معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   الفتوى الحموية (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=37)
-   -   أكثر الخوف في هذا الباب على المتوسطين من المتكلمين (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=12199)

عبد العزيز الداخل 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م 05:15 AM

أكثر الخوف في هذا الباب على المتوسطين من المتكلمين
 
فأَمَّا الْمُتَوَسِّطُون مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَيَخَافُ عَلَيْهِم مَا لاَ يَخَافُ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَعَلَى مَنْ قَدْ أَنْهَاهُ نِهَايَتَهُ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ هُوَ فِي عَافِيَةٍ، وَمَنْ أَنْهَاهُ قَدْ عَرَفَ الْغَايَةَ، فَمَا بَقِيَ يَخَافُ عليه مِنْ شَيْءٍ آخَرَ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ عَطْشَانُ إِلَيْهِ قَبِلَهُ، وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَمُتَوَهِّمٌ بِمَا تَلَقَّاهُ مِنَ الْمَقَالاَتِ الْمَأْخُوذَةِ تَقْلِيدًا لِمُعْظَمِهِ تَهْوِيلاً.
وَقَدْ قَالَ بعض النَّاسُ: أَكْثَرُ مَا يُفْسِدُ الدُّنْيَا: نِصْفُ مُتَكَلِّمٍ، وَنِصْفُ مُتَفَقِّهٍ، وَنِصْفُ مُتَطَبِّبٍ، وَنِصْفُ نَحْوِيٍّ، هَذَا يُفْسِدُ الأَدْيَانَ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْبُلْدَانَ، وَهَذَا يُفْسِدُ الأَبْدَانَ، وَهَذَا يُفْسِدُ اللِّسَانَ.
وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ هُمْ فِي الْغَالِبِ ( فِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) يَعْلَمُ الذَّكِيُّ مِنْهُم والْعَاقِلُ: أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِيمَا يَقُولُهُ عَلَى بِصِيرِةٍ، وَأَنَّ حُجَّتَهُ لَيْسَتْ ببَيِّنَةً وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قِيلَ فِيهَا:
حُجَجٌ تَهَافَتُ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا ...... حَقًّا وَكُلُّ كَاسِرٍ مَكْسُورُ
وَيَعْلَمُ الْعَلِيمُ البصير بهم أَنَّهُمْ مِنْ وَجْهٍ مُسْتَحِقُّونَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ. حَيْثُ قَالَ: ( حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَيُطَافَ بِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ وَيُقَالَ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ أَعْرَضَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلامِ ).
وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْقَدْرِ – وَالْحِيرَةُ مُسْتَوْلِيَةٌ عَلَيْهِمْ، وَالشَّيْطَانُ مُسْتَحْوِذٌ عَلَيْهِمْ - رَحِمْتَهُمْ وَرَفِقْتَ عَلَيْهِمْ، وَأُوتُوا ذَكَاءً وَمَا أُوتُوا زُكَاءً، وَأُعْطُوا فُهُومًا وَمَا أُعْطُوا عُلُومًا وَأُعْطُوا سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
وَمَنْ كَانَ عِلِيمًا بِهَذِهِ الأُمُورِ تَبَيَّنَ لَهُ بِذَلِكَ حِذْقُ السَّلَفِ وَعِلْمُهُمْ وَخِبْرَتُهُمْ حَيْثُ حَذَّرُوا عَنِ الْكَلامِ وَنَهَوْا عَنْهُ، وَذَمُّوا أَهْلَهُ وَعَابُوهُمْ، وَعَلِمَ أَنَّ مَن ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَزْدَدْ من الله إِلاَّ بُعْدًا.
فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ، آمِينَ..، والحمد لله رب العالمين , وصلاة وسلاما على محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين(1).

عبد العزيز الداخل 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م 05:18 AM

تعليق سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله
 
(1) يقولُ رَحِمَهُ اللَّهُ في أهلِ الكلامِ الذين خاضُوا في الكلامِ، ولم يَكْتَفُوا بالكتابِ والسنَّةِ، حتى وَقَعُوا فيما وَقَعُوا فيه مِن الشكِّ والحَيرَةِ، وحتى سَبَّبُوا للناسِ شَكًّا وحَيرَةً، ومشاكلَ كثيرةً ونِزَاعاً، ومناظراتٍ وتَعَباً كثيراً: إنَّه يَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ إليهم بنظريْنِ: مَن نَظَرَ إليهم مِن جِهَةِ خلافِهم للكتابِ والسنَّةِ وإعراضِهم عن النصوصِ وتحكيمِهم آراءَهُم صَوَّبَ ما قالَه الشافعيُّ فيهم، ورَأَى أنَّه كلامٌ عظيمٌ صَدَرَ مِن إمامٍ جَلِيلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى، حيثُ قالَ: (حُكْمِي فِي أَهْلِ الكَلامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَيُطَافَ بِهِمْ فِي القَبَائِلِ وَالعَشَائِرِ وَيُقَالَ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَقْبَلَ عَلَى الكَلامِ).
فهذا كلامٌ صحيحٌ عظيمٌ، هم جَدِيرُونَ به وحقيقونَ به؛ لإعراضِهم عن النصوصِ وتَلْبيسِهم على النَّاسِ، وإِشْغَالِهم أكثرَ النَّاسِ، حتى حارَ مَن حارَ، وضَلَّ مَن ضَلَّ بأسبابِهم، فهم جَدِيرُونَ بأنْ يُطَافَ بهم في الأسواقِ والعشائِرِ والبُلْدَانِ، ويُجْلَدُوا ويُضْرَبُوا ويُنَكَّلَ بهم؛ لعَمَلِهِمُ الخَبِيثِ وإعراضِهم عن النصوصِ.
ومَن نَظَرَ إليهم بنَظَرٍ ثانٍ - وهو أنَّهم أصابَتْهُم حَيرَةٌ وشَكٌّ ورَيْبٌ، والْتَبَسَتْ عليهم الأمورُ- رَحِمَهم، ورَأَى أنَّ مِن الواجبِ أنْ يُعَلَّمُوا ويُوَجَّهوا، وأن يُصْبَرَ عليهم؛ لعَلَّهُم يَهْتَدُونَ ويَتَبَصَّرُونَ.
وهذا الذي قالَه الشيخُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، صحيحٌ في حقِّ مَن لم يُعَانِدْ، أمَّا مَن عَانَدَ وكابَرَ ولم يَقْبَلِ الهُدَى، ولم يَقْبَلِ التوجيهَ، فليسَ له إلاَّ ما قالَ الشافعيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وما هو أشدُّ مِنه مِن ضَرْبِ عُنُقِه، وإراحةِ العالَمِ مِنه، أو تَخْلِيدِهِ في السُّجُونِ؛ حتى يَسْتَرِيحَ النَّاسُ مِن شَرِّه وبلائِه؛ فإنَّ هؤلاء القومَ مِثَلَ ما قالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أُعْطُوا ذَكَاءً وما أُعْطُوا زَكَاءً، عندَهم ذَكَاءٌ وفُهُومٌ، عندَهم حِذْقٌ، ولكنْ لم يُعْطَوْا زَكَاةً؛ لم يُزَكِّهِمُ اللَّهُ، ولم يُعْطِهِمْ عِلماً نافعاً، بل عندَهم فُهُومٌ ضَلُّوا بها، وعندَهم ذَكَاءٌ ضَلُّوا به، وكثيرٌ مِن الأذكياءِ قَد يَتَزَنْدَقُ بسَبَبِ ذَكَائِه ويَحْتَقِرُ النَّاسَ ويَرَى أنَّهم ليسوا على شيءٍ، فيَضِلُّ ويَهْلَكُ، نعوذُ باللَّهِ؛ لأنَّه يَرَى أنَّ عِلْمَه فوقَ عِلْمِهم، وفَهْمَه فَوْقَ فَهْمِهِم، وذَكَاءَه فوقَ ذَكَائِهِم، كما جَرَى لأصحابِ الكلامِ وأصحابِ الحَيرَةِ مِن الجَهْمِيَّةِ والمُعْتَزِلَةِ وغيرِهم مِن أهلِ البَلاَءِ، ظَنُّوا أنَّهم مُصِيبُونَ، وأنَّ أفهامَهُم فوقَ أفهامِ غيرِهم، وأنَّ هؤلاءِ ما عندَهم بَصِيرَةٌ، وأنَّهم بُلَدَاءُ.
هكذا اعْتَقَدُوا فَضَلُّوا وأَضَلُّوا، نسألُ اللَّهَ العافِيَةَ، أعطاهم اللَّهُ أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً فما أَغْنَتْ عنهم أسماعُهم ولا أبصارُهم ولا أَفْئِدَتُهم من شيءٍ؛ لأجلِ اسْتِكْبَارِهم عن الحقِّ وضلالِهم عن الحقِّ واسْتِغْنَائِهم عن النصوصِ وزَعْمِهم أنَّ النصوصَ لا تُفِيدُ عِلْماً، وإنَّما العلمُ يُؤْخَذُ مِن فُهُومِهم وآرَائِهم، فلهذا هَلَكُوا وأَهْلَكُوا. نَسْأَلُ اللَّهَ العافِيَةَ.
فرَحِمَ اللَّهُ المُؤَلِّفَ، وجَزَاهُ عمَّا فَعَلَ خَيْراً، وهذا الكتابُ الذي هو الحَمَوِيَّةُ كِتَابٌ عظيمٌ جَدِيرٌ بالعنايةِ، جديرٌ بالحِفْظِ؛ لِمَا فيه مِن النُّقُولِ عن السَّلَفِ، وبَيَانِ الحقِّ بأدِلَّتِه، والردِّ على أهلِ الباطلِ مِن أهلِ الكلامِ والبِدَعِ، ومِن الفلاسفةِ والملاحدةِ، فهو كِتابٌ عظيمٌ معَ اخْتِصَارِه وَوُضُوحِه، وهو في الحقيقةِ مِن أَحْسَنِ ما كَتَبَه المُؤلِّفُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفَّقَ اللَّهُ الجميعَ.


الساعة الآن 05:09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir