النهي عن الوحدة
روى الإمام أحمد عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنّ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم: (( نَهَى عَنْ الْوَحْدَةِ: أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ، أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ )).
و( الوَحدة ) - بفتح الواو -، والمقصود بها في الحديث: أن يكون بعيداً عن النّاس. وذلك فيه من الوحشة، والعرضة للشرّ ما الله به عليم، لذلك روى البخاري عن ابنِ عمَرَ رضي الله عنهما أيضا عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ )). قوله: ( ما أعلم ) أي: الّذي أعلمه من الآفات التي تحصل من ذلك. ويشتدّ النّهي حالةَ السّفر، وذلك لما رواه الترمذي وأبو داود عن عمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيه عن جدِّهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ )). ويحتمل الحديث أحدَ معنيين كلّ منهما يستلزم الآخر: الأوّل: أنّ مشيَ الواحد منفردا منهيّ عنه، وكذلك مشي الاثنين، ومن ارتكب منهيّاً فقد أطاع الشّيطان، ومن أطاعه فكأنّه هو، ولذا أطلق صلى الله عليه وسلم اسمه عليه. ونظيره ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيدٍ الخدْرِيّ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ: (( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ )). لذلك قال الخطّابي رحمه الله:" معناه أنّ التفرّد والذّهاب وحده في الأرض من فعل الشّيطان، وهو شيء يحمله عليه الشّيطان ويدعوه إليه، وكذلك الاثنان، فإذا صاروا ثلاثةً فهم ركبٌ، أي: جماعة وصحب. الثّاني: أنّ الشّيطان يهم بالواحد والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة لم يهمّ بهم. وقد رُوِي في ذلك حديث، ولكنّه مرسل. الحاصل: أنّ الّذي يبيت وحده يعرّض نفسَه إلى مقفاسد، منها: - أنّه قد تنتابُه الوساوس والمخاوف. وغالبُ من يعتاد المبيتَ وحدَه يُصابُ بجملةٍ من ذلك. - أنّه قد ينامُ عن صلاة الصّبح ولا موقِظ له. - أنّه قد يحدُث له مكروه، فلا يُتفطّن له. والله تعالى أعلم.(الآداب الشرعية لابن مفلح) |
نفع الله بكم
|
الساعة الآن 01:53 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir