفرد القديم الأول *



وقيل غير ذلك.
قوله: (مع تحريك الثاني) احترز عما لو كان ساكنا، فإنه يجوز الأمران قياسا وفي:


*جزم وشبه الجزم تخيير قفي*



وقد يجب الفك كما في حللت.
قوله: (فنحو.. إلخ) تفريع على الضابط المذكور بتفسير القانون بما سبق.
وقوله: (وآل) أي بناء على أن أصله أهل.
وقوله: (فصيح) أي مع مخالفته للقانون التصريفي، إذ لا تقلب فيه الهاء همزة، ولا يبقى فيه حرف العلة على حاله مع تحركه وانفتاح ما قبله، ولا يفك فيه عند اجتماع مثلين ثانيهما متحرك.
قوله: (في حكم الاستثناء.. إلخ) أي المستثنى، وذلك لأنه بتقريره عن الواضع مع استنباط خلافه من تتبع مفردات اللغة ،كأنه قبل القياس كذا إلا في كذا، فالمراد بالقياس المستثنى منه المستنبط من التتبع المذكور وهو التصريفي.
قوله: (في السمع) المراد هنا القوة السامعة لا معناه المصدري، وهو ظاهر اهـ صبان عن سم.
قوله: (يمجها السمع) أي يتبرأ من سماعها.
قوله: (أبي الطيب) هو المتنبي يمدح سيف الدولة.
قول:( كريم.. إلخ) قبله.


* مبارك الاسم أغر اللقب *
بنقل حركة همزة الاسم إلى اللام قبلها، واسمه على مشعر بالعلق، وموافق لاسم الإمام علي وأغر أي: مشهور صبان.
قوله: (شريف النسب) لكونه عباسيا.
قوله: (ورد.. إلخ) رده عبد الحكيم بأن الأصل ذكر جميع أسباب الإخلال صريحا وترك التصريح ببعضها يحتاج إلى توجيه اه،ـ أي: فلا يستغنى عن ذكر قيد باستلزام آخر له.
قوله: (من قبيل الغرابة) أي فالخلوص عنها يستلزم الخلوص عن الكراهة، فلا حاجة لزيادة هذا، لا يقال إن الخلوص عن الغرابة، يستلزم الخلوص عن التنافر ومخالفة القياس.
(...) حاجة إلى ذكرهما أيضا.لأنا نقول الاستلزام ممنوع لأن مستشزر وأجلل ليسا بغريبين لعدم احتياجهما إلى التنفير والتخريج مع تنافر الأول ومخالفة الثاني ذكره عبد الحكيم.
قوله: (ومقابلته.. إلخ) فيه أن النظر للعكس أعني مقابلة المفرد بالكلام أحسن، لأن ما يفيده من أن المفرد ما ليس بكلام اصطلاح، لا مجاز بخلاف هذا والمتبادر من اللفظ معناه الاصطلاحي أفاده حواشي المختصر، فالإنصاف أن رجحان هذا المراد، إنما هو للمحذور اللازم على مقابله مما ذكره حواشي المختصر لا للمقابلة.
قوله: (فيشمل المركب الناقص) فنحو مسلموي بدون قلب الواو ياء وإدغام الياء، مما خولف فيه القياس خارج، باشتراط الخلوص عن ضعف التأليف.
قوله: (أي خلوصه) حل معنى على ما يأتي له ويأتي ما فيه.
قوله: (وليس قرب.. إلخ) صدره.


*وقبر حرب بمكان قفر *
أي: خال من الماء والكلأ، قال الصبان قيل إن قفر نعت مقطوع، وفيه أن محل صحة قطع النعت إذا تعين المنعوت بدونه، وهنا ليس كذلك، وأجاب الشيخ يس: بأنه ضرورة ويمكن أن يقال إن قفر خبر قبر.
وقوله: (بمكان) أي مع مكانه ومحله، فإنه أيضا قفر، لا القبر فقط انتهى.
وقوله: (قرب ظرف) متعلق بخبر ليس، أو بمعنى مقارب، فإضافته لفظية، فلم يلزم كون خبر ليس معرفة واسمها نكرة اهـ سم أي: الذي هو ممتنع اهـ صبان.
قوله:( كريم.. إلخ) في استعمال متى الدالة على الكلية في المدح، وإذا الخالية من هذه الدلالة، بل هي في قوة الجزئية لطافة، من حيث إنه أشار إلى أنه يضيق صدره ولا ينطلق لسانه بما يدل على الكلية في اللوم صبان عن الجربي.
قوله: (حروف منها) أراد بها مجموع الحاءين والهاءين، وفي عد الهاء حرفا تغليب وضمير منها للكلمات، والمراد بالجمع ما فوق الواحد، فإن المنشأ في الثاني حروف من كلمتين، وفي العبارة استخدام لتغاير مصدوق الضمير والمرجع اهـ منه.
قوله: (مثل هذا الثقل) أي مما ينشأ عن مجرد الجمع نحو أعهد، ولا تزغ قلوبنا فهو وإن كان فيه ثقل لكن لا يخل بالفصاحة، ويبقى السؤال عن سبب وقوع هذا في القرآن، ولم لم ينزه عنه اهـ منه.
قوله: (النحوي) المراد ما يشمل التصريفي ليناسب ما أراده بالكلام، إذ مسلموي المتقدم مخالف للتصريفي، كذا يستفاد من الصبان، ولعبد الحكيم أنه مخالف للنحوي لا التصريفي، وعليه فالشارح على ظاهره.
قوله:( كالإضمار قبل الذكر) أي للمرجع.
وقوله: (لفظا.. إلخ) أقسام للقبلية، ومفهومه أنه لو تقدم المرجع لفظا أو معنى أو حكما فلا ضعف، وقد أفاد الشارح هذا. بقوله بخلاف.. إلخ، فالتقدم اللفظي أن يكون المرجع قبل الضمير لفظا ورتبة أو لفظا فقط، فالأول كمثال الشارح الأول، والثاني نحو ضرب زيدا غلامه والتقدم المعنوي أن لا يكون قبل الضمير لفظا لكن هناك ما يدل على تقدمه، ككون رتبة الفاعل التقديم على المفعول، كما في مثال الشارح الثاني، والتقدم الحكمي أن لا يكون مصرحا به قبل الضمير، وليس هناك ما يقتضي ذكره قبله إلا حكم الواضع، بأن المرجع يجب تقدمه، لكنه خولف مقتضاه لأغراض كالإجمال، فالتفصيل كما في مثال الشارح الثالث فإن المرجع فيه وهو الشأن مذكور قبل حكما، من حيث إن الأصل تقدم المرجع لكن خولف هنا للنكتة المذكورة، فقول الشارح بخلاف.. إلخ، تمثيل للثلاثة على ترتيب ذكرها أولا وانظر بسط المقام في حواشي المختصر.
قوله: (أن لا يكون.. إلخ) قد تقرر أن النفي في باب كان متوجه إلى الخبر، فمعنى ما كان زيد منطلقا كان زيد غير منطلق، فالتقدير هنا كون الكلام على وجه لا تظهر دلالته، فلا يتوجه لومه بأن فيه حمل العدمي على الوجودي نقله الصبان عن سم.
قوله: (لخلل.. إلخ) داخل في التعريف لإخراج المتشابه والمجمل والمشكل، فإن عدم ظهور دلالتها ليس لخلل النظم والانتقال، بل لإرادة المتكلم إخفاء المراد منها لحكم ومصالح على ما تقرر في محله عبد الحكيم.
قوله: (واقع إما في نظم.. إلخ) ذكر عبد الحكيم أن إما مانعة خلو ووجه فانظره.
قوله: (بسبب تقديم أو تأخير) ذكرهما إشارة إلى كون كل واحد مستقلا بالإحلال، وإن كان كل منهما مستلزما للآخر عبد الحكيم، وقوله إلى كون كل واحد أي: ملاحظته أي أن ملاحظة كل واحد دون الآخر يصح معها الحكم بالإحلال أفاده الدسوقي.
قوله: (أو حذف) أي بلا قرينة واضحة، وإلا كان في قوة الإثبات، كما في دنف في جواب كيف زيد اهـ دسوقي.
قوله: (أو غير ذلك) كالفصل بين المبتدأ والخبر، وبين الصفة والموصوف، وبين البدل والمبدل منه بالأجنبي في الجميع، ووقعت هذه الفصول مع التقديم والتأخير في بيت الفرزدق الآتي صبان.
قوله: (مما يوجب.. إلخ) أي وإن كان جاريا على قانون النحو، فذكر ضعف التأليف لا يكون مغنيا عن التعقيد اللفظي، كما زعمه الخلخالي، فإن بينهما عموما من وجه، فيوجد الضعف بدون التعقيد نحو جاءني أبيض منونا، ويوجد التعقيد بدون الضعف في صورة اجتماع أمور كل منها شائع الاستعمال، نحو ألا عمرا الفاسق ضارب زيد، ويجتمعان في بيت الفرزدق من المطول وعبد الحكيم بتصرف.
قوله: (وإما في انتقال.. إلخ) وذلك الخلل يكون لإيراد اللوازم البعيدة المفتقرة إلى الوسائط الكثيرة، مع خفاء القرائن الدالة على المقصود اهـ مطول.
وقوله: (لإيراد اللوازم) أي ذكرها بلفظ الملزومات، ليوافق مذهب الخطيب في الكناية والمجاز ومثله إيرادها بلفظها، وإرادة الملزومات البعيدة على مذهب غيره ممن قال بعكس ما قاله قال عبد الحكيم.
وقوله: (اللوازم) أي جنس اللوازم واحدا كان أو متعددا، بناء على أن الجمع المعرف إذا استحال إرادة الاستغراق منه يحمل على الجنس مجازا ،كما في قوله تعالى- لا يحل لك النساء- وكذا في قوله- الوسائط- أي جنس الواسطة المتصفة بالكثرة بأن تكون ما فوق الواحد، وإنما قيد اللازم بالبعيد والواسطة بالكثرة، لأن القريب والواحدة قلما يخفيان اهـ، فتركهما لقدرتهما، وقوله مع خفاء القرائن لا بد منه حتى لو اتضحت، فلا خلل ولو بعد اللازم ،كما أنه لو كان قريبا لا واسطة له، لكن القرينة خفية، فالخلل والمراد بالقرائن الجنس أفاده الصبان.
قوله: (الفرزدق) لقب الشاعر المشهور واسمه همام بن صعصعة صبان.
قوله: (في الناس) أي لا في العرب فقط.
وقوله: (أبو أمه.. إلخ) في وصف المملك بكون أبي أمه أبا الممدوح إشارة لطيفة إلى أن مشابهة المملك له، إنما جاءت من قبله بحكم أن الوليد يشبه الخال، ففيه مبالغة مدح.
وقوله: (يقاربه) يدل على أن مماثلة المملك للمدوح ليست بكاملة اهـ صبان.
قوله: (بين البدل.. إلخ) هو بدل كل أورده لإفادة نفي المقاربة الذي هو أعم بعد نفي المماثلة اهـ عبد الحكيم.
وقوله: (أورده لإفادة) أي توطئة لإفادة.
قوله: (اسم ما) مقتضاه أن ما حجازية مع أن الشاعر الذي هو الفرزدق تميمي والأصل حمل الكلام على لغة قائله تدبر اهـ صبان.
قوله: (منصوب) أي رجحانا لا وجوبا وقوله لتقدمه أي: والمستثنى في النفي إذا تقدم على المستثنى منه يترجح نصبه لأنه الفصيح اهـ صبان.
قوله: (والثاني) وهو الخلل الواقع في الانتقال.
قوله:( كقول.. الآخر) هو العباس بن الأحنف، ولم يقل كقوله لئلا يتوهم عود الضمير إلى الفرزدق اهـ مختصر.
قوله: (سأطلب.. إلخ) معنى البيت أني اليوم أطيب نفسا بالبعد والفراق، وأوطنها على مقاساة الأحزان والأشواق وأتجرع غصصها، وأتحمل لأجلها حزنا يفيض الدموع من عيني، لأتسبب بذلك إلى وصل يدوم ومسرة لا تزول، فإن الصبر مفتاح الفرج ومع كل يسر عسرا اهـ منه، وفيه إشارة إلى أن السين للتأكيد كما في سنكتب ما قالوا، وقول الشاعر عنكم متعلق ببعد لا بأطلب، وإلا لقال منكم، فالمعنى بعد داري عنكم، وفيه إشارة إلى أنه لا يرضى بنسبة طلب البعد إلى دار المحبوب، فضلا عن نفسه قاله عبد الحكيم.
قوله: (جعل سكب الدموع.. إلخ) عبارة ع ق فقد عبر بسكب الدموع، لينتقل من معناه إلى لازمه، الذي هو وجود الحزن، الذي يحصل كثيرا عن فراق الأحبة اهـ، ومنه يعلم أن قول الشارح كناية عما يلزم فراق الأحبة ،أي :كناية عما يلزمه ويلزم فراق الأحبة اهـ صبان، والمراد باللازم التابع عند أهل هذا الفن، وإن كان أخص قاله عبد الحكيم، فلا اعتراض بأن قوله كثيرا ينفي اللزوم.
قوله: (وأصاب) لأنه كثيرا ما يجعل دليلا عليه يقال أبكاني وأضحكني، أي: ساءني وسرني اهـ مطول.
قوله: (لكنه أخطأ) عند البلغاء وإلا فهو له وجه صحيح ذكره في المطول، وهو أنه استعمل الجمود في مطلق خلو العين مجازا من باب استعمال المقيد في المطلق؛ ثم كنى به عن المسرة، لكونه لازما لها عادة لكن هذا الوجه لا يخرج عن التعقيد المعنوي، لا يراد اللازم البعيد المفتقر إلى الوسائط مع خفاء القرينة، لأن الجمود في الأصل ضد السيلان استعمل في خلو العين عن الدمع حال إرادة البكاء، ثم استعمل في مطلق الخلو ثم كناية عن المسرة مع خفاء القرينة الدالة على أنه مستعمل في مطلق الخلو (قوله لا إلى ما قصده إلخ) لأن السرور إنما يكنى عنه بنحو الضحك ولذلك لا يقال حمد الله عينك أي سرك بل أضحكك الله، فالانتقال من الجمود إلى السرور لا يتبادر، وإنما يفهم بعد التأمل الكثير في القرائن، وما هو كذلك مخل بالفصاحة ع ق.
قوله:( كثرة التكرار) التكرار ذكر الشيء مرة بعد أخرى، وكثرته أن يكون ذلك فوق الواحد اهـ مطول.
قوله: (وتتابع الإضافات) أي ومن تتابع كما قاله ع ق، فهو معطوف على كثرة لا على التكرار، وحينئذ يكون صاحب هذا القيل مشترطا في فصاحة الكلام، خلوصه من تتابع الإضافات، وإن لم تكثر اهـ صبان، والمراد بالإضافات ما فوق الواحد، ولا فرق بين أن تكون مرتبة لا يقع بين المتضايفين شيء غير مضاف ،كما في البيت أو غير مرتبة، هذا ما يشعر به نقل المصنف في الإيضاح عن الشيخ قاله في المطول.
قوله: (سبوح.. إلخ) أوله.


*وتسعدني في غمرة بعد غمرة*
وقوله: (تسعدني) أي تعينني، والغمرة في الأصل ما يغمر من الماء، والمراد هنا الشدة، وسبوح فعول بمعنى فاعل من السبح، وهو شدة عدو الفرس يستوي فيه المذكر والمؤنث، وأراد بها فرسا حسنة الجري لا تتعب راكبها ،كأنها تجري في الماء.
وقوله: (لها صفة سبوح) ومنها حال من شواهد وعليها متعلق به، وشواهد فاعل الظرف، أعني لها لاعتماده على الموصوف، والضمائر كلها لسبوح يعني أن لها من نفسها علامات شاهدة على نجابتها اهـ مطول، مع بعض زيادة.
وقوله: (وهو شدة.. إلخ) بيان للمواد، إذ المعنى الأصلي هو العوم في الماء أفاده عبد الحكيم.
وقوله: (يعني أن لها.. إلخ) أشار به إلى أن المراد بالشواهد الدلائل، فيندفع ما يقال الشهادة بعلي للمضرة قاله الصبان.
قوله: (حمامة جرعى.. إلخ) تمامه.


*فأنت بمرأى من سعاد ومسمع*
ففيه إضافة حمامة إلى جرعى، وجرعى إلى حومة، وحومة إلى الجندل، والجرعاء تأنيث الأجرع قصره للضرورة، وهي أرض ذات رمل لا تنبت شيئا، والحومة معظم الشيء، والجندل أرض ذات حجارة، والسجع هدير الحمام ونحوه.
وقوله: (فأنت بمرأى.. إلخ) أي بحيث تراك وتسمع صوتك، يقال فلان بمرأى مني ومسمع، أي بحيث أراه وأسمع قوله كذا في الصحاح اهـ مختصر.
وقوله: (وجرعى إلى حومة) أي للبيان، أو إضافة الجزء للكل، بناء على أن الجرعى نفس الحومة أو بعدها.
وقوله: (ونحوه بالرفع) أي نحو الهدير كحنين الناقة، أو بالجر أي: نحو الحمام كالناقة ولا تجوز في الهدير على الأول، وهو على الثاني مستعمل في حقيقته ومجازه قاله الصبان.
وقوله: (بحيث.. إلخ) أي فالحمامة مطلوب منها السجع، لأجل أن تسمعها المحبوبة فتطرب.
قوله: (ورد.. إلخ) يقتضي كلامه حصر جهة إخلالهما، في الفصاحة، في الثقل، وبحث فيه بأنهما قد يؤديان إلى الكراهة في السمع دون الثقل، فيخلان بالفصاحة. وأجيب بأن ذلك على تقدير تسليمه نادر بعيد فلم يلتفت إليه، وبأنه أحال دفع الخدش بهما، إذا حصل منهما كراهة في السمع على ما تقدم من الاستغناء عن زيادة اشتراط الخلوص عن الكراهة في السمع، باشتراط الخلوص عن الغرابة نقله الصبان عن سم.
قوله: (ذلك) أي ما ذكر من الأمرين.
قوله:( كيف) استفهام إنكاري.
وقوله: (وقع) أي كل منهما.
قوله: (خبر مبتدأ معلوم من المقام) هو الفصاحة.
وقوله: (وهو مؤول.. إلخ) أي بدون سابك على حد تسمع بالمعيدي.. إلخ، هذا والذي في ع ق أن الخبر محذوف، أي خلوصه يدل عليه ما سبق.
وقوله: (سلم) كمل به البيت، إذ هو تأكيد، والتقدير فصاحة الكلام خلوصه مما ذكر حال كونه قد سلم منه، ومن المعلوم أن الخلوص هو السلامة مما ذكر، وهو المناسب دون ما سلكه الشارح، إذ التأويل بدون سابك سماعي لا يقاس عليه، على أنه لم يرد في الماضي.
قوله: (الأنيق) المراد به الفصيح كما سيفيده الشارح.
قوله: (في البيت قبله) أي على الكلام في البيت قبله، كما سيفيده، ثم رأيته في نسخة.
قوله: (والمراد.. إلخ) وأفاد بتعبيره بالمضارع المقتضي الاستمرار الإطاقة، إذ لا استمرار إلا مع الرسوخ، الذي هو للملكة أفاده ع ق.
قوله: (يقتدر) المراد بالاقتدار الاقتدار القريب بالتعلم، أو بالسليقة القريبة لا البعيد، فلا تدخل الحياة، ومجرد العلم في حد الملكة المذكورة، والمراد بالمعنى المقصود المعنى الذي يدخل تحت القصد، ومن شأنه أن يراد، فلا يخرج عنه إلا ما لا يقع به التخاطب عادة من أمور الغيب اهـ ع ق.
قوله: (الكيفية الراسخة في النفس) فإن لم ترسخ كانت حالا ،كأن من شأنها الرسوخ، لكنها في أول أمرها تكون حالا ،كالكيفية التي يدرك بها العلم والكتابة، أولا كالمرض والفرح أفاده الصبان فخرج بالراسخة الحال، وخرج بقوله في النفس الراسخة في الجسم كالبياض، وأفاد الشارح بهذا أن الملكة من الكيفيات النفسانية، وهي أحد أقسام الكيف الأربعة: الكيفيات المحسوسة وهي ما يتعلق بها إدراك الحواس الخمس، وهي إما راسخة كحلاوة العسل وحرارة النار، وتسمى انفعاليات، أو غير راسخة كحمرة الخجل وتسمى انفعالات. والكيفيات المختصة بالكميات كالزوجية والفردية في المنفصل والاستقامة والانحناء في المتصل. والكيفيات النفسانية أي المختصة بذوات الأنفس، وهي الحيوانات دون الجماد والنبات كالحياة والإدراكات. وهي إما راسخة في النفس وتسمى ملكات كملكة العلم والكتابة، وإما غير راسخة وتسمى أحوالا كالمرض والفرح. والكيفيات الاستعدادية أي المقتضية استعدادا أي انفعالا وتهيؤا لقبول أثر ما، إما بسهولة كاللين وتسمى اللاقوة أو بصعوبة ،كالصلابة وتسمى القوة من الحاشيتين بتصرف.
قوله: (والكيفية) أظهر في محل الإضمار، لأن المقصود الكيفية من حيث هي سواء كانت راسخة أم لا صبان.
قوله: (لا يتوقف تعقله على تعقل غيره) أي وإن استلزمه في بعض الصور، كالإدراك والعلم والقدرة ونظائرها، فإنها لا تتصور بدون متعلقاتها، أعني المدرك والمعلوم والمقدور، ولكن ليست تصوراتها متوقفة على تصور المتعلقات معلولة لها ،كما في النسب بل تصوراتها مستلزمة لتصور متعلقاتها، وكذا الحال في الكيفيات المختصة بالكميات اهـ صبان عن خسرو. قال عبد الحكيم والمراد بالغير الأمر الخارج لأنه المتبادر إلى الذهن، ومعنى التوقف أن لا يمكن التصور بدونه أصلا فلا ترد الكيفية المركبة، لأن تصورها يتوقف على تصور أجزائها لا على أمر خارج، وكذا الكيفية المكتسبة بالحد والرسم، إذ لا توقف فيها بمعنى عدم إمكان التصور بدونهما لإمكان حصولها بالبداهة اهـ.
وقوله: (والمركبة كطعم الرمان) المركب من الحلاوة والحموضة.
وقوله: (المكتسبة.. إلخ) كمعنى الإنسان وحدوث العالم.
وقوله: (لإمكان.. إلخ) أي لمن يفيض الله عليه علم الأشياء بلا واسطة حد أو رسم.
قوله: (ولا يقتصي.. إلخ) أي في محله لأن سائر الأعراض، إذا قطع النظر عن محلها لا يتصور فيها قسمة صبان، وكلام الشارح صادق بما لو كان لا يقتضيها أصلا، أو يقتضيها اقتضاء ثانويا، كما سيفيده. قوله: (واللاقسمة) كذا جرت عادة كثير بإدخال أل على لا قسمة، وهو خلاف العربية اهـ منه.
قوله: (اقتضاء أوليا) أي ذاتيا وهو قيد للإدخال كما سيأتي اهـ منه.
قوله: (الأعراض النسبية) من نسبة الجزئيات إلى كليها لأن هذه السبعة كلها نسب يتوقف تعقلها على تعقل الغير، فالإفاضة نسبة يتوقف تعقلها على تعقل نسبة أخرى، والفعل نسبة يتوقف تعقلها على المؤثر والمؤثر فيه وهكذا اهـ منه.
قوله: (الإضافة) وهي النسبة العارضة للشيء بالقياس إلى نسبة أخرى، كالأبوة والبنوة، وتلك هيئته تعرض للجسم باعتبار ما يحيط به وينتقل بانتقاله ،كالتقمص والتعمم، أي كون الإنسان لابسا للقميص أو العمامة، والفعل كون الشيء مؤثرا في غيره ما دام مؤثرا ،ككون المسخن يسخن غيره ما دام مسخنا، والقاطع يقطع غيره ما دام قاطعا، والانفعال هو تأثر الشيء عن غيره ما دام متأثرا ،ككون الماء مسخنا ما دام يسخن، وكون زيدا مضروبا ما دام الضرب نازلا عليه، والأين حصول الشيء في المكان، والتي حصوله في الزمان ككون زيد في الدار، وكون الصوم في رمضان والوضع هيئة تعرض للشيء باعتبار نسبة أجزائه بعضها لبعض بالقرب والبعد والمحاذاة كالاتكاء والاضطجاع، أو باعتبار نسبتها إلى أمر آخر، كالقيام والانتكاس، فإنه يتوقف على كون رجليه إلى أعلى ورأسه إلى أسفل في الانتكاس، وعكسه في القيام اهـ دسوقي.
قوله: (وبالقيد الثاني) هو قوله ولا يقتضي القسمة.
وقوله: (الكم) أي لأنه عرض يقبل القسمة لذاته، كالأعداد والمقادير، كالخط والسطح اهـ صبان، والخط ما تركب من أزيد من نقطة، والسطح ما تركب من أزيد من خط، فللخط طول فقط وللسطح طول وعرض فقط.
قوله: (وبالثالث) هو قوله واللاقسمة.
وقوله: (النقطة) هي طرف الخط وغايته، فلا تقبل القسمة في جهة أصلا.
قوله: (المقتضية للقسمة) هي المركبة.
وقوله: (واللاقسمة) هي البسيطة.
وقوله: (لذلك) أي القسمة واللاقسمة.
قوله: (فعلم) أي من تعريف فصاحة المتكلم بالملكة.
وقوله: (ومن له ملكة.. إلخ) أي وعلم أن من له.. إلخ، أي من التعبير في التعريف بيقتدر دون يعبر، أفاده السعد في الشرحين.
قوله: (وجعلوا) أي البيانيون ع ق.
قوله: (طباقه) هو والمطابقة مصدر طابق.
قوله: (مطابقته لمقتضى الحال) أي مطابقته لجميع ما يقتضيه الحال بقدر الطاقة، صرح به في التلويح، وفيه أنه تخرج عن التعريف، بلاغة كلام الباري تعالى إلا أن يراد بقدر طاقة المتكلم، أو المخاطب عبد الحكيم، أي فيدخل كلام الباري بشمول المخاطب.
قوله: (لمقتضى الحال) وهو الخصوصيات التي يبحث عنها في علم المعاني دون كيفيات دلالة اللفظ، التي يتكفل بها علم البيان، إذ قد تتحقق البلاغة في الكلام، بدون رعاية كيفيات الدلالة بأن يكون الكلام المطابق لمقتضى الحال مؤديا للمعنى بدلالات وضعية، أي مطابقية غير مختلفة في الوضوح والخفاء. نعم إن أدى المعنى بدلالات عقلية، أي مختلفة في الوضوح والخفاء، لابد فيه من رعاية كيفية الدلالة أيضا عبد الحكيم.
وقوله: (وهو) أي مقتضى الحال الذي لا تتحقق البلاغة بدونه.
وقوله: (الخصوصيات) أي موصوفها وهو الكلام الكلي كما يتبين على ما حققه السعد في شرحيه، وتبعه الشارح وإن نوزع فيه.
وقوله: (إذ قد تتحقق.. إلخ) أي ولو كانت كالخصوصيات لروعيت في كل تركيب بليغ.
وقوله: (عقلية) أي حاصلة بمعونة العقل، لأن الشخص ينظر به في العلاقة والقرينة، وينتقل من الشيء إلى لازمه، فلا يكفي في المختلفة بما ذكر مجرد الوضع.
قوله: (مع فصاحته) حال من الضمير في مطابقته، لأنه فاعل للمصدر المضاف صبان.
قوله: (لضيق النظم) قد التمس له ع ق مسوغا ثانيا، وعبارته ولعله اتكل في إسقاطه مع ضرورة الوزن على أن البلاغة شرف في الكلام معلوم، وهو التام وبالضرورة، إن كونه غير فصيح ينفي عنه الشرف ،فلا تثبت له تلك البلاغة التي هي شرف تام إلا بما يحصل به شرفها، وهو الفصاحة، وفيه تكلفت اهـ وأقول من المعلوم أن التعريف لا بد فيه من ذكر جميع القيود المعتبرة في حقيقة المعرف، فضيق النظم لا يسوغ الإسقاط وعليه أن يتمم القيود في بيت آخر وإلا كان التعريف مختلا على أنه لو قال:

بلاغة الكلام أن يطابقا = وهو فصيح مقتضى الحال ثقا
لو في بالقيد الذي أسقطه من غير احتياج إلى بيت آخر، وكذا لا يسوغه الأمر الثاني بعد كونه تكلفا، إذ علم أمر خارج عن التعريف متصف به المعرف، لا يسوغ إسقاط قيد من التعريف بل ولا يعتمد في الإسقاط على شيء يدل على القيد في نفس التعريف فتأمل منصفا.
قوله: (عن نحو شعره.. إلخ) أي فإنه وإن كان مطابقا لمقتضى الحال، لكنه ليس فصيحا، لتنافر حروف بعض كلماته فليس بليغا.
قوله: (وبقيد المطابقة.. إلخ) المتبادر أن الإضافة بيانية، لكونها كذلك في مثله، وأن المراد المطابقة مع متعلقها، أعني لمقتضى الحال وعليه، فالمناسب حذف قيد، لأن المطابقة جنس في التعريف، لا قيد ويمكن أن يقال إن الإضافة على معنى اللام، ومراده بقيدها قولهم لمقتضى الحال.
فقوله: (عن نحو إن زيدا.. إلخ) أي فإنه وإن وجدت فيه المطابقة التي هي الصدق عليه، كما سيتضح لكنها لشيء آخر غير مقتضى الحال، وهو الكلام المؤكد الكلي، إذ مقتضى الحال الذي هو خلو الذهن كلام غير مؤكد، وليست الإضافة بيانية حتى يرد ما ذكر فافهم.
قوله: (الداعي) أي المحوج.
قوله: (إلى أن يعتبر) أشار بهذا إلى أن التكلم بدون الاعتبار، والقصد غير معتبر عندهم، وإلى أنه لا يجب أن تكون الخصوصية من قبيل اللفظ، ولذا أورد كلمة مع دون في الموهم الجزئية اهـ عبد الحكيم. وقوله: (إلى أن التكلم.. إلخ) أي فلو تكلم شخص بما يقتضيه الحال من غير اعتبار، لم يتصف كلامه بالبلاغة عندهم.
وقوله: (وإلى أنه.. إلخ) أي حيث قال يعتبر، ولم يقل يذكر.
وقوله: (ولذا) أي لكون الخصوصية لا يجب أن تكون من قبيل اللفظ.
وقوله: (الموهم للجزئية) لأنه لو عبر بفي لتوهم أنها لظرفية الجزء في الكل.
قوله: (خصوصية) نقل عبد الحكيم عن القاموس أنها بفتح الخاء، وضمها مصدر خصه بالشيء، قال والمراد هنا الأمر المختص جعله نفس المصدر مبالغة اهـ.
وقوله: (المختص) أي بالمقام والحال.
قوله: (أي موصوفها) هو الكلام الكلي كما سيذكره، وهذا جرى على ما حققه السعد، ونازعه غيره مدعيا أن مقتضى الحال نفس الكيفيات المخصوصة، ووجه كل من السعد وغيره، ما ادعاه راجع الصبان.
قوله: (بمعنى أنه مصدوق.. إلخ) صريح عبارة الشارح أن مطابقة الجزئي للكلي مصدوقيته له، ومطابقة الكلي للجزئي صدقه عليه، فالعكس حينئذ باعتبار المعنى لا باعتبار اللفظ فقط ،كما لا يخفى على منصف، وعبارة السعد صريحة في أن مطابقة الجزئي هنا، بمعنى صدق الكلي عليه، فيكون العكس حينئذ باعتبار اللفظ فقط، حيث أسندت المطابقة للجزئي في هذا المقام عكس قولهم إن الكلي مطابق للجزئيات، فإن المطابقة فيه مسندة إلى الكلي، لا بحسب المعنى، إذ المسند إليه المطابقة هنا في المعنى، والحقيقة مقتضى الحال الذي هو الكلي، لأنه قد أسند الصدق في مطابقة الجزئي إلى الكلي نبه عليه الصبان نقلا عن سم، فكان على الشارح أن لا يخرج عن عبارة السعد.
قوله: (للعلم بها من الفصاحة فيه) أي بعد معرفته بلاغة الكلام، فإذا عرفت علم أنها في المتكلم ملكة يقتدر بها على تحصيل تلك البلاغة، كما أن فصاحته ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح وهذا تكلف كما في ع ق.
قوله: (يقتدر بها.. إلخ) أي لا يعجز بها عن تأليف كلام بليغ، فالنكرة في سياق النفي عمت، والمراد كلام بليغ ورد معناه على المتكلم، وأراد بيانه صبان عن الأطول.
وقوله: (أي لا يعجز.. إلخ) دفع به ما أورد أن التعريف يصدق على ملكة الاقتدار في نوع من أنواع الكلام فقط، كالمدح مع أنها لا تسمى بلاغة.
وقوله: (والمراد.. إلخ) أي فلا يرد المعجزة، فإنه لا يمكن ورود معناه على المتكلم لعدم إحاطته بكميات الأحوال وكيفياتها.
قوله: (فعلم مما ذكر من حد البلاغة) المناسب زيادة والفصاحة، لأن انتفاء العكس لا يعلم من حد البلاغة، بل من حد الفصاحة حيث لم يعتبر فيه البلاغة، وقد ذكر غيره كلا منهما اللهم إلا أن يقال إن الناظر في حد البلاغة يعلم أنه إذا اعتبرت البلاغة في الفصاحة يلزم الدور، وهو باطل فحينئذ يعلم عدم اعتبار البلاغة في الفصاحة، فيكون انتفاء العكس معلوما من حد البلاغة تدبر وقصد بهذا بيان النسبة بين الفصيح والبليغ، وهي العموم والخصوص المطلق، لانفراد الفصيح في العاري من البلاغة دون البليغ.
قوله: (كما تقدم) أي في قوله وبقيد المطابقة.
قوله: (وهو ما يقرب.. إلخ) المراد الأعلى الحقيقي أي المفرد الذي لا فرد فوقه، وبحد الإعجاز مرتبته، والإضافة بيانية على حذف مضاف، أي حد ذي الإعجاز، لأن الأعلى فرد من البلاغة التي هي المطابقة، وليس هو الإعجاز أفاده الصبان.
قوله: (وهو) أي حد الإعجاز.
قوله: (وخص) أي المفسر لحد الإعجاز.
قوله: (ما إذا غير) أي مرتبة كما يؤخذ من قول الشارح بعد أي إلى مرتبة، وذكر الشارح ضميري عنه ودونه العائدين إليها نظرا للفظ ما.
قوله: (هي أدنى منه) أي تحته بلا واسطة، كما هو المتبادر، فلا يرد الأعلى والمراتب المتوسطة، فإن ما تحتها بلا واسطة، لا يقتضي التغيير إليه ما ذكر أفاده الصبان.
قوله: (التحق) أي في عدم الاشتمال على المناسبات واللطائف، وإن افترقا من حيث الدلالة على أصل المعنى المراد في الكلام المغير دون أصوات الحيوانات.
قوله: (وإن كان صحيح الإعراب) الأحسن ،وإن كان فصيحا قاله الصبان عن سم، وذلك لأن الفصاحة لما كانت معتبرة في البلاغة، تتوقف عليها البلاغة توقفا قريبا، كان شأنها أن يقوى توهم عدم التحاق الكلام بما ذكر عند كونها فيه، ولو فقدت المطابقة، ولا كذلك صحة الإعراب، فكان الأحسن أن يبالغ على ثبوت الالتحاق عند وجودها دفعا للتوهم القوي، وما قاله إنما دفع به توهما ضعيفا يندفع باندفاع هذا القوى.
قوله: (بعضها أعلى من بعض) بيان لما فيه التفاوت وهو العلو.
قوله: (تفاوت المقدمات) أي فيما تقتضيه، بأن يقتضي بعض المقدمات تأكيدا واحدا مثلا وبعضها أكثر، أو في عددها قلة وكثرة، بأن يكون مقامات، وأحوال كلام أكثر من مقامات وأحوال كلام آخر صبان.
وقوله: (تأكيدا واحدا) المناسب تأكيدين لأن الكلام في تفاوت المراتب الوسطى، ومرتبة الواحد طرف أسفل اللهم إلا أن يراد تأكيد بعد الأسفل.
قوله: (ورعاية الاعتبارات) معطوف على المقامات، وهو كما إذا روعي اعتبار واحد وروعي أكثر صبان عن سم، وفي قوله واحد ما سبق وترك الشارح وجها ثالثا للتفاوت وهو تفاوت البعد عن أسباب الإخلال بالفصاحة ،كما لو انتفى النقل بالكلية في موضع، وبقي شيء يسير لا يخرجه عن الفصاحة في موضع آخر.
قوله: (تورث) اختار لفظ تورث على تفيد للتنبيه، على أنه ليس النظر إلا إلى حسن في الكلام، ولا نظر إلى هذه الوجوه، كأنها فنيت وبقي الحسن، بخلاف وجوه البلاغة، فإن النظر إليها وهي الداعية إلى التكلم وليس النظر إلى حسن الكلام، إنما هو من توابعها صبان عن الأطول.
وقوله: (ليس النظر) أي التام الذي يترتب على القصد بالذات.
وقوله: (إلا إلى حسن.. إلخ) أي لأنه الباعث على ارتكاب الوجوه، والمنظور إليه نظرا تاما أوليا، إنما هو الباعث لا المبعوث عليه.
وقوله:( كأنها فنيت.. إلخ) لأنه إذا حصل المقصود الذي بعث عليها، وهو الحسن قطع النظر عنها.
وقوله: (وليس النظر) أي أولا.
قوله: (وحافظ) مبتدأ وكذا ما بعده والمسوغ عمله النصب في تأدية لاعتماده على الموصوف المحذوف، أي وفن حافظ وخبره جملة يعرف.
قوله: (تأدية المعاني) أي الزائدة على أصل المراد كما يتبين وهو مجرد النسبة.
قوله: (بالمعاني) أي بعلم المعاني والتصرف في العلم جائز إذا اشتهر، كالسعد والعصام، ووجه ما أفاده المصنف من أن علم المعاني يحترز به عن الخطأ في تأدية المعاني كما قال ع ق أن من أدركه علم أن هذا المعنى يطابق هذا المقام، فيؤديه مطابقا له، وذلك المعنى يطابق ذلك المقام، فيؤديه مطابقا له وهكذا فلا يقع خطأ في التأدية، مثلا يعلم بالعلم المذكور أن المعنى الذي هو حذف بعض أجزاء الجملة يناسب مقام الإيجاز، وذكرها يناسب مقام الإطناب، ومعنى التأكيد يناسب مقام الإنكار، وعدمه يناسب مقام عدم الإنكار، وعلى هذا القياس كما يأتي اهـ.
وقوله: (وذكرها يناسب.. إلخ) يفرض فيما لو كان عرف الأوساط، الذي هو مبنى المساواة مبنيا على الحذف نحو إياك والأسد، فذكر ما حذف حينئذ يناسب مقام الإطناب، وإلا فهو مناسب لمقام المساواة تأمل.
قوله: (التعقيد في المعنى) قد عرفته مما سبق.
قوله: (له البيان.. إلخ) خبر ما، والبيان مبتدأ خبره قد انتفى، وله متعلق بانتقى، وفي كلامه تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ، ووجه ما أفاده المصنف أن من عرف فن البيان عرف أنه إنما ينتقل من ملزوم إلى لازم بين، لعدم الواسطة أو قلتها أو ظهور القرينة، فيحترز عن التعقيد المعنوي السابق.
قوله: (مما تقدم) هو تعريف البلاغة.
قوله: (أي ما يجب حصوله لتحصل) فالمرجع الذي هو الاحتراز والتمييز يحصلان أولا، ثم تحصل البلاغة، وهذا خلاف الغالب، فإن الغالب تأخر المرجع، كما في قولهم مرجع الجدال إلى فساد القلوب اهـ صبان.
وقوله: (فإن الغالب.. إلخ) وذلك لغلبة تفسير المرجع بما يؤول إليه الشيء.
قوله: (أمران) أخذ الأول من قولنا في تعريف البلاغة مع فصاحته، والثاني من قولنا فيه مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
قوله: (تمييز الكلام الفصيح.. إلخ) أي معرفته قال السعد، ويدخل في تمييز الكلام الفصيح من غيره تمييز الكلمات الفصيحة من غيرها، لتوقفه عليها اهـ.
قوله: (وإلا لربما أدى.. إلخ) أي وإن لم يحصل التمييز بأن لم يميز الفصيح، وأتى بالكلام اتفاقيا أمكن أن يؤتى به غير فصيح، فتنتفي البلاغة بل الغالب حينئذ ذلك اهـ من ع ق صبان، وارتضى عبد الحكيم حملا للعبارة غير هذا، فراجعه وكان الأولى التعبير هنا بأورد، كما عبر السعد لأن الإيراد هو الذي يذكر في جانب الكلام.
قوله: (الاحتراز عن الخطأ.. إلخ) ولا يدخل فيه الاحتراز عن التعقيد المعنوي، لأنه خطأ في كيفية التأدية لا في نفسها اهـ عبد الحكيم.
قوله: (وإلا لربما.. إلخ) أي وإلا يوجد الاحتراز وربما للتحقيق مجازا، لأنه إذا عدم الاحتراز، فلا مطابقة قطعا أفاده الصبان عن الحفيد.
وقوله: (فلا مطابقة قطعا) أي لأنه حينئذ ينعدم اعتبار الخصوصيات، وبعدمه تنعدم كما ذكره عبد الحكيم، وتقدم عنه أيضا ما يفيده.
قوله: (أما الأول) أي تمييز الفصيح من غيره.
قوله: (فبعضه) أي بعض متعلقه بفتح اللام وكذا يقال فيما بعده.
قوله: (علم اللغة) أي العلم الباحث عن أوضاع مفردات اللغة.
قوله: (وهي الغرابة) أنث باعتبار الخبر أي أنه يعرف به ذو الغرابة وغيره، بمعنى أن من تتبع الكتب المتداولة وأحاط بمعاني المفردات المأنوسة علم أن ما عداها، مما يفتقر إلى تنقير وتخريج فهو غير سالم من الغرابة أفاده السعد، ومثله يقال فيما يأتي، وحينئذ كان الأولى للشارح أن يعبر بيستفاد.
قوله: (وهو مخالفة القياس) إذ به يعلم أن نحو أجلل مخالف للقياس لعدم الإدغام.
قوله: (وهو ضعف التأليف) كالإضمار قبل الذكر لفظا ومعنى وحكما صبان.
قوله: (والتعقيد اللفظي) رد بأن التعقيد اللفظي كما يكون سببه مخالفة القانون النحوي برفع منصوب ونصب مجرور، مثلا يكون سببه اجتماع أمور كل منها شائع الاستعمال جار على القوانين، وإذا لم يجب أن يكون لمخالفة القانون النحوي، فكيف يبين في علم النحو. والجواب أن تسبب التعقيد اللفظي عن اجتماع تلك الأمور إنما هو لمخالفتها الأصل فيها من تقديم وتأخير مثلا ومخالفة الأصل وإن جازت توجب عسر الدلالة، والنحو بين فيه ما هو الأفضل، وما هو خلافه وحينئذ يعرف به التعقيد اللفظي الحاصل بكثرة مخالفة الأصل اهـ صبان.
قوله: (بالحس) أي الذوق السليم الذي هو مثل الحس، أو مراده الحس الباطني.
قوله: (وهو التنافر) إذ به يعرف أن مستشزرا متنافر دون مرتفع، وكذا تنافر الكلمات قاله السعد.
قوله: (فاستغنى) أي بعلم اللغة وما بعده وضمير يعرف لما ذكر من الأبعاض، وضمير به لما وفي هذا متعلق بذكر.
قوله: (وهذا الذي يعرف.. إلخ) أي مما الاحتراز عنه مرجع للبلاغة.
قوله: (إلا الثاني) وهو الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد.
قوله: (وكذلك ما يحترز به) المناسب إبداله بالاحتراز، وكذا ما يأتي كما في عبارة السعد، لأن بعض الأمر الأول هو الاحتراز، كما نبه عليه الصبان وكذا نفس الأمر الثاني، كما هو واضح من عبارة الشارح وغيره.
قوله: (على ما تقدم) أي وهذا أي قولنا وكذلك.. إلخ، جار على ما تقدم إفادته لك، وهو أن ما ذكر من هذه العلوم لا يحترز به عن التعقيد المعنوي، والقيد هو قوله وهذا الذي يعرف.. إلخ، وفي نسخة لما تقدم وهي واضحة مما قلناه.
قوله: (فوضع للثاني) أي لمعرفته وكذا ما بعده.
قوله: (علم المعاني) إن أريد به القواعد والأمر ظاهر أو الملكة أو الإدراك احتيج إلى تقدير مضاف أي متعلق علم المعاني؛ وكذا يقال فيما بعد صبان.
قوله: (إلى الأول) أي إلى وضع علم المعاني للأول أي المذكور أولا حال بيان وضع الفنون الثلاثة، وهو الثاني في قوله فوضع للثاني.. إلخ.
قوله: (والثاني مفرد) أي لكونه علما.
قوله: (وللثاني) وهو ما يحترز به عن التعقيد المعنوي على ما فيه أي إلى وضع علم البيان له، وكذا يقال فيما بعده.
قوله: (وبه) متعلق بتعرف وتعرف خبر وجوده والجملة الاسمية صلة ما.
قوله: (أي على من اتبع.. إلخ) أشار إلى اكتفاء في المصنف.
قوله: (انحصر مقصوده.. إلخ) وذلك لأن المسمى بعلم البلاغة، إنما هو الأولان لمزيد اختصاص لهما بهما أفاده السعد أي لمجموعهما إذ الأول لا تعلق له بغيرها، ولما كان المقصود من الثاني بالذات الاحتراز المتقدم، بخلاف غيره من العلوم السابقة كان له ما ذكره أفاده الصبان، وتوابع البلاغة إنما وضع لها علم البديع.

جميلة عبد العزيز 16 ذو الحجة 1430هـ/3-12-2009م 09:41 AM

الشرح الصوتي للجوهر المكنون للشيخ: عصام البشير المراكشي
 
(الْمُقَدِّمَةُ)

فَصَاحَةُ الْمُفْرَدِ أَنْ يَخْلُصَ مِنْ = تَنَافُرٍ غَرَابَةٍ خُلْفٍ زُكِنْ
وَفِي الْكَلامِ مِنْ تَنَافُرِ الْكَلِمْ = وَضَعْفِ تَأْلِيفٍ وَتَعْقِيدٍ سَلِمْ
وَذِي الْكَلامِ صِفَةٌ بِهَا يُطِيقْ = تَأْدِيَةَ الْمَقْصُودِ بِاللَّفْظِ الأَنِيقْ





وَجَعَلُوا بَلاغَةَ الْكَلامِ = طِبَاقُهُ لِمُقْتَضَى الْمَقَامِ
وَحَافِظٌ تَأْدِيَةَ الْمَعَانِي = عَنْ خَطَأٍ يُعْرَفُ بِالْمَعَانِي
وَمَا مِنَ التَّعْقِيدِ فِي الْمَعْنَى يَقِي = لَهُ الْبَيَانُ عِنْدَهُمْ قَدِ انْتُقِي
وَمَا بِهِ وُجُوهُ تَحْسِينِ الْكَلامْ = تُعْرَفُ يُدْعَى بِالْبَدِيعِ وَالسَّلامْ



الساعة الآن 01:53 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir