معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   منتدى الإعداد العلمي (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=777)
-   -   مسائل من شرح كتاب الصلاة من زاد المستقنع (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=4691)

أبو صهيب 16 رمضان 1430هـ/5-09-2009م 08:15 PM

مسائل من شرح كتاب الصلاة من زاد المستقنع
 
بسم الله الرحمن الرحيم

مسائل من شرح كتاب الصلاة من زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى

كل مسألة خلافية ذكر فيها الراجح فهي من ترجيح الشيخ رحمه الله


الصَّلاةُ في اللُّغة: الدُّعاءُ، وشاهد ذلك قوله تعالى: {{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}} [التوبة: 103] ، أي: ادعُ لهم.
أمَّا في الشَّرع: فهي التعبُّدُ للَّهِ تعالى بأقوال وأفعال معلومة، مفتتَحة بالتَّكبير، مختتَمة بالتَّسليم.

الصَّلاة مشروعة في جميع المِلَل، قال الله تعالى: {{يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَّبِكِ واسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ *}} [آل عمران]

أهمية الصلاة :
ü أولاً: أنَّها صِلَةٌ بين الإنسان وربِّه عزّ وجل
ü ثانياً: أنها ركن من أركان الإسلام
ü فرضت من الله عزّ وجل إلى رسوله بدون واسطة.
ü فُرضت في ليلة هي أفضلُ الليالي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما نعلم.
ü ثالثاً: فُرضت في أعلى مكان يصلُ إليه البشر.
ü رابعاً: فُرضت خمسين صلاة، وهذا يدلُّ على محبَّة الله لها، وعنايته بها سبحانه وتعالى، لكن خُفِّفَت فجُعِلت خمساً بالفعل وخمسين في الميزان

الدَّليل على وجوب الصلاة: الكتاب والسُنَّة والإجماع:
ü أمَّا الكتاب: فقوله تعالى: {{إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}} [النساء: 103] .
ü ومن السُّنَّة: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وقد بعثَ معاذاً إلى اليمن: «أعْلِمْهُمْ أنَّ الله افترضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في كُلِّ يومٍ وليلةٍ»
ü وأما الإجماع: فهو معلومٌ بالضَّرورة من الدِّين، ولهذا لم يُنكرْ أحدٌ من أهل القِبلة ـ ممَّن ينتسبون إلى الإسلام ـ فَرْضَهَا؛ حتى أهل البدع يقرُّون بفرضِهَا.
ü
شروط وجوب الصلاة :
ü الإسلام : لقول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ بن جبل: «إنك تأتي قوماً من أهلِ الكتاب، فادْعُهُمْ إلى شهادة أنْ لا إله إلا الله، وأنِّي رسولُ الله، فإن هم أطاعُوا لذلك؛ فأعْلِمْهُم أنَّ الله افترض عليهم خمسَ صلوات...». الحديث.
ü التكليف ويتضمَّن وصفين هما: البلوغ والعقل والدليل أثري ونظري :
o الأثري : قوله صلّى الله عليه وسلّم: «رُفع القلمُ عن ثلاثة: عن المجنون حتى يُفيق، وعن الصَّبيِّ حتى يبلُغ، وعن النَّائم حتى يستيقظ»
o النظري : أن غير البالغ والعاقل ليسا أهلاً للتَّكليف؛ إذ إنَّ قصدهم قَاصِرٌ مهما كان، ولهذا يختلف غير المكلَّف عن المكلَّف في بعض الأمور؛ فأُبيح للصَبيِّ من اللَّعب واللَّهو ما لم يُبَحْ لغيره، وَوُسِّعَ للصَّبيِّ في الواجبات ما لم يُوسَّع لغيره
ü النقاء من دم الحيض والنفاس ، فلا تجب الصلاة على حائض أو نفساء حتى تطهر بدليل أثريٍّ وإجماعيٍّ :
o الأثري :لقول النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في الحائض: «أليس إذا حاضت لم تُصلِّ ولم تَصُمْ».
o والنُّفساءُ كالحائضِ في ذلك بالإجماع، والعلماءُ مجمعون على أنَّ الحائضَ والنُّفساءَ لا تلزمهما الصَّلاة، ولا يلزمهما قضاء الصَّلاة

يجب قضاء الصلاة على من زال عقله بالنوم أو بالإغماء أو بالسكر ونحوه :
ü النوم وهذا ثابتٌ بالنَّصِّ والإجماع :
· النَّصُّ: قوليٌّ وفعليٌّ :
· فالقوليُّ: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «من نسيَ صلاةً أو نَامَ عَنها، فكفَّارتُها أن يصلِّيَهَا إذا ذكرها»
· أمَّا الفعليُّ: فلأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قضى صلاة الفجر حين نام عنها في السَّفر
· أمَّا الإجماع: فقد نقله غيرُ واحد من أهل العلم
ü الإغماء : فيه خلاف والرَّاجح قول من يقول: لا يقضي مطلقاً وأما قضاء عمَّار ـ إن صحَّ عنه ـ فإنَّه يُحمل على الاستحباب، أو التَّورُّعِ، وما أشبه ذلك
ü السكر ونحوه مثل البَنْج والدَّواء : فيه خلاف والراجح أنه إن زال عقلُهُ باختياره فعليه القضاء مطلقاً، وإن كان بغير اختياره فلا قضاء عليه

من لا تصح الصلاة منهم :
ü المجنون : لأنَّ المجنون لا قصد له، ومَنْ لا قصد له لا نيَّة له، ومَنْ لا نيَّة له، لا عمل له؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمالُ بالنيَّات»
ü الكافر، سواءٌ أكان أصليًّا أم مرتدًّا والدَّليل قوله تعالى: {{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ}} [التوبة: 54] ، مع أنَّ النَّفقات نفعُها مُتَعَدٍّ، فإذا كانت لا تُقبل منه؛ فالتي نفعُها غيرُ مُتَعَدٍّ لا تُقبلُ من باب أولى
ü إذا صلَّى الكافر فإننا نحكم بإسلامه وفائدتُه: أنَّنا إذا حكمنا بإسلامه طالبناه بلوازم الإسلام . وإن قال: «فعلتُه استهزاءً» فنعتبره مرتدًّا. والفرق بين كونه مرتدًّا وبين كفره الأصليِّ: أنَّ كُفْرَ الرِّدَّة لا يُقَرُّ عليه، بخلاف الكفر الأصليِّ فيُقَرُّ عليه

صلاة الصبي :
ü يؤمر الصبي بالصلاة لتمام سبع لا لبلوغها ويضرب عليها لتمام عشر لا لبلوغها والدليل قوله عليه الصلاة والسلام ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر))
ü إذا بلغ الصَّغيرُ في أثناء الصَّلاة، أو بعد انتهائها، لكن في وقتها هل يعيد الصلاة لأن الصلاة تقع منه نفلا قبل البلوغ . المسألة فيها خلاف والراجح أنَّه يمضي في صلاته ولا إعادة عليه، وكذلك لو بلغ بعد صلاته لم تلزمه إعادتها، لأنَّه قام بفعل الصَّلاة على الوجه الذي أُمِرَ به، فسقط عنه الطَّلبُ، ويؤيِّد هذا: أنَّه يقع كثيراً، ولم يُحْفَظْ عن الصَّحابة أنَّهم يأمرون من بلغ في أثناء الوقت بالإعادة

أبو صهيب 16 رمضان 1430هـ/5-09-2009م 09:10 PM

تأخير الصلاة عن وقتها :
ü يشمَلُ تأخيرها بالكلِّيَّة؛ أو تأخيرَ بعضها، بحيث يؤخِّر الصَّلاة حتَّى إذا لم يبقَ إلاَّ مقدارُ ركعةٍ صلَّى، فإنَّه حرامٌ عليه ؛ لأنَّ الواجبَ أن تقع جميعُها في الوقت.
ü يحرم تأخير الصلاة عن وقتها :
o لقوله تعالى {{إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}} [النساء: 103]
o ولأن النبي وقت لها أوقات وهذا يقتضي وجوب فعلها في وقتها
ü ويُستثنى من التأخير مسائل:
o المسألة الأولى: الذي ينوي الجمع ممَّن يَحِلُّ له أن يجمع. وهذا الاستثناء يشبه أن يكون صُوريًّا، وذلك لأنَّه إذا جاز الجمعُ بين الصَّلاتين صار وقتاهما وقتاً واحداً، ولا يقال: «أخَّرها عن وقتها».
o المسألة الثانية: المشتغل بشرطها الذي يحصله قريبا وهذه المسألة فيها خلاف والراجح أنَّه لا يجوز أن يؤخِّرها عن وقتها مطلقاً، وأنَّه إذا خاف خروجَ الوقت صَلَّى على حَسَبِ حاله؛ وإن كان يمكن أن يُحصِّل الشَّرطَ قريباً استدلالاً بالآية. ولأنَّه لو جاز انتظار الشُّروط ما صحَّ أن يُشْرَعَ التَّيمُّمُ؛ لأنَّه بإمكان كُلِّ إنسان أن يُؤخِّر الصَّلاةَ حتى يجد الماء
o المسألة الثالثة: شدَّة الخوف الذي لا يتمكَّن معه من الصَّلاة بأيِّ وَجْهٍ من الوجوه وقد ورد ذلك عن بعض الصَّحابة كما في حديث أنس في فتح تُسْتَر ، فإنَّهم أخَّروا صلاةَ الفَجر عن وقتها إلى الضُّحى حتى فَتَح اللَّهُ عليهم ، وعليه يُحمل تأخير النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الخندق الصلاةَ عن وقتها ، فإنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «شَغلونا عن الصَّلاة الوسطى»

ترك الصلاة وجحود وجوبها :
ü من جحد وجوب الصلاة المُجمع على وجوبها وهي: الصلوات الخمس والجُمُعة فهو كافر لأنَّه مكذِّبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين القطعيِّ. واستثنى العلماءُ من ذلك: ما إذا كان حديثَ عهدٍ بكفر وجَحَدَ وجوبها، فإنَّه لا يكفر ، لكن يُبيَّنُ له الحق ، فإذا عُرض له الحقُّ على وجهٍ بَيِّنٍ ثُمَّ جَحَدَ كفر.
ü من ترك الصلاة تهاونا وكسلا يكفر بشرطين :
ü الأول: إذا دعاه الإمام أو نائبه فأصر على تركها لأننا لم نتحقَّق أنه تركها كسلاً؛ إذ قد يكون معذوراً، بما يعتقده عذراً وليس بعذرٍ، لكن إذا دعاه الإمام وأصرَّ علمنا أنه ليس معذوراً. والصحيح عدم اشتراطه لعدم الدليل على اشتراطه
ü الثانى : إذا ترك صلاة حتى خرج وقتها وضاق وقت الثانية عنها لأنه قد يظنُّ جوازَ الجمع من غير عذرٍ. فلاحتمال هذا الظَّنِّ لا نحكم بكفره والذي يظهر من الأدلَّة: أنَّه لا يكفر إلا بترك الصَّلاة دائماً؛ بمعنى أنَّه وطَّنَ نفسَه على ترك الصَّلاة؛ فلا يُصلِّي ظُهراً، ولا عَصراً، ولا مَغرباً، ولا عِشاء، ولا فَجراً، فهذا هو الذي يكفر.وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «بين الرَّجُلِ وبين الشِّركِ والكفرِ تَرْكُ الصَّلاة» ، ولم يقل: «تَرَكَ صلاةً»

اختلف أهل العلم في تكفير تارك الصلاة تهاونا وكسلا والصحيح أنه يكفر والأدلة على ذالك من الكتاب والسنة وأقوال السَّلف، والنَّظر الصحيح:
ü أمَّا الكتاب: فقوله تعالى في المشركين: {{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}} [التوبة: 11] ، فاشترط الله لثبوت الأُخُوَّة في الدِّين ثلاثةَ شروط: الأولُ: التوبة من الشِّرك، والثَّاني: إقامة الصَّلاة، والثالث: إيتاء الزَّكاة. إلا أن الزكاة خرجت من الشرطية لما ثبت في «صحيح مسلم» فيمن آتاه الله مالاً من الذَّهب والفضَّة ولم يُؤدِّ زكاتَه «أنه يرى سبيله إما إلى الجَنَّة وإما إلى النَّار»
ü وأما السُّنَّة: فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «بين الرَّجُل وبين الشِّرك والكفر تركُ الصَّلاة» ، وقال: «العهدُ الذي بيننا وبينهم الصَّلاة، فمن تركها فقد كفر» وقوله في الحديث: «الكفر»، أتَى بأل الدالة على الحقيقة، وأنَّ هذا كفرٌ حقيقي وليس كفراً دون كُفر
ü وأما أقوال الصَّحابة: فإنها كثيرة، رُويت عن سِتَّة عشر صحابياً، منهم عمر بن الخطاب (12) . ونقل عبد الله بن شقيق وهو من التابعين عن أصحاب النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم عموماً القول بتكفير تارك الصلاة، فقال: «كان أصحابُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لا يَرَونَ شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة» ولهذا حَكى الإجماعَ إِسحاقُ بن راهويه الإمام المشهور فقال: ما زال الناس من عهد الصحابة يقولون: إن تاركَ الصَّلاة كافر
ü وأما النَّظَر: فإنه يُقال: إنَّ كلَّ إنسان عاقل في قلبه أدنى مثقال ذَرَّة من إيمان لا يمكن أن يُدَاوِمَ على ترك الصَّلاة، وهو يعلَم عِظَمَ شأنها، وأنَّها فُرضت في أعلى مكان وصل إليه البشر، وكان فرضها خمسين صلاة لكنها خُفِّفَت، ولا بُدَّ فيها من طهارة بدون خلاف، ولا بُدَّ للإنسان أن يتَّخذ فيها زينة، فكيف يشهد أنْ لا إله إلا الله، ويُحافظ على ترك الصَّلاة؟ إنَّ شهادةً كهذه تستلزم أن يعبده في أعظم العبادات، فلا بُدَّ من تصديق القول بالفعل، فلا يمكن للإنسان أن يَدَّعي شيئاً وهو لا يفعله، بل هو كاذب عندنا، ولماذا نكفِّره في النّصوص التي جاءت بتكفيره مع أنه يقول: لا إله إلا الله، ولا نكفره بترك الصَّلاة مع أنَّ النصوصَ صريحةٌ في كفره؟ ما هذا إلا تناقض.

أحاديث تُعارض الأحاديثَ الدَّالة على كفر تارك الصلاة وهي تنقسم إلى خمسة أقسام:
ü القسم الأول: ما لا دليل فيه أصلاً للمسألة، مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى: {{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}} لأنه إما أن نقول أن معنى {{مَا دُونَ ذَلِكَ}} ما هو أقلُّ من ذلك، وليس معناه ما سوى ذلك وإما أن نقول حتى لو سلمنا بذالك لكان هذا من باب العام المخصوص بالنُّصوص الدَّالَّة على الكفر بما سوى الشِّرك
ومن هذا القسم: ما يكون مشتبهاً لاحتمال دلالته، فيجب حمله على الاحتمال الموافق للنصوص المحكمة، كحديث عُبادة بن الصَّامت: «خمسُ صلوات؛ افترضهُنَّ اللَّهُ تعالى، مَنْ أحسن وضوءَهُنَّ، وصَلاَّهُنَّ لوقتهنَّ؛ وأتمَّ رُكوعَهُنَّ وخُشوعَهُنَّ، كان له على الله عهدٌ أن يغفرَ له، ومَنْ لم يفعلْ؛ فليس له على الله عهدٌ، إن شاء غَفرَ له، وإن شاء عَذَّبه»
ü القسم الثاني: عامٌ مخصوص بالأحاديث الدَّالة على كفر تارك الصلاة، مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث معاذ بن جبل: «ما من عبدٍ يشهدُ أنْ لا إله إلا الله؛ وأنَّ محمداً عبده ورسوله؛ إلا حَرَّمه اللَّهُ على النَّار»
ü القسم الثالث: عامٌ مقيَّد بما لا يمكن معه ترك الصَّلاة، مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث معاذ: «ما من أحدٍ يشهد أنْ لا إله إلا الله؛ وأنَّ محمداً رسول الله ـ صِدْقاً من قلبه ـ إلا حَرَّمه الله على النَّار» ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عِتْبَان بن مالك: «فإن الله حَرَّم على النَّار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وَجْهَ الله» فتقييدُ الإتيان بالشهادتين بإخلاص القصد وصدق القلب يمنعه من ترك الصَّلاة، إذ ما من شخص يصدق في ذلك ويُخْلص إلا حمله صدقه وإخلاصه على فعل الصَّلاة ولا بُدّ
ü القسم الرابع: ما ورد مقيَّداً بحال يُعذر فيها بترك الصلاة، كالحديث الذي رواه ابنُ ماجه عن حُذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يَدْرُسُ الإسلامُ كما يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوب» الحديث، وفيه: «وتبقى طوائفُ من النَّاس: الشيخُ الكبيرُ والعجوزُ، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمةِ: لا إله إلا الله، فنحن نقولُها». فقال له صِلَة: ما تُغْني عنهم: لا إله إلا الله؛ وهم لا يَدْرون ما صلاة؛ ولا صيام؛ ولا نُسُكٌ؛ ولا صَدَقَةٌ. فأعرض عنه حُذيفة، ثم ردَّها عليه ثلاثاً. كُلُّ ذلك يُعْرِضُ عنه حُذيفة، ثم أقبل عليه في الثَّالثة، فقال: يا صِلَةُ، تُنْجِيهم من النَّار. ثلاثاً. فإن هؤلاء الذين أنجتهم الكلمةُ من النَّار كانوا معذورين بترك شَرائعِ الإسلام؛ لأنهم لا يَدْرون عنها، فما قَامُوا به هو غايةُ ما يقدرون عليه
ü قسم الخامس: أحاديث ضعيفة لا تقاوم أدلَّة كفر تارك الصَّلاة.
ü ولا يقتل من جَحَد وجوب الصَّلاة أو تركها تهاوناً وكسلاً حتى يستتيبه الإمام أو نائبه ثلاثة أيام، فيقول له: تُبْ إلى الله وصَلِّ وإلا قتلناك

أبو صهيب 17 رمضان 1430هـ/6-09-2009م 01:06 PM

بابُ الأَذَان والإِقامة


التعريف :
ü الأذان في اللُّغة: الإعلامُ، ومنه قوله تعالى: {{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}} [البقرة: 279]
وفي الشرع: هو التعبُّد لله بذكرٍ مخصوص؛ بعد دخول وقت الصَّلاة؛ للإعلام به.
ü الإقامة: في اللُّغَةِ مصدرُ أقام، من أقام الشيءَ إذا جعله مستقيماً.
وفي الشَّرع: هي التعبُّد لله بذكرٍ مخصوص عند القيام للصَّلاة.
ü والفرق بينها وبين الأذان: أن الأذان إعلام بالصلاة للتهيُّؤ لها والإقامة إعلامٌ للدُّخول فيها والإحرام بها، وكذلك في الصِّفة يختلفان.


حكم الآذان والإقامة أنهما فرض كفاية :
ü الدَّليل على فرضيتهما:
o أَمْرُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بهما في عِدَّة أحاديث
o وملازمته لهما في الحضر والسَّفر،
o ولأنه لا يتمُّ العلم بالوقت إلا بهما غالباً،
o ولتعيُّن المصلحة بهما؛ لأنَّهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة.
ü دليلُ كونه فرض كفاية:
o قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لمالك بن الحُويرث: «إذا حضرت الصلاةُ فليُؤذِّنْ لكم أحدُكم» ، وهذا يدلُّ على أنه يُكتَفَى بأذان الواحد، ولا يجبُ الأذان على كُلِّ واحد.

لا بُدَّ لوجوب الأذان والإقامة من شروط منها:
ü أن يكونوا رجال فخرج بذلك :
o الصِّغار لأنهم ليسوا رجالاً، وليسوا من أهل التَّكليف
o والنساء لأنهنَّ لَسْنَ من أهل الإعلان فلا يُشرع لهنَّ ذلك ولو قال قائل بسُنِّيَّةُ الإقامة دون الأذان؛ لأجل اجتماعهن على الصَّلاة ـ لكان له وجه
o والخنثي المشكل
ü أن يكونوا مقيمين ولكن هذا الشرط لا دليل عليه، فالصَّواب: وجوبُه على المقيمين والمسافرين ودليله:
o أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال لمالك بن الحويرث وصحبِه: «إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّن لكم أحدُكُم» وهم وافدون على الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مسافرون إلى أهليهم
o ولأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يَدَعِ الأذان ولا الإقامة حَضَراً ولا سَفَراً، فكان يُؤذِّن في أسفاره ويأمر بلالاً رضي الله عنه أن يُؤذِّنَ.
ü في الصلوات الخمس المؤدَّاة والمقضيَّة، ودليله: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «لمَّا نام عن صلاة الفجر في سفره، ولم يستيقظ إلا بعد طُلوع الشَّمس؛ أمر بلالاً أن يُؤذِّنَ وأن يُقيمَ»
ü أن يكونوا جماعة، بخلاف المنفرد فإنه سُنَّة في حَقِّه؛ لأنَّه ورد فيمن يرعى غنمه ويُؤذِّن للصَّلاة أنَّ الله يَغفر له ويُثيبه على ذلك

مسائل :
ü يقاتل أهل بلد تركوهماً، ودليل ذلك: أنَّ الأذان والإقامة هما علامة بلاد الإسلام، فقد كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إذا غزا قوماً أمسك حتى يأتيَ الوقتُ، فإن سمعَ أذاناً كَفَّ، وإلا قاتلهم
ü تحرم أجرهما والدليل قوله تعالى {{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *}} [هود]
ü أما الجُعَالة؛ بأن يقول: من أذَّن في هذا المسجد فله كذا وكذا دُونَ عقدٍ وإلزام فهذه جائزة
ü إذا تشاحا أي تزاحما فيه اثنان في مسجد لم يتعيَّن له مؤذِّن قدم :
o أقومهما في الأذان من حُسنِ الصَّوت، والأداء، والأمانة، والعلم بالوقت
o فإن تساويا فأفضلُهُمَا في دينه وعقلِهِ
o فإن تساويا فمن يختاره الجيران
o فإن تساويا فبالقرعة يُختار والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لو يعلمُ النَّاس ما في النداء ـ يعني الأذان ـ والصَّفِّ الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا»
ü مَنْ جَمَعَ أَوْ قَضَى فَوَائِتَ أَذَّنَ لِلأُولى ثُمّ أَقَام لِكُلِّ فَرِيضَةٍ دليل ذلك: ما ثبت في «صحيح مسلم» من حديث جابر رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أذَّن في عَرفة، ثم أقام فصَلَّى الظُّهر، ثم أقام فصلَّى العصر، وكذلك في مُزدَلِفَة حيث أذَّن وأقام فصَلَّى المغرب، ثم أقام فَصَلَّى العشاء

ألفاظ الآذان :
ü خمسة عشرة جملة التَّكبير في أوَّله أربع، والشَّهادتان أربع، والحيعلتان أربع، والتَّكبير في آخره مرَّتان، والتَّوحيد واحدة
ü وعند مالك سبعَ عَشْرةَ جملة، بالتكبير مرتين في أوَّله مع الترجيع وهو أن يقول الشهادتين سِرًّا في نفسه ثم يقولها جهراً
ü وعند الشافعي تسعَ عَشْرَة جملة، بالتكبير في أوَّله أربعاً مع الترجيع وكلُّ هذا مما جاءت به السُّنَّة، فإذا أذَّنت بهذا مرَّة وبهذا مرَّة كان أولى

ألفاظ الإقامة :
إحدى عشرة «التكبير» في أوَّلاها مرَّتان، و«التَّشهد» للتَّوحيد والرِّسالة مرَّة مرَّة، و«الحيعلتان» مرَّة مرَّة، و«قد قامت الصَّلاة» مرَّتان، و«التكبير» مرَّتان، و«التوحيد» مرَّة
من العلماء من قال إنها: سبعَ عَشْرَة ، فيجعل «التكبير» أربعاً، و«التشهدين» أربعاً، و«الحيعلتين» أربعاً، و«قد قامت الصلاة» اثنتين، و«التكبير» مرَّتين، و«التوحيد» مرَّة
ومنهم من قال: إنها على جُملة جُملة إلا «قد قامت الصلاة»، فتكون تسع جُمَل، وهذا هو ظاهر حديث أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال: أُمِرَ بلالٌ أنْ يشفعَ الأذانَ ويُوتِرَ الإقامةَ

الأذان له شروط تتعلَّقُ بالأذان نفسه، وشروط تتعلَّقُ بوقته، وشروط تتعلَّقُ بالمؤذِّن.
ü أما التي تتعلق به فيُشترط فيه:
o أن يكون مرتَّباً.
o أن يكون متوالياً.
o ألا يكون فيه لَحْنٌ يُحيل المعنى، سواء عاد هذا اللَّحن إلى علم النحو، أو إلى علم التَّصريف.
o أن يكون على العدد الذي جاءت به السُّنَّة.
ü أما في المؤذِّن؛ فلا بُدَّ أن يكون:
o ذكراً.
o مسلماً.
o عاقلاً.
o مميِّزاً.
o واحداً.
o عدلاً.
ü أما الوقتُ؛ فيُشترطُ أن يكون بعد دخول الوقت، فلا يُجزئ قبله مطلقاً على القول الرَّاجح، ويُستثنى أذان الفجر على كلام المؤلِّف.

يُسَنُّ لسامعه :
ü مُتابعتُه سِرًّا لعموم قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعتم المؤذِّن فقولوا مثل ما يقول»
ü وقوله عند الحيعلة «لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله»
ü ثم يصلِّي على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وتقول: «اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصَّلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ وابْعَثْهُ مَقَامَاً مَحْمُوداً الذي وَعَدْتهُ »
ü وفي أثناء الأذان إذا قال المؤذِّن: «أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمداً رسولُ الله» وأجبته تقول بعد ذلك: «رضيت بالله رَبًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً» كما هو ظاهر رواية مسلم حيث قال: «من قال حين سمع النداء: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، رضيت بالله رَبًّا وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غُفِرَ له ذَنْبه». في رواية ابن رُمْح ـ أحد رجال الإسناد ـ: «من قال: وأنا أشهد». وفي قوله: «وأنا أشهد» دليلٌ على أنه يقولها عقب قول المؤذِّن: «أشهد أنْ لا إله إلا الله»

أبو صهيب 8 شوال 1430هـ/27-09-2009م 09:33 PM

شروط الصلاة


شروط الصلاة تسعة :
ü الشرط الأول : الإسلام : وضده الكفر، والكافر عمله مردود ولو عمل أي عمل، والدليل قوله تعالى : { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون } ، وقوله تعالى : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا }.

ü الشرط الثاني : العقل : وضده الجنون، والمجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق، والدليل حديث : « رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ »

ü الشرط الثالث : التمييز : وضده الصغر، وحده سبع سنين ثم يؤمر بالصلاة لقوله : « مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع »

ü الشرط الرابع دخول الوقت والدَّليل :
o من الكتاب قوله تعالى: {{إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}}
o والأدلَّة من السُّنَّة كثيرة، منها قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «وقت الظُّهر إذا زالت الشمس، وكان ظلُّ الرَّجُلِ كطوله ما لم يحضرِ العصر، ووقت العصر ما لم تصفرَّ الشَّمسُ»
o والصَّلاة لا تصحُّ قبل الوقت بإجماع المسلمين

وقت الصلاة :
ü الظهر :
o وقته من الزوال إلى أن يصير ظل الشيء مثله بعد فيء الزوال أي ظله
o يُسنُّ تقديمها في أول الوقت إلا في شدَّة الحرِّ فقط، وما عدا ذلك فالأفضل أن تكون في أوَّل الوقت والدليل :
§ أولاً: لقوله تعالى: {{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}} [البقرة: 148]
§ ثانياً: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم حَثَّ على البَدَاءة بالصَّلاة من حين الوقت؛ فسأله ابن مسعود: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «الصَّلاةُ على وقتها».
§ ثالثاً: أن هذا أسرع في إبراء الذِّمة
ü العصر :
o وقته الإختياري من مصير ظل الشيء مثله إلى اصفرار الشمس والدليل قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حديث عبد الله بن عمرو قال: «ما لم تصفرَّ الشَّمسُ»
o وقت الضرورة إلى الغروب والدليل قولُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ أدرك ركعةً من العصر، قبل أن تَغْرُبَ الشَّمسُ فقد أدرك العصرَ»
o يسن تعجيلها :
§ لعموم الأدلة الدَّالة على المبادرة إلى فعل الخير كما في قوله تعالى: {{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}} [البقرة: 148] .
§ ما ثبت أن الصَّلاة في أوَّل وقتها أفضل.
§ ما ثبت عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام من حديث أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمي أنه كان صلّى الله عليه وسلّم يُصلِّي العصرَ والشَّمسُ مرتفعة؛ حتى إنهم يذهبون إلى رِحَالِهم في أقصى المدينة والشَّمسُ حَيَّةٌ
ü المغرب :
o وقتها من من مغيب الشَّمس إلى مغيب الحُمْرة
o يُسَنُّ تعجيلها ؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصلِّيها إذا وجبت ، أي: إذا وجبت الشَّمس وغربت إلا ليلة مُزْدَلفة للحاجِّ فإنه يؤخرها حتى يصل مزدلفة إلا إذا خشي خروج الوقت
ü العشاء :
o وقتها من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف اليل والدليل :
§ من القرآن قوله تعالى: {{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ}} [الإسراء: 78] ويكون غَسَقُ الليل عند منتصفه ؛ لأن أشدَّ ما يكون الليلُ ظُلمة في النصف
§ ومن السنة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وحديث جبريل
§ يسن تأخيرها إلى ثُلُثِ الليل إن سَهُلَ ودليل ذلك: حديث أبي بَرْزَة رضي الله عنه قال: «كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يستحبُ أن يؤخِّرَ العشاء» وفي حديث جابر رضي الله عنه: «إذا رآهم اجتمعوا عَجَّلَ، وإذا رآهم أبطؤوا أخَّرَ»
ü الفجر :
o وقتها من طلوع الفجر الثَّاني إلى طلوع الشَّمس. ودليل ذلك: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي أخرجه مسلم
o وتعجيلها أفضل دليل ذلك ما يلي:
§ أولاً: من القرآن: قوله تعالى: {{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}} [البقرة: 148]
§ ثانياً: من السُّنَّة: أن الرَّسولَ عليه الصَّلاة والسَّلام كان يصلِّيها بغَلَسٍ
§ ثالثاً: من حيثُ المعنى: أنَّ المبادرة أفضل، وذلك لأنَّ الإنسان لا يدري ماذا يعرض له، قد يدخل الوقت وهو صحيح معافى، واجدٌ لجميع شروط الصَّلاة، ثم يطرأ عليه ما يمنعه من فعل الصَّلاة، أو من كمالها

إدراك الصلاة :
ü المذهب أنها تدرك بتكبرة الإحرام والقول الصحيح أنها تُدرك بإدراك ركعة ؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدركَ الصَّلاةَ» ، وهذا القول هو الصَّحيح
ü وأيضاً إدراك الجماعة على الصَّحيح: أنها لا تُدرك إلا بركعة، كما أن الجُمعة لا تُدرك إلا بركعة بالاتفاق، فكذلك الجماعة لا تدرك إلا بركعة
ü يجوز الصَّلاة بناءً على غلبة الظنِّ بدخول الوقت لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أفطر هو وأصحابه بغلبة الظَّنِّ فإذا جاز العمل بغلبة الظَّنِّ في خروج الوقت، وهو هنا وقت الصَّوم جاز العمل بغلبة الظنِّ في دخول الوقت
ü أما الشك وغلبة الظن بعدم دخول الوقت فلا يجوز لأن الأصل عدم دخول الوقت

ü الطُّرق التي يحصُل بها غلبة الظنِّ:
o الطريق الأول: الاجتهاد، لكن بشرط أن يكون المجتهد عنده أداة الاجتهاد، بأن يكون عالماً بأدلَّةِ الوقت
o الطَّريق الثَّاني: خبرُ ثقةٍ عن يقين أو غلبة ظنٍّ ويشمل حتى المرأة، وهذا الطريق من عند غيره

ü صلاة المجتهد في تحري الوقت لها خمسُ صُور:
o الصُّورة الأولى: أن يتبيَّن أنها في الوقت، فالأمر واضحٌ؛ تكون فرضاً.
o الصُّورة الثَّانية: أن يتبيَّن أنها قبل الوقت، فتكون نَفْلاً.
o الصُّورة الثَّالثة: أن يغلبَ على ظنِّه أنها في الوقت فتكون فرضاً.
o الصُّورة الرَّابعة: أن يغلبَ على ظنِّه أنها قبل الوقت، فلا يحِلُّ له الدُّخول فيها بنيَّة الفريضة؛ لأنَّه تلاعبٌ.
o الصُّورة الخامسة: أن يشكَّ في دخول الوقت، وحكمها كالرَّابعة.
oمسألة إن قيل في الصُّورة الثانية التي تكون نَفْلاً: لماذا صارت نَفْلاً وهو لم ينوِها؛ وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمالُ بالنيَّات؟
ü فالجواب: أن يُقال: صلاة الفريضة تتضمَّن نيَّتين: نيَّةَ صلاة، ونيَّةَ كونها فريضة، فنيَّةُ كونها فريضة بَطَلَت لتبيُّن أنها قبل الوقت، فيبقى نيَّةُ كونها صلاة

ü من أدرك الصلاة وهو مكلف ثم زال عنه التكليف ثم عاد له التكليف بعد خروج الوقت وأيضا المرأة إذا حاضت بعد دخول وقتِ الصَّلاة :
o يلزمه القضاء إذا أدرك من وقتها قَدْر التَّحريمة وهذا مبنيٌّ على أن المعتبر في إدراك الصَّلاة هو إدراك تكبيرة الإحرام والتّعليلِ أنَّه أدرك جُزءاً من الصَّلاةِ، والصَّلاةُ لا تتجزَّأ، فيكون كما لو كان أدركها كاملة
o وقال بعض أهل العلم: لا يلزمه قضاء الصَّلاة؛ إلا إذا أدرك من وقتها قَدْر ركعة ؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «من أدركَ ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة» وهذا القول أحوطُ
o وقال بعض أهل العلم ـ واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ: لا يلزمه القضاء لا المكلَّف ولا الحائض؛ إلا إذا بقي من وقت الصَّلاة بمقدار فعل الصَّلاة فحينئذ يلزم القضاء والتعليل أن الإنسان له أن يؤخِّرَ هذه الصَّلاة حتى يتضايق وقتها، فإذا طرأ المانع فقد طرأ عليه في وقت يجوز له تأخيرها إليه وهذا التَّعليل تعليلٌ قويٌّ جداً
ü من صار أهلا لوجوبها إما بالتكليف أو بزوال المانع قبل خروج وقتها لزمته إذا أدرك من وقتها قَدْرَ رَكعة والتعليل أنه خُوطبَ بها في الوقت، ولقول الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام: «من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة»
ü ولا يلزمه إلا الصَّلاة التي أدرك وقتها فقط، فأما ما قبلها فلا يلزمه وإن كانت تجمع إليها. وهذا القول هو الرَّاجح والدليل :
o قول الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام: «من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة و«أل» في قوله: «الصَّلاة» للعهد، أي: أدرك الصَّلاة التي أدرك من وقتها ركعة
o وأما النَّظر فإن مُقتضى القياس الصَّحيح؛ أننا متَّفقون على أنه لو أدرك ركعةً من صلاة الظُّهر ثم وُجِدَ مانعُ التكليف، لم يلزمه إلا قضاء الظُّهر فقط، مع أن وقت الظُّهر وقتٌ للظُّهر والعصر عند العُذر والجمع، فما الفرق بين المسألتين؟


قضاء الفوائت :
ü يجب قضاء الفوائت التي تركت لعذر على الفور والدليل:
o قولُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نَامَ عن صلاةٍ أو نسيها فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها»
o ولأنَّ الذي فاتته العبادة شُغِلت ذمَّتُه بها، فوجبَ عليه قضاؤها
ü أما التي تُركت عمدا فلا تقضى وإن قضيت فإنها لا تصح وهذا ليس تخفيفاً عن المؤخِّر، ولكن تنكيلاً به وسُخطاً لفعله والدليل :
o أولاً: قوله تعالى: {{إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}} [النساء: 103] ، أي: صلاتها في هذا الوقت، فإذا أخَّرها عنه بلا عُذر فقد صلاَّها على غير الوصف الذي فُرضت عليه، فترك واجباً من واجباتها عمداً فلا تصحُّ، كما لو صَلَّى بغير وُضُوء عمداً بلا عُذر فإنَّها لا تصحُّ.
o ثانياً: إذا أخَّرها عن وقتها لغير عُذر فقد فعلها على وجهٍ لم يُؤمر به، وقد ثبت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من عَمِل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»
o ثالثاً: أنه لو صلَّى قبل الوقت متعمِّداً فصلاته لا تجزئه بالاتفاق ، فأيُّ فرق بين ما إذا فعلها قبل الوقت أو فعلها بعده؟.
o رابعاً: أن هذا الرَّجُل إذا أخَّرها عن وقتها فإنه ظالمٌ معتدٍ، وإذا كان ظالماً معتدياً فالله لا يحبُّ المعتدين، ولا يحبُّ الظَّالمين، فكيف يُوصف هذا الرَّجُل الذي لا يحبُّه الله لعدوانه وظُلمه بأنه قريب من الله متقرِّب إليه

ü الصلاة تقضى على صفتها فما كان جهرا يقضيها جهرا وما كان سرا فسر والدليل :
o قول الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام: «مَنْ نام عن صلاةٍ أو نسيها فَليُصلِّها إذا ذكرها» فالأمر عائد إلى ذات الصلاة وصفتها
o حديث أبي قتادة في نومهم عن صلاة الصُّبح مع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فصلَّى الغداة فَصَنَع كما كان يصنع كُلَّ يوم»
o أن القضاء يحكي الأداء

ü ويجب القضاء فوراً والدَّليل :
o قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نَامَ عن صلاة، أو نسيها فَلْيُصلِّها إذا ذكرها»
o أن هذا دَيْنٌ واجبٌ عليه، والواجب المبادرة به؛ لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له إذا أخَّر
o ولأن الإنسان إذا عَوَّدَ نَفسَهُ التهاون والتكاسل في الطَّاعات اعتادت هذا، وصار ذلك خُلقاً لها

ü يجب قضاء الصلوات مرتبة والدليل :
o قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نام عن صلاة، أو نسيها فَلْيُصلِّها...» فهذا يشمل عينَ الصلاة، وكيفيَّتها، ويشمل موضعها الترتيبي
o وكذلك ثبت عن النبيِّ عليه الصلاة والسَّلام أنه فاته أربعُ صلواتٍ في الخندق فقضاها مرتِّباً.
o وكذلك في الجَمْع؛ كان يجمع بين الصَّلاتين، فيبدأ بالأُولى

ü ويُسقط الترتيب خمسة أشياء وهي:
o النسيان والدليل: عموم قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286]
o خوف خروج وقت الحاضرة التعليل :
· أولاً: أن الله أمر أن تُصلَّى الحاضرةُ في وقتها، فإذا صَلَّيتَ غيرها أخرجتها عن الوقت.
· ثانياً: أنك إذا قدَّمت الفائتة لم تستفدْ شيئاً، بل تضرَّرت؛ لأنَّك إذا قدمت الفائتة صارت كلتا الصَّلاتين قضاء.
o خوف فوات الجمعة لأنه لو ذكر أن عليه فائتة بَعْد أن أُقيمت صلاة الجُمُعة، ولا يتمكَّن من قضائها وإدراك الجُمُعة، فإنه يبدأ بالجُمُعة؛ لأن فوات جماعة الجُمُعة كفوات الوقت فلا يمكن أن تصلِّيها جُمُعة بعد فوات الجماعة فيها.
o خوف فوات الجماعة وهذا مبنيٌّ على القول بأنه لا يصحُّ أن يُصلِّي خلف من يُصلِّي صلاة أخرى ، أما على القول بالجواز فيصَلِّ معهم في الجماعة، وينوي بها الصَّلاة الفائتة التي عليه.
o الجهل لأنه أخو النسيان ودليله دليله
المذهب يُعذر بالثَّلاثة الأُوَلِ . وأما الرابع والخامس فلا يُعذر فيهما، والصَّحيح أنه يُعذر فيهما.

أبو صهيب 13 ربيع الأول 1431هـ/26-02-2010م 01:44 PM

الشرط الخامس ستر العورة :
ü التعبير بستر العورة لم يأتى في الكتاب ولا في السنة وإنما الذي جاء في القرآن قوله تعالى: {{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}} [الأعراف: 31] . فأمر الله تعالى بأخذ الزِّينة عند الصَّلاة ولم يأمر بستر العورة لما يلي :
o أولا أن أخذ الزينة فيه ستر العورة وزيادة
o ثانيا أن ستر العورة يحصل بستر السوئتين وما زاد على ذلك فهو فَضْل والسُّنة بيَّنت ذلك على سبيل التفصيل
o ثالثا أن العورة في الصلاة تختلف عنها في النَّظر
ü والدَّليل على أنَّ من شَرْط صحَّة الصَّلاة سَتْر العَورة ما يلي:
o قوله تعالى: {{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ *}} [الأعراف] ، لأن أخذ الزِّينة يلزم منه سَتْر العورة.
o قول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنْ كان واسعاً فالتحفْ به، وإن كان ضيقاً فاتَّزرْ به» فلا بُدَّ من الاتِّزار، وإذا كان واجباً في العبادة، فكلُّ واجب في العبادة شرط لصحَّتها، فالقاعدة الشَّرعية: «أنَّ كلَّ واجب في العبادة هو شرط لصحَّتها»
o نقل ابنُ عبد البَرِّ إجماعَ العُلماء على أنَّ من صَلَّى عُرياناً مع قُدْرَته على اللباس فصلاتُه باطلة وكذلك نقل شيخ الإسلام اتفاق العلماء على ذالك

ü يُشترط في الثَّوب السَّاتر أربعة شروط:
o الشَّرط الأول: ألاَّ يصفَ البشرة لأن ذلك لا يستر
o الشَّرط الثاني: أن يكون طاهراً والدليل ما يلي:
· قوله تعالى: {{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ *}} [المدثر] سواء كان المعنى طهر لباسك من النجاسة أو طهر أعمالك من الشرك لأن المعنيان لا يتنافيان فيحمل عليهما جميعا كما هي القاعدة
· أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أُتِيَ بصبيٍ لم يأكل الطَّعام؛ فأجلسه في حِجْرِه، فَبَالَ الصبيُّ في حِجْرِه، فدعا بماءٍ فأتْبَعَهُ إيَّاه
· أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلِّي ذات يوم بأصحابه؛ فخلع نعليه، فخلع الناسُ نعالَهم، فلما سَلَّمَ سألهم: لماذا خلعوا نِعَالهم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: «إنَّ جبريل أتاني فأخبرني أنَّ فيهما أذى»
· حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم مَرَّ بقبرين يُعذَّبان، فقال: «إنَّ أحدهما كان لا يَسْتَتِرُ من البول»
· قوله تعالى: {{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}} [الحج: 26] فإذا أمر اللَّهُ تعالى بتطهير المَحَلِّ، وهو منفصل عن المصلِّي، فاللباس الذي هو مُتَّصِلٌ به يكون الأمر بتطهيره من باب أولى
o الشَّرطُ الثَّالثُ: أن يكون مباحاً، أي: ليس بمحرَّمٍ سواء كان محرَّم لعينه، أو محرَّم لوَصْفِهِ، أو محرَّمٌ لكسبه وهذا الشرط فيه خلاف فمن أهل العلم من يقول: إن السَّتر يحصُل بالثَوب المحرَّم؛ لأن جهة النَّهي والأمر مختلفة؛ لأن المحرَّم في هذا الثوب ليس هو لُبْسُه في الصَّلاة وإنما النَّهي خارجٌ عن الصَّلاة، لا تلبس الحرير مطلقاً فإذا لبسه سواء في الصلاة أو خارجها فهو آثم وصلاته صحيحة
o الشَّرط الرابع: ألا يضرُّه مثل لو كان الثوب فيه مسامير وليس لديه غيره

ü العورة في الصَّلاة على المشهور من مذهب الحنابلة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مغلَّظة، ومخفَّفة، ومتوسِّطة:
o المخفَّفة: عورة الذَّكر من سبع إلى عشر سنوات، وهي الفَرْجَان فقط، أي: إذا سَتَرَ قُبُلَهُ ودُبُرَه فقد أجزأه السَّتْرُ، ولو كانت أفخاذهُ بادية.
o المغلَّظة: عورة الحُرَّة البالغة؛ فكلُّها عَورة إلا وجهها وقد رجح الشيخ رحمه الله أن القدمان والكَفَّان أيضا ليستا بعورة في الصَّلاة بناءً على أنه ليس هناك دليلٌ تطمئنُّ إليه النفس وتقليدا لشيخ الإسلام رحمه الله
o المتوسِّطَة: ما سوى ذلك، وحدُّها ما بين السُّرَّة والرُّكبة ويدخل فيها أربعة أصناف :
· أولاً: الذَّكَر من عشر سنوات فما فوق سواء كان حُرًّا أم عبداً
· ثانياً: الأَمَةُ ـ ولو بالغة ـ وهي المملوكة، ، فلو صلَّت الأَمَةُ مكشوفة البدن ما عدا ما بين السُّرَّة والرُّكبة، فصلاتها صحيحة
· وأما في باب النَّظر فالصحيح ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله أن الأمة كالحُرَّة؛ لأن الطَّبيعة واحدة والخِلْقَة واحدة، والرِّقُّ وصف عارض خارج عن حقيقتها وماهيَّتها، ولا دليلَ على التَّفريق بينها وبين الحُرَّة. وعلَّل ذلك بتعليل جيِّدٍ مقبولٍ، فقال: إن المقصود من الحجاب هو ستر ما يُخاف منه الفِتنة بخلاف الصَّلاة، ولهذا يجب على الإنسان أن يستتر في الصَّلاة، ولو كان خالياً في مكان لا يطَّلع عليه إلا الله. لكن في باب النَّظر إنما يجب التَّستر حيث ينظر الناس.
· ثالثا: أُمُّ الولد: هي الأَمَة التي أتت من سيِّدها بولد، وهي رقيقة حتى يموت سيِّدُها
· رابعا : المُعْتَقٍ بعضُها أي بعضها حُرٌّ وبعضها رقيقٌ كالأمة التي امتلكها رجلان أعتق أحدهما نصيبه دون الأخر
ü يجوز الصلاة في ثوب واحد ويستحب في ثوبين لأنه أبلغُ في السَّتر وأحوط، وصَحَّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «إذا وَسَّع الله عليكم فَأوسِعُوا، جَمَعَ رَجُلٌ عليه ثيابَهُ، صَلَّى رَجُل في إزارٍ ورداء، في إزارٍ وقميص...» ويؤيِّد ذالك أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ: أيُصلِّي أحدُنا في الثَّوب الواحد؟ فقال: «أوَلِكُلِّكُم ثَوبان»
ü سَتْرَ العاتقين سُنَّة والدَّليلُ قولُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يُصلِّينَّ أحدُكُم في الثَّوب الواحد ليس على عاتِقِه منه شيء» مع قوله «إنْ كان ضيِّقاً فاتَّزِرْ به» وكونه لا بُدَّ أن يكون على العاتقين شيء من الثَّوب ليس من أجل أن العاتقين عورة، بل من أجل تمام اللباس وشدِّ الإزار
ü يجزئ المرأة ستر عورتها، ولو بثوبٍ واحدٍ، فلو لفّت نفسها بثوب يخرج منه الكفَّان والقدمان مع الوجه أجزأ على القول الرَّاجحِ
ü إذا انكشفت عورته في أثناء الصلاة فلا يخلو من أربع أحوال :
o أولاً: إذا كان الانكشاف عَمْداً بطلت الصَّلاة، قليلاً كان أو كثيراً، طال الزَّمنُ أو قَصُرَ.
o ثانياً: إذا كان غير عَمْدٍ وكان يسيراً، فالصَّلاة لا تبطل.
o ثالثاً: إذا كان غير عَمْد، وكان فاحشاً لكن الزمن قليل، فظاهر كلام المؤلِّف أنها تبطل، والصَّحيح أنها لا تبطل وقد قال تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16]
o رابعاً: إذا انكشف عن غير عَمْد انكشافاً فاحشاً، وطالَ الزَّمن بأن لم يعلم إلا في آخر صَلاتِهِ، أو بعد سلامه، فهذا لا تصحُّ صلاته؛ لأنَّه فاحش والزَّمن طويل.
ü من صلى في ثوب نجس فلا يخلوا من ستة صور :
o صَلَّى في ثوبٍ نجسٍ يعلم نجاسته؛ مع القُدرة على تطهيره، فلا تصحُّ صلاتُهُ؛ لأنَّه خالف أمر الله ورسوله، فوجب عليه إعادة الصَّلاة.
o صَلَّى في ثوب نجسٍ جاهلاً النَّجاسة، أو جاهلاً بوجوب تطهيره، ولم يعلم إلا بعد انتهاء الصَّلاة، فيعيد لأنه أخلَّ بشرط في الصَّلاة، والإخلال بالشَّرط لا يُغتفر، قال الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام للرَّجل الذي لا يطمئن: «إنك لم تُصَلِّ» ، وقال: «لا يقبلُ اللَّهُ صلاةً بغير طُهور» .
o صَلَّى في ثوب نجس وهو يذكر النَّجاسة؛ فيعيدُ.
o صَلَّى في ثوب نجس، فنسيَ أنه نجس، أو نسي أن يغسلها؛ فيعيد.
o صَلَّى في ثوب نجس، وليس عنده ما يغسلها به، وليس عنده غير هذا الثَّوب؛ فيعيد مع أنه يجب عليه أن يُصلِّي به.
o صَلَّى في ثوبٍ نجسٍ وعنده ثوبٌ طاهر ولم يصلِّ به؛ فيعيد.
ü وقال بعضُ أهل العلم: إنه إذا كان جاهلاً، أو ناسياً، أو عادماً، فلا إعادة عليه وهو الصحيح لما يلي :
o أما الجاهل فالدليل :
· قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286]
· أن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم لما أخبره جبريلُ بأنَّ في نعليه أذى أو قَذَرٌ خلعهما واستمرَّ في صلاته، ولو كان الثَّوب النَّجس المجهول نجاسته تبطل به الصَّلاة لأعادها من أوَّلها
o وأما الناسي فالدليل :.
· قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286]
· ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نسيَ وهو صائمٌ فأكلَ أو شربَ فليُتِمَّ صومَه» (7) . والأكل والشّرب في الصِّيام فعل محظور، والصَّلاةُ في ثوب نجس فِعْلٌ محظورٌ أيضاً. فلمَّا سقط حكمه بالنسيان في باب الصِّيام قِيْسَ عليه حُكمه بالنسيان في باب الصَّلاة
o أما العدم بمعنى أن لا يكون عنده ثوب طاهر فتعليلهم أن السَّتر واجب، وأنَّ حَمْله للنَّجسِ حينئذ للضَّرورة؛ قال الله تعالى: {{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}} [الحج: 78]
ü ومن حبس في مكان نجس صلى ولا إعادة عليه لأنه مكره والدليل :
· قول النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «إن الله تجاوز عن أُمَّتي الخطأ والنسيانَ وما استُكرِهُوا عليه»
· وقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16]
ü صلاة العريان :
o من لم يجد إلا ما يكفيه في ستر العورة سترها وإلا فالفرجين
o يلزم عادم ما يستر به عورته تحصيلها بكل وسيلة ليس عليه فيها ضرر ولا مِنَّة، سواء ببيع أو باستعارة، أو بقَبول هِبَة، أو ما أشبه ذلك ؛ لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16]
o العريان إن كان حولَه أحدٌ صَلَّى قاعداً، وإن لم يكن حوله أحد، أو كان في ظُلْمَة، أو حوله شخص لا يُبْصِرُ، أو شخص لا يستحي من انكشاف عورته عنده كالزوجة فإنه يُصلِّي قائماً ويركع ويسجد؛ لأنه لا عُذْرَ له وهذا القول أقرب الأقوال إلى الحقِّ؛ لأنه يجمع بين حَقِّ الله وحَقِّ النَّفْسِ، فإن حقَّ الله إذا لم يكن حوله أحد يراه أن يُصلِّي قائماً؛ لأنه قادر، وحقُّ النَّفْسِ إذا كان حوله أحد أن يصلِّي قاعداً؛ لأنه يخجل من القيام ويشُقُّ عليه نفسيًّا.
o وإمام العراة يكون أمامهم لا وسطهم لأن السُّنَّة أن يكون الإمام أمامَهم وتأخُّره لا يفيد شيئاً يُذكر، والإنسان إذا شاركه غيرُه في عيبه خَفَّ عليه، فهو إذا تقدَّم لا يرى في نفسه غَضَاضة، أو حياء، أو خجلاً؛ لأن جميع مَنْ معه على هذ الوجه
o إذا اجتمع رجالٌ ونساءٌ عُراة، صَلَّى الرِّجَال وحدهم، والنِّساء وحدهنَّ فإن شقَّ صلاةُ كلِّ نوع وحده بحيث لا يوجد مكان آخر صَلَّى الرِّجال واستدبرهم النِّساء ثم عكسوا
إنْ وجد العريان في أثناء الصَّلاة سُتْرة، فإن كانت قريبة بحيث لم يطل الفصل؛ أخذها وستر وبَنَى على صلاته، وإن كانت بعيدة فإنَّه يقطع صلاته ويبتدئ الصَّلاة من جديد.

ü المكروهات المتعلقة بالثياب في الصلاة :
o أولا : السدل وهو أن يطرح الثَّوب على الكتفين، ولا يردَّ طرفه على كتفه الآخر إلا إذا كان هذا الثَّوب مما يلبس عادة هكذا، فلا بأس به
o ثانيا : اشتمال الصَّمَّاء وهو :
· أن يلتحف بالثوب ولا يجعل ليديه مخرجاً؛ لأن هذا يمنع من كمال الإتيان بمشروعات الصَّلاة
· قال بعض العلماء: إن اشتمال الصمَّاء أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره
· وقيل هو: أن يجعل الرِّداء على رأسه ثم يسدل طرفيه إلى رجليه
o رابعا : تغطيةُ الوجه لأن هذا قد يُؤدِّي إلى الغَمِّ، ولأنه إذا سجد سيجعل حائلاً بينه وبين سجوده ويستثنى من ذالك:
· إذا احتاج إلى ذالك مثل العطاس
· المرأة إذا كان حولها رجال ليسوا من محارمها، فإن تَغْطِيَة وجهها حينئذ واجب، ولا يجوز لها كشفه
o خامسا : اللِّثام على الفَمِ والأنف بأن يضع «الغُترة» أو «العِمَامة»، أو «الشِّماغ» على فمه، وكذلك على أنفه لأنه قد يؤدِّي إلى الغمِّ وإلى عدم بيان الحروف عند القِراءة والذِّكر ويستثنى من ذالك :
· إذا تثاءب وغَطَّى فمه ليكظم التثاؤب
· أو كان حوله رائحة كريهة تؤذيه في الصَّلاة
· أو كان به زُكام، وصار معه حَساسية إذا لم يتلثَّم
o سادسا : كف الثوب ولفه ولا فرق بين أن يفعل ذلك عند الصَّلاة من أجل الصَّلاة، أو أن يفعل ذلك لعمل قبل الصَّلاة والدليل: قولُ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم: «أُمِرْتُ أن أسجُد على سَبْعَة أَعْظُم، ولا أكُفَّ شَعْراً ولا ثَوْباً» ويستثنى من ذالك ما كان يلبس على تلك الحال كالغترة تُكفُّ مثلاً على الرَّأس، وتُجعل وراءه
o سابعا : شَدُّ الوسط، بحيث يربط على بطنه حَبلاً، أو سَيراً، أو ما أشبه ذلك، إن كان على وجه يُشبه الزُّنَّار، والزُّنَّار سَيْر معروف عند النَّصَارى يشدُّون به أوساطهم، وإنما كُرِه ما يشبه شَدَّ الزُّنَّار؛ لأنه تشبُّه بغير المسلمين، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ تَشبَّه بقومٍ فهو منهم» والصَّواب: أنه حرام لأجل التشبه

ü المحرمات المتعلقة بالثياب :
o يحرم الخيلاء في ثوب وغيره والدليل قول النبيَّ صلى الله وسلم: «مَنْ جَرَّ ثَوبه خُيَلاء لم ينظر الله إليه»
o ويحرم التصوير والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قال ـ فيما يرويه عن الله سبحانه وتعالى ـ: «ومَنْ أظلمُ ممن ذهبَ يخلقُ كخلقي» ، ثم تحدَّاهم الله فقال: «فليخلقوا ذَرَّة أو ليخلقوا شعيرة» والشيخ رحمه الله يرى أن التَّصوير الثَّابت على الورق. إذا كان بآلة «فوتوغرافية» فورية، أنه لا يدخل في التَّصوير
o ويحرم استعمال المصور إذا كان على وجه التعظيم ويجوز على وجه الامتهان وما لم يكن على وجه التعظيم ولا الامتهان فيحرم أيضا
o ويحرم استعمال المنسوج بذَهَبٍ: هو أن يكون فيه خيوط من الذَّهب تُنْسج ومن باب أولى لباس الخالص من الذهب ويحرُم أيضا المموَّه بالذهب، وهو المطليُّ بالذَّهب لعموم قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «أُحِلَّ الذَّهب والحرير لإناث أمتي وحُرِّم على ذكورها»
o ويحرم للذكور لباس الحرير وأن المحرَّم منه هو الحريرُ الخالص أو الذي أكثره الحرير، وأما ما أكثره غير الحريرُ فحلال، وأما ما تساوى فيه الحرير وغيره فمحلُّ خلاف والدليل قول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «من لَبِس الحريرَ في الدُّنيا لم يلبسه في الآخرة» وهذا وعيد ويستثنى من ذالك ما كان لضرورة :
· مثل الحكة فقد رَخَّصَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرحمن بنِ عَوف والزُّبير رضي الله عنهما أن يلبسا الحرير من حِكَّة كانت بهما
· أو مَرضٍ إذا كان فيه مرض يخفِّفُه الحرير أو يُبرئه
· أو قَمْلٍ لأنَّه محتاج لذلك إمَّا حاجة نَفْسيَّة؛ وإمَّا حاجةً جسدية
· أو حرب لما في ذلك من إغاظة للكفَّار، فإن الكُفَّار إذا رأوا المسلمين بهذا اللباس اغتاظوا وقد رأى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أبا دُجَانة «سِماكَ بن خَرَشَة» يختال في مشيته بين الصفَّين في معركة أُحد، يعني يتبختر، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنها لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُها الله إلا في مثل هذا الموطن»
· أو حَشْواً وهو أن يلبس الإنسان ثوباً محشوًّا بالحرير
· أو كان عَلَماً والعَلَمُ معناه: الخَطُّ يُطرَّز به الثَّوب بشرطٍ أن يكون قدْرَ أربعة أصابع فما دون لحديث عمر رضي الله عنه: «أنَّه لم يُرخِّصْ في الحرير إلا إذا كان عَلَماً أربع أصابعٍ فما دون»
· ترقيع الثَّوبَ بالحرير إذا كان أربع أصابع فما دون
o ويحرم المُزَعْفَرُ: هو المصبوغ بالزَّعفران، والمُعَصْفر: هو المصبوغ بالعُصْفر، .ودليل ذلك: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم رأى على عبد الله بن عمرو بن العاص ثوبين مُعَصْفَرين فنهاه أن يلبسهما وقال: «إنَّ هذه من ثِيابِ الكُفَّار، فلا تَلْبَسْهَا» وأما لبسه عليه الصلاة والسلام حلة حمراء فإن هذا لا يعارض نهيه؛ لأنها حُلَّة حمراء لكن ليست خالصة، وإذا كان مع الأحمر شيء يُزيل عنه الحُمرة الخالصة فإن هذا لا بأس به وكذالك نقول أنَّ هذا فعل، والفعل لا يُعارض القول؛ لاحتمال الخُصوصية



أبو صهيب 13 ربيع الأول 1431هـ/26-02-2010م 06:03 PM

ü الشرط السادس :
الطهارة من الحدث، ودليل ذلك :
o من القرآن قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...}} إلى قوله تعالى: {{وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}} [المائدة: 6]
o وأما الدَّليل من السُّنَّة: فمنه قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقبلُ الله صلاةَ أحدِكُم إذا أحدثَ حتى يتوضَّأ»


ü الشرط السابع :
الطَّهارةُ من النَّجس يعني: في الثوب، والبقعة، والبدن :
o فالدليل على اشتراط الطهارة من النَّجاسة في الثَّوب:
ü أولاً: ما جاء في أحاديث الحيض أن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم سُئل عن دم الحيض يصيب الثَّوب فأمر أن «تَحُتَّه ثم تَقْرُصَه بالماء، ثم تَنْضِحَهُ، ثم تصلِّي فيه»
ü ثانياً: أن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم أُتيَ بصبيٍ لم يأكل الطَّعام؛ فبالَ في حِجْرِه، فدعا بماءٍ فأتبعه إيَّاه
ü ثالثاً: أنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم صلَّى ذات يوم بنعليه، ثم خلع نعليه، فخلع الصحابةُ نِعالهم، فسألهم حين انصرف من الصَّلاة: لماذا خلعوا نعالهم؟ فقالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: «إنَّ جبريل أتاني فأخبرني أنَّ فيهما أذًى أو قذراً»
o والدَّليل على اشتراط الطَّهارة من النَّجاسة في البدن:
ü أولاً: كُلُّ أحاديث الاستنجاء والاستجمار تدلُّ على وجوب الطَّهارة من النَّجاسة
ü ثانياً: أمْرُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بغسل المذي يدلُّ على أنَّه يُشترط التَّخلِّي من النَّجاسة في البدن.
ü ثالثاً: إخباره عن الرَّجُلين اللذين يُعذَّبان في قبريهما؛ لأن أحدهما كان لا يَسْتَنْزِهُ من البول.
o والدَّليل على اشتراط الطَّهارة من النَّجاسة في المكان:
ü أولاً: قوله تعالى: {{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}} [البقرة: 125] .
ü ثانياً: أنه لما بال الأعرابيُّ في المسجد؛ أمرَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بذَنُوبٍ من ماء فأُهريق عليه
ü مسائل :
o ومن حمل نجاسة لا يعفى عنها وهي دون اليسير التي يشق التحرز منها فإن صلاته لا تصحّ
o وكذالك من باشرها بثوبه أو بدنه لا تصحّ صلاتُه فإن مسَّ ثوبُه شيئاً نجساً؛ لكن بدون اعتماد عليه، فقد قال أهل العلم: لا يضرُّ
o أما إذا لم يباشرها سواء حال بينه وبينها طاهر أو كانت في طرف المصلى فإن الصلاة تصح لأنَّه لم يُلاقِها، ولم يحملْهَا
o إِذا كَانَتْ النجاسة بِطَرفِ مُصَلَّى مُتَّصلٍ بالمصلي فالصحيح أن الصلاة تصح سواء كانت هذه النجاسة تنجر بمشيه أم لا
o مَنْ رَأَى عَلَيه نَجَاسَةً مما لا يُعفى عنها بَعْدَ صَلاَتِهِ فالرَّاجح أنه لا إعادة عليه سواء نسيها، أم نسي أن يغسلها، أم جهل أنها أصابته، أم جهل أنها من النَّجاسات، أم جهل حكمها، أم جهل أنها قبل الصَّلاة، أم بعد الصلاة. والدَّليل على ذلك:
o القاعدة العظيمة العامة التي وضعها الله لعباده وهي قوله: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286]
o ومن السنة أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم حين صَلَّى في نعلين وفيهما قَذَرٌ؛ وأعلمه بذلك جبريل لم يستأنف الصَّلاة وإذا لم يُبْطِل هذا أولَ الصَّلاة، فإنه لا يُبْطِلُ بقيَّة الصَّلاة
o من كان على بدنه نجاسة وتضرر بقلعها كرجل انكسر عظمه فكسروا عظم كلب، وجَبَروا به عظمَ الرَّجل فصلاته صحيحة
o من سقط منه عضو، ثم أعاده في الحال فَالْتَحَمَ يكون طاهراً لا يلزمه أن يزيله إذا أراد الصَّلاة لأن ما سقط من الإنسان عضوا كان؛ أو سِن فهو طاهر والدليل : قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ المؤمن لا ينجس» أي: لا حيًّا ولا ميْتاً

أماكن الصلاة :
ü لا تصح الصلاة في المقبرة والدليل :
o أولاً: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحَمَّام»
o ثانياً: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لعن اللَّهُ اليهودَ والنَّصارى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مَسَاجدَ»
o ثالثاً: تعليل؛ وهو أنَّ الصَّلاة في المقبرة قد تُتَّخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبُّه بمن يعبدُ القُبور
o يُستثنى من ذلك صلاة الجنازة لأنه ثبت عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه فَقَدَ المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد، فسأل عنها، فقالوا: «إنَّها ماتت»، فقال لهم: «هلاَّ آذنتموني»، أي: أخبرتموني، ثم قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «دُلُّوني على قبرها» فدلُّوه على القبرِ، فقامَ وصَلَّى عليها عليه الصَّلاة والسَّلام
ü ولا تصحُّ الصلاة في الحُش وهو المكان الذي يَتخلَّى فيه الإنسان من البول أو الغائط؛ وهو الكَنيف لأنه نجس خبيث، ولأنَّه مأوى الشياطين، والشياطين خبيثة فلا ينبغي أن يكون هذا المكان الخبيث الذي هو مأوى الخبائث مكاناً لعبادة الله عزّ وجل. وكيف يستقيم هذا وأنت تقول في الصَّلاة: أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم، وأنت في مكان الشَّياطين

ü ولا تصحُّ الصَّلاة في الحمام، للحديث: «الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحَمَّام» ولأن الحمَّام، مكان كشف العورات

ü ولا تصح الصلاة في أعطان الإبل وهي ما تقيم فيه الإبل وتأوي إليه، كمَرَاحِها، سواءٌ كانت مبنيَّة بجدران أم محوطة بقوس أو أشجار أو ما أشبه ذلك، وكذلك ما تعطن فيه بعد صدورها من الماء. والدَّليل قول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «صلُّوا في مرابضِ الغنم، ولا تُصَلّوا في أعطان الإبل»
o والحكمة في ذالك أن الإبل خلقت من الشياطين، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح ، فإذا كانت مخلوقة من الشياطين، فلا يبعد أن تصحبها الشياطين، وتكون هذه الأماكن مأوى للإبل ومعها الشياطين، وهذا الذي اختاره شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أقرب ما يُقال في الحكمة، ومع ذلك فالحكمة الأصيلة هي التعبُّد لله بذلك.

ü ولا تصحُّ الصلاة في مغصوب وقيل تصح لأن الصلاة لم يُنْهَ عنها في المكان المغصوب، بل نُهيَ عن الغصب، والغصب أمر خارج، فأنت إذا صَلَّيت فقد صَلَّيت كما أُمرت، وإقامتك في المغصوب هي المحرَّمة.وهذا القول هو الصحيح

ü أما أسطح ما تقدم فالقول الرَّاجح: أن جميع هذه الأسطحة تصحُّ الصلاة فيها إلا سطح المقبرة وسطح الحَمَّام.
o أمَّا المقبرة، فلأنَّ البناء على المقبرة كالمقبرة في كونه ذريعة إلى عبادة القبور، ولهذا نُهيَ عن البناء على القبر
o وأما سطح الحَمَّام فلأنه داخل في مسمَّاه؛ لكن هو محل تردُّدٍ لدى الشيخ

ü ويحرم الصلاة إلى المقبرة، ولو قيل بعدم الصِّحَّة لكان له وجه والدليل :
o قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجلِسُوا على القُبُور، ولا تُصَلُّوا إليها»
o ولأن العِلَّة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر

ü الصلاة في الكعبة تصح فرضا ونفلا على الصحيح والدليل :
o أن الأصل تساوي الفرض والنَّفْل في جميع الأحكام إلا بدليل، ويُستدلُّ لهذا الأصل بأن الصَّحابة لمَّا ذكروا أنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلِّي على راحلته حيثما توجَّهت به، قالوا: غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبة
o ولأن الله عزّ وجل يقول: {{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}} [البقرة: 149] وشطره بمعنى جهته، وهذا يشمل استقبال جميع الكعبة أو جزء منها، كما فَسَّرت ذلك السُّنَّة بصلاة الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم في الكعبة

ü تصحُّ النَّافلة في الكعبة؛ وإن لم يكن بين يديه شيء منها شاخص واستدلُّوا لذلك: بأن الواجب استقبال الهواء، والهواء تابع للقرار

أبو صهيب 15 ربيع الأول 1431هـ/28-02-2010م 04:58 PM

ü الشرط الثامن استقبال القبلة :
o استقبال القبلة من شروط الصَّلاة بدلالة الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع :
· أما الكتاب: فقوله تعالى: {{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}} [البقرة: 150] .
· وأما السُّنَّة: فكثيرة؛ منها: قوله صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاته: «إذا قمت إلى الصَّلاة فأسبغ الوُضُوء، ثم استقبل القِبْلة فكبِّر»
· وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب استقبال القِبْلَة في الصَّلاة
o لا تصحُّ الصلاة بدون استقبال القِبلة :
· لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عَمِل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»
· ولأن استقبال القبلة شرط، والقاعدة: أنه إذا تخلَّف الشرط تخلَّف المشروط، فلا تصحُّ الصَّلاة بدونه لهذه العِلَّة ويستثنى من ذالك مسألتين :
v الأولى : العاجز؛ تصحُّ صلاته بدون استقبال القِبلة ودليل ذلك :
§ قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16]
§ وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»
§ ومن القواعد المقرَّرة عند أهل العلم المأخوذة من نصوص الكتاب والسُّنة: أنه لا واجبَ مع عَجزٍ، ولا محرَّمَ مع ضَرورة
v الثانية : المسافر المصلِّي نافلة راكباً وهو يسير والدليل فعل الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام حيث كان يُصلِّي النَّافلة على راحلته حيثما توجَّهتْ به، غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبة
o الأفضل للمصلِّي المسافر نافلة راكباً أن يبتدئ الصَّلاة متَّجهاً إلى القِبْلة، ثم يتَّجه حيث كان وجهه، لكنه ليس هذا بواجب والدليل حديث ابن عمر وغيره: «أنَّه كان يُصلِّي حيث كان وجهه». وظاهرها أنه من ابتداء الصلاة إلى انتهائها

o التنفل ماشيا للمسافر فيه خلاف بين أهل العلم والراجح جواز ذالك إلحاقا له بالراكب لأن العِلَّة في جواز التنفُّل على الرَّاحلة بدون عُذْر هو حمل الإنسان وتشجيعه على كثرة النَّوافل، وهذا حاصل للمسافر الماشي، كما هو حاصل للمسافر الرَّاكب .

o ولا يلزمه الرُّكوع والسُّجود إلى القِبْلة ؛ لأنَّ في ذلك مشقَّة عليه؛ لأنه يستلزم الوقوف للرُّكوع والسجود والجلوس بين السَّجدتين، وهذا يعيقُه بلا شَكٍّ، لكن لو قلنا يومئُ إيماء؛ أمكنه أن يومئ وهو ماشٍ في ركوعه وسجوده، فحكمه حكم الرَّاكب

o من كان قريبا من الكعبة حيث يمكنه مشاهدتها ففرضه استقبال عينها ومن كان بعيدا بحيث لا يمكنه مشاهدتها ففرضه استقبال جهتها

o ما يُستدلُّ به على القِبْلة :
· الأول: خبرُ الثقة سواء كان عن يقين أو عن اجتهاد رَجُلا كان أو امرأة ولا يُشترط أن يخبره ثقتان، وهذا بخلاف الشَّهادة؛ لأن هذا خبر ديني فاكتُفيَ فيه بقول الواحد، كما نعمل بقول المؤذِّن بدخول الوقت . والثقة: تستلزم العدالة والخبرة
· الثاني : وجود المحاريبَ الإسلاميَّة في المسجد ؛ لأن الغالب بل اليقين أن لا تُبنى إلا إلى جهة القِبْلة.
· الثالث : النجم القُطْبي؛ وهذا دليل آفاقي وهو نجم خفيٌّ جداً ، قال العلماء: لا يراه إلا حديد البَصَر في غير ليالي القمر، إذا كانت السماء صافية ، لكن له جار بيِّنٌ واضح يُستدلُّ به عليه وهو «الجَدي»، فإنه قريب منه والدَّليل على اعتبار النُّجوم دليلاً قوله تعالى: {{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}}
· الرابع : الشمس والقمر لأنَّ كلاهما يخرج من المشرق ويغرب من المغرب، فإذا كنت عن الكعبة غرباً فالقِبْلة شرقاً، وإذا كنت عن الكعبة شرقاً، فالقِبْلة غرباً، وإذا كنت عن الكعبة شمالاً فالقِبْلة جنوباً، وإذا كنت عن الكعبة جنوباً فالقِبْلة شمالاً، «وما بين المشرق والمغرب قِبْلة» كما قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام
· الخامس : منازل الشمس والقمر، يعني: منازل النجوم الصيفيَّة والشتوية، وهي ثمان وعشرون منزلة ينزلها القمر كلَّ ليلة له منزلة منها، وليلتان أو ليلة واحدة يكون مستتراً لا يُرى لكن هذه لا يعرفها إلا من تَمَرَّسَ وكان في البَرِّ، وليس حوله أنوار كهرباء بحيث يعرف هذه النُّجوم
· وقال بعضُ العلماء: يُستدلُّ أيضاً بالجبال الكِبَار وقال بعضهم: يُستدلُّ بالأنهار ومصابِّها وقال بعضهم: يُستدلُّ بالرِّياح لكن هذه الثلاثة دلالتها خفيَّة، ولهذا أغفلها المؤلِّف رحمه الله ولم يذكرها
· وفي زمننا هذا أنْعَمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بالآلات الدَّقيقة التي يُستدلُّ بها على جهة القِبْلة، بل يُستدلُّ بها على عين القِبْلة؛ لأنهم يقولون: إن الكعبة هي مركز الكُرَة الأرضيَّة، وأنهم الآن توصَّلُوا إلى آلات دقيقة يكون اتجاهُها دائماً إلى مركز الأرض وهو وسطها
o إذا اجتهدا مجتهدان فاختلفا في جهة القبلة :
· فعلى المذهب لا يجوز ان يتبع أحدهما الأخر لا في القبلة ولا في الائتمام
· وقال بعض أهل العلم وهو الأقرب للصواب جواز اتِّباع أحدهما الآخر في الائتمام مع اختلافهما في جهة القِبْلة. قالوا: ونظير ذلك لو أنَّ رَجُلَين أكلا من لحم إبل، أحدهما يعتقد أنَّ لحم الإبل ناقض، والثاني يعتقد أن لحم الإبل غير ناقض، فَأْتمَّ أحدُهما بالآخر، فهنا أحدهما يعتقد بطلان صلاة الآخر، ومع ذلك يجوز أن يَأْتمَّ أحدُهما بالآخر
· وإذا كان معهما ثالث ليس بمجتهد فإنه يتبع أوثقهما عنده
o المصلي بالنسبة للقبلة إما أن يصلي :
· . أولاً: باجتهاد، فصلاتُه صحيحة؛ سواءٌ أخطأ أم أصاب، وسواء في السَّفر أم في الحضر على القول الرَّاجح
· ثانياً: بغير اجتهاد ولا تقليد، فإن أخطأ أعاد، وإن أصاب لم يُعِدْ على الصَّحيح.
· ثالثا :ليس أهلا للاجتهاد ولم يجد من يُقلِّده وتحرَّى؛ فإنه لا تلزمه الإعادة.
· المجتهد العارف بأدلَّة القِبْلة يجب عليه أن يجتهد لكلِّ صلاة على المذهب والصَّواب: أنه لا يلزمه أن يجتهد لكلِّ صلاة، ما لم يكن هناك سبب
· وإذا تبين له خطأ الاجتهاد الأول اجتهد مرة أخرى وصلى بالاجتهاد الثاني ولم يقض ما صلى بالأول لأن الاجتهاد لا يُنقض بالاجتهاد

أبو صهيب 16 ربيع الأول 1431هـ/1-03-2010م 12:50 AM

ü الشرط التاسع النية :
o النيَّة بمعنى القصد، وأمَّا في الشَّرع: فهي العزم على فعل العبادة تقرُّباً إلى الله تعالى وتنقسم إلى قسمين:
· نيَّة العمل : وهي التي يتكلَّم عنها الفقهاء؛ ويقصدون بها النيَّةَ التي تتميَّز بها العبادة عن العادة، وتتميَّز بها العبادات بعضها عن بعض.
· نيَّة المعمول له وهي التي يتكلَّم عليها أرباب السُّلوك؛ فتُذكر في التَّوحيد، وهي أعظم من الأُولى، لأنَّ عليها مدار الصحَّة، قال تعالى في الحديث القُدسي: «أنا أغنى الشُركاء عن الشِّركِ، مَنْ عَمِلَ عملاً أشرك فيه معي غيري؛ تَركْتُهُ وشِرْكَهُ» ولا بُدَّ من ملاحظة الأمرين جميعاً
· النيَّة محلُّها القلب، ولهذا قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى»، فليست من أَعمال الجوارح، والتلفّظَ بها بدعة ؛ لأن هذا لم يُنقل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولأنَّ الله تعالى يعلم ما في القُلوب ولا فرق في هذا بين الحَجِّ وغيره؛ ففي الحج تسن له التلبية فيُلبِّي بما نوى، والتلبية غير الإخبار بالنيَّة؛ لأن التلبية تتضمَّن الإجابة لله، فهي بنفسها ذِكْرٌ ليست إخباراً عمَّا في القلب، ولهذا يقول القائل: لبَّيك عُمرة أو لبَّيك حَجّاً.
o يجب على من أراد الصَّلاة :
· أن ينويَ عينَها إن كانت معيَّنة، مثل: لو أراد أن يُصلِّي الظُّهر يجب أن ينوي صلاةَ الظُّهر،؛ فإن لم ينوها معينة فصلاتُه غير صحيحة وتصحُّ على أنها صلاةٌ يؤجَرُ عليها.
· وقيل: لا يُشترط تعيين المعيَّنة، فيكفي أن ينويَ الصلاة؛ وتتعيَّن الصلاة بتعيُّن الوقت وهذا القول هو الذي لا يسعُ النَّاس العمل إلا به؛ لأن كثيراً من الناس يتوضَّأ ويأتي ليُصلِّي، ويغيب عن ذهنه أنها الظُّهر أو العصر وهو الراجح
o النيَّة سهلة، وتركها هو الشَّاقُّ لهذا :
· قال بعض العلماء: لو كلَّفنا الله عملاً بلا نيَّة لكان من تكليف ما لا يُطاق
· قال شيخ الإسلام: «النيَّة تتبع العلم؛ فمن علم ما أراد فِعْلَه فقد نواه، إذ لا يمكن فعله بلا نيَّة»
o لا يُشترط في الفرض نيَّة الفرض ولا في الأداء نية الأداء و لا في القضاء نية القضاء ولا في النَّفْل نية النَّفْل اكتفاءاً بنية التعيين

o محل النية :
· تكون النية مقارِنَةً لتكبرة الإحرام
· أو قبلها بزمن يسير بشرط أن تكون في الوقت فلو نوى الصَّلاة قبل دخول وقتها، ولو بزمنٍ يسير، ثم دخل الوقت وصَلَّى بلا تجديد نيَّة، فصلاتُه غيرُ صحيحة
· فإن طال الوقت :
ü فظاهر كلام المؤلِّف أنَّ النيَّة لا تصحُّ؛ لوجود الفصل بينها وبين المنويولأنَّ النيَّة سبقت الفعل بزمن كثير
ü وعلى القول الثاني تصحُّ الصَّلاة؛ لأنه لم يفسخ النيَّة الأولى، فحكمها مستصحب إلى الفعل. وهذا القول أصحُّ؛ لعموم قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيَّات»
o قطع النية والتردد فيها :
· إذا قطع النية في أثناء الصَّلاة بطلت صلاتُه لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمالُ بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى»
· إذا تردَّد في قطع النية في أثناء الصَّلاة فقول صاحب الزاد أنها تبطل لأنَّ استمرار العزم شرط عنده وقال بعض أهل العلم: إنها لا تبطل بالتردُّد ؛ وذلك لأن الأصل بقاء النيَّة، وهذا القول هو الصَّحيح
· إذا عزم على مبطل ولم يفعله قال بعض العلماء: إنها تبطل ، لأن العزمَ على المفسد عزمٌ على قطع الصَّلاة، والعزمُ على قطع الصَّلاة مبطلٌ لها.والمذهب: أنها لا تبطل بالعزم على فعل مبطل إلا إذا فعله ؛ لأن البطلان متعلِّق بفعل المبطل، ولم يوجد، وهو الصَّحيح
· إذا علَّق القطعَ على شرطٍ فقال: إن كلَّمني زيد قطعت النيَّة أو أبطلت صلاتي فإنها تبطل على كلام الفقهاء ، والصَّحيح أنها لا تبطل
o الشك في النية :
· إذا شكَّ المصلي هل نوى أم لم ينوِ، فإنه يستأنف الصَّلاة؛ وذلك لأنَّ الأصل العدم وهذه المسألة فرضيَّة لأنه لا يمكن للإنسان أن يتوضَّأ ويقدم إلى المسجد ويكبِّر ويقول: أنا أشكُّ في النيَّة
· إذا كثُرت الشكوك فهذا وسواس لا يُعتدُّ به
· لو تيقَّن النيَّة وشكَّ في التَّعيين :
ü فإن كان كثيرَ الشُّكوك فلا عِبْرة بشكِّه، ويستمرُّ في صلاته
ü وإن لم يكن كثيرَ الشُّكوك؛ لم تصحَّ صلاتُه عن المعينة؛ إلا على قول من لا يشترط التعيين، ويكتفي بنيَّة صلاة الوقت
o الانتقال من نيَّة إلى نيَّة وله صور:
· الانتقال من الفرض الى النفل :
ü المنفرد : يجوز له ذالك بشرط أن يكون الوقت متَّسعاً للصلاة، فإن كان ضيِّقاً؛ بحيث لم يبقَ منه إلا مقدار أربع ركعات فإن هذا الانتقال لا يصحُّ؛ لأن الوقت الباقي تعيَّن للفريضة، وإذا تعيَّن للفريضة لم يصحَّ أن يشغله بغيرها
ü المأموم : لا يصح منه ذالك لأن صلاة الجماعة في الفرض واجبة، وحينئذ يكون انتقاله من الفريضة إلى النَّفْل سبباً لفوات هذا الواجب
ü الإمام : لا يحلُّ له ذالك لأن الإمام إذا قلب فرضه نَفْلاً لزم من ذلك أن يأتمَّ المأموم المفترض بالإمام المتنفِّل، وائتمام المفترض بالمتنفِّل غير صحيح. فيلزم أن تبطل بذلك صلاة المأموم، فيكون في هذا عُدوان على غيره
ü قلب الفرض نفلا للمنفرد مستحبٌّ في بعض الصُّور، وذلك فيما إذا شَرَع في الفريضة منفرداً ثم حضر جماعة؛ ففي هذه الحال هو بين أمور ثلاثة :
§ إمَّا أن يستمرَّ في صلاته يؤدِّيها فريضة منفرداً، ولا يُصلِّي مع الجماعة الذين حضروا
§ وإمَّا أن يقطعها ويُصلِّي مع الجماعة
§ وإما أن يقلبها نَفْلاً فيكمل ركعتين ثم يدخل مع الجماعة
§ فإن خاف أن تفوته الجماعة فالأفضل أن يقطعها من أجل أن يُدرك الجماعة ونضير ذالك أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهديَ أن يجعلوا حجَّهم عُمْرة (1) من أجل أن يكونوا متمتِّعين، لأن التَّمتُّع أفضل من الإفراد
· الانتقال من فرض إلى آخر :
ü إذا انتقل من فرض لآخر بنية بطلت الأولى ولم تنعقد الثانية.
ü أما إذا انتقل من فرض لآخر بتحريمة فتبطل الأولى لأنه قطعها وتصح الثانية لأنه ابتدأها من الأول بالنية
· الانتقال من نفل معين إلى نفل معين :
ü حكمه كالانتقال من الفرض إلى الفرض
· الانتقال من نفل معين إلى نفل مطلق :
ü يصحَّ لأن المعيَّن اشتمل على نيَّتين: نيَّة مطلقة، ونيَّة معيَّنة، فإذا أبطل المعيَّنة بقيت المطلقة.
· الانتقال من مُطلق إلى مُطلق، صحيح؛ إن تُصُوِّرَ ذلك

أبو صهيب 16 ربيع الأول 1431هـ/1-03-2010م 01:47 PM

تابع الشرط التاسع النية :
o الانتقالات بين الانفراد والائتمام والإمامة :
· الانتقال من انفراد إلى ائتمام :
ü لا يصحُّ الانتقال بالنية من انفراد إلى ائتمام ، وذالك لأنه نوى الائتمام في أثناء الصَّلاة فتبعَّضت النيَّة؛ فلما تبعّضت النيَّة بطلت الصلاة، كانتقاله من فَرْض إلى فَرْض، وهذا هو المذهب.
ü القول الثاني: وهو رواية عن أحمد: أنه يصحُّ أن ينويَ المنفرد الائتمام ؛ لأن الاختلاف هنا اختلاف في صفة من صفات النيَّة، فقد كان بالأوَّل منفرداً ثم صار مؤتمّاً، وليس تغييراً لنفس النيَّة فكان جائزاً، وهذا هو الصَّحيح
· الانتقال من انفراد إلى إمامة :
ü المذهب أنها لا تصح في الفرض وتصح في النفل والدَّليل أن ابن عباس رضي الله عنهما باتَ عند النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فقام النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم من الليل، فقام ابنُ عباس فوقف عن يساره، فأخذَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم برأسِهِ من ورائه فجعله عن يمينه فانتقل النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم هنا من انفراد إلى إمامة في نَفْل وهذا هو قول صاحب الزاد وهو وسط بين قولين
ü القول الثاني: أنه يصحُّ ذالك في الفرض والنَّفْل حيث أن ما ثبت في النَّفْل ثبت في الفرض إلا بدليل، وهذا ثابتٌ في النَّفْل بدليل أن الصَّحابة رضي الله عنهم الذين رَوَوْا أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يُصلِّي على راحلته في السَّفر حيثما توجَّهت به، قالوا: غير أنه لا يُصلِّي عليها الفريضة فدلَّ هذا على أنه من المعلوم عندهم أن ما ثَبَتَ في النَّفل ثَبَتَ في الفرض، ولولا ذلك لم يكن لاستثناء الفريضة وَجْهٌ وهذا القول هو الصحيح
ü القول الثَّالث: أنه لا يصحُّ أن ينتقل من انفراد إلى إمامة؛ لا في الفرض ولا في النَّفْل، كما لا يصحُّ أن ينتقل من انفراد إلى ائتمام لا في الفرض ولا في النَّفْل، وهذا هو المذهب
· الانتقال من اتمام إلى انفراد :
ü إذا انفرد المأموم لعذر طرأ عليه جاز له ذالك ، ومن الأعذار :
§ تطويل الإمام تطويلاً زائداً على السُّنَّة ودليله قصَّة معاذ رضي الله حين ابتدأ سُورةً طويلة «البقرة» فانفرد رَجُلٌ وصَلَّى وحده، فلما عَلِمَ به معاذ رضي الله عنه قال: إنه قد نافق ولكن الرَّجُل شكا ذلك إلى النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ: «أتريدُ أنْ تكون فتَّاناً يا مُعَاذُ» ولم يوبِّخِ الرَّجُلَ
§ أن يطرأ على الإنسان قَيْئٌ في أثناء الصَّلاة
§ أن يطرأ على الإنسان غازاتٌ «رياح في بطنه» أواحتباسُ البول أو الغائط
§ أن تكون صلاة المأموم أقلَّ من صلاة الإمام، مثل: أن يُصلِّي المغرب خلف من يصلِّي العشاء على القول بالجواز
§ ليس من العُذر أن يكون المأموم مسافراً والإمام مقيماً، لأن المأموم المسافر إذا اقتدى بإمام مقيم وجب عليه الإتمام كما جاءت به السنة
ü إذا انفرد المأموم لغير عذر :
§ المذهب أنها تبطل
§ القول الثاني: أنها لا تبطل لكن إن قلنا به فيجب أن يقيَّد بما إذا أدرك الجماعة بأن يكون قد صَلَّى مع الإمام رَكعةً فأكثر، أما إذا لم يكن أدرك الجماعة فإنه لا يَحِلُّ له الانفراد؛ لأنه يُفضي إلى ترك الجماعة بلا عُذر ، لكن القول بجواز الانفراد بلا عُذر في النَّفس منه شيء
§ إذا انفردَ المأمومُ لِعُذر؛ ثم زال العُذرُفيجوزُ أنْ يرجعَ مع الإمام، أوأن يستمرَّ على انفراده
· الانتقال من إمامة إلى انفراد وله صُورتان :
ü الأُولى: أنْ تَبْطُلَ صلاة المأموم، بأن تكون الجماعة من إمام ومأموم، فهنا يتعيَّن أن ينتقل من إمامة إلى انفراد.
ü الصُّورة الثانية: أنْ ينفردَ المأموم عن الإمام لعُذر شرعيٌّ أو حسيٌّ؛ ويبقى الإمامُ وحدَه، فهنا يكون قد انتقل من إمامة إلى انفراد
· الانتقال من إمامة إلى ائتمام :
ü إذا أحرمَ شخصٌ بقوم نائباً عن إمام الحَيِّ الذي تخلَّف، ثم حضر إمامُ الحيِّ، فتقدَّم ليُكمل بالنَّاس صلاة الجماعة، فنائبه يتأخَّر إنْ وجد مكاناً في الصَّفِّ، وإلا بقي عن يمين الإمام، فهنا ينتقل الإمام النَّائب من إمامة إلى ائتمام، وهذا جائز.ودليله: ما وقع لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أمرَ أبا بكر أن يُصلِّيَ بالنَّاس؛ فوجدَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم خِفَّةً؛ فخرج إلى النَّاس فصَلَّى بهم، فجلس عن يسار أبي بكر؛ وأبو بكر عن يمينه، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يكبِّر، ولكن صوته خفيّ؛ فكان يكبِّر، وأبو بكر يكبِّر بتكبيره؛ ليُسمع النَّاسَ ، ولا فرق بين امام الحي وغيره إذا كان للإمام الثاني مزيَّة حُسْن القراءة، أو زيادة في العِلْم؛ أو العبادة، فإن لم يكن له مزيَّة لم يصحَّ
· الانتقال من ائتمام إلى إمامة وله صُور منها :
ü الصُّورة الأُولى: أن يُنيبه الإمام في أثناء الصَّلاة؛ بأن يُحسَّ الإمام أن صلاته ستبطل ، فقد عاد المؤتمُّ إماماً، وهذا جائز.
ü الصُّورة الثَّانية: دخل اثنان مسبوقان، فقال أحدُهما للآخر: إذا سلَّم الإمامُ فأنا إمامُك فلما سلَّمَ الإمامُ صار أحد الاثنين إماماً للآخر، فقد انتقل هذا الشَّخص من ائتمام إلى إمامة، وانتقل الثَّاني من إمامة شخص إلى إمامة شخص آخر :
§ هذا جائز على المذهب
§ قال بعض أصحاب الإمام أحمد: إن هذا لا يجوز
§ الصحيح أنه جائز، ولكن لا ينبغي؛ لأن ذلك لم يكن معروفاً عند السَّلف، وما لم يكن معروفاً عند السَّلف فإن الأفضل تركه؛ لأننا نعلم أنهم أسبق منَّا إلى الخير، ولو كان خيراً لسبقونا إليه
o تلخيص ما سبق من أنواع الانتقالات كما يلي:
· الأول: الانتقال من انفراد إلى ائتمام، وفي الصِّحَّة روايتان عن الإمام أحمد، والمذهب عدم الصِّحَّة
· الثاني: الانتقال من انفراد إلى إمامة، وفي صِحَّة ذلك أقوال، أحدها الصِّحَّة في النَّفْلِ دون الفرض
· الثالث: الانتقال من ائتمام إلى انفراد، فإن كان لعُذر جاز، وإن كان لغير عُذر ففيه عن أحمد روايتان، والمذهب عدم الصِّحَّة
· الرابع: الانتقال من إمامة إلى انفراد، وله صُورتان صحيحتان
· الخامس: الانتقال من إمامة إلى ائتمام، وله صُورة صحيحة
· السادس: الانتقال من ائتمام إلى إمامة، وله صُورتان جائزتان على خلاف في الثانية، وتفاصيل ذلك وأدلَّته مذكورةٌ في الأصل
o نية الإمامة والاتمام :
· يجب أن ينوي الإمامُ الإمامة، وينوي المأمومُ الائتمامَ، وهذا شرط لحصول ثواب الجماعة لهما لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمالُ بالنيَّات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى».
· إذا لم ينوِ الإمام الإمامةَ والمأموم لم ينوِ الائتمام فصلاتُهما باطلة على كلام المؤلف، لكن في المسألة خلافٌ يتبيَّن في الصُّور الآتية:
ü الصُّورة الأولى: أن ينويَ الإمامُ أنه مأموم، والمأموم أنه إمام، فهذه لا تصحُّ؛ للتضاد؛ ولأنَّ عمل الإمام غير عمل المأموم.
ü الصُّورة الثانية: أن ينويَ كلُّ واحد منهما أنه إمام للآخر، وهذه أيضاً لا تصحُّ؛ للتضاد؛ لأنه لا يمكن أن يكون الإمام في نفس الوقت مأموماً.
ü الصُّورة الثالثة: أن ينويَ كلُّ واحد منهما أنه مأموم للآخر، فهذه أيضاً لا تصحُّ؛ للتضاد، ولأنَّه إذا نوى كلٌّ منهما أنه مأموم للآخر فأين الإمام.
ü الصُّورة الرابعة: أن ينويَ المأمومُ الائتمامَ، ولا ينويَ الإمامُ الإمامة :
§ فلا تصحّ صلاة المؤتمِّ وحدَه، وتصحُّ صلاة الإمام. وهو من مفردات المذهب
§ القول الثاني في المسألة: أنَّه يصحُّ ذالك.واستدلوا بأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قام يُصلِّي في رمضان ذات ليلة فاجتمع إليه ناس فصلُّوا معه، ولم يكن قد عَلِمَ بهم، ثم صَلَّى في الثَّانية والثَّالثة وعَلِمَ بهم، ولكنه تأخَّر في الرَّابعة خوفاً من أن تُفرض عليهم ، وهذا قول الإمام مالك وهو أصحُّ.ولأن المقصود هو المتابعة، وقد حصلت، وفي هذه الحال يكون للمأموم ثواب الجماعة، ولا يكون للإمام؛ لأن المأموم نوى فكان له ما نوى، والإمام لم ينوِ فلا يحصُل له ما لم ينوه.
ü الصُّورة الخامسة: أن ينويَ الإمامُ دون المأموم، كرَجُلٍ جاء إلى جَنْبِ رَجُل وكبَّر، فظنَّ الأول أنه يريد أن يكون مأموماً به فنوى الإمامة، وهذا الرَّجُل لم ينوِ الائتمام، فهنا لا يحصُل ثواب الجماعة لا للإمام ولا للمأموم؛ لأنَّه ليس هناك جماعة .ولو قال قائلٌ بحصول الثواب للإمام في هذه الصُّورة لم يكن بعيداً؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمالُ بالنيَّات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى».
ü الصُّورة السادسة: أن يتابعه دُون نيَّة، وهذه لا يحصُل بها ثواب الجماعة لمن لم ينوِها.
o بطلان صلاة الإمام :
· إذا بطلت صلاة الإمام فإن صلاة المأموم تبطل لأنها مرتبطة بصلاة الإمام وبناءً على هذا الارتباطِ إذا حَدَثَ للإمام ما يُبطل صلاته بطلت صلاتُه وصلاة المأمومين، وإن لم يوجد منهم مبطل، ولا يُستثنى من ذلك شيء، إلا إذا صَلَّى الإمام مُحْدثاً ونسيَ، أو جهل ولم يعلم بالحَدَث، أو لم يذكر الحدث إلا بعد السَّلام، فإنه في هذه الحال يلزم الإمام إعادة الصلاة، ولا يلزم المأموم إعادتها حتى على المذهب وبناءا على ذالك:
ü فلا يستخلف الإمام من يتمُّ بهم الصلاة إذا بطلت صلاته
ü فإن أحسَّ بالحدث واستخلف قبل أن تبطل صلاتُه، فهذا جائز ولا تبطل صلاة المأمومين؛ لأنه استخلف بهم من يُتمُّ الصَّلاة قبل أن تبطل صلاتُه
· القول الثاني في المذهب الذي اختاره شيخ الإسلام وجماعة من أهل العلم: أنه يستخلف، وأن صلاة المأموم لا تبطل بصلاة الإمام وهذا القول هو الصَّحيح ووجه ذلك: أن الأصل صِحَّة صلاة المأموم، ولا يمكن أن نُبْطِلها إلا بدليل صحيح واستدلَّ بعضُ أهل العلم: أن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه لما طُعِنَ في صلاة الفجر؛ أمرَ عبد الرحمن بن عَوف أن يُصلِّي بالنَّاس؛ ولم يَرِدْ أنه استأنف الصَّلاة ، ومعلومٌ أنَّ عمرَ رضي الله عنه سبقه الحَدَثُ وتكلَّم، وقال: «أكَلَنِي الكلبُ»
· تنبيه: ليس هناك شيءٌ تبطلُ به صلاةُ المأموم ببطلان صلاة الإمام على القول الرَّاجح؛ إلا فيما يقوم فيه الإمامُ مقامَ المأموم، والذي يقوم فيه الإمامُ مقامَ المأموم هو الذي إذا اختلَّ اختلت بسببه صلاةُ المأموم؛ لأنَّ ذلك الفعل من الإمام للإمام وللمأمومين، مثل: السُّترة؛ فالسُّترة للإمام سُتْرَة لمن خلفه، فإذا مرَّت امرأة بين الإمام وسُترته بطلت صلاة الإمام وبطلت صلاة المأموم؛ لأنَّ هذه السُّترة مشتركة
· قاعدة مهمَّة وهي: أنَّ من دخل في عبادة فأدَّاها كما أُمِرَ؛ فإننا لا نُبْطِلُها إلا بدليل؛ لأن الأصلَ الصِّحةُ وإبراءُ الذِّمة؛ حتى يقوم دليل البطلان

انتهت شروط الصلاة

أبو صهيب 17 ربيع الأول 1431هـ/2-03-2010م 06:34 PM

ü .باب صفة الصلاة :
o صفة الصلاة أي: الكيفية التي تكون عليها. وعلماء الفقه رحمهم الله تكلموا على صِفةِ الصَّلاة، وعلى صِفةِ الحَجِّ وغيرهما؛ لأنَّ شرط العبادة أمران:
§ الإخلاصُ لله تعالى وهذا يبحثه أهل التوحيد والعقائد
§ المتابعةُ للرَّسول صلّى الله عليه وسلّم وهذا يبحثه ويتكلم عليه أهل الفقه
o قيام المأموم إلى الصلاة :
§ يُسنُّ للمأموم أن يقوم إذا قال المقيم: «قد» من «قد قامت الصلاة»سواء رأى المأمومون الإِمامَ أم لم يَروه، وهذا أحدُ الأقوال في المذهب
§ والمشهورُ مِن المذهب أنهم لا يقومون عند إقامتها؛ إلا إذا رأوا الإِمامَ، فإنْ لم يَروه انتظروا حتى يَروا الإِمامَ؛ لأنهم تابعون
§ وقيل غير ذالك والأمر في ذلك واسع والسُّنَّة لم تردْ محدِّدة لموضع القيام؛ إلا أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أُقِيمَت الصلاةُ فلا تقوموا حتى تَرَوْنِي»
o تسوية الصفوف :
§ الأمرُ بالتسوية سُنَّة عند الحاجة إليها، أي: مع عدم استواء الصَّفِّ، وليست سُنَّةً مطلقةً، لكن ينبغي أن تكون سُنَّة مؤثِّرة، بحيث إذا وَجَد الإِمامُ واحداً متقدِّماً قال له: تأخَّر يا فلان
§ تُسنُّ تسويةُ الصَّفِّ؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرُ بذلك فيقول: «سَوُّوا صُفُوفَكُم» ويُرشِدُ أصحابَه
§ ذهب بعضُ أهل العِلم إلى وجوب تسوية الصَّفِّ . واستدلُّوا بقوله صلّى الله عليه وسلّم «لتسوُّنَّ صُفُوفكم، أو ليُخَالفَنَّ اللَّهُ بين وُجُوهِكم» وهذا القولُ هو الرَّاجحُ وهو ظاهر كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله
§ إذا لم تسوى الصفوف فيحتمل أن تبطل الصلاة ولكن احتمال عدم البطلان مع الإِثم أقوى؛ لأن التسويةَ واجبةٌ للصلاةِ لا واجبة فيها، يعني أنها خارج عن هيئتها
§ كيفية التسوية :
· تكون بالتساوي، بحيث لا يتقدَّم أحدٌ على أحد والمعتبر في ذالك المناكب في أعلى البَدَن، والأكعُب في أسفل البَدَن، هذا عند الاعتدال أما الأحدب لا عبرة للمناكب عنده وإنما اعتُبرت الأكعب؛ لأنها في العمود الذي يَعتمد عليه البدنُ وأما أطراف الأرجُل فليست بمعتبرة
· وتكون بالمحاذاة، ولا فَرْقَ بين أن يكون الصَّفُّ خلف الإِمام أو مع الإِمام وهذه على القول الرَّاجح واجبة
· التَّراصَّ في الصَّفِّ، فإنَّ هذا مِن كماله، وكان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يأمر بذلك، ونَدَبَ أمَّتَهُ أن يصفُّوا كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِّها، والمراد بالتَّراصِّ أن لا يَدَعُوا فُرَجاً للشياطين، وليس المراد بالتَّراص التَّزاحم
· إكمالَ الأول فالأول، فإنَّ هذا مِن استواءِ الصُّفوف، فلا يُشرع في الصَّفِّ الثاني حتى يَكمُلَ الصَّفُّ الأول
· ومِن تسوية الصُّفوف: التقاربُ فيما بينها، وفيما بينها وبين الإِمام؛ لأنهم جماعةٌ، والجماعةُ مأخوذةٌ مِن الاجتماع: ولا اجتماع كامل مع التباعد وحَدُّ القُرب: أن يكون بينهما مقدار ما يَسَعُ للسُّجودِ وزيادة يسيرة
· ومِن تسوية الصُّفوفِ وكمالها: أن يدنوَ الإِنسانُ مِن الإِمامِ؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لِيَلِنِي منكم أولُو الأحْلامِ والنُّهَى»
· ومِن تسوية الصُّفوف: تفضيل يمين الصفِّ على شماله، يعني: أنَّ أيمن الصَّفِّ أفضل مِن أيسره، ولكن ليس على سبيل الإِطلاق فإذا تحاذى اليمينُ واليسار وتساويا أو تقاربا فالأفضل اليمين أما مع التَّباعد فلا شكَّ أنَّ اليسار القريبَ أفضل من اليمين البعيد
· ومِن تسوية الصُّفوفِ: أن تُفرد النِّساءُ وحدَهن لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «خيرُ صُفوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وشرُّها آخِرُها، وخيرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرُها، وشرُّها أوَّلُها»
· لا يعد تأخير الصبيان من تسوية الصفوف لأمور :
v أولا أن الصبيان إذا تقدَّموا إلى مكان، فهم أحقُّ به مِن غيرهم؛ لعموم الأدلَّة على أنَّ مَن سبقَ إلى ما لم يسبق إليه أحدٌ فهو أحقُّ به
v ثانيا لأننا لو قلنا بإزاحة الصِّبيان عن المكان الفاضل، وجعلناهم في مكان واحد أدى ذلك إلى لَعبِهم؛ لأنَّهم ينفردون بالصَّفِّ
v ثالثا تأخيره عن الصف يؤدي إلى كراهة الصَّبيِّ للمسجدِ؛ لأن الصَّبيَّ ـ وإنْ كان صبيًّا ـ لا تحتقره، فالشيء ينطبع في قلبه
v رابعا كراهته للرَّجُل الذي أخَّره عن الصَّفِّ
o التكبير :
§ تكبرة الاحرام رُكْنٌ، لا تنعقدُ الصَّلاةُ بدونها؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال للمسيء في صلاتِه: «إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فأسْبِغ الوُضُوءَ، ثم اسْتقبل القِبْلةَ فكبِّر»
§ إذا عَجَزَ الإِنسانُ عنها ؛ لكونه أخرسَ لا يستطيع النُّطقَ فينويها بقلبِه؛ لأن قول الإِنسان: «الله أكبر» متضمِّن لقول اللسان وقول القلب ، ولا يحرِّك لسانَه وشفتيه، خِلافاً لمن قال بذالك مِن أهل العِلم
§ لا يُشترط على الصحيح أن يُسمِعَ نفسَه؛ لأن الإسماعَ أمرٌ زائدٌ على القول والنُّطقِ، وما كان زائداً على ما جاءت به السُّنَّةُ فعلى المُدَّعي الدليلُ
§ «الله أكبر» أي بهذا اللفظ فلا يُجزئُ غيرها، ولو قام مقامها، كما لو قال: «الله الأجلُّ، أو الله أجلُّ، أو الله أعظمُ» لأن ألفاظَ الذِّكر توقيفية
§ من لا يعرفُ اللغةَ العربيةَ، فليكبِّر بلغتِه ولا حَرَجَ عليه؛ لأن التكبير يشتملُ على لفظٍ، ومعنًى، وقول بالقلب فإذا عجز عن اللفظ أتى بالمعنى مع قول القلب لقوله تعالى: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286] .
§ لا فرق بين التكبيرات سواء تكبرة النزول للسجود أو الركوع أو الرفع منهما إذ لا دليل على التفريق
o رفع اليدين :
§ رفع اليديه مع التكبير يكون في أربعة مواضع والدليل : حديث ابن عُمرَ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يرفعُ يديه حذوَ مَنكبيه؛ إذا افتتح الصَّلاةَ، وإذا كبَّرَ للرُّكوع، وإذا رفع رأسه من الرُّكوع». وصَحَّ عنه أيضاً أنه يرفعُ يديه إذا قام مِن الجلسة للتشهُّدِ الأول
§ يضمُّ أصابع يديه بعضها إلى بعض يعني: يرصُّ بعضها إلى بعض، ولا ينشرهما ، وهو الصحيح لأنه الوارد عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم. وهذا عامٌّ في حقِّ الرَّجُل والمرأة
§ الحكمة مِن رَفْعِ اليدين :
· الحكمةَ في ذلك الاقتداءُ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي يَسْلَم به المرءُ مِن أن يتجوَّل عقلُه هنا وهناك هذا الذي ينبغي على المسلم
· ومع ذلك يمكن أن نتأمَّلَ لعلنا نحصُلُ على حكمة ونقول: الحكمة في رَفْعِ اليدين تعظيم الله عزَّ وجلَّ، فيجتمع في ذلك التعظيم القولي والفعلي والتعبُّد لله بهما
· ثم إن بعض العلماء علَّل بتعليل آخر: أنه إشارة إلى رَفْعِ الحِجاب بينك وبين الله، والإِنسانُ عادة يرفع الأشياء بيديه ويعمل بيديه.
· وعلَّل بعضُهم بتعليل ثالث: وهو أنَّ ذلك مِن زينة الصَّلاةِ؛ لأنَّ الإِنسان إذا وَقَفَ وكبَّر بدون أن يتحرَّك لم تكن الصَّلاةُ على وَجْهٍ حَسَنٍ كامل، ولا مانع أن تكون كلُّ هذه مقصودة.
§ يرفعهما حذو منكبيه أي موازيان لهما فإذا قُدِّر أن في الإِنسان آفة تمنعه من رَفْعِ اليدين فليتق الله ما استطاع
§ وله أن يرفعهما إلى فُروع أُذنيه؛ لورود ذلك عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ، فتكون صفة الرَّفْعِ مِن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة والعبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة تُفعل مرَّة على وجهٍ، ومرَّة على الوجه الآخر
§ الأحاديث الواردة في ابتداءِ رَفْعِ اليدين وَرَدَتْ على وجوهٍ متعدِّدة؛ فبعضُها يدلُّ على أنه يرفع ثم يكبِّر ، وبعضها على أنه يكبِّر ثم يرفع ، وبعضها على أنه يرفع حين يكبِّر والأمرَ في هذا واسع
o تسميع الإمام لمن خلفه :
§ يكون التسميع حسب ما تقتضيه الحال، إنْ كان مَن خلفَه واحداً فالصوت الخفي يكفي، وإنْ كان مَن خلفَه جمعاً فلا بُدَّ مِن رَفْعِ الصَّوت، وإذا كان لا يسمع صوته مَنْ وراءه استعان بمبلِّغٍ يُبلِّغُ عنه؛ كما فَعَلَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم حين جاء وأبو بكر رضي الله عنه يُصلِّي بالناس
§ يجب على الإِمامِ أن يُكبِّر تكبيراً مسموعاً يَسمعه مَنْ خلفَه:
· أولاً: لفعل النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فإنه لو كان الأمر غير واجب لم يكن هناك داعٍ إلى أن يُبلِّغ أبو بكر رضي الله عنه التَّكبيرَ لمَن خلفَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
· ثانياً: لأنَّه لا يتمُّ اقتداء المأمومين بالإِمام إلا بسماع التكبير، وما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجب
§ وغير الإمام لا يجب أن يسمع نفسه على الصحيح وأنه متى أبان الحروفَ فإنه يصحُّ التكبيرُ والقراءةُ
o موضع اليدين أثناء القيام :
§ بعد التكبيرِ ورَفْعِ اليدين إما :
· يقبضُ كُوعَ يُسراه مباشرة ولا يرسلهما ثم يرفعهما ويقبضهما، فهذا ليس له أصل ، والكُوعُ: مفصل الكفِّ مِن الذِّراع
· أو يضع يمناه على ذراعه اليسرى مِن غير قَبْضٍ هاتان صفتان وردت بهما السنة
· أما قبض المرفق، فهذا لا أصل له
§ ثم يضع يديه على الصَّدرِ وقيل فوق السرة وقيل تحتها وأقرب الأقوال أولها وهو وضعهما على الصَّدرِ
o موضع النظر في الصلاة :
§ للعلماء أقول في موضع نظر المصلي :
· ينظرإلى موضع سجودِه، وعلى هذا كثير مِن أهلِ العلمِ ، واستدلُّوا بحديث رُويَ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا: «أنه كان ينظر إلى موضع سجودِه في حال صلاتهِ»
· وقال بعضُ العلماءِ: ينظرُ تلقاء وجهِهِ، إلا إذا كان جالساً، فإنَّه ينظر إلى يدِه حيث يُشير عند الدُّعاء
· وفصل بعض العلماء بين الإِمام والمنفرد وبين المأموم فقال: إن المأموم ينظر إلى إمامه ليتحقق من متابعته وفيه آثار عن الصحابة تدل على ذالك والأمر في ذالك واسع
§ يختارَ المصلي ما هو أخشعُ لقلبِه مما ذكر؛ إلا في موضعين:
· في حال الخوف لقوله تعالى: {{وَخُذُوا حِذْرَكُمْ}} [النساء: 102] وبأن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم بعثَ عيناً يوم حُنين، فجعل رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم ينظر إلى ناحية الشِّعْبِ وهو يُصلِّي
· وفيما إذا جَلَسَ، فإنه يرمي ببصره إلى موضع إشارته إلى أصبعه؛ كما جاءت به السُّنَّةُ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم
§ إغماض العينين في الصَّلاةِ الصَّحيحُ أنَّه مكروهٌ؛ لأنه يُشبه فِعْلِ المجوس عند عبادتهم وقيل: إنه أيضاً مِن فِعْلِ اليهودِ، والتشبُّه بغير المسلمين أقلُّ أحواله التحريم، كما قال شيخ الإِسلام رحمه الله، فيكون إغماضُ البَصَرِ في الصَّلاةِ مكروهاً على أقل تقدير، إلا إذا كان هناك سبب مثل أن يكون حولَه ما يشغلُه لو فَتَحَ عينيه، فحينئذٍ يُغمِضُ تحاشياً لهذه المفسدة.
§ النَّظَرُ إلى السَّماءِ محرَّم، بل مِن كبائر الذُّنوب؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نَهى عن ذلك، واشتدَّ قوله فيه حتى قال: «لينتهينَّ ـ يعني الذين يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة ـ أو لتُخطفنَّ أبصارُهم»

أبو صهيب 18 ربيع الأول 1431هـ/3-03-2010م 02:39 PM

تابع صفة الصلاة :
o ما يقول المصلي بعد التكبير وقبل قراءة الفاتحة :
§ دعاء الاستفتاح وثبت فيه أنواع من ذالك :
· (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إلهَ غَيْرُكَ)
· (اللَّهُمَّ بَاعدْ بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللَّهُمَّ نقِّني مِن خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنسِ، اللَّهُمَّ اغسلني مِن خَطَايَاي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ)
· وهناك ، أنواعٌ أُخرى من الاستفتاحات وبعضُها في صلاة الليل خاصَّة
· لا يجمع بين الاستفتاحات، لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أجاب أبا هريرة رضي الله عنه حين سأله بأنه يقول: «اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين خطاياي»... إلخ. ولم يذكر «سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدِك» فدلَّ على أنه لا يجمع بينها.
· اختلف أهل العلم في الاستفتاح لصلاة لجنازة :
o قال بعض العلماء: يَستفتح، لأنها صلاة، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَستفتح في الصَّلاةِ.
o والمشهور من المذهب أنه لا يَستفتح؛ لأنها مبنيَّة على التَّخفيف، فلا ركوع فيها، ولا سجود، ولا تشهُّد؛ مما يدلُّ على أن الشارع لاحَظَ فيها التخفيفَ؛ وهذا أقربُ
§ الاستعاذة :
· الاستعاذةُ للقراءة، وليست للصَّلاةِ، إذ لو كانت للصَّلاةِ لكانت تلي تكبيرةَ الإِحرامِ وألفاظها :
o «أعوذُ بالله مِن الشيطان الرجيم»
o «أعوذُ باللَّهِ السميعِ العليمِ من الشيطانِ الرَّجيمِ؛ من همزه ونفخِه ونفثِه»
o «أعوذُ بالسميعِ العليمِ مِن الشيطانِ الرجيمِ»
· فائدتها: ليكون الشيطانُ بعيداً عن قلب المرءِ، وهو يتلو كتابَ الله حتى يحصُل له بذلك تدبّرُ القرآن وتفهّمُ معانيه
§ البسملة :
· البسملة معناها قول {{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ}} ويُسمَّى هذا التَّصرُّفُ عند علماء النحو بـ«النَّحْت» حيث يُأتي من كل كلمة بحرف من الجملة التي يراد نحتها
· البسملة تكون سرا بحيث لا يسمعها المأمومين، وإن كان يجهر بالقراءة؛ وذلك لأن أكثر الأحاديث الواردة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم تدلُّ على أنه كان يقرؤها سِرًّا . بل قد قيل: إنَّ كُلَّ حديث ذُكر فيه الجهرُ بالبسملة فهو ضعيف
· البسملة ليست آيةٌ من الفاتحة ، بل هي آيةٌ مستقلِّة يُفتتح بها كلُّ سورة مِن القرآن؛ ما عدا براءة
o قراءة الفاتحة :
§ الفاتحة رُكْنٌ مِن أركان الصَّلاةِ، وشرطٌ لصحَّتها، فلا تصحُّ الصَّلاةُ بدونها؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ لِمَنْ لم يقرأ بفاتحةِ الكتابِ»
§ بعد البسملة يقرأ الفاتحة كاملة مرتَّبة بآياتها، وكلماتها، وحروفها، وحركاتها
§ ويلزم غير المأموم إعادتها من الموضع الذي أخلَّ به وما بعدَه؛ لأن ما قبلَه وَقَعَ صحيحاً في الحالات التالية :
· إذا قرأ ستَّ آيات منها فقط
· أو سبع آيات؛ لكن أسقط «الضَّالين»
· أو قرأ كلَّ الآيات، ولكن أسقط حرفاً مثل أن يقول: {صراط الذين أنعم عليهم} فأسقط «التاء»
· أو أخلف الحركات إنْ كان اللَّحنُ يُحيل المعنى فإن لم يحل المعنى صحت
· أو تَرَكَ تشديدة حرف منها فقرأه بالتَّخفيف، مثل تخفيف الباء من قوله: {رب العالمين}
· أو أخلَّ بترتيب آياتِها أو كلماتِها
· أو قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطال الفصل_لوجوب التوالي لأنها عبادة واحدة، فاشتُرطَ أن ينبني بعضُها على بعض _ فإن قطعها للدعاء كما في صلاة الليل أو سكت للإنصات لقراءة الإمام ثم تابع صحت
· وأما إذا أبدَل الضَّادَ بالظاء في قوله تعالى: {{وَلاَ الضَّالِّينَ}} فالمشهور مِن المذهب وهو الصَّحيح أنها تصحُّ ، وعلَّلوا ذلك بتقارب المخرجين، وبصعوبة التفريق بينهما
§ ولا يلزم المأموم إعدتها ؛ لأن قراءة الفاتحة في حقِّ المأموم ـ على المشهور من المذهب ـ ليست بواجبة، ولكن مع ذلك يحرم عليه أن ينكِّس الآيات، أو أن يُنكِّس الكلمات
§ ومن لم يعرفْ الفاتحةَ يلزمه أن يتعلَّمها؛ لأن قراءتَها واجبةٌ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ فإن ضاق الوقتُ قرأ ما تيسَّرَ من القرآن من سواها؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ ما تيسَّرَ معك من القرآن» فإن لم يكن معه قرآن فإنه يُسَبِّحُ، فيقول: «سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللَّهُ أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله»
§ يجهر الإمام والمأموم والمنفرد في الجَهريَّة بآمين؛ لأن ذلك ثَبَتَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «إذا أمَّنَ الإِمامُ فأمِّنوا» ولأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يجهرُ بآمين حتى يَمُدَّ بها صوتَه. و كان الصَّحابةُ رضي الله عنهم يجهرون بذلك خلفَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حتى يرتجَّ المسجدُ بهم
§ ثم يسكت سكتة يسيرة؛ لا بمقدار أن يقرأَ المأمومُ سُورةَ الفاتحة، لأن السُّكوت بهذا المقدار إلى البدعة أقرب منه إلى السُّنّة وفائدة ذالك التَّمييز بين القِراءةِ المفروضةِ والقراءة المستحبَّة وأيضا ليترادَّ إليه النفسُ. وليتأمل ما يقرأ
o القراءة بعد الفاتحة :
§ قراءةُ السُّورة على قول جمهور أهل العلم سُنَّةٌ ، وليست بواجبةٍ؛ لأنه لا يجب إلا قراءة الفاتحة.
§ يجوز للإنسان أن يقرأ آيةً من سورةٍ في الفريضة وفي النافلة كما ثبت ذالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنة الفجر ولكن السُّنَّة والأفضل أن يقرأَ سورةً، والأفضلُ أن تكون كاملةً في كلِّ ركعة، فإن شَقَّ فلا حَرَجَ عليه أن يقسم السُّورة بين الركعتين
§ القراءة في الصلوات الخمس :
· تكون السُّورة في صلاة الصُّبح من الطِوال المُفصَّلِ وهو ما كان مِن {ق} إلى {عَمَّ}
· وفي المغرب من القِصار المفصَّل، يعني: من الضُّحى إلى آخره
· وفي الباقي من أوساطه أي: من {{عَمَّ}} إلى {الضحى} ودليل ذلك السُّنَّة الواردة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فإن الغالب مِن فِعْلِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هو هذا
· لكنه أحياناً يقرأ في الفجر مِن القِصَار، وفي المغرب من الطِوال
· ويجوز للإنسان أنْ يكرِّر السورة في الركعتين والدَّليلُ فِعْلُ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه قرأ: {{إِذَا زُلْزِلَتِ}} في الرَّكعتين جميعاً كرَّرها
§ تنكيس السُّور، والآيات، والكلمات، والحروف :
· أما تنكيس الحروف؛ بمعنى: أن تكون الكلمة مشتملة على ثلاثة أحرف؛ فيبدؤها الإِنسان مِن آخرها مثلاً، فهذا لا شكَّ في تحريمه، وأنَّ الصَّلاةَ تبطلُ به
· وأما تنكيس الكلمات؛ فهو محرَّم بلا شكٍّ؛ لأنه إخراجٌ لكلامِ الله عن الوجه الذي تكلَّم اللَّهُ به. وتبطلُ به الصَّلاةُ.
· وأما تنكيس الآيات أيضاً؛ فمحرَّم على القول الرَّاجح؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي
· وأما تنكيس السُّور؛ فيُكره، وقيل: يجوز والقول بالكراهة قولٌ وسطٌ لأن الترتيب بين السُّور منه توقيفي، ومنه اجتهادي والصحابةَ لم يجمعوا على هذا الترتيب
§ القراءة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان رضي الله عنه في أصحُّ الأقوال أنها إذا صحَّت عَمَّن قرأ بها مِن الصَّحابة فإنها مرفوعةٌ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتكون حُجَّةً، وتصحُّ القراءةُ بها في الصَّلاة وخارج الصَّلاة لكن؛ لا نقرأ بها أمامَ العامَّة؛ لأننا إذا قرأنا بها أمامَ العامَّة حصل بذلك فتنةٌ وتشويشٌ ، وقِلَّةُ اطمئنان إلى القرآن الكريم، وقِلَّةُ ثقةٍ به
o النزول إلى الركوع :
§ ينبغي قبل أن يركع أن يسكت سكوتاً يسيرا بقَدْرِ ما يرتدُّ إليه نَفَسُه، كما جاء في السنة أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يسكتُ سكتتين: إذا دَخَلَ في الصَّلاةِ، وإذا فَرَغَ مِن قراءة فاتحةِ الكتابِ وسورة عند الرُّكوعِ
§ ينزل إلى الركوع مكبرا
§ موضع التكبير وجميع تكبيرات الانتقال :
· الصحيح أن الأفضل أن تكون فيما بين الرُّكنين لأن التكبير علامةٌ على الانتقالِ؛ فينبغي أن يكون في حالِ الانتقال بحسب الإمكان فإذا ابتدأ التَّكبيرَ قبل الهوي إِلى الرُّكوعِ، وأتمَّه بعدَه فلا حرج، ولو ابتدأه حين الهوي، وأتمَّه بعد وصولِهِ إلى الرُّكوعِ فلا حَرَجَ وأمَّا لو لم يبتدئه إلا بعد الوصول إلى الرُّكن الذي يليه، فإنه لا يعتدُّ به
· والمذهب يجب أن يكون التَّكبيرُ فيما بين الانتقالِ والانتهاءِ، حتى قال الفقهاءُ رحمهم الله: «لو بدأ بالتَّكبير قبل أن يهويَ، أو أتمَّهُ بعد أن يَصِلَ إلى الرُّكوع؛ فإنه لا يجزئه»
§ يرفع يديه إذا أراد أن يركع إلى حَذوِ مَنكبيه، أو إلى فُروع أُذنيه كما سبق عند تكبيرة الإِحرام ، ودليل ذلك: حديث ابن عُمر أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «كان يرفعُ يديه إذا كَبَّرَ للرُّكوعِ»
o صفة الركوع :
§ الواجبُ مِن الرُّكوع أن ينحني بحيث يكون إلى الرُّكوع التَّامِّ أقربَ منه إلى الوقوفِ التَّامِّ، يعني: بحيث يعرف مَن يراه أنَّ هذا الرَّجُلَ راكعٌ
§ ينبغي أن يكون الظهر مستويا في المَدِّ، ومستويا في العلوِّ والنزول، يعني لا يقوِّس ظهره، ولا يهصره حتى ينزل وسطه، ولا ينزل مقدم ظهره ودليله ما رواه الإِمام أحمد أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «كان يسوِّي ظهره»
§ وكذالك رأسه كما قالت عائشة رضي الله عنها: «كان إذا ركع لم يُشْخِصْ رأسه ولم يُصَوِّبْهُ» أي لم يرفعه، ولم ينزله، ولكن بين ذلك
§ وينبغي أن يفرِّج يديه عن جنبيه، ولكنه مشروط بما إذا لم يكن فيه أذيَّة، فإنْ كان فيه أذيَّة لِمَن كان إلى جنبه؛ فإنه لا ينبغي للإِنسان أن يفعل سُنَّة يؤذي بها غيره
§ يضعُ الكفَّين على الرُّكبتين معتمداً عليهما؛ وليس مجرد لَمْسٍ مفرَّجتي الأصابع؛ كأنه قابض رُكبتيه، كما جاءت بذلك السُّنَّة
o أذكار الركوع :
§ ويقول في ركوعه سبحان ربِّيَ العظيم وأحياناً يزيد: «وبحمدِه»
§ ومن السنة أن يقول أحيانا «سبحانك اللَّهُمَّ رَبَّنا وبحمدِك، اللهم اغفِرْ لي»
§ وكذلك أحيانا يقول: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الملائكة والرُّوحِ»
§ وأما قراءة القرآنُ لما كان أشرفَ الذِّكْرِ؛ لم يُناسبْ أن يقرأه الإِنسانُ وهو في هذا الانحناء، بل يُقرأ في حال القيام.
o الرفع من الركوع :
§ الرفع من الركوع يكون برفع الرأس مع الظهر ورفع اليدين معهما خذو المنكبين أو الأذنين
§ يقول الإمام والمنفرد أثناء الرفع (سَمِع الله لمن حمده) ويقال في موضعها ما قيل في موضع التكبير
§ «سمع الله لمن حمده» لا بُدَّ أن يكون بهذا اللفظ، فلو قال: استجاب الله لمن أثنى عليه فلا يصحُّ؛ لأن هذا ذِكْرٌ واجبٌ، فيُقتصرُ فيه على الوارد
§ بعد قيامهما يقولان _المأموم والمنفرد_ :
· ربَّنا ولك الحمدُ، ملءَ السماء، وملءَ الأرض، وملءَ ما شئت مِن شيءٍ بعدُ
· أو رَبَّنا ولك الحمدُ.
· أو رَبَّنا لك الحمدُ.
· أو اللَّهُمَّ رَبَّنا لك الحمدُ.
· أو اللَّهُمَّ رَبَّنا ولك الحمدُ
· كلُّ واحدة من هذه الصِّفات مجزئة، ولكن الأفضل أن يقول هذا أحياناً، وهذا أحياناً
§ وأما المأموم فيقول في حال الرَّفْعِ: «رَبَّنا ولك الحمدُ» وبعد رَفْعِهِ: «مِلءَ السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد» وذلك لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قال الإِمام: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربَّنا ولك الحمدُ» فَجَعَلَ قولَ المأموم: «رَبَّنا ولك الحمدُ» معادلاً لقول الإمام: «سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه»، والإِمام يقول: «سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه» في حال الرَّفْعِ، فيكون المأموم في حال الرَّفْعِ يقول: «رَبَّنا ولك الحمدُ»، أما بعد القيام فيقول: «مِلءَ السماوات...» إلخ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» وهذا هو القول الرَّاجح في هذه المسألة
§ يجوز أن يزيد «أهلَ الثناءِ والمَجْدِ، أحقُّ ما قال العبدُ، وكلُّنا لك عَبدٌ، اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعطِيتَ، ولا مُعطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ» كما جاءت به السُّنَّةُ
§ أما وضع اليدين بعد الرفع من الركوع فالذي يظهر أن السُّنَّة وَضْعُ اليد اليُمنى على ذراع اليُسرى؛ لعموم حديث سهل بن سعد الثابت «كان الناس يؤمرون أن يضع الرَّجُل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة»
§ الاعتدال بعد الرُّكوع ـ يكون بمقدار الرُّكوع تقريباً، فقد قال البراء بن عازب رضي الله عنه: «رَمَقْتُ الصَّلاةَ مع محمد صلّى الله عليه وسلّم فوجدت قيامَهُ فركعَتَه، فاعتدَالَه بعد رُكُوعه، فسجدَتَهُ، فجلسَتَهُ بين السَّجدتين، فسجدَتَه، فجلسَتَه ما بين التسليم والانصراف قريباً من السَّواء»
§ إنْ كان يعرف ما وَرَدَ عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في هذا المقام من الأذكار قاله، وإن كان لا يعرفُ كرَّرَ الحمدَ، لأن هذا الرُّكن ذِكْرُه الحَمْدُ من حين الرَّفْع، ولو قلت: «رَبِّي ولك الحَمْد»
§ فائدة فعل العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة هي:
· المحافظة على السُّنَّة.
· اتِّباع السُّنَّة.
· حضور القلب.

أبو صهيب 19 ربيع الأول 1431هـ/4-03-2010م 05:26 PM

تابع صفة الصلاة :
o الخرور إلى السجود :
§ رَفْعَ اليدين عند السُّجودِ :
· ليس بسُنَّة، فقد ثبت في «الصحيحين» من حديث ابن عُمرَ رضي الله عنهما ـ وهو مِن أشدِّ النَّاسِ حِرصاً على السُّنَّةِ، وأضبط النَّاسِ لها ـ أنه ذكر «أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرفع يديه إذا كَبَّرَ للإِحرام، وإذا كَبَّرَ للرُّكوع، وإذا رَفَعَ من الرُّكوع قال: وكان لا يفعل ذلك في السُّجودِ»
· وقد رُويَ عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه كان يرفع يديه في كلِّ خَفْضٍ ورَفْعٍ. ولكن الحافظ ابن القيم رحمه الله ذكر أن هذا وَهْمٌ، وأن صواب الحديث: «كان يكبِّرُ في كلِّ خَفْضٍ ورَفْعٍ» ووَجْهُ الوَهْمِ فيه حديثُ ابن عُمر؛ فإنه صريحٌ بعدم الرَّفْعِ عند السُّجودِ، وعند الرَّفْعِ من السُّجودِ
§ إذا نزل إلى السجود :
· فيقدم ركبتيه على يديه، كما ذَهَبَ إليه عُمرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه، وعامةُ أهلِ العِلم؛ ومنهم الأئمةُ الثلاثةُ: أحمدُ وأبو حنيفة والشافعيُّ، وهذا مقتضى النصِّ المرويِّ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم من فِعْلِه، والذي ثبت عنه أو كاد يثبت من قوله، وأيضاً: هو مقتضى النظر :
v أمَّا أنه مقتضى النصِّ المرويِّ من فِعْلِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فلما رُوي عنه أنَّه كان إذا سَجَدَ بدأ بركبتيه قبل يديه. لكن هذا الحديث طَعَنَ فيه كثيرٌ من أهلِ العِلم، وقالوا: إنه ضعيف
v وأما أنَّه ثَبَتَ عنه من قوله، أو كاد يثبت؛ فلحديث أبي هريرة، وهو قوله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «إذا سَجَد أحدُكم فلا يَبْرُك كما يبرك البعيرُ» والبعيرُ إذا بَرَكَ يُقدِّم يديه، فيقدِّم مقدمه على مؤخره كما هو مشاهد
v وأما كونه مقتضى النظر: فلأن الوضعَ الطبيعيَّ للبدن أن ينزلَ شيئاً فشيئاً، كما أنه يقومُ مِن الأرض شيئاً فشيئاً، فإذا كان ينزلُ شيئاً فشيئاً، فالأسفلُ منه ينزل قبل الأعلى،. وعلى هذا؛ فيكون هذا القول الذي عليه عامة أهل العِلم هو الموافق للمنقول والطبيعة
· ومِن العلماء مَن يقول: بل يسجدُ على يديه أولاً :
v ظنًّا منه أن قوله: «فلا يبركْ كما يبركُ البعيرُ» يُراد به: فلا يبركْ على ما يَبركُ عليه البعيرُ، وقال: إن ركبتي البعير في يديه، وهذا صحيحٌ أنَّ ركبتي البعيرِ وكلُّ ذات أربع في اليدين، لكن الحديث لا يساعدُ لفظُه على هذا المعنى
v وأما آخرُ الحديث المفرَّع على أوله وهو قوله: «وليضعْ يديه قبل ركبيته» ففيه انقلابٌ كما حقَّقه ابنُ القيم ؛ لأنه لو لم يكن فيه انقلابٌ لكان مناقضاً لأول الحديث، وكلامُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لا مناقضةَ فيه
o صفة السجود :
§ الحكمة مِن السُّجودِ أنه مِن كمال التعبُّد لله والذُّلِّ له، فإن الإنسان يضع أشرف ما فيه وهو وجهه؛ بحذاء أسفل ما فيه وهو قدمه
§ يكون السُّجود بحيث تتساوى أطرافه العليا والسُّفلى، فلو فُرض أنه سَجَدَ على شيء مرتفع منزلق، وصار إلى القعود أقرب منه إلى السجود، فإن ذلك لا يُعَدُّ سجودا أو على الأقل أن يكون إلى السُّجودِ التام أقربَ منه إلى الجلوس التام؛ فيما لو كانت الأرض متصاعدة
§ السجود يكون على سبعة أعضاء: الرجلين، والركبتين، واليدين، والجبهة مع الأنف والدَّليل على ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أُمِرْتُ أن أسجُدَ على سَبْعَة أعظُم: على الجبهة ـ وأشار بيده على أنفه ـ، واليدين، والرُّكبتين، وأطراف القدمين، ولا نَكْفِتَ الثِّيابَ والشَّعْرَ»
§ السجود يكون على الأرض فإن سجد على حائل فقد قسم العلماء الحائل إلى ثلاثة أقسام :
· القسم الأول: أن يكون السجود على أعضاء السُّجود، بأن يضع جبهته على كفَّيه مثلاً، أو يضع يديه بعضهما على بعض، أو يضع رجليه بعضهما على بعض فهذا حرام، ولا يجزئ السُّجود. ، لأنه إذا فَعَلَ ذلك فكأنما سَجَدَ على عضوٍ واحدٍ.
·القسم الثاني: أن يكون الحائل متَّصلاً بالمصلِّي، فهذا يُكره أن يسجدَ عليه إلا مِنْ حَاجةٍ مثل: الثَّوب الملبوس، ودليل ذلك: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُصَلِّي مَع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في شِدَّة الحَرِّ، فإذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكِّنَ جبهتَه مِن الأرض؛ بَسَطَ ثوبَه فَسَجَدَ عليه» فقوله: «إذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكِّنَ» دَلَّ على أنَّهم لا يفعلون ذلك مع الاستطاعة
· القسم الثالث : أن يكون الحائل منفصلاً، فهذا لا بأس به ولا كراهة فيه؛ لأنه ثَبَتَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه صَلَّى على الخُمْرَة . والخُمْرة: عبارة عن خَصيف مِن النَّخْلِ، يسعُ جبهةَ المصلِّي وكفِّيه فقط
· قال أهل العِلم: يُكره أن يخصَّ جبهته فقط بما يسجد عليه، وعلَّلوا ذلك: بأن هذا يشابه فِعْلَ الرافضة في صلاتِهم
§ السُّجود على هذه الأعضاء السَّبعة واجب في كل حال السُّجود ولا يجوز أن يرفع عضواً من أعضائه حال سجوده فإن فعل :
· فإن كان في جميع حال السجود فلا شَكَّ أن سجوده لا يصحُّ؛ لأنه نقص عضواً من الأعضاء التي يجب أن يسجد عليها
· وأمَّا إن كان في أثناء السجود؛ بمعنى أن رَجُلاً حَكَّته رِجْلُهُ مثلاً فَحَكَّها بالرِّجْلِ الأخرى فهذا محلُّ نظر:
v قد يُقال: إنها لا تصحُّ صلاته لأنه تَرَكَ هذا الرُّكن في بعض السجود.
v وقد يُقال: إنه يجزئه لأن العبرة بالأَعمِّ والأكثر، والاحوط: ألا يرفع شيئاً وليصبر حتى لو أصابته حِكة حتى يقومَ من السُّجود
§ إذا عَجَزَ عن السُّجود ببعض الأعضاء فليسجد على ما استطاع استنادا لقوله تعالى {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16]
§ يبعد الساجد عضديه عن جنبيه كما ثَبَتَ ذالك عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حتى إنَّ الصحابة يرِقُّون له من شدَّة مجافاته صلوات الله وسلامه عليه
§ وكذالك يبعد بطنه عن فخذيه والفخذين عن السَّاقين. ولهذا قال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «اعتدلوا في السُّجود» أي: اجعلوه سجوداً معتدلاً، لا تهصرون فينزل البطنُ على الفخذ، والفخذ على السَّاق، ولا تمتدُّون بحيث يَقْرُبَ من الانبطاح، فهذا لا شَكَّ أنه من البدع
§ ويفرق ركبتيه أي: لا يضمُّ ركبتيه بعضهما إلى بعض
§ وأما القدمان فقد اختلف العلماءُ في ذلك:
· فمِن العلماء من يقول: إنه يفرِّق قدميه أيضاً ، لأن القدمين تابعان للساقين والرُّكبتين
· ولكن الذي يظهر مِن السُّنَّة: أن القدمين تكونان مرصوصتين، بعضهما ببعض، كما في «الصحيح» من حديث عائشة حين فَقَدَتِ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فوقعت يدُها على بطن قدميه ، وهما منصوبتان، وهو ساجد . واليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا في حال التَّراصِّ
§ وأما محلَّ اليدين، فيكون على حذاء المنكبين، وإن شاء قدَّمهما وجعلهما على حذاء الجبهة، أو فُروع الأذنين؛ لأن كلَّ هذا مما جاءت به السُّنَّةُ
§ إذا كان خلف إمامٍ يُطيلُ السُّجودَ، فلا يَتَّكئ بذراعيه على الأرض؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ذلك قال: «اعتدلوا في السُّجود، ولا يبسط أحدُكم ذراعيه انبساط الكلبِ» لكن قال العلماء رحمهم الله : يعتمِدُ بمرفقيه على ركبتيه إذا شقَّ عليه طول السُّجود أما إذا كان يُصلِّي لنفسه؛ فإنه لا ينبغي له أن يكلِّف نفسه ويشقَّ عليها
o أذكار السجود :
§ يقول حال السجود : «سبحان ربي الأعلى» يكررها ثلاث مرات دون أن يقولَ رَبِّيَ العظيم؛ لأن ذِكْرَ علوِ الله هنا أنسب من ذكر العظمة، لأن الإنسان الآن أنزل ما يكون، لذا كان من المناسب أن يُثني على الله بالعلو
§ وأن يزيد معها أيضاً : «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الملائكةِ والرُّوح»
§ وكذالك يقول «سبحانك اللهمَّ رَبَّنا وبحمدك، اللهمَّ اغْفِرْ لي» كل ذالك جاءت به السنة
o الرفع من السجود :
§ يرفعُ رأسَه وما يتبعه من اليدين مكبرا حال الرَّفْعِ؛ لأن هذا التكبير تكبيرُ انتقال، وتكبيرات الانتقال كلُّها تكون ما بين الرُّكنين
o الجلوس بين السجدتين :
§ يجلس مفترشاً رجله اليُسرى جاعلاً إيَّاها كالفراش، أي: يضعها تحته مفترشاً لها لا جالساً على عقبيه، وعليه فيكون ظهرُها إلى الأرض وبطنُها إلى أعلى وأما رجله اليمنى فتكون مخرجة من اليمين منصوبة القدم وهذه الصفة متفق عليها.
§ وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنه يجلس على عقبيه ناصباً قدميه واستدلُّوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «إنَّ ذلك هو السُّنَّة» ولكن المعروف عند أصحاب الإمام أحمد رحمه الله أن ذلك ليس مِن السُّنَّةِ؛ لأن أكثر الأحاديث الواردة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم كُلّها تصف هذه الجلسة بالافتراش، ولا يبعد أن يكون ابن عباس رضي الله عنهما ذَكَرَ ما كان أولاً
§ وضع اليدين له صفتان :
· الصفة الأُولى: أن يضع يديه على فخذيه، وأطراف أصابعه عند ركبتيه.
· الصفة الثانية: أنه يضع اليد اليُمنى على الرُّكبة، واليد اليُسرى يلقمها الرُّكبة كأنه قابض لها
§ كيف تكون اليدان:
· أما بالنسبة لليُسرى: فتكون مبسوطة مضمومة الأصابع موجهة إلى القبلة، ويكون طرف المرفق عند طرف الفخذ، بمعنى: لا يُفرِّجها، بل يضمُّها إلى الفخذ.
· أما اليمنى:
v فإن الشيخ يرى أن السُّنَّة تدلُّ على أنه يقبض منها الخنصر والبنصر، ويُحَلِّقُ الإبهام مع الوسطى، ويرفع السَّبَّابة، ويُحرِّكُها عند الدُّعاء. هكذا جاء فيما رواه الإمام أحمد من حديث وائل بن حُجْر بسند قال فيه صاحب «الفتح الرباني»: «إنه جيد». وقال فيه المحشِّي على «زاد المعاد»: إنه صحيح، وإلى هذا ذهب ابنُ القيم رحمه الله
v أما الفقهاء: فيرون أن اليد اليُمنى تكون مبسوطة في الجلسة بين السجدتين كاليد اليُسرى وبناءً على كلام الفقهاء تكون كلُّ جلسة من جلسات الصلاة مخالفة للأخرى من أجل التمييز:
& فالجلسة بين السَّجدتين: افتراش مع كون اليدين مبسوطتين.
& وفي التشهد الأول: افتراش لكن اليُمنى تقبض.
& وفي التشهد الأخير: تَورُّك، وإن كان يوافق التشهد الأول في قَبْضِ اليد
o دعاء الجلوس بين السجدتين :
§ اقتصر صاحب الزاد على الواجب بقوله يقول «رَبِّ اغفرْ لي .
§ ولكن الصحيح أنه يقول كلَّ ما ذُكر عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «ربِّ اغفرْ لي، وارحمني، (وعافني)، واهدني، وارزقني» أو «اجبرني» بدل «ارزقني» وإن شاء جمع بينهما؛ لأن المقام مقام دعاء
§ ولا يقرأ القرآن وهو ساجد لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نُهِيَ أن يقرأ القرآن وهو راكع، أو ساجد ، اللهم إلا إذا دعا بجملة من القرآن مثل: {{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *}} [آل عمران] فهذا لا يضرُّ، لأن المقصود به الدُّعاء
o ثم يسجد سجدة ثانية كالأولى



أبو صهيب 22 ربيع الأول 1431هـ/7-03-2010م 01:04 AM

تابع صفة الصلاة :
o القيام للركعة الثانية :
§ ينهض معتمداً على ركبتيه إن سهل وإلا فيعتمدُ على الأرض، ويبدأ بالنُّهوض مِن السُّجود بالجبهة والأنف، ثم باليدين؛ فيضعهما على الرُّكبتين، ثم ينهض على صدور القدمين. هذا هو السُّنَّةُ على ما قاله المؤلِّف ـ رحمه الله ـ وهو المذهب.
§ اختلف العلماء عند قيام المصلي للركعة الثانية والربعة هل يجلس جلسة الاستراحة أم لا على أقوال :
· القول الأول: لا يُسَنُّ الجلوس مطلقاً. وهو المذهب ودليلهم حديث وائل بن حُجْر أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم «كان إذا نَهَضَ؛ نَهَضَ على رُكبتيه، واعتمدَ على فَخِذيهِ»
· القول الثاني: يجلس مطلقاً، سواء احتاجَ للجلوس أم لم يحتجْ، يجلس تعبُّداً لله عزّ وجل ودليلهم ما ثبت في «صحيح البخاري» من حديث مالك بن الحُويرث أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا كان في وِتْرٍ مِن صلاتِه لم ينهض حتى يستوي قاعداً»
· القول الثالث: وسط ؛ قالوا: إن كان الإنسان محتاجاً إلى الجلوس؛ فيجلس تعبُّداً، وإذا كان يستطيع أن ينهض فلا يجلس. وهو اختيار صاحب «المغني» (2) وابن القيم واستدلَّوا بأنه مِن المعلوم أن للرسول صلّى الله عليه وسلّم حالين:حالاً كان فيها نشيطاً شابًّا قويًّا. وحالاً كان فيها دون ذلك فتكون هذه الجلسة حسب الحال
§ إذا كان الإنسان مأموماً وهو يرى أن هذا الجلوس سُنَّة فالأفضل له متابعةَ الإمام إن كان لا يجلس وإن كان الإمامُ يرى هذه الجِلْسَة وأنت لا تراها، فإن الواجب عليك أن تجلس؛ لأنك لو لم تجلس لقمت قبل إمامك وهذه مسابقة للإمام والمسابقة حرام
o الركعة الثانية :
§ الركعة الثانية صفتها كالركعة الركعة الأولى إلا في ما يلي :
· تكبيرة الإحرام؛ لأن التحريمة تُفتتح بها الصَّلاةُ، وقد اسْتُفْتِحَتْ، بل لو كَبَّرَ ناوياً التَّحريمة بطلت صلاتُه؛ لأن لازم ذلك أن يكون قد قطع الركعة الأُولى، وابتدأ الثانية مِن جديد، وهذا يُبطل الصَّلاةَ.
· الاستفتاح لا يُسَنُّ في الركعة الثانية؛ لأن الاستفتاح تُفتتح به الصَّلاةُ بعد التحريمة.
· التعوذ فيه خلاف بين أهل العلم :
o لا يُشرع في الثانية؛ لأن قراءة الصَّلاة واحدة، فإنَّ الصَّلاةَ عبادةٌ واحدةٌ من أوَّلها إلى آخرها، فإذا تعوَّذَ لأوَّل مرَّة كفى وقال في «الرَّوض» : إلا إذا لم يتعوَّذ في الأُولى فيتعوَّذُ في الثانية، وهذا استثناء جيد
o وقال بعض أهل العلم : بل يتعوَّذ في كلِّ رَكعة؛ وذلك لأنه حال بين القراءتين أذكارٌ وأفعالٌ، والأمرُ في هذا واسعُ
· تجديد النية فلا يأتي بنيَّةٍ جديدة، بخلاف الرَّكعةِ الأُولى، فلو نوى الدخول بنيَّةٍ جديدةٍ في الرَّكعة الثانية لبطلت الأُولى؛ لأنَّ لازمَ تجديد النيَّة في الركعة الثانية قَطْعُ النيّة في الركعة الأُولى، ولم تنعقد الثانية لعدم التَّحريمة
· القراءةَ في الركعةِ الثانيةِ تكون دون القراءة في الركعة الأُولى، كما هو صريح حديث أبي قتادة
o الجلوس للتشهد :
§ بعد أن يُصلِّي الركعة الثانيةَ. يجلس مفترشاً بحيث يجعل رِجْلهُ اليسرى تحت مقعدته كأنها فراش، ويُخرج اليُمنى مِن الجانب الأيمن ناصباً له وهذا الجلوس للتشهُّدِ إن كانت الصَّلاةُ رباعية أو ثلاثية فهو أوَّل، وإن كانت سوى ذلك فهو أخير.
§ وضع اليدين في الجلوس له صفتان :
· إما يضعهما على الفخذين
· وإما أن يُلْقِمَ اليُسرى الرُّكبةَ اليُسرى ويَجعلَ اليُمنى على حَرْفِ الفخذِ، أي: على طَرَفِهِ
§ كيفية وضع أصابع اليد اليُمنى له صفتان :
· إما يقبض خنصر يده اليمنى وبنصرها، ويحلق إبهامها مع الوسطى ، وتبقى السَّبَّابةُ مفتوحةً لا يضمُّها
· وإما يضمَّ الخنصرَ والبنصرَ والوسطى، ويضمَّ إليها الإبهامَ وتبقى السَّبَّابةُ مفتوحةً
· وأما اليسرى فيبسط أصابعها على الفخذِ الأيسر
§ وضع السبابة :
· يُشيرُ بها في تشهُّدِه عند وجودِ سبب الإشارة وهو ذِكْرُ الله، واختلف الفقهاءُ في معنى كلمة «ذِكْر الله» :
o قيل: عند ذِكْرِ لفظ الجلالة
o وقيل: المراد بذِكْرِ الله: الذِّكْر الخاصُّ وهو «لا إله إلا الله»
· لكن السُّنَّة دَلَّت على أنه يُشير بها عند الدعاء فقط لأن لفظ الحديث: «يُحرِّكُها يدعو بها» وقد وَرَدَ في الحديث نَفْيُ التَّحريك وإثباتُ التحريك. والجمعُ بينهما سهل: فنفيُ التَّحريك يُراد به التَّحريكُ الدَّائم، وإثباتُ التَّحريك يُراد به التَّحريكُ عند الدُّعاء
o التشهد :
§ يقول في التشهد الأول : «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلامُ عَلَيْك أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، السَّلامُ عَلَيْنَا ، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ،أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»
§ الأحاديث في التشهُّدِ وَرَدَتْ على أكثر من وَجْهٍ، فهو من العبادات الواردة على وجوه متنوِّعةٍ وليس بينهما إلا اختلاف يسير مما يدلُّنا على أن كلَّ واحد منهما يُقال بمفرده، وأن هذا الاختلاف اليسير مما جاءت به السُّنَّةُ
§ أمّا قول «السَّلامُ على النَّبيِّ » بدل «السَّلامُ عَلَيْك أيُّهَا النَّبيِّ » بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فهذا مِن اجتهادات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه التي خالَفه فيها مَنْ هو أعلمُ منه؛ عُمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه، فإنه خَطَبَ النَّاسَ على مِنبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال في التشهُّدِ: «السَّلامُ عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله»
§ الزيادة في التشهد على ما ذكر :
· أما في التشهُّدِ الأولِ :
o فظاهر كلام المؤلِّف أنه لا يزيد على ما ذَكَرَ. وعلى هذا؛ فلا يستحبُّ أن يُصلِّيَ على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في التشهُّد الأوَّل، وهذا الذي مشى عليه المؤلِّف ظاهرُ السُّنَّة، لأنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يُعلِّم ابنَ مسعود وابنَ عباس إلا هذا التشهُّد فقط ، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد»: كان من هدي النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم تخفيف هذا التشهد جدًّا، ثم ذَكَرَ الحديث أنه كان كأنَّما يجلس على الرَّضْفِ ـ يعني: الحجارة المحمَّاة ـ من شِدَّة تعجيله ، وهذا الحديث وإن كان في سنده نظر، لكن هو ظاهر السُّنَّة
o ومع ذلك لو أن أحداً مِن النَّاس صَلَّى على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا الموضع ما أنكرنا عليه، لكن لو سألنا أيُّهما أحسن؟ لقلنا: الاقتصار على التشهُّدِ فقط، ولو صَلَّى لم يُنْهَ عن هذا الشيء؛ لأنه زيادة خير، وفيه احتمال، لكن اتباع ظاهر السُّنَّة أَولى.
· وأما في التشهُّدِ الأخير فيزيد :
o «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»
o ثم َيَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ومنْ عَذابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالمَمَاتِ وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ
o ثم يتخيَّر من الدُّعاء ما شاء والأفضل أن َيَدْعُو بِمَا وَرَدَ ومما وَرَدَ في هذا:
§ «اللَّهُمَّ أعنِّي على ذِكْرِك، وشُكرك، وحُسْن عبادتك» والقول بأن هذا الدُّعاء في آخر الصَّلاة أصحُّ من القول بأنه بعد السَّلام؛ لأن الذي بعد السَّلام إنما هو الذِّكر، {{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ}} [النساء: 103] وأما ما قيد بدُبُر الصَّلاة وهو دُعَاء فإنه في آخرها
§ ومنه أيضا « اللَّهُمَّ إنِّي ظلمتُ نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفِرُ الذُّنوبَ إلا أنت، فاغفِرْ لي مغفرةً من عندك، وارحمنِي؛ إنك أنت الغفور الرحيم»
o ما وَرَدَ مقيَّداً بدُبُر الصَّلاة، فإن كان ذِكْراً فهو بعد السَّلام، وإن كان دُعاء فهو قبل السَّلام وعلى هذا فلا يشرع الدعاء بعد السلام ولا رفع اليدين وأيضا لا يشرع مسح الوجه كما يفعله بعض الناس فهذا لا شَكَّ أنه لا أصل له
o السلام :
§ السَّلام يقصد به السَّلام على مَن بجانبه، لكنه لما كان كُلُّ واحد يُسلِّم على الثاني اكتُفي بهذا عن الرَّدِّ، والله أعلم. ويدل لذالك أن النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام حينما كانوا يرفعون أيديهم يُوْمِئُون بها قال: «عَلاَمَ تُؤْمُونَ بأيديكم كأنَّها أذنابُ خيلٍ شُمْسٍ؟ إنما كان يكفي أحدكُم أن يضعَ يده على فخذه، ثم يُسَلِّمُ على أخيه مِن على يمينه وشماله»
§ للعلماء في التسليم ثلاثة أقوال :
· قال بعضهم وهو المذهب يقول عن يمينه «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» وعن يساره كذالك
· قال بعضهم وهي رواية عن الإمام أحمد يقول السلام عليكم عن يمينه ويساره دون زيادة «ورحمة الله» والمذهب لا يجزئ
· وقال بعضُ أهل العلم: يزيد في التَّسليمةِ الأُولى «وبركاته» دون الثانية، فيقول في الأولى: «السَّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته»، وفي الثانية: «السلام عليكم ورحمة الله» والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه لا يزيد
· الاقتصار على تسليمة واحدة :
o المذهب أنها لا تجزئ وينبغي أن يسلم تسليمتين واستدلُّوا لذلك:
§ بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما كان يكفي أحدُكم أن يضع يدَه على فخذه ويسلِّم على أخيه من على يمينه ومن على شماله» وقالوا: إن ما دون الكفاية لا يكون مجزياً.
§ محافظته صلّى الله عليه وسلّم على التسليمتين حضراً وسفراً، في حضور البوادي، والأعراب، والعالم، والجاهل وقوله: «صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي» يدلُّ على أنه لا بُدَّ منهما. وهو الأحوط
o وقال آخرون يجزئ الاقتصار على تسليمة واحدة لحديث عائشة: «وكان يختِم الصَّلاة بالتسليم» ، وهذا لفظ مطلق يصدق بواحدة
o وقال بعض أهل العلم: تجزئ واحدة في النَّفل دون الفرض لأنه وَرَدَ عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام «أنه سَلَّم في الوتر تسليمةً واحدةً تِلقاء وجهه»
o صلاة الثلاثية والرباعية :
§ إذا كان في صلاة ثلاثية أو رباعية نهض مكبرا إلى الركعة الثالثة بعد التشهد الأول ، والتشهُّدُ الأول ينتهي عند قوله: «أشهدُ أنْ لا إله إلا الله؛ وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسولُه»
§ رفع اليدين عند النهوض :
· المشهور من المذهب أنه لا يرفع يديه إذا قام مِن التشهُّدِ الأول؛ لأن مواضع رَفْعِ اليدين على المذهب ثلاثة فقط: عند تكبيرة الإحرام، وعند الرُّكوع، وعند الرَّفع منه.
· لكن الصَّحيح: أنه يرفع يديه :
o لأنه صَحَّ عن ابن عُمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم
o ولأنه انتقال مِن نوع إلى نوع آخر في الصَّلاة، فإن الرَّكعتين الأوليين يُشرع فيهما ما لا يُشرع في الرَّكعتين الأخريين، فصار مِن الحكمة أن يميِّز هذا الانتقال بالرَّفْعِ، كأنه صلاة جديدة؛ لتميزها عن الرَّكعتين الأوليين.
§ يرفعهما إذا استتمَّ قائماً، لأن لفظ حديث ابن عُمر: «وإذا قام من الرَّكعتين رَفَعَ يديه» وعلى هذا، فلا يرفع وهو جالس ثم ينهض، كما توهَّمَهُ بعضهم
§ تكون الركعة الثالثة من الثلاثية والثالثة والرابعة من الرباعية كالركعة الثانية فلا تكون فيها تكبيرة إحرام ولا استفتاح ولا تعوُّذ ولا تجديد نيَّة
§ وأما القراءة فيهما :
· يقتصر على الفاتحة ولا يزيد عليها، وهذا هو مُقتضى حديث أبي قتادة رضي الله عنه الثَّابت في «الصحيحين» أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في الرَّكعتين الأخريين بفاتحة الكتاب فقط
· ولكن في حديث أبي سعيد الخدري ما يدلُّ على أن الركعتين الأخريين يقرأ فيهما؛ لأنه ذَكَرَ أنَّ الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام كان يقرأ في الرَّكعتين الأوليين بسورة، ولا يطوّل الأولى على الثانية، ويقرأ بالرَّكعتين الأخريين بنصف ذلك
· والجَمْعِ بين الحديثين، بأن يُقال: إن الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم أحياناً يفعل ما يدلُّ عليه حديث أبي سعيد، وأحياناً يفعل ما يدلُّ عليه حديث أبي قتادة
§ التورك :
· يكون في التشهد الأخير الذي يعقبه السَّلام، من صلاةٍ ذات تشهُّدين ولا يكون في التشهُّدِ الأخير الذي لا يعقبه سلام، كما لو سُبِقَ المأمومُ بركعة، وجَلَسَ مع إمامه في تشهُّدِه الأخير؛ فإنه لا يتورَّك لأن تشهُّدَه هذا لا يعقبه سلام
· ولك ثلاث كيفيات :
o الأولى أن يُخرِجَ الرِّجلَ اليُسرى مِن الجانب الأيمن مفروشة، ويجلس على مَقعدته على الأرض، وتكون الرِّجل اليُمنى منصوبة.
o الثانية: أن يَفرُشَ القدمين جميعاً، ويخرجهما مِن الجانب الأيمن
o الثالثة: أن يَفرُشَ اليُمنى، ويُدخل اليُسرى بين فخذ وساق الرِّجل اليُمنى كلُّ هذه وردت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في صفة التورُّك وعلى هذا فنقول: ينبغي أن يَفعلَ الإنسانُ هذا مرَّة، وهذا مرَّة
o صلاة المرأة :
§ المذهب على أن المرأة مثل الرَّجل في صفة الصلاة ويستثنى من ذالك مسألتين :
· الأولى : تضمُّ نفسها في الحال التي يُشرع للرَّجل التَّجافي، كما في حال الرُّكوعِ والسُّجود فإذا سَجَدَتْ تجعل بطنَها على فخذيها، وفخذيها على ساقيها، وإذا ركعتْ تضمُّ يديها.والدَّليل على ذلك: القواعد العامة في الشريعة، فإن المرأة ينبغي لها السَّتر، وضمُّها نفسها أستر لها مما لو جافت
· الثانية : أنها تخالف الرَّجل في كيفيَّة الجلوس، فلا تفترش، ولا تتورَّك، ولكن تسدلُ الرِّجْلين بجانب اليمين في الجلوس بين السَّجدتين، وفي التشهُّدين
§ والصحيح أن المرأة مثل الرجل حتى في المستثنى على المذهب لعدم الدليل على التفريق بينهما
o ما يقال بعد السلام :
§ إذا سَلَّم يقول: «أستغفرُ الله» ثلاث مرَّات
§ ثم يقول بعد الاستغفار: «اللَّهُمَّ أنت السَّلامَ ومنك السَّلامُ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام»
§ ثم يسبح ويحمد الله ويكبر وهذا الذكر قد وَرَدَ على عدَّة أوجه :
· الوجه الأول أن يقول: «سبحان الله» ثلاثاً وثلاثين، و«الحمد لله» ثلاثاً وثلاثين، و«الله أكبر» ثلاثاً وثلاثين، ويختمُ بـ«لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كُلِّ شيء قدير» فتكون مِئَة.
· الوجه الثاني أن يقول: «سبحان الله» ثلاثاً وثلاثين، و«الحمد لله» ثلاثاً وثلاثين، و«الله أكبر» أربعاً وثلاثين، فيكون الجميع مِئَة.
· الوجه الثالث أن يقول: «سبحان الله» عشراً، و«الحمد لله» عشراً، و«الله أكبر» عشراً، فيكون الجميع ثلاثين
· الوجه الرابع أن يقول: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» خمساً وعشرين مرَّة، فيكون الجميع مِئَة
§ ويَقرأ آيةَ الكرسيِّ؛ لأنه رُويَ فيها أحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لكن إن صَحَّت فقد وقعت محلَّها، وإن لم تكن صحيحة فهي زيادة حِرْزٍ للإنسان، لأن قراءة «آية الكرسي» يحفظُ الإنسانَ من الشياطين
§ وكذلك: {{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}} و{{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *}} و{{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *}}
انتهت صفة الصلاة

أبو صهيب 22 ربيع الأول 1431هـ/7-03-2010م 02:37 PM

ü .مكروهات الصلاة :
o الالتفات في الصلاة :
§ يُكره ذالك للمصلِّي لما يلي :
· أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سُئل عن الالتفات في الصَّلاة فقال: «هو اختلاسٌ يختلسُهُ الشيطانُ مِن صلاة العبد» أي: سرقة ونهب
· ولأن الالتفات حركة لا مبرر لها، والأصل كراهة الحركات في الصَّلاة
· ولأن في الالتفات إعراضاً عن الله عزّ وجل، فإذا قام الإنسان يُصلي فإنَّ اللهَ تعالى قِبَلَ وجهه
· وأما إذا كان الالتفات لحاجة فلا بأس، فمن الحاجة :
o ما جرى للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم يوم حُنين حيث أرسلَ عيناً تترقَّبُ العدوَ، فكان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُصلِّي ويلتفت نحو الشِّعْبِ الذي يأتي منه هذا العين
o ولأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمَرَ الإنسان إذا أصابه الوسواسُ في صلاته أن يَتْفُلَ عن يساره ثلاث مرات، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
o ومِن ذلك: لو كانت المرأة عندها صبيُّها؛ وتخشى عليه؛ فصارت تلتفت إليه؛ فإن هذا مِن الحاجة ولا بأس به، لأنه عمل يسير يحتاج إليه الإنسان
§ اعْلَمْ أن الالتفات نوعان :
· ـ التفات حسِّي بالبدن، وهو التفات الرأس. وقد سبق حكمُه
· التفات معنوي بالقلب، وهو الوساوس والهواجيس التي تَرِدُ على القلب. فهذا هو العِلَّة التي لا يخلو أحدٌ منها، وما أصعب معالجتها! وما أقل السالم منها! وهو منقص للصلاة، ويا ليته التفات جزئي! ولكنه التفات من أول الصلاة إلى آخرها، وينطبق عليه أنه اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاة العبد، بدليل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما شَكَى إليه الرَّجُلُ هذه الحال قال له: «ذاك شيطان يُقال له: خِنْزَبٌ، فإن أحسست به فاتفل عن يسارِك ثلاث مَرَّات، وتعوَّذ بالله منه»
o رفع البصر إلى السماء :
§ يُكره رَفْعُ البصرِ إلى السماء وهو يُصلِّي في أي حال من الأحوال؛ بدليل وتعليل:
· أما الدليل ، فلأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لينتهينَّ أقوامٌ عن رَفْعِ أبصارِهم إلى السَّماءِ في الصَّلاة؛ أو لتُخْطَفَنَّ أبصارُهم»
· وأما التعليل: فلأن فيه سوء أدب مع الله تعالى؛ لأن المصلِّي بين يدي الله، فينبغي أن يتأدَّبَ معه، وأن لا يرفعَ رأسَه، بل يكون خاضعاً
· والحقيقة أن قوله عليه الصلاة والسلام : «لينتهينَّ أقوامٌ عن رَفْعِ أبصارِهم إلى السَّماءِ في الصَّلاة؛ أو لتُخْطَفَنَّ أبصارُهم» يقتضي أن يكون رَفْعُ البصرِ إلى السَّماءِ محرَّماً لأن التحذير عن الشيء بِذِكْرِ عقوبة يدلُّ على أنه حرام وعليه فإن القول الرَّاجح في رَفْعِ البصرِ إلى السَّماءِ في الصَّلاة أنه حرام وليس بمكروه فقط
· اختلفَ أهلُ العِلم فيمن رفع بصره إلى السماء: هل تبطل صلاته أم لا :
o فقال بعضُهم تبطل وعلَّلوا ذلك بتعليلين:
§ التعليل الأول: أنه فِعْلٌ منهيٌّ عنه في العبادة، والإنسان إذا فَعَلَ فِعْلاً منهيًّا عنه في العبادة أبطلها؛ كالكلام في الصَّلاة، والأكل والشُّرب أثناء الصَّوم؛ لأنه ينافيها
§ التعليل الثاني: أن فيه انحرافاً عن القِبْلة؛ لأنه إذا رَفَعَ رأسَه صار مستقبلاً القِبْلة بجسده لا بوجهه
o ولكن الذي يظهر أن المسألة لا تَصِلُ إلى حَدِّ البطلان :
§ أما التعليل: بأنه انحرافٌ عن القِبْلة فإنه منقوضٌ بالالتفات، فإن الملتفت إلى اليمين أو اليسار قد انحرفَ عن القِبْلة، ومع ذلك لا تبطل صلاتُه.
§ وأما التعليل: بأنه فِعْلٌ منهيٌّ عنه في العبادة فأبطلها ، فهذا لا شَكَّ أنه تعليل قويٌّ؛ لكن النَّفْسَ لا تطمئنُّ إلى أَمْرِ المُصلِّي بالإعادة إذا رَفَعَ رأسَه إلى السَّماءِ، إنما نقول: إنَّ صلاتك على خَطَرٍ
o تغميض العينين :
§ يُكره تغميض العينين في الصلاة، وعُلِّلَ ذلك: بأنه فِعْلُ اليهود في صلاتهم، ونحن منهيُّون عن التَّشبُّهِ بالكُفَّار من اليهود وغيرهم، لا سيما في الشَّعائر الدينية
§ يذكر كثيرٌ من الناس أنه إذا أغمض عينيه كان أخشع له. وهذا من الشيطان، يُخَشِّعُهُ إذا أغمض عينيه من أجل أن يفعل هذا المكروه
§ لكن لو فُرِضَ أن بين يديك شيئاً لا تستطيع أن تفتح عينيك أمامه؛ لأنه يشغلك، فحينئذٍ لا حَرَجَ أن تُغمض بقَدْرِ الحاجة
o الإقعاء :
§ يكره للمصلِّي إقعاؤه في الجلوس :
· لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن إقعاء كإقعاء الكلب
· ولأنَّ الإنسانَ لا يستقرُّ في حال الإقعاء؛ لأنه يتعب
§ والإقعاء له صُوَر:
· الأولى: أن يَفْرُشَ قدميه، أي: يجعل ظُهُورَهما نحو الأرض، ثم يجلس على عقبيه، وهذا مكروه لما يلي:
o أولاً: لأنه يشبه من بعض الوجوه إقعاء الكلب.
o ثانياً: أنه مُتْعِبٌ، فلا يستقرُّ الإنسانُ في حال جلوسه على هذا الوجه.
· الصورة الثانية: أن ينصبَ قدميه ويجلسَ على عقبيه، وهذا لا شَكَّ أنه إقعاء، كما ثَبَتَ ذلك في «صحيح مسلم» مِن حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما،وفيه قولان لأهل العلم :
o قال بعضُهم إن هذه الصورة من الإقعاء من السُّنَّة، لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إنها سنة نبيِّك»
o ولكن أكثرُ أهلِ العِلم على خلاف ذلك وأن هذا ليس من السُّنَّة، ويُشبه ـ والله أعلم ـ أن يكون قول ابن عباس رضي الله عنهما تحدُّثاً عن سُنَّة سابقة نُسخت بالأحاديث الكثيرة المستفيضة بأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يفرُشُ رِجْلَه اليُسرى وينصب اليُمنى.
o الثالثة: ـ وهي أقربُها مطابقة لإقعاء الكلب ـ أن ينصب فخذيه وساقيه ويجلسَ على أليتيه، ولا سيما إن اعتمد بيديه على الأرض، وهذا هو المعروف من الإقعاء في اللغة العربية.
o الصورة الرابعة: أن ينصبَ قدميه ويجلسَ على الأرض بينهما.
o أما التربيع فلا يكره ولكن خلاف السُّنَّة وهو مشروعة في موضع القيام والرُّكوع إذا صَلَّى الإنسان جالساً
o افتراش الذراعين حال السجود :
§ يُكره للمصلي أن يفترش ذراعيه حال السُّجود :
· لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اعتدلوا في السُّجود؛ ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب»
· ولأن الإنسان لا ينبغي أن يتشبَّه بالحيوان، فإن الله لم يَذكرْ تشبيه الإنسان بالحيوان إلا في مقام الذَّمِّ
o العبث في الصلاة :
§ يُكره عبث المصلِّي، والعبث هو تشاغله بما لا تدعو الحاجة إليه
§ والعبث فيه مفاسد:
· المفسدة الأولى: انشغال القلب، فإنَّ حركةَ البَدَنِ تكون بحركة القلب ، وقد قال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلام حينما نَظَرَ إلى الخميصة نظرةً واحدةً: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جَهْم، وأْتُوني بأنبجانيَّة أبي جَهْم، فإنَّها ألهتني آنفاً عن صلاتي» فيؤخذ من هذا الحديث: تجنُّب كل ما يُلهي عن الصَّلاة.
· المفسدة الثانية: أنَّه على اسمه عبثٌ ولغو، وهو ينافي الجديَّة المطلوبة مِن الإنسان في حال الصَّلاة.
· المفسدة الثالثة: أنه حركة بالجوارح، دخيلة على الصَّلاة، لأنَّ الصَّلاةَ لها حركات معيَّنة مِن قيام وقعود ورُكوع وسُجود.

o التَّخصُّر :
§ هو وَضْعُ اليد على الخاصرة، والخاصرة هي: المستدق من البطن الذي فوق الورك، أي: وسط الإنسان
§ ُيكره التخصر لأن :
· النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نَهى أن يُصلِّي الرَّجلُ متخصراً
· ولأنه من فِعْلُ اليهود في صلاتهم كما جاء تعليل ذلك في حديث عائشة
· ولأنَّه في الغالب يأتي في حال انقباض الإنسان، وكأنه يُفكِّرُ في شيء
o الَتَرَوُّح :
§ أي: أن يروِّحَ على نفسه بالمروحة ، يحرِّكُها يميناً وشمالاً، فيأتيه الهواء، فهذا مكروه :
· لأنه نوع من العبث والحركة
· ومُشْغِلٌ للإنسان عن صلاته
§ أما إنْ دعت الحاجةُ إلى ذلك بأن كان قد أصابه غَمٌّ وحَرٌّ شديد ورَوَّحَ عن نفسِه بالمروحة، من أجل أن تخفَّ عليه وطأة الغَمِّ والحرِّ في الصَّلاةِ فإن ذلك لا بأس به
§ وأما التروُّح الذي هو المراوحة بين القدمين بحيث يعتمد على رِجْل أحياناً، وعلى رِجْل أُخْرى أحياناً؛ فهذا لا بأس به ، ولا سيما إذا طال وقوف الإنسان، ولكن بدون أن يقدِّمَ إحدى الرِّجلين على الثانية، بل تكون الرِّجْلان متساويتين، وبدون كثرة
o فرقعة الأصابع وتشبيكها :
§ يُكره فرقعة الأصابع في الصلاة :
· لأن ذلك مِن العبث
· ولأن فيه تشويش على مَنْ كان حوله إذا كان يُصلِّي في جماعة
§ يُكره أيضا التشبيك بينها ؛ وهو إدخال بعضها في بعض في حال صلاتِه لما يلي :
· لحديث وَرَدَ فيمَن قَصَدَ المسجدَ أن لا يُشَبِّكَنَّ بين أصابعه ، فإذا كان قاصدَ المسجد للصَّلاة منهيًّا عن التشبيك بين الأصابع، فمن كان في نَفْسِ الصَّلاةِ، فهو أَولى بالنَّهي
· وأيضا يُذكر أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رَجُلاً قد شَبَّكَ بين أصابعه ففرَّج النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بينهما
o أن يكون حاقنا :
§ الحاقن هو المحتاج إلى البول . يُكره أن يُصلِّي وهو حاقن لما يلي :
· لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الصَّلاةِ وهو يُدافعه الأخبثان
· ولأن في هذا ضرراً بدنيًّا عليه، فإن في حبس البول المستعدِّ للخروج ضرراً على المثانة، وعلى العصب التي تمسك البول
· وفيه أيضاً ضررٌ يتعلَّقُ بالصَّلاة؛ لأن الإنسان الذي يُدافع البول لا يمكن أن يُحضر قلبه لما هو فيه من الصَّلاة
§ وأيضا يكره أن يصلي وهو حاقب ، والحاقب: هو الذي حَبَسَ الغائط
§ وكذلك إذا كان محتبس الرِّيح فإنه يُكره أن يُصلِّي أيضا وهو يدافعها
§ من كان يدافع احدى هذه الثلاث فله أن يقضى حاجته وإن لم يكن عنده ماء يتوضَّأ به ثم يتيمم ولا يُصَلِّ وهو يُدافع الأخبثين، وذلك لأن الصلاة بالتيمُّم لا تُكره بالإجماع، والصَّلاةُ مع مدافعة الأخبثين منهيٌّ عنها مكروهة
§ الحاقن، الذي يخشى أن تفوته صلاة الجماعة له يقضي حاجته ويتوضَّأ ولو فاتته الجماعة، لأن هذا عُذر، وإذا طرأ عليه في أثناء الصَّلاة فله أن يُفارق الإمام.
§ المدافع للأخبثين إن ضاقَ عليه الوقت وخشي خروجه فإن :
· كانت الصَّلاةُ تُجمع مع ما بعدَها فليقضِ حاجته وينوي الجمع؛ لأن الجمع في هذه الحال جائز
· وإن لم تكن تُجمع مع ما بعدَها فللعلماء في هذه المسألة قولان :
o القول الأول: أنه يُصلِّي ولو مع مُدافعة الأخبثين حفاظاً على الوقت، وهذا رأي الجُمهور.
o القول الثاني: يقضي حاجته ويُصلِّي ولو خرج الوقت. وهذا القول أقرب إلى قواعد الشريعة
o وأما المدافعة الشديدة التي لا يدري ما يقول فيها، فهذا لا شَكَّ أنه يقضي حاجته ثم يُصلِّي، وينبغي ألا يكون في هذا خلاف
o أن يكون بحضرة الطعام :
§ يكره أن يُصلِّي بحضرة طعام ودليل ذلك قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ بحضرة طعامٍ، ولا وهو يُدافعه الأخبثان» ويشترط لذالك :
· أن يكون الطَّعام حاضراً.
· أن تكون نفسه تَتُوقُ إليه.
· أن يكون قادراً على تناوله حِسًّا وشرعاً :
o المانعُ الحسِّي: كما لو قُدِّمَ له طعام حارٌّ لا يستطيع أن يتناوله
o المانعُ الشرعي: كالصَّائم إذا حَضَرَ طعامُ الفطور عند صلاة العصر
§ اختلف أهل العلم في قوله صلى الله عليه وسلم «لا صلاةَ بحضرة طعامٍ، ولا وهو يُدافعه الأخبثان» هل هذا النفي نفي كمال، أو نفي صحة :
· جمهور أهل العِلم على أنه نفيُ كمال، وأنه يُكره أن يُصلِّي في هذه الحال، ولو صَلَّى فصلاتُه صحيحة
· وقال بعض العلماء: بل النفيُ نفيٌ للصِّحَّة ، فلو صَلَّى وهو يُدافع الأخبثين بحيث لا يدري ما يقول فصلاتُه غيرُ صحيحة، لأن الأصل في نفي الشَّرع أن يكون لنفي الصِّحَّة، وعلى هذا تكون صلاتُه في هذه الحال محرَّمة؛ لأن كلَّ عبادة باطلة فتلبُّسه بها حرام؛ لأنه يشبه أن يكون مستهزئاً؛ حيث تَلَبَّسَ بعبادة يعلم أنها محرَّمة.وكلٌّ مِن القولين قويٌّ جدًّ
o تكرار الفاتحة :
§ يُكره تكرار الفاتحة مرَّتين، أو أكثر وتعليل ذلك أنه لم يُنقل عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ذالك
§ إذا كرَّر الفاتحةَ لا على سبيل التعبُّد، بل لفوات وصف مستحبّ؟ فالظَّاهرُ الجواز، مثل:
· أن يكرِّرها لأنه نسيَ فقرأها سِرًّا في حال يُشرع فيها الجهرُ
· وكذلك لو قرأها في غير استحضار، وأراد أن يكرِّرها ليحضر قلبه في القراءة التالية؛ فإن هذا تكرار لشيء مقصود شرعاً، وهو حضور القلب، لكن إن خشيَ أن ينفتح عليه باب الوسواس فلا يفعل

أبو صهيب 24 ربيع الأول 1431هـ/9-03-2010م 01:45 AM

ü مباحات الصلاة :
o الجمع بين سورتين في ركعة :
§ يباح الجَمْعُ بين السُّورتين بعد الفاتحة في الفرض. كما يباح في النَّفل والدليل: حديث حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه صَلَّى مع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلةٍ فقرأ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم سورة «البقرة» و«النساء»، و«آل عمران» وهذا جمعٌ بين السُّور في النَّفل، وما جاز في النَّفل جاز في الفرض إلا بدليل
§ تفريق السُّورة في الركعتين جائز ؛ إلا إذا كان لما بقي تعلُّق بما مضى، فهنا ينبغي ألا يفعل ودليل ذلك: أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ في صلاة المغرب بالأعراف فَرَّقها في الرَّكعتين
§ يجوز أن يقرأ أواخر السُّور، وأواسطها، وأوائلها في الفرض والنَّفْلِ.والدليل على ذلك:
· أولاً: عموم قوله تعالى: {{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}} [المزمل: 20] .
· وقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ ما تيسر معك من القرآن».
· ثانياً: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قرأ في النَّفْلِ من أواسط السُّور ، وما ثَبَتَ في النَّفْلِ ثَبَتَ في الفرض؛ إلا بدليل
o ردٌّ المارِّ بين يديه:
§ يباح رد المار بين يدي المصلي . هذا ما يقتضيه كلام المؤلِّف ـ رحمه الله ـ وقيل :
· أن الرَّدَّ سُنَّة ودليل ذلك: أمرُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بهذا؛ حيث قال: «إذا صَلَّى أحدُكم إلى شيء يستره مِن الناس، فأرادَ أحدٌ أن يجتاز بين يديه؛ فَلْيَدْفَعْهُ، فإن أبى فَلْيُقَاتِلْهُ فإنَّما هُو شيطان» وهذا هو المذهب
· وقيل وهي رواية عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أنَّ رَدَّ المارِّ واجب ، فإن لم يفعل فهو آثم، ولا فَرْقَ بين ما يقطع الصَّلاة مروره، أو لا يقطع واستدلُّوا لهذا :
o بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فليدفعه» والأصلُ في الأمر الوجوب. ويقوِّي الوجوب: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فإن أبى فَلْيُقَاتِلْهُ» وأصل مقاتلة المسلم حرام، ولا يؤمر بما أصله الحرام إلا لتحصيل واجب
o وقالوا أيضاً: في هذا فائدة وهي تعزير المعتدي؛ لأن المَارَّ بين يديك معتدٍ عليك
o وقالوا أيضاً: إنَّ فيه إحياء قلوب الغافلين؛ لأن كثيراً مِن النَّاسِ يمشي في المسجد وعيناه في السَّماءِ، وهذه الرواية عن الإمام أحمد كما ترى دليلُها الأثريُّ والنظريُّ قويان
· ويحتمل أن يُقال: يُفرَّق بين المارِّ الذي يقطعُ الصَّلاةَ مروره كالمرأة والحمار والكلب الأسود، والمَارِّ الذي لا يقطع الصَّلاةَ مروره، فالذي يقطع الصَّلاةَ مروره يجب رَدُّه، والذي لا يقطع الصَّلاةَ مروره لا يجب رَدُّه؛ لأن غاية ما يحصُل منه أن تنقص الصَّلاةُ ولا تبطل، بخلاف الذي يقطع الصَّلاةَ مروره
· ويحتمل أن يُفرَّق بين الفرض والنَّفل، فإذا كانت الصَّلاة فريضة ومَرَّ مَنْ يقطعها وجب رَدُّه، لأن الفريضة إذا شَرَعَ فيها حَرُمَ أن يقطعَها إلا لضرورة، وإلا لم يجب رَدُّه، بل يُسَنُّ
§ اختُلف العلماء في مقدار ما بين يديه فقيل:
· إنه بمقدار ثلاثة أذرع مِن قدمي المصلِّي
· وقيل: بمقدار رَمية حَجَر، يعني بالرَّمي المتوسط لا بالقويِّ جدًّا ولا بالضعيف
· وقيل: ما للمصلِّي أن يتقدَّم إليه بدون بطلان صلاتِه
· وقيل: إن مَرْجِعَ ذلك إلى العُرف، فما كان يعدُّ بين يديه، فهو بين يديه، وما كان لا يُعدُّ عُرفاً بين يديه، فليس بين يديه.
· وقيل: ما بين رجليه وموضع سجوده. وهذا أقرب الأقوال، وذلك لأن المصلِّي لا يستحقُّ أكثر مما يحتاج إليه في صلاته
§ إذا كان له سُترة فلا يجوز المرور بينه وبينها، لكن ينبغي أن يقرُبَ منها، بحيث يكون سجودُه إلى جنبها؛ لئلا يتحجَّر أكثر مما يحتاج، وقد كان بين مصلَّى النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وبين الجدار الذي صَلَّى إليه قَدْرَ ممرِّ شاة.
§ ولا فَرْقَ بين أن يكون المَارُّ محتاجاً للمرور أو غير محتاج ولا فَرْقَ بين مَكَّة وغيرها
§ إذا غلبه المَارُّ ومَرَّ فالإثم على المَارِّ وأما بطلان الصلاة بمرور من يقطع الصلاة :
· فإن كان بغير تهاون فتبطل، وأنه يلزم استئنافها، وفي النفس مِن هذا شيء، لأن المُصلِّي إذا فَعَلَ ما أُمِرَ به، وجاء الأمرُ بغير اختياره ولم يحصُل ذلك عن تفريط منه أو تهاون، فكيف نبطِلُ عبادته بفعل غيره؟ لأن الآثم هنا هو المَارُّ.
· أما إذا كان هذا بتهاون منه، وعدم مبالاة كما يفعل بعضُ الناس، فهذا لا شَكَّ أن صلاته تبطل
o عَدُّ الآيات :
§ وله عد الآيات إن كان محتاجا لذالك وإلاَّ فالغالب أنه لا يحتاج إلى ذالك
§ مثال عدِّ الآيات إذا كان الإنسان لا يعرف الفاتحة؛ وأراد أن يقرأ بعدد آياتها مِن القرآن
§ يعدُّها بأصابعه، أو يعدُّها بقلبه فلو عَدَّها باللفظ لكان كلاماً، والكلام مبطلٌ للصَّلاة
§ وله عَدُّ التسبيح، وهذا قد يحتاج إليه الإنسان
§ وله عَدُّ الركعات، وهذه قد تكون أحوج مما سَبَقَ لأن كثيراً من الناس ينسى فيعدُّها بأحجار أو نَوى، فيجعل في جيبه أربع نَوى فإذا صَلَّى الرَّكعة الأُولى رَمى بواحدة، وهكذا حتى تنتهي
o الفتح على إمامه :
§ ومعنى الفتح على الإمام تنبيهه إذا أخطأ
§ ولا يفتح على غيره الذي يقرأ حوله إذا أخطأ ووجه ذلك :
· أنه لا ارتباط بينك وبينه؛ بخلاف الإمام.
· أنه يوجب انشغال الإنسان بالاستماع إلى غير مَنْ يُسَنُّ الاستماع إليه، فيوجب أن تتابعه، وأنت غير مأمور بهذا.
§ الاقتصار على الإباحة؛ التي هي ظاهر كلام المؤلِّف؛ فيه نظر، وذلك أن الفتح على الإمام ينقسم إلى قسمين:
· فتح واجب. وهو الفتح عليه فيما يُبطل الصَّلاة تعمُّده، مثل :
o لو زاد ركعةً لأن تعمُّد زيادة الرَّكعة مبطلٌ للصَّلاة
o أو لَحَنَ في الفاتحة لَحْناً يُحيل المعنى لأن اللَّحْنَ المحيل للمعنى في الفاتحة مبطلٌ للصَّلاةِ
o أو أسقط منها آية، لأن إسقاط آية من الفاتحة مبطل للصلاة
· فتح مستحب. ويكون فيما لو فوت كمالاً، مثل :
o لو نسيَ الإمامُ أن يقرأ سورة مع الفاتحة
o وكذلك لو أسرَّ فيما يجهر فيه أو جهر فيما يُسر فيه
§ ودليل هذا الحكم: قولُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنما أنا بشرٌ مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكِّروني» فأمر بتذكيره
o لبس الثَّوبِ :
§ يباح للمصلِّي لُبْسُ الثوب، لكن هذا يحتاج إلى تفصيل:
· إن كان يترتَّب على لُبْسِهِ صحَّة الصَّلاة فلُبْسُهُ حينئذٍ واجب، مثل أن يكون عُرياناً ليس معه ثياب؛ لأن العُريان يصلِّي على حسب حاله، وفي أثناء الصلاة جِيء إليه بثوب، فَلُبْسُ الثوب هنا واجب
· أما إذا كان لا يتوقَّفُ على لُبْسِهِ صحَّة الصلاة، فلا ينبغي أن يفعله إلاَّ لحاجة مثل أن يَبْرُدَ الإنسانُ في صلاتِه بعد أن شرع فيها، والثوب حوله؛ فله أن يأخذه ويلبسه بل قد يكون مشروعاً له أن يَلْبَسَهُ إذا كان لُبْسُ الثوب يؤدِّي إلى الاطمئنان في صلاته والراحة فيها
o لَفُّ العِمَامة :
§ له لَفُّ العِمَامة لو انحلَّت ولا حَرَجَ عليه، ولكن :
· إنْ كان انحلالها يشغله فلفُّها حينئذٍ مشروع، لأن في ذلك إزالة لما يشغله
· وإنْ كان لا يشغله فالأمر مباح وليس بمشروع.
§ ودليل ذلك: حديث وائل بن حُجْر «أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى فَرَفَعَ يديه عند تكبيرة الإِحرام، ثم التحفَ بثوبه، ثم وَضَعَ يده اليُمنى على اليُسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رَفَعَهما، ثم كبَّر فركع»
o قتل الحية والعقرب والقمل :
§ للمصلِّي أن يقتل الحيَّةَ والعقرب ، بل يُسَنُّ له ذلك؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ به فقال: «اقتلوا الأسْودَين في الصَّلاةِ: الحيَّةَ والعقربَ»
§ فإن هاجمته وَجَبَ أن يقتلها دفاعاً عن نفسه
§ وله قتل قَمْلٍ وهي حشرة صغيرة تتولَّد داخل الثياب والشعر وتقرص الجلد وتمتصُّ الدَّم، وتشغل الإنسان، فله أن يقتلها، فإن أشغلته كان قتلها مستحبًّا، لكن إذا قتلها وتلوَّثت يدُه بالدَّم فدمها ليس بنجس؛ لأنه مما لا نَفْسَ له سائلة، كالدَّم الذي يكون في الذُّباب فلا يضرُّ، ولا ينجس
o الحركة في الصلاة :
§ الحركة التي ليست مِن جِنْسِ الصَّلاة تنقسم إلى خمسة أقسام :
· حركة واجبة : وهي التي يتوقَّف عليها صحَّةُ الصَّلاة، وصورها كثيرة منها :
o لو أن رَجُلاً ابتدأ الصَّلاةَ إلى غير القِبْلة بعد أن اجتهد، ثم جاءه شخصٌ وقال له: القِبْلة على يمينك، فهنا الحركة واجبة، فيجب أن يتحرَّك إلى جهة اليمين، كما حدث ذالك لأهل قُباء وهم يصلُّون إلى بيت المقدس
o لو ذَكَرَ أن في غُترته نجاسة وهو يُصلِّي وَجَبَ عليه خَلْعُها؛ لإزالة النجاسة، ويمضي في صلاته
o وإنْ كانت النجاسة في ثوبه، وأمكن نزعه بدون كشف العورة؛ نَزَعَهُ ومضى في صلاته
o ولو صَلَّى إلى يسار الإمام ـ وهو واحد ـ فانتقاله إلى اليمين واجب على قول مَن يرى أن الصلاة لا تصحُّ عن يسار الإمام مع خلوِ يمينه
· حركة المستحبَّة : وهي التي يتوقَّف عليها كمال الصلاة. ولها صور عديدة منها :
o لو أنه لم يستر أحد عاتقيه؛ فهنا الحركة لستر أحد العاتقين مستحبَّة، لأن الصحيح أنه ليس بواجب.
o لو تبيَّن له أنه متقدم على جيرانه في الصفِّ فتأخُّره سُنَّة
o ولو تقلَّص الصفُّ حتى صار بينه وبين جاره فرجة، فالحركة هنا سُنَّة.
o لو صَفَّ إلى جنبيه رجلان، فتقدُّم الإمام هنا سُنَّة
· حركة مباحة : هي الحركة اليسيرة للحاجة، أو الكثيرة للضرورة :
o مثال الحركة اليسيرة: رَجُلٌ يُصلِّي في الظِّلِّ فأحسَّ ببرودة فتقدَّم، أو تأخَّر، أو تيامن، أو تياسر إلى الشمس لمجرد الدفء فقط فهذه مباحة
· حركة مكروهة : هي اليسيرة لغير حاجة، ولا يتوقَّف عليها كمال الصَّلاة، كما يوجد في كثير من الناس الآن؛ كالنظر إلى الساعة، وأخذِ القلم، وزَرِّ الأزرار
· حركة محرَّمة : وتبطل الصلاة بها بشروط ثلاثة :
o أن تكون طويلة وميزان الطول فيها ، أن تكون حركة بحيث مَن رأى فاعلها ظَنَّ أنه ليس في صلاة؛ لأن هذا هو الذي يُنافي الصلاة.
o ألا تكون لضرورة. وأما إذا كَثُرت الأفعال للضَّرورة لم تبطل الصلاة، ولا بأس به. دليل ذلك: قوله تعالى: {{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ *}{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}} [البقرة: 238 ـ 239] رجالاً: أي: راجلين، يعني: صَلُّوا وأنتم تمشون. أو رُكباناً: أي: على الرَّواحل. ومعلوم أن الماشي يتحرَّك كثيراً
o أن تكون متوالية، أي: بغير تفريق فلو تحرَّك ثلاث مرَّات في الركعة الأولى، وثلاثاً في الثانية، وثلاثاً في الثالثة، وثلاثاً في الرابعة، لو جمعت لكانت كثيرة، ولما تفرَّقت كانت يسيرة باعتبار كلِّ رَكعة وحدها، فهذا لا يبطل الصلاة أيضاً.
· إذا فعل الحركة المحرمة بالشروط الثلاثة سهوا هل تبطل صلاته ؟:
o من العلماء من قال أن الصلاة تبطل ولو كان الفعل سهواً، فلو فرضنا أن شخصاً نسيَ أنه في صلاة؛ فصار يتحرَّك: يكتب، ويعدُّ الدراهم، ويتسوَّك، ويفعل أفعالاً كثيرة. فإن الصَّلاةَ تبطل؛ لأن هذه الأفعال مغيِّرة لهيئة الصلاة، فاستوى فيها حال الذِّكْر وحال السهو.
o وقال آخرون لا تبطل، بناءً على القاعدة العامة المعروفة وهي: «أنَّ فِعْلَ المحظور على وجه السَّهو لا يلحق فيه إثم ولا إفساد»

أبو صهيب 24 ربيع الأول 1431هـ/9-03-2010م 08:33 PM

ü مسائل في الصلاة :
o من نابه شيء في الصلاة :
§ إذا ناب المصلي شيء في الصلاة سواء كان هذا الشيء مما يتعلَّق بالصلاة، أم مما يتعلَّق بأمرٍ خارج فإن كان :
· رجلا فحقه التسبيح أي يقول: «سبحان الله»، فإنْ انتبه المُنبَّه بمرَّة واحدة، لم يعده ، لأنه ذِكْر مشروع لسبب فيزول بزوال السبب، وإنْ لم ينتبه بأول مرَّة كرَّره؛ فيسبِّحُ ثانية وثالثة حتى ينتبه المُنبَّه.
· وأما المرأة :
o فحقها التصفيق لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «من رَابَهُ شيءٌ في صلاته فَلْيُسبِّحْ، فإنه إذا سَبَّحَ التُفِتَ إليه، وإنما التصفيق للنساء»
o وقال بعض العلماء: إذا لم يكن معها رِجَال فإنَّها تُسبِّح كالرِّجَال؛ وذلك لأن التسبيح ذِكْرٌ مشروع جنسه في الصَّلاة، بخلاف التصفيق؛ فإنه فِعْلٌ غير مشروع جنسه في الصلاة، ولجأت إليه المرأة فيما إذا كانت مع رِجَال ؛ لأن ذلك أصون لها وأبعد عن الفتنة
o والمسألة محتملة، فمَن نَظَرَ إلى ظاهر العموم قال: تُصفِّق، ومن نَظَرَ إلى ظاهر السياق قال: هذا فيما إذا كان معها رِجَال
§ كيفية التصفيق :
· تضرب بطن كفِّها على ظهر الأخرى.
· وقال بعض العلماء: بظهر كفِّها على بطن الأُخرى.
· وقال بعض العلماء: ببطن كفِّها على بطن الأُخرى، كما هو المعروف عند النساء الآن. والأمر في هذا واسع
§ إذا سَبَّح المأموم مرارا ، ولم ينتبه الإمام وربما سَبَّح به فقام؛ وسَبَّح به فجلس فقد قال بعض العلماء: يخبره بالخَلَلِ الذي في صلاته بالنُّطْقِ، فيقول: اركعْ... اجلسْ... قُمْ...ثم اختلف القائلون بهذا، هل تبطل الصَّلاةُ بذلك أم لا ؟:
· فقال بعضهم: لا تبطل؛ لأن هذا كلام لمصلحة الصَّلاة، وليس كلام آدميين واستدلُّوا بأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لمَّا قال له ذو اليدين: «بلى قد نسيتَ... قال: أكما يقول ذو اليدين؟» وهذا كلامٌ يُخاطب به الآدميين؛ لكنه كلام لمصلحة الصَّلاة
· القول الثاني: أن الصَّلاةَ تبطل إذا تكلَّم :
o لعموم قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ مِن كلامِ النَّاسِ»
o ولأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بالتَّسبيحِ ولو كان الخطابُ لمصلحة الصَّلاةِ لا يضرُّ لكان يأمر به؛ لأنه أقربُ إلى الفهم وحصول المقصود من التسبيح، فلما عَدَلَ عنه عُلِمَ أن ذلك ليس بجائز؛ لأن المصلحةَ تقتضيه لولا أنه ممتنع، ولا شَكَّ أن هذا الدليل قويٌّ
o وأما تكلَّم النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم في قصة ذو اليدين فحينها لم يكن يعلم أنه في صلاة
o ففي هذه الحال ربَّما يُقال: إذا دعت الضَّرورة يتكلَّم المُنبِّه، ثم يستأنف الصَّلاة، لأنك إذا تكلَّمتَ الآن أصلحت صلاة الجماعة كلَّها وفسدت صلاتُك، ومصلحة الجميع مقدَّمة على مصلحة الفرد
§ ويجوز أن يُنبَّه بالنَّحْنَحَةِ؛ لأنَّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان له مدخلان مِن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واحدٌ بالليل والثاني بالنهار، فإذا دخل عليه وهو يُصلِّي تَنَحْنَحَ له . فهذا طريق آخر للتنبيه.
§ وأيضاً: يجوز أن يُنبَّه بالجهر بالقراءة، والجهر بالقراءة جائز لكن أفضل شيء هو التسبيح؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ به.
§ يجوز للمُصلِّي أن يُنبِّه غير إمامه إذا أخطأ في شيء والدليل على هذا: سبب الحديث، حين قال معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة للذي عطس وحمد الله: يرحمك الله، فرمَاهُ النَّاسُ بأبصارهم منكرين قال . النبي صلّى الله عليه وسلّم في أخره للصحابة : «إذا نَابَكم شيءٌ في صلاتكم فليسبِّح الرِّجال ولتُصفق النساء». ولم ينههم النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن إنكارهم لِمَا صَنَعَ معاوية
o البصاق :
§ إذا احتاج المُصلِّي للبصاق، فإنه يبصق :
· عن يساره لأمر النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك ، ولا يبصق عن يمينه ولا أمام وجهه :
o أما كونه لا يبصق قِبَلَ وجهِهِ، فلأن الله سبحانه وتعالى قِبَلَ وجهِهِ، ولهذا لما رأى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم رَجُلاً يؤمُّ قوماً، فبصقَ في القِبْلة؛ قال حين فَرَغَ: «لا يُصلِّي لكم»، فأراد بعدَ ذلك أن يصلِّي لهم، فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكرَ ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «نعم، إنك آذيت اللَّهَ ورسولَه»
o أما عن اليمين فقد علَّلَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك «بأن عن يمينه مَلَكاً»
· أو يفعل كما أرشد إليها الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام. حيث قال : «أو يفعل هكذا»: وأخذ طرفَ رِدائه، فبزقَ فيه، وردَّ بعضَه على بعض
· أو أن يبصق تحت قدمِه؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولكن عن يساره، أو تحت قدمه اليُسرى».
§ أما في المسجد؛ فيتعيَّن أن يبصقَ في ثوبه، ولا يبصق في المسجد، لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «البُصَاق في المسجد خطيئة» لكن هذه الخطيئة إذا فَعَلَها فكفارتُها دفنُها
o السترة :
§ يُسَنُّ أن يُصلِّي المصلي إلى سُترة وقال بعض أهل العلم: إنه إذا لم يخشَ مارًّا فلا تُسَنُّ السُّتْرة. ولكن الصحيح أن سُنيَّتها عامة، سواء خشي المارَّ أم لا ، ودليل ذالك أمْرُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وفِعْلُه :
· أما أمْرُه فإن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا صَلَّى أحدُكم فَلْيَسْتَتِرْ، ولو بسهم»
· وأما فِعْلُه فقد كان النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تُرْكَزُ له العَنَزة في أسفاره فيُصلِّي إليها
§ القول الثاني أن السُّتْرة واجبة ؛ للأمر بها لكن أدلَّة القائلين بأن السُّتْرة سُنَّة وهم الجمهور أقوى، وهو الأرجح لما يلي:
· حديث أبي سعيد الخدري: «إذا صَلَّى أحدُكم إلى شيءٍ يستُره من النَّاسِ؛ فأراد أحدٌ أن يجتازَ بين يديه؛ فَلْيَدْفَعْهُ فإن قوله: «إذا صَلَّى أحدُكم إلى شيء يستره» يدلُّ على أن المُصلِّي قد يُصلِّي إلى شيء يستره وقد لا يُصلِّي
· حديث ابن عباس: «أنَّه أتى في مِنَى والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يصلِّي فيها بأصحابه إلى غير جدار»
· حديث ابن عباس «صَلَّى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في فضاء ليس بين يديه شيء وكلمة «شيء» عامة تشمل كلَّ شيء، وهذا الحديث فيه مقال قريب، لكن يؤيِّده حديث أبي سعيد، وحديث ابن عباس السابقان
· أن الأصل براءة الذِّمَّة.
§ الحكمة مِن السُّترة:
· أولاً: تَمْنَعُ نقصان صلاة المرء، أو بطلانها إذا مَرَّ أحدٌ مِن ورائها.
· ثانياً: أنَّها تحجُب نَظَرَ المصلِّي، ولا سيما إذا كانت شاخصة، فإنها تُعين المصلِّي على حضور قلبه، وحَجْبِ بَصَرِه.
· ثالثاً: أن فيها امتثالاً لأمر النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم واتباعاً لهديه
§ أما المَأموم فلا يُسَنُّ له اتِّخاذ السُّترة؛ لأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يصلّون مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يتخذ أحدٌ منهم سترة
§ المرور بين أيدي المأمومين فيه قولان لأهل العلم :
· القول الأول: أنه لا يجوز أن يمرَّ بين أيديهم. واستدلُّوا:
o بعموم الأدلة: «لو يعلم المار بين يدي المصلِّي ماذا عليه؛ لكان أن يقفَ أربعين خيراً له من أن يمرَّ بين يديه» قالوا: وهذا عام.
o وعللوا: أن الإشغال الذي يكون للإمام والمنفرد بالمرور بين أيديهما حاصل بالمرور بين يدي المأموم، وربَّما يكثر المارة فيشعر المأموم بأنه منفصل عن إمامه
· القول الثاني: أنه لا بأس بالمرور بين أيدي المأمومين واستدلُّوا:
o بفعل ابن عباس رضي الله عنهما، حينما جاء والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام يُصلِّي بالناس بمِنَى، وهو راكبٌ على حِمار فدخل في الصفِّ وأرسل الأتان ترتع، وقد مرَّت بين يدي بعض الصف، قال: ولم يُنكر ذلك عليَّ أحد
o فالصَّحيح: أن الإنسان لا يأثم، ولكن إذا وَجَدَ مندوحة عن المرور بين يدي المأمومين فهو أفضل، لأن الإِشغال بلا شَكٍّ حاصل
§ قال الشيخ رحمه الله فإن لم يجد شاخصاً فيُصلِّي إلى خطٍّ والدليل على ذلك أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «...فمَنْ لم يجدْ فَلْيَخطَّ خطًّا» . وهذا الحديث قال عنه الحافظ ابن حجر في «بلوغ المرام»: «ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حسن»
§ قطع الصلاب بمرور الحمارُ والمرأةُ والكلبُ :
· تبطل الصَّلاة إذا مر أمام المصلي الحمارُ أوالمرأةُ أوالكلبُ الأسودُ والدَّليل حديث أبي ذرٍّ، أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قامَ أحدُكم يُصلِّي، فإنه يَسْتُرُهُ إذا كان بين يديه مثلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فإذا لم يكن بين يديه مثلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فإنه يقطعُ صلاتَهُ: الحمارُ والمرأةُ والكلبُ الأسودُ» هذا هو الراجح
· والمذهب على أنه لا يبطلها إلا مرور الكلب الأسود فقط :
o أما الحِمار فخصَّصوه، بحديث ابن عباس حين جاء والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يصلِّي بالناس بمِنى، فمرَّ بين يدي بعض الصَّفِّ وهو راكبٌ على حِمار أتان، وأرسل الحِمارَ ترتع، ولم يُنكر عليه أحدٌ قالوا: فهذا ناسخ لحديث عبد الله بن مغفَّل وأبي هريرة، لأنه في آخر حياة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم
o وأما المرأة؛ فقد أخرجوها بدليلين :
§ الدليل الأول: حديث عائشة رضي الله عنها لما قيل لها: إن المرأة تقطعُ الصَّلاةَ ـ فغضبت وقالت: «قد شَبَّهْتُمُونا بالحمير والكلاب! لقد كنت أنام بين يدي النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم معترضة وهو يُصلِّي بالليل»
§ الدليل الثاني: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلِّي في بيت أُمِّ سَلَمة، فجاء عبدُ الله بن أبي سلمة أو عُمرُ بن أبي سلمة؛ يريد أن يتجاوز بين يدي الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام فَمَنَعَهُ، فجاءت زينبُ بنت أبي سَلَمة وهي طفلة صغيرة، فَمَنَعَها فلم تمتنع وعَبَرَت، فلما سَلَّمَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «هُنَّ أغلب» ولم يستأنف الصلاة . وكل ما أجابوا به فيه نظر
§ والصحيح أنه لا يستثنى من الحديث شيء بل تبطل الصَّلاة بمرور الثلاثة، ويجب أن يستأنفها، ولا يجوز أن يستمرَّ؛ حتى لو كانت الصلاة نَفْلاً لأنه لو استمرَّ لاستمرَّ في عبادة فاسدة، والاستمرار في العبادات الفاسدة محرَّم، ونوع مِن الاستهزاء بالله عزّ وجل. إذ كيف يتقرَّب إلى الله بما لا يرضاه
o التعوُّذ عند آية وعيد والسؤال عند آية رحمة :
§ أما المنفرد والإِمام فلهما أن يتعوَّذا عند آية الوعيد، ويسألا عند آية الرحمة والدليل حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه صَلَّى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فقرأ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بالبقرة، والنساء، وآل عمران، لا يمرُّ بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية وعيد إلا تعوَّذ
§ وأما المأموم ففيه تفصيل وهو:
· إن أدَّى ذلك إلى عدم الإنصات للإِمام فإنه يُنهى عنه
· وإن لم يؤدِّ إلى عدم الإِنصات فإن له ذلك
§ وله أن يفعل ذالك في النفل والفرض لأن ما ثَبَتَ في النَّفْل ثَبَتَ في الفرض إلا بدليل وعليه :
· ففي النفل ـ ولا سيما في صلاة الليل ـ يُسَنُّ له أن يتعوَّذ عند آية الوعيد، ويسأل عند آية الرحمة؛ اقتداءً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولأن ذلك أحضرُ للقلب وأبلغُ في التدبر
· وأما في صلاة الفرض فليس بسُنَّة وإنْ كان جائزاً :
o وكونه ليس بسنة لأن الصَّحابةُ الذين نقلوا صفة صلاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم ينقلوا أنه كان يفعل ذلك في الفَرْض
o وكونه جائزا ذالك أن تَرْكُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم له لا يدلُّ على تحريمه؛ لأنه أعطانا عليه الصَّلاة والسَّلام قاعدة: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء مِن كلام الناس، إنَّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» والدعاء ليس من كلام الناس، فلا يبطل الصَّلاة، فيكون الأصل فيه الجواز

أبو صهيب 25 ربيع الأول 1431هـ/10-03-2010م 06:22 PM

ü أركان الصلاة :
o الأركان :
§ الأركانُ جَمْعُ رُكن، والرُّكنُ في اللُّغة: جانبُ الشيء الأقوى وأمَّا في الاصطلاح؛ فأركان العبادة: ما تترَّكب منه العبادة، أي: ماهيَّة العبادة التي تتركَّب منها، ولا تصحُّ بدونها
§ العبادات كلَّها تتركَّب مِن أشياء قولية وفِعْلية :
· مِن هذه الأشياء المركَّبة ما لا تصحُّ بدونه في كلِّ حال، وهي الأركان
· ومنها ما لا تصحُّ بدونه في بعض الأحوال، وهي الواجبات
· ومنها ما تصحُّ بدونه في كلِّ حال، وهي المسنونات
· والدليل على هذا التفريق أنَّ العلماء رحمهم الله تتبَّعوا النصوصَ واستخلصوا منها هذه الأحكام، ورأوا أنَّ النصوصَ تدلُّ عليها، فصنَّفوها مِن أجلِ تقريب العِلْمِ لطالب العِلْمِ
o الرُّكن الأول القيام :
§ القيام ركن في الفريضة والدليل :
· من القرآن قوله تعالى: {{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}} [البقرة: 238]
· ومِن السُّنَّة قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لعمران بن حصين: «صَلِّ قائماً، فإنْ لم تستطعْ فقاعداً، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنْبٍ»
§ وأما النافلة فليس رُكناً فيها ، وإنما هو سُنّة، ودليله: فِعْلُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فقد كان يُصلِّي النَّافلةَ على راحلتِه في السَّفَر ولو كان القيامُ رُكناً فيها لم يُصلِّ على الراحلة، بل نَزَلَ وصَلَّى على الأرض، ولهذا لا يُصلِّي عليها الفريضة
§ ويجب القيامُ ولو معتمداً على عصا أو على عمود إذا لم يسطتع بدون أحدهما ويسقط عنه القيام مع عدم الاستطاعة
§ إن كان يتمكَّن من القيام بدون اعتماد لم يَجُزْ أن يعتمد على شيء؛ إلا إذا كان اعتماداً خفيفاً فلا بأس به :
· وظابط الخفيف أنه إنْ كان بحيث لو أُزيل ما استند إليه لم يسقط
· وقال بعض العلماء: إنَّ عمومَ قوله تعالى: {{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}} [البقرة: 238] . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «صَلِّ قائماً» يشمَلُ حتى المعتمدَ على شيء يسقط لو أُزيلَ
§ وضابط القيام يعتمد على انتصاب الظَّهرِ وانتصابِ الرجلين، فإذا فاتَ أحدُ الانتصابين وَجَبَ الآخر وعليه لو قُدِّرَ أن إنسانا مُنحني الظَّهْرِ فإنه يقف ولو كراكع، ولا يسقط عنه القيامُ
o الرُّكن الثاني تكبيرة الإِحرام :
§ تكبيرة الإِحرام رُكنٌ مِن أركان الصَّلاةِ، وليس شيء من التكبيرات رُكناً سواها والدليل :
· قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاته: «استقبلْ القِبلةَ وكبِّر»
· ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «تحريمُها التكبير...» (3)
§ ولا تنعقد الصَّلاةُ بدونها
o الرُّكن الثالثُ قراءة الفاتحة :
§ قراءة الفاتحة، رُكنٌ في الفَرْضِ والنَّفْل والدليل على ذلك: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ لِمَنْ لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ويُستثنى من ذالك :
o المسبوق إذا وَجَدَ الإِمامَ راكعاً، أو أدرك مِن قيام الإِمام ما لم يتمكَّن معه من قراءة الفاتحة والدليل :
§ حديث أبي بَكْرة الثَّابت في «صحيح البخاري» حيث أدركَ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم وهو راكعٌ، فأسرعَ وركعَ قبل أن يَصِلَ إلى الصَّفِّ، ثم دخلَ في الصَّفِّ، فلما انصرفَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم مِن الصَّلاةِ سأل مَنِ الفاعل؟ فقال أبو بَكْرة: أنا، فقال: «زادكَ اللهُ حرصاً ولا تَعُدْ» ولم يأمره بقضاء الرَّكعة التي أدركَ ركوعها، دون قراءتها
§ والمعنى يقتضي ذلك: لأن هذا المأموم لم يدرك القيام الذي هو محلُّ القراءة، فإذا سقط القيامُ سَقَطَ الذِّكْرُ الواجبُ فيه وهو القراءة. كما يسقطُ غَسْلُ اليد إذا قُطعت مِن فوق المرفق. فإنَّ فَقْدَ المحلِّ يستلزمُ سقوط الحال.
o وأما المأموم في الصلاة الجهرية فالصحيح أنه غير مستثنى لما يلي :
§ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
§ أما من خصص عموم الحديث بقوله تعالى: {{وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *}} [الأعراف] حيث قال الإِمام أحمد: «أجمعوا على أنَّ هذا في الصَّلاة» فالرد عليه بما يلي :
· أن هذه الآية عامَّة تشمَلُ الإنصاتَ في كلِّ مَنْ يُقرأُ عنده القرآنُ، وتخصَّص بالفاتحة، فإنه لا يسكت إذا قرأ إمامه، ويدلُّ لهذا ما رواه أهل السُّنن من حديث عُبادة بن الصَّامت رضي الله عنه قال: صَلَّى بنا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بعضَ الصَّلوات التي يُجهر فيها بالقراءة، فالتبستْ عليه القراءةُ، فلما انصرفَ؛ أقبل علينا بوجهه وقال: «هل تقرؤون إذا جهرتُ بالقراءة؟» فقال بعضُنا: إنا نصنعُ ذلك، قال: «فلا، وأنا أقول: ما لي يُنازِعُنِي القرآنُ، فلا تقرؤوا بشيءٍ مِن القرآن إذا جهرتُ؛ إلا بأمِّ القرآن» . وهذا نصٌّ في محلِّ النزاع؛ فيكون فاصلاً بين المتنازعين؛ لأنه جاء في صلاة جهرية فيؤخذ به.
· وأما قول الإمام أحمد رحمه الله: «أجمعوا على أنَّها في الصَّلاةِ» فيقول الشيخ رحمه الله : فالظاهر لي ـ والله أعلم ـ، أن مراده رحمه الله لو قرأ قارئ ليس إماماً لي فإنه لا يجب عليَّ الاستماع له، بل لي أن أقومَ وأنصرف، أو أشتغل بما أنا مشتغل به
§ وقال بعض العلماء إنَّ قراءة الفاتحة ليست رُكناً مطلقاً واستدلَّوا :
· بعموم قوله تعالى: {{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}} [المزمل: 20]
· وعموم قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي هريرة في قصةِ المسيءِ في صلاتِه: «ثم اقرأ ما تيسَّرَ معك مِن القرآن»
· ووجه الاستدلال مِن هذا الحديث: أنه في بيان الواجب، والحاجة داعية إلى بيان السُّورة المعيَّنة، ولو كانت الفاتحة واجبة لعيَّنها؛ لأن هذا الرَّجُل لم يعرف شيئاً، فهو بحاجة إلى بيانها، فلما لم يعينها في مقام الحاجة عُلِمَ أنَّها ليست بواجبة، وهذه حجَّة قويَّة
· ولكن يُجاب عنه:
o بأن هذا مجملٌ، أي: قوله: «ما تيسَّر»، وقد بيّنت النصوص أنه لا بُدَّ مِن قراءة الفاتحة، فيحمل هذا المجمل المطلق على المبين المقيَّد
o ثم إنَّ الغالبَ أن أيسر ما يكون من القرآن قراءة الفاتحة، لأنها تُقرأ كثيراً في الصلوات الجهرية فيسمعها كلُّ أحد
o ثم إنَّه قد جاء في رواية أبي داود: «ثم اقرأ بأمِّ القرآن، وبما شاء الله»
§ وقال بعض أهل العلم قراءة الفاتحة رُكنٌ في حقِّ غير المأموم، أما في حَقِّ المأموم فإنها ليست برُكن، لا في الصلاة السرِّيَّة، ولا في الصَّلاة الجهريَّة واستدلوا بقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ كان له إمامٌ فقراءةُ الإِمامِ له قراءة» إلا أن الحديث مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف، فلا تقوم به الحُجَّةُ
§ وقال بعض أهل العلم إنَّ قراءة الفاتحة رُكن في حَقِّ كُلِّ مصلٍّ؛ إلاّ في حَقِّ المأموم في الصلاة الجهرية واحتجَّوا بما يلي:
· حديث أبي هريرة أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «لما نهاهم عن القراءة مع الإِمام قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهرُ فيه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم» فهذا دليل على أن الأمر بقراءة الفاتحة منسوخٌ
· أن القراءة إذا كان الإِنسان يستمع لها قراءة له حُكماً، بدليل: أنه يُسَنُّ للمستمع المنصت إذا سَجَدَ القارئ أن يسجدَ معه، وهذا دليل على أنه كالتالي حكماً. فالمنصت المتابع للقارئ له حُكمه؛ لقوله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام: {{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا}} [يونس: 89] والدَّاعي موسى وحده ، وهارون كان يؤمِّنُ
· أنَّه لا فائدة مِن جهر الإمام بالقراءة إذا لم تَسقطْ عن المأموم، وكيف يقرأ وإمامُه قد قرأ؟ ثم كيف يقرأ وإمامُه يَجهرُ بالقراءة؟ فهذا عَبَثٌ من الحكم
· وهذه أدلَّة لا شَكَّ أنها قوية؛ لولا النصُّ الذي أشرنا إليه أولاً، وهو أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم انفتل مِن صلاة الفجر فقال: «لا تقرؤوا خلف إمامكم إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمَن لم يقرأ بها»
§ هل تجب قراءة الفاتحة في كُلِّ رَكعة :
· من أهل العلم مَن قال: إذا قرأها في رَكعة واحدة أجزأ؛ لعموم قوله: «لا صلاةَ لمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، ولم يقل في كُلِّ رَكعة، والإِنسان إذا قرأها في ركعة فقد قرأها، فتجزئ.
· ولكن الصحيح أنها في كُلِّ رَكعة ودليل ذلك ما يلي:
o أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال للمسيء في صلاته: «ثم افعلْ ذلك في صلاتِك كلِّها»
o أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم واظبَ على قراءتها في كُلِّ ركعة، وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي».
o الرُّكن الرابع الركوع :
§ الرُّكوع أن يَحْنِي ظهرَه وسبق تفصيله في صفة الصَّلاة، ودليل كونه رُكناً:
· قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}} [الحج: 77] فأمر الله بالرُّكوع. ومِن المعلوم أنه لا يُشرع لنا أن نركع ركوعاً مجرَّداً، وإذا لم يُشرع لنا الرُّكوع المجرَّد وجب حَمْلُ الآية على الرُّكوع الذي في الصلاة.
· قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاته: «ثم اركعْ حتى تطمئنَّ راكعاً»
· مواظبة النبي صلّى الله عليه وسلّم عليه في كُلِّ صلاة، وقوله: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي»
· إجماع العلماء على أنَّ الرُّكوع رُكنٌ لا بُدَّ منه
§ ويُستثنى من ذالك الرُّكوع الثاني وما بعده في صلاة الكسوف، فإنه سُنَّة، ولهذا لو صَلَّى صلاةَ الكسوف كالصَّلاة المعتادة فصلاتُه صحيحة
o الرُّكن الخامس الرفع من الركوع والاعتدال:
§ ودليل ذلك: حديث أبي هريرة في قِصَّة المسيء في صلاته أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثم ارفعْ حتى تعتدلَ قائماً»
§ ويُستثنى العاجز، فلو كان في الإِنسان مَرَضٌ في صُلبه لا يستطيع النُّهوض لم يلزمه النهوض، ولو كان الإِنسان أحدب مقوَّس الظَّهر لا يستطيع الاعتدال لم يلزمه ذلك، ولكن ينوي أنه رَفْعٌ ويقول: سَمِعَ الله لمن حمده.
o الركن السادس السجود على الأعضاء السبعة :
§ دليل على ذالك :
· قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}} [الحج: 77]
· قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاته: «ثم اسجدْ حتى تطمئنَّ ساجداً»
· مواظبة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم عليه.
§ لا بُدَّ أن يكون على الأعضاء السَّبعة، وهي: الجبهة مع الأنف، والكَفَّان، والرُّكبتان، وأطراف القدمين ودليل هذا حديث عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أُمرنا أنْ نسجدَ على سبعة أعضاء، الجَبْهة وأشار بيده إلى أنفه، والكفَّين، والرُّكبتين، وأطراف القدمين»
o الرُّكنُ السَّابعُ الاعتدال عن السجود :
§ ودليله قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاتِه: «ثم ارفعْ ـ يعني: من السجود ـ حتى تطمئنَّ جالساً»
§ والاعتدالَ رُكنٌ بنفسِه، وهو غير الجلوس ، لأنه قد يعتدلُ لسماعِ صوت مزعج، أي: يقوم بغير نِيَّةٍ ثم يجلس، فهنا حصل اعتدالٌ بدون نِيَّةٍ ثم بعدَه جلوس
o الرُّكنُ الثامنُ الجلوس بين السجدتين :
§ دليله قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاتِه: «ثم ارفعْ ـ يعني: من السجود ـ حتى تطمئنَّ جالساً» فهذا دليلٌ على أنه لا بُدَّ من الجلوس
§ وأما كيفية الجلوس فقد سَبَقَت في باب صفة الصلاة
o الرُّكن التَّاسع الطمأنينة في الكُلِّ :
§ الطمأنينة في كلِّ ما سَبَقَ مِن الأركان الفعلية ركن ودليله: أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمَّا عَلَّمَ المسيءَ صلاته كان يقول له في كُلِّ رُكن: «حتى تطمئنَّ» فلا بُدَّ من استقرارٍ وطمأنينة
§ حَدُّ الاطمئنان الذي هو رُكن :
· قال بعض أهل العلم السكون وإن قَلَّ، حتى وإن لم يتمكَّن من الذِّكْرِ الواجب.
· وقال بعض أهل العلم السُّكون بقَدْرِ الذِّكْرِ الواجب وهو الأصحُّ لأنَّ الطُّمأنينة مأخوذة من اطمأنَّ إذا تمهَّل واستقرَّ
§ الحكمة مِن الطمأنينة: أنَّ الصلاةَ عبادة، يناجي الإِنسانُ فيها رَبَّه، فإذا لم يطمئنَّ فيها صارت كأنها لَعِبٌ.
o الرُّكنُ العاشر التشهد الأخير :
§ ودليل ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كُنَّا نقول قبل أن يُفْرَضَ علينا التشهُّدُ: السَّلامُ على الله مِن عباده، السَّلامُ على جبرائيل وميكائيل، السَّلامُ على فلان وفلان» . والشاهدُ مِن هذا الحديث قوله: «قبل أن يُفْرَضَ علينا التشهُّدُ».
§ الأصلَ أن كلا التشهُّدين فَرْضٌ، لكن التشهُّدُ الأول خَرَجَ بالسُّنَّة، حيث إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم جَبَرَه لمَّا تَرَكَه بسجود السَّهو، فيبقى التشهُّد الأَخير على فرضيته رُكناً.
o الرُّكن الحادي عشر الجِلوس للتشهد :
§ جلسة التشهُّدِ الأخير رُكن، فلو فُرِضَ أنه قام من السُّجود قائماً وقرأ التشهُّد فإنَّه لا يجزئه، لأنه تَرَكَ رُكناً وهو الجِلسة، فلا بُدَّ أن يجلس
o الرُّكن الثاني عشر الصلاة على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في التشهُّدِ الأخير:
§ دليل ذلك: أنَّ الصَّحابة رضي الله عنهم سألوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا رسولَ الله؛ عُلِّمْنَا كيف نُسلِّم عليك، فكيف نُصلِّي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ» ، والأمر يقتضي الوجوب، والأصلُ في الوجوب أنَّه فَرْضٌ إذا تُرِكَ بطلت العبادة، هكذا قرَّرَ الفقهاءُ رحمهم الله دليل هذه المسألة
§ القول الثاني في المسألة أنها واجب، وليست برُكن، فتُجبر بسجود السَّهو عند النسيان. قالوا: لأن قوله: «قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدِ» محتمل للإِيجاب وللإِرشاد، ولا يمكن أن نجعله رُكناً لا تصحُّ الصلاة إلا به مع هذا الاحتمال
§ القول الثالث أنَّها ليست بواجب ولا رُكن، وهو رواية عن الإمام أحمد، وأن الإِنسان لو تعمَّد تَرْكها فصلاتُه صحيحة، لأن الأدلَّة التي استدلَّ بها الموجبون، أو الذين جعلوها رُكناً ليست ظاهرة على ما ذهبوا إليه، والأصل براءة الذِّمة. وهذا القول أرجح الأقوال إذا لم يكن سوى هذا الدليل الذي استدلَّ به الفقهاء رحمهم الله، فإنه لا يمكن أن نبطلَ العبادة ونفسدها بدليل يحتمل أن يكون المراد به الإِيجاب، أو الإِرشاد.
o الرُّكن الثالث عشر الترتيب :
§ يعني الترتيب بين أركان الصَّلاة: قيام، ثم رُكوع، ثم رَفْع منه، ثم سُجود، ثم قعود، ثم سُجود ودليل ذلك:
· أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم عَلَّمَ المسيءَ في صلاته الصَّلاةَ بقوله: «ثم... ثم... ثم...» التي تدلُّ على الترتيب.
· أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم واظبَ على هذا الترتيب إلى أن تُوفِّيَ صلّى الله عليه وسلّم ولم يُخِلَّ به يوماً مِن الأيام وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي»
· أنَّ هذا هو ظاهر قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}} [الحج: 77] فبدأ بالرُّكوع، وقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم حين أقبل على الصَّفا: «أبدأُ بما بدأ الله به» ، فتكون الآية دالَّة على أنَّ الرُّكوعَ مقدَّمٌ على السُّجودِ.
o الرُّكنُ الرابع عشر التسليم :
§ معناه أن يقول: «السَّلامُ عليكم ورحمةُ الله» ودليل ذالك قوله عائشةُ رضي الله عنها: «وكان يختِمُ الصَّلاةَ بالتَّسليم»
§ والفقهاء رحمهم الله اختلفوا في التسليم :
· المشهور من المذهب: أنَّ كلتا التسليمتين رُكنٌ في الفَرْضِ وفي النَّفْلِ
· وقيل إنَّ الثانية سُنَّة في النَّفْل دون الفَرْض.
· وقيل سُنَّة في الفَرْضِ وفي النَّفْلِ.
· وقيل إنَّ التَّسليمَ ليس مقصوداً بذاته، وأنه إذا فَعَلَ ما ينافي الصَّلاة فقد انتهت الصَّلاة
· والأقرب: أنَّ التَّسليمتين كلتاهما رُكنٌ :
o لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم واظبَ عليهما وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي»
o ولأنَّ مِن عادة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم العدل، فإذا سَلَّمَ على اليمين سَلَّمَ على اليسار، وإذا سَلَّمَ على اليمين فقط مع إمكان التَّسليم على اليسار: لم يتحقَّق ذلك
· استثنى الفقهاء رحمهم الله صلاةَ الجِنازة، فقالوا: ليس فيها إلا تسليمة واحدة فقط، ولم يقولوا: إن الثانية سُنَّة واستدلُّوا على ذلك:
o بأن الذين وصفوا صلاةَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم على الجنائز لم يذكروا التَّسليمتين
o وبأنَّ صلاةَ الجنازة ليس فيها رُكوع، ولا سُجود، ولا قُعود، ولا انتقال، بل هي مبنيَّة على التَّخفيف، ولهذا ليس فيها دُعاء استفتاح فَخُفِّفَت بتسليمة واحدة.
§ هل يكتفي قوله: «السَّلامُ عليكم» أو لا بُدَّ من التَّسليم الكامل :
· المشهور مِن المذهب، أنه لو اقتصرَ على قول: «السَّلامُ عليكم» لم يجزئ
· وقيل: يجزئ؛ لأن ما زَادَ على ذلك ليس إلا فَضْلَة؛ إذ إن التَّسليم يصدق بقول المسلِّم: «السَّلامُ عليكم»

أبو صهيب 27 ربيع الأول 1431هـ/12-03-2010م 01:39 AM

ü واجبات الصلاة :
o الفرق بين الأركان والواجبات :
§ الأركان واجبة بل وأوكد من الواجبات
§ الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ
§ الواجبات يجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به، ومن نسيَ واجباً أجزأَ عنه سُجودُ السَّهْوِ
o الأول التكبير غير تكبرة الإحرام :
§ الدليل على أن التكبيرات مِن الواجبات:
· أولاً: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كَبَّرَ الإِمامُ فكبِّروا، وإذا قال: سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه فقولوا: ربَّنا ولك الحمدُ» وهذا يدلُّ على أنه لا بُدَّ مِن وجود هذا الذِّكْرِ، إذ الأمر للوجوب.
· ثانياً: مواظبة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم عليه إلى أن مات، ما تَرَكَ التكبيرَ يوماً من الدَّهر وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي»
· ثالثاً: أنه شِعار الانتقال من رُكن إلى آخر، لأن الانتقال لا شَكَّ أنه انتقال مِن هيئة إلى هيئة، فلا بُدَّ مِن شعار يدلُّ عليه.
§ كلُّ التكبيرات غير تكبيرة واجبة وتسقط بالسَّهْوِ، ويُستثنى ما يلي:
· التكبيرات الزوائد في صلاة العيد، والاستسقاء فإنها سُنَّة
· تكبيرات الجِنازة فإنَّها أركان
· تكبيرة الركوع لمن أدرك الإِمام راكعاً فإنَّها سُنَّة
o الثاني والثالث التسميع، والتحميد :
§ أي: قول الإِمام والمنفرد: «سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَه»، والتحميد: للإِمام، والمأموم، والمنفرد
§ الدليل على ذلك :
· أولاً: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم واظبَ على ذلك، فلم يدعْ قول: «سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَه» بأيِّ حالٍ من الأحوال.
· ثانياً: أنه شعار الانتقال من الرُّكوع إلى القيام.
· ثالثاً: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قال سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَه فقولوا: ربَّنَا ولك الحمد» فعلى هذا يكون للتحميد ثلاثة أدلَّة، وللتسميع دليلان فقط
§ محلَّ التكبير والتسميع والتحميد لا بُدَّ أن يكون بين الرُّكنين ولا يُشترط استيعابُ ما بينهما ويُعفى عن السَّبْق أو التأخّر بشرط أن يكون لموضع الانتقال حظٌّ من هذا الذِّكْر
o الرابع والخامس تسبيحتا الركوع والسجود :
§ أي : يقول في الرُّكوع: «سبحان رَبِّي العظيم»، وفي السُّجود: «سبحان رَبِّي الأعلى»
§ الدليل على هذا:
· أنه: لما نَزَلَ قول الله تعالى: {{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ *}} [الواقعة] قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «اجعلوها في ركوعكم»
· وأما تسبيحة السُّجود فهي أيضاً مفسَّرة بقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «اجعلوها في سجودكم» (4) حين نَزَلَ قوله تعالى: {{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *}}
· وهذا بيانٌ مِن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لموضع هذا التسبيح، ومِن المعلوم أن بيان الرسول صلّى الله عليه وسلّم للقرآن يجب علينا أن نَرْجِعَ إليه؛ لأن أعلم الخَلْقِ بكلام الله هو رسول الله
o السادس سؤال المغفرة بين السَّجدتين مرَّة مرَّة :
§ يقول «ربِّ اغفِرْ لي» مرَّة في كُلِّ جِلسة، مرَّة في الجِلسة الأولى، ومرَّة في الجِلسة الثانية، وهكذا
§ ويُسَنُّ أن يُكَرِّرَ سؤال المغفرة ثلاث مرات والدليل:
· حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: حين ذَكَرَ أنه صَلَّى مع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فلما جَلَسَ بين السَّجدتين جَعَلَ يقول: «ربِّ اغفِرْ لي، ربِّ اغفِرْ لي»
· وكان دُعاء النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم غالباً التكرار ثلاثاً
· ويجزئ «اللَّهُمَّ اغفِرْ لي» بدل «ربِّ اغفِرْ لي»
o السابع والثامن التشهد الأول وجلسته :
§ الدليل على وجوبه :
· حديث عبد الله بن مسعود: «كنا نقول قبل أن يُفرَضَ علينا التشهُّدُ»
· وهذا دليل على ركنيته وينقله إلى الوجوب أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما نسيَ التشهُّدَ الأول لم يَعُدْ إليه وجَبَرَه بسجود السَّهو ، ولو كان رُكناً لم ينجبر بسجودِ السَّهوِ.
· والدليل على أن الأركان لا تنجبر بسجود السَّهو أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما سَلَّم مِن ركعتين مِن صلاة الظُّهر أو العصر أتمَّها وأتى بما تَرَكَ وسَجَدَ للسَّهو ، فدلَّ هذا على أنَّ الأركان لا تسقط بالسَّهو
· لا بُدَّ أن يكون التشهُّدُ كُلُّه في حال الجلوس والواجب في الجلوس أن يكون على أيِّ صفة وأما الافتراش فهو سنة

أبو صهيب 27 ربيع الأول 1431هـ/12-03-2010م 10:35 PM

ü مسائل في الشروط والأركان والواجبات والسنن :
o ما عدا ما ذكر من شروط الصلاة وأركانها وواجباتها فإنه سنن
o الفَرْقُ بين الأركان والشروط:
§ الشروط تكون خارج الصلاة، والأركان في نفس الصلاة، فهي ماهيَّة الصلاة
§ الشروط هي ما يجب للصَّلاة قبلها، وتتوقَّفُ عليها صحَّتها، كاستقبال القبلة، والطهارة، وسَتْر العورة، وما أشبه ذلك.والأركان هي أجزاء من الصلاة نفسها
o من ترك شَرْطاً غير النية :
§ إن كان لغير عذر بطلت صلاتُه مثال ذلك: صَلَّى عُرياناً وهو قادر على السَّتر
§ أما إذا تَرَكَه لعُذر صحَّت الصلاة. مثل لو صَلَّى بغير وُضُوء ولا تيمُّم لعدم القدرة عليهما
§ وأما استثناء النية فلأن النية محلُّها القلب، ولا يمكن العجز عنها، لكن يمكن النسيان فيها، مثل أن يأتي الإِنسان ليصلِّي الظُّهر، ثم يغيب عن خاطره نيةُ الظهر، وينوي العصر، وهذا يقع كثيراً . فهذا لا تصحُّ صلاته
§ ويستثنى أيضا من الأعذار ما لو صَلَّى الإِنسان قبل الوقت، وهو يظنُّ أن الوقت قد دخل فصلاته لا تجزئه عن الفرض، ويجب عليه إعادة الصلاة بعد دخول الوقت
o من تعمد ترك ركن، أو واجب بطلت صلاته :
§ مثال تَرْكِ الرُّكن: أن يتعمَّد تَرْكَ الركوع، ويسجد مِن القراءة إلى السُّجود فصلاته باطلة ولو أنه ندم وهو ساجد، ثم قام وأتى بالرُّكوع فلا ينفعه؛ لأنه بمجرد تَرْكه تبطل الصلاة، وعليه أن يعيد الصلاة من جديد.
§ ومثال تَرْكِ الواجب: لو تَرَكَ التشهُّد الأول متعمِّداً حتى قام، ثم ندم ورجع، فتبطل صلاته وإنْ رَجَعَ، لأنّه تعمَّد تَرْكه
o ما عدا أركان الصلاة وواجباتها فهي سنن إما قولية أو فعلية إن تركها :
§ فلا يُشرع أن يسجد لها وعُلِّلَ ذلك: بأنه تَرْكٌ لا تبطل به الصلاةُ، فلا يجب به السجود، وإذا لم يجب فلا دليل على مشروعيته، فلا يكون السُّجود له مشروعاً، لا على سبيل الوجوب، ولا على سبيل الاستحباب وإن سجد فلا بأس أي لا نقول إن الصلاة تبطل هذا ما قرره المذهب
§ والقول الثاني أنَّ سجودَ السَّهو مشروع لترك المسنون، سواء كان مِن سُنَنِ الأقوال أم الأفعال؛ لعموم حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا نسيَ أحدُكم فَلْيَسْجدْ سجدتين» ولأنه إذا طُلب منه السجود انتبه لفعله حتى لا يتكرَّر منه السُّجود في كلِّ صلاة؛ لأن الغالب نسيان تلك السُّنَن؛ خصوصاً مَنْ لم يُواظب عليها
§ القول الثالث فصله الشيخ رحمه الله كالآتي:
· أن الإِنسان إذا تَرَكَ شيئاً من الأقوال أو الأفعال المستحبَّة نسياناً، وكان من عادته أن يفعله فإنه يُشرع أن يسجد جَبْراً لهذا النقص الذي هو نَقْصُ كمال، لا نقص واجب؛ لعموم قوله في الحديث: «لكلِّ سهو سجدتان» ، وفي «صحيح مسلم»: «إذا نسيَ أحدُكم، فَلْيَسْجُدْ سَجدتين» فإن هذا عام،
· أما إذا تَرَكَ سُنَّة ليس من عادته أن يفعلها، فهذا لا يُسَنُّ له السُّجود، لأنه لم يطرأ على باله أن يفعلها.
o الخشوع في الصلاة :
§ ذهب بعضُ أهل العلم، إلى أن الخشوع في الصلاة واجب، وأنه إذا غَلَبَ الوسواسُ على أكثر الصَّلاةِ فإنَّها لا تصحُّ
§ ولكن الصحيح أنه سنة لما أخبر به النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بأن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله ضُرَاطٌ ـ من شِدَّة وَقْعِ الأذان عليه ـ ثم إذا فَرَغَ الأذان حضر، وإذا حضر دَخَلَ على الإِنسان في صلاته، يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، لِمَا لم يكن يذكر، حتى لا يدري كم صَلَّى فهذا الحديث نصٌّ بأن الوسواس وإنْ كَثُرَ لا يبطل الصلاة

أبو صهيب 28 ربيع الأول 1431هـ/13-03-2010م 10:09 PM

ü سجود السهو :
o مشروعيته :
§ سبب مشروعيته الزيادة والنقص والشَّكُّ
§ لا يُشرع في العمد؛ وذلك لأن العمد :
· إن كان بترك واجب أو رُكن فالصَّلاة باطلةٌ لا ينفع فيها سُجود السَّهو
· وإن كان بترك سنَّة فالصَّلاة صحيحة، وليس هناك ضرورة إلى جَبْرِها بسجود السهو، لكن ذَكَرَ بعض العلماء: أنَّ مَنْ زاد جاهلاً فإنه يُشرع له سجود السهو.
§ يُشرع في صلاة الفَرْض وفي صلاة النَّفْل إما وجوباً أو استحباباً :
· أما الفرض فظاهر
· وأما النفل فإنه لما تلبَّس بها وَجَبَ عليه أن يأتي بها على وَفْقِ الشريعة، وإلا كان مستهزئاً، وإذا كان لا يريد الصلاة فمن الأصل لا يُصلِّي
§ يشترط أن تكون الصلاة ذات ركوع وسجود، احترازاً مِن صلاة الجنازة
ü الزيادة :
o زيادة فعل من جنس الصلاة (قِيَام، أَوْ قُعُود، أَوْ رُكُوع أَوْ سُجُود) :
§ إن كان عمداً بطلت صلاتُه، ودليل هذا قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»
§ فإن كان سهواً سجد له سجدتين ودليله :
· أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمر مَنْ زاد في صلاته أن يسجدَ سجدتين
· ومن فعله: أنه صلّى الله عليه وسلّم لما صَلَّى خمساً في حديث عبد الله بن مسعود، وقيل له: صَلَّيت خمساً، ثنى رجليه فَسَجَدَ سجدتين
o زيادة ركعة :
§ من قام إلى الركعة الخامسة في الرباعية فإن :
· لم يعلم حتى فَرَغ منها _سواء علم قبل السلام أو بعد لانتهاء من الصلاة_ فإنه يسجد للسهو بعد السلام وجوباً، ودليل ذلك:
o أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما صَلَّى خمساً وأخبروه بعد السلام ثنى رجليه وسجد وسَلَّم، وقال: «إذا شَكَّ أحدكم فليتحرَّ الصوابَ، ثم لِيَبْنِ عليه» فلما سجد بعد السلام ولم ينبِّه أن محل السجود لهذه الزيادة قبل السلام؛ علم أن السجود للزيادة يكون بعد السلام.
o حديث ذي اليدين؛ فإن «النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم سلَّم من ركعتين، ثم ذكَّروه، فأتمَّ الصلاةَ وسلَّم، ثم سَجَدَ سجدتين وسلَّم» وهذا السجود لزيادة السلام في أثناء الصلاة وليس كما يتوهمه بعض الناس سجوده عن نقص حيث سلم قبل إتمام الصلاة لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتى بما بقي.
o أن الزيادة زيادة في الصلاة، وسجود السَّهو زيادة أيضاً، فكان من الحكمة أن يؤخِّرَ سجود السهو إلى ما بعد السلام؛ لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان
· وإن علم بها في الرَّكعة التي زادها :
o جلس في الحال ولا يتأخَّر حتى لو ذَكَرَ في أثناء الرُّكوع أن هذه الرَّكعة خامسة يجلس لأنه لو استمر في الزيادة مع عِلْمِهِ بها لزاد في الصلاة شيئاً عمداً، وهذا لا يجوز؛ وتبطل به الصَّلاة
o ثم يقرأ التشهُّدَ، إن لم يكن قد تشهَّد قبل أن يقوم للزيادة
o وأما السجود :
§ فظاهر كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ أنه يسجد قبل السلام وهو المذهب لأنهم لا يرون السجود بعد السلام؛ إلا فيما إذا سَلَّمَ قبل إتمامها فقط، وأمَّا ما عدا ذلك فهو قبل السَّلام
§ لكنَّ القول الرَّاجح الذي اختاره شيخ الإِسلام ابن تيمية أن السجود للزيادة يكون بعد السلام مطلقاً.
§ من قام إلى ثالثة في الفجر كمن قام إلى خامسة في الرباعية
§ من قام إلى ثالثة في صلاة مقصورة :
· إن قلنا: إن القصر واجب لزمه الرُّجوع، وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظَّاهر
· وعلى القول بأن القصر ليس بواجب نقول: إنه مخيَّر بين الإِتمام وبين الرجوع
· والصحيح: أنه يرجع؛ لأن هذا الرَّجل دَخَلَ على أنه يريد أن يُصلِّي رَكعتين فليصلِّ ركعتين ولا يزيد، وفي هذه الحال يسجد للسَّهو بعد السلام.
§ من قام إلى الثالثة في صلاة الليل ناسياً ثم تذكر يرجع، فإن لم يرجع بطلت صلاته لأنه تعمَّد الزيادة، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الليل مثنى مثنى» ولهذا نصَّ الإِمام أحمد على أنه إذا قام في صلاة الليل إلى ثالثة فكرجُلٍ قام إلى ثالثة في صلاة الفجر، لكن يُستثنى مِن هذا الوِتر، فإن الوِتر يجوز أن يزيد الإِنسان فيه على ركعتين
o تنبيه الإِمام :
§ مشروعيته :
· يشروع تنبيه الإِمام إذا زاد أو نقص وذالك بأن يُسبِّحَ مَنْ وراءه؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نابكم شيءٌ في صلاتكم فليسبِّحِ الرِّجَال ولتُصفق النساء»
o إذا نُبه الإمام فلا يخلو من حالات :
§ إن كان الذي نبهه ثقتان :
· فإن جزم بصواب نفسه أخذ به، وحَرُمَ الرُّجوعُ إلى قولهما،لأنه لو رَجَعَ إلى قولهما لَرَجَعَ وهو يعلم أن قولَهُما خطأ، فتبطل صلاتُهُ
· وإن غلب على ظنه خطؤهما فعلى كلام المؤلِّف يأخذ بقولهما والصحيح أنه لا يأخذ بقولهما
· وإن جزم بصوابهما فإنه يلزمه الرجوع إلى قولهما ، فإن لم يرجع، وهو لم يجزمْ بصواب نفسه بطلت صلاتُهُ؛ لأنه ترك الواجب عمداً، والدليل أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما ذكَّرَه ذو اليدين أنه صَلَّى ركعتين لم يرجع إلى قوله حتى سأل الصحابة فقال: «أحقٌّ ما يقول ذو اليدين؟» قالوا: نعم
· وكذالك إن ظَنِّ خطؤهما أو تساوى عنده الأمران فيأخذ بكلامهما
§ وإن سَبَّحَ به رَجُلٌ واحد فقط فلا يلزمه الرُّجوع، ودليل ذلك: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يرجع إلى قول ذي اليدين حتى سأل غيره لكن إن غلبَ على ظَنِّه صِدْقُهُ أخذ بقوله على القول بجواز البناء على غلبة الظَّنِّ، وهو الصَّحيح
§ وإن سَبَّحَ رَجُلٌ بما يدلُّ على أن الإِمام زاد، وسَبَّحَ رَجُلٌ آخر بما يدلُّ على أنه لم يزدْ فيتساقطان ويرجع إلى ما في نفسه ويبني عليه.
§ وإن سبَّحَ به مجهولان فالقول الراجح أنه يبني على غَلَبة الظَّنِّ فإن ترجَّح عنده أن اللذين سَبَّحَا به على صواب. فحينئذ له أن يرجع إلى قولهما
§ وإن نَبَّهه امرأتان بالتصفيق، يرجع ودليله :
· قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نَابَكم أَمْرٌ ـ يعني: في الصَّلاة ـ فليسبّح الرِّجَال، ولتصفق النساء»
· ولأن هذا خَبَرٌ ديني، فاستوى فيه الذكور والإِناث
· ولأنه خَبَرٌ عن عَمَلٍ تُشارِكان فيه العاملَ، فلا يمكن أن تكذبا عليه، لأنه لو أخطأ أخطأتا
§ وإن نَبَّهَه ثقتان بدون تسبيح، فحكمه كما لو نَبَّهاه بالتسبيح فيُعطى ذلك حكم التسبيح
§ ويجب على المأموم أن يُنبِّه إمامه إذا قام إلى خامسة لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نسيتُ فذكِّرُوني» والأمر للوجوب

o حال المأمومين إذا لم يرجع الإمام :
§ إذا سَبَّحَ بالإمام ثقتان، ولم يرجعْ، وهو لم يجزم بصواب نفسِه فحال المأمومين الآخرين :
· إن كان عندهم عِلْمٌ كما عند المُنبِّهَين :
o وَجَبَ عليهم أن يفارقوه ولا يجلسوا فينتظروه
o لكن إن أصر الإمام على المضي في صلاته مع تنبيهه، وغلب على ظَّنِّهم أنه ربما أخل بشيء في صلاته كأن ينسى قراءة الفاتحة في ركعة وقام ليأتي ببدل عنها فهنا لهم أن لا يفارقوه وينتظروه ليسلموا بتسليمه
· فإنْ لم يفارقوه وتابعوه؛ نظرنا:
o فإن تابعوه وهم يرون أنَّ الصَّواب معه، فالصلاة صحيحة.
o فإنْ تابعوه عمداً بطلت صلاتُهم
o وإنْ تابعوه نسياناً لم تبطل؛ وعليهم سجود السَّهو إذا كان فاتهم شيء مِن الصَّلاة
o وإنْ تابعوه جهلاً بأنها زائدة أو جهلاً بالحكم لم تبطل صلاتُهم للعُذر ودليل الجهل والنسيان،: قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286]
§ وإذا عَلِمَ غير المأموم أن مُصلِّيا زاد، كَرَجُلٍ يصلِّي إلى جانبه، فقام إلى خامسة :
· ظاهر كلام الفقهاء أنه لا يلزمه أن ينبهه إذا لم يكن إماماً له؛ لأنه لا ارتباط بينه وبين صلاته
· ولكن الصحيح أنه يجب أن ينبِّهه، كما لو رأيت شخصاً يريد أن يتوضَّأ بماء نَجِسٍ وَجَبَ عليك أن تنبِّهه، وإنْ كان لا ارتباط بينك وبينه لعموم قوله تعالى: {{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}} [المائدة: 2]
· وإذا سَبَّحَ مأموم برجل ليس معه أحد غيره فلا يرجع إلى قوله، إلا إذا صار عنده غلبة ظَنٍّ بصوابه فيعمل به
o العمل في الصلاة :
§ العمل الذي من غير جنس الصلاة :
· إن كان يسيرا صحت الصلاة ولا يشرع له سجود
· وإن كان كثيرا متوالياً لغير ضرورة :
o فإن كان متعمدا بطلت الصلاة
o وإن كان سهوا :
§ فقال صاحب الزاد: إنه يبطل الصَّلاة، يعني: لو غَفَلَ الإِنسان غَفْلة كاملةً في الصَّلاة، وتحرَّك حركات كثيرةً فتبطل الصَّلاة؛ وذلك لأنه منافٍ للصَّلاة مغيِّر لهيئتها فاستوى فيه العمد والسَّهو.
§ القول الثَّاني : أنه إذا كان سهواً فإنه لا يبطل الصَّلاة ما لم يغيِّر الصَّلاة عن هيئتها، مثل: لو سَهَا وكان جائعاً فتقدَّم إلى الطَّعام فأكل؛ ناسياً أنه في صلاة، فلما شبع ذَكَرَ أنه يُصلِّي فهذا منافٍ غاية المنافاة للصَّلاة فيبطلها.
§ الصَّحيح إن كان لا يُنافي الصَّلاة منافاة بَيِّنة، فلا يبطلها ؛ لأن القاعدة الشرعية: «أنَّ فِعْلَ المحظور يُعذر فيه بالجهل والنسيان»
§ الأكل والشرب في الصلاة :
· أما الأكل :
o إن كان كثيراً فإن الصَّلاة تبطل به عمدا وسهوا في الفَرْض والنَفْل
o وإن كان يسيرا :
§ فإن كان عمدا تبطل في الفَرْض والنَفْل
§ وإن كان سهوا لا تبطل.
· وأما الشرب :
o إن كان كثيراً فإن الصَّلاة تبطل به عمدا وسهوا في الفَرْض والنَفْل
o وإن كان يسيرا :
§ فإن كان سهوا لا تبطل
§ وإن كان عمدا فتبطل في الفرض ولا تبطل في النَفْل وعَلَّلوا ذلك بأثر ونظر:
· أما الأثر: فقالوا: إنَّ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وعن أبيه: كان يطيل النَّفْل وربما عَطِشَ فشرب يسيراً. وهذا فِعْلُ صحابي، وفِعْلُ الصَّحابي إذا لم يعارضه نصٌّ أو فعْلُ صحابي آخر فهو حُجَّة.
· وأما النَّظر: فلأن النَّفْل أخفُّ من الفَرْض، بدليل أن هناك واجبات تسقط في النَّفْل، ولا تسقط في الفَرْض، كالقيام، واستقبال القِبْلة في السفر، فإذا كان النَّفْلُ أخفَّ وكان الإِنسان ربَّما يطيله كثيراً فيحتاج للشُّرب سُمِحَ له بالشُّرب اليسير تشجيعاً له على النَّافلة
· والفرق بين الأكل والشُّرب، أن الأكل يحتاج إلى مضغ وحركات أكثر، والحاجة إليه في الصَّلاة أقلُّ. وأما الشُّرب فإنه لا يحتاج إلى ذلك، والحاجةُ إليه في الصَّلاة كثيرة
§ والقول الثاني: في أصل المسألة: أنه لا يُعفى عن يسير الشُّرب في النَّفْل عمداً؛ كما لا يُعفى عنه في الفرض، وبه قال أكثر أهل العِلْم. وعلَّلوا ذلك: أن الأصل تساوي الفَرْض والنَّفْل.
§ الاتيان بالعمل المشروع في غير موضعه :
· إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه مع الإِتيان بالقول المشروع في ذلك الموضع :
o كالقراءة في موضع القعود والتشهد في موضع القيام لم تبطل الصلاة ولم يجب له سجود
o أما القراءة في الرُّكوع أو في السُّجود :
§ قال بعض العلماء تبطل الصلاة واستدلُّوا: بأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نُهيَ أن يقرأ القرآنَ وهو راكعٌ أو ساجدٌ ، والأصل في النَّهي التحريم، وعلى هذا؛ فتكون قراءة القرآن في الرُّكوع أو السُّجود حراماً، ومعلوم أن الإِنسان إذا فَعَلَ ما يحرم في العبادة فسدت
§ لكن الجمهور قالوا: هذا ليس محرَّماً بعينه، لكنه محرَّم باعتبار موضعه، فالأصل أن القراءة غير محرَّمة في الصَّلاة بل مشروعة في موضعها، لكن النَّهي عن كونها في هذا الموضع فقط، فلم يكن ذلك مبطلاً للصَّلاة، وهذا هو الرَّاجح، أعني: أنها لا تبطل.
· إن أتى بمستحب في غير موضعه :
o فإن كان فعلا كرَفَعَ اليدين في الانحدار إلى السجود ناسياً فلا يُشرع له السُّجود؛ لأنه إذا لم يُشرع السُّجود لتركه وهو نقص في ماهيَّة الصَّلاة؛ فلا يُشرع لفعله مِن باب أَوْلَى، لكنه لا يبطل الصلاة؛ لأنه من جنسها
o وإن كان قولا فيُسنُّ له أن يسجد للسَّهو، كما لو قال: «سبحان رَبِّيَ الأَعلى» في الرُّكوع، ثم ذَكَرَ فقال: «سبحان رَبِّي العظيم»
o والتفريق بين القول والفعل هو المذهب ولا دليل عليه

أبو صهيب 30 ربيع الأول 1431هـ/15-03-2010م 09:02 PM

ü تابع سجود السهو (الزيادة) :
o السلام قبل تمام الصلاة :
§ إذا سَلَّم قبل إتمام الصلاة :
· إن كان عمداً بقصد الخروج منها بطلت؛ لأنه على غير ما أمر الله به ورسوله، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»
· وإنْ كان سهواً :
o فإن ذَكَرَ قريباً :
§ وظن أنّها تمَّت ، أتمَّها وسَجَدَ ودليل ذالك حديث أبي هريرة أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى ذات يوم صلاة الظُّهر أو العصر، فَسَلَّم من ركعتين فقال له «ذو اليدين» : يا رسول الله أَنسيتَ أم قُصِرَت الصَّلاة؟ فقال: «لم أنسَ ولم تُقصَر!» ثم التفت إلى النَّاس وقال: «أحقٌّ ما يقول ذو اليدين؟» قالوا: نعم. فتقدَّم فَصَلَّى ما تَرَكَ، ثم سَلَّم، ثم سجد سجدتين ثم سَلَّم
§ أما إذا سَلَّمَ على أنها تمَّت ؛ بناءً على أنه في صلاة أخرى لا تزيد على هذا العدد، مثل: أن يُسلِّم مِن ركعتين في صلاة الظُّهر؛ بناءً على أنَّها صلاة فجر، فهنا لا يبني على ما سَبَقَ، لأنه سَلَّم على اعتقاد أن الصَّلاة تامَّة بعددها، وأنه ليس فيها نقص، فيكون قد سَلَّمَ من صلاة غير الصَّلاة التي هو فيها، ولهذا لا يبني بعضها على بعضٍ
§ ويُشترط مع ذكره قريباً أن لا يفعل ما ينافي الصلاة مثل: أن يُحْدِث لأنه إذا أحدث تعذَّر بناءُ بعض الصَّلاة على بعض؛ لانقطاعها بالحَدَث.
o وإن طال الفصل استئناف الصَّلاة . وطول الفصل مرجعه العرف
§ لو ذَكَرَ وهو قائم، فهل يبني على قيامه ويستمر، أم لا بُدَّ أن يقعد ثم يقوم ؟:
· قال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ: لا بُدَّ أن يقعد، ثم يقوم؛ لقول ذي اليدين: «فَصَلَّى ما تَرَكَ» وهو قد تَرَكَ القيام من القعود، فلا بُدَّ أن يأتي بالقيام من القعود، وهذا مبنيٌّ على أن النهوضَ نفسَه ركنٌ مقصودٌ.
· وقيل: إنَّ النهوض ليس رُكناً مقصوداً، ولكنه مِن أجل أن يكون قائماً، وبناءً على ذلك لا يلزمه أن يجلس ثم يقوم ولكن ما ذَكَرَه الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أحوط
o الكلام بعد السلام الذي يكون قبل تمام الصلاة :
§ وإن تكلم لمصلحة الصلاة :
· فإن كان الكلام يسيراً كفعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم والصَّحابة رضي الله عنهم حين قال: «أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم. ومراجعة ذي اليدين له. فهنا لا تبطل
· وإن كان كثيراً فعلى قول صاحب الزاد تبطل والصحيح أنها لا تبطل
§ وإن تكلم لغير مصلحة الصلاة ولو كان الكلام يسيراً، وكان الزَّمن قصيراً :
· فإنها تبطل لأنه فَعَلَ ما ينافي الصَّلاة، فهو كما لو أحدث
· والصحيح: أن الصَّلاة لا تبطل بذلك، لأنه إنما تَكلَّم بناءً على أن الصَّلاة قد تمَّت فيكون معذوراً
§ القول الثالث: أنَّ الصَّلاة تبطل بالكلام؛ ولو يسيراً سواء كان لمصلحة الصلاة أو لغير مصلحتها إذا سَلَّم ناسياً، لأنه فَعَلَ شيئاً ينافي الصَّلاة فلا تصحُّ معه
o ما يصدر من الأصوات أثناء الصلاة :
§ القهقهة وهو الضَّحك المصحوب بالصَّوت :
· فإذا ضحك بصوت بطلت صلاتُه ، لمنافاتها للصَّلاة تماماً؛ لأنها أقرب إلى الهزل مِن الكلام
· وإنْ قهقه مغلوباً على أمره فإن صلاته على القول الرَّاجح لا تبطل، كما لو سَقَطَ عليه شيء فقال بغير إرادة منه «أح»
§ النَّفخ :
· إن نفخ فبان حرفان بطلت صلاتُه، لأنه تكلَّم مثل: أن يقول: «أف» يرفع صوته بها
· لكن الشيخ يقول إن كان عَبَثاً أبطل الصَّلاة؛ لأنه عَبَثٌ، وإنْ كان لحاجة فإنه لا يُبطل الصَّلاة، ولو بان منه حرفان، لأنه ليس بكلام مثل أن ينفخ الإِنسان حشرة دَبَّتْ على يده لإزالتها
§ النَّحيب وهو رَفْعُ الصوت بالبكاء:
· إذا انتحاب من غير خشية الله تعالى فبان حرفان بطلت صلاتُه مثل: أن يأتيه الخَبَرُ وهو يُصلِّي بأن فلاناً مات فينتحبُ . هذا ما قرَّره صاحب الزاد
· والصحيح: أنه إذا غلبه البكاء حتى انتحب لا تبطل صلاتُه؛ لأن هذا بغير اختياره، سواء كان مِن غير خشية الله كما سَبَقَ، أم من خشية الله
§ التنحنح :
· إذا تنحنح لغير حاجة _والحاجة تشمل القاصرة والمتعدية_ فبان حرفان فإن صلاته تبطل والدَّليل على جواز التَّنحنح للحاجة، ولو بَانَ حرفان حديث عليٍّ رضي الله عنه أنه كان له مدخلان يدخل فيهما على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا دَخَلَ عليه وهو يُصلِّي تنحنح له إشارة إلى أنه مشغول بصلاته
· والقول الراجح: أن الصَّلاة لا تبطل بذلك، ولو بَانَ حرفان؛ لأن ذلك ليس بكلام، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إنما حَرَّم الكلام. اللَّهُمَّ إلا أن يقع ذلك على سبيل اللعب، فإن الصلاة تبطل به؛ لمنافاته الصلاة فيكون كالقهقهة
§ العطاس والتثاؤب :
· لا تبطل به الصلاة لأنه مغلوبٌ عليه وليس باختياره لكن في التثاؤب ينبغي أن يكظم ما استطاع ، فإن لم يستطع وَضَعَ يده على فَمِهِ
· وأما إذا انساب وراء التثاؤب حتى يُسمع له صوتاً «ها، ها» وكذالك لو تقصَّد أن يكون عطاسه شديداً، وبان حرفان؛ بطلت صلاتُه على قاعدة المذهب؛ لأن هذا ليس مغلوباً على أمره.
o ملخص الزيادات في الصلاة :
§ الزيادة في الصلاة إما زيادة قول أو زيادة فِعْلٍ :
· زيادة القول إما أن تكون مِن جنس الصَّلاة، أو من غير جنسها :
o الزيادة من غير جنس الصلاة :
§ إنْ كانت عمداً تبطل الصَّلاة
§ وإن كانت سهواً أو جَهْلاً:
· فعلى المذهب تبطل لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن هذه الصَّلاة لا يصلُحُ فيها شيءٌ من كلام الناس»
· والصَّحيح: أنها لا تبطل الصَّلاة إنْ كانت سهواً أو جهلاً
o الزيادة من جنس الصلاة :
§ إن كان مما يخرج به من الصَّلاة وهو السَّلام :
· فإن كان عمداً بطلت
· وإن كان سهواً أتمَّها وسَجَدَ للسَّهو بعد السَّلام
§ وإن كان مما لا يخرج به من الصَّلاة، كما لو زاد تسبيحاً في غير محلِّه، فهذا يُشرع له السُّجود ولا يجب
· زيادة الأفعال :
o فإن كانت من غير جنس الصَّلاة فقد سَبَقَ أن أقسامها خمسة، (راجع الحركة في الصَّلاة من مباحات الصلاة)
o وإن كانت من جنس الصَّلاة :
§ فإن كانت تغير هيئة الصَّلاة، كالرُّكوع والسُّجود والقيام والقعود، فإنْ كان متعمِّداً بطلت، وإلاَّ؛ لم تبطل، وسَجَدَ للسَّهو.
§ وإن كانت لا تغير هيئة الصَّلاة، كما لو رَفَعَ يديه إلى حذو منكبيه في غير موضع الرَّفع، فإن الصَّلاة لا تبطل به، لأن ذلك لا يُغَيِّرُ هيئة الصَّلاة ولكن يُشرع له السُّجود على القول الرَّاجح.

أبو صهيب 1 ربيع الثاني 1431هـ/16-03-2010م 03:29 PM

ü تابع سجود السهو :
ü النقص :
o نقص الأركان :
§ فإن كان تكبيرة الإِحرام لم تنعقد الصلاة سواء تَرَكَها عمداً أم سهواً، لأن الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإِحرام
§ وإن كان غير التحريمة :
· وتذكره قبل السلام :
o فإن ذكره _أي الركن المتروك_ بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت _أي صارت لغوا_ الركعة التي ترك فيها الركن وقامت التي بعدها مقامها
o وإن ذكره قبل شروعه في قراءة الرَّكعة التي تلي المتروك منها، فإنه يعود إلى الرُّكن المتروك فيأتي به وبما بعده.. هذا هو تفصيل المذهب
§ مثال ذلك: رَجُلٌ يُصلِّي فلما سَجَدَ السُّجود الأول في الرَّكعة الأُولى، قام إلى الرَّكعة الثانية، وشرع في قراءة الفاتحة، ثم ذَكَرَ أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة؛ فَتَرَكَ جلوساً وسجدة، أي: ترك رُكنين، فنقول له: يحرم عليك أن ترجع؛ لأنك شرعت في ركن مقصود من الرَّكعة التي تليها، فلا يمكن أن تتراجع عنها، لكن تلغي الرَّكعة السَّابقة، وتكون الرَّكعة التي بعدها بدلاً عنها.
§ وإذا ذَكَرَ حين قيامه وقبل أن يقرأ أنه لم يسجد في الرَّكعة الأولى إلا سَجْدَة واحدة. فيلزمه الرُّجوع، فيجلس جلسة ما بين السَّجدتين، ثم يسجد ثم يقوم للثانية
o والقول الثاني: أنها لا تبطل الركعة التي ترك الركن منها، إلا إذا وَصَلَ إلى محلِّه في الرَّكعة الثانية، وبناء على ذلك يجب عليه الرُّجوعُ ما لم يَصِلْ إلى موضعه من الرَّكعة الثانية. فإنْ وَصَلَ إلى محلِّه مِن الرَّكعة الثانية، فإنه لا يرجع؛ لأن رجوعه ليس له فائدة، حيث أنه سيرجع إلى نفس المحل، وعلى هذا؛ فتكون الرَّكعة الثانية هي الأُولى، ويكون له ركعة مُلفَّقَة مِن الأُولى ومِن الثانية ، وذلك لأن ما بعد الرُّكن المتروك إذا لم يصل إلى محله من الركعة الأخري يقع في غير محلِّه لاشتراط الترتيب وإذا كان في غير محلِّه فإنه لا يجوز الاستمرار فيه . وهذا القول هو الصحيح
§ في المثال الذي ذكرنا، لمَّا قام إلى الثانية؛ وشَرَعَ في قراءة الفاتحة؛ ذَكَرَ أنه لم يسجد في الركعة الأُولى، فنقول له: ارجعْ واجلسْ بين السَّجدتين، واسجدْ، ثم أكمل.
§ وأما إذا قام من السَّجدة الأولى في الرَّكعة الثانية وجَلَسَ؛ ثم ذَكَرَ أنه لم يسجد في الرَّكعة الأولى إلا سجدة واحدة، فلا يرجع إلى الرَّكعة الأولى، لأنه لو رَجَعَ فسيرجع إلى المكان نفسه الذي هو فيه وعليه فيعتبر الثانية هي الأولى.
· التذكر بعد السلام :
o إن عَلِمَ بالرُّكن المتروك بعد أن سَلَّمَ فكتركه رَكعة كاملة ، وعلى هذا؛ فيأتي برَكعة كاملة، ثم يتشهَّدُ ويسجد للسَّهو ويُسلِّمُ، إما بعده أو قبله، حسب ما سيأتي إن شاء الله.
§ مثال ذلك: رَجُلٌ صَلَّى، ولما فَرَغَ من الصَّلاة ذَكَرَ أنه لم يسجد في الرَّكعة الأخيرة إلا سجدة واحدة، فيأتي بركعةٍ كاملةٍ، هذا ما قرّره المؤلِّف ووجه ذلك:
· أنه لما سَلَّمَ امتنع بناءُ الصَّلاة بعضها على بعضٍ فتبطل الرَّكعة كلُّها، ويأتي بركعة كاملة
· ولأن تسليمه بعد التشهُّد يشبه ما إذا شَرَعَ في قراءة الرَّكعة التي تليها.
o والقول الثاني إنه :
§ إن كان من رَكعة قبل الأخيرة أتى بركعة كاملة
§ وإنْ كان من الأخيرة أتى بما تَرَكَ وبما بعده، لأن ما قبل المتروك وَقَعَ في محلِّه صحيحاً، ولأجل الترتيب
§ وعلى هذا ففي المثال الذي ذكرنا نقول لهذا الرَّجُل: ارجعْ واجلسْ بين السجدتين، واسجدْ السَّجدة الثانية، ثم اقرأ التشهُّدَ، ثم سَلِّمْ، ثم اسجدْ للسَّهو وسلِّمْ، وهذا القول هو الصَّحيح.
o نقص الواجبات :
§ إذا ترك واجباً ناسياً كالتشهُّدِ الأول ونَهَضَ، فلا يخلو من حالات :
· الأُولى أن يذكره بعد أن ينهض، أي: بعد أن تفارق فخذاه ساقيه، وقبل أن يستتمَّ قائماً، ففي هذه الحال يجلس ويتشهَّد، ويتم صلاته، ويسجد للسَّهو.
· الثانية أن يذكره بعد أن يستتمَّ قائماً، لكن قبل أن يشرع في القراءة :
o فيكره الرجوع؛ لأنه انفصل عن التشهُّدِ تماماً، حيث وَصَلَ إلى الرُّكن الذي يليه . هذا هو المذهب
o وقال بعض العلماء يحرم عليه الرُّجوع إذا استتمَّ قائماً، سواءٌ شرعَ في القِراءة أم لم يشرعْ؛ لأنه انفصلَ عن محلِّ التشهُّد تماماً. وهذا أقرب إلى الصَّواب.
· الثالثة أن يذكره بعد الشُّروع في قراءة الرَّكعة التي تليها: فيحرم عليه الرُّجوع . وفي كلِّ الأحوال الثلاث عليه السجود
· الرابعة أن يذكره قبل أن ينهض، أي: تأهَّب للقيام، ولكن قبل أن ينهض وتفارق فخذاه ساقيه ذَكَرَ أنه لم يتشهَّد فإنه يستقرُّ . فهذه لا توجب سجود السَّهو لعدم الزيادة وعدم النقص
ü الشك :
o قواعد في الشك :
§ القاعدة الأولى: إذا كان الشكُّ بعد انتهاء الصَّلاة، فلا عِبْرَة به إلا أن يتيقن النقص، أو الزيادة
§ القاعدة الثانية: إذا كان الشَّكُّ وهماً، أي: طرأ على الذِّهن ولم يستقر، كما يوجد هذا في الموسوسين، فلا عِبْرَة به أيضاً، فلا يلتفت إليه، والإِنسان لو طاوع التوهم لتعب تعباً عظيماً
§ لقاعدة الثالثة: إذا كَثُرت الشُّكوك مع الإِنسان حتى صار لا يفعل فِعْلاً إلا شَكَّ فيه، فهذا أيضاً لا عِبْرَة به؛ لأن هذا مرض وعِلَّة
§ المقصود بالشَّكِّ في هذا الباب إذا كان خالياً من هذه الأمور الثلاثة وهو أربعة أقسام :
o الأول الشَّكُّ في عدد الرَّكعات :
§ إذا شك في عدد الركعات أخذ بالأقل ولا فَرْقَ في المذهب بين أن يكون لديه ترجيح أو لا فلو شَكَّ هل صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً؟ فيجعلها ثلاثاً، أو هل صَلَّى ثلاثاً أم اثنتين؟ يجعلها اثنتين. أو هل صَلَّى اثنتين أم واحدة؟ يجعلها واحدة :
· والدليل: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا شَكَّ أحدُكُم في صلاته؛ فلم يَدْرِ كم صَلَّى؛ ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ على ما استيقنَ، ثم يسجدُ سجدتين قبل أنْ يُسلِّمَ»
· والتعليل: لأن الناقص هو المتيقَّن، والزائد مشكوك فيه، والأصل عدمه، والقاعدة: «أن ما شُكَّ في وجوده فالأصل عدمه»
§ القول الثَّاني في المسألة: أنه إذا شَكَّ وترجَّحَ عنده أحد الأمرين أخذ بالمترجِّح، سواء كان هو الزائد أم النَّاقص. والدليل حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال فيمن شَكَّ فتردَّدَ هل صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً قال: «... فَلْيَتَحَرَّ الصَّوابَ، فَلْيُتِمَّ عليه ـ يبني على التحري ـ ثم ليُسَلِّم، ثم يسجد سجدتين»
§ هذا الحديث مع الحديث الأول يدلُّ على أن الشَّاكَّ له حالان:
· الأولى: حال يمكن فيها التَّحري، وهي التي يغلب فيها الظَّنُّ بأحد الأمرين. فيعمِل به، ويبني عليه، ويسجد سجدتين بعد السَّلام
· الثانية: حال لا يمكن فيها التَّحري، وهي التي يكون فيها الشَّكُّ بدون ترجيح فيأخذ بالأقل، ويبني عليه، ويسجد قبل السَّلام
§ شك الإِمام و المأموم والمنفرد :
· فَرَّقَ بعض العلماء بين الإِمام وغيره، وقالوا الإِمامُ يأخذ بغالب ظَنِّهِ، وأما المأموم والمنفرد فيبني على اليقين، وهو الأقل ، ووجه الفرق على رأيهم أن الإِمام عنده من يُنبِّهه لو أخطأ، بخلاف غيره
· لكن حديث ابن مسعود السابق يدلُّ على أنه يبني على غالب ظَنِّهِ، سواء كان إماماً، أم مأموماً، أم منفرداً
§ مسألة : لو بَنَى على اليقين، أو على غالب ظَنِّه، ثم تبيَّنَ أنه مصيب فيما فَعَلَ فللعلماء في هذا قولان:
· القول الأول: أنه لا يلزمه أن يسجد :
o لأنه تبيَّنَ عدم الزيادة والنقص، والسُّجود إنما يجب جَبْراً لما نَقَصَ، وهنا لم ينقص شيئاً ولم يزد شيئاً
o والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فلم يَدْرِ كم صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً» وهذا الرَّجُل يدري كم صَلَّى فلا سُجود عليه.
· القول الثاني: أن عليه السُّجود :
o لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «فلم يدرِ كم صَلَّى» وهذا لأجل أن يبني على ما عنده، وظاهره أنه لو درى فيما بعد فإنه يسجد لقوله: «فإنْ كان صَلَّى خمساً شفعن له صلاته، وإنْ كان صَلَّى إتماماً لأربعٍ، كانتا ترغيماً للشَّيطان» .
o ولأنه أدَّى هذه الرَّكعة وهو شاكٌّ، هل هي زائدة أم غير زائدة؟ فيكون أدَّى جزءاً من صلاته متردِّداً في كونه منها فيلزمه السُّجود.
o وهذا القول دليله وتعليله قويٌّ، وفيه أيضاً ترجيح من وجه ثالث، وهو الاحتياط.
o الثاني الشكُّ في تَرْكِ ركن :
§ إذا شَكَّ هل فَعَلَ الرُّكن أو تَرَكَه، كان حكمه حكم مَنْ تركه.
· مثاله: قام إلى الرَّكعة الثانية؛ فَشَكَّ هل سَجَدَ مرَّتين أم مرَّة واحدة؟
o فإن شرع في القراءة فلا يرجع، وقبل الشُّروع يرجع.
o وعلى القول الرَّاجح: يرجع مطلقاً، ما لم يصل إلى موضعه مِن الرَّكعة التالية، فيرجعْ ويجلسْ، ثم يسجد، ثم يقوم، لأن الشَّكَّ في تَرْكِ الرُّكن كالتَّرك.
o وكان الشَّكُّ في تَرْكِ الرُّكن كالتَّرك؛ لأن الأصل عدمُ فِعْله، فإذا شَكَّ هل فَعَلَه، لكن إذا غلب على ظَنِّه أنه فَعَلَه؛ فعلى القول الرَّاجح وهو العمل بغلبة الظَّنِّ يكون فاعلاً له حكماً ولا يرجع؛ لأننا ذكرنا إذا شَكَّ في عدد الركعات يبني على غالب ظَنِّهِ، ولكن عليه سجود السَّهو بعد السلام.
o الثَّالث الشَّكُّ في تَرْكِ الواجب :
§ إذا شَكَّ في تَرْكِ الواجب بعد أن فارق محلَّه فيه قولان :
· القول الأول أن الشَّكَّ في تَرْكِ الواجب كتركه، وعليه سجود السَّهو؛ لأنه شَكَّ في فعله وعدمه، والأصل عدم الفعل فيسجد
· القول الثاني لا سجود عليه؛ لأنه شَكَّ في سبب وجوب السُّجود وهو تَرْك التشهُّد، والأصل عدم وجود السبب فينتفي عنه وجوب السُّجود وهذا هو المذهب.
· ولكن التعليل الأول أصحُّ، وهو أن الأصل عدم الفعل، وهذا الأصل سابق على وجوب سجود السَّهو فنأخذ به.
· وإذا أخذنا بالقول الرَّاجح ، وهو اتباع غالب الظَّنِّ فإذا غلب على الظَنّ فعل الواجب فلا سجود ، وإن غلب على الظَنّ عدم فعل الواجب فيجب السُّجود، والسُّجود هنا يكون قبل السَّلام؛ لأنه عن نقص، وكلُّ سجود عن نقص فإنه يكون قبل السَّلام.
o الرابع الشكُّ في الزيادة :
§ الحال الأولى: إذا شَكَّ في الزيادة، ثم تيقَّنها فيجب عليه السُّجود؛ لأجل الزيادة.
§ الحال الثانية: إذا شَكَّ في الزيادة حال فِعْلِ الزِّيادة ثم تبيَّن عدمها فيجب عليه السُّجود على المذهب ؛ لأنه أدَّى هذه الرَّكعة متردِّداً في كونها زائدة أو غير زائدة.
§ الحال الثالثة: إذا شَكَّ في الزِّيادة بعد انتهائه فلا سُجود عليه؛ لأنه شَكَّ في سبب وجوب السُّجود والأصل عدمه.

أبو صهيب 2 ربيع الثاني 1431هـ/17-03-2010م 04:34 PM

ü تابع سجود السهو:
o حال المأموم مع إمامه في سجود السهو :
§ يجب على المأموم أن يسجد تبعاً لإِمامه ، سواء سها _أي المأموم_ أم لم يسهُ ولا يلزمه إذا لم يسجد :
· لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنما جُعل الإِمام ليؤتمَّ به فلا تختلفوا عليه»
· ولأن سجود السَّهو واجب، وليس برُكن، والواجب يسقط عن المأموم من أجل متابعة الإِمام، وذلك في عدَّة صُور:
o منها: لو قام الإِمامُ عن التشهُّدِ الأول ناسياً سَقَطَ عن المأموم.
o ومنها: لو دخل المأمومُ مع الإِمام في ثاني ركعة في رباعية سَقَطَ عن المأموم التشهُّد الأول؛ لأنَّ التشهُّد الأول يقع لهذا المأموم في الرَّكعة الثالثة للإِمام
§ متى يسجد المأموم :
· إن فاته شيء مِن الصَّلاة، ولزمه الإِتمام بعد سلام إمامه؛ لزمه سجود السَّهو إنْ سها سهواً يوجب السُّجود، لأنه إذا سَجَدَ لا يحصُل منه مخالفة لإمامه :
o مثاله رجُلٌ نسيَ أن يقول: «سبحان رَبِّي العظيم» في الرُّكوع وقد أدرك الإِمام في الرَّكعة الثانية، فهذا النسيان يوجب عليه سُجود السَّهو؛ لأنه تَرَكَ واجباً وقد فاته شيء من الصَّلاة، فإذا قام وأتى بالرَّكعة التي فاتته وجب عليه أن يسجد للسَّهو عن تَرْكِ الواجب
· فإن لم يفته شيء من الصلاة فلا يسجد :
o مثاله رَجُلٌ نسيَ أن يقول: «سبحان ربِّي العظيم»، ولم يفته شيء من الصَّلاة؛ فيسقط عنه سجود السَّهو
· إذا سجد الإمام للسهو:
o فإن لم يكن قد فات المأموم شيء من الصلاة لزم متابعة إمامه سواء كان السجود قبل السلام أم بعده
o فإن فاته شيء من الصلاة :
§ فإن كان السجود قبل السلام فيجب متابعته أيضا
§ وإن كان السجود بعد السلام :
· فالمعروف عند الفقهاء أنه يلزمه السجود حتى قالوا: إذا قام ولم يستتمَّ قائماً لزمه الرُّجوع، كما لو قام عن التشهُّدِ الأول
· والصَّحيح في هذه المسألة: أن الإِمام إذا سَجَدَ بعد السَّلام لا يلزم المأموم متابعته ؛ لأن المتابعة حينئذ متعذِّرة
· المسبوق الذي سجد إمامه بعد السلام إذا أتمَّ صلاته :
o فإن كان سهو الإِمام فيما أدركه من الصَّلاة وجب عليه أن يسجد بعد السَّلام.
o وإن كان سهو الإِمام فيما مضى من صلاته قبل أن يدخل معه لم يجب عليه أن يسجد.
· إذا كان المأموم مسبوقاً وسَهَا في صلاته، والإِمام لم يسهُ فعليه سجود السَّهو إذا كان سهوه مما يوجب السُّجود؛ لأنه انفصل عن إمامه، ولا تتحقَّق المخالفة في سجوده حينئذ
· اختلاف الإمام والمأموم في وجوب سجود السهو :
o لو كان الإِمامُ لا يرى وجوب سجود السَّهو، والمأموم يرى وجوبه فيجب على المأموم متابعة إمامه ولا يسجد لأن إمامه يرى أنه لا سجود عليه، وصلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإِمام، وهو لم يحصُل منه خلل، فالمأموم يجب أن يتابع الإِمام، وقد قام بما يجب عليه.
o أما لو كان الإِمام يرى وجوب سجود السَّهو وسَبَّح به للسُّجود، ولكنه لم يسجد، فقال الفقهاء رحمهم الله يسجد المأموم إذا أيسَ من سجود إمامه، لأن صلاته مرتبطة بصلاة الإِمام، والإِمام فَعَلَ ما يوجب السُّجود، وتَرَكَ السُّجود من غير تأويل، فوجب على المأموم أن يجبر هذا النقص ويسجد
· مسألة: إذا جاء المأموم والإِمام راكع فكبّر للإحرام، ثم رَكَعَ، ثم أشكل عليه: هل أدرك الإِمام في الرُّكوع، أم رَفَعَ الإِمام قبل أن يدركه؟
o فعلى ما مشى عليه المؤلِّف لا يعتدُّ بالركعة ؛ لأنه شَكَّ هل أدركها أم لا؟ فيبني على اليقين، وهو أنه لم يدركها، فيُلغي هذه الرَّكعة.
o وعلى القول الثَّاني: وهو العمل بغلبة الظَّنِّ، نقول:
§ إن غلب عل ظنه أنه أدركها فتحسب ، ولا يسجد إذا كان لم يفته شيء من الصَّلاة، وإنْ فاته شيء من الصَّلاة وَجَبَ عليه أن يسجد بعد السلام.
§ وإن غلب عل ظنه أنه لم يدركها لا تحتسب الرَّكعة ويتمَّ صلاته ثم يسجد للسَّهو بعد السَّلام
§ وإن قال: إني متردِّدٌ ولم يغلب على ظنِّي أني أدركتها قلنا: ابْنِ على اليقين، ولا تحتسبها، وأتمَّ صلاتك، واسجد للسَّهو قبل السَّلام
o الضَّابط فيما يجب سجود السَّهو له وما لا يجب :
§ سجود السَّهو واجب لكل شيء يبطل الصَّلاة عمده ويشمل ذالك الأركان والواجبات :
· أما الأركان فتركها سهوا يوجب سجود السَّهو، مع الإِتيان بما ترك، وقد تقدَّم ماذا يصنع في تَرْكِ الرُّكن
· وأما الواجبات فتسقط بالسهو ويجب السجود لها
· وأما السنن :
o إن تركها نسياناً فيُسَنُّ لها السُّجود إن كان من عادته أن يأتي بها :
§ لأنه قول مشروع فيجبره بسجود السَّهو
§ ولا يكون سجود السَّهو واجباً، لأن الأصل الذي وَجَبَ له السُّجود ليس بواجب، فلا يكون الفرع واجباً
o وإن تَرَكَها عمداً فهنا لا يُشرع له السُّجود؛ لعدم وجود السَّبب، وهو السَّهو
§ ما يبطل الصلاة بتعمده يشمل الفِعْل والترك شرط أن يكون مِن جنس الصَّلاة
§ لو قرأ الإنسان القرآن وهو راكعٌ أو ساجدٌ نسياناً :
· جمهور أهل العلم لا يرون وجوب السجود؛ لأنَّهم لا يرون بُطلان الصَّلاة بتعمُّد القراءة في الرُّكوع، والسُّجود
· وقال بعض العلماء وبعض الظَّاهرية: إذا تعمَّد القراءة في الرُّكوع والسُّجود بطلت صلاتُه لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا؛ وإنِّي نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً» ومثله كما لو تكلَّم، قال زيد بن أرقم: «أُمرنا بالسُّكوت ونُهينا عن الكلام» وهو دليل قويٌّ لكنه عند التأمل نجد الفَرْق بين النهيين حيث أنَّ النهيَ عن قراءة القرآن نهيٌ عن قراءته في هذا المحلِّ؛ لا عن قراءته مطلقاً بخلاف كلام الآدميين؛ فإنه منهيٌّ عنه لذاته نهياً مطلقاً، فصار القياس غير صحيح
o تغيير موضع السجود :
§ كون السُّجود قبل السَّلام أو بعدَه على سبيل الأفضلية، وليس على سبيل الوجوب ، والأفضل: أن يسجد قبل السَّلام، إلا إذا سَلَّمَ قبل إتمام الصَّلاة، فالأفضل: أن يسجد بعد السَّلام، هذه قاعدة المذهب
§ القول الثاني: أنَّ كون السُّجود قبل السَّلام أو بعدَه على سبيل الوجوب، وهذا اختيار شيخ الإِسلام، وهو الرَّاجح واستدلَّ لذلك بقول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم وفِعْلِه:
· أما قوله: فإنه يقول: «ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم» فيما قبل السَّلام، ويقول: «ثم ليسلِّم ثم ليَسْجُدْ سجدتين» فيما بعد السلام، والأصل في الأمر الوجوب.
· وأما فِعْله فإنه سَجَدَ للزِّيادة بعد السَّلام ، وسَجَدَ للنَّقص قبل السَّلام ، وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي» وهذا يشمَلُ صُلب الصَّلاة وجَبْر الصَّلاة، وسجود السَّهو جَبْر للصَّلاة. وعليه فيجب على كُلِّ أحد أن يعرف السُّجود الذي قبل السَّلام، والسُّجود الذي بعد السَّلام، لأن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجب
o ترك السجود :
§ تبطلُ الصَّلاة إذا تعمد تَرَكَ السُّجود الذي محلُّه قبل السَّلام لأنه واجب في الصّلاة والذي تبطل به الصَّلاة إذا تعمَّد تَرْكه هو ما كان واجباً في الصَّلاة كما لو ترك التشهد الأول
§ وأما إذا كان السُّجود محلُّه بعد السَّلام ، فلا تبطل الصلاة بتركه، لأنه واجب للصلاة وليس واجب فيها لأنه بعد الخروج منها، لكن يأثم بتعمد تركه، حيث كان واجباً.
§ وأما إن ترك السُّجود الذي قبل السَّلام وسَلَّم نسيانا :
· فإن كان الزمن قريبا سَجَد
· وإن بَعُدَ زمنُه :
o فيرى شيخ الإِسلام ابن تيمية أنه يسجدُ، ولو طال الزَّمن؛ لأن هذا جابر للنقص الذي حصل، فمتى ذَكَرَه جَبَرَه
o ولكن الأقرب: ما قاله المؤلِّف رحمه الله وهو المذهب أنه إذا طال الفصل فإنه يسقط، وذلك لأنه إما واجب للصَّلاة، وإما واجب فيها، فهو ملتصق بها، وليس صلاة مستقلَّة حتى نقول إن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ نَام عن صلاة أو نسيها فَلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها».
o تكرار السهو :
§ من سها مرارا تكفيه سجدتان عن الكل تجبران كُلَّ ما فات
§ إذا اجتمع سببان، أحدهما يقتضي أن يكون السُّجود قبل السَّلام، والثاني يقتضي أن يكون السُّجود بعد السلام :
· قيل: يعتبر ما هو أكثر فإن كان ما يقتضي السُّجود قبل السَّلام أكثر فيسجد قبل السلام وإن كان العكس فيسجد بعد السلام
· والمذهب يُغَلِّبُ ما قبلَ السَّلام مطلقاً؛ لأن ما قبل السَّلام جابره واجب، ومحلُّه قبل أن يُسلِّمَ، فكانت المبادرة بجَبْرِ الصَّلاة قبل إتمامها أَولى مِن تأخير الجابر

أبو صهيب 3 ربيع الثاني 1431هـ/18-03-2010م 04:15 PM

باب صَلاة التَّطوُّع :

ü التَّطوُّعُ :
o تعريف التطوع :
§ يُطلق على فِعْلِ الطَّاعة مطلقاً، فيشمل حتى الواجب، قال الله تعالى: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ *}} [البقرة] مع أَنَّ الطَّوافَ بهما رُكنٌ من أركان الحَجِّ والعُمْرة.
§ ويُطلق على المعنى الخاص في اصطلاح الفقهاء، فيُراد به كُلُّ طاعةٍ ليست بواجبة
o أنواع التَّطوُّع :
§ منها ما يُشرع له الجماعةُ، ومنها ما لا يشرعُ له الجَماعةُ.
§ ومنها ما هو تابعٌ للفرائض، ومنها ما ليس بتابعٍ.
§ ومنها ما هو مُؤقَّتٌ، ومنها ما ليس بمُؤقَّتٍ.
§ ومنها ما هو مُقيَّدٌ بسبب، ومنها ما ليس مقيَّداً بسبب.
o آكد التطوع :
§ صلاة الكسوف :
· هي آكدَ التَّطوُّع :
o لأَنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ بها
o وخَرَجَ إليها فَزِعاً وصَلَّى صلاةً غريبةً
o وشَرعَ لها الجماعةَ، فأَمَرَ مناديًا أن يُنادي «الصلاةُ جامعةً».
· حكمها :
o فُهِمَ من كلام المؤلِّف أَنَّ صلاة الكُسُوفِ نافلةٌ من باب التطوُّعِ
o والصحيح أَنَّها فرضٌ واجب، إِمَّا على الأعيان وإِمَّا على الكفاية والدليل :
§ أنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ بها
§ ويتأكد ذالك إذا اقترن مع أَمَره بالصدقة والتكبير والاستغفار والعتق والفزع إلى الصلاة
§ صلاة الاستسقاء :
· الاستسقاء إذا أجدبتِ الأرضُ، وقَحِطَ المطرُ، وتضرَّر النَّاسَ بذلك؛ خرجوا إلى مُصَلَّى العيدِ؛ فصَلُّوا كصلاة العيدِ، ثم دعوا الله عزّ وجل
· وهي تلي صلاةَ الكسوفِ في الآكدية
· وقدمت على الوتر لأن :
o الاستسقاء على المذهب أفضل من الوِتر لأن صلاة الاستسقاء تُشرع لها الجماعةُ بخلاف الوِتر، وما شُرعت له الجماعةُ فهو آكد من غيره
o والصواب أَنَّ الوِترَ أوكدُ مِن الاستسقاء؛ لأن الوِترَ داومَ عليه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وأَمَرَ به فقال: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ باللَّيلِ وِتْراً» وقال: «إِذا خَشِيَ أحدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى ركعةً واحدةً، تُوتِرُ له ما قد صَلَّى» وقال: «يا أهلَ القُرآن، أوتِرُوا...»
§ صلاة التراويح :
· التراويح هو قيامُ اللَّيلِ في رمضان، وسُمِّيَ تروايحُ لأن النَّاسَ كانوا يُطيلون القيامَ فيه والرُّكوعَ والسُّجودَ، فإذا صَلُّوا أربعاً استراحوا، ثم استأنفوا الصَّلاةَ أربعاً، ثم استراحوا، ثم صَلُّوا ثلاثاً، كما في حديث عائشة رضي الله عنها
· وتكون مثنى مثنى كما جاء ذلك مفسَّراً عن عائشة رضي الله عنها حيث قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي في الليل إِحدى عَشْرَة رَكْعة، يُسلِّمُ من كُلِّ رَكعتين»
· والتراويحَ تلي الاستسقاءَ في الآكدية
· وقدمت على الوتر:
o بناءً على أنَّ مَنَاطَ الأفضليَّة هو الجماعة والتراويحُ تُشرعُ لها الجماعةُ بفعل الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم
o والصَّحيحُ: أَنَّ الوِترَ مقدَّمٌ عليها :
§ لأنَّ الوِتر أَمَرَ به النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وداوم عليه ، حتى قال بعضُ أهلِ العِلمِ: إنَّ الوِترَ واجبٌ وقال آخرون إنَّهُ واجبٌ على مَنْ له وِرْدٌ مِن اللَّيل وقال آخرون إنه سُنَّةٌ مطلقة
§ وصلاةٌ هذا شأنها في السُّنَّةِ، وعند أهل العِلم، كيف تُجعل التراويحُ التي اختُلِفَ في استحباب الجماعة لها أفضلُ منها
· بناءا على الكلام السابق فإن الترتيب الصحيح لصَلاة التطوُّع: الكسوف، ثم الوِتر، ثم الاستسقاء، ثم التراويح، هذا هو القول الراجح؛ لأن الاستسقاء صلاة يقصد بها رَفْع الضرر، فالناس في حاجة إليها أكثر من التراويح.
o صلاة الوتر :
§ حكمه :
· قال بعضُ أهلِ العِلمِ: إنَّ الوِترَ واجبٌ
· وقال آخرون إنَّهُ واجبٌ على مَنْ له وِرْدٌ مِن اللَّيل
· وقال آخرون إنه سُنَّةٌ مطلقة وهو عندهم مِن السُّنَنِ المؤكَّدةِ جداً، حتى إنَّ الإمامَ أحمدَ رحمه الله قال: «مَنْ تَرَكَ الوِترَ فهو رَجُلُ سُوءٍ لا ينبغي أن تُقبل له شَهادة»
§ وقته :
· وقته بين صلاة العشاء والفجر إذا صلى العشاء في وقته
· وأيضا لو صلاها مجموعة إلى المغرب تقديماً لأن :
o وقت الوِتر يدخل من حين أن يصلي العشاء لما يُروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إنَّ اللهَ أَمَدَّكُم بصلاةٍ هيَ خيرٌ لكم مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، صلاة الوِتْرِ، ما بين صلاةِ العِشَاء إلى أَنْ يَطْلُع الفَجْرُ» والسُّنة الصحيحة تشهد له
o ولأن صلاة الوِتر تُختم بها صلاة الليل، وإذا انتهت صلاة العشاء فقد انتهت صلاة الليل المفروضة، ولم يبق إلا صلاة التطوع
· وأما أفضل وقته فقد دلَّت السُّنَّةُ على أن مَنْ طَمِعَ أن يقوم من آخر الليل فالأفضل تأخيره؛ لأن صلاة آخر الليل أفضل وهي مشهودةً، ومن خاف أن لا يقوم أوتر قبل أن ينام
§ انتهاؤه :
· ينتهي وقته بطلوع الفجرُ فلا وِتْرَ :
o لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا خَشِيَ أحدُكُم الصُّبْحَ صَلَّى واحدةً، تُوتِرُ له ما قد صَلَّى»
o ولا عبرة بما يُروى عن بعضِ السَّلفِ؛ أَنَّه كان يُوتِرُ بين أذانِ الفَجرِ، وإقامةِ الفَجرِ فإنَّه عَمَلٌ مُخالفٌ لما تقتضيه السُّنَّة
o إذا طَلَعَ الفجرُ وأنت لم تُوتِرْ؛ فلا تُوتِر ولكن تُصلِّي في الضُّحى وِتراً مشفوعاً بركعة، فإذا كان مِن عادتك أن توتر بثلاث صلَّيتَ أربعاً، وإذا كان مِن عادتك أن توتر بخمس فصل ستاً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كان إذا غَلَبَهُ نومٌ أَو وَجَعٌ عن قيامِ اللَّيلِ؛ صَلَّى من النَّهارِ ثِنْتَي عَشْرَةَ رَكْعةً»
§ عدده :
· أقله ركعة :
o لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الوِتْرُ رَكْعَةٌ من آخرِ اللَّيلِ»
o وقوله : «صَلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإِذا خَشِيَ أحدُكُم الصُّبْحَ صَلَّى ركعةً واحدةً تُوتِرُ له ما قد صَلَّى» فقوله: «صَلَّى ركعةً واحدةً» يدلُّ على أن أقل الوتر ركعة واحدة
· وأكثره إِحْدَى عَشرَة رَكْعَةً :
o لقول عائشة رضي الله عنها: «كان رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي باللَّيلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكعةً، يُوتِرُ منها بواحدةٍ» وفي لفظ: «يُسلِّمُ بين كُلِّ رَكعتين، ويوتِرُ بواحدةٍ»
§ صفاته :
· الوِترُ بثلاث وله صفتان :
o الصفة الأولى أنْ يَسْرُدَ الثَّلاثَ بِتَشهدٍ واحدٍ.
o الصفة الثانية أنْ يُسلِّمَ مِن رَكعتين، ثم يُوتِرَ بواحدة
· الوتر بخمسٍ ولا يَتَشَهَّدُ إلا مرَّةً واحدةً في آخرها ويُسلِّمُ
· الوتر بسبعٍ :
o لا يَتَشَهَّدُ إلا مرَّةً واحدةً في آخرها
o وإن تَشَهَّدَ في السَّادسة بدون سلام ثم صَلَّى السَّابعةَ وسَلَّمَ فلا بأس
· الوتر بتسعٍ يتَشهَّدَ مرَّتينِ، مرَّةً في الثَّامنةِ، ثم يقومُ ولا يُسلِّمُ، ومرَّةً في التاسعة يتشهَّدُ ويُسلِّمُ .
· الوتر بإحدى عَشْرَة، فإنه ليس له إلا صِفةٌ واحدةٌ؛ يُسلِّمُ من كُلِّ ركعتين، ويُوترُ منها بواحدة.
§ أدنى الكمال :
· أدنى الكمال في الوِتْرِ :
o أنْ يُصلِّيَ ركعتين ويُسَلِّمَ، ثم يأتي بواحدة ويُسلِّمَ
o ويجوز أن يجعلها بسلام واحدٍ، لكن بتشهُّدٍ واحدٍ لا بتشهُّدين
o ولا ينبغي أن تشبه صلاةَ المغربِ فيجعلها بتشهُّدين وسلام واحد لنهى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم عن ذالك
§ القراءة في الوتر :
· يقرأ فِي الأُولى بسَبِّح وَفِي الثَّانِيَةِ بالكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بالإِخْلاَصِ
§ القنوت في الوتر :
· القُنُوتُ يُطلق على معانٍ منها:
o الخُشوعُ، كما في قوله تعالى: {{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}} [البقرة: 238]
o الدُّعاءُ، كما هنا «يَقْنُتُ فيها بعد الرُّكوع»
· حكمه :
o القنوتَ سُنَّةٌ في الوِترِ وإلى هذا ذهب أصحابُ الإمامِ أحمدَ، وقالوا: إنه يُسَنُّ أن يَقْنُتَ في الوِترِ في كلِّ ليلةٍ كما صَحَّ ذالك عن عُمرَ رضي الله عنه أنه كان يَقْنُتُ
o وقال بعضُ أهل العلم: لا يقنتُ إلا في رمضان.
o وقال آخرون: يَقْنُتُ في رمضان في آخرِه.
o والمتأمِّلُ لصلاة النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في الليل يرى أنه لا يقنت في الوِترِ، وإنَّما يُصلِّي ركعةً يُوتِرُ بها ما صَلَّى. وهذا هو الأحسن؛ أنْ لا تداوم على قُنُوتِ الوِترِ؛ لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنه عَلَّمَ الحسنَ بنَ عليّ رضي الله عنه دعاءً يدعو به في قُنُوتِ الوِتْرِ
· موضعه :
o ظاهرُ كلامِ صاحب الزاد أنَّه لا يُشرعُ القُنُوت قبل الرُّكوعِ
o لكن المشهور مِن المذهب أنَّه يجوزُ القُنُوتُ قبل الرُّكوعِ وبعد القِراءة؛ فإذا انتهى مِن قراءته قَنَتَ ثم رَكَعَ، وبعد الرُّكوعِ؛ لأنه وَرَدَ ذلك عن النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في قُنُوتِهِ في الفَرائضِ.
o وعليه؛ فيكون موضعُ القُنُوتِ مِن السُّننِ المتنوِّعةِ؛ التي يَفعلُها أحياناً هكذا، وأحياناً هكذا.
· رفع اليدين :
o ظاهر كلام صاحب الزاد أنَّه لا يَرفعُ يديه
o والصحيح : أنَّه يرفعُ يديه؛ لأن ذلك صَحَّ عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه
o يَرفعُ يديه إلى صَدرِهِ، ولا يرفَعُها كثيراً؛ لأنَّ هذا الدُّعاءَ ليس دُعاءَ ابتهالٍ يُبالِغُ فيه الإنسانُ بالرَّفْعِ، بل دُعاءُ رَغْبَةٍ، ويبسُطُ يديْهِ وبطونَهما إلى السَّماءِ
o وظاهر كلام أهل العلم : أنه يضمُّ اليدين بعضهما إلى بعض، كحالِ المُستجدي الذي يطلب مِن غيره أن يُعطيه شيئاً، وأمَّا التَّفْريجُ والمباعدةُ بينهما فلا أعلمُ له أصلاً؛ لا في السُّنَّةِ، ولا في كلامِ العُلماءِ.
· دعاء القنوت :
o يبدأ بالثناء على الله، والثناءُ مقدَّمٌ على الدُّعاءِ؛ لأنه فَتْحُ بابِ الدُّعاءِ فيقول :
§ «اللَّهمَّ إِنَّا نَستعينُكَ، ونَستهديكَ، ونستغِفرُكَ، ونتوبُ إليكَ، ونؤمنُ بك، ونَتوكَّلُ عليك، ونُثْنِي عليكَ الخيرَ كُلَّه، ونَشْكُرُكَ ولا نَكْفُرُكَ. اللَّهمَّ إياك نعبدُ، ولك نُصلِّي ونسجدُ، وإِليكَ نَسعَى ونَحْفِدُ، نَرجو رحمَتَكَ، ونخشى عذابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ الجِدَّ بالكُفَّار مُلحِق»
§ ثم يدعوا بقوله «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيتَ وَعَافِنِي فِيْمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَن تَوَلَّيتَ وَبَارِكْ لِي فِيْمَا أَعْطَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيْمَنْ تَوَلَّيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لاَ نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»
· مسح الوجه :
o اختلف فيه العلماء إلى أقوال ثلاثة بناءا على تصحيح حديث عُمَرَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رَفَعَ يديه لا يردُّهما حتى يمسح بهما وجهَهُ :
§ القول الأول : أنه سُنَّة.
§ القول الثاني : أنه بدعة.
§ القول الثالث : أنه لا سُنَّة ولا بدعة، أي: أنَّه مباح؛ إنْ فَعَلَ لم نُبدِّعه، وإنْ تَرَك لم نُنقِصْ عَمَله.
§ والأقرب: أنه ليس بسُنَّة؛ لأنَّ الأحاديثَ الواردة في هذا ضعيفة، ولا يمكن أنْ نُثبتَ سُنَّة بحديث ضعيف، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية
§ القنوت في غير الوتر :
· يُكره القنوت في غير الوتر ويشمَلُ ذالك القُنُوت في الفرائضِ، والرَّواتبِ، وفي النَّوافل الأُخرى، فكلُّها لا يَقْنُتُ فيها ؛ وذلك لأنَّ القُنُوتَ دُعاءٌ خاصٌّ في مكانٍ خاصٍّ في عبادةٍ خاصَّةٍ، وهذه الخصوصيات الثلاث تحتاج إلى دليل
· ويستثنى قنوت النوازل في غير الطاعون «والنَّازلة: هي ما يحدث من شدائد الدَّهر» :
o إذا نزلت بالمسلمين نازلة يقنتُ الإمامُ في الفرائض استحبابا
o لمن يشرع هذا القنوت :
§ المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه للإمام وحدَه، دون بقيَّة النَّاس قالوا:
· لأنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم قَنَتَ عند النَّوازل ولم يأمر أحداً بالقنوت، ولم يقنتْ أحدٌ في المساجد في عهده صلّى الله عليه وسلّم
· ولأن هذا القنوت لأمر نزل بالمسلمين عامَّة، والذي له الولاية العامَّة على المسلمين هو الإمام فيختصُّ الحكم به
§ القول الثاني في المسألة : أنه يقنت كلُّ إمام.
§ القول الثالث : أنه يقنت كلُّ مصلٍّ، الإمام والمأموم والمنفرد وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واستدلَّ بعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا كما رأيتُمُوني أُصَلِّي»
§ والشيخ رحمه الله يرى أنْ يُقتصرَ على أَمْرِ وليِّ الأمْرِ، فإن أَمَرَ بالقُنُوتِ قنتنا، وإن سكتَ سكتنا، ولنا ـ ولله الحمد ـ مكانٌ آخر في الصَّلاة ندعو فيه؛ وهو السُّجودُ والتَّشَهُّدُ
o الدعاء في هذا القنوت :
§ يدعوا بدُعاءٍ مناسبٍ للنَّازلة التي نزلت كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم
§ ولا يدعوا بدعاء القُنُوتِ الذي عَلَّمه الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم الحَسَن لأن هذا لم يَرِدْ عنه صلّى الله عليه وسلّم أبداً لا في حديث صحيح ولا ضعيف
o وهذا القنوت ليس خاصًّا بصلاة الفجر، بل في كُلِّ الصَّلوت، هكذا صَحَّ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قَنَتَ في جميع الصَّلوات
o واستثنى بعضُ العلماءِ الجُمعةَ وقال: إنَّه لا يقنتُ فيها؛ لأن الأحاديثَ الواردة في القنوت لم تذكر الجمعة لكن الصحيح أنه يَقْنُتُ حتى في صلاة الجُمُعة.
o يجهر بالدعاء سواء كان في صلاة جهرية أم سرية ويكون بعدَ الرُّكوع لأن أكثرُ الأحاديث؛ والذي عليه أكثرُ أهل العِلم: أنَّ القُنُوتَ بعدَ الرُّكوع ، وإن قَنَتَ قبله فلا حَرَج
o إذا نزل بالمسلمين طاعون :
§ فقال بعضُ العلماءِ إنه يُدْعَى برَفْعِهِ؛ لأنَّه نازلةٌ مِن نوازل الدَّهر
§ وقال بعضُ العلماءِ: لا يُدعَى برَفْعِهِ. وعلَّل ذلك: بأنه شهادة، فإن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم أخبر: «بأنَّ المَطْعُونَ شَهيدٌ» قالوا: ولا ينبغي أنْ نَقْنُتَ مِن أجْلِ رَفْعِ شيءٍ يكون سبباً لنا في الشَّهادة

أبو صهيب 7 ربيع الثاني 1431هـ/22-03-2010م 08:58 PM

تابع صَلاة التَّطوُّع :
o صلاة التراويح :
§ حكمها :
· سُنَّة مؤكَّدة؛ لأنها من قيام رمضان، وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذَنْبِهِ»
§ عددها :
· قال صاحب الزاد عشرون ركعة بدون وتر فإذا أضفنا إليها أدنى الكمال في الوِتر تكون ثلاثاً وعشرين والدليل : ما روى أبو بكر عبد العزيز في «الشَّافي» عن ابن عباس أن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلِّي في شهر رمضان عِشرين رَكعة ، لكن هذا الحديث ضعيف لا يصحُّ
· والصحيح أنَّ السُّنَّة في التَّراويح أن تكون إحدى عشرة ركعة، يُصلِّي عشراً شَفْعاً، يُسَلِّم مِن كُلِّ ركعتين، ويُوتِر بواحدة والدليل ما روته عائشةُ أمُّ المؤمنين رضي الله عنها حين سُئلت: كيف كانت صلاةُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في رمضان؟ فقالت: كان لا يزيدُ في رمضانَ ولا غيره على إحدى عشرة ركعة وهذا نصٌّ صريحٌ مِن عائشةَ، وهي مِن أعلم النَّاس به فيما يفعله ليلاً
· ومع ذلك لو أنَّ أحداً من النَّاس صَلَّى بثلاثَ وعشرين، أو بأكثرَ مِن ذلك فإنه لا يُنكر عليه؛ ولكن لو طالب أهلُ المسجد بأن لا يتجاوز عددَ السُّنَّةِ كانوا أحقَّ منه بالموافقة؛ لأن الدَّليل معهم. ولو سكتوا ورضوا؛ فَصَلَّى بهم أكثر من ذلك فلا مانع
· ولا فَرْقَ في هذا العدد بين أوَّلِ الشَّهرِ وآخره
§ وقتها :
· تصلى في رمضان بعد صلاة العشاء وسنّتها، فإذا صَلُّوا العِشاء صَلُّوا السُّنَّة، ثم صَلُّوا التَّراويح، ثم الوِتر
· أما إن فُعِلت في غير رمضان لكان هذا من البِدع لكن لا بأس أن يُصلِّي الإنسانُ جماعة في غير رمضان في بيته أحياناً؛ لفعل الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم «فقد صَلَّى مرَّةً بابن عبَّاس ، ومرَّةً بابن مسعود ومرَّةً بحذيفة بن اليمان ، جماعة في بيته» لكن لم يتَّخذْ ذلك سُنَّة راتبةً، ولم يكن أيضاً يفعله في المسجد
§ تصلَّى جماعة والدليل :
· ما ثَبَتَ في «الصَّحيحين» وغيرهما أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قام بأصحابه ثلاثَ ليالٍ، وفي الثالثة أو في الرَّابعة تخلَّف ولم يُصَلِّ، وقال: «إنِّي خشيتُ أنْ تُفرضَ عليكم» فثبتتِ التَّراويحُ بسُنَّة النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وذَكَرَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم المانعَ مِن الاستمرار فيها، لا مِن مشروعيَّتها، وهو خَوْفُ أنْ تُفرضَ، وهذا الخوف قد زال بوفاته
· ما ثبت عن عُمرَ رضي الله عنه أنه أمر تَميماً الدَّاريَّ وأُبيَّ بنَ كعب أنْ يقوما بالنَّاس بإحدى عشرةَ ركعةً، وموافقةُ أكثرِ الصَّحابة على ذلك
§ من صلى وراء إمام يُصلِّيها ثلاثاً وعشرين، أو أكثر فالأفضل له أنْ يكملَ معه، ودليلُ ذلك من وجهين :
· الوجه الأول : قولُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في قيام رمضان: «إنَّه مَنْ قَامَ مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ» ومَن جَلَسَ ينتظر حتى يَصِلَ الإمامُ إلى الوِتر ثم أوتر معه، فإنه لم يُصلِّ مع الإمام حتى ينصرفَ؛ لأنه تَرَكَ جُزءاً مِن صَلاته.
· الوجه الثاني : عُموم قَوْلِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به» وهذا يشمَلُ كلَّ فِعْلٍ فَعَلَه الإمامُ ما لم يكن منهيًّا عنه، والزيادةُ على إحدى عشرة ليس منهيًّا عنها، وحينئذٍ نتابع الإمامَ
§ يكره التنفل بين التراويح لأنه مخالفة للجماعة ويجوز الصلاة بعدها ما لم يصلي الوتر
o التهجد :
§ من أراد أن يتهجد بعد التراويح في آخر الليل :
· فإما ألا يُوتر مع الإمام و ينصرف قبل الوتر لأنه لو أوتر مع الإِمام خالف أمرَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وِتراً»
· أو يتابع إمامَهُ في الوِتر، ويشفعه بركعة؛ لتكون آخر صلاته بالليل بعد التهجد وِتراً
§ وقال بعض العلماء بل يوتر مع الإمام ولا يتهجَّد بعده؛ لأن الصَّحابة لما طلبوا من النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أن ينفِّلَهم بقيَّة ليلتهم قال: «مَنْ قامَ مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ» وفي هذا إشارة إلى أن الأَولى الاقتصار على الصلاة مع الإمام فيكتب له أجر الليلة مع راحته، وهذه نِعمة.
o السنن الراتبة :
§ عددها :
· جَعَلَ صاحب الزاد رحمه الله الرَّواتبَ عَشْراً؛ استناداً إلى حديثِ عبدِ الله بنِ عُمرَ رضي الله عنهما قال: حَفِظْتُ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عَشْرَ رَكعات» وهي رَكعَتَانِ قَبْلَ الظّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ العِشَاءِ وركعتان قبل الفجر
· القول الثاني في المسألة: أنَّ السُّننَ الرَّواتبَ اثنتا عَشْرَةَ رَكعةً؛ استناداً إلى ما ثبت في «صحيح البخاري» مِن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لا يَدَعُ أربعاً قبل الظُّهرِ» وكذلك صَحَّ عنه: «أنَّ مَنْ صَلَّى اثنتي عشرة رَكعةً مِن غير الفريضة بنى اللهُ له بِهنَّ بيتاً في الجنَّة» وذكر منها «أربعاً قبل الظُّهر» والباقي كما سبق . وهذا هو الصحيح
§ راتبة الفجر:
· هي آكد الرواتب ودليل ذالك :
o قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «ركعتا الفَجْرِ خيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها»
o و أيضا أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «كان لا يدعهما حضراً ولا سفراً»
· تختصُّ هاتان الرَّكعتان بأمور :
o أولاً: مشروعيتهما في السَّفر والحضر.
o ثانياً: ثوابهما؛ بأنهما خير من الدُّنيا وما فيها.
o ثالثاً: أنه يُسَنُّ تخفيفهما، بقَدْرِ المستطاع، بشرط أن لا تُخِلَّ بواجب؛ لقول عائشة رضي الله عنها «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يُخَفِّفُ الركعتين اللتين قبل صَلاةِ الصُّبحِ، حتى إنِّي لأقولُ: هل قَرَأَ بأُمِّ الكتابِ» تعني: مِن شدَّة تخفيفه إيَّاهما.
o رابعاً: أنْ يقرأ في الرَّكعة الأُولى بـ: {{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ *}} وفي الثانية: بـ: {{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}} أو في الأُوْلَى {{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ}} [البقرة: 136] الآية في سورة البقرة و{{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا}} [آل عمران: 52] الآية في سورة آل عمران .
o خامساً: أنه يُسَنُّ بعدهما الاضطجاع على الجَنْبِ الأيمن، وهذا الاضطجاع اخْتَلَفَ العلماءُ فيه:
§ فمِنْهم مَن قال: إنَّه ليس بسُنَّةٍ مطلقاً.
§ ومِنْهم مَن قال: إنَّه سُنَّةٌ مطلقاً.
§ ومِنْهم مَن قال: إنه سُنَّةٌ لِمَن يقوم الليل؛ لأنَّه يحتاج إلى راحة حتى ينشطَ لصلاة الفجر وهو اختار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أصحُّ الأقوال
§ ومِنْهم مَن قال: إنَّه شرط لصحَّة صلاة الفجر وهذا ما ذهب إليه ابنُ حَزْمٍ رحمه الله، وقال إِنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِذا صَلَّى أحدُكم ركعتي الفجر فليضطجع بعدهما»
§ من فاته شيء من الرواتب:
· فإن كان لعذر سُنَّ له قضاؤها ودليل ذلك :
o ما ثَبَتَ مِن حديث أبي هريرة وأبي قتادة في قِصَّة نَوْمِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وهم في السَّفَر عن صلاة الفجر، حيث صَلَّى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم راتبة الفجر أولاً، ثم الفريضة ثانياً.
o وكذلك أيضاً حديث أمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم شُغِلَ عن الرَّكعتين بعد صلاة الظُّهر؛ فقضاهما بعد صَلاة العصر» وهذا نَصٌّ في قضاء الرَّواتب.
o وأيضاً: عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نَامَ عن صلاة؛ أو نسيها؛ فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها» وهذا يَعمُّ الفريضةَ والنَّافلةَ
· أما إذا تركها عمداً حتى فاتَ وقتُهَا فإنه لا يقضيها، ولو قضاها لم تصحَّ منه راتبة ودليل ذلك :
o قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليس عليه أمْرُنَا فهو رَدٌّ»
o ولأَنَّ الرَّواتب عبادات مؤقَّتة، والعبادات المؤقَّتة إذا تعمَّد الإنسانُ إخراجَها عن وقتها لم تُقبل منه.
o صلاة الليل :
§ المفاضلة بين صلاة الليل وصلاة النهار :
· صلاة التطوُّع نوعان: نوعٌ مطلق، ونوعٌ مقيَّد :
o أما المقيَّد: فهو أفضل في الوقت الذي قُيِّدَ به، أو في الحال التي قُيِّدَ بها فمثلاً: تحيُّة المسجد، إذا دخلته ولو في النَّهار أفضل من صلاة الليل
o أما المطلق: فهو في الليل أفضل منه في النَّهار، لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفضلُ الصَّلاةِ بعدَ الفريضةِ صلاةُ اللَّيل» واللَّيلُ يدخل مِن غروب الشَّمس، فالصَّلاة مثلاً بين المغرب والعِشاء أفضل مِن الصَّلاة بين الظُّهر والعصر
o والمطلق يُسَنُّ الإكثار منه كلَّ وقت؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم للرَّجُل الذي قال: أسألك مرافقتك في الجَنَّةِ؛ قال: أَوَ غَيْرَ ذلك، قال: هو ذاك قال: «فأعنِّي على نفسك بكثرة السُّجود»
§ أفضل وقتها :
· ثُلُثُ الليل بعد نصفه ودليل ذلك :
o قَولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفضلُ الصَّلاةِ صلاةُ داود، كان ينامُ نصفَ الليلِ، ويقومُ ثُلُثَه، وينام سُدُسَه»
o وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ألفاه ـ يعني النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم ـ السَّحَر عندي إلا نائماً» أي: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان ينام في السَّحَر في آخر الليل.
o وتعليل ذالك أنَّ نوم الإنسان بعد القيام يُكسب البدنَ قُوَّةً ونشاطاً، فيقوم لصلاة الفجر وهو نشيط.
o وأيضاً: إذا نامَ سُدُسَ الليلِ الآخرِ؛ نقضت هذه النَّومةُ سهره، وأصبح أمام النَّاس وكأنه لم يقمِ اللَّيلَ، فيكون في هذا إبعاداً له عن الرِّياء.
o وهو بذالك يدرك نصف الثلث الأخير الذي ينزل فيه الرب عز وجل
o والليلُ المعتبرُ نصفُه مِن غروب الشَّمس إلى طُلُوع الفجر
§ صفتها :
· تصلى مثنى مثنى لما ثبت في «صحيح» البخاري ومسلم مِن حديث ابن عُمرَ رضي الله عنهما أنَّ رَجُلاً سأل النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما ترى في صلاةِ اللَّيلِ؟ قال: «مَثْنى مَثْنى، فإذا خَشِيَ أحدُكم الصّبحَ؛ صَلَّى واحدةً فأوترت له ما قد صَلَّى»
· وعليه يحمل كل حديث جاء فيه اربع ولم يُصرِّحْ بنفي التَّسليم
· وأما صلاة النهار:
o فتكون مثنى مثنى كما صَحَّح ذلك البخاريُّ رحمه الله
o وإن صلاها أَرْبَعا كَالظُّهْرِ :
§ قال صاحب الزاد لا حرج وتصحُّ صلاتُه، ودليل ذالك حديث أبي أيوب: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهر أربعاً لا يفصِلُ بينهن بتسليمٍ
§ قال الشيخ رحمه الله :
· أن الحديث ليس فيه أنَّ الأربع تكون بتشهُّدين
· ولهذا نرى أنه إذا صَلَّى أربعاً بتشهُّدين فهو إلى الكراهة أقرب، بدليل أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا توتروا بثلاث لا تشبهوا بصلاة المغرب» ، وهو الصَّحيح وهذا يدلُّ على أن الشَّارع يريد أن لا تلحق النَّوافل بالفرائض
· والحديث إن صَحَّ عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنه فَعَلَ هذا فيكون مُستثنى مِن الحديث الذي هو قاعدة عامَّة في أنَّ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
· لو قام الإنسان إلى ثالثة فيها :
o فإن تعمد ذالك فتبطل صلاته (وقد تقدم ذالك في سجود السهو تحت عنوان زيادة ركعة)
o وإنْ كان ناسياً وَجَبَ عليه الرُّجوع متى ذَكَرَ، ويسجد للسَّهوِ بعد السَّلام من أجل الزِّيادة
o صلاة القاعد :
§ صلاة القاعد إما أن تكون في الفريضة أو النافلة :
· أما الفريضة فإن كان قادرا على القيام فالصلاة باطلة ولا أجر فيها
· وأما النافلة :
o فإن كان قاعداً بلا عُذر، فهو على النِّصفِ مِن أَجْرِ صلاة القائم
o وإن كان قاعداً لعُذر، وكان من عادته أن يُصلِّي قائماً، فإنَّ له الأجر كاملاً لقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ؛ كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيماً صحيحاً»
§ وأما صلاةِ المُضْطجعِ بلا عُذر:
· فقد وَرَدَ في الحديث أنَّ أجْرَه على النِّصفِ من أجْرِ صلاةِ القاعد لكن جمهور العلماء، لم يروا صِحَّة صلاة المضطجع إلا إذا كان معذوراً.
· وذهب بعضُ العلماء: إلى الأخذ بالحديث. وقالوا:
o يجوز أنْ يتنفلَ وهو مضطجع، لكن أجره على النصف من أجر صلاة القاعد، فيكون على الرُّبع مِن أجر صلاة القائم.
o وهذا قولٌ قويٌّ؛ لأن الحديث في «صحيح البخاري»
o ولأنَّ فيه تنشيطاً على صلاة النَّفل
o صلاة الضُّحى :
§ حكمها :
· سُنَّة مطلقا في كُلِّ يوم ودليل ذلك :
o حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وأبي الدرداء ، وأبي ذَرٍّ أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أوصاهم بصلاة ركعتين في الضُّحى، قال أبو هريرة رضي الله عنه: «أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاثٍ: ركعتي الضُّحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وصيام ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر» .
· وذهبَ بعض أهل العلم إلى أنها ليست بسُنَّة؛ لأن أحاديث كثيرة وردت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه كان لا يصلِّيها.
· وفصَّلَ بعضُهم فقال أمَّا مَن كان مِن عادته قيامُ الليل؛ فإنه لا يُسَنُّ له أن يُصلِّيَ الضُّحى، وأمَّا مَن لم تكن له عادة في صلاة الليل فإنها سُنَّة في حَقِّهِ مطلقاً كلَّ يوم.
· القول الرابع أنها سُنَّةٌ غيرُ راتبة، يعني: يفعلها أحياناً وأحياناً لا يفعلها.
· والأظهر أنها سُنَّة مطلقة دائماً:
o فقد ثبت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يُصبِحُ على كُلِّ سُلامى مِن أحدِكُم صَدَقةٌ...» مع ما صَحَّ عنه صلّى الله عليه وسلّم: «أنَّ الله خلق ابنَ آدم على ستين وثلثمائة مفصل»
o والسُّلامى: هي العظام المنفصل بعضها عن بعض
o فيكون على كُلِّ واحد من النَّاس كُلَّ يومٍ ثلاثمائة وستون صدقة وقد جاء في الحديث «فكُلُّ تسبيحةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تحميدةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تهليلةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تكبيرةٍ صَدقةٌ، وأمرٌ بمعروف صَدقةٌ، ونَهيٌ عن مُنكرٍ صَدقةٌ، ويجزىء مِن ذلك ركعتان يركَعُهُما مِن الضُّحى»
§ عدد ركعاتها :
· أقلها ركعتان :
o لأن الرَّكعتين أقلُّ ما يُشرع في الصَّلوات غير الوِتر، فلا يُسَنُّ للإنسان أن يتطوَّع برَكعة
o ودليلُ ذلك أيضاً حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاثٍ: «صيامُ ثلاثة أيام مِن كُلِّ شهر، وركعتي الضُّحى، وأنْ أوتِرَ قبل أن أنام»
· وأكثرها ثمان ركعات بأربع تسليمات :
o ودليل ذلك: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم دخلَ بيتَ أُمِّ هانىء في غزوة الفتح حين دخل مَكة فصَلَّى فيه ثماني ركعات . قالوا وهذا أعلى ما وَرَدَ
o والصَّحيح : أنه لا حَدَّ لأكثرها :
§ لأنَّ عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي الضُّحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله»
§ وأما حديث أُمِّ هانىء :
· فكثيراً من أهل العلم قال إن هذه الصَّلاة ليست صلاة ضُحى، وإنما هي صلاة فتح
· ثم إن الاقتصار على الثَّمان لا يستلزم أنْ لا يزيد عليها؛ لأنَّ هذه قضيةُ عَين
§ وقتها :
· يبدأ من طُلوع الشَّمس إلى أن ترتفع قِيد رُمحٍ بعين الرَّائي أي نحو متر ، وبالدَّقائق حوالي اثنتي عشرة دقيقة، والأحوط خمس عشرة دقيقة
· وينتهي إلى قبل زوال الشَّمس بزمنٍ قليل حوالي عشر دقائق لأن ما قبيل الزَّوال وقت نهي ينهى عن الصَّلاة فيه، لأنه الوقت الذي تُسْجَرُ فيه جهنَّم
· وفِعْلُها في آخر الوقت أفضل؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة الأوَّابينَ حين تَرْمَضُ الفِصَالُ» ومعنى «تَرْمَضُ» أي: تقوم مِن شِدَّة حَرِّ الرَّمضاء، وهذا يكون قُبيل الزَّوال بنحو عشر دقائق.

أبو صهيب 8 ربيع الثاني 1431هـ/23-03-2010م 10:29 PM

ü تابع صَلاة التَّطوُّع:
o سجود التلاوة :
§ هل هو صلاة أم ليس بصلاة :
· مقتضى كلام المؤلِّفِ أنه صلاة وعلى هذا فتعتبر له الطَّهارةُ من الحَدَث، والنَّجاسةُ في البدن والثوب والمكان، واستقبالُ القِبْلة، وسَتْرُ العورة، وكلُّ ما يُشترط لصلاة النَّافلة
· وذهب بعض أهل العلم: إلى أنه ليس بصلاة، لأنه لا ينطبق عليه تعريف الصَّلاة، إذ لم يثبت في السُّنَّة أن له تكبيراً أو تسليماً، فالأحاديث الواردة في سجود التِّلاوة ليس فيها إلا مجرد السُّجود فقط «يَسجُدُ ونَسجُدُ معه» وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
· وبناءً على ذلك؛ لا يُشترط له طهارة، ولا سترُ عورة، ولا استقبالُ قِبلة، فيجوز أن يسجد ولو كان محدثاً حَدَثاً أصغر لكن الاحوط أن لا يسجد إلا متطهِّراً.
§ حكمه :
· مِن أهل العلم مَن قال: إنَّ سجود التِّلاوة واجب :
o لأنَّ الله أَمَرَ به فقال تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}}
o وذمَّ مَن تَرَكه، فقال تعالى{{وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ *}} [الانشقاق]
o وامتدح السَّاجدين فقال: {{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ *}}
· وقال آخرون بل هو سُنَّة وليس بواجب. وهو الرَّاجح واستدلُّوا:
o أولاً أنَّ زيدَ بنَ ثابتٍ رضي الله عنه قَرَأَ على النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم سورةَ النَّجم، ولم يسجدْ فيها ولو كان السُّجود واجباً لم يُقرَّه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على تَرْكِه
o ثانياً أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رضي الله عنه ثَبَتَ عنه أنه قرأ على المِنْبَرِ سورةَ النَّحل، فلما أتى على السَّجدة نَزَلَ مِن المِنْبَرِ وسَجَدَ، فسجدَ النَّاس، ثم قرأها في الجمعة الثَّانية ولم يسجدْ، ثم قال ـ إزالةً للشُّبهة ـ: «إنَّ اللهَ لم يَفِرضْ علينا السُّجودَ إلا أنْ نشاءَ» وهذا فعله بمحضر الصَّحابة ، ولم يُنكرْ عليه أحدٌ.
o ثالثا أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يسجد إذا مَرَّ بآية السَّجدة. وفِعْلُ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم الشيءَ على سبيل التَّعبُّد يقتضي سُنِّيَّته
o أما الآية الأولى التي استدل بها الموجبون فهي أَمْرٌ بالصَّلاة التي هي ذات رُكوع وسُجود
o وأما قوله: {{وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ *}} فالمقصود بالسُّجود هنا التَّذلُّل
§ سجود المستمع دون السامع :
· دليله سجود المستمع حديثُ ابن عُمر رضي الله عنه وعن أبيه: حيث كانوا يسجدون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
· وأما السَّامع فلا يُسَنُّ له أنْ يسجدَ، والفَرْقُ بين المستمع والسَّامع أنَّ المستمع هو الذي يُنصِتُ للقارىء ويتابعه في الاستماع. والسَّامع هو الذي يسمعُ الشَّيءَ دون أن يُنصِتَ إليه
· فإن لم يسجد القارىء لم يسجد المستمع ودليل ذلك :
o حديث زيد بن ثابت: «أنه قرأ على النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم سورةَ النَّجم فلم يَسجُدْ فيها»
o وهذا يدلُّ على أنَّ زيدَ بنَ ثابت لم يسجدْ؛ لأنه لو سَجَد لسجدَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، كما كان الصَّحابة يسجدون مع الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، ولم يُنكر عليهم
§ مواضع السجود :
· آيات السُّجود التي في القرآن أربع عشرة سجدة : في «الأعراف» و«الرعد» و«النحل» و«الإسراء» و«مريم» و«الحج» اثنتان، و«الفرقان» و«النمل» و«الم تنزيل السجدة» و«حم السجدة» و«النجم» و«الانشقاق» و«اقرأ باسم ربك» والدليل :
o السُّنَّة فإن أهل العلم تتَّبعُوا آياتِ السُّجودِ، فمنها ما صَحَّ مرفوعاً، ومنها ما صَحَّ موقوفاً؛ والذي صَحَّ موقوفاً له حكمُ الرَّفعِ
o وأما سجدة «ص» فقيل إنها سجدة شُكْرٍ، ولكن الصَّحيح: أنها سجدة تِلاوة حيث صَحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رأى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يسجدُ فيها.
o وعلى هذا؛ فتكون السَّجدات خمسَ عشرة سجدة
§ صفته :
· أما التكبيرفقد اختلف فيه أهل العلم بناءا :
o على اعتبارها صلاة أم لا فمن يرى أنها صلاة قال يكبر ومن لا فلا
o وعلى تصحيح حديث ورد فيه أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يُكبِّرُ عند السُّجُود
· وعليه فإن كان خارج الصَّلاة ففيه ثلاثة أقوال :
o الأول الأول : يُكبِّر إذا سَجَدَ، وإذا رَفَعَ.
o القول الثاني : يُكبِّر إذا سَجَدَ فقط.
o القول الثالث : لا يُكبِّر مطلقاً
· والصحيح الذي دلت عليه السُّنَّة أنه ليس فيه تكبير عند الرَّفع ولا سلام إلا إذا كان في الصلاة ودليله :
o ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم «سَجَدَ في {{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ *}} في صلاة العشاء»
o وثَبَتَ عنه صلّى الله عليه وسلّم أنَّه كان يُكبِّر في كُلِّ رَفْعٍ وخَفْضٍ فيدخل في هذا العموم سُجودُ التِّلاوة
· ثم يجلس وجوبا ويُسلم ولا يتشهد
§ أذكار السجود :
· يقول فيه «سبحان رَبِّي الأعلى» وأيضاً: «سبحانك اللَّهُمَّ ربَّنا وبحمدك اللَّهُمَّ اغفِرْ لي» لدليلين :
o الدليل الأول : قوله تعالى: {{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}} [السجدة: 15] وهذه آية سجدة.
o والدَّليل الثَّاني : حديث عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُكثر أن يقول في رُكوعه وسُجوده: سُبحانك اللَّهُمَّ رَبَّنا وبحمدك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي» وهذا يشمَلُ السُّجودَ في الصلاة وسجودَ التِّلاوة
§ سجود الإمام :
· يُكره للإِمامِ قراءةُ السجدة في الصلاة السرية والسجود فيها ووجه ذالك أنه إمَّا أن يقرأ الآية، ولا يسجد فَيُفَوِّت على نفسِهِ الخيرَ، وإمَّا أنْ يقرأها ويسجدُ فيُشوِّشُ على مَنْ خلفَه
· والصحيح أن الكراهة حكمٌ شرعيٌّ يحتاج إلى دليلٍ وبناءا عليه إذا حَصَلَ تشويش لا يقرأْ، أو يقرأْ ولا يسجد، لأنه إذا قرأَ ولم يسجدْ لم يأتِ مكروهاً
· يلزم المأموم إذا سجد إمامه أن يتابعه حتى في السرية خلاف المذهب والدليل:
o قَوْلِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «وإذا سَجَدَ فاسْجُدُوا» فإن هذا العمومَ يتناول حتى هذه السَّجدة
o سجود الشكر :
§ يستحبُّ عند النِّعم الجديدة، وعند اندفاع النقم التي وُجِدَ سببُها فَسَلِمَ منها
§ ولا يسجد عند النِّعمة المستمرَّة، فالنِّعمة المستمرَّة لو قلنا للإنسان إنه يستحبُّ أنْ يسجدَ لها لكان الإنسانُ دائماً في سُجود، لأن الله يقول: {{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا}}
§ ودليله :
· أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا جاءَه أمرٌ يُسِرُّ به، أو بُشِّر به، خَرَّ ساجداً؛ شُكراً لله تعالى
· وكذلك عَمَلُ الصَّحابة، فإنَّ عليَّ بنَ أبي طالب رضي الله عنه لما قاتل الخوارج؛ وقيل له: إنَّ في قتلاهم ذا الثُّدَيَّة الذي أخبرَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أنه يكون فيهم ، سَجَدَ لله شُكر
§ الصَّلاة تبطلُ بسُجودِ الشُّكرِ فيها، لأنَّه لا علاقة له بالصَّلاة، بخلافِ سُجودِ التِّلاوة؛ لأن سُجودَ التِّلاوةِ لأمرٍ يتعلَّق بالصَّلاة وهو القِراءة
§ من كان في صلاة وسجد للشكر عالما بالحكم ذاكرا له بطلت صلاته وإلا فلا
o أوقات النهي عن التطوع :
§ أوقات النهي خمسة :
· الأول مِن طلوع الفجر الثاني إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ والدليل :
o ما ثبت في الحديث «لا صلاةَ بعدَ صلاةِ الفجرِ حتى تطلعَ الشمسُ»
o والصحيح : أنَّ النَّهيَ يتعلَّقُ بصلاةِ الفجرِ نفسِهَا، وأما ما بين الأذان والإقامة، فليس وقت، لكن لا يُشرع فيه سوى ركعتي الفجر.
· الثاني من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح يعني قَدْرَ متر تقريباً في رأي العين فحينئذٍ يخرج وقت النَّهي ويُقدَّرُ بالنسبة للساعات باثنتي عشرة دقيقةً وللاحتياطُ يزيدَ إلى رُبعِ ساعة والدليل :
o حديث عُقبة بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال: «ثلاثُ ساعاتٍ نهانا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم أنْ نُصلِّيَ فيهنَّ، وأنْ نقبُرَ فيهنَّ موتانا، حين تطلعَ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقوم قائمُ الظَّهيرة، وحين تضَيفُ الشَّمسُ للغروب حتى تغربَ»
· الثالث عند قيام الشمس حتى تزول أي عندما تصل إلى منتهى ارتفاعها في السَّماء فإذا انتهت بدأت بالانخفاض ودليل ذلك :
o حديث عُقبة الذي فيه «وحين يقوم قائمُ الظَّهيرة»
· الرابع من صلاة العصر إلى غروبها ودليله :
o ما ثبت في الصَّحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن الصَّلاةِ بعد الفجرِ حتى تطلعَ الشَّمسُ، وبعدَ العصرِ حتى تغربَ الشَّمسُ»
· الخامس إذا شرعت الشمس في الغروب حتى يتم أي أنَّ قُرْصَ الشَّمس إذا دَنَا من الغُروب، يبدو ظاهراً بَيِّناً كبيراً واسعاً، فإذا بدأ أوَّلُه يغيب فهذا هو وقتُ النَّهي إلى تمام الغُروب ودليله :
o حديث عُقبة الذي فيه : «وحين تَضَيَّفُ الشَّمسُ للغُروبِ حتى تغربَ»
o ولكن الظَّاهر أن معنى «تَضَيَّف» أي: تميل للغروب، وينبغي أن يُجعل هذا الميل بمقدارها عند طُلوعها، يعني: قَدْرَ رُمْحٍ، فإذا بقي على غروبها قَدْرَ رُمْحٍ دخل وقتُ النَّهي الذي في حديث عُقبة، لكن ثبت في الصَّحيح عن ابنِ عُمر أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا غابَ حاجبُ الشَّمسِ فأخِّرُوا الصَّلاةَ حتى تغيبَ»
§ وأمَّا بالاختصار فأوقات النهي ثلاثة:
· مِن الفجرِ إلى أنْ ترتفعَ الشمسُ قيد رُمْحٍ
· وحين يقومُ قائمُ الظَّهيرة
· ومِن صلاة العصر حتى يتمَّ غروبُ الشَّمس.
§ هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها تشمل جميع التطوع والمذهب استثنى ما يلي :
· قضاءَ الفرائضِ والدَّليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَن نَامَ عن صلاة أو نسيَهَا فليصلِّها إذا ذكَرَهَا» وهذا عامٌّ يشمل جميع الأوقات، ولأن الفرائض دَيْنٌ واجب فوجب أداؤه على الفَورِ مِن حين أن يعلمَ به
· ركعتي طواف والدَّليلُ قولُ النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «يا بَنِي عَبدِ مَنَافٍ، لا تمنعوا أحداً طَافَ بهذا البيتِ وصَلَّى فيه أيَّةَ ساعةٍ شاءَ مِن ليلٍ أو نهارٍ»
· إعادة جماعة والدَّليلُ أنَّه صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى ذاتَ يوم صلاةَ الفجر في مِنَى، فلما انصرف إذا برجلين قد اعتزلا؛ لم يصلِّيا مع الناس، فدعا بهما فجِيء بهما تُرعَدُ فرائصهُما، فقال: ما منعكما أن تُصلِّيَا معنا؟ قالا: يا رسول الله صَلَّينا في رِحالنا، فقال لهما: إذا صَلَّيتُما في رحالِكما، ثم أتيتما مسجدَ جماعةٍ فصلِّيا معهم، فإنها لكما نافلة»
· سُنَّةُ الظُّهرِ التي بعدَها إذا جُمِعت مع العصر.
· مَن دَخَلَ يومَ الجُمُعةِ والإمامُ يخطُبُ؛ فإنَّه يُصلِّي ركعتين خفيفتين، ولو كان عند قيام الشمس
· ودليل ذلك: «أنَّ رَجُلاً دَخَلَ والنَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يخطُبُ يومَ الجُمُعَةِ، فجَلَسَ، فقال له: «أصَلَّيتَ؟» قال: لا، قال: «قُمْ فَصَلِّ ركعتين وتجوَّزْ فيهما»
· سُنَّة الفجر قبل صلاة الفجر
· صلاة الجَنازة تُفعل في أوقات النَّهي الطويلة لعمُومِ الأدلَّة في وجوبِ الصَّلاةِ على الميِّتِ، ولأنه ينبغي الإسراعُ في دَفْنِهِ
§ عدا ما استثي فإن المذهب يرى أنه لا يجوزُ التطوُّع في هذه الأوقات حتى الذي له سببٌ وذلك :
· لعموم الأدلَّةِ في أنَّه لا صلاةَ في هذه الأوقات، فعمُوم النَّهي مقدَّمٌ على عموم الأمر
· وأنه إذا اجتمعَ مُبيحٌ وحاظرٌ، أو اجتمعَ أمْرٌ ونهيٌ، فالاحتياطُ التجنُّبُ خوفاً مِن الوقوع في النَّهي
· قالوا فلذلك نمتنعُ ونقتصرُ على ما وَرَدَ به النَّصُّ مِن إعادةِ الجَمَاعةِ وركعتي الطَّواف وما أشبههما.
§ والقولُ الثاني في المسألةِ وهو الصحيحُ أنَّ ما له سببٌ يجوز فِعْلُه في أوقاتِ النَّهي كلِّها، الطويلةِ والقصيرةِ لِما يأتي:
· أولاً أنَّ عمومَه محفوظٌ لم يُخصَّصْ، والعمومُ المحفوظُ أقوى مِن العمومِ المخصوصِ.
· ثانياً أنْ يُقال ما الفرقُ بين العمومِ في قوله: «مَنْ نامَ عن صلاةٍ أو نسيَها فَلْيُصلِّها إذا ذَكَرَها» وقوله: «إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ حتى يُصلِّيَ ركعتين» ؟. فإذا قلتم أن الحديث الأول عامُّ في الوقت فكذالك الثاني فلا فَرْقَ فإن الحديث الأول خاصٌّ في الصَّلاة عامٌّ في الوقتِ وكذالك الثاني فكما جعلتم الحديث الأول مخصص لعموم «لا صَلاةَ بعدَ الصُّبح» أو «بعدَ العصرِ» فكذالك اجعلوا الثاني
· ثالثاً : أنَّها مقرونة بسبب، فيبعد أنْ يقعَ فيها الاشتباهُ في مشابهة المشركين؛ لأنَّ النَّهيَ عن الصَّلاةِ قبلَ طلوعِ الشَّمسِ وقبلَ غروبِها، لئلا يَتَشَبَّهَ المُصلِّي المسلمُ بالمشركين الذين يسجدونَ للشَّمسِ إذا طلعتْ وإذا غربتْ، فإذا أُحيلت الصَّلاةُ على سببٍ معلومٍ كانت المشابهةُ بعيدةً أو معدومةً.
· رابعاً : أنَّه في بعضِ ألفاظِ أحاديثِ النَّهي: «لا تَحرَّوا بصلاتِكُم طُلوعَ الشَّمسِ ولا غُروبَها» والذي يُصلِّي لسببٍ لا يُقال إنَّه متحرٍّ. بل يُقال: صَلَّى للسَّببِ.
o فائدة : الأمورُ التي تفارقُ فيها النوافلُ الفرائضَ:
§ 1 ـ أنَّ الفرائضَ فُرضتْ على النَّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في السَّماءِ ليلة المعراجِ، بخلافِ النوافلِ، فإنَّها كسائرِ شرائعِ الإسلامِ.
§ 2 ـ تحريمُ الخروجِ مِن الفرائضِ بلا عُذْرٍ، بخلافِ النوافلِ.
§ 3 ـ الفريضةُ يأثمُ تارِكُها، بخلافِ النافلةِ.
§ 4 ـ الفرائضُ محصورةُ العددِ، بخلافِ النوافلِ فلا حصرَ لها.
§ 5 ـ صلاةُ الفريضةِ تكون في المسجدِ، بخلافِ النافلةِ فهي في البيتِ أفضلُ إلا ما استُثني.
§ 6 ـ جوازُ صلاةِ النافلةِ على الراحلة بلا ضرورة، بخلاف الفريضةِ.
§ 7 ـ الفريضةُ مؤقَّتةٌ بوقتٍ معيَّن، بخلافِ النافلةِ، فمنها المؤقَّتُ وغيرُ المؤقَّتُ.
§ 8 ـ النافلةُ في السفر لا يُشترط لها استقبالُ القِبلة، بخلافِ الفريضةِ.
§ 9 ـ جوازُ الانتقالِ مِن الفريضةِ إلى النَّافلةِ غيرِ المعيَّنةِ، والعكس لا يصحُّ.
§ 10 ـ النَّافلةُ لا يكفُرُ بتركِها بالإجماعِ، وأما الفريضةُ فيَكْفرُ على القولِ الصَّحيحِ.
§ 11 ـ النَّوافلُ تكمِّلُ الفرائضَ، والعكسُ لا يصحُّ.
§ 12 ـ القيامُ ركنٌ في الفريضةِ، بخِلافِ النَّافلةِ.
§ 13 ـ لا يصحُّ نَفْلُ الآبق، ويصحُّ فَرْضُه.
§ 14 ـ جوازُ الاجتزاء (الاكتفاء) بتسليمة في النَّفْلِ على أحدِ القولين، دون الفرض.
§ 15 ـ لا يُشرع الأذانُ والإقامةُ في النَّفلِ مطلقاً، بخلافِ الفَرْضِ.
§ 16 ـ الفريضةُ تُقصرُ في السَّفرِ، أما النَّافلةُ التي في السَّفر فلا تُقصر.
§ 17 ـ النَّافلةُ تسقطُ عند العجز عنها، ويُكتب أجرُها لِمَن اعتادَها، والفريضةُ لا تسقطُ بحالٍ، ويُكتبُ أجرُ إكمالِها لمن عجز عنه؛ إذا كان من عادته فِعْلُه.
§ 18ـ جميعُ الفرائضِ يُشرعُ لها ذِكْرٌ بعدَها، أما النَّوافلُ فقد وَرَدَ في بعضِها، وفي بعضهِا لم يردْ.
§ 19 ـ النَّافلةُ تجوزُ في جَوْفِ الكعبةِ، وأما الفريضةُ فلا. والصَّحيحُ جوازُها فلا فَرْقَ.
§ 20 ـ وجوبُ صلاةِ الجماعة في الفرائض، دون النوافلِ.
§ 21 ـ الفرائضُ يجوزُ فيها الجمعُ، بخلافِ النوافلِ.
§ 22 ـ الفرائضُ أعظمُ أجراً مِن النوافلِ.
§ 23 ـ جوازُ الشُّربِ اليسيرِ في النفلِ، دون الفرض.
§ 24 ـ أنَّ النوافلَ منها ما يُصلَّى ركعةً واحدةً، بخلافِ الفرائضِ.
§ 25 ـ يُشرعُ في صلاةِ النافلةِ السؤالُ والتعوُّذ عند تِلاوة آيةِ رحمةٍ، أو آيةِ عذابٍ، وأما الفريضةُ فإنه جائزٌ غيرُ مشروعٍ.
§ 26 ـ جوازُ ائتمام البالغِ بالصَّبي في النافلةِ، دون الفريضةِ، والصَّوابُ جوازه فلا فَرْقٍ.
§ 27 ـ جوازُ ائتمامِ المتنفِّلِ بالمفترضِ، دون العكس، والصَّحيحُ جوازُه فلا فَرْقَ.
§ 28 ـ النَّوافلُ منها ما يُقضى على صِفته، ومنها ما يُقضى على غير صِفته كالوِتر ، أما الفرائضُ فتُقضَى على صِفتها، لكن يُستثنى مِن ذلك الجُمعةُ، فإنها إذا فاتتْ تُقضى ظُهراً.
§ 29 ـ صلاةُ الفَريضةِ الليلية يُجهر فيها بالقِراءة، أما النَّفلُ الذي في الليلِ فهو مخيَّرٌ بين الجهرِ وعدمِه.
§ 30 ـ وجوبُ ستر العاتق في الفريضة على أحد القولين، دون النافلة.
§ 31 ـ مِن النوافلِ ما تسقطُ بالسَّفَرِ، وأما الفرائضُ فلا يسقطُ منها شيءٌ.

أبو صهيب 9 ربيع الثاني 1431هـ/24-03-2010م 03:07 PM

ü صلاة الجماعة :

o حكمها :
§ واجبة للرجال ودليلُ وجوبها مِن كتابِ الله وسُنَّةِ رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وعَمَلِ الصحابةِ رضي الله عنهم :
· أما الكتابُ فقول الله تعالى :
o {{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}} فاللامُ للأمْرِ، والأصلُ في الأمْرِ الوجوبُ. ويؤكِّد أنْ الأمْرَ للوجوب هنا أنَّه أمَرَ بها مع الخوفِ مع أنَّ الغالبَ أنَّ الناسَ إذا كانوا في خَوْفٍ يشُقَّ عليهم الاجتماع
o {{فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ}} سَجَدوا بمعنَى: أتمُّوا صلاتَهم.
o {{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا}} أي: لم يصلُّوا مع الأُولى.
o {{فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}}. فهنا أَمَرَ اللهُ عزّ وجل بصلاةِ الجماعةِ وتفريقِ الجُندِ إلى طائفتين، فيُستفادُ منه أنَّ صلاةَ الجماعةِ فَرْضُ عينٍ.ووجه ذلك: أنَّها لو كانت فَرْضُ كِفايةٍ لسَقَطَ الفرضُ بصلاةِ الطائفة الأُولى.
· أما السُّنَّةُ: فالأدَّلةُ فيها كثيرةٌ منها:
o 1- حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لقد هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بالصَّلاةِ فتُقامَ. ثم آمُرَ رَجُلاً فيصلِّيَ بالنَّاسِ. ثم انطلقَ معي برِجَالٍ معهم حُزَمٌ مِن حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لا يشهدُون الصَّلاةَ؛ فأُحَرِّقَ عليهم بيوتَهم بالنَّارِ» فقد هَمَّ بذلك؛ لكنَّه لم يفعلْ والسبب ـ والعِلْمُ عند اللهِ ـ أنَّه لا يُعاقِبُ بالنَّارِ إلا رَبُّ النَّارِ عزّ وجل، وإنْ كان قد رَوى الإمامُ أحمدُ أنَّه قال: «... لولا ما فيها مِن النِّساءِ والذُّرِّيَّةِ» وهذه الزيادةُ ضعيفةٌ
o 2- «استأذَنه رجُلٌ أعمى أن لا يُصلِّيَ في المسجدِ، قال: هل تسمعُ النداءَ؟ قال: نعم، قال: فأجِبْ»
o 3- أخرجَ أصحابُ السُّنَنِ أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ سَمِعَ النِّداءَ فلم يُجبْ؛ فلا صلاةَ له إلا مِن عُذْرٍ»
· وأمَّا عَمل الصحابة فقد جاء في «صحيح مسلم» عن ابنِ مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: «لقد رَأيتُنَا ـ يعني الصحابة مع رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم ـ وما يتخلَّفُ عنها إلا منافقٌ معلومُ النِّفاقِ، ولقد كان الرَّجلُ يُؤتَى به يُهادَى بين الرَّجُلينِ حتى يُقامَ في الصَّفِ». دَلَّ ذلك على اهتمامهم بها، وأنَّهم يَرون وجوبَها وامتناعَ التخلُّفِ عنها
· ويُضافُ إلى ذلك: ما فيها مِن المصالحِ والمنافعِ التي تدلُّ على أنَّ الحِكمةَ تقتضي وجوبَها ومنها:
o التوادُّ بين النَّاسِ
o التَّعارفُ
o إظهارُ شعيرةٍ مِن شعائر الإسلام
o إظهارُ عِزِّ المسلمين إذا دخلوا المساجدَ ثم خرجوا جميعاً بهذا الجَمْعِ
o تعليمُ الجَاهلِ، فإنَّ كثيراً مِن النَّاسِ يستفيد ما يُشرع في الصَّلاةِ بواسطة صلاةِ الجماعة
o تعويدُ الأمَّةِ الإسلاميةِ على الاجتماعِ وعدم التفرُّق
o ضبطُ النَّفسِ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا اعتادَ على أن يتابعَ إماماً متابعةً دقيقةً تعوَّدَ على ضَبْطِ النَّفسِ
o استشعارُ النَّاسِ بهذا وقوفهم صفًّا في الجهاد
o تذكرُ المصلين صفوف الملائكة عند الله تبارك وتعالى فيزدادون بذلك تعظيماً لله ومحبة لملائكة الله.
o شعورُ المسلمين بالمساواة في عبادة الله تعالى
o ما يحصُلُ مِن تفقُّدِ الأحوالِ أحوال الفقراء، والمرضَى والمتهاونين بالصَّلاةِ
o الأصلُ الأصيل وهو التعبُّد لله تعالى بهذا الاجتماع
o استشعارُ آخِرِ هذه الأمة بما كان عليه أولُها
§ وقال بعض العلماء: إنها فرض كفاية.
§ وقال آخرون إنها سُنَّة ٌواستدلَّوا :
· بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «صَلاةُ الجَماعةِ أفضلُ مِن صَلاةِ الفَذِّ بسَبْعٍ وعِشرينَ دَرجةً» فقالوا إنه قال: «أفضل» والأفضل ليس بواجب.
· ولكن هذا الاستدلالُ ضعيفٌ جداًلأنَّ المرادَ هنا: بيانُ ثوابِ صلاةِ الجماعةِ، وأنَّ أجرَها أفضلُ وأكثرُ، لا حُكمَ صلاةِ الجماعةِ، وذِكْرُ الأفضليَّة لا ينفي الوجوب.
§ ومن العلماء من قال إنَّها شرطٌ لِصحَّةِ الصلاةِ وبه قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله، وابنُ عقيل. وكلاهما مِن الحنابلةِ، وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمد وعلى هذا القول: لو صَلَّى الإنسانُ وحدَه بلا عُذْرٍ شرعيٍّ فصلاتُه باطلةٌ
· وهذا القولُ ضَعيفٌ، ويضعِّفُه أنَّ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «صَلاةُ الجماعةِ أفضلُ مِن صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعِشرين درجةً» والمفاضلةُ: تدلُّ: على أنَّ المُفَضَّلَ عليه فيه فَضَلٌ، ويلزمُ مِن وجودِ الفَضْلِ فيه أنْ يكون صحيحاً
§ وأما النساء المنفردات عن الرِّجَال فقد اختلفَ العلماءُ في حكمها لهن إلى ثلاثة أقوال :
· الأول : أنها سُنَّةٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ أُمَّ وَرَقَةَ أَنَّ تَؤُمَّ أهلَ دَارِها.
· الثاني : أنَّها مكروهةٌ، وضَعَّفَ الحديثَ، وقال: إنَّ المرأةَ ليست مِن أهلِ الاجتماع وإظهارِ الشَّعائرِ، فيُكره لها أنْ تُقيمَ الجَماعةَ في بيتِها، ولأنَّ هذا غيرُ معهودٍ في أمهاتِ المؤمنين وغيرِهنَّ.
· الثَّالثُ : أنَّها مباحةٌ، وقال: إنَّ النِّساءَ مِن أهلِ الجماعةِ في الجُملةِ، ولهذا أُبيحَ لها أنْ تحضرَ إلى المسجدِ لإقامةِ الجماعةِ، فتكونُ إقامةُ الجماعةِ في بيتها مباحةً مع ما في ذلك مِن التستُّرِ والاختفاءِ وهذا القولُ لا بأس به، فإذا فعلتْ ذلك أحياناً فلا حرجَ.
§ وأما الصبيانَ الغير البالغين لا تجب عليهم
§ وأما الخُناثى الذي لا يُعلم أذكرٌ هو أم أُنثى، فلا تجب عليهم الجماعةُ، وذلك لأن الشَّرطَ فيه غير متيقَّن، والأصلُ براءةُ الذِّمَّةِ وعدمُ شغلِها
§ وأما العبيدُ :
· قيل تلزمهم الجماعةِ :
o لأنَّ النصوصَ عامةٌ، ولم يُسْتَثْنَ منها العبدُ
o ولأنَّ حَقَّ اللهِ مقدَّمٌ على حقِّ البشرِ
· وقال بعضُ العلماءِ تلزمُ العبدَ بإذن سيِّدهِ، وهذا هو الأقرب
§ تجِبُ في السَّفرِ كما تجب في الحضر ودليلُ ذلك :
· عمومُ أدلَّةِ الوجوبِ
· وأيضاً أنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّه صلّى الله عليه وسلّم إذا كان فيهم في الجهادِ أنْ يُقيمَ لهم الصَّلاةَ جماعةً، ومِن المعلومِ أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لم يقاتلْ إلا في سَفَرٍ
· وأيضاً: مداومةُ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم في السَّفَرِ على الصَّلاةِ جماعةً حتى في قضائها حين غلبهم النَّومُ فلم يستيقظوا إلا بعد الوقت وقد قال: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلي»
§ تجب للصلوات الخمس فهي واجبةٌ للصَّلاةِ، وليست واجبةً فيها ويترتب على ذالك :
· صحة الصلاة مع تركها بلا عذر مع الإثمِ
· وكونها للصلوات الخمس خرج بذالك :
o المنذوْرةِ فإنَّها لا يجبُ أنْ تكون جماعةً
o صلاةُ النافلةِ غير صلاةِ الاستسقاءِ، والكسوفِ، إذا قلنا: بأنَّ صلاةَ الكسوفِ سُنَّةٌ، وقيامَ الليلِ في رمضان
o وأما صلاةِ الليلِ في غيرِ رمضان، فلا بأسَ أنْ يصلِّيَها جماعة أحياناً. ودليلُ ذلك أنَّ الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم كان يصلِّي أحياناً جماعةً في صلاةِ الليلِ كما صَلَّى معه ابنُ عباس ، وصَلَّى معه حذيفةُ بنُ اليمَان ، وصَلَّى معه عبدُ الله بن مسعود
o وأحياناً يُصلِّي حتى غير صلاةِ الليلِ جماعةً، كما صَلَّى بـ«أنس... وأمِّ سُليم ويتيم مع أنس». وكما صَلَّى جماعة في عِتْبَانَ بن مالك رضي الله عنه في بيته
§ تجب للمؤدَّاة كما تجب للمقضيَّة التي أخرجت عن وقتِها لعُذْرٍ شرعيٍّ .على أن الصَّحيحُ أن الصَّلاةُ في حَقِّهِ أداءً والدَّليلُ :
· قولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نَامَ عن صلاةٍ أو نسيَها فليصلِّها إذا ذكرَها لا كفَّارةَ لها إلا ذلك»، وتلا قولَه تعالى: {{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}}.
· والدَّليلُ على الوجوب :
o عمومُ الأدلَّةِ
o ولأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لمَّا نامَ عن صلاةِ الفَجْرِ هو وأصحابُه في سَفَرٍ ـ كما في حديثِ أبي قتادة ـ أَمَرَ بلالاً فأذَّنَ، ثم صَلَّى سُنَّةَ الفجرِ، ثم صَلَّى الفَجْرَ كما يصلِّيها عادةً جماعةً، وجَهَرَ بالقِراء
o مكانها :
§ الأصل أنها تؤدى في المسجد ويجوزُ أن تُصلِّيَ في البيتِ ويُترك المسجد هذا هو مقتضى كلام المؤلف واستدلَّ أصحابُ هذا القول:
· بأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «جُعِلت لي الأرضُ كلُّها مسجداً وطَهوراً»
· فالأرضُ كلُّها مسجِدٌ، والمقصودُ الجماعةُ، والجماعةُ تحصُلُ ولو كان الإنسانُ في بيتِهِ، لكنَّها في المسجدِ أفضلُ
§ وذهبَ بعضُ أهلِ العِلمِ إلى أنَّ كونها في المسجدِ مِن فُروضِ الكفايات، وأنَّه إذا قامَ بها مَن يكفي سقطت عن الباقين، وجازَ لمن سواهم أنْ يصلِّيَ في بيتِهِ جماعة. فقالوا:
· إنَّها مِن شعائر الإسلامِ الظَّاهرةِ، وما زال المسلمون يقيمونها في المساجدِ، ولو تعطَّلت المساجدُ، لم يتبيَّن أنَّ هذه البلدَ بلدُ إسلامٍ
§ وذهبَ آخرون إلى أنَّه يجبُ فِعْلُها في المسجدِ على كلِّ مَن تلزمُه. واستدلُّوا:
· بقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بالصَّلاةِ فتقامَ، ثم آمُرَ رجُلاً فيصلِّيَ بالناسِ، ثم أنطلقَ إلى قومٍ لا يشهدون الصَّلاةَ فأحرِّقَ عليهم بيوتَهم بالنَّارِ» وكلمة «قوم» جمعٌ تحصُلُ بهم الجماعة، فلو أمكن أن يصلُّوا في بيوتهم جماعة لقال إلا أن يصلُّوا في بيوتِهم . وهذا القولُ هو الصَّحيحُ
§ المفاضلة في الأماكن :
· وأهلُ الثَّغرِ الذين يقيمون على حُدودِ البلادِ الإسلامية الأفضلُ لهم أن يصلُّوا في مسجدٍ واحدٍ :
o لأنَّهم إذا صَلُّوا في المسجدِ الواحدِ؛ صاروا أكثر جمعاً؛ وحصلت بهم الهيبةُ فهابَهم الأعداءُ وتفقَّدَ بعضُهم بعضاً، وسأل عن الكُفَّارِ الذين حولَه، وهل مكانُه يحتاجُ إلى زيادةِ رجالٍ وسلاحٍ
o بشرطِ أن يأمنوا العدوَّ، فإن كانوا يخشون مِن العدوِّ إذا اجتمعوا في المسجد الواحد؛ فصلاةُ كُلِّ إنسانٍ في مكانِهِ أَولى أو أوجب.
· والأفضل لغير أهل الثَّغر أنْ يصلِّي في المسجدِ الذي تُقام فيه الجماعةُ إذا حضر ولا تُقام إذا لم يحضر بمعنى أنه تتوقف الجماعة على حضوره كإماماً إذا حضر أُقيمت الجماعةُ، وإنْ لم يحضُرْ تفرَّقَ الناسُ
· ثم يلي ما سبق المسجد الأكثر جماعة لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صَلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ، وصلاتُهُ مع الرَّجُلَين أزكى مِن صلاتِهِ مع الرَّجُلِ، وما كانوا أكثرَ فهو أحبُّ إلى اللهِ»
· ثم المسجد العتيق أي القديم فهو أولى مِن الجديد، لأن الطَّاعةَ فيه أقدم فكان أَولى بالمراعاة مِن الجديد
· إذا استوى المسجدان فيما سبق، وكان أحدُهما أبعد عن مكان الرجل فالأبعد أَولى مِن الأقربِ لأنَّ كلَّ خطوةٍ تخطوها إلى الصَّلاة يُرفعُ لك بها درجةٌ، ويُحطُّ بها عنك خطيئةٌ هذا ما ذهب إليه المؤلف
· لكن الصَّواب أن يقال إن الأفضلَ أنْ تُصلِّيَ فيما حولك مِن المساجد :
o لأنَّ هذا سببٌ لعِمارتهِ إلا أن يمتاز أحدُ المساجدِ بخاصِّيَّةٍ فيه فيُقدَّم
o وأيضا فيه التأليف للإمام وأهل الحيِّ، ويندفع به ما قد يكون في قلب الإمامِ إذا لم تُصلِّ معه؛ لا سيما إذا كنت رَجُلاً لك اعتبارك
o وأما الحديث فيجاب عنه بأنَّه في مسجدٍ ليس هناك أقرب منه
· فالحاصل أن الأفضل أن تصلِّيَ في مسجدِ الحَيِّ الذي أنت فيه، سواءٌ كان أكثر جماعة أو أقل، ثم يليه الأكثر جماعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما كان أكثرُ فهو أحبُّ إلى الله» ، ثم يليه الأبعدُ، ثم يليه العتيقُ؛ لأن تفضيلَ المكان بتقدُّم الطَّاعة فيه يحتاج إلى دليلٍ بَيِّنٍ، وليس هناك دليلٌ بَيِّنٌ على هذه المسألةِ
· المسجدُ البعيدُ الأحسنُ قِراءة أفضلُ من المسجد القريبِ الذي دونه في القراءة لأنَّ الفضلَ المتعلِّقَ بذات العبادةِ أَولى بالمراعاة مِن الفضلِ المتعلِّقِ بمكانِها
§ يحرم أن يكون إماماً في مسجد له إمامٌ راتبإ ِلاَّ بِإِذْنِهِ أَوْ عُذْرِهِ :
· لقولِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلطانه»
· وأيضا هو مقتضى القواعد الشرعية؛ لأنه لو ساغ له أن يؤمَّ في مسجد له إمام راتب بدون إذنه أو عذره؛ لأدَّى ذلك إلى الفوضى والنزاع
· إلا بإذنه : أي إلاَّ إذا وَكَّلَهُ توكيلاً خاصًّا أو توكيلاً عاماً
· أو عذره : كالمرض بحيث لا يحتمل أن يحضر معه إلى المسجد
· إذا صَلَّو بدون إذن الإمامِ ولا عذره فالراجح من قولي أهل العلم أن الصَّلاة تصحُّ مع الإثم

أبو صهيب 10 ربيع الثاني 1431هـ/25-03-2010م 07:54 PM

تابع صلاة الجماعة :

o إعادة الصلاة :
§ من صَلَّى الصَّلاةَ المفروضة ثم حضر مسجداً أقيمت فيه تلك الصلاة سن له أن يعيدهاَ إلا المغرب و تقعُ الثانيةَ نافلةً ودليل ذلك :
· قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «صَلِّ الصَّلاةَ لوقتِها، فإن أُقيمت الصَّلاةُ، وأنتَ في المسجدِ فَصَلِّ، ولا تقل إنِّي صَلَّيتُ فلا أُصَلِّي».
· ودليل آخر أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى صلاةَ الفجرِ ذاتَ يومٍ في مسجدِ الخَيْفِ في مِنَى، فلما انصرفَ مِن صلاتِهِ إذا برَجُلين قد اعتزلا، فلم يصلِّيا، فدعا بهما، فجِيءَ بهما ترعدُ فرائصُهُما هيبةً مِن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ما منعكما أنْ تُصلِّيا معنا؟ قالا: يا رسولَ الله، صلَّينا في رِحالِنَا، قال إذا صَلَّيتُما في رِحالِكما، ثم أتيتُما مسجدَ جماعةٍ، فصلِّيا معهم، فإنَّها لكما نافلة»
· وإذا أدركَ بعضَ المُعادةِ مع الإمام وقد صَلَّى ركعتين :
o فإن سَلَّمَ مع الإمامِ؛ ؛ فلا بأس لأنَّها نافلةٌ لا يلزمه إتمامُها
o وإن أتمَّ فهو أفضلُ؛ لعمومِ قولِهِ صلّى الله عليه وسلّم: «ما أدركتُم فصَلُّوا وما فاتكم فأتِمُّوا»
§ وأما المغرب ففي إعادتها ثلاثة أقوال :
· أحدها لا تُسنُّ إعادةُ المغربِ وهو المذهب وعلَّلوا ذلك :
o بأن المغربَ وِترُ النَّهار كما جاءَ في الحديثِ ، والوِترُ لا يُسَنُّ تكرارُه، فإنَّه لا وِتران في ليلةٍ، فكذلك لا وِترانِ في يومٍ.
· الثاني تُسَنُّ ويشفعُها بركعةٍ.
· الثالث تُسنُّ ولا يشفعُها، وهو الصَّحيحُ ودليل ذالك :
o عمومُ قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صَلَّيتُما في رِحالِكما، ثم أتيتُما مسجدَ جماعةٍ فصلِّيا معهم» فيشمَلُ المغربَ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يستثنِ شيئاً.
o وأما كونها وتر النهار فتشبه وتر الليل في عدم التكرار فقالو أنَّ إعادةَ المغربِ مِن أجلِ السَّببِ الذي حَدَثَ وهو حضور الجماعة، وهذا فَرْقٌ ظاهرٌ.
§ ولا يُسَنُّ أن يقصدَ المسجد للإعادة لأنَّ ذلك ليس مِن عادةِ السَّلفِ، ولو كان هذا مِن أمور الخير لكان أولَ الناسِ فِعْلاً له الصحابة
o تكرار الجماعة :
§ ولها ثلاثُ صور:
· الصورةُ الأُولى أن يكون إعادةُ الجماعةِ أمراً راتباً. فهذا لا شَكَّ أنَّه مكروهٌ إنْ لم نقل: إنه محرَّمٌ؛ لأنَّه بدعةٌ؛ لم يكن معروفاً في عهدِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وفيه من المحاذير:
o أنه تفريقٌ للأمَّةِ
o وأيضاً: أنه دعوةٌ للكسلِ؛ لأنَّ الناسَ يقولون: ما دامَ فيه جماعةٌ ثانية ننتظر حتى تأتي الجماعةُ الثانيةُ
· الصورة الثانية أن يكون المسجدُ مسجدَ سوقٍ فلا تُكره إعادةُ الجماعة فيه، قال بعضُ العلماء: قولاً واحداً، ولا خِلافَ في ذلك؛ لأنَّ هذا المسجدَ مِن أصلِهِ معدٌّ لجماعاتٍ متفرِّقةٍ؛ ليس له إمامٌ راتبٌ يجتمعُ الناسُ عليه
· الصورة الثالثة أن يكون أمراً عارضاً أي أنَّ الإمامَ الرَّاتبَ هو الذي يصلِّي بجماعةِ المسجدِ، لكن أحياناً يتخلَّفُ رَجُلان أو ثلاثةٌ أو أكثرُ لعذرٍ، فهذا هو محلُّ الخِلافِ :
o مِن العلماءِ مَن قال لا تعادُ الجماعةُ، بل يصلُّون فُرادى
o ومِنهم مَن قال بل تُعادُ، وهذا القول هو الصَّحيحُ، وهو مذهبُ الحنابلةِ، ودليل ذلك :
§ أولاً : حديث أُبيّ بن كعب أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ، وصلاتُه مع الرَّجُلين أزكى مِن صلاتِهِ مع الرَّجُلِ، وما كان أكثرُ فهو أحبُّ إلى اللهِ» ولو قلنا لا تُقامُ الجماعةُ لزم أَنْ نجعلَ المفضولَ فاضلاً، وهذا خِلافُ النَّصِّ.
§ ثانياً : أن الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم كان جالساً ذاتَ يومٍ مع أصحابه، فَدَخَلَ رَجُلٌ بعدَ أن انتهتِ الصَّلاةُ، فقال: «مَنْ يَتصدَّقُ على هذا فَيصلِّيَ معه؟» ، فقامَ أَحَدُ القومِ فَصلَّى مع الرَّجُلِ. وهذا نَصٌّ صريحٌ ، وأما قولُ مَن قال: إنَّ هذه صدقةٌ، وإذا صَلَّى اثنان في المسجدِ وقد فاتتهما الصَّلاةُ فصلاةُ كلِّ واحدٍ منهما واجبٌة؟ فيقال: إذا كان يُؤمرُ بالصَّدقةِ، ويُؤمرُ مَن كان صَلَّى أنْ يصلِّيَ مع هذا الرَّجُلِ، فكيف لا يُؤمرُ مَن لم يُصلِّ أنْ يُصلِّيَ مع هذا الرَّجُلِ؟
· ومسجدي مكة والمدينة كغيرهما في حُكمِ إعادةِ الجماعةِ على الصحيح
o الصلاة عند إقامة الصَّلاةِ :
§ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ المَكْتُوبَةُ والحكمةُ مِن النَّهي هو:
· أن لا يتشاغلَ الإنسانُ بنافلةٍ يقيمُها وحدَه إلى جَنْبِ فريضةٍ تقيمُها الجماعةُ؛ لأنه يكون حينئذٍ مخالفاً للنَّاسِ مِن وجهين:
o الوجه الأول : أنَّه في نافلةٍ، والنَّاسُ في فريضةٍ.
o الوجه الثاني : أَنَّه يُصلِّي وحدَه، والنَّاسُ يصلُّون جماعةً
§ اختلف أهل العِلمِ في المقصود بالإقامة على ثلاثة أقوال :
· القول الأول : أنَّ المرادَ بإقامةِ الصَّلاةِ الشروعُ فيها، أي تكبيرةَ الإحرامِ.
· القول الثاني: أنَّ المرادَ بالإقامةِ ابتداءُ الإقامةِ؛ التي هي الإعلامُ بالقيامِ إلى الصَّلاةِ.
· القول الثالث : أنَّ المرادَ انتهاءُ الإقامةِ
§ في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فلا صلاة» هل يشمَلُ الابتداءَ والإتمامَ قولان لأهلِ العِلمِ :
· القول الأول : أنَّه يشمَلُ الابتداءَ، والإتمامَ، أي: فلا صلاةَ ابتداءً ولا إتماماً، فلا يُتِمُّ صلاةً هو فيها، حتى إنَّ بعضَهم بالغ فقال: لو لم يبقَ عليه إلا التسليمةُ الثانيةُ وأقامَ المقيمُ فإنَّها تبطلُ صلاتُه
· القول الثاني : أنه لا صلاةَ ابتداءً وعلى هذا القول يُتِمُّ النَّافلةَ ولو فاتته الجَماعةُ.
· والذي يظهر أن قولَه صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ» المرادُ به ابتداؤها، وأنه يَحرُمُ على الإنسانِ أن يبتدىءَ نافلةً بعدَ إقامةِ الصَّلاةِ، أي: بعدَ الشروعِ فيها؛ لأنَّ الوقت تعيَّنَ لمتابعةِ الإمام.
§ من شرع في نافلة ثم أُقيمتِ الصَّلاةُ :
· فعلى المذهب يتمُّها خفيفةً مِن أجلِ المبادرةِ إلى الدُّخولِ في الفريضة إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها
· وأما الشيخ فيرى أنك إنْ كنتَ في الرَّكعةِ الثانيةِ فأتمَّها خفيفةً، وإنْ كنت في الرَّكعةِ الأولى فاقطعْهَا ومستندُ ذلك :
o قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَن أدركَ ركعةً مِن الصَّلاةِ فقد أدركَ الصَّلاةَ»
o فهذا الذي صَلَّى ركعةً قبلَ أَنْ تُقامَ الصَّلاةُ يكون أدركَ ركعةً مِن الصَّلاةِ سالمة مِن المعارضِ الذي هو إقامةُ الصَّلاةِ، فيكون قد أدرك الصلاةَ بإدراكِه الركعةَ قبلَ النهي فليُتمَّها خفيفةً، أما إذا كان في الركعة الأولى ولو في السَّجدةِ الثانيةِ منها فإنَّه يقطعُها؛ لأنه لم تتمَّ له هذه الصَّلاةُ، ولم تخلصْ له؛ حيث لم يدركْ منها ركعة قبلَ النَّهي عن الصَّلاةِ النافلةِ
§ «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة»:
· لا فَرْقَ بين أن تقامَ الصَّلاةُ وأنت في المسجدِ أو في بيتِكَ مع وجوب الجماعةِ عليك إن كنت تسمع الإقامة منه لقربك
· مرادُه إذا كنتَ تريدُ أنْ تصلِّيَ مع هذا الإمامِ، أما لو كان بجوارِكَ مسجدان وسمعتَ إقامةَ أحدِهما، وأردت أن تصلِّيَ الرَّاتبةَ ؛ لتصلِّيَ في المسجدِ الثاني؛ فلا حَرَجَ عليك
o إدراك الجماعة :
§ إذا كَبَّرَ المأمومُ قبلَ سلامِ إمامه التَّسليمةَ الأُولى، فإنه يدركُ الجماعةَ إدراكاً تاما ً على المذهب ووجه ذلك :
· أنه أدركَ جزءاً مِن الصلاةِ، فكان له حكمُ مُدركِ الصَّلاةِ، كمَن أدركَ ركعةً، فإنَّ مَن أدركَ ركعةً، أدركَ الصَّلاةَ بمقتضى الحديثِ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: «مَن أدركَ ركعةً مِن الصَّلاةِ فقد أدركَ الصَّلاةَ»
· وأما اعتبار التَّسليمةَ الأُولى دون الثانية فإنه لمَّا سَلَّمَ التسليمةَ الأُولى شَرَعَ في التَّحلُّلِ مِن الصَّلاةِ فلا يصحُّ أنْ تنويَ الائتمامَ به وهو قد شَرَعَ في التَّحلُّلِ مِن الصَّلاةِ
§ القول الثاني أنَّه لا يدركُ الجماعةَ إلا بإدراكِ ركعة كاملة وهذا اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله ودليلُه :
· قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَن أدركَ ركعةً مِن الصَّلاةِ فقد أدركَ الصَّلاةَ» فإنَّ مفهومُ الحديث أنَّ مَن أدركَ دون ذلك فإنه لم يدركْ الصَّلاةَ
· ولا يصحُّ قياسُ إدراكِ ما دون الركعةِ على إدراكِ الرَّكعة لأنَّ إدراكَ الرَّكعةِ أكبر وأكثر مِن إدراكِ ما دون الرَّكعةِ، والأقلُ لا يُقاسُ على الأكبرِ والأكثرِ.
· ودليلُه من حيث القياس أنَّه لو أدركَ في الجُمُعةِ أقلَّ مِن الرَّكعةِ لزِمَه أن يتمَّها ظهراً، ولم يكن مُدركاً لها، فأيُّ فَرْقٍ بين الإدراكين
o إدراك الركعة :
§ أما الركعة :
· فمن لَحِقَ الإمامَ راكعاً ودخَلَ معه في الركوع يكون قد أدركَ الرَّكعةَ.
§ وأما التكبير :
· فتجزأه تكبيرةُ الإحرامِ عن تكبيرةِ الرُّكوعِ، فيكبِّرُ مرَّةً واحدة وهو قائمٌ، ثم يركعُ بدون تكبير وذلك :
o لأنَّهما عبادتان مِن جنسٍ واحدٍ اجتمعتا في آنٍ واحدٍ، فاكتُفِيَ بإحداهما عن الأخرى.
o وأيضا لو اشتغل بالتكبير للرُّكوعِ فرُبَّما فاته الرُّكوعُ، والمحافظةُ على الرُّكوعِ أَولى؛ لأنَّ التكبيرَ واجبٌ للرُّكوعِ، والرُّكوعُ هو الأصلُ؛ لأنه رُكْنٌ ولكن؛ التكبيرُ أفضلُ وأكملُ؛ لأنَّ المقامَ مقامُ احتياط
· والقول الثاني في المسألة أنه يجبُ أن يكبِّر للرُّكوعِ
· مسألة إذا أدرك الإمام في السجود أو الجلوس غير الركوع يُكبِّرُ للإحرامِ، لكن هل يُكبِّرُ مرَّةً ثانية أو لا يُكبِّرُ. فيه خلاف بين أهل العلم والاحتياطَ أن يكبِّرَ فإن تَرَكَه فلا حَرَجَ لأنه ليس هناك دليلٌ واضحٌ للتَّفريقِ بين الرُّكوعِ وغيرِه
§ وأما عدم اعتبار الفاتحة مع أنها ركن :
· فالمؤلِّفُ لم يتكلَّمْ عنها لأنَّ المشهورَ مِن المذهب أنَّه لا قِراءةَ على المأمومِ
· وأما على القولِ الرَّاجح مِن أنَّه يجبُ على المأمومِ أنْ يقرأَ الفاتحةَ في كلِّ ركعةٍ، فإنَّ الفاتحةَ هنا تسقطُ عنه بمقتضى الدَّليلِ والتعليلِ :
o أما الدليل فهو ما رواه البخاريُّ مِن حديثِ أبي بكرةَ رضي الله عنه أَنَّه دخلَ مع النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم راكعاً ، ولم يأمرْه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بقضاءِ تلك الرَّكعةِ.
o وأما التعليل : فهو أنَّ قراءةَ الفاتحةِ إنَّما تجبُ في حالِ القيامِ، والقيامُ هنا سَقَطَ لضرورةَ مُتابعة الإمامِ؛ فلمَّا سَقَطَ عنه القيامُ سَقَطَ عنه الذِّكرُ الواجبُ فيه، وهو قِراءةُ الفاتحةِ
o قراءة المأموم :
§ لا يجب على المأموم أن يقرأَ مع الإِمامِ لا في صلاة السِّرِّ ولا في صلاة الجهرِ على المذهب والدليلُ:
· حديثُ: «مَنْ كان له إمامٌ فقراءةُ الإمامِ له قراءةٌ» ، وهذا عامٌّ يشمَلُ الصَّلاةَ السريةَ والصَّلاةَ الجهريةَ، وهو نصٌّ في أنَّ قِراءةَ الإمامِ قراءةٌ له. ولكن هذا الحديثُ لا يصحُّ
· لكن يستحب قراءتها في الحالات التالية :
o في الصلاة السرية
o وفي الصلاة الجهرية عند سكوت إمامه
o وإذا لم يسمع الإمام لمانع عام كبعد أو ضجة حول المسجد أما المانع الخاص كالصمم
§ والقولُ الرَّاجحُ في هذه المسألةِ أنَّ المأمومَ يجبُ عليه قراءةُ الفاتحةِ، وذلك :
· لعمومِ قولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ لمَنْ لم يقرأْ بفاتِحةِ الكتابِ»
§ والقول الثالث : أنها تجبُ على المأمومِ في الصَّلاةِ السريَّةِ دون الجهرية ، لأنَّ الجهريَّةَ إذا قرأ فيها الإمامُ فقراءتُه قراءةٌ للمأمومِ ( وقد سبق تفصيل أكثر في باب الأركان عند الركن الثالث فليراجع )
o الاستفتاح :
§ يستفتح وإنْ كان يسمعُ قِراءةَ الإمامِ، وهذا اختيارُ بعضِ أهلِ العِلْم قالوا:
· لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم إنما نَهَى عن القِراءةِ فيما يجهرُ فيه الإمامُ بالقرآنِ. والاستفتاحُ والتعوذُ ليس بقراءةٍ
· والصَّوابُ في هذه المسألةِ : أنَّه لا يستفتحُ ولا يستعيذُ فيما يجهرُ فيه الإمامُ وعلى هذا فإذا دخلتَ مع إمامٍ وقد انتهى مِن قراءةِ الفاتحةِ، وهو يقرأُ السُّورةَ التي بعدَ الفاتحةِ، فإنَّه يسقطُ عنك الاستفتاحُ، وتقرأُ الفاتحةَ على القولِ الرَّاجحِ وتتعوَّذُ؛ لأنَّ التعوّذَ تابعٌ للقِراءةِ

أبو صهيب 11 ربيع الثاني 1431هـ/26-03-2010م 10:51 PM

تابع صلاة الجماعة :

o سبق المأموم للإمام :
§ سَبْقِ المأمومِ إمامَه حرامٌ في جميعِ أقسامِهِ والدليل :
· قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تركَعُوا حتى يركعَ، ولا تسجدُوا حتى يسجدَ» والأصلُ في النَّهي التحريمُ
· بل هو من مِن كبائرِ الذُّنوبِ لقولِ النَّبيِّ: «أما يخشى الذي يرفعُ رأسَه قبلَ الإِمامِ أن يُحَوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمارٍ، أو يجعلَ صورتَه صورةَ حِمارٍ»
§ وأما مِن حيث بُطلان الصَّلاةِ به فهو أقسام على المشهورِ مِن المذهبِ :
· الأول : أن يكون السَّبْقُ إلى تكبيرة الإحرامِ، بأن يكبِّرَ للإحرامِ قبلَ إمامِهِ أو معه، فلا تنعقدُ صلاةُ المأمومِ حينئذٍ، فيلزمُه أن يكبِّرَ بعدَ تكبيرةِ إمامِهِ، فإن لم يفعلْ فعليه إعادةُ الصَّلاةِ.
· الثاني : أن يكون السَّبْقُ إلى رُكْنٍ، مثل: أن يركَعَ قبلَ إمامِه أو يسجدَ قبلَه :
o فيلزمُه أن يرجعَ ليأتيَ بذلك بعدَ إمامِهِ وإنَّما وجبَ عليه الرُّجوعُ مِن أجلِ المتابعةِ، لأنَّه إذا رَجَعَ أتى به بعدَ إِمامِهِ فإنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا رَكَعَ فاركعوا، وإذا سَجَدَ فاسجُدوا»
o فإنْ لم يفعلْ :
§ عالماً ذاكراً بطلت صلاتُهُ
§ وإنْ كان جاهلاً أو ناسياً فصلاتُه صحيحةٌ.
· الثالث : أنْ يكونَ السَّبْقُ برُكنِ الرُّكوعِ، مثل أن يركعَ ويرفعَ قبلَ أنْ يركعَ إمامُه :
o فإن كان عالماً ذاكراً بطلتْ صلاتُه
o وإن كان جاهلاً أو ناسياً بطلتْ الرَّكعةُ فقط؛ إلا أن يأتيَ بذلك بعدَ إمامِهِ.
· الرابع : أن يكون السَّبْقُ برُكنٍ غيرِ الرُّكوعِ، مثل أن يسجدَ ويرفعَ قبلَ أنْ يسجدَ إمامُه :
o فيلزمُه أنْ يرجعَ ليأتيَ بذلك بعدَ إمامِهِ
o فإنْ لم يفعلْ :
§ عالماً ذاكراً بطلتْ صلاتُه
§ وإنْ كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة.
· الخامس : أن يكون السَّبْقُ برُكنين، مثل أن يسجدَ ويرفعَ قبلَ سجودِ إمامِهِ، ثم يسجدَ الثانيةَ قبلَ رَفْعِ إمامِهِ مِن السَّجدةِ الأولى، أو يسجدَ ويرفعَ ويسجدَ الثانيةَ قبلَ سجودِ إمامِهِ :
o فإنْ كان عالماً ذاكراً بطلتْ صلاتُه
o وإنْ كان جاهلاً أو ناسياً بطلتْ ركعتُه فقط؛ إلا أنْ يأتيَ بذلك بعدَ إمامِهِ.
§ والصَّحيحُ أنَّه متى سَبَقَ إمامَه :
· عالماً ذاكراً فصلاتُه باطلةٌ بكلِّ أقسامِ السَّبقِ
· وإنْ كان جاهلاً أو ناسياً فصلاتُه صحيحةٌ إلا أنْ يزولَ عذره قبل أنْ يدرِكَهُ الإمامُ :
o فإنه يلزمُه الرجوعُ ليأتيَ بما سَبَقَ فيه بعدَ إمامِه
o فإن لم يفعلْ عالماً ذاكراً بطلتْ صلاتُه، وإلا فلا.
o أحوالَ المأمومِ مع إمامِهِ :
§ الاول السَّبْقُ :
· وقد مرَّ أنه محرَّمٌ ومِن الكبائرِ بدلالةِ السُّنَّةِ.
· وأيضاً فيه دليلٌ نظريٌّ وهو أنَّ الإمامَ إمامٌ، والإمامُ يكون متبوعاً، وإذا سبقتَه أصبحَ الإمامُ تابعاً.
§ الثاني التَّخلُّفُ وهو نوعان تخلُّفٌ لعذرٍ وتخلُّفٌ لغير عذرٍ :
· التخلُّف لعذرٍ : يأتي بما تخلَّفَ به، ويتابعُ الإمامَ ولا حَرَجَ عليه، حتى وإنْ كان رُكناً كاملاً أو رُكنين إلا أن يصلَ الإمامُ إلى المكان الذي هو فيه؛ فإنَّه لا يأتي به ويبقى مع الإِمامِ، وتصحُّ له ركعةٌ واحدةٌ ملفَّقةٌ مِن ركعتي إمامهِ الرَّكعةِ التي تخلَّفَ فيها والرَّكعةِ التي وصلَ إليها الإِمامُ. وهو في مكانِهِ فإذا سلَّمَ الإِمامُ يقضِ الركعةَ التي تخلف فيها
· وأما التخلُّف لغير عذر فإما أن يكون تخلُّفاً في الرُّكنِ، أو تخلُّفاً برُكن :
o فالتخلُّفُ في الرُّكنِ معناه: أن تتأخَّر عن المتابعةِ، لكن تدركُ الإِمامُ في الرُّكنِ الذي انتقل إليه فالرَّكعةُ هنا صحيحةٌ، لكن الفعلُ مخالفٌ للسُّنَّةِ؛ لأنَّ المشروعَ أن تَشْرَعَ في الرُّكوعِ من حين أن يصلَ إمامك إلى الرُّكوعِ، ولا تتخلَّف؛ لقول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رَكَعَ فاركعوا»
o والتخلُّفُ بالرُّكنِ معناه: أنَّ الإِمامَ يسبقك برُكنٍ أي أن يركَعَ ويرفعَ قبل أن تركعَ :
§ الفقهاءُ رحمهم الله يقولون إنَّ التخلُّفَ كالسَّبْقِ :
· فإذا تخلَّفتَ بالرُّكوعِ فصلاتُك باطلةٌ كما لو سبقته به
· وإنْ تخلَّفتَ بالسُّجودِ فصلاتُك صحيحةٌ؛ لأنه تَخلُّفٌ برُكنٍ غيرِ الرُّكوعِ.
§ ولكن القولُ الراجحُ حسب ما رجَّحنَا في السَّبْقِ أنَّه إذا تخلَّفَ عنه برُكنٍ لغيرِ عُذرٍ فصلاتُه باطلةٌ، سواءٌ كان الرُّكنُ ركوعاً أم غير ركوع
§ الثالث الموافقة وهي إما في الأقوالِ، وإما في الأفعال :
· أما الموافقةُ في الأقوالِ فلا تضرُّ إلا في تكبيرةِ الإِحرامِ والسلامِ :
o أما في تكبيرةِ الإِحرامِ؛ فإنك لو كَبَّرتَ قبلَ أن يُتمَّ الإِمامُ تكبيرةَ الإِحرام لم تنعقدْ صلاتُك أصلاً؛ لأنه لا بُدَّ أن تأتيَ بتكبيرةِ الإِحرامِ بعد انتهاءِ الإِمامِ منها نهائياً.
o وأما الموافقةُ بالسَّلام، فقال العلماءُ إنه يُكره أن تسلِّمَ مع إمامِك التسليمةَ الأُولى والثانية، وأما إذا سلَّمت التسليمةَ الأولى بعدَ التسليمة الأولى، والتسليمةَ الثانية بعد التسليمةِ الثانية، فإنَّ هذا لا بأس به، لكن الأفضل أن لا تسلِّمَ إلا بعد التسليمتين.
o وأما بقيةُ الأقوالِ فلا يؤثِّرُ أن توافق الإِمامَ، أو تتقدَّم عليه، أو تتأخَّرَ عنه.
· وأما الموافقةُ في الأفعالِ فهي مكروهةٌ وقيل إنها خِلافُ السُّنَّةِ، ولكن الأقربُ الكراهةُ لأنَّ :
o الرسولَ عليه الصلاة والسلام قال: «إذا رَكع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركعَ» وفي السُّجودِ قال: «لا تسجدوا حتى يسجدَ».
o وقال البراءُ بن عَازب: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا قال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه» لم يَحْنِ أحدٌ منَّا ظهرَهُ حتى يقعَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم سَاجداً، ثم نَقَعُ سجوداً بعدَه.
§ الرابع: المتابعة:
· المتابعة هي السُّنَّةُ، ومعناها: أن يَشْرَعَ الإنسانُ في أفعالِ الصَّلاةِ فَوْرَ شروعِ إمامِهِ، لكن بدون موافقةٍ.
· فمثلاً: إذا رَكَعَ تركع؛ وإنْ لم تكملْ القراءةَ المستحبَّةَ، ولو بقيَ عليك آيةٌ، لكونها توجب التخلُّفَ فلا تكملها، وفي السُّجودِ إذا رفعَ مِن السجودِ تابعْ الإِمامَ، فكونك تتابعُه أفضلُ من كونك تبقى ساجداً تدعو الله؛ لأنَّ صلاتَك ارتبطت بالإِمامِ، وأنت الآن مأمورٌ بمتابعةِ إمامِكِ.
§ مسألة : إذا أُقيمت الصَّلاةُ، وكبَّرَ الإِمامُ، وقرأَ الفاتحةَ، وبقي رَجُلٌ لم يدخلْ مع الإِمامِ، وقال إذا ركعَ الإِمامُ قُمْتُ وركعتُ ، فهنا مادامَ لم يدخلْ في الصَّلاةِ؛ فإنَّه لا يلزمُه حكمُ الصَّلاةِ، لكنه قد أخطأَ وفَوَّتَ على نفسِك خيراً كثيراً لما يلي:
· أولاً : فاته فضيلةُ تكبيرةِ الإِحرامِ بعد الإمام، وقِراءةُ الفاتحةِ والسُّورةِ إنْ كان هناك سورة.
· ثانياً : عرَّض نفسَه لفوات ركعة؛ لأنَّ بعضَ العلماءِ قالوا: إنَّ ركعتَه لا تصِحُّ.
o ما يسن للإمام :
§ التخفيف مع الإتمام :
· المراد بالإِتمام موافقة السنّة، وليس الاقتصار على أدنى الواجب
· حكمه :
o يسنّ للإِمام التخفيف على قول المؤلف
o لكن إذا نظرنا في الأدلة تبين لنا أن التخفيف الموافق للسنة في حق الإمام واجب ودليل ذلك:
§ أن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما أطال بأصحابه قال له النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدُ يا معاذُ أنْ تكون فَتَّاناً» يعني: صادًّا للنَّاسِ عن سبيل الله
§ ويؤيدُ ذلك: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم شكا إليه رَجُلٌ فقال: إنِّي لَأَتأخَّرُ عن صلاةِ الصُّبحِ مِن أجْلِ فُلانٍ، مما يُطيلُ بنا. قال الرَّاوي: فما رأيتُ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم غَضِب في موعظةٍ قَطُّ أشدَّ ما غَضِبَ يومئذٍ. فقال: «يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ منكم منفِّرِين، فأيُّكم أمَّ النَّاسَ فليُوجِزْ، فإنَّ مِنْ ورائِه الكبيرَ والضعيفَ وذا الحاجة» والمراد بالإيجاز ما وافق السُّنَّةَ.
§ وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام غضب في هذه الموعظة من أجل الإطالة فكيف نقتصر على السنية في التخفيف.
§ ولهذا؛ فإنَّ القولَ الذي تؤيُّده الأدلَّة أنَّ التطويلَ الزائدَ على السُّنَّةِ حرامٌ؛ لأنَّ الرسولَ عليه الصلاة والسلام غَضِبَ لذلك.
§ وأيضاً كلامُ المؤلِّفِ يدلُّ على أن الإِتمامَ سُنَّةٌ، وفي هذا شيء مِن النَّظرِ؛ وذلك لأَنَّ الإِمامَ يتصرَّفُ لغيره، والواجبُ على مَن تصرَّفَ لغيره أن يفعلَ ما هو أحسنُ، أمّا مَن تصرَّفَ لنفسهِ فيفعل ما يشاء مما يُباح له
· التَّخفيفُ المطلوبُ مِن الإِمامِ ينقسم إلى قسمين كلاهما مِن السُّنَّةِ :
o تخفيفٍ لازم ومعناه ألا يتجاوز الإنسانُ ما جاءتْ به السُّنَّةُ، فإن جاوزَ ما جاءت به السُّنَّةُ فهو مُطوِّلٌ ودليلُ ذالك :
§ قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا كما رأيتُموني أُصَلِّي» وقال أنسٌ رضي الله عنه: «ما صَلَّيتُ وراءَ إِمامٍ قَطُّ أخفَّ صلاةً ولا أَتَمَّ مِن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم»
§ وقولُه صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أمَّ أحدُكم النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ»
o تخفيفٍ عارضٍ بحيث يكون هناك سببٌ يقتضي الإِيجازَ عمَّا جاءت به السُّنَّةُ ودليل ذالك :
§ قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنِّي لأدخُلُ في الصَّلاةِ، وأنا أُريد أنْ أُطَوِّلَ فيها؛ فأسمعُ بكاءَ الصَّبيِّ؛ فأتجوَّزُ في صلاتي؛ كراهيةَ أنْ أَشُقَّ على أُمِّهِ» وفي رواية: «... مَخَافةَ أنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ»

§ تطويل الركعة الأولى :
· يُسَنُّ للإمام أنْ يطوِّلَ الركعةَ الأُولى أكثر مِن الثانيةِ لأنّ :
o َ هذا هو السُّنَّةُ كما في حديث أبي قتادة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «كان يُطوِّلُ الرَّكعةَ الأُولى أكثر مِن الثانية»
o وأيضا هذا هو الموافقُ للطبيعة؛ لأنَّ الإنسانَ أول ما يدخل في الصَّلاةِ يكون أنشط، فكان مِن المناسبِ أن تكون الركعة الأُولى أطول مِن الثانية
o ولأنَّ في ذلك مراعاةٌ للمأموم الدَّاخل بعدَ إقامةِ الصَّلاةِ
· استثنى العُلماء مسألتين:
o المسألة الأولى إذا كان الفرقُ يسيراً، فلا حَرج مثل «سبح» و«الغاشية» في يوم الجمعة وفي يوم العيد، فإن «الغاشية» أطول، لكن الطُّولَ يسير.
o المسألة الثانية : الوجه الثاني في صلاة الخوف حيث أنَّ الإِمام يقسم الجيشَ إلى قسمين؛ قِسمٍ يبقون أمام العدو، وقِسمٍ يدخل مع الإِمام يصلّي، فإذا قامَ إلى الركعةِ الثانيةِ انفردَ الذين يصلّون معه وأتمّوا صلاتَهم؛ والإِمامُ واقفٌ، ثم انصرفوا إلى مكان الطائفةِ الباقيةِ تجاه العدو، وجاءت الطائفةُ الباقيةُ ودخلوا مع الإِمامِ؛ والإِمامُ واقفٌ، وصلّوا معه الركعةَ التي بقيت، فإذا جلسَ للتشهدِ قاموا وأتموا صلاتَهم قبل أن يُسلِّمَ الإِمامُ، ثم جلسوا للتشهد وسلّموا معه. فالإِمامُ في الركعةِ الثانيةِ كان وقوفُه أطول مِن وقوفِه في الركعةِ الأُولى، لكن هكذا جاء.
§ انتظارُ الداخل للصلاة :
o الانتظارُ يشمَلُ ثلاثةَ أشياء انتظار قبل الدُّخولِ في الصَّلاةِ وانتظار في الرُّكوعِ، ولا سيَّما في آخر ركعة وانتظار فيما لا تُدرك فيه الركعة، مثل السُّجود :
§ أما الأول وهو انتظارُ الدَّاخلِ قبل الشروعِ في الصَّلاة :
· فهذا ليس بسُنَّة، بل السُّنّةُ تقديمُ الصَّلاةِ التي يُسَنُّ تقديمُها، وأما ما يُسَنُّ تأخيرُه مِن الصَّلوات وهي العشاء؛ فهنا يُراعي الدَّاخلين؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في صلاةِ العشاءِ؛ إذا رآهم اجتمعوا عَجَّلَ، وإذا رآهم أبطأوا أخَّرَ.
· وذهبَ بعضُ أهلِ العِلمِ ـ استحساناً منهم ـ إلى أنَّه إذا كان الرَّجلُ ذا شَرَفٍ وإمامةٍ في الدِّين، أو إمارةٍ في الدُّنيا، فإنه يُستحبُّ انتظارُه، كمَنْ يُصلِّي في هذا المسجدِ دائماً؛ بشرط ألا يَشُقَّ على المأمومين.
· وهذه المسألةُ؛ في الحقيقة على إطلاقِها لا تنبغي؛ لأنَّ دينَ الله لا يُراعى فيه أحدٌ، ولكن إذا رأى الإنسانُ مصلحةً محقّقةً فهنا يترجَّحُ انتظارُه بشرط أن لا يَشُقَّ على الموجودين في المسجدِ، فإنْ شَقَّ فهم أَولى بالمراعاة.
§ الثاني انتظاره في الرُّكوع :
· مثل أن يكون الإِمامُ راكعاً، فأحسَّ بداخلٍ في المسجدِ، فلينتظرْ قليلاً حتى يُدركَ هذا الدَّاخلُ الرَّكعةَ، فهنا يكون للقولِ باستحبابِ الانتظارِ وَجْهٌ، ولا سيما إذا كانت الرَّكعةُ هي الأخيرةُ، مِن أجل أنْ يدركَ الجماعةَ. لكن؛ بشرطِ أن لا يَشُقَّ على المأمومين ويمكن أن يؤخذَ الدَّليلُ مما يلي :
o أولاً : «أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سَمِعَ بكاءَ الصَّبيِ أوجزَ في صلاتِهِ، مخافةَ أن تُفْتَنَ أُمُّهُ» فهنا غَيَّرَ هيئةَ الصَّلاةِ مِن أجلِ مصلحةِ شخصٍ.
o ثانياً : مِن إطالةِ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم الرَّكعةَ الأُولى في الصَّلاةِ، حتى إن الرَّجُلَ يسمعُ الإِقامةَ؛ ويذهبُ إلى البَقيع، فيقضي حاجَتَهُ، ثم يتوضَّأُ، ثم يأتي ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرَّكعةِ الأُولى. فإنَّ المقصودَ بهذا أن يدركَ النَّاسُ الركعةَ الأُولى.
o ثالثاً : من إطالةِ الرَّكعةِ الثانيةِ في صلاةِ الخَوْفِ؛ من أجلِ إدراكِ الطَّائفةِ الثانيةِ للصَّلاةِ.
§ الثالث انتظار الدَّاخلِ في رُكنٍ غيرِ الرُّكوعِ :
· أي في رُكنٍ لا يُدركُ فيه الرَّكعةَ ولا يُحسبُ له، فهذا نوعان:
o النوع الأول ما تحصُلُ به فائدةٌ : مثل أن يدخلَ في التشهُّدِ الأخيرِ، فهنا الانتظارُ حَسَنٌ؛ لأنَّ فائدته أن يدرك صلاةَ الجماعةِ عند بعضِ أهلِ العِلمِ
o النوع الثاني ما ليس فيه فائدةٌ، إلا أن يشاركَ الإِمامُ فيما اجتمع معه فيه مثل : أن يكون ساجداً في الرَّكعةِ الثالثة في الرُّباعيةِ فأحسَّ بداخلٍ، فهنا لا يُستحبُّ الانتظار
o وذهبَ بعضُ أهلِ العِلمِ إلى أنَّه لا ينتظرُ الدَّاخلَ مطلقاً، حتى وإنْ كان دخولُه في الرُّكوعِ في الركعةِ الأخيرةِ الذي تُدركُ به الجماعةُ، قال لأنَّ الصلاةَ لها هيئةٌ معلومةٌ في الشَّرعِ، فلا ينبغي أن تُغَيَّرَ مِن أجلِ مراعاةِ أحدٍ ولكن؛ الصحيحُ ما سَبَقَ تفصيلُه.

أبو صهيب 12 ربيع الثاني 1431هـ/27-03-2010م 08:35 PM

تابع صلاة الجماعة :
o صلاة المرأة في المسجد :
§ أفضل صلاة النساءُ في بيوتُهنَّ والدليل :
· قول النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم «لا تمنعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ، وبيوتُهُنَّ خيرٌ لَهُنَّ»
· ويُستثنى مِن ذلك الخروجُ لصلاةِ العيدِ، فإنَّ الخروجَ لصلاةِ العيدِ للنِّساءِ سُنَّةٌ، لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ أَنْ يخرج العواتقُ وذواتُ الخُدورِ
§ وأما إذا استأذنت مِن وليِّ أمرِها للخروج إلى المسجد كره منعها والدليلُ :
· قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمنعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ»
§ وقال بعضُ العلماءِ إنَّ هذا الحديث نهيٌ، والأصلُ في النَّهيِ التحريمُ، وعلى هذا؛ فيحرمُ على الوَليِ أنْ يمنعَ المرأةَ إذا أرادت الذِّهابَ إلى المسجدِ لتصلِّي مع المسلمين، وهذا القول هو الصَّحيحُ. ويدلُّ لهذا:
· أنَّ ابنَ عُمرَ رضي الله عنه لما قال له ابنُه بلالٌ حينما حَدَّثَ بهذا الحديث: «واللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ» لأنَّه رأى الفتنةَ، وتغيُّرَ الأحوالِ قال: والله لَنَمْنَعُهُنَّ، أقبلَ إليه عبدُ الله فسبَّهُ سبًّا شديداً ما سبَّهُ مثلَه قطُّ، وقال له: أقولُ لك: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمنعوا إماءَ اللهِ» وتقول: «والله لَنَمْنَعُهُنَّ.
· وهذا الفِعْلُ مِن ابنِ عُمرَ يدلُّ على تحريمِ المَنْعِ.
· لكن إذا تغيَّرَ الزَّمانُ فينبغي للإِنسانِ أن يُقْنِعَ أهلَه بعَدَمِ الخروجِ، حتى لا يخرجوا، ويَسْلَمَ هو مِن ارتكابِ النَّهْيِ الذي نَهَى عنه الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم.
§ وأما إذا أرادت الخرج متطيِّبةً فيجوزُ للوَليِّ أن يمنعَها، بل يجب أنْ يمنعَها في هذه الحالِ :
· لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهاها أن تشهد صلاةَ العشاءِ إذا كانت متطيِّبةً
· وكذلك لو خرجت متبرجةً بثيابِ زينةٍ أو بنعالٍ صرَّارةٍ أو ذاتِ عَقِبٍ طويلٍ، أو ما أشبه ذلك؛ فله أنْ يمنعَها قياساً على منعِها مِن الخروج متطيِّبةً.
o أحكامَ الإِمامةِ :
§ الأولى بالإمامة :
· الأولى بالإِمامة هو الذي يتصف بصفتين :
o أن يكون أقرأ والمقصود به الأجودُ قِراءةً، أي الذي يقرؤه قراءةً مجوَّدةً
o وعالم بفقه الصلاة أي الذي يعلم فِقْهَ الصَّلاةِ، بحيث لو طرأَ عليه عارضٌ في صلاتِهِ مِن سهوٍ أو غيرِه تمكَّنَ مِن تطبيقِهِ على الأحكامِ الشرعيَّةِ
o فإذا اجتمعَ أقرأُ وقارىءٌ فَقِيهٌ :
§ كلامُ المؤلِّفِ يفيد أنه يقدم الأقرأ غير الفقيه الذي لا يَعرفُ مِن أحكامِ الصَّلاةِ إلا ما يعرِفُهُ عامَّةُ الناسِ مِن القراءةِ والرُّكوعِ والسُّجودِ على القارىءُ الفقيهُ ودليلُ ذلك :
· قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «يَؤُمُّ القومَ أقرؤُهُم لكتابِ اللهِ»
§ وذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أَنَّه إذا اجتمعَ أقرأُ وقارىءٌ فَقِيهٌ، قُدِّمَ القارىءُ الفقيهُ، على الأقرأ غير الأفقه وأجابوا عن الحديث :
· بأنَّ الأقرأَ في عهد الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم والصحابةِ هو الأفقهُ؛ لأنَّ الصحابةَ كانوا لا يقرؤون عشرَ آياتٍ حتى يتعلَّمُوها؛ وما فيها مِن العِلْمِ والعمل
· وهذا القول هو الرَّاجحُ
· يلي الأقرأ الأفقه :
o فإذا اجتمعَ قارئان متساويان في القِراءةِ، لكن أحدُهما أَفْقَهُ قدم والدَّليلُ :
§ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يؤم القوم أقرأهم لكتابِ الله، فإنْ كانوا في القِراءةِ سواءً فأعلَمُهُم بالسُّنَّةِ...»
· ثم الأكبرُ سنا :
o إذا تساوَيا فيما سَبَقَ قدم الأكبر سنا والدليل :
§ قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث مالك بن الحُويرث: «... ثم لِيَؤُمَّكُمْ أكبرُكُم»
§ ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنْ كانوا في السُّنَّةِ سَواءً فأقدَمُهُم هِجْرَةً، فإنْ كانوا في الهجرةِ سواءً فأقدَمُهُم سِلْماً أو قال سِنًّا»
· ثم الأشرف :
o أي الأشرفُ نَسَباً، فالقرشيُّ مقدَّمٌ على غيرِه مِن قبائلِ العربِ
o فلو استووا في القِراءةِ وفي الفِقهِ على كلامِ المؤلِّفِ، وفي السِّنِّ قُدِّمَ الأشرفُ والدليلُ :
§ ما يُذكرُ عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال: «قَدِّمُوا قريشاً، ولا تَقَدَّموها»
§ لكن الحديثَ ضعيفٌ والصَّلاةُ عِبادة وطاعة؛ لا يُقدَّمُ فيها إلا مَن كان أَولى بها عند اللهِ سبحانه وتعالى
§ والصَّحيحُ إسقاطُ هذه المرتبةِ، وأنَّه لا تأثير لها في باب إمامةِ الصَّلاةِ.
· ثم الأقدم هجرة :
o إذا كانوا فيما سبق سواءً فأقدَمُهم هِجرةً أي: لو كانا مسلمين، ولكنَّهما في بلادِ كُفرٍ، فَسَبَقَ أحدُهما في الهِجرةِ إلى بلادِ الإسلام، فالمُقدَّمُ الأسبقُ هِجرةً؛ لأنَّه أسبقُ في الخَيرِ، وأقربُ إلى معرفةِ الشَّرعِ ممَّنْ تأخَّرَ وبقيَ في بلادِ الكفرِ والدليل :
§ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنْ كانوا في السُّنَّةِ سَواءً فأقدَمُهُم هِجْرَةً»
§ لكن هذا الترتيبُ ضعيفٌ لمخالفتِه قولَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «يَؤمُّ القومَ أقرَؤُهم لكتابِ اللهِ، فإن كانوا في القِراءةِ سواءً فأعلَمُهُمْ بالسُّنَّةِ، فإنْ كانوا في السُّنَّةِ سواءً فأقدَمُهم هِجرةً، فإن كانوا في الهِجرةِ سواءً فأقدَمُهم سِلماً»
§ فجعلَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الأقدمَ هجرةً في المرتبةِ الثالثةِ.
· ثم الأتقى» :
o أي الأشدُّ تقوى لله عزّ وجل والدَّليلُ:
o قوله تعالى: {{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}} [الحجرات: 13] وظاهرُ هذا الدَّليلِ أنَّ الأتقى مُقدَّمٌ على كُلِّ واحدٍ ممَّنْ سَبَقَ ، لأنَّه عامٌّ. وهذا فيه نظر
· فالمراتبُ على ما ذهبَ إليه المؤلِّفُ رحمه الله سِتٌّ:
o الأقرأُ، ثم الأَفْقَهُ، ثم الأَسَنُّ، ثم الأشرفُ، ثم الأقدمُ هِجرةً، ثم الأتقى.
o والصَّحيحُ: ما دَلَّ عليه الحديثُ الصحيحُ وهي خمسٌ: الأقرأُ، فالأعلمُ بالسُّنَّةِ، فالأقدم هِجرةً، فالأقدمُ إسلاماً، فالأكبرُ سِنًّا أما التقوى: فهي صِفةٌ يجبُ أن تُراعى ـ بلا شَكٍّ ـ في كُلِّ هؤلاء، ولا اعتبارَ للشرف
· ثم من قرع :
o إذا استوى رَجُلان في هذه المراتبِ كلِّها ؛ ففي هذه الحال نستعملُ القُرْعَةَ، فمَن غَلَبَ في القُرعةِ فهو أحقُّ بالإمامة والدليل على استعمال القُرعةِ في العباداتِ:
§ قَولُ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لو يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ، ثم لم يجدوا إلا أنْ يَسْتَهِموا عليه لاسْتَهَمُوا»
· ساكنُ البيتِ :
o ساكنُ البيتِ أحقُّ مِن الضَّيفِ والدليل :
§ قولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَؤمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في أهلِهِ ولا في سُلطانِهِ»
§ والنَّهيُ على سبيلِ التَّنزيه، وقيل على سبيلِ التَّحريمِ
§ إذا اجتمعَ مالكُ البيتِ ومستأجرُ البيتِ، فالمستأجرُ أَولى لأنَّه مالكُ المنفعةِ، فهو أحقُّ بانتفاعِهِ في هذا البيتِ
· إمام المسجد :
o أي: أنَّ إمامَ المسجدِ أحقُّ مِن غيرِه، حتى وإنْ وُجِدَ مَن هو أقرأُ والدليل :
§ قولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يُؤمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلطانه» ، وإمامُ المسجدِ في مسجدِه سُلطانٌ فيه.
§ ولأننا لو قلنا إنَّ الأقرأَ أَولى؛ حتى ولو كان للمسجدِ إمامٌ راتبٌ؛ لحصَلَ بذلك فوضى
§ ويستثنى من ذالك ذو السلطان وهو الإِمام الأعظم فلو أنَّه حَضَرَ إلى المسجدِ، فهو أَولى مِن إمامِ المسجدِ بالإِمامةِ واستدلُّوا:
· بعمومِ قولِهِ صلّى الله عليه وسلّم: «ولا يَؤمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلطانِهِ» مع أن الإِمامُ في مسجدِه سُلطانٌ إلا أن َسُلطة السلطانِ الأعظمِ أقوى، بدليل أنَّه يمكن للسُّلطانِ الأعظمِ أن يُزيلَ هذا عن منصِبِه.
· الحُرُّ أَولى مِن العبدُ الرَّقيقُ الذي يُباع ويُشترى والتعليل :
o أنَّ الحُرَّ غالباً أعْلمُ بالأحكامِ مِن العبدِ
o ولأنَّ العبدَ مملوكٌ، فلا يُؤمنُ أن يطلبَه سيدُه في أيِّ ساعةٍ مِن ليلٍ أو نهارٍ بخلاف الحُرِّ
o ولأنه إنْ كان العبدُ عبده فمرتبتُه أعلى مِن مرتبةِ العبدِ وهو سيدُه، فلا ينبغي أن يكون مأموماً له وهو أرفعُ منه.
· الحاضر الذي يسكن الحاضرةَ. أَولى مِن البدوي والتعليل :
o لأنَّ البدوَ غالباً يكونون جُفاةً جُهَّالاً، كما قال الله تعالى: {{الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}} [التوبة: 97] .
· المقيم أَولى مِن المسافر والتعليل :
§ لأنَّ المقيمَ على المشهورِ مِن المذهبِ إذا نوى الإقامة أكثر مِن أربعة أيام لزمه أن يُتمَّ فكان بذلك أولى مِن المسافر الذي لا يتم
· البصير أَولى مِن الأعمى والتعليل :
o أنَّ البصيرَ يتحرَّزُ مِن النجاساتِ وغيرِها، ويُدرك استقبالَ القِبلة أكثر مِن الأعمى.
o وأيضاً: البصيرُ لو أَنَّ بعضَ أعضائِهِ في الوُضُوء لم يصبه الماءُ لعَلِمَ به بخلافِ الأعمى
· المختون أَولى مِن الأقلفِ والتعليل :
o لأنه أبعد مِن التنزُّه مِن النجاسةِ.
· ومَن عليه ثيابٌ سترُها أكملُ، أَولى ممَّن عليه ثيابٌ يسترُ بها قَدْرَ الواجبِ.
o وهؤلاء المذكورين السِّتَّة تصحُّ إمامتُهم :
§ فيصحُّ أن يؤمَّ العبدُ حُرًّا، ولو كان سيده لكن الأَولى الحُرُّ
§ وكذلك لو صَلَّى المسافرُ بالمقيمِ فإنَّ صلاتَه تصحُّ
§ وأيضاً: لو صَلَّى بدويٌّ بحاضرٍ لصحّت صلاتُهُ، لكن على خِلافِ الأَولى
§ ولو صَلَّى الأعمى بالبصيرِ صحَّتْ صلاتُهُ، لكن الأَولى العكسُ
§ وكذلك لو صَلَّى أقلفٌ بمختونٍ فصلاتُه صحيحةٌ، لكن الأَولى العكسُ
§ ولو صَلَّى مَن له ثيابٌ قليلةٌ بمَن له ثيابٌ كثيرة لصحّت الصلاةُ، ولكن الأَولى العكسُ

أبو صهيب 13 ربيع الثاني 1431هـ/28-03-2010م 07:46 PM

تابع صلاة الجماعة :

§ مَن لا تصحُّ إمامتُهُ إما مطلقاً أو بمَن هو أكملُ منه ومن لا تصح :
· إمامة الفاسق :
o ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنها لا تصحُّ خلفَ الفاسقِ سواءٌ كان بمثلِهِ أو بغيرِه وحجتهم في ذالك :
§ ما يُروى عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يَؤمَّنَّ فاجرٌ مؤمناً» لكن هذا الحديثُ ضعيفٌ، وعلى تقدير صِحَّتهِ فإن المرادَ بالفاجرِ الكافرَ
§ واستثنوا مِن هذا مسألتين: الجُمعة والعيد، إذا تعذَّرتا خلفَ غيره
o القول الثاني أنَّ الصلاةَ تصحُّ خلفَ الفاسقِ، ولو كان ظاهر الفسق، وذلك بدليلين أثريٍ ونظريٍ:
§ أما الأثري:
· عمومُ قولِ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ»
· خصوصُ قولِه صلّى الله عليه وسلّم في أئمةِ الجَورِ الذين يُصلُّون الصَّلاةَ لغيرِ وقتها: «صَلِّ الصَّلاةَ لوقتِها، فإنْ أدركتَها معهم فَصَلِّ، فإنَّها لك نافلةٌ»
· قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يُصلُّونَ لكم، فإنْ أصابُوا فَلَكُم، وإنْ أخطأوا فَلَكُمْ وعليهم»
· أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم، ومنهم ابنُ عمر كانوا يُصلُّونَ خلفَ الحجَّاجِ وابنُ عُمرَ رضي الله عنه مِن أشدِّ الناسِ تحرِّياً لاتِّباعِ السُّنَّةِ واحتياطاً لها، والحجَّاجُ معروفٌ.
§ وأما الدليلُ النَّظريُّ :
· فنقول كلُّ مَن صحَّت صلاتُهُ صحَّت إمامتُه، ولا دليلَ على التفريقِ بين صحَّةِ الصَّلاةِ وصحَّةِ الإمامةِ، فما دام هذا يصلِّي صلاةً صحيحةً؛ فكيف لا أُصلِّي وراءَه
· وهذا القولُ هو الرَّاجحُ ولا يَسَعُ الناسَ اليومَ إلا هو؛ لأننا لو طبَّقنا القولَ الأولَ على الناسِ؛ ما وجدنا إماماً يصلحُ للإِمامة إلا نادراً. لكن يُقدَّمُ أخَفُّ الفاسقين على أشدِّهما
o من صلى خلف إمام فاسق في معتقدِك، غيرُ فاسقٍ في معتقدِه فصلاته صحيحة لأن العلماءُ رحمهم الله قالوا: تصحُّ الصَّلاةُ خلفَ المخالفِ في الفُروعِ، ولو فَعَلَ ما تعتقدُه حراماً
· إمامة الكافر :
o الكافرُ لا تصحُّ الصلاةُ خلفَه مطلقاً، سواءٌ كان كفرُه بالاعتقادِ، أو بالقولِ، أو بالفعلِ، أو بالتَّركِ
o من صلى خلف الكافر :
§ عالما به فهو متلاعبٌ آثم بذالك وصلاته باطلة؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّ هذا الكافرَ صلاتُه باطلةٌ، إذ كيف يأتَمَّ بشخصٍ يعلَمُ أنَّ صلاتَه باطلةٌ
§ فإن لم يعلَمْ به إلا بعدَ الصَّلاةِ :
· مِن العلماءِ مَن قال إنه لا يعيدُ الصَّلاةَ؛ لأنَّه معذورٌ وهو الصحيح.
· ومِنهم مَن قال بل يعيدُ الصَّلاةَ، لأنَّ مِن شرطِ صحَّةِ الإِمامة أن يكونَ الإِمامُ مسلماً
· إمامة المرأة :
o لا تصحُّ صلاةُ الرَّجُلِ خلفَ المرأة والدليلُ :
§ ما رُوي عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال: «لا تَؤمَّنَّ امرأةٌ رَجُلاً» ، وهذا الحديث ضعيفٌ، لكن يؤيده في الحُكم قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لن يُفْلِحَ قومٌ وَلَّوْا أمرَهم امرأةً».
§ ودليلٌ آخرٌ: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «... خيرُ صُفوفِ النساءِ آخِرُها» وهذا دليلٌ على أنَّه لا موقعَ لَهُنَّ في الأمامِ، والإِمامُ لا يكونُ إلا في الأمامِ.
§ ولأنه قد تحصُلُ فتنةً تُخِلُّ بصلاةِ الرَّجُلِ إذا كانت إلى جَنْبِهِ أو بين يديه.
§ ويصحُّ أن تكون المرأةُ إماماً للنساء
· إمامة الخنثى :
o لا تصح صلاةُ الرَّجُلِ خلفَ الخُنثى . والخُنثى هو الذي لا يُعْلَمُ أَذكرٌ هو أم أنثى؟ والتعليل :
§ لاحتمالِ أنْ يكون أُنثى، وإذا احتملَ أن يكونَ أُنثى، فإنَّ الصَّلاةَ خلفَه تكون مشكوكاً فيها، فلا تصحُّ
§ والخُنثى يصحُّ أن يكون إماماً للمرأة؛ لأنه إما مثلُها أو أعلى منها.
§ ولا يصحُّ أن تكون المرأةُ إماماً للخُنثى لاحتمالِ أن يكون ذَكَراً
· إمامة الصبي :
o لا تصحُّ الإمامة مِن صبيٍّ لبالغٍ لدليلين ؛ أثريٍّ ونظريٍّ :
§ أما الأثريُّ فهو ما يُذكر عن رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال: «لا تُقدِّموا سفهاءَكمْ وصبيانَكمْ في صلاتِكم...»
§ وأما النظريُّ فهو أنَّ صلاةَ الصَّبيِّ نَفْلٌ، وصلاةُ البالغِ فَرْضٌ. والفرضُ أعلى رُتْبةً مِن النَّفْلِ، فإذا كان أعلى رُتْبَةً فكيف يكون صاحبُه تابعاً مَن هو أدنى منه رُتْبةً
§ وأما إمامةَ الصَّبيِّ للصَّبيِّ فجائزةٌ، هذا ما ذهبَ إليه المؤلِّفُ رحمه الله
o القول الثاني: أنَّ صلاةَ البالغِ خلفَ الصَّبيِّ صحيحةٌ ودليلُ ذلك :
§ ما ثَبَتَ في «صحيح البخاري» أن عَمرَو بنَ سَلَمة الجَرْمي أمَّ قومَه وله ستٌّ أو سبعُ سنين؛ لأنه كان رضي الله عنه يتلقَّفُ الرُّكبان، وهو صبيٌّ ذكيٌّ فيحفظُ منهم القرآنَ، ولما قَدِمَ أبوه مِن عند الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم حدَّثَهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال: «... فإذا حضرتِ الصلاةُ؛ فَلْيُؤَذِّنْ أحدُكُم وَلْيَؤُمَّكُمْ أكثرُكُم قرآناً»، قال: فنظروا، فلم يكنْ أحدٌ أكثرَ قرآناً منِّي؛ لِمَا كنتُ أتلقَّى مِن الرُّكبانِ، فقدَّمُوني بين أيديهم وأنا ابنُ سِتٍّ أو سبعِ سنينَ، وكانت عليَّ بُرْدَةٌ، وكنتُ إذا سجدتُ تَقَلَّصَتْ عنِّي، فقالت امرأةٌ مِن الحَيِّ: ألا تُغَطُّون عنَّا إسْتَ قارِئِكم؟!. فاشتروا فقطعوا لي قميصاً. فما فرحتُ بشيءٍ فرحي بذلك القميصِ
§ أما حديث: «لا تُقدِّموا صبيانكم في صلاتِكم» فهو حديثٌ لا أصلَ له إطلاقاً، فلا يصحُّ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
§ وأما التَّعليلُ فلا قياسَ في مقابلة النَّصِّ؛ لأنَّ القياسَ رأيٌ يُخطئُ ويُصيبُ، ولا يجوز القول في الدين بالرَّأي، فإذا كان لدينا حديثٌ صحيحٌ فإنَّ الرأيَ أمامَه ليس بشيءٍ
· إمامة الأخرس :
o ظاهرُ كلامِ المؤلف أنه لا تصحُّ إمامةُ الأخرسِ لا بمثلِه ولا بغيرِه ، سواء كان الخرس لازما أم عارضا والتعليل :
§ أنه لا يستطيع النُّطقَ بالرُّكنِ كقراءة الفاتحةِ، ولا بالواجبات كالتشهد الأول، ولا بما تنعقدُ به الصَّلاةُ، وهو تكبيرةُ الإِحرامِ
§ وهذا التعليلُ قد يكون متوجِّهاً بالنسبةِ لكونه إماماً لِمَن هو قادرٌ على النُّطقِ، لكن بالنسبة لمَن هو عاجزٌ عن النُّطقِ، فهذا التَّعليلُ يكون عليلاً
o القولُ الثانى في المسألة وهو الراجحُ أنَّ إمامةَ الأخرسِ تصحُّ بمثلِه وبمَن ليس بأخرس :
§ لأنَّ القاعدةَ أنَّ كلَّ مَن صحَّتْ صلاتُه صحَّتْ إمامتُه
§ لكن لا ينبغي أن يكون إماماً؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ» وهذا لا يقرأ، لكن بالنسبة للصِّحَّةِ فالصحيحُ، أنَّها تصحُّ.
· إمامة العَاجِز عَنْ الركوع أَو السجود أَوْ القعود أَو القيام :
o لا تصحُّ إمامتهم للقادر والتعليل:
§ أنَّ القادرَ أكملُ حالاً مِن العاجزِ ، ولا يصحُّ أن يكون العاجزُ إماماً للقادرِ وهذا هو المذهبُ.
§ ويستثنى من القيام إمام الحي أي: الإِمامَ الراتبَ بشرط :
· أن يكون عجزُه عن القيامِ طارئاً يُرجى زوالُه
· وأما إن كان عجزه مستمرًّا كالشيخِ الكبير، فإن الصَّلاةَ خلفَه لا تصحُّ
§ والصحيح أن إمام الحي كغيره والعجز الذي يرجى زواله كالذي لا يرجى زواله لورود ذالك في الشرع مطلقا فلا يجوز لنا تقييده
§ ويصحُّ إمامتهم بمثلهم إذا تساووا في العِلَّة
o والصحيحُ أننا نصلِّي خلفَ العاجزِ عن القيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ والقعودِ. وهذا القولُ هو اختيارُ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله. وهو الصحيحُ :
§ بناءً على عموماتِ الأدلةِ كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله»
§ وعلى القاعدة التي ذكرناها وهي أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّت إمامتُه ويستثنى من ذالك المرأة لاختلاف الجنس
· إمامة القاعد :
o المذهب أن إمام الحي إذا صلى قاعدا لعجز يرجى برؤه فالسُّنَّةُ أن يصلي من خلفَه جلوساً ودليلُ ذلك :
§ قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به» إلى أن قال: «وإذا صلَّى قائماً فصلُّوا قياماً، وإذا صَلَّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون» .
§ وهذا نصٌّ صريحٌ بأنَّ الصَّلاةَ خلفَ العاجزِ عن القيامِ بالقادرِ عليه صحيحةٌ، وأنَّه يصلِّي خلفَ إمامِهِ قاعداً اقتداءً بإمامِهِ.
§ ولو صَلّوا وراءَه قياماً فصلاتُهم صحيحةٌ؛ لأنَّ الصَّلاةُ لا تَبطلُ بِتَرْكِ السُّنَّةَ
§ فإن ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم أصابته علة أثناءها فَجَلَسَ أتموا خلفه قياماً وجوباً والدَّليلُ :
· فِعْلُ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم في مرضِ موتِهِ «حين دَخَلَ المسجدَ وأبو بكرٍ يصلِّي بالناسِ، قد ابتدأ بهم الصلاةَ قائماً، فَجَلَسَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى يسارِ أبي بكرٍ، وبقي أبو بكرٍ قائماً ولم يأمرهم النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بالجلوس»
o وذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أن الصَّلاةَ خلفَه يجبُ أن تكون قعوداً واستدلُّوا لذلك بما يلي:
§ قول الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا قعوداً» والأصلُ في الأمرِ الوجوبُ، لا سيَّما وأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم علَّلَ ذلك في أول الحديثِ بقولِهِ: «إنما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به».
§ أنه لما صَلَّى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بأصحابِهِ ذاتَ يومٍ، وكان عاجزاً عن القيامِ فقاموا، أشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا. فكونُه يُشيرُ إليهم حتى في أثناء الصَّلاةِ يدلُّ على أنَّ ذلك على سبيلِ الوجوبِ.
§ وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، أنَّ الإِمامَ إذا صلَّى قاعداً وَجَبَ على المأمومين أن يصلُّوا قعوداً، فإن صلُّوا قياماً فصلاتُهم باطلةٌ
o وذهبَ كثيرٌ مِن أهلِ العلمِ إلى أنَّ الإِمامَ إذا صَلَّى قاعداً وَجَبَ على المأمومين القادرين على القيامِ أن يصلُّوا قياماً. فإنْ صلُّوا قعوداً بطلتْ صلاتُهم واستدلُّوا لذلك بما يلي :
§ أن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ في مَرَضِ موتِه والناسُ يصلُّون خلفَ أبي بكرٍ، فتقدَّمَ حتى جَلَسَ عن يسارِ أبي بكرٍ، فجعل يُصلِّي بهم عليه الصَّلاةُ والسَّلام قاعداً وهم قيام قالوا وهذا في آخرِ حياتِهِ، فيكون ناسخاً لقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صَلَّى قاعداً فصلُّوا قعوداً أجمعون» . وناسخاً لإِشارته إلى أصحابه: «حين صلّى قاعداً فصلُّوا خلفَه قياماً فأشارَ إليهم أنِ اجلسوا»
§ أنَّ القيامَ رُكنٌ على القادرِ عليه، وهؤلاء قادرون على القيامِ فيكون القيامُ في حقِّهم رُكناً
§ لكن هذا القولَ ضعيفٌ؛ وذلك لأنه لا يجوز الرجوعُ إلى النَّسخِ إلا عند تعذُّرِ الجمعِ والجمعُ هنا ممكنٌ جداً، أشار إليه الإِمام أحمد رحمه الله فقال: «إنما بقيَ الصَّحابةُ قياماً، لأنَّ أبا بكرٍ ابتدأَ بهم الصَّلاةَ قائماً». وعلى هذا لو حَدَثَ لإِمام الحَيِّ عِلَّةٌ في أثناء الصَّلاةِ أعجزته عن القيام؛ فأكملَ صلاتَه جالساً، فإنَّ المأمومين يتمُّونَها قياماً. وهذا لا شَكَّ أنه جَمْعٌ حَسَنٌ واضح.
· إمامة من به سلس البول:
o إذا صَلَّى مَنْ به سلسُ البولِ إماماً بمَن هو سالمٌ مِن هذا المرضِ، فصلاةُ المأمومِ باطلةٌ وصلاةُ هذا أيضاً باطلةٌ :
§ لأنَّه نَوى الإِمامةَ بمَن لا يصحُّ ائتمامُه به إلا أنْ يكون جاهلاً بحاله.
§ والعلَّةُ في عدمِ صحَّةِ إمامتِه: أنَّ حالَ مَن به سَلسُ البولِ دون حالِ مَن سَلِمَ منه، ولا يمكن أن يكون المأمومُ أعلى حالاً مِن الإِمامِ.
o والقول الصحيحُ في هذا: أن إمامةَ مَن به سَلَسُ البولِ صحيحةٌ بمثْلِهِ وبصحيحٍ سليمٍ ودليلُ ذلك :
§ عمومُ قولِه صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ» وهذا الرَّجلُ صلاتُه صحيحةٌ؛ لأنَّه فَعَلَ ما يجب عليه، وإذا كانت صلاتُه صحيحةٌ لزمَ مِن ذلك صحَّةُ إمامتِه.
§ وقولهم إنَّ المأمومَ لا يكون أعلى حالاً مِن الإِمام مُنتقضٌ بصحَّةِ صلاةِ المتوضئِ خلفَ المُتَيمِّمِ وهم يقولون بذلك مع أنَّ المتوضئَ أعلى حالاً، لكن قالوا: إنَّ المتيمِّمَ طهارتُه صحيحةٌ. ونقول: ومَن به سَلَسُ البولِ طهارتُه أيضاً صحيحةٌ
· الصلاةُ خلفَ المُحدثِ :
o تصحُّ الصلاةُ خلفَ المُحدثِ بشرطِ أن يكونَ الإِمامُ والمأمومُ جاهلين بذلك حتى تتمَّ الصلاةُ :
§ فأما المأموم فلا يعيدُ صلاتَه وذالك أن عُذْره ظاهرٌ؛ لأنَّه لا يعلمُ الغيبَ، ولا يكلِّفُ اللهُ نفساً إلا وسعَها
§ وأما الإِمامُ فيعيدُ لأنه صَلَّى بغيرِ وضوءٍ، وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقبلُ اللهُ صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتى يتوضَّأ».
o فإنْ عَلِمَ الإمام أو أحدٌ مِن المأمومينَ في أثناءِ الصَّلاةِ أنه مُحدثٌ فإنَّ صلاتَه تبطلُ، وصلاةُ المأمومين تبطلُ أيضاً. :
§ أما بُطلانُ صلاة الإمام فظاهرٌ :
· لأنه تبيَّن أنه على غيرِ وُضُوءِ، فتبيَّن أنَّ صلاتَه لم تنعقدْ.
§ وأما صلاةُ المأموم العالم :
· فلأنَّه تبيَّن أنَّه اقتدى بمَن لا تصحُّ صلاتُه فبطلت صلاتُه
· ولأنَّ صلاتَه مبنيَّةٌ على صلاةِ إمامِه، فإذا بَطلتْ صلاةُ الإِمامِ بَطلتْ صلاةُ المأمومِ.
§ وتبطل صلاة باقي المأمومين وإن جهلوا :
· لكن هذا الحكمُ الثاني ليس له عِلَّةٌ واضحةٌ أنه إذا عَلِمَ واحدٌ مِن المأمومينَ أعادَ الكُلُّ.
§ والصحيح في هذه المسألة أنَّ صلاةَ المأمومينَ صحيحةٌ بكُلِّ حالٍ، إلا مَن عَلِمَ أنَّ الإِمامَ مُحدِثٌ :
· وذلك لأنهم كانوا جاهلين، فهم معذورون بالجهلِ، وليس بوسعِهم ولا بواجبٍ عليهم أن يسألوا إمامَهم
· وههنا قاعدةٌ مهمَّةٌ جداً وهي: «أنَّ مَن فَعَلَ شيئاً على وَجْهٍ صحيحٍ بمقتضى الدَّليلِ الشَّرعي، فإنَّه لا يمكن إبطالُه إلا بدليلٍ شرعيٍّ»


· الصلاة خلف من يحمل النجاسة :
o جَعَلَ المؤلِّفُ رحمه الله حكمها كحكم الصَّلاةِ خلفَ المحدث
o فإذا صَلَّى الإِمامُ بنجاسةٍ يجهلُها هو والمأمومُ، ولم يعلمْ بها حتى انتهتِ الصَّلاةُ :
§ فإنَّ صلاةَ المأمومينَ صحيحةٌ لأنَّهم معذورون بالجهلِ
§ وأما الإِمامُ فلا تصحُّ صلاتُه فيجبُ أن يغسلَ النجاسةَ التي في ثوبِهِ أو على بدنِهِ، ثم يعيدُ الصَّلاةَ؛ لأنَّ مِن شَرْطِ صحَّةِ الصَّلاةِ اجتنابَ النجاسةِ
o فإنْ عَلِمَ في أثناءِ الصَّلاةِ وَجَبَ عليه أن يستأنفَ الصَّلاةَ هو والمأمومون بعد إزالةِ النجاسةِ
o والقولُ الصَّحيحُ في هذه المسألةِ :
§ أنه إذا جَهِلَ الإِمامُ النجاسةَ هو والمأمومُ حتى انقضتِ الصَّلاةُ فصلاتُهم جميعاً صحيحةٌ، والعذرُ للجميع الجهلُ والمصلِّي بالنَّجاسةِ جاهلاً بها على القولِ الرَّاجحِ ليس عليه إعادةٌ
§ وكذلك لو عَلِمَ بها لكن نسيَ أن يغسِلَها فإن صلاتَه على القول الرَّاجحِ صحيحةٌ
o والفرقُ بين هذه والتي قبلَها على القول الرَّاجحِ :
§ أنه إذا جَهِلَ المصلِّي بالحدثَ أعادَ الصلاةَ، لأنَّ الوُضُوءَ مِن الحَدَثِ مِن بابِ فِعْلِ المأمورِ
§ ولا يعيدُ الصَّلاةَ إذا كان جاهلاً بالنجاسةِ. لأن اجتنابَ النَّجاسةِ مِن بابِ تَرْكِ المحظورِ، إذا فَعَلَهُ جاهلاً لا يلحقُه حكمُه ويدلُّ لهذا القولِ الرَّاجِحِ :
· «أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى بأصحابِه ذاتَ يومٍ وعليه نعلاه فَخَلَعَهُما، فَخَلَعَ الصحابةُ نعالَهم، فلمَّا انصرفَ سألهم: لماذا خلعوا نِعالهم؟ قالوا: رأيناكَ خلعتَ نعليكَ فخلعنا نِعالنا، فقال: إنَّ جبريلَ أتاني فأخبرني أنَّ فيهما قَذَراً فَخَلَعتُهما»
o وعليه إنْ عَلِمَ الإِمامُ في أثناءِ الصَّلاةِ بالنجاسةِ، فإنْ كان يمكنه إزالتها أزالها، وإنْ كان لا يمكنه انصرفَ، وأتمَّ المأمومون صلاتَهم.
· إمامة الأمي :
o تصح إمامةُ الأمي بمثله لمساويهما في النَّقْصِ
o ولا تصحُّ بقارئ على المذهب وتعليل ذلك :
§ أنَّ المأمومَ أعلى حالاً مِن الإِمامِ، فكيف يأتمُّ الأعلى بالأدنى
§ والأمي هو :
· من لا يحسن قراءة الفاتحة لا حِفظاً ولا في المصحفِ
· أو يُدغِمُ فيها ما لا يُدْغَمُ ووجه ذلك :
o أنَّه إذا أدْغَمَ فيها ما لا يُدْغَمُ فقد أسقطَ ذلك الحرفِ المُدْغَمِ
· أو يبدل فيها حرفاً وهو الألتغُ ويُستثنى مِن هذه المسألةِ :
o إبدالُ الضَّادِ ظاءً فإنَّه معفوٌّ عنه على القولِ الرَّاجحِ وهو المذهبُ، وذلك لخَفَاءِ الفَرْقِ بينهما، ولا سيَّما إذا كان عاميَّاً
o إبدالُ الصَّادِ سيناً، مثل السراط والصراط، فهذا جائزٌ بل ينبغي أنْ يقرأَ بها أحياناً، لأنها قِراءةٌ سبعيَّةٌ
· أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى :
o واللَّحنُ تغييرُ الحركات، سواءٌ كان تغييراً صرفياً أو نحوياً
o مثال ما يحيل المعنى «إياكِ نعبد» بكسر الكاف فهذه إحالةٌ شديدةٌ فهو أُمِّيٌّ، ولو قال «صراط الذين أنعمتُ عليهم» بضم التاء فهذا يُحيلُ المعنى أيضاً
o والقول الثاني وهو رواية عن الإمام أحمد :
§ أنه يَصحُّ أن يكون الأُمِّيُّ إماماً للقارئ، لكن ينبغي أنْ نتجنَّبَها؛ لأنَّ فيها شيئاً مِن المخالفةِ لقول الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم: «يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ» ومراعاةً للخِلافِ
o وإن قَدِر الأُمِّيُّ على إصلاح اللَّحنِ الذي يُحيلُ المعنى ولم يُصلِحْهُ فإنَّ صلاتَه لا تَصِحُّ :
§ وإن لم يَقْدِرْ فصلاتُه صحيحةٌ دون إمامتِه إلا بمثلِه.
§ ولكن الصحيحُ أنَّها تصحُّ إمامتُه في هذه الحالِ؛ لأنَّه معذورٌ لعجزِه عن إقامةِ الفاتحةِ وقد قال الله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}}

أبو صهيب 14 ربيع الثاني 1431هـ/29-03-2010م 08:23 PM

تابع صلاة الجماعة :

§ مَن تكره إمامتُهُ :
· إمامةُ اللَّحَّان :
o تكره إمامةُ اللَّحَّان في غيرِ الفاتحةِ واللَّحَّانُ كثيرُ اللَّحْنِ والدليلُ:
§ قولُ النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ» ، وهذا خَبَرٌ بمعنى الأمرِ، فإذا كان خبراً بمعنى الأمر فإنَّه إذا أمَّهم مَن ليس أقرأهم فقد خالفوا أَمْرَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
· إمامةُ الفأفاء والتمتام ومن لا يفصح ببعض الحروف :
o الفَأْفَاء هو الذي يُكرِّرُ الفاءَ والتمتام هو مَن يُكرِّرُ التاءَ
o تُكره إمامةُ الفأفاء والتمتام وكُل من يُكرِّرُ الحروفَ وتعليل ذالك :
§ مِن أجلِ زيادةِ الحَرْفِ، ولكن لو أمَّ النَّاسَ فإمامتُه صحيحةٌ
o وأيضا تُكره إمامةُ من لا يفصح ببعض الحروف في غير الفاتحة أي يخفيها بعضَ الشيءِ، ولا يُسقِطُها بل يَذكرُها، ولكن بدون إفصاحٍ
· ولم يذكرِ المؤلِّفُ كراهةَ إمامةِ مَن لا يقرأُ بالتَّجويدِ :
o لأنَّه لا تُكره القِراءةُ بغيرِ التَّجويدِ.
o والتَّجويدُ مِن بابِ تحسين الصَّوتِ بالقرآنِ، وليس بواجبٍ، إنْ قرأَ به الإِنسانُ لتحسينِ صوتِه فهذا حَسَنٌ، وإنْ لم يقرأْ به فلا حَرَجَ عليه ولم يفته شيءٌ يأثم بتركِهِ
o وشيخَ الإِسلامِ رحمه الله ذمَّ أولئك القومَ الذين يعتنون باللَّفظِ، ورُبَّما يكرِّرونَ الكلمةَ مرَّتين أو ثلاثاً مِن أجل أن ينطِقُوا بها على قواعد التَّجويدِ، ويَغْفُلُونَ عن المعنى وتدبُّرِ القرآنِ.
· من أمَّ أجنبية فأكثر :
o يُكرَه أنْ يؤمَّ أجنبيةً فأكثر على المذهب. والأجنبيةُ مَن ليست مِن مَحارِمِهِ
o والصحيح :
§ أنه إذا كانت أجنبيةٌ وحدَها، فإذا استلزم الخَلوةَ فإنَّه يحرُمُ عليه أن يَؤمَّها، لأنَّ ما أفضى إلى المُحَرَّمِ فهو محرَّمٌ :
· والنَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نَهى أنْ يخلوَ الرَّجُلُ بالأجنبيةِ
§ وأما إن كانتا امرأتان فأكثر، فإذا كان الإِنسانُ أميناً فلا حَرَجَ أن يؤمَّهُمَا :
· وذلك لأنَّه إذا كان مع المرأة مثلُها انتفت الخَلوة
· إلا إذا خَافَ الفِتنةَ، فإنْ خَافَ الفِتنةَ فإنَّه حرامٌ؛ لأنَّ ما كان ذريعةً للحرامِ فهو حرامٌ
§ وأما لو كان معهنَّ رَجُلٌ فلا كراهةَ وهو ظاهرٌ.
· من أم قوماً أكثرهم يكرهه :
o فإن كانوا يكرهونه بحق فتكره إمامته لهم ودليل ذالك :
§ حديثُ «ثلاثةٌ لا تُجَاوِزُ صلاتُهم آذانَهم العبدُ الآبقُ حتى يرجعَ، وامرأةٌ بَاتَتْ وزوجُها عليها سَاخِطٌ، وإمامُ قومٍ وهم له كارهون»
§ لكن الحديثُ ضعيفٌ، ولو صَحَّ لكان فيه دليلٌ على بُطلان الصَّلاةِ، ومِن ثَمَّ قال الفقهاءُ بالكراهةِ.
§ ولو كان الأقلُّ يكرهه، فلا عبرةَ به
o أما لو كرهوه بغير حَقٍّ، مثل: لو كرهوه لأنَّه يَحْرِصُ على اتِّباعِ السُّنَّةِ في الصَّلاةِ فإن إمامتَه فيهم لا تُكره
o لكن؛ ظاهرُ الحديثِ الكراهةُ مطلقاً، وهذا أصحُّ؛ لأنَّ الغَرَضَ مِن صلاةِ الجماعةِ هو الائتلافُ والاجتماعُ وإذا كان هذا هو الغَرضُ؛ فمِنَ المعلومِ أنَّه لا ائتلافَ ولا اجتماعَ إلى شخصٍ مكروهٍ عندَهم
· إمامة ولد الزنا والجندي :
o تصح إمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما ولا تُكره :
§ لعمومِ قولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ»
§ وإنَّما نَصَّ المؤلِّفُ على وَلَدِ الزِّنا والجُنديِّ؛ لأنَّ بعضَ العلماءِ كَرِهَ إمامَتهما. ولكن؛ لا وَجْهَ للكراهةِ
· إمامةُ مَن يؤدِّي الصَّلاةَ بمَن يقضيها وعكسه :
o تَصحُّ إمامةُ مَن يؤدِّي الصَّلاةَ بمَن يقضيها، أي أنَّ المؤدِّي هو الإِمامُ، والمأمومُ هو الذي يقضي كمن يدخل مع إماما يصلي ظهر اليوم وهو ينوي نية ظهر الأمس قضاءا بعد أن ذَكَرَ أنّه لم يصلها وتصِحُّ عكسه أي لو كان المؤدِّي هو المأمومُ ، والإِمامُ هو الذي يقضي :
§ لأنَّ الصَّلاةَ واحدةٌ، وإنَّما اختلفَ الزَّمنُ.
· إمامةُ المتنفل بالمفترض :
o لا يصحُّ ائتمامُ مفترضٍ بمُتنفِّلِ ودليلُ ذلك :
§ قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به فلا تختلفوا عليه» وهذا اختلافٌ عليه؛ لأنَّ المأمومَ مفترضٌ والإِمامُ مُتنفِّلٌ.
§ ثم إَنَّ صلاةَ المأمومِ أعلى مِن صلاةِ الإِمامِ في هذه الصُّورةِ، ولا ينبغي أن يُصلِّي الأعلى خلفَ الأدنى، هذا دليلُ ما قاله المؤلِّفُ رحمه الله وهو أحدُ القولين.
o القول الثاني في المسألة أن صلاةَ المفترضِ خلفَ المتنفِّلِ صحيحةٌ ودليل ذلك ما يلي :
§ أولاً عمومُ قولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ» (2) ولم يشترطِ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم سوى ذلك، فالعمومُ يقتضي أنَّه لو كان الإِمامُ متنفِّلاً والمأمومُ مفترضاً فالصَّلاةُ صحيحةٌ.
§ ثانياً أنَّ معاذَ بنَ جَبَلَ كان يُصلِّي مع النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم صلاةَ العشاءِ، ثم يرجعُ إلى قومِهِ فيصلِّي بهم الصلاة نفسها. ومعلومٌ أنَّ الصلاةَ الأُولى هي الفريضة، والثانية هي النافلة، ولم يُنْكَرْ عليه
§ ثالثاً: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في بعضِ أنواعِ صلاةِ الخوفِ يُصلِّي بالطَّائفة الأُولى صلاةً تامَّةً ويسلِّمُ بها، ثم تأتي الطائفةُ الثانيةُ فيصلِّي بها النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وهنا تكون الصَّلاةُ الأُولى للرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم فرضاً والثانيةُ نَفْلاً.
§ رابعاً أنَّ عَمرَو بنَ سَلَمةً الجرمي كان يصلِّي بقومِهِ وله سِتٌّ أو سبعُ سنين حيث كان أقرأ القومِ. ومِن المعلومِ أنَّ الصَّبيَّ لا فَرْضَ عليه، فالصَّلاةُ في حَقِّهِ نافلةٌ، ومع هذا أُقِرَّ والقرآنُ ينزِلُ.
§ وأما ما استدلَّ به أهلُ القولِ الأولِ :
· مِن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليُؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه» :أنَّهم هم أولُ مَن ينقضُ الاستدلالَ بهذا لأنهم يُجوِّزون أن يصلِّيَ الإِنسانُ المؤادَّةَ خلفَ المقضيَّةِ، وهذا اختلافٌ. ويُجوِّزون أنْ يصلِّيَ المُتنفِّلُ خلفَ المفترض، وهذا أيضاً اختلافٌ، فتبيّن أن المقصود الاختلاف في الأفعالِ وليس النيات
· وأما القاعدة التي أصلوها فقد دَلَّ حديثُ عَمرو بن سَلَمة الجرمي على أنه يصح أن يأتم الأعلى بالأدنى، فإن قومَهُ يصلُّون الصَّلاةَ فريضةً وهو يصلِّيها نَفْلاً
· وقد نَصَّ على ذلك الإِمامُ أحمدُ رحمه الله نفسُه فقال: إذا دَخَلَ والإِمامُ في صلاةِ التَّراويحِ وصَلَّى معه العشاءَ فلا بأس بذلك فالقولُ الرَّاجحُ بلا شَكٍّ هو هذا، وهو اختيارُ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية، وهو الذي تؤيّده الأدلَّة.
· إمامة من يصلي العصر بمن يصلي الظهر أو غيرها وكذلك العكسُ :
o لا يصحُّ ائتمامُ مَن يصلّي الظُّهرَ بمَن يصلِّي العصرَ أو غيرها مِن الصلوات الرباعية وذلك :
§ لاخْتلافِ نِيَّةِ الصَّلاتين وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه»
§ هذا هو المذهب ولا يُستثنى مِن ذلك إلا المسبوقُ في صلاةِ الجمعةِ إذا أدركَ أقلَّ مِن رَكعة فإنَّه في هذه الحالِ يدخلُ مع الإِمامِ بنيَّةِ الظُّهرِ، والإِمامُ يصلِّي الجُمعةَ قالوا هذا لا بأس به :
· لأن الظُّهرَ بَدَلٌ عن الجُمعة؛ إذا فاتت فبينهما اتِّصال
o القول الثاني أنَّه يَصِحُّ أن يأتمَّ مَن يصلِّي الظُّهرَ بمَن يصلِّي العَصرَ، ومَن يصلِّي العَصرَ بمَن يصلِّي الظُّهرَ، ولا بأسَ بهذا :
§ وذلك لعمومِ ما سبق مِن الأدلَّةِ.
§ وأما استدلالُهم بقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه» فقد بَيَّنا أنَّ المرادَ بالاختلافِ عليه مخالفتُه في الأفعالِ لقولِهِ «فإذا كَبَّرَ فكبِّروا» وعلى هذا القول :
· إذا صَلَّى صلاةً أكثر مِن صلاةِ الإِمام فلا إشكال كمن صلى العصر وراء من صلى المغرب
· وإذا صلَّى وراءَ إمامٍ صلاتُهُ أقلُّ مِن صلاةِ الإِمامِ كمن يصلي المغرب وراء من يصلي العشاء :
o إنْ دَخَلَ معه في الأولى فإنَّه يَلزمُه إذا قامَ الإِمامُ إلى الرابعةِ أنْ يجلسَ ولا يقوم وهو مخيّرٌ بين أن يُسلِّمُ، أو ينتظرُ الإِمامَ لكن يستحبُّ له أن ينويَ الانفرادَ ويسلِّمُ، إذا كان يمكنه أن يدركَ ما بقيَ مِن صلاةِ العشاءِ مع الإِمامِ؛ مِن أجلِ أنْ يُدركَ صلاةَ الجماعةِ في العشاءِ

أبو صهيب 16 ربيع الثاني 1431هـ/31-03-2010م 08:35 PM

ü تابع صلاة الجماعة :

§ موقف الإِمامِ والمأمومين :
· موقف الإِمام :
o الإِمامُ على اسمه إمامٌ، فالأنسبُ أن يكون أَمامَ المُصلِّين حتى يتميَّز، ويكون قُدوةً ومتبوعاً، هكذا جاءت السُّنَّةُ
o وسبقَ في باب ستر العورة أنَّ إمامَ العُراة يصلِّي وسطَهم على سبيل الوجوبِ إلا إذا كانوا عُمياً أو في ظُلمة فإنه يتقدَّمُ ، وأن إمامةَ النِّساءِ تصلِّي وَسَطَهُنَّ على سبيل الاستحباب
· موقف المأمومين :

o إن كانوا مأمومَيْن فأكثر فلهم مع الإِمام ثلاثةُ مواقفٍ. :
§ الأول خلفَه وهو الأفضلُ.
§ الثاني عن جانبيه لأنَّ :
· عبدَ الله بنَ مسعودٍ رضي الله عنه وَقَفَ بين علقمةَ والأسود، وقال: «هكذا رأيتُ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَعَلَ».
§ الثالث عن يمينِه فقط
§ وأما قدّامه :
· فلا يَصِحُّ أن يَقِفَ المأمومون قُدَّام الإِمام، فإن وَقَفَوا قُدَّامه فصلاتُهم باطلةٌ ودليل ذلك :
o أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يَقِفُ أمامَ النَّاسِ
o وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» وهذا يَعمُّ الصَّلاةَ بأفعالِها وعددِها وهيئتِها وجميعِ أحوالِها، ومنها الوقوفُ
· وقال بعضُ أهل العِلْمِ إنَّ الصَّلاةَ لا تبطلُ :
o لأنَّه لم يَرِدْ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه نَهَى عن الصَّلاةِ قُدَّامَ الإِمامِ وغايةَ ما فيه أنَّ هذا فِعْلُه
o وقد وَقَفَ معه جابرُ بن عبد الله وجَبَّارُ بن صَخْر، أحدُهما عن يمينِه والثاني عن يسارِه، فأخذَهما وردَّهما إلى خَلْفِه. فلمَّا لم يكن فيه إلا الفِعلُ كان مستحبَّاً وليس بواجبٍ
o وإلى هذا ذهبَ الإِمامُ مالكٌ رحمه الله.
· وتوسَّطَ شيخُ الإِسلامِ ابنُ تيميَّة رحمه الله، وقال :
o إنَّه إذا دَعَتِ الضَّرورةُ إلى ذلك صحَّت صلاةُ المأمومِ قُدَّامَ الإِمامِ، وإلا فلا.
§ وأما عن يساره :
· لا تَصِحُّ صلاةُ المأمومِ إنْ وَقَفَ عن يسارِ الإِمامِ، بشرط خُلوِّ يمينِه ودليلُ ذلك :
o أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم «قام يُصلِّي ذاتَ ليلةٍ مِن الليلِ، وكان ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما قد نامَ عندَه، فَدَخَلَ معه ابنُ عباس، ووَقفَ عن يسارِه، فأخذ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم برأسِه مِن ورائِه فجعله عن يمينِهِ» لأنَّها لو صحَّت لأقرَّه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على ذلك.
o والقاعدةَ أنَّ ما ثَبَتَ في النَّفْلِ ثَبَتَ في الفرضِ إلا بدليل
o وأنَّ النَّفْلَ يُتسامحُ فيه أكثرُ مِن التَّسامحِ في الفَرضِ، فإذا لم يُتسامحْ في النَّفْلِ عن يسار الإِمامِ، فَعَدَمُ التَّسامحِ في الفَرضِ مِن باب أَولى.
o وأما الإمام :
§ إنْ بقيَ على نِيَّةِ الإِمامةِ، فإنَّ صلاتَه لا تَصِحُّ؛ لأنه نَوى الإِمامةَ وهو منفردٌ
§ وأمَّا إن نَوى الانفرادَ، فإنَّ صلاتَه صحيحةٌ هذا تقريرُ كلامِ المؤلِّفِ
· وأكثرُ أهلِ العِلْمِ يقولون بصحَّةِ الصَّلاةِ عن يسار الإِمامِ مع خُلُوِّ يمينِهِ، وأنَّ كون المأمومِ الواحدِ عن يمين الإِمامِ إنَّما هو على سبيلِ الأفضليَّةِ، لا على سبيلِ الوجوبِ. واختار هذا القولَ شيخُنا عبدُ الرَّحمن بن سَعدي رحمه الله :
o ودفعوا الاستدلالَ بحديثِ ابنِ عبَّاس: بأنَّ هذا فِعْلٌ مجرَّدٌ، والفِعلُ المجرَّدُ لا يدلُّ على الوجوبِ.
o وأما إن كان فذا :
§ فإن كان خلفَ الإمام لوحده :
· فلا تَصِحُّ صلاته.
· وأمَّا الإمامُ ففيه تفصيلٌ:
o إنْ بقيَ على نيِّةِ الإمامةِ لم تَصِحَّ صلاتُه؛ لأنَّه نوى الإمامة وليس معه أحدٌ
o وإنْ نوى الانفرادَ فصلاته صحيحةٌ.
§ وإن كان خلف الصف :
· فلا تَصِحُّ صلاةُ المأمومِ :
o لأنَّه منفردٌ وقد جاءَ الحديثُ عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا صَلاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ»
o ورأى النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم رَجُلاً يُصلِّي وحدَه خَلْفَ الصَّفِّ فأمَرَه أنْ يعيدَ الصَّلاةَ. ولولا أنَّها فاسدةٌ ما أَمَرَه بالإِعادةِ.
o وما قاله المؤلِّف رحمه الله هو المذهب، وهو مِن المفردات.
· وذهبَ أكثرُ أهلِ العِلمِ وهو رواية عن الإمام أحمد إلى صِحَّة الصَّلاةِ منفرداً خلفَ الصَّفِّ، لعُذرٍ أو لغيرِ عُذر، ولو كان في الصَّفِّ سَعَةٌ واستدلّوا بما يلي :
o أن هذا المصلِّي صلَّى مع الجماعةِ، وفَعَلَ ما أُمِرَ به، وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّمَا جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به» وقد ائتم بإمامِه فكبَّر حين كبّر.. إلخ.
o وأنَّ ابنَ عبَّاسٍ لما أداره الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسلامُ عن يمينِهِ انفردَ بجُزءٍ يسيرٍ، والمُفسدُ للصَّلاةِ يستوي فيه الكثيرُ والقليلُ كالحَدَثِ
o وأجابوا عن حديث: «لا صلاةَ لمُنْفَرِدٍ خلفَ الصَّفِّ» أنَّ هذا النَّفْيَ نَفْيٌ للكمالِ كقوله: «لا صلاةَ بحضرةِ طعامٍ ولا وهو يدافِعُه الأخبثان»
o وأما ما وَرَدَ أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم «رأى رَجُلاً يصلِّي خلفَ الصَّفِّ فأمرَه أنْ يعيدَ الصَّلاةَ» ، فأجابوا عنه بأن هذا الحديثَ في صحَّته نَظَرٌ، وإذا صَحَّ فلعلَّ هناك شيئاً أوجب أنْ يأمرَه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بإعادةِ الصَّلاةِ، وهذه قضيَّةُ عَينٍ لا نجزِمُ بأن السَّبَبَ هو كونه صَلَّى خلفَ الصَّفِّ.
· وقال بعضُ العلماءِ في ذلك تفصيلٌ، فإنْ كان لعذرٍ صَحَّت الصَّلاةُ، وإنْ لم يكن لعُذر لم تَصِحَّ الصَّلاةُ :
o وهذا القولُ وسطٌ، وهو اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله، وشيخِنا عبد الرحمن بن سَعدي وهو الصَّوابُ.
· الرد على من صحح الصلاة خلف الصف مطلقا :
o أما استدلالهم بأنه فَعَلَ ما أُمِرَ به مِن المتابعةِ فهذا صَحيحٌ، لكن هناك واجباتٌ أخرى غير المتابعةِ وهي المُصافَّة، فإن المُصافَّةَ واجبةٌ فإذا تَرَكَ واجبَ المُصافَّة بطلتْ صلاتُه.
o وأما استدلالهم بانفراد ابنَ عبَّاس في جزء من الصلاة، فنحنُ لا نقولُ ببطلانِ الصَّلاةِ إذا انفردَ الإِنسانُ بمثلِ هذه الصُّورةِ، ومثله أيضا لو أنَّ شخصاً جاءَ وكبَّرَ خلفَ الصَّفِّ وهو يعرِفُ أن خلفَه رَجُلٌ أو رَجُلان سيأتيان معه، فلا بأس ما دامت الرَّكعة لم تفتْهُ وصلاتُه صحيحةٌ.
o وأما قولهم بأنَّ حديثَ: «لا صلاةَ لمُنْفَرِدٍ خلفَ الصَّفِّ» نَفْيٌ للكمالِ فهذا مردودٌ، لأنَّ الأصل في النَّفْيَ نفي الوجود الحسي فلما وجد من يصلي خلف الصف انتقلنا إلى نفي الوجودُ الشَّرعيُّ وهي الصِّحَّةُ ولا دليل ينقلنا إلى نفي الكمال فيكون الحديث دالا على نفي للصحة.
o وتنظيرهم بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ بحَضْرةِ طعام» فيه نَظَرٌ، لأنَّ العِلَّةَ بنفي الصَّلاةِ بحَضْرةِ طعامٍ هي تشويشُ الذِّهنِ، فإنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سَمِعَ بكاءَ الصَّبيِّ أوجز في الصَّلاةِ لئلا تُفْتَتَنَ أمُّه. وأمُّه سوف تبقى في صلاتِها، لكن يُشوِّشُ عليها بكاءُ ولدِها. وأيضاً أخبرَ النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام: «أنَّ الشَّيطانَ يأتي إلى المصلي فيقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكره» ، وهذا لا شك أنه يوجب غفلة القلب، فيدل هذا الحديث والذي قبله على أن مجرد التشويش وانشغال القلب لا يبطل الصلاة
o وأما قولُهم بأنَّ أَمْرَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم الرجل الذي صَلَّى منفرداً خلفَ الصَّفِّ أن يعيدَ الصَّلاةَ ، قضيةُ عَين.. إلخ فجوابه أنَّ الواجبَ حَمْلُ النَّصِّ على ظاهرِه المُتَبَادَر منه، إلا أنْ يَدلَّ دليلٌ على خِلافِهِ والمُتَبَادَر هنا أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَهُ بالإِعادةِ؛ لكونه صَلَّى منفرداً خلفَ الصَّفِّ؛ كما يفيده سياقُ الكلامِ، والأصلُ عدمُ ما سواه
§ وعليه فلو كان معذورا وصلى خلف الصف فصلاته صحيحة :
· لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وقوله: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}
§ ولا يجذِب أحد النَّاسِ مِن الصَّفِّ ليصطف معه لأنَّ هذا يستلزمُ مَحاذير:
· المحذور الأول التَّشويش على الرَّجُلِ المَجذوبِ.
· المحذور الثاني فَتْحُ فُرْجَةٍ في الصَّفِّ، وهذا قَطْعٌ للصَّفِّ، ويُخشى أن يكون هذا مِن بابِ قَطْعِ الصَّفِّ الذي قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «مَن قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ» .
· المحذور الثالث أنَّ فيه جِنايةً على المَجذوبِ بنَقْلِهِ مِن المكان الفاضلِ إلى المكانِ المفضولِ.
· المحذور الرابع أنَّ فيه جِنايةً على كلِّ الصَّفِّ؛ لأنَّ جميعَ الصَّفِّ سوف يتحرَّكُ لانفتاح الفُرْجَةِ مِن أجلِ سَدِّهَا
§ ولا نأمرُه أن يصلِّيَ إلى جَنْبِ الإِمامِ لأنَّ في ذلك ثلاثة محاذير:
· المحذور الأول تخطِّي الرِّقاب ليصل إلى الإمام.
· المحذور الثاني أنَّه إذا وَقَفَ إلى جَنْبِ الإِمامِ خالفَ السُّنَّة في انفرادِ الإِمامِ في مكانِه؛ لأنَّ الإِمامَ موضعُه التقدُّم على المأمومِ، فإذا شارَكه أحدٌ في هذا الموضعِ زالت الخُصوصيَّة.
· المحذور الثالث أننا إذا قلنا تقدَّمْ إلى جَنْبِ الإِمامِ، ثم جاء آخرٌ قلنا له تقدَّمْ إلى جَنْبِ الإِمام. ثم ثانٍ، وثالث حتى يكون عند الإِمامِ صفٌّ
§ ولا نأمره أن يبقى حتى يلحق به من يصلي معه لأن في هذا محذوران :
· المحذور الأول أنَّه ربَّما ينتظِرُ فتفوتُه الرَّكعة، وربَّما تكون هذه الرَّكعةُ هي الأخيرةُ فتفوتُه الجماعةُ.
· المحذور الثاني أنه إذا بقيَ وفاتتْهُ الجماعةُ فإنَّه حُرِمَ الجماعةَ في المكانِ وفي العملِ، وإذا دَخَلَ مع الإِمامِ وصَلَّى وحدَه منفرداً، فإننا نقول على أقلِّ تقدير حُرِم المكان فقط، أما العملُ فقد أدركَ الجماعةَ هذا لو قلنا إنَّه مرتكباً لمحذور، أما الرَّاجحَ أنَّه إذا تعذَّرَ الوقوفَ في الصَّفِّ، فإنَّه إذا صَفَّ وحدَه لم يرتكب محظوراً
§ وإن كان الفَذُّ امرأة خلفَ رَجُلٍ، أو خلفَ الصَّفِّ ، فإنَّ صلاتَها تَصِحُّ ودليل ذلك :
· حديثُ أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّه صَلَّى مع النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم هو ويتيمٌ خلفَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وصَلَّتِ المرأةُ خلفَهم
· وهذا الحديث استدل به من قال بصحة صلاة المنفرد خلف الصف مطلقا واستدل به من قال بصحة صلاة المنفرد خلف الصف التام للعذر :
o أما الأولون فقالوا صلاةُ المرأةِ خلفَ الصَّفِّ صحيحةٌ، والأصلُ تساوي الرِّجَالِ والنِّساءِ في الأحكام
o وأما الآخَرون فقالوا إنَّ المرأةَ إنَّما صحَّت صلاتُها خلفَ الرِّجال منفردةً لتعذُّرِ وقوفها معهم شرعاً، وإذا كان الصَّفُّ تامَّاً فقد تعذَّرَ الوقوفُ فيه حِسًّا
§ وأما الفذ إن كانت امرأة خلف النساء فحكمها حكم الفذ من الرجال
o وإمامة النساء تقف في صفهنّ ودليل ذالك :
§ ما روي عن عائشة وأمِّ سَلَمة رضي الله عنهما أنَّهما إذا أمَّتا النساء وقفتا في صَفِّهنَّ. وهذا فِعْلُ صحابيَّة والراجح أنه حُجَّةٌ ما لم يخالفه نَصٌّ أو صحابيٌّ آخرُ
§ ولأن ذلك أسترُ، والمرأةُ مطلوبٌ منها الستر بقَدْرِ المستطاعِ، ومِن المعلومِ أن وقوفَها بين النِّساءِ أسترُ مِن كونِها تتقَّدمُ بين أيديهنَّ.
o ووقوفُ المرأةِ مع المرأةِ الواحدةِ كوقوف الرَّجُل مع الرَّجُلِ الواحدِ
o والانفرادُ المبطلُ للصَّلاةِ أنْ يرفعَ الإِمامُ مِن الركوعِ ولم يدخل مع المسبوقِ أحدٌ، فإنْ دَخَلَ معه أحدٌ قبل أن يرفعَ الإِمامُ رأسَه مِن الرُّكوعِ، أو انفتح مكانٌ في الصَّفِّ فدخلَ فيه قبل أن يرفعَ الإِمامُ مِن الركوعِ، فإنَّه في هذه الحالِ تزول عن الفرديَّة
o إذا اجتمعَ رجال ونساء وصبيان :
§ فيتقدَّمَ الرِّجالُ البالغون والدَّليلُ :
· قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليلني منكم أولو الأحلامِ والنُّهى» والمعنى يقتضي أن يتقدَّمَ الرِّجالُ؛ لأنَّ الرِّجَالَ أضبطُ فيما لو حصلَ للإِمامِ سهوٌ أو خطأٌ في آيةٍ، أو احتاجَ إلى أنْ يستخلفَ إذا طرأ عليه عُذرٌ
§ ثم بعد ذلك الصبيانُ :
· لأنَّ الصبيان ذكورٌ، وقد فضّل الله الذكورَ على الإِناثِ فهم أقدم مِن النساءِ
§ ثم بعد ذلك النساءُ :
· لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرُها» ، وهذا يدلُّ على أنه ينبغي تأخُّر النساء عن الرِّجالِ
§ وهذا الترتيب الذي ذكرنا :
· ما لم يمنع مانعٌ : فإنْ مَنَعَ منه مانعٌ بحيث لو جُمعَ الصبيانُ بعضُهم إلى بعضٍ لحصلَ بذلك لعبٌ وتشويشٌ، فحينئذٍ نجعلَ بين كُلِّ صبيين بالغاً مِن الرِّجالِ لأن الفَضْلَ المتعلِّقَ بذات العبادةِ أَولى بالمراعاةِ مِن الفَضْلِ المتعلِّقِ بمكانِها. وهذه قاعدةٌ فقهيةٌ
· وأيضا يكون في ابتداءِ الأمرِ : أما إذا سَبَقَ المفضولُ إلى المكان الفاضلِ؛ بأنْ جاءَ الصَّبيُّ مبكِّراً وتقدَّمَ وصار في الصَّفِّ الأولِ، فإن القولَ الرَّاجحَ الذي اختاره بعضُ أهلِ العِلم ـ ومنهم جَدُّ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية، ـ أنه لا يُقامُ المفضولُ مِن مكانِه :
o وذلك لقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَن سَبَقَ إلى ما لم يَسبقْهُ إليه مسلمٌ فهو له» وهذا العمومُ يشمَلُ كلَّ شيءٍ اجتمع استحقاقُ النَّاسِ فيه
o ولأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِن مجلِسِه ثم يَجلسُ فيه»
o ولأنَّ هذا عدوان عليه.
o وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم «لِيَلِني منكم أُولُو الأحلامِ والنُّهى» فغاية مافيه هو حَثٌّ لهؤلاء الكِبارِ على أن يتقدَّموا لِيَلُوا رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم.
· المنفردِ حُكماً :
o اصطفاف المنفرد مع الكافر :
§ إذا صلى رجل خلف الصف ووَقَفَ معه كافرٌ لا يعلمُ بكفرِه، فإنَّ صلاتَه صحيحةٌ
§ وأما إذا عَلِمَ بكفرِه فالمذهبُ أنَّ صلاتَه لا تَصِحُّ؛ لأنه فَذٌّ حكما
§ وعلى القولِ الذي رجَّحنا، نقول :
· إنَّه إذا كان الصَّفُّ تامًّا فصلاتُه صحيحةٌ، لأنَّ صلاةَ الفَذِّ خلفَ الصَّفِّ مع تمامِهِ صحيحةٌ
· أما إذا لم يكن تامًّا وقد عَلِمَ بكفرِه فصلاتُه باطلةٌ.
o اصطفاف المنفرد مع المرأة :
§ إذا لم يقفْ مع الرجل إلا امرأةٌ فهو فَذٌّ :
· لأنَّ المرأةَ ليست مِن أهلِ المُصافَّةِ للرِّجالِ
§ وإنْ وقفتْ امرأةٌ مع رَجُلين في الصف فالصَّلاةُ صحيحةٌ، لا سيما مع الضَّرورةِ كما يحدثُ ذلك في أيام مواسم الحَجِّ في المسجدِ الحرامِ والمسجدِ النبويِّ، لكن إن خشي الفتنةِ فله أن يَنصرفَ ويطلبَ مكاناً آخر حذراً منها.
§ إذا كانت المرأةُ أمامَ الرَّجُلِ مثل أن يكون صَفُّ رِجالٍ خلفَ صَفِّ نساءٍ فتصِحُّ الصَّلاةُ، ولهذا قال الفقهاء: «صَفٌّ تامٌّ مِن نساءٍ لا يمنعُ اقتداءَ مَن خلفِهنّ مِن الرِّجالِ».
o اصطفاف المنفرد مع المحدِث :
§ إذا علما الحدثَ جميعاً فصلاتُهما باطلةٌ :
· أما مَن كان مُحدثاً فالأمرُ ظاهرٌ
· وأما مَن لم يكن محدثاً فلأنه وَقَفَ مع شخصٍ يعلمُ أنَّ صلاتَه باطلةٌ، فهو فَذٌّ.
§ وإذا جَهِلا حدثَ أحدِهما جميعاً :
· فصلاةُ غيرِ المحدثِ صحيحةٌ
· وصلاةُ المحدثِ باطلةٌ.
§ وإذا عَلِمَ الطَّاهرُ بحدثِ صاحبِه، وصاحبُه لم يعلم فكلاهما صلاتُه باطلةٌ :
· أما المحدثُ فظاهرٌ
· وأما الطَّاهرُ فلأنَّه صَفَّ مع شخصٍ يعتقدُ أنَّ صلاتَه باطلةٌ فهو فَذٌّ حكما
§ وإذا عَلِمَ المحدثُ بحَدَثِهِ. ولكن الذي صَفَّ معه لم يعلمْ فعلى كلام المؤلِّفِ صلاتُهما جميعاً باطلةٌ.
§ والقولُ الصحيحُ أنَّ صلاةَ المتطهر غيرُ باطلةٍ؛ لأنَّه معذورٌ بجهل حَدَثِ صاحبِهِ.
o اصطفاف المنفرد مع الصبي :
§ مَن لم يقفْ معه إلا صبيٌّ خلفَ الصَّفِّ :
· فإنْ كانت الصَّلاةُ فريضةً فهو فَذٌّ أي منفرد حكما
· وإنْ كانت الصلاةُ نافلةً فالمصافَّةُ صحيحةٌ.
§ والتعليل أنَّ الفريضةَ في حَقِّ الصَّبيِّ نَفْلٌ فيكون المفترضُ قد صَفَّ إلى جَنْبِ متنفِّلٍ، فلا تَصِحُّ مصافَّتُه، كما لا تصِحُّ إمامتُه في الفرضِ
§ ولكن؛ هذا التَّعليلُ عَليلٌ لما يلي:
· أولاً: أنَّ المصافَّةَ ليست كالإِمامةِ، فالإِمامُ قد اعتمدَ عليه المأمومُ ووَثَقَ به وقلَّده في صلاتِهِ، بخلافِ الذي صَفَّ إلى جَنْبِهِ.
· ثانياً: أنَّ هذا تعليلٌ في مقابلةِ النَّصِّ، فإنَّه قد ثَبَتَ أنَّ أنسَ بنَ مالك رضي الله عنه صَفَّ خلفَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه يَتيمٌ. واليتيمُ لم يبلغْ، وكان ذلك في نَفْلٍ، والقاعدةُ: أنَّ ما ثَبَتَ في النَّفْلِ ثَبَتَ في الفرضِ إلا بدليل
· ثالثاً: أنَّ الأصلَ المقيسَ عليه وهو: أنَّه لا تَصِحُّ إمامةُ الصَّبيِّ بالبالغِ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ السُّنَّةَ وَرَدت بخلافِهِ، وذلك في قصَّةِ عَمرِو بنِ سَلَمة الجَرْمي
· وعلى هذا؛ فيكون القولُ الرَّاجحُ في هذه المسألةِ أنَّ مَن وَقَفَ معه صبيٌّ فليس فَذَّاً لا في الفريضة ولا في النَّفْلِ، وصلاتُه صحيحةٌ.
o مَن وَجَدَ فرجة في الصف وَجَب عليه دخولها إذا لم يكن معه أحدٌ يَصفُّ معه والدليل :
§ أَمْرُ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم بالتَّراصِّ ، فإنَّ أمرَه بالتَّراصِّ يستلزمُ سَدَّ الفُرَجِ
§ ورُويَ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّ مَن وَصَلَ صفًّا وَصَلَه اللهُ
§ «وأنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّون على الذين يَصِلون الصفوفَ»:
o فإنْ كان معه أحد يصف معه :
§ فإن كان واحداً، قاما جميعاً خلف الصف
§ وإن كانا اثنين فأكثر دخل في الفرجة
o وظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ أنه يدخلُها وإن وُجِد من تهيَّأ لدخولَها ، ويكون التفريط مِن المتخلِّفِ عنها :
§ لأنَّه هو الذي فوَّت المكانَ الفاضلَ على نفسِه والنَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لو يعلمُ النَّاسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا»
§ ولكن إذا خشيتَ فِتنةً أو عداوةً أو بغضاءً فاتركها، فإن الجماعةَ إنما شُرعت لمصالحَ عظيمةٍ؛ منها الائتلافُ والتَّوادُّ والتَّحابُ بين المسلمين
§ وإذا عَلِمَ الله مِن نيَّتِك أنَّه لولا خَوفِ هذه المفسدة لتقدَّمتَ إلى هذا المكان الفاضلِ فإنه قد يُثيبك سبحانه وتعالى لحُسْنِ نيَّتِكَ
o إذا لم يَجدْ فُرجةً فإنَّه يقفُ عن يمينِ الإِمامِ، لأن موقفَ المأمومِ الواحدِ عن يمينِ الإِمامِ :
§ لحديث ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما حيث صَلَّى مع النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في صلاةِ الليلِ، فوقفَ عن يسارِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فأخذَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم برأسِه مِن ورائِه فجعلَه عن يمينهِ
§ فلما كان يمينُ الإِمامِ موقفَ المأمومِ الواحدِ؛ قلنا لهذا الرَّجُلِ الذي لم يجدْ مكاناً في الصَّفِّ: تقدَّم وكُنْ عن يمينِ الإِمامِ هكذا مُقتضى كلامِ المؤلِّفِ
o ولكن هذا فيه نظر :
§ لأن يمينَ الإِمامِ موقفٌ للمأمومِ الواحدِ، أما في هذه المسألةِ فالمأمومون جماعةٌ كثيرةٌ، ولا يَصِحُّ قياسُ هذا على هذا
§ ولم يَرِدْ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّ أحداً صَلَّى إلى جَنْبِهِ مع وجودِ صَفٍّ إلا حينما أنابَ أبا بكرٍ رضي الله عنه في مَرَضِ موتِه وجَلَسَ عن يسارِ أبي بكرٍ لكن هذه المسألة ضرورة :
· لأنَّ أبا بكر ليس له مكانٌ في الصَّفِّ
· ولا يمكنه أن يتأخَّر إلى آخرِ الصُّفوفِ وهو في صلاةٍ.
· وهو نائبُ الرسولِ عليه الصلاة والسلام فلا بُدَّ أن يكون إلى جَنْبِهِ مِن أجلِ أن يبلِّغَ مَن خلفَه مِن المأمومين.
o والصحيح أنه إذا لم يجد فرجة في الصف يصلِّي خلفَ الصَّفِّ وحدَه، وأنَّ صلاتَه صحيحةٌ على القول الرَّاجحِ
o إذا لم يمكنه أن يتقدَّم إلى الإِمام ويصلِّي إلى يمينِ الإمام فعلى المذهب :
§ يُنبِّه مَن يقومُ معه، فيقول يا فلان تأخَّرْ ـ جزاك الله خيراً ـ لِتُصلِّيَ معي
§ لكن يُكره أن يجذِبَه بدون أن ينبِّهه.
§ ويلزم المُنَبَّه أن يتأخَّر معه مِن أجل أن يصحِّحَ صلاةَ صاحبِه
o ولكن في هذا نظر والصَّحيحَ :
§ أنَّه ليس له أن يحرج غيره بذالك ولأنه قد يكون مِن السُّؤال المذمومِ
§ ولا يلزم المُنَبَّه أنْ يرجعَ معه، لأننا لو قلنا بلزومِ الرُّجوعِ لقلنا: إنَّه إذا لم يرجعْ فعليه إثمٌ، وقد قال الله تعالى: {{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}}
o وعليه فالقولُ الصَّحيحُ أنَّه يصلِّي خلفَ الصَّفِّ منفرداً متابعاً للإِمامِ كما سبق

· الإنفراد بجزء من الصلاة :
o إذا رَكَعَ فَذًّا ثم دَخَلَ في الصَّفِّ أو دَخَلَ معه شخص آخر قبل سجودِ الإِمامِ فصلاته صحيحة لزوالِ الفرديَّةِ قبل تمامِ الرَّكعةِ ووجه ذلك :
§ أنه لم يصلِّ ركعةً كاملةً فذًّا وقد علَّق النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إدراكَ الصَّلاةِ بإدراكِ الركعةِ . هذا ما مشى عليه المؤلِّفُ.
o والمذهبُ في هذه المسألة خِلافُ ما مشى عليه المؤلِّفُ وهو:
§ أنه إنْ كان لغيرِ عُذرٍ :
· فَرَفَع الإِمامُ مِن الركوع قبل أنْ تزولَ فَذِّيَّتُه فصلاتُه غيرُ صحيحةٌ،
· وإنْ زالت فَذِّيَّتُه قبل الرَّفْعِ مِن الركوعِ فصلاتُه صحيحة،
§ أما إذا كان لعُذر فهو كما قال المؤلِّفُ: العبرةُ بسجودِ الإِمامِ.
o والصَّحيحُ في هذه المسألة :
§ أنه إذا كان لعُذرٍ فصلاتُه صحيحةٌ مطلقاً، والعُذرُ تمامُ الصَّفِّ
§ وأما إذا كان لغير عُذرٍ
· فإنْ رَفَعَ الإِمامُ مِن الرُّكوعِ قبل أن تزولَ فَذِّيَّتُهُ فصلاتُه غيرُ صحيحةٍ،
· وإذا زالت فَذِّيَّتُه قبل رَفْعِ الإِمامِ مِن الرُّكوعِ فصلاتُه صحيحةٌ
· ودليل ذلك: حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه أدركَ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم راكعاً فركع قبل أن يصل إلى الصف ثم دخل في الصف فلما سلَّم قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «زادك الله حرصاً ولا تعد» فدعا له ونهاه أن يعود لأن المشروع أن لا يدخل المسبوق في الصلاة حتى يصل إلى الصف ولم يأمره بإعادة الركعة فدل هذا على أن ركعته صحيحة.



أبو صهيب 17 ربيع الثاني 1431هـ/1-04-2010م 06:54 PM

تابع صلاة الجماعة :

§ اقتداءِ المأمومِ بالإِمامِ في المكان :
· إن كان الإمام والمأموم في مسجدٍ واحدٍ :
o فيصِحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ وإن لم يره ولا من وراءه مِن المأمومين بشرط أن يسمع التكبير
· إن كان الإمام في المسجد والمأموم في الخارج :
o يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ إذا كان خارجَ المسجدِ بشرطين :
§ الشرطُ الأول: سماعُ التكبيرِ.
§ الشرطُ الثاني: رؤيةُ الإِمامِ أو المأمومين، إما في كُلِّ الصَّلاةِ على ظاهرِ كلامِ المؤلِّفِ، أو في بعضِ الصَّلاةِ على المذهبِ.
§ لكن اشتراطُ الرُّؤيةِ فيه نظر، فما دام يَسمعُ التَّكبير والصُّفوف متَّصلة فالاقتداء صحيح
o وظاهرُ كلامِ المؤلفِ أنَّه :
§ لا يُشترط اتِّصال الصُّفوفِ فيما إذا كان المأمومُ خارجَ المسجدِ وهو المذهب.
§ والقول الثاني الذي مشى عليه صاحبُ «المقنع» وهو الصَّوابُ أنَّه لا بُدَّ مِن اتِّصالِ الصُّفوفِ فإنْ لم تكن متَّصِلة فإنَّ الصَّلاة لا تَصِحُّ:
· لأنَّ الواجبَ في الجماعةِ أن تكون مجتمعةً في الأفعالِ ـ وهي متابعة المأمومِ للإِمام ـ والمكان.
· إن كان الإمام عال :
o تصح الصلاة خلف إمام عالٍ عن المأمومين مثل أن يكون هو في الطَّابقِ الأعلى وهم في الطَّابق الأَسفلِ ودليلُ ذالك :
§ أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما صُنِعَ له المِنبرُ صَلَّى عليه، يصعدُ ويقرأُ ويركعُ، وإذا أرادَ أنْ يسجدَ نَزَلَ مِنَ المِنبرِ فَسَجَدَ على الأرضِ، وقال: «يا أيُّها النَّاسُ، إني صَنَعتُ هذا لِتَأتمُّوا بي، ولِتَعْلموا صَلاتي.
o ويُكره إذا كان الإِمامُ عالياً على المأموم ذِراعاً فأكثر ودليله :
§ حديث «إذا أمَّ الرَّجُلُ القومَ؛ فلا يَقُمْ في مكانٍ أرفع مِن مقامهم» ، ولكن هذا الحديث لا تقوم به الحُجَّةُ.
§ والجَمْعُ ـ عند من احتجَّ به ـ بينه وبين الحديث الثَّابتِ في الصَّحيحين بأنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى بهم على المِنبر: أنَّ المِنبرَ لا يتجاوز الذِّراع غالباً، فيُحمل هذا الحديثُ على ما إذا كان العلوُّ كثيراً، ولكن يبقى النَّظرُ في تقديره بالذِّراعِ.هذا ما ذهب إليه المؤلِّفَ رحمه الله
o القول الثاني أنَّه لا يُكره علوُّ الإِمامِ مطلقاً؛ لأنَّ الحديثَ الذي استدلَّ به الأصحابُ ـ رحمهم الله ـ ضعيف، والضَّعيفُ لا تقومُ به الحُجَّةُ.
o وقيَّدَ بعضُ العلماءِ هذه المسألةَ بما إذا كان الإِمامُ غيرَ مُنفردٍ بمكانِه، فإذا كان معه أحدٌ فإنه لا يُكره؛ ولو زادَ على الذِّراع؛ لأنَّ الإِمامَ لم ينفردْ بمكانِه، وهذا لا شَكَّ أنَّه قولٌ وجيهٌ
o وإذا كان الإِمامُ هو الذي في الأسفل، ، وفيه أناسٌ يصلُّون فوقَه فلا حَرَجَ ولا كراهة.
· صلاة الإمام في الطاق أو ما يسمى بالمحراب :
o يُكره دخول الإِمامِ في الطَّاق :
§ لآثارٍ وَرَدت عن الصحابة رضي الله عنهم
§ ولأنه إذا دَخَلَ في الطَّاق استتر عن بعض المأمومين فلا يَرَونه لو أخطأ في القيام أو الرُّكوع أو السُّجود
§ ولكن إذا كان لحاجة مثل: أن تكون الجماعةُ كثيرةً؛ واحتاج الإِمامُ إلى أن يتقدَّمَ حتى يكون في الطَّاقِ فإنه لا بأس به.
o أما إذا كان الإِمامُ في باب الطَّاقِ، ولم يدخل فيه، ولم يتغيَّب عن النَّاس، وكان محلُّ سجودِه في الطَّاق، فلا بأس به.
o حكم اتخاذ المحراب في المسجد :
§ الصَّحيحُ أنه مباحٌ، فلا نأمرُ به ولا ننهى عنه، والقول بأنه مستحبٌّ أقربُ إلى الصَّوابِ مِن القول بأنه مكروه
§ والنَهى الذي ورد عن اتِّخاذِ المساجدِ مذابحَ مثلَ مذابحِ النَّصارى يجعلون لها الطَّاق . فيما إذا كانت كمحاريب النَّصارى، أما إذا كانت تختلِفُ عنهم فلا كراهة
§ وأما كون الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم لم يفعلْها إما لعدمِ الحاجةِ إليها، أو لأن ذلك قد يكلِّفُ في البناء في ذلك الوقت، أو لغير ذلك مِن الأسبابِ، فما دامت ليست متَّخذة على وَجْهِ التعبُّدِ فلا نكرهها
§ وفيها مصلحةٌ؛ لأنَّها تبين للنَّاسِ محلَّ القِبْلة ولهذا قالوا في باب استقبالِ القبلة: إنَّه يُستدلُّ عليها بالمحاريبِ الإِسلاميةِ
· تطوُّع الإِمام في موضع المكتوبة :
o يكره تطوُّع الإِمام في المكان الذي صلَّى فيه المكتوبةَ بعدها ودليل ذلك ما يلي :
§ أولاً: ما رُوِيَ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يُصَلِّ الإِمامُ في مُقَامِهِ الذي صَلَّى فيه المكتوبةَ، حتى يَتَنَحَّى عنه» ولكنه ضعيف لانقطاعه.
§ ثانياً: ربما إذا تطوَّعَ في موضع المكتوبة يَظنُّ مَن شاهدَه أنَّه تذكَّرَ نقصاً في صلاته؛ فيلبس على المأمومين ، ولا سيَّما إذا تطوَّع عقب الفريضة فوراً.
o إلا أن يكون محتاجاً مثل أن يجد الصُّفوفَ كلَّها تامَّةً ليس فيها مكان ولا يتيسَّر أن يصلِّي في بيتِه أو في مكانٍ آخر.فحينئذٍ له أن يتطوَّع في موضع المكتوبة ولا كراهة
o أمَّا المأموم؛ فإنه لا يُكره له أن يتطوَّع في موضع المكتوبة لكن؛ ذكروا أنَّ الأفضلَ أن يَفْصِلَ بين الفرضِ وسُنَّتِهِ بكلامٍ أو انتقال مِن موضعه.
· إطالة الإمام للقعود بعد الصلاة مستقبلا القبلة :
o يُكره للإِمام أنْ يُطيلَ قعودَه بعد السَّلام مستقبلَ القِبْلة، بل يخفِّف، ويجلسَ بقَدْرِ ما يقول :
§ «أستغفرُ الله ـ ثلاث مرات ـ اللَّهُمَّ أنت السَّلامُ ومنك السَّلامُ، تباركتَ يا ذا الجلالِ والإِكرامِ» ثم ينصرفُ هذه هي السُّنَّةُ
§ وإطالةُ قعودِه بعدَ السَّلامِ مستقبلَ القِبْلة فيه محاذير هي :
· أولاً أنَّه خِلافُ السُّنَّةِ.
· ثانياً حَبْسُ النَّاسِ؛ لأنَّ المأمومينَ منهيون أنْ ينصرفوا قبل انصرافِ الإِمامِ، فإذا بقي مستقبلَ القِبْلة كثيراً حَبَسَ النَّاسَ.
· ثالثاً: أنه قد يَظنُّ مَن خلفَه أنه يتذكَّرُ شيئاً نسيه في الصَّلاةِ، فيرتبكُ المأمومُ في هذا.
§ وابتداءُ الانصرافِ مِن اليسار أو مِن اليمين كُلُّ ذلك وَرَدَ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم. فَوَرَدَ أنه ينصرفُ عن يمينه ثم يستقبلُ النَّاسَ ، وأنَّه ينصرفُ عن يسارِه، ثم يستقبلُ النَّاسَ
o فإن كان في المسجدِ نساءٌ لبث مستقبلَ القِبْلة قليلاً لينصرفن قبل الرِّجال :
§ كما ثَبَتَ عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سَلَّمَ، قامَ النِّساءُ حين يقضي تَسْلِيمَهُ، ويمكُثُ هو في مَقَامِهِ يسيراً قبل أنْ يقومَ. قال: نرى ـ والله أعلم ـ أنَّ ذلك كان لكي ينصرفَ النِّساءُ، قبل أن يُدْرِكَهُنَّ أحدٌ مِن الرِّجالِ».
§ وذلك لأن الرِّجالَ إذا انصرفوا قبلَ انصرافِ النِّساءِ لَزِمَ مِن هذا اختلاطُ الرِّجالِ بالنِّساءِ، وهذا مِن أسبابِ الفتنة، حتى إنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرها، وَشَرُّها أوَّلُها» ، لأن أوَّلَها أقربُ إلى الرِّجالِ مِن آخرها، فهو أقربُ إلى الاختلاطِ
· وقوف المأمومين بين السواري :
o يكره وقوفهم بين السواري أي الأعمدة إذا كانت تقطع الصفوف ودليل ذالك :
§ أنَّ الصَّحابةَ كانوا يَتوقَّون هذا حتى إنَّهم أحياناً كانوا يُطْرَدون عنها طَرْداً
§ ولأنَّ المطلوبَ في المصافةِ التَّراصُ مِن أجل أن يكون النَّاسُ صفَّاً واحداً، فإذا كان هناك سواري تقطع الصُّفوفَ فاتَ هذا المقصود للشَّارعِ.
o ومقدار القطع :
§ قيَّده بعضُهم بثلاثة أذرع فقال إذا كانت السَّاريةُ ثلاثةَ أذرعٍ فإنها تقطع الصَّفَّ، وما دونها لا يقطعُ الصَّفُّ.
§ وقال بعضُ العلماء بمقدار قيام ثلاثة رِجالٍ، وهذا أقل مِن ثلاثةِ أذرع
§ وقيل المعتبر العُرف وهو ظاهر كلام المؤلِّفِ
§ وأما السَّواري التي دون ذلك فهي صغيرة لا تقطعُ الصُّفوفَ، ولا سيَّما إذا تباعدَ ما بينها. وعلى هذا؛ فلا يُكره الوقوفُ بينها
o وأما إنْ احتيجَ إلى ذلك بأن كانت الجماعةُ كثيرة والمسجدُ ضيقاً :
§ فإن ذلك لا بأس به من أجلِ الحاجةِ لأنَّ وقوفَهم بين السَّواري في المسجدِ خيرٌ مِن وقوفهم خارجَ المسجدِ
§ وما زال النَّاسُ يعملون به في المسجدين المسجدِ الحرامِ والمسجدِ النَّبويِّ عند الحاجةِ
§ الأعذارِ التي تُسقِطُ الجمعةَ والجماعة :
· المَرض :
o وهو الذي يَلحق المريضَ منه مشقَّة لو ذَهَبَ يصلِّي ودليله :
§ قول الله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] .
§ وقوله: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286] .
§ وقوله تعالى: {{لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}} [الفتح: 17] .
§ وقول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» .
§ وأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «لما مَرِضَ تخلَّف عن الجماعةِ مع أن بيته كان إلى جَنْبِ المسجد.
§ وقولُ ابن مسعود رضي الله عنه: «لقد رَأيتُنا وما يتخلَّفُ عن الصَّلاةِ إلا منافقٌ قد عُلِمَ نفاقُهُ أو مريضٌ...» فكلُّ هذه الأدلَّةِ تدلُّ على أنَّ المريضَ يسقطُ عنه وجوبُ الجُمعةِ والجَماعةِ.
· مدافعة أحد الأخبثين :
o المدافعة تَدلُّ على أنَّ الإِنسانَ يتكلَّفُ دَفْعَ أحد الأخبثين.
o والأخبثان هما البولُ والغائطُ، ويَلحقُ بهما الرِّيحُ والدَّليل على ذلك ما يلي :
§ قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ بحضرةِ طعامٍ، ولا وهو يدافعه الأخبثان» والنَّفيُ هنا بمعنى النَّهي
§ أنَّ المدافعةَ تقتضي انشغالَ القلبِ عن الصَّلاةِ، وهذا خَلَلٌ في نَفْسِ العبادةِ، وتَرْكُ الجماعةِ خَلَلٌ في أمْرٍ خارجٍ عن العبادة، لأنَّ الجماعةَ واجبةٌ للصَّلاةِ، والمحافظةُ على ما يتعلَّقُ بذات العبادةِ أَولى مِن المحافظةِ على ما يتعلَّقُ بأمْرٍ خارجٍ عنها
§ أنَّ احتباسَ هذين الأخبثين مع المدافعة يَضرُّ البدنَ ضرراً بيِّناً؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى جَعَلَ خروجَ هذين الأخبثين راحةً للإِنسان
§ وهذه قاعدة طبية: أنَّ كُلَّ ما خالفَ الطَّبيعة فإنَّه ينعكس بالضَّررِ على البَدنِ
· حضور الطعام :
o يُعذر بتَرْكِ جُمُعَةٍ وجماعةٍ مَن كان بحضْرَةِ طعامٍ شرط :
§ أن يكون محتاجا إليه
§ وأن يكون متمكِّناً مِن تناولِه فإنْ لم يتمكَّن بأنْ كان صائماً وحَضَرَ طعامُ الإِفطارِ، وأُذِّنَ لصلاةِ العصرِ وهو بحاجةٍ إلى الأكلِ فليس له أنْ يؤخِّرَ الصلاةَ
§ وأنْ لا يجعلَ ذلك عادةً بحيث لا يُقَدَّم العشاء إلا إذا قاربت إقامةُ الصَّلاةِ، لأنه إذا اتَّخذَ هذا عادةً فقد تَعمَّدَ أن يَدَعَ الصَّلاةَ
§ ودليل ذالك :
· قول النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قُدِّمَ العشاءُ فابْدَؤُا به قبل أن تصلُّوا صلاة المغرب» فأمرنا بأنْ نبدأ به.
· وكان ابنُ عُمرَ رضي الله عنهما يَسمعُ قراءةَ الإِمام وهو يتعشَّى. مع أنَّ ابنَ عُمرَ رضي الله عنهما مِن أشدِّ النَّاسِ تمسُّكاً بالسُّنَّةِ.
§ وله أن يأكل حتى يشبعَ؛ لأنَّ الرُّخصةَ عامَّةٌ «إذا قُدِّمَ العَشاءُ فابدؤوا به قبل أن تصلُّوا صلاةَ المغرب».
· الخوف من ضياع مال أو فواته، أو ضرر فيه :
o يُعذر بتَرْكِ الجُمعةِ والجماعةِ :
§ إذا كان عنده مال يَخشى إذا ذَهَبَ عنه أن يُسرقَ، أو معه دابةٌ يَخشى لو ذهبَ للصَّلاةِ أن تنفلتَ الدَّابةُ وتضيع
§ وكذلك إذا كان يَخشى مِن فواتِه بأن يكون قد أضاعَ دابَّته، وقيل له: إنَّ دابَّتك في المكان الفلاني؛ وحضرتِ الصَّلاةُ، وخَشيَ إنْ ذهب يُصلِّي الجُمعةَ أو الجماعةَ أنْ تذهبَ الدَّابةُ عن المكان الذي قيل إنَّها فيه
§ ومِن ذلك أيضاً لو كان يخشى مِن ضَررٍ فيه، كإنسان وَضَعَ الخُبزَ بالتنورِ، فأُقيمت الصَّلاةُ، فإنْ ذهبَ يُصلِّي احترقَ الخبزُ
§ والعِلَّةُ في كل ذالك انشغالُ القلبِ لأنَّه لو ذَهَبَ وصَلَّى فإن قلبَه سيكون منشغلاً بهذا المال.
§ وظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنَّه لا فَرْقَ بين المالِ الخطير والمال الصَّغيرِ الذي لا يُعتبر شيئاً
§ وقد يُقال: إنَّه يُفرَّقُ بين المالِ الخطير الذي له شأن، وبين المال القليل في صلاة الجُمعةِ خاصَّة لأنَّ صلاةَ الجُمعة إذا فاتت فيها الجماعةُ لا تُعادُ وإنَّما يُصلَّى بدلها ظُهراً.
· الخوف من موت قريبه :
o هذا مما يُعذرُ فيه بتَرْكِ الجُمُعةِ والجَماعةِ، أنْ يخشى مِن موتِ قريبِه وهو غيرُ حاضرٍ وأحبَّ أنْ يبقى عندَه ليلقِّنه الشَّهادةَ، وما أشبه ذلك، فهذا عُذر.
· الخوف على نفسه من الضرر :
o هذا مما يُعذرُ فيه بتَرِكِ الجُمُعةِ والجَماعةِ، وهو أن يَخشى على نفسِه مِن ضَررٍ كأن يكون عند بيتِه كلبٌ عقورٌ، وخَافَ إنْ خَرَجَ أنْ يعقِره الكلبُ، فله أنْ يصلِّيَ في بيتِه ولا حَرَجَ عليه.
· الخوف على نفسه من سلطان :
o إِذا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سُلْطَانٍ يطلبَه بغير حق وخافَ إن خَرَجَ يؤذيه ، ففي هذه الحال يُعذرُ بتَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ؛ لأنَّ في ذلك ضرراً عليه
o أما إذا كان السلطانُ يأخذُه بحقٍّ فليس له أن يتخلَّفَ عن الجماعةِ ولا الجُمُعةِ، لأنَّه إذا تخلَّفَ أسقط حقّين :
§ حَقَّ الله في الجماعةِ والجُمُعةِ
§ والحَقَّ الذي يطلبه به السلطانُ.
· من لازمه الغريم ولا شيء معه :
o إن كان له غريمٌ يطالبُه ويلازِمُه، وليس عنده فلوسٌ، فهذا عُذْرٌ؛ وذلك لما يلحَقَه مِن الأذيَّةِ لملازمةِ الغريمِ له
o فإنْ كان معه شيءٌ يستطيع أن يوفي به فليس له الحَقُّ في تَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ؛ لأنَّه إذا تركهما في هذه الحال أسقطَ حَقَّين :
§ حَقَّ اللهِ في الجماعة والجُمُعةِ
§ وحَقَّ الآدميِّ في الوفاءِ.
o وإن كان عليه دينٌ مؤجَّلٌ ولم يحن أجله ولازمه غريمه :
§ فإن كانت السُّلطةُ قويةٌ بحيث لو اشتكاه على السُّلطة لمنعته منه، فهو غيرُ معذورٍ
§ أما إذا كانت السُّلطةُ ليست قويةً، أو أنها تحابي الرَّجُلَ فلا تمنعه مِن ملازمةِ غريمه، فهذا عُذرٌ بلا شَكٍّ.
· الخوف على فوات الرفقة :
o من الأعذار في تَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ، أن يخشى من فوات الرُّفْقةِ وهذا عُذْرٌ لوجهين :
§ الوجه الأول أنه يفوت مقصده من الرفقة إذا انتظر الجماعةِ أو الجُمعةِ.
§ الوجه الثاني أنه ينشغلُ قلبُه كثيراً، إذا سَمِعَ رفقته يتهيَّأون للسير وهو يُصلِّي
· غلبة نعاس :
o إذا غلبه النُّعاسُ فإنه يُعذرُ بتَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ مثال ذلك :
§ رجل متعبٌ بسبب عَمَلٍ أو سَفَرٍ إن صلي مع الجماعةِ أخذه النُّعاسِ ولا يدري ما يقول وإن نامَ حتى يزول عنه النُّعاسُ صلي براحة فنقول افعلْ الثاني لأنك معذورٌ.
· من تأذى بمطر أو وحل :
o إذا خافَ الأذى بمطرٍ أو وَحْلٍ _إما ببَلِّ ثيابه أو ببرودة الجَوِّ أو ما أشبه ذلك_ بحيث إذا خَرَجَ للجُمُعةِ أو الجماعةِ تأذَّى فهو معذورٌ.
o وفُهِمَ مِن كلام المؤلف أنه إذا لم يتأذَّ بالمطر بأن كان خفيفاً فإنَّه لا عُذر له، بل يجب عليه الحضورُ، وما أصابه مِن المشقَّةِ اليسيرةِ فإنه يُثابُ عليها.
· من تأذى بريح باردة شديدة في ليلة مظلمة :
o الرِّيحُ مِن أعذارِ تَرْكِ الجُمُعةِ والجماعة لكن بشروط:
§ الأول أن تكون الرِّيحُ باردةً لأنَّ الرِّيحَ السَّاخنةَ ليس فيها أذًى ولا مشقَّة.
§ الثاني كونها شديدةً لأنَّ الرِّيحَ الخفيفةَ لا مشقَّةَ فيها ولا أذًى.
§ الثالث أن تكونَ في ليلةٍ مظلمةٍ لكن هذا الشرطُ ليس عليه دليلٌ لأنَّ الحديثَ الذي استدلُّوا به وهو حديثُ ابنِ عُمر «في الليلةِ الباردةِ أو المطيرةِ» ليس فيه اشتراطُ أن تكونَ الليلةُ مظلمةً
§ فالصحيح أنه إذا وُجِدت ريحٌ باردةٌ شديدةٌ تشُقُّ على النَّاسِ فإنَّه عُذر في تَرْكِ الجُمُعةِ والجَماعة
· تطويل الإِمامِ :
o إذا كان طولاً زائداً عن السُّنَّةِ فهو عذر لترك الجماعة ودليل ذلك :
§ أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يوبِّخ الرَّجُلَ الذي انصرفَ مِن صلاتِه حين شَرَعَ معاذٌ في سورة البقرةِ، بل وَبَّخَ معاذاً» ، وإذا لم يوجد مسجدٌ آخر سَقَطَ عنه وجوبُ الجَماعة.
· سرعة الإِمام :
o هذا مِن بابِ أَولى أن يكون عُذراً مِن تطويلِ الإِمامِ، فإذا كان الإمامُ يُسْرِعُ إسراعاً لا يتمكَّنُ به الإِنسانُ مِن فِعْلِ الواجبِ، فإنَّه معذورٌ بتَرْكِ الجماعةِ لكن إن وُجِدَ مسجدٌ آخرٌ تُقامُ فيه الجماعةُ وجبت عليه الجماعةُ في المسجدِ الثاني.
· فسق الإِمام :
o إنْ قلنا بأنَّ الصَّلاةَ خلفَه لا تَصِحُّ كما هو المذهب فهو عُذرٌ بترك الجماعةِ
o وأما إذا قلنا بصحَّةِ الصَّلاةِ خلفَه ـ وهو الصَّحيح ـ فإنَّ ذلك ليس بعُذرٍ؛ لأنَّ الصَّلاةَ خلفَه تَصِحُّ وأنت مأمورٌ بحضورِ الجماعةِ.
· إذا كان في الطريقِ إلى المسجدِ منكراتٌ :
o هذا ليس بعذر فيخرجُ، وينهى عن المنكرِ ما استطاع، فإن انتهى النَّاسُ فله ولهم، وإن لم ينتهوا فله وعليهم.
· إذا طرأت هذه الأعذارُ في أثناءِ الصَّلاةِ :
o مثل أن يصبه مدافعةُ الأخبثين في أثناءِ الصَّلاةِ فله أنْ ينفردَ ويتمَّ صلاتَه إلا إذا كان لا يستفيدُ بانفرادِه شيئاً، بمعنى أن الإِمام يخفِّفُ تخفيفاً بقَدْرِ الواجبِ
o وله أنْ يقطعَ الصَّلاةَ؛ إذا كان لا يمكنه أن يكمِلها على الوجه المطلوبِ منه، إلا إذا كان لا يستفيدُ مِن قطعِها شيئاً فإنه لا يقطعها، مثل لو سمعَ الغريمَ يدعوه في أثناءِ الصَّلاةِ، ففي هذه الحال لو انصرفَ لأمسكَه.
· مسألة: هل هذه الأعذارُ عُذرٌ في إخراج الصَّلاةِ عن وقتِها؟
o الجواب: ليست عُذراً
o إلا أنَّ بعضَ أهلِ العِلم قال: إنَّ مدافعةَ الأخبثين عُذرٌ في إخراجِ الصَّلاةِ عن وقتِها وذلك لأنَّ حَبْسَ الأخبثينِ، يكون به ضررٌ على الإِنسانِ
o ولكننا نقول: إذا كانت هذه الأعذارُ في الصَّلاة الأُولى التي تُجمع لما بعدَها، فإن هذه الأعذار تُبيحُ الجَمْعَ.
· أكلُ البصلِ :
o إنْ قَصَدَ بأكلِ البصلِ أنْ لا يُصلِّيَ مع الجماعةِ فهذا حرامٌ ويأثمُ بتَرْكِ الجمعة والجماعة
o أما إذا قَصَدَ بأكلِهِ البصلَ التمتُّعَ به وأنَّه يشتهيه، فليس بحرامٍ، وأما بالنسبة لحضُورِه المسجدَ؛ فلا يحضُرُ، لا لأنه معذورٌ، بل دفعاً لأذيَّتِهِ؛ لأنَّه يؤذي الملائكةَ وبني آدم .
o وفَرْقٌ بين آكل البصلِ والثُّومِ والأعذار السابقة :
§ أن آكل البصلِ والثُّومِ لا يُكتب له أجرُ الجماعةِ؛ لأننا إنما قلنا له لا تحضر دفعاً للأذية؛ كما قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم»ا،
§ وأما الأعذار السابقة فيُكتبُ لصاحبها أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً»
· من كان فيه رائحةٌ منتنةٌ تؤذي المصلِّين:
o فإنَّه لا يحضرُ دفعاً لأذيَّتِه، لكن هذا ليس كآكلِ البصلِ؛ لأنَّ هذا ليس باختيارِه :
§ قد نقول إنَّ هذا الرَّجُلَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ؛ لأنَّه تخلَّفَ بغير اختيارِه فهو معذورٌ.
§ وقد نقول إنه لا يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ؛ لكنه لا يأثمُ، كما أنَّ الحائضَ تتركُ الصَّلاةَ بأمر اللهِ ومع ذلك لا يُكتب لها أجرُ الصَّلاةِ فإنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم جَعَلَ تَرْكَها للصَّلاةِ نقصاً في دينِها .
· مسألة : مَن شَرِبَ دُخَّاناً وفيه رائحةٌ مزعجةٌ تؤذي النَّاسَ، فإنَّه لا يَحِلُّ له أنْ يؤذيهم، وهذا الرَّجُلَ إذ رأى نفسَه محروماً مِن صلاةِ الجماعةِ يكون سبباً في توبته منه وهذه مصلحة.

أبو صهيب 19 ربيع الثاني 1431هـ/3-04-2010م 05:56 PM

باب صلاة أهل الأعذار :

ü الأعذار جمْعُ عُذْرٍ، والمراد بها هنا :
o المرض والسَّفَر والخوف
o وهذه الأعذار هي التي تختلف بها الصَّلاةُ عند وجودِها
ü اختلافُ الصَّلاةِ هيئةً أو عدداً بهذه الأعذار مأخوذٌ من القاعدة المعروفةِ عند الفقهاءِ "أنَّ المشقَّةَ تجلبُ التيسيرَ" ودليل هذه القاعدة :
o قوله تعالى: {{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}} [البقرة: 185]
o وقوله تعالى: {{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}} [الحج: 78]
o وقوله: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286] . فكلَّما وُجِدت المشقَّة وُجِدَ التيسير
ü العذر الأول المرض :
o تعريف المريض :
§ هو الذي اعتلَّتْ صحتُه، سواءٌ كانت في جزء مِن بدنِه، أو في جميع بدنِه.
§ والاعتلالُ الجزئيُّ يكونُ منه الاعتلالُ الكُلّيُّ :
· لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى»
o كيفية صلاته :
§ الصلاة قائما :
· أما المفروضةُ : فمتى أمكنه أن يكون قائماً وَجَبَ عليه على أيِّ صِفةٍ كان ولو كان مثل الرَّاكعِ كأن يكون في ظهرِه مَرَضٌ لا يستطيعُ أن يَمُدَّ ظهرَه ، أو كان معتمداً على عصا أو جدارٍ أو عمودٍ أو إنسانٍ
· وأما النافلة : فيجوزُ للإِنسانِ أن يتنفَّلَ وهو جالسٌ. لكن؛ إنْ كان لعُذرٍ أخذ الأجرَ كلَّه، وإنْ كان لغير عُذرٍ أخذَ نصفَ الأجرِ.
§ الصلاة قاعدا :
· فإن لم يستطع ولم يكن في طوعِهِ القيامُ، وذلك بأن يعجزَ عنه فإنَّه يصلِّي قاعداً :
o لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16]
o وقوله: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286]
o وقولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لعمران بن حصين: «صَلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً»
· ظاهر كلام المؤلف أنه لا يُبيحُ القعودَ إلا العجزُ، وأما المشقَّةُ فلا
· ولكن الصَّحيحُ أنَّ المشقَّةَ تُبيحُ القعودَ :
o لقوله تعالى: {{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}} [البقرة: 185]
o وضابطُ المشقَّة ما زالَ به الخشوع؛ والخشوعُ هو حضورُ القلبِ والطُّمأنينةُ
o ومن ذلك الخائفُ إذا لم يستطيعُ أن يصلِّي قائماً ويدلُّ لهذا :
§ قوله تعالى: {{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}} [البقرة: 239] فأسقطَ اللهُ عن الخائفِ الرُّكوعَ والسُّجودَ والقعودَ، فكذلك القيامُ إذا كان خائفاً.
· صفة القعود :
o يجلس متربِّعاً على أليتيه :
§ لقول عائشة رضي الله عنها: «رأيت النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يُصلِّي متربِّعاً»
§ ولأنَّ السَّاقَ والفخذَ في اليمنى واليُسرى كلَّها ظاهرة والافتراش تختفي فيه الساق في الفخذ.
§ ولأن التربُّعَ في الغالبِ أكثرُ طمأنينةً وارتياحاً مِن الافتراشِ، ومن المعلومِ أنَّ القيامَ يحتاجُ إلى قِراءةٍ طويلةٍ
§ ولأجل فائدة أخرى وهي التَّفريقُ بين قعودِ القيامِ والقعودِ الذي في محلِّه
o والتربُّع سُنَّةٌ، فلو صَلَّى مفترشاً، فلا بأسَ، ولو صَلَّى محتبياً فلا بأس :
§ لعموم قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «فإنْ لم تستطعْ فقاعداً» ولم يبينْ كيفيَّة قعودِه.
o وإذا كان في حالِ الرُّكوعِ قال بعضُهم: إنه يكون مفترِشاً، والصَّحيح: أنه يكون متربِّعاً؛ لأنَّ الرَّاكعَ قائمٌ قد نَصَبَ ساقيه وفخذيه
· صفة الركوع والسجود :
o إذا عَجَزَ المريض المصلِّي جالساً عن السُّجُودِ والركوع فيومئ راكعاً وساجداً ويجعل السُّجود أخفض من الركوع ليتميّز السجودُ عن الركوعِ لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16]
o أما إذا قَدِرَ عليه فيومئ بالرُّكوعِ ويسجد.
§ الصلاة على جنب :
· فإن لم يستطع الصلاة قاعدا فعلى جنبه والدليل :
o قول النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لعمران بن حصين: «فإن لم تستطع فعلى جنب»
· والأفضلُ أن يفعلَ ما هو أيسرُ له، فإن كان الأيسرُ أن يكون على جَنْبِهِ الأيسر فهو أفضل، وإن كان بالعكس فهو أفضلُ لأن المقامَ مقامُ رُخصةٍ وتسهيل، فإن تساوى الجنبان فالجنب الأيمن أفضل :
o لحديث وَرَدَ في ذلك وهو ضعيف
o لكن كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يعجبُه التيامن في تنعُّلِه وترجُّلِهِ وطُهوره وفي شأنِه كله
· ويومئ بالرُّكوعِ والسُّجودِ بالرأسِ إلى الصدرِ؛ لأنَّ الإِيماءَ إلى الأرضِ فيه نوعُ التفاتٍ عن القِبلةِ
§ الصلاة مستلقيا على الظهر :
· ظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ أنه يصح للمريض أن يصلى مستلقيا على ظهره مع القُدرة على الجَنْبِ :
o وتكون رجلاه إلى القبلة
o ورأسه إلى عكس القِبلة لأن هذا الرَّجُل لو قام تكون القِبلةُ أمامَه
o لكنه خِلافُ السُّنَّةِ لأن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فإنْ لم تستطع فعلى جَنْبٍ»
o وظاهر كلامه أن صلاتُه لا تَصِحُّ:
§ إنْ صَلَّى مستلقياً ورأسُه إلى القِبلة لأنَّه لو قامَ لكان مستدبِراً للقِبلةِ
§ وإن صَلَّى مستلقياً ورِجْلاه إلى يسارِ القِبلةِ أو يمين القِبلةِ لأنه لو قامَ لكانت القِبلةُ عن يمينه أو عن يسارِه
· والقول الثاني: أنه لا يَصِحُّ أن يصلى مستلقيا على ظهره مع القُدرةِ على الجَنْبِ :
o لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال لعُمرانَ بن حُصين: «فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنْبٍ»
o فهذه هيئةٌ منصوصٌ عليها مِن قِبَلِ الشَّرعِ
o وتمتاز عن الاستلقاء بأن وَجْهَ المريض إلى القِبلة، أما الاستلقاءُ فوجه المريض إلى السَّماءِ،. وهذا القول هو الرَّاجحُ.
§ ترتيبُ صلاةِ المريضِ كما يلي :
· يصلِّي قائماً، فإنْ لم يستطعْ فقاعداً، فإن لم يستطعْ فعلى جَنْبٍ، فإنْ لم يستطع فمستلقياً ورِجلاه إلى القِبلةِ، فهذه هي المرتبةُ الرابعةُ على القولِ الرَّاجحِ
· أما على كلامِ المؤلِّفِ فإنَّ المرتبةُ الرابعةُ في مرتبة الصَّلاةِ على الجَنْبِ لكنها مفضولةٌ
§ صلاة العاجز عن الإيماء :
· فإن صار لا يستطيعُ أنْ يومئَ بالرأسِ :
o فيومئُ بالعينِ، فإذا أرادَ أنْ يركعَ أغمضَ عينيه يسيراً، ثم إذا قال «سَمِعَ اللهُ لمَن حمِده» فتح عينيه، فإذا سَجَدَ أغمضهما أكثر وفيه حديثٌ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «فإنْ لم يستطعْ أومأ بطَرْفِهِ» لكن هذا الحديثُ ضعيفٌ
o القول الثاني قال كثيرٌ مِن العلماءِ أنه إذا عَجَزَ عن الإِيماءِ بالرَّأسِ سقطت عنه الأفعالُ دونِ الأقوالِ وضعفوا الحديث
o القول الثالث تسقط عنه الأقوالُ والأفعالُ، يعني لا تجبُ عليه الصَّلاةُ أصلاً، وهذا القولُ اختيارُ شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله.
o والرَّاجحُ مِن هذه الأقوال الثلاثة أنه تسقطُ عنه الأفعالُ فقط :
§ لأنها هي التي كان عاجزاً عنها، وأما الأقوالُ فإنَّها لا تسقطُ عنه، لأنه قادرٌ عليها، وقد قال الله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16]
§ فنقول: كَبِّرْ، واقرأْ، وانْوِ الرُّكوعَ، فكبِّرْ وسبِّحْ تسبيحَ الرُّكوعِ، ثم انْوِ القيامَ وقُلْ: «سَمِعَ الله لمن حمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ» إلى آخرِه، ثم انْوِ السُّجودَ فكبِّرْ وسبِّحْ تسبيحَ السُّجودِ؛ لأن هذا مقتضى القواعد الشرعيَّةِ
§ صلاة العاجز عن الأقوال والأفعال :
· فإن عَجَزَ عن القولِ والفعلِ بحيث يكون الرَّجُلُ مشلولاً ولا يتكلَّم تسقط عنه الأقوالُ والأفعالُ، وتبقى النِّيةُ، فينوي أنَّه في صلاةٍ، وينوي القراءةَ، وينوي الركوعَ والسجودَ والقيامَ والقعودَ. هذا هو الرَّاجحُ :
o لأن الصَّلاةَ أقوالٌ وأفعالٌ بنيَّةٍ، فإذا سقطت أقوالُها وأفعالُها بالعجزِ عنها بقيت النِّيةُ
o ولأن قولنا لهذا المريض لا صلاةَ عليك قد يكون سبباً لنسيانه الله
o والمذهب في هذه المسألة أصحُّ مِن كلامِ شيخِ الإِسلامِ ابن تيمية رحمه الله، حيث قالوا لا تسقطُ الصَّلاةُ ما دام العقلُ ثابتاً،فيجبُ عليه مِن الصَّلاةِ ما يقدِرُ عليه منها.
§ الصلاة بالأصبع :
· يقول بعض العامة إذا عَجَزَ عن الإِيماءِ بالرَّأسِ أومأَ بالإِصبعِ، فينصب الأصبعَ حالَ القيام ويحنيه قليلاً حالَ الركوعِ ويضمُّه حالَ السُّجودِ لأنه لما عَجَزَ بالكلِّ لزمه بالبعض والسَّبَّابةُ أَولى
· وهذا لا أصلَ له، ولم تأتِ به السُّنَّةُ، ولم يقلْه أهلُ العِلمِ، ولكن ـ سبحان الله ـ مع كونِه لم يقلْه أحدٌ مِن أهلِ العِلم فيما نعلمُ فمشهورٌ عندَ العامةِ.
· مسألة من كان يعجَزُ عن القيامِ في جميعِ الركعةِ، لكن في بعضِ القيامِ يستطيع أن يقفَ نصفَ القراءة :
o مَن نظر إلى فِعْلِ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم في قيامِ الليلِ رجَّح أن يصلِّي جالساً، فإذا قاربَ الرُّكوع قامَ
o ومَن نَظَرَ إلى أن القيام رُكْنٌ، قال الأَولى أن يبدأَ بالرُّكنِ فيقومُ فإذا تعب جَلَسَ
o وتتميز الصفة الأُولى بأنه يتمكَّنُ مِن الركوع؛ بخلاف الثانية فإنَّه يركع بالإِيماء.
§ من قَدر أو عجز في أثناء الصلاة :
· من قَدِرَ في أثناءِ الصَّلاةِ على فِعْلٍ كان عاجزاً عنه انتقل إليه ومن كان في أول الصَّلاةِ نشيطاً فَشَرَعَ في الصَّلاةِ قائماً، ثم تعبَ فله أن يجلس بناءً على القاعدةِ:
o {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16]
o «صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً» وهذا يشمَلُ ما إذا كان العجزُ ابتداءً أو طارئاً
· مسألتان:
o المسألة الأولى من قَدِرَ في أثناءِ الصَّلاةِ فانتقل إلى القيام وأتمَّ قراءةَ الفاتحةِ أثناء نهوضِه قال الفقهاء رحمهم الله لا تجزئِه :
§ لأنه لما قَدِرَ على القيام صار القيام فرضاً، والفاتحةُ يجب أن تُقرأ وهو قائمٌ إذا كان قادراً على القيام، وقد قرأها في حالِ نهوضِه، والنهوضُ دون القيامِ
o المسألة الثانية من عجز في أثناءِ الصَّلاةِ فانتقل إلى القعود وأتمَّ قراءةَ الفاتحةِ أثناء هبوطه قالوا تجزئه :
§ لأنَّ حالَ الهبوطِ أعلى مِن حالِ القعودِ
o لكن لو قيل إنَّ قولَه تعالى {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}}[التغابن: 16] يشمَلُ الصُّورةَ الأُولى أيضا :
§ لأنَّ الرَّجُلَ الذي قَدِرَ في أثناء الجلوسِ على القيامِ، نهوضُه هذا هو غايةُ قدرتِه وهذا أقربُ
§ ولأنَّ الرَّجُلَ الآن شارعٌ فيما يجب عليه، فهذا الشروعُ ثابتٌ بأمرِ الله، فإذا قرأ أجزأه
§ ولكن احتياطاً لهذا الأمر نقول إذا قدرتَ على القيامِ فاسكت لا تقرأ حتى تستتمَّ قائماً ثم أكمل.
§ من قدر على قيام وقعود، دون ركوع وسجود :
· إنْ قَدِرَ المريضُ على القيامِ، لكن لا يستطيع الركوعَ فيصلي قائماً ويومئُ بالرُّكوعِ قائماً وكذلك إذا كان يستطيعُ أنْ يجلسَ؛ لكن لا يستطيع أن يسجدَ نقول اجلسْ وأومئْ بالسُّجودِ والدليلُ :
o قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] .
· إذا كان لا يستطيعُ السُّجودَ على الجبهة فقط؛ لأنَّ فيها جروحاً لا يتمكَّنُ أن يمسَّ بها الأرض، لكن يقدِرُ باليدين فيضعُ يديه على الأرضِ ويدنو مِن الأرضِ بقَدْرِ استطاعتِه :
o لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}}
o وأما قولُ مَن قال مِن العلماءِ: إنَّه إذا عَجَزَ عن السُّجودِ بالجبهة لم يلزمه بغيرِها، فهذا قول ضعيفٌ
· مسألة: رَجُلٌ مريضٌ إنْ ذهب إلى المسجدِ لم يستطعْ القيامَ لأنه يصل إلى المسجدِ وهو متعبٌ وإن صلّى في بيته صلَّى قائماً؛ لأنه لم تحصُلْ عليه مشقَّةٌ . للعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
o مِن العلماءِ مَن قال إنه يُخيَّر لتعارض الواجبين، واجب الجماعة، وواجب القيام وليس أحدهما أولى بالترجيح مِن الآخر.
o ومنهم مَن قال يقدِّم القيامَ، فيصلِّي في بيتِه قائماً؛ لأنَّ القيامَ رُكْنٌ بالاتفاقِ؛ لقول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «صَلِّ قائماً» وصلاةُ الجماعةِ أقلُّ وجوباً لوجود الخِلاف في وجوبها.
o ومنهم مَن قال: يجب أن يحضر إلى المسجدِ، ثم يصلِّي قائماً إن استطاعَ، وإلا صَلَّى جالساً؛ لأنَّه مأمورٌ بإجابة النِّداء، والنِّداءُ سابقٌ على الصَّلاةِ وهذا الذي أميلُ إليه ـ ولكن ليس ميلاً كبيراً ـ ويدلُّ لذلك :
§ حديث ابن مسعود الثابت في «صحيح مسلم»: «وكان الرَّجُلُ يُؤتى به يُهادى بين الرَّجلينِ حتى يُقامَ في الصَّفِّ» ومثل هذا في الغالب لا يقدِرُ على القيام وحدَه
§ صلاة المريض مستلقيا مع قدرته على القيام :
· من قدر على القيام لكن قال له الطبيب لا بُدَّ أن تصلِّيَ مستلقياً فحينئذٍ نقول له صَلِّ مستلقياً ولو كنت قادراً على القيامِ وذلك لأمرِ الطبيبِ.
· اشترط المؤلِّف لجواز الصلاة مستلقياً مع القدرة على القيام شرطان :
o أنْ يكون عن قولِ طبيب
o وأن يكون مسلماً.
· وعلم من كلام المؤلف أن غير الطبيب لا يرجع إلى قوله لكن الصحيح أنه إذا قال له إنسانٌ مجرِّبٌ وإن لم يكن طبيباً إن في صلاتِك قائماً ضرراً عليك، فله أن يصلِّيَ مستلقياً أو قاعداً لأن الطب إما وحي أو مبني على التجربة .
· وعُلم من كلامه أيضاً أنه لو أمره بذلك غير مسلم لم يأخذ بقوله لأنَّ هذه أمانة، وغير المسلم ليس بأمين
· وذهب بعضُ أهلِ العِلم إلى اشتراطِ الثقةِ فقط دون الإِسلام، وقال متى كان الطبيبُ ثقةً عُمِلَ بقولِه وإنْ لم يكن مسلماً واستدلُّوا لذلك :
o بأنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم عَمِلَ بقول الكافر حال ائتمانه؛ لأنه وَثِقَ به فقد استأجرَ في الهجرةِ رَجُلاً مشركاً مِن بني الدِّيلِ، يُقال له: عبدُ الله بن أُريقط ليدلَّه على الطريق مِن مكَّة إلى المدينة وهذا هو القول الراجح لقوة دليله وتعليله.
§ الصلاة في السفينة :
· إذا كان يمكنه القيام في الفريضة وجب عليه أن يصلّي قائماً وَلاَ تَصِحُّ صَلاَتُهُ قَاعِدا
· وإذا كان لا يمكنه :
o إما لكون الرياح عاصفة والسفينة غير مستقرة فإنه يصلّي جالساً
o وإما لكون سقف السفينة قصيراً فإنه يصلّي جالساً
o ولكن سبق أنه إذا أمكن أن يقف ولو كراكع وجب عليه
§ الصلاة على الراحلة :
· يصح الفرض على الراحلة خشية التأذي بالنزول والدليل :
o قول يعلى بن مُرَّة أنَّهم كانوا مع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في سَفَر، فانتهوا إلى مَضِيقٍ، فحضرتِ الصَّلاةُ فَمُطِرُوا ، السَّماءُ من فَوقِهِم والبِلَّةُ من أسفلَ منهم، فأذَّنَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على راحلتِه وأقامَ فتقدَّمَ على راحلتِه فصلَّى بهم يُومِئُ إيماءً يجعلُ السجودَ أخفضَ من الركوعِ. رواه أحمد والترمذي وقال العمل عليه عند أهل العلم
o وفي هذا الحديث أنهم يصلّون جماعة، وعلى هذا فيتقدم الإِمام عليهم حتى في الرواحل؛ لأن هذا هو السنّة في موقف الإِمام
· وكذالك إذا خاف انقطاعاً عن رفقته فيصلِّي على الراحلة ولو مع الأمن :
o لأن الإِنسان إذا انقطع عن رفقته فلربما يضيع، وربما يحصُل له مرض أو نوم أو ما أشبه ذلك فيتضرر.
· وأما الصلاة على الراحلة للمرض :
o إذا كان يمكنه أن ينزل ثم يركب على الراحلة فلا يصلي
o أما إذا كان لا يمكنه فله أن يصلِّي على الراحلة للمرض، لأن ذلك أشد من الوحل وشبهه.
· كيفيتها :
o يجب أن يستقبل القبلة في جميع الصلاة؛ لأنه قادر عليه إذ يمكنه أن يتوقف في السير ويوجه الراحلة إلى القبلة ويصلِّي
o أما الركوع والسجود فيومئ بالركوع والسجود، لأنه لا يستطيع، والقيام أولى
o هذا على الرواحل التي يعرفها العلماء رحمهم الله، وهي الإِبل والحمير والخيل والبغال وشبهها
· أما وسائل النقل اليوم مثل السيارات وغيرها متى ما أمكنه أن يأتي بالواجب فيها فله أن يصلي ولا يشترط التأذي بالنزول
§ الصلاة في الطائرة :
· إذا كان يمكنه أن يصلّي قائماً وجب أن يصلّي إلى القبلة قائماً ويركع ويسجد إلى القبلة
· وإذا لم يمكنه :
o فإن كانت الطائرة تصل إلى المطار قبل خروج الوقت فإنه ينتظر حتى ينزل إلى الأرض
o فإن كان لا يمكن أن تصل إلى المطار قبل خروج الوقت :
§ فإن كانت هذه الصلاة مما تجمع إلى ما بعدها كالظهر مع العصر أو المغرب مع العشاء، فإنه ينتظر حتى يهبط على الأرض فيصلّيهما جمع تأخير
§ وإذا كانت الصلاة لا تجمع لما بعدها صلّى على الطائرة على حسب حاله
· ظن البعض أنه لا يجوز الصلاة في الطائرة قياسا على قول الفقهاء "لا تصح الصلاة على الأرجوحة؛ لأنها غير مستقرة" ولكن هذا ليس بصحيح، لأن الفرق بين الأرجوحة والطائرة ظاهر جدا فالطائرة مستقرة تماماً بخلاف الأرجوحة

أبو صهيب 21 ربيع الثاني 1431هـ/5-04-2010م 06:44 PM

تابع صلاة أهل الأعذار :

ü العذر الثاني السفر:

o السفر من الأعذار التي تختلف به الصلاة عددا فيشرع فيه قصر الرباعية ركعتين
o تعريفه :
§ السفر في اللغة: مفارقة محل الإِقامة، وسمي بذلك :
· لأن الإِنسان يسفر بذلك عن نفسه، فبدلاً من أن يكون مكنوناً في بيته أصبح ظاهراً بيِّناً بارزاً، ومنه قوله تعالى: {{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ *}} [المدثر] أي: تبين وظهر
· وقال بعض العلماء إنما سمّي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، أي: يوضحها ويبيّنها، فإن كثيراً من الناس لا تعرف أخلاقه ولا حسن سيرته إلا إذا سافرت معه
o أنواعه :
§ الأسفار تنقسم إلى خمسة أقسام :
· السفر المحرم ومن ذالك سفر المرأة بلا محرم
· السفر المكروه ومنه سفر المرء وحده
· السفر المباح كالسفر للنزهة
· السفر الواجب كالسفر لأداء فريضة الحج
· السفر المستحب كالسفر للحج للمرة الثانية
o شروط القصر في السفر :
§ الشرط الأول :
· أن يكون السفر مباحا والمقصود بالمباح هنا ما ليس بحرام ولا مكروه، فيشمل الواجب والمستحب والمباح إباحة مطلقة قالوا :
o لأن المسافر سفر معصية لا ينبغي أن يرخص له إذ إن الرخصة تسهيل وتيسير على المكلف والمسافر سفراً محرماً لا يستحق أن يسهل عليه ويرخّص له
· وذهب الإِمام أبو حنيفة وشيخ الإِسلام ابن تيمية وجماعة كثيرة من العلماء؛ إلى أنه لا يشترط الإِباحة لجواز القصر وأن الإِنسان يجوز أن يقصر حتى في السفر المحرم وقالوا:
o إن القصر في السفر عزيمة لا رخصة ، لإن الصلاة في السفر من الأصل فرضت ركعتين وليست تحويلاً من الأربع إلى الركعتين وهذا القول قول قوي، لأن تعليله ظاهر، كما ثبت ذلك في «صحيح البخاري» وغيره عن عائشة رضي الله عنها: «أن أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على ركعتين»
· وقال بعض العلماء لا قصر إلا في سفر الطاعة كالحج والعمرة، وزيارة الوالدين ونحوها، وأما المباح فلا قصر فيه
§ الشرط الثاني :
· أن تكون المسافة أربعة برد فأكثر وما دونها ولو بشبر واحد لا يبيح القصر :
o والبريد عندهم مسيرة نصف يوم فتكون أربعة البرد يومين
o وقدروه بالمساحة الأرضية بثمانية وأربعين ميلاً والميل المعروف = كيلو وستمائة متر.
o وأما في الزمن فقالوا إن مسيرته يومان قاصدان _أي معتدلان_ بسير الإِبل المحملة.
o وهذا هو الذي عليه أكثر العلماء.
· والصحيح أنه لا حد للسفر بالمسافة وإنما يرجع في ذلك إلى العرف :
o لأن التحديد كما قال صاحب المغني :
o «يحتاج إلى توقيف، وليس لما صار إليه المحددون حجة، وأقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف ولأن التقدير مخالف لسنة النبي صلّى الله عليه وسلّم ولظاهر القرآن ولأن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإِجماع على خلافه».اهـ
o والله عزّ وجل يعلم أن المسلمين يسافرون في الليل والنهار ولم يرد حرف واحد يقول إن تحديد السفر مسافته كذا وكذا
o ولم يتكلم أحد من الصحابة بطلب التحديد في السفر، مع أنهم في الأشياء المجملة يسألون النبي صلّى الله عليه وسلّم عن تفسيرها وبيانها
o فلما لم يسألوا علم أن الأمر عندهم واضح، وأن هذا معنى لغوي يرجع فيه إلى ما تقتضيه اللغة وحد السفر في اللغة كما جاء في مقاييس اللغة لابن فارس: ما يدل على أنه مفارقة مكان السكنى.
o وإذا كان لم يرو عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم تقييد السفر بالمسافة، وليس هناك حقيقة لغوية تقيده كان المرجع فيه إلى العرف
· مدة السفر بالنسبة للمسافة لا تخلو من أربع حالات:
o مدة طويلة في مسافة طويلة، فهذا سفر لا إشكال فيه
o مدة قصيرة في مسافة قصيرة فهذا ليس بسفر
o مدة طويلة في مسافة قصيرة بمعنى أنه ذهب إلى مكان قريب لا ينسب لبلده، وليس منها، وبقي يومين أو ثلاثة فهذا سفر
o مدة قصيرة في مسافة طويلة، كمَن ذهب مثلاً من القصيم إلى جدة في يومه ورجع فهذا يسمى سفراً؛ لأن الناس يتأهبون له، ويرون أنهم مسافرون.
· إن أشكل على الإنسان هل هذا سفرٌ عرفاً أو لا؟ فهنا يتجاذب المسألة أصلان :
o الأصل الأول أن السفر مفارقة محل الإِقامة، وحينئذٍ نأخذ بهذا الأصل فيحكم بأنه سفر.
o الأصل الثاني أن الأصل الإِقامة حتى يتحقق السفر، وما دام الإِنسان شاكاً في السفر، فهو شاك هل هو مقيم أو مسافر والأصل الإِقامة
o وعلى هذا فنقول في مثل هذه الصورة الاحتياط أن تتم؛ لأن الأصل هو الإِقامة حتى نتحقق أنه يسمى سفراً.
o دليل القصر :
§ دليل ذلك كتاب الله، وسنّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وإجماع الأمة :
· أما في القرآن فقال الله تعالى: {{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}} [النساء: 101] ونفي الجناح هنا لا يعني ارتفاع الإِثم فقط بل معناه انتفاء المانع فإذا انتفى المانع نرجع إلى ما تقتضيه الأدلة الأخرى، فالأدلة الأخرى في الصلاة تقتضي أن القصر راجح على الإِتمام.
· وأما السنة «فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سافر صلّى ركعتين ، ولم يحفظ عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه صلّى أربعاً في سفر قط، بل في كل أسفاره الطويلة والقصيرة كان يصلي ركعتين.
· وأما إجماع المسلمين: فهذا أمر معلوم بالضرورة، كما قال ابن عمر: «إنِّي صَحِبتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم في السَّفَرِ، فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، وصَحِبتُ أبا بكرٍ؛ فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، وصَحِبتُ عُمَر فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، ثم صَحِبتُ عثمان فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ»
· ودليل القرآن الذي قال فيه الله عز وجل : {{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}} [النساء: 101] قيد بخوف الفتنة من الكفار :
o لكن هذا الشرط مرتفع بسنّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم التي أخبر بها عن ربِّه، فإن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه أشكل عليه هذا القيد، فسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّها صدقةٌ، تصدَّقَ اللهُ بها عليكم، فاقبلوا صَدَقَته» ، فصارت إباحة القصر في الأمن صدقةٌ تصدَّق الله بها علينا.
§ وقال بعض العلماء إن قصر الصلاة ينقسم إلى قسمين قصر عدد وقصر هيئة :
· فإن اجتمع الخوف والسفر اجتمع القصران
· وإن انفرد السفر صار القصر بالعدد
· وإن انفرد الخوف صار القصر بالهيئة
§ وهذه مناسبة جيدة وطلب للعلة والحكمة، ولكن الذي يَفْصِلُ هو قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنها صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته».
o الصلوات التي يشملها القصر هي الرباعية وهي ثلاث صلوات :
§ الظهر والعصر والعشاء
§ أما الثلاثية فلا تقصر :
· لأنها لو قصرت لفات المقصود منها وهي الوترية
· ولأنها لا يمكن أن تقصر على سبيل النصف؛ إذ ليس هناك صلاة تكون ركعة ونصفاً
§ وأما الثنائية فلا تقصر أيضاً لأنها لو قصرت لكانت وتراً ففات المقصود
§ وهذا التعليل إنما هو بيان لوجه الحكمة، وإلا فالأصل هو اتباع النص، لأن ركعات الصلاة من الأمور التي لا تبلغها العقول
o سبب القصر :
§ سببه السفر فقط وأما المرض والشغل والتعب فلا يمكن أن يكونا سبباً للقصر حتى لو كان الإِنسان في أشد مرض، فإنه لا يقصر.
o حكم القصر :
§ أفادنا المؤلف أن القصر سنّة، فعلى ما قال لو أتم لم يأثم ، ولا يوصف بأن عمله مكروه وهذا موضع خلاف بين أهل العلم
§ وقال بعض أهل العلم إن الإِتمام مكروه :
· لأن ذلك خلاف هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم المستمر الدائم فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما أتم أبداً في سفر وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وهذا القول اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو قول قوي، بل لعله أقوى الأقوال.
§ وقال بعض أهل العلم: إن القصر واجب، وأن من أتم فهو آثم ودليل هذا ما يلي :
· حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أول ما فرضت الصلاة ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر على الفريضة الأولى». وهذا قول صحابي يعلم الحكم، ويعلم مدلول الألفاظ وقد صرحت بأن الركعتين فريضة المسافر.
· قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وهذا كما تدخل فيه الهيئة وهي الكيفية يدخل فيه القدر وهو الكمية، والنبي صلّى الله عليه وسلّم في سفر لم يزد على الركعتين أبداً
· أنه فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم المستمر.
· ورود ذلك عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما.
§ ولكن يعارض القول بالوجوب أصول:
· الأصل الأول أن المؤتم بالمقيم إذا كان مسافراً يصلّي أربعاً تبعاً للإِمام، ومتابعة الإِمام واجبة، والزيادة على الفريضة تبطل الصلاة فهنا نقول: لو كان القصر واجباً لكانت متابعة الإِمام في الإِتمام حراماً :
o ولكن هذا الأصل قد يعارض فيقال: إنما لا تجوز الزيادة على الأربع فيما لو قام الإِمام إلى الخامسة لأن هذا غير مشروع أي لم تشرع صلاة عددها خمس ومتابعة المسافر للإِمام المتم مشروعة، بل هي الأصل في صلاة الحاضر المقيم فبينهما فرق ، إذن هذا الأصل فيه ضعف.
· الأصل الثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم أتموا خلف عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما صلّى في منى، وذلك «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر وعمر وعثمان في أول خلافته إلى ست أو ثمان سنين كان يصلي ركعتين ثم صار في آخر خلافته يصلي أربعاً، وكان الصحابة يصلون خلفه مع إنكارهم عليه حتى إن ابن مسعود لما بلغه أنه صلّى أربعاً استرجع قال: إنّا لله وإنا إليه راجعون» فلو كان القصر واجباً لم يتابعه الصحابة رضي الله عنهم :
o ولكن هذا الأصل أيضاً ربما يعارض بما عورض به الأصل الأول في أنهم إنما يتابعونه فيصلون أربعاً في صلاة تصلى أربعاً فلا غرابة أن يدعوا الركعتين الواجبتين، لا سيما وأنهم لاحظوا معنى آخر وهو الخلاف بين الناس وبين خليفتهم
o ولهذا لما سئل ابن مسعود رضي الله عنه كيف تتم أربعاً وأنت تنكر على عثمان؟ قال: «الخلاف شر» رضي الله عن الصحابة
§ والذي يترجح لي وليس ترجحاً كبيراً :
· هو أن الإِتمام مكروه وليس بحرام، وأن من أتم فإنه لا يكون عاصياً، هذا من الناحية النظرية.
· وأما من الناحية العملية فلا يليق بالإِنسان أن يفعل شيئاً يخشى أن يكون عاصياً فيه. بل افعل ما يكون هو السنة، فإن ذلك أصلح لقلبك حتى وإن كان يجوز لك خلافه
§ ولكن إذا أتم الإِمام فإنه يلزمك الإِتمام، لئلا تقع في المخالفة، وهذا من نظر الشرع لاتفاق الأمة، وإن كان ذلك خلاف الأولى بك لو صليت منفرداً.
o ابتداء القصر :
§ يشرط لبدء القصر :
· مفارقة عامر قريته بالبدن بمقدار ذراع لا أن تغيب عن نظره لأنها ربما لا تغيب إلا بعد مسافة طويلة :
o فإن كان هناك بيوت قديمة في أطراف البلد هجرت وتركت ولم تسكن، فهذه لا عبرة بها
o وإن كان في القرية بيوت عامرة ثم بيوت خربة ثم بيوت عامرة، فالعبرة بمفارقة البيوت العامرة الثانية
· أو مفارقة خيام قومه إذا كانوا يسكنون الخيام
· ولا يجوز أن يقصر ما دام في قريته ولو كان عازماً على السفر ولو كان مرتحلاً، ولو كان راكباً يمشي بين البيوت وذلك:
o لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كان لا يقصر إلا إذا خرج وارتحل».
o ولأن السفر هو أن يسفر الإِنسان ويبرز ويخرج كما سبق
o مسألتان :
§ رجل سافر من أجل أن يترخص فهل يترخص؟
· الجواب: لا، لأن السفر حرام حينئذ، ولأنه يعاقب بنقيض قصده فكل من أراد التحيُّل على إسقاط الواجب أو فعل المحرم عوقب بنقيض قصده فلا يسقط عنه الواجب ولا يحل له المحرم.
§ إنسان خرج من بلده يتمشّى فهبت رياح أضلته عن الطريق، فصار تائهاً يطلب الطريق، ولم يهتدِ إليه، فهل يقصر الصلاة؟.
· الجواب: لا يقصر، لأنه لم ينو مسافة القصر وقد يهتدي إلى الطريق قبل بلوغ المسافة، وكذلك من خرج لطلب بعير شارد لا يقصر؛ لأنه لم ينوِ المسافة.
· ولكن الصحيح: أنه يقصر لأنه على سفر.
o مسائل تداخل فيها سبب القصر وسبب الإتمام :
§ المسألة الأولى من أحرم بالصلاة وهو مقيم ثم سافر فيلزمه أن يتم :
· لأنه ابتداء الصلاة في حال يلزمه إتمامها، فلزمه الإِتمام
· مثاله كما لو كان في سفينة تجري في نهر يشق البلد وكانت راسية فكبّر للصلاة، ثم مشت السفينة ففارقت البلد وهو في أثناء الصلاة
§ المسألة الثانية من أحرم للصلاة في سفر ثم أقام فيلزمه الإِتمام هذا هو المذهب :
· لأنه اجتمع في هذه العبادة سببان أحدهما يبيح القصر وهو السفر والثاني يمنع القصر وهو الإقامة فغلب جانب المنع والقاعدة عند الفقهاء أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر غلب جانب الحظر
· مثاله كما لو كانت السفينة مقبلة على البلد والنهر قد شق البلد فكبّر للإِحرام وهو في السفينة قبل أن يدخل البلد، ثم دخل البلد
· والقول الراجح في هذه المسألة أنه لا يلزمه الإِتمام لأنه ابتدأ الصلاة في حال يجوز له فيها القصر فكان له استدامة ذلك ولا دليل بيّناً على وجوب الإِتمام.
§ المسألة الثالثة من ذكر صلاة حضر في سفر :
· مثاله رجل مسافر، وفي أثناء السفر ذكر أنه لم يصل الظهر في الحضر فإنه يصلي أربعاً :
o لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» أي: يصلي هذه الصلاة كما هي إذا ذكرها
o ولأن هذه الصلاة لزمته تامة فوجب عليه فعلها تامة، وهذا واضح.
§ المسألة الرابعة من ذكر صلاة سفر في حضر :
· مثال ذلك رجل وصل إلى بلده ثم ذكر أنه لم يصل الظهر في السفر، فيلزمه أن يصلي أربعاً :
o لأنها صلاة وجبت عليه في الحضر فلزمه الإِتمام
o ولأن القصر من رخص السفر وقد زال السفر فيلزمه الإِتمام . هذا هو المذهب
o لكن القول الراجح خلافه، وأنه إذا ذكر صلاة سفر في حضر صلاها قصراً لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» أي: فليصلها كما هي
§ المسألة الخامسة ائتمام المسافر بالمقيم :
· إذا ائتم مسافر بمقيم فإنه يتم :
o لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما جعل الإِمام ليؤتم به».
o وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» ، فيشمل كل ما أدرك الإِنسان وكل ما فاته.
o ولأن «ابن عباس سئل ما بال الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإِمام أربعاً؟ فقال: تلك هي السنّة».
o ولأن الصحابة رضي الله عنهم: «كانوا يصلون خلف عثمان بن عفان وهم في سفر في منى أربعاً»
· إذا أدرك المسافر من صلاة الإِمام ركعة في الصلاة الرباعية فيأتي بثلاث، وإن أدرك ركعتين أتى بركعتين، وإن أدرك ثلاثاً أتى بركعة، وإن أدرك التشهد أتى بأربع :
o لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وما فاتكم فأتموا».
§ المسألة السادسة من ائتم بمن يشك فيه هل هو مسافر أو مقيم :
· إذا ائتم مسافر بمن يشك فيه هل هو مسافر أو مقيم لزمه الإِتمام :
o للشك في جواز القصر.
o وظاهر كلام المؤلف لزوم الإِتمام وإن تبين أن الإِمام مسافر.
· والقول الراجح عندي :
o أنه لا يلزمه الإِتمام في هذه الصورة لأن الأصل في صلاة المسافر القصر، ولا يلزمه الإِتمام خلف الإِمام إلا إذا أتم الإِمام وهنا لم يتم الإِمام.
o ولو قال حينما رأى إماماً يصلي بالناس في مكان يجمع بين مسافرين ومقيمين إن أتمّ إمامي أتممت وإن قصر قصرت، صح وإن كان معلقاً :
§ لأن هذا التعليق يطابق الواقع، فإن إمامه إن قصر ففرضه هو القصر، وإن أتم ففرضه الإِتمام
§ وليس هذا من باب الشك، وإنما هو من باب تعليق الفعل بأسبابه، وسبب الإِتمام هنا إتمام الإِمام والقصر هو الأصل.
§ المسألة السابعة من أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها :
· إذا أحرم المسافر بصلاة يلزمه إتمامها، كما إذا ائتمّ بمقيم فقد أحرم بصلاة يلزمه إتمامها :
o فإذا فسدت بحدث أو غيره ثم أعادها فإنه يلزمه الإِتمام، لأن هذه الصلاة إعادة لصلاة يجب إتمامها، فيلزمه أن يصلي أربعاً.
o وأما إذا ذكر أنه على غير وضوء فإن الصلاة لم تنعقد أصلاً، وعلى هذا فلا يلزمه الإِتمام، بخلاف المسألة الأولى إذا فسدت بعد أن انعقدت فإنه يلزمه الإِتمام كما قال المؤلف.
o ولكن هذا غير مسلم به؛ وذلك لأن الصلاة الأولى التي شرع فيها إنما يلزمه إتمامها تبعاً لإِمامه لا من حيث الأصل، وبعد أن فسدت زالت التبعية فلا يلزمه إلا صلاة مقصورة، وهذا التعليل أقوى من التعليل الذي ذكروه رحمهم الله، فيكون هذا أرجح إن لم يمنع منه إجماع
· إذا دخل وقت الصلاة وهو في بلده ثم سافر فإنه يقصر
· ولو دخل وقت الصلاة وهو في السفر ثم دخل بلده فإنه يتم اعتباراً بحال فعل الصلاة.
§ المسألة الثامنة من لم ينو القصر عند إحرامه بالصلاة :
· من دخل في صلاة رباعية وهو مسافر، ولم يستحضر أن ينويها ركعتين، فهنا يقول المؤلف يلزمه أن يتم، وهذه المسألة لها ثلاث صور:
o الصورة الأولى أن ينوي الإِتمام فيلزمه الإِتمام على رأي من يرى جواز إتمام المسافر
o الصورة الثانية أن ينوي القصر فيقصر ودليل ذلك :
§ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»
o الصورة الثالثة أن ينسى فلا ينوي قصراً ولا إتماماً :
§ فالمذهب أنه يتم وعللوا ذلك أن الأصل وجوب الإِتمام فإذا لم ينوِ القصر لزمه الأصل وهو الإِتمام
§ والقول الثاني في المسألة أنه يقصر وإن لم ينوِ القصر، لأن الأصل في صلاة المسافر القصر وهو الصحيح
§ المسألة التاسعة من شك في نية القصر :
· إذا شك مسافر في نية القصر هل نوى القصر أم لم ينوِ؟ فالمذهب أنه يلزمه الإِتمام، لأن الأصل عدم النية.ومن القواعد المقررة: أن من شك في وجود شيء أو عدمه فالأصل العدم، وإذا لم يتيقن أنه نوى القصر لزمه الإِتمام
· القول الثاني أنه يقصر وإن شك في نية القصر :
o ووجوب الإِتمام في هذه المسألة أضعف من وجوب الإِتمام في المسألة التي قبلها وهي إذا جزم بأنه لم ينوِ . وعلى هذا فنقول كما قلنا في فيها: أنه يقصر ولا يلزمه الإِتمام، لأن الأصل في صلاة المسافر القصر.
§ المسألة العاشرة من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام :
· إذا نوى المسافر إقامة أكثر من أربعة أيام في أي مكان كان فيلزمه أن يتم والدليل على هذا:
o أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدم مكة في حجة الوداع يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وأقام فيها الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، وخرج يوم الخميس إلى مِنَى، فأقام في مكة أربعة أيام يقصر الصلاة ونحن نعلم علم اليقين أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد عزم على أن يبقى هذه الأيام الأربعة؛ لأنه قدم إلى الحج، ولا يمكن أن ينصرف قبل الحج.
o وهذه الأيام الأربعة وقعت اتفاقاً بلا شك
o والأصل أن إقامة المسافر في أي مكان تقطع السفر ولكن سمح في الأيام الأربعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقامها وقصر فيبقى ما زاد عليها على الأصل، وهو المنع من الترخص ووجوب الإِتمام
· وهذه المسألة من مسائل الخلاف التي كثرت فيها الأقوال فزادت على عشرين قولاً لأهل العلم، وسبب ذلك أنه ليس فيها دليل فاصل يقطع النزاع، فأقوال المذاهب المتبوعة هي :
o أولاً: مذهب الحنابلة كما سبق أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ولزمه الإِتمام
o ثانياً: مذهب الشافعي إذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يلزمه الإِتمام، لكن لا يحسب منها يوم الدخول، ويوم الخروج وعلى هذا تكون الأيام ستة، يوم الدخول، ويوم الخروج، وأربعة أيام بينها.
o ثالثاً: مذهب أبي حنيفة إذا نوى إقامة أكثر من خمسة عشر يوماً أتم، وإن نوى دونها قصر.
o وفيها أيضاً مذاهب أخرى فردية، مثل ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما بأنه إذا نوى إقامة تسعة عشر يوماً قصر، وما زاد فإنه لا يقصر.
· لكن إذا رجعنا إلى ما يقتضيه ظاهر الكتاب والسنّة وجدنا أن القول الذي اختاره شيخ الإِسلام رحمه الله هو القول الصحيح، وهو أن المسافر مسافر، سواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو دونها وذلك :
o لعموم الأدلة الدالة على ثبوت رخص السفر للمسافر بدون تحديد، ولم يحدد الله في كتابه ولا رسوله صلّى الله عليه وسلّم المدة التي ينقطع بها حكم السفر.
o فمن القرآن قوله تعالى: {{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ}} [النساء: 101] فقوله تعالى: {{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ}} عام يشمل كل ضارب، ومن المعلوم أن الضرب في الأرض أحياناً يحتاج إلى مدة طويلة بحسب حاجته.
o وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقام مدداً مختلفة يقصر فيها :
§ فأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة
§ وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة
§ وأقام في مكة عام حجة الوداع عشرة أيام يقصر الصلاة، لأن أنساً رضي الله عنه سئل كم أقمتم في مكة ـ أي: في حجة الوداع ـ قال: أقمنا بها عشراً فأضاف أيام الحج إلى الأيام الأربعة
· وأما حُجة من رأى أنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام لزمه الإِتمام، وهو أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أقام أربعة أيام قبل أن يخرج إلى منى فالرد عليها من وجوه :
o أولا أن هذا دليل عليهم وليس دليلاً لهم، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدم مكة في اليوم الرابع اتفاقاً، ولا أحد يشك في هذا، وهل هناك دليل على أنه لو قدم في اليوم الثالث أتم ونحن نعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلم بأن من الناس من يقدم للحج قبل اليوم الرابع ، لأن أشهر الحج تبتدئ من شوال، فلما لم يبين مع دعاء الحاجة للبلاغ والتبيين ولم يقل للناس من قدم قبل اليوم الرابع فليتم علم أنه لا يلزمه الإِتمام، فيكون هذا الحديث دليلاً على أنه لا يلزم الإِتمام من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.
o ثانيا أن بقاء النبي صلّى الله عليه وسلّم في مكة أربعة أيام وقع مصادفة لا تشريعاً
o ثالثا كيف نقول أن من نوى الإِقامة ستاً وتسعين ساعة فله أن يقصر، ومن نوى الإِقامة ستاً وتسعين ساعة وعشر دقائق فليس له أن يقصر؛ لأن الأول مسافر والثاني مقيم، أين هذا التحديد في الكتاب والسنّة فمثل هذا لا يمكن أن يترك بلا بيان، وترك البيان في موضع يحتاج إلى بيان يعتبر بياناً
o رابعا أن في هذا القول تناقض ووجه ذالك أنه في الجمعة في حكم المسافرين، وفي غير الجمعة في حكم المقيمين، فمثل هذه الأمور تحتاج إلى دليل وتوضيح
o وعلى هذا فنقول إن القول الراجح ما ذهب إليه شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله من أن المسافر مسافر ما لم ينوِ واحداً من أمرين :
§ الإِقامة المطلقة.
§ أو الاستيطان.
§ والفرق: أن المستوطن نوى أن يتخذ هذا البلد وطناً، والإِقامة المطلقة أنه يأتي لهذا البلد ويرى أن الحركة فيه كبيرة، أو طلب العلم فيه قوي فينوي الإِقامة مطلقاً بدون أن يقيدها بزمن أو بعمل.
§ المسألة الحادية عشر الملاح الذي معه أهله ولا ينوي الإقامة ببلد :
· الملاح _إي قائد السفينة_ :
o إذا كان معه أهله ولا ينوي الإقامة لا ببلد المغادرة، ولا ببلد الوصول، فهذا يجب عليه أن يتم؛ لأن بلده سفينته.
o فإن كان أهله في بلد فإنه مسافر ولو طالت مدته في السفر.
o وإن كان له نية الإِقامة في بلد فإنه يقصر إذا غادره ؛ لأننا نقول له إنك مسافر إذا فارقته، لأن لك بلداً معيناً عيّنته للإِقامة.
· ومثل ذلك أصحاب سيارات الأجرة الذين دائماً في البر فحكمهم بالنسبة للقصر حكم الملاح.
§ المسألة الثانية عشر من كان له طريقان لسفره أحدهما أبعد من الآخر :
· لو أن رجلا في بلد يريد أن يسافر إلى بلد آخر، ولهذا البلد طريقان أحدهما بعيد، والثاني قريب، أي: أن أحدهما يبلغ المسافة، والآخر لا يبلغها، فسلك أبعدهما فإنه يقصر، لأنه يصدق عليه أنه مسافر سفر قصر
§ المسألة الثالثة عشر من ذكر صلاة سفر في سفر آخر :
· لو أن رجلا سافر إلى العمرة وصلّى بغير وضوء ناسياً، ولما رجع من العمرة سافر إلى المدينة وفي أثناء سفره إلى المدينة ذكر أنه صلّى في سفره للعمرة صلاة بغير وضوء، فنقول: يصلّيها قصراً؛ لأن الصلاة وجبت في السفر أداءً وقضاءً..
· وهذا المسألة لها أربع صور :
o ذكر صلاة سفر في سفر، يقصر.
o ذكر صلاة حضر في حضر، يتم.
o ذكر صلاة سفر في حضر، يقصر على الصحيح.
o ذكر صلاة حضر في سفر، يتم.
§ المسألة الرابعة عشر من حبس ولم ينو الإقامة :
· من حبس _أي منع من السفر_ بأي سبب كان :
o ولم ينوِ أن يبقى مدة محددة فإنه يقصر ولو طالت المدة دليل ذلك :
§ أن ابن عمر رضي الله عنهما «حبسه الثلج بأذربيجان لمدة ستة أشهر يقصر الصلاة» ، وابن عمر صحابي، والقول الراجح أن فعل الصحابي وقوله حجة ما لم يخالف نصاً أو يعارضه قول صحابي آخر.
§ ثم إن فعل ابن عمر هذا رضي الله عنه مؤيد بعمومات الكتاب والسنّة الدالة على أن المسافر يقصر حتى لو بقي باختياره على القول الراجح.
o فإن نوى إقامة مطلقة لا إقامة ينتظر بها زوال المانع فإنه يتم.
§ المسألة الخامسة عشر من أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة :
· من أقام لقضاء حاجة ولو بقي طول عمره ولم ينوِ إقامة مطلقة فإنه يقصر لأنه إنما نوى الإِقامة من أجل هذه الحاجة، ولم ينوِ إقامة مطلقة.
· والفرق بين الإِقامة المطلقة والإِقامة المقيدة :
o أن الإِقامة المطلقة: أن ينوي أنه مقيم ما لم يوجد سبب يقتضي مغادرته، ومن ذلك :
§ سفراء الدول، فلا شك أن الأصل أن إقامتهم مطلقة لا يرتحلون إلا إذا أمروا بذلك فهم في حكم المستوطنين
§ وكذلك أيضاً الذين يسافرون إلى بلد يرتزقون فيها هؤلاء إقامتهم مطلقة، لأنهم يقولون سنبقى ما دام رزقنا مستمراً
o والإِقامة المقيدة تارة تقيد بزمن، وتارة تقيد بعمل :
§ فالمقيد بزمن سبق لنا أن المشهور من المذهب أنه إذا نوى أكثر من أربعة أيام يتم ودونها يقصر، وكما سبق بيان الخلاف فيها أيضاً.
§ والمقيدة بعمل يقصر فيها أبداً ولو طالت المدة، ومن ذلك لو سافر للعلاج ولا يدري متى ينتهي، فإنه يقصر أبداً حتى لو غلب على ظنه أنه سيطول، لأنه ينتظر هذه الحاجة هذا هو المشهور من المذهب وهو قول الجمهور ـ حتى إن ابن المنذر حكى الإِجماع عليه ـ وأنه لا يلزمه الإِتمام ما دام ينتظر انتهاء الحاجة.
§ وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا أقام وانتهت المدة المحددة لانقطاع حكم السفر فإنه يجب عليه الإِتمام، وعليه فإذا أقام لحاجة لا يدري متى تنقضي وانتهت أربعة أيام لزمه الإِتمام.

أبو صهيب 23 ربيع الثاني 1431هـ/7-04-2010م 01:20 PM

تابع صلاة أهل الأعذار :

تابع العذر الثاتي السفر :
§ مما يبيحه سفر القصر الجمع بين صلاتين
o الجمع :
§ تعريفه :
· هو ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى
· وهذا التعريف يشمل جمع التقديم وجمع التأخير
· والمقصود بضم إحدى الصلاتين للأخرى، ما يصح الجمع بينهما، فلا يدخل في ذلك :
o ضم صلاة العصر إلى صلاة المغرب
o ولا ضم صلاة العشاء إلى الفجر
o ولا ضم صلاة الفجر إلى صلاة الظهر
§ حكمه :
· المعروف من المذهب أن الجمع جائز، وليس بمستحب، بل إن تركه أفضل، فهو رخصة، وتركه أفضل للخلاف في جوازه،
· ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يجوز الجمع إلا بين الظهر والعصر في عرفة، وبين المغرب والعشاء في مزدلفة، والعلة في ذلك عنده: أن هذا من باب النسك، وليس من باب العذر أي: السفر ولكن قوله ضعيف.
· والصحيح أن الجمع سنّة إذا وجد سببه لوجهين :
o الوجه الأول أنه من رخص الله عزّ وجل والله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه.
o الوجه الثاني أن فيه اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنه كان يجمع عند وجود السبب المبيح للجمع فيدخل هذا في عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»
· إذا جاز الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً، فإن شئت فاجمع في وقت الأولى أو في الثانية أو في الوقت الذي بينهما، وأما ظن بعض العامة أنه لا يجمع إلا في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، أو آخر وقت المغرب وأول وقت العشاء فلا أصل له.
§ الأسباب المبيحة للجمع :
· ذكر المؤلف أن أسباب الجمع هي: سفر القصر، والمرض، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة، وهذه الخمسة هي كالتمثيل لقاعدة عامة وهي المشقة ولهذا :
o يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين، وبين العشائين لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة
o ويجوز الجمع أيضاً للإِنسان إذا كان في سفر وكان الماء بعيداً عنه، ويشق عليه أن يذهب إلى الماء ليتوضأ لكل صلاة، حتى وإن قلنا بعدم جواز الجمع في السفر للنازل، وذلك لمشقة الوضوء عليه لكل صلاة.
· السبب الأول سفر قصر :
o متى يجوز للمسافر الجمع :
§ من العلماء من يقول إنه لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائراً لا إذا كان نازلاً واستدل :
· بحديث ابن عمر «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جَدَّ به السير» يعني إذا كان سائراً.
· وبأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يجمع بين الصلاتين في منى في حجة الوداع؛ لأنه كان نازلاً ، وإلا فلا شك أنه في سفر؛ لأنه يقصر الصلاة.
· وأورد عليهم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع بين الظهرين في عرفة وهو نازل.
· وأجابوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع بين الظهرين في عرفة وهو نازل ليدرك الناس صلاة الجماعة على إمام واحد لأن الناس بعد الصلاة سوف يتفرقون في مواقفهم في عرفة، ويكون جمعهم بعد ذلك صعباً وشاقاً ونظير ذلك أن الناس يجمعون بين المغرب والعشاء في المطر من أجل تحصيل الجماعة، وإلا فبإمكانهم أن يصلّوا الصلاة في وقتها في بيوتهم؛ لأنهم معذورون بالوحل.
§ والقول الثاني أنه يجوز الجمع للمسافر، سواء كان نازلاً أم سائراً وهو ظاهر كلام المؤلف واستدلوا لذلك بما يلي :
· أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع في غزوة تبوك وهو نازل .
· ظاهر حديث أبي جحيفة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان نازلاً في الأبطح في حجة الوداع، وأنه خرج ذات يوم وعليه حلة حمراء فأمَّ الناس فصلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين» قالوا: فظاهر هذا أنهما كانتا مجموعتين.
· عموم حديث ابن عباس أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر».
· أنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه، فجوازه للسفر من باب أولى.
· أن المسافر يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها، إما للعناء، أو قلة الماء، أو غير ذلك.
§ والصحيح أن الجمع للمسافر جائز لكنه في حق السائر مستحب وفي حق النازل جائز غير مستحب إن جمع فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل.
· السبب الثاني المرض :
o يجوز الجمع لمريض يلحقه بترك الجمع مشقة سواء كان صداعاً في الرأس، أو وجعاً في الظهر، أو في البطن، أو في الجلد، أو في غير ذلك، ودليل ذلك ما يلي :
§ عموم قول الله تعالى {{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}} [البقرة: 185]
§ وقوله: {{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}} [الحج: 78] .
§ حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «جمع النبي صلّى الله عليه وسلّم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر» قالوا: فإذا انتفى الخوف والمطر، وهو في المدينة انتفى السفر أيضاً، ولم يبق إلا المرض
o فإن لم يلحقه مشقة، فإنه لا يجوز له الجمع.
· السبب الثالث المطر :
o يجوز الجمع بين المغرب والعشاء إذا كان هناك مطر يبل الثياب لكثرته وغزارته
o فإن كان مطراً قليلاً لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز، لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة.
· السبب الرابع الوحل :
o يجوز الجمع بين المغرب والعشاء للوحل الزلق والطين وإن لم يكن المطر ينزل، وذلك لأن الوحل والطين، يشق على الناس أن يمشوا عليه.
· السبب الخامس الريح :
o يجوز الجمع بين المغرب والعشاء بسبب الريح لكن بشرطين :
§ أن تكون شديدة والمراد بها ما خرج عن العادة، وأما الريح المعتادة فإنها لا تبيح الجمع
§ وأن تكون باردة. والمراد بها ما تشق على الناس
· الجمع بين الظهريين للريح الشديدة والمطر والوحل :
o المذهب أنه لا يجوز الجمع بين الظهرين للريح الشديدة والمطر والوحل ودليل اختصاص الجمع بالعشائين فقط :
§ أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «جمع بين العشائين في ليلة مطيرة»
o والصحيح في هذه المسألة أنه يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأعذار، كما يجوز الجمع بين العشائين، والعلة هي المشقة، فإذا وجدت المشقة في ليل أو نهار جاز الجمع والدليل :
§ حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال «جمع النبي صلّى الله عليه وسلّم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر» ولما «سئل لماذا صنع ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته» أي: أن لا يلحقها حرج في عدم الجمع، ومن هنا نأخذ أنه متى لحق المكلف حرج في ترك الجمع جاز له أن يجمع
§ وأما الحديث الذي استدل به المخالفون :
· ففيه نظر، والذي رواه النجاد، وليس البخاري كما في بعض نسخ الروض.
· وأيضاً كونه جمع في ليلة مطيرة لا يمنع أن يجمع في يوم مطير، لأن العلة هي المشقة
§ الجمع والقصر :
· لا تلازم بين الجمع والقصر فليس من لازم جواز الجمع جواز القصر فقد يجوز الجمع ولا يجوز القصر، وقد يجوز القصر ولا يجوز الجمع على رأي من يرى أن الجمع لا يجوز للمسافر النازل.
§ الجمع في البيت وفي مسجد طريقه تحت سقف :
· الجمع في البيت له صور :
o الأولى أن يكون معذوراً بترك الجماعة لمرض أو مطر ونحوهما. فظاهر كلام المؤلف أنه يجوز له الجمع.
o الثانية أن يصلي في بيته بلا عذر وظاهر كلام المؤلف أنها كالأولى.
o الثالثة أن يكون ممن لا تلزمه الجماعة كالأنثى فيحتمل أن يكون كلام المؤلف شاملاً لها ويحتمل أن لا يكون شاملاً لها فلا تجمع لأنها ليست من أهل الجماعة.
o والراجح أنه لا يجوز الجمع في هذه الصور الثلاث :
§ أما في الصورة الأولى فإنه لا يستفيد بهذا الجمع شيئاً لأنه معذور وسيصلي في البيت
§ وكذالك في الصورة الثانية فإنه لا يستفيد بهذا الجمع شيئاً
§ وأما في الصورة الثالثة فلأن المرأة ليست من أهل الجماعة.
· الجمع في مسجد طريقه تحت سقف :
o قال بعض العلماء إذا كان يصلّي في مسجد طريقه تحت سقف فإنه لا يجوز أن يجمع لأجل المطر
o والراجح أنه يجوز أن يجمع ولو كان طريقه إلى المسجد تحت سقف لأنه يستفيد الصلاة مع الجماعة.
· ومراد المؤلف في قوله: «ولو صلّى في بيته، أو في مسجد طريقه تحت ساباط»، إذا كان من أهل الجماعة ويصلّي معهم فلا حرج أن يجمع مع الناس؛ لئلا تفوته صلاة الجماعة.
§ جمع التقديم وجمع التأخير :
· الأفضل لمن يباح له الجمع فعل الأرفق به من تأخير وتقديم، فإن كان التأخير أرفق فليؤخر، وإن كان التقديم أرفق فليقدم ودليل هذا ما يلي :
o قوله تعالى: {{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}} [البقرة: 185]
o قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ الدِّينَ يُسرٌ»
o حديث معاذ: «أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في غزوة تبوك إذا ارتحلَ قبل أن تزيغَ الشَّمسُ أخَّرَ الظُّهرَ إلى أنْ يجمَعها إلى العصرِ، فيصلِّيهما جميعاً، وإذا ارتحلَ بعد أن تزيغَ الشَّمسُ؛ عَجَّلَ العصرَ إلى الظُّهرِ، وصَلَّى الظُّهرَ والعصرَ جميعاً، ثم سار...»
o أن الجمع إنما شرع رفقاً بالمكلف، فما كان أرفق فهو أفضل.
· وقد استثنى بعض العلماء :
o جمع عرفة فقال الأفضل فيه التقديم ومزدلفة فالأفضل فيه التأخير
o لكن هذا لا وجه له؛ لأن جمع عرفة تقديماً أرفق بالناس من الجمع تأخيراً، لأن الناس لا يمكن أن يحبسوا إلى وقت العصر مجتمعين، وهم يريدون أن يتفرقوا في مواقفهم، ويدعوا الله؛ فالأرفق بهم بلا شك التقديم، وأما في مزدلفة فالأفضل التأخير؛ لأنه أرفق فإن إيقاف الناس في أثناء الطريق وهم في سيرهم إلى مزدلفة فيه مشقة.
· إذا تساوى الأمران عند الإِنسان التقديم أو التأخير فقال أهل العلم أن الأفضل التأخير :
o لأن التأخير غاية ما فيه تأخير الأولى عن وقتها، والصلاة بعد وقتها لعذر جائزة مجزئة
o وأما التقديم ففيه الصلاة الثانية قبل دخول وقتها، والصلاة قبل دخول الوقت لا تصح ولو لعذر
o ولأنه أحوط حيث منع بعض المجوزين للجمع من جمع التقديم إلا في عرفة.
· جمع التقديم :
o يشترط للجمع في وقت الأولى ثلاثة شروط :
§ الشرط الأول نية الجمع عند إحرام الأولى :
· لأن الجمع ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى، ولذلك فلا بد أن تكون نية الضم مشتملة على جميع أجزاء الصلاة
· فلو فرض أنه دخل في الأولى وهو لا ينوي الجمع، ثم في أثناء الصلاة بدا له أن يجمع، فإن الجمع لا يصح.
· والصحيح: أنه لا يشترط نية الجمع عند إحرام الأولى، وأن له أن ينوي الجمع ولو بعد سلامه من الأولى، ولو عند إحرامه في الثانية ما دام السبب موجوداً.
§ الشرط الثاني الموالاة بين الصلاتين :
· يشترط أن تكون الصلاتان متواليتين لا يفصل بينهما إلا بشيء يسير :
o بمقدار إقامة لأن الإِقامة الثانية لا بد منها
o ووضوء خفيف لأن الإِنسان ربما يحتاج إلى الوضوء بين الصلاتين فسومح في ذلك.
· ويبطل الجمع :
o بصلاة راتبة بين الصلاة الأولى والثانية فلا جمع حينئذٍ لوجود الفصل بينهما بصلاة
o وبفريضة فبعد أن صلّى المغرب مثلا ذكر أنه صلّى العصر بلا وضوء فصلّى العصر فلا جمع لأنه إذا بطل الجمع بالراتبة التابعة للصلاة المجموعة فبطلانه بصلاة أجنبية من باب أولى.
o ولو صلى تطوعاً غير الراتبة فمن باب أولى؛ لأنه إذا بطل بالراتبة التابعة للمجموعة فما كان أجنبياً عنها، وليس لها فهو من باب أولى.
· واختار شيخ الإِسلام ابن تيمية أنه لا تشترط الموالاة بين المجموعتين وقال:
o إن معنى الجمع هو الضم بالوقت أي ضم وقت الثانية للأولى بحيث يكون الوقتان وقتاً واحداً عند العذر، وليس ضم الفعل
o وقد ذكر شيخ الإِسلام رحمه الله نصوصاً عن الإِمام أحمد تدل على ما ذهب إليه من أنه لا تشترط الموالاة في الجمع بين الصلاتين تقديماً كما أن الموالاة لا تشترط بالجمع بينهما تأخيراً كما سيأتي
o والأحوط أن لا يجمع إذا لم يوالِ بينهما، ولكن رأي شيخ الإِسلام له قوة.
· لو أن الرجل صلّى الظهر وهو مسافر بدون أن ينوي الجمع، ولو كان مقيماً ثم بدا له أن يسافر قبل العصر :
o فعلى رأي شيخ الإِسلام يجمع إذا سافر ولو طال الفصل
o وعلى ما ذكره المؤلف لا يجمع لسببين:
§ أولاً: أنه لم ينوِ الجمع عند إحرام الأولى
§ الثاني: أنه فصل بينهما.
§ الشرط الثالث أن يكون العذر المبيح للجمع موجوداً عند افتتاح الصلاتين الأولى والثانية وسلام الأولى :
· وذلك لأن افتتاح الأولى محل النية وقد سبق أنه يشترط في الجمع نيته عند تكبيرة الإِحرام ، فإذا كان يشترط نية الجمع عند تكبيرة الإِحرام لزم من ذالك وجود العذر عندها ؛ لأن نية الجمع بلا عذر غير صحيحة
· وهذا الشرط مبني على الشرط الأول الذي هو نية الجمع عند افتتاح الصلاة الأولى، وقد سبق أن القول الصحيح عدم اشتراطه، وعلى ذلك لا يشترط وجود العذر عند افتتاح الأولى، فلو لم ينزل المطر إلا في أثناء الصلاة فإنه يصح الجمع على الصحيح، بل لو لم ينزل إلا بعد تمام الصلاة الأولى فالصحيح أن الجمع جائز بناء على هذا القول.
· وأما اشتراط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الثانية فلأن افتتاح الثانية هو محل الجمع وهذا صحيح ولا يشترط أن يكون موجوداً إلى انتهاءه
o وعند شيخ الإِسلام لا يشترط للجمع في وقت الأولى إلا وجود العذر فقط، مما يكون في ترك الجمع معه مشقة.
§ بقي شرط رابع وهو الترتيب :
· فيشترط الترتيب بأن يبدأ بالأولى ثم بالثانية :
o لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»
o ولأن الشرع جاء بترتيب الأوقات في الصلوات فوجب أن تكون كل صلاة في المحل الذي رتبها الشارع فيه
· لو أن الإِنسان قدم الثانية على الأولى سهواً أو جهلاً أو لإِدراك الجماعة أو لغير ذلك من الأسباب، فإن الترتيب لا يسقط عنه على المشهور عند فقهائنا رحمهم الله وعليه فالجمع لا يصح والصلاة التي صلاها أولاً، لا تصح فرضاً تبرأ به الذمة، ولكنها تكون نفلاً يثاب عليه ، ويلزمه إعادتها.
§ وفيه شرط خامس وهو ألا تكون صلاة جمعة :
· صلاة الجمعة لا يصح أن يجمع إليها العصر قياسا على الجمع بين الظهرين وذلك :
o لأن الجمعة صلاة منفردة مستقلة في شروطها وهيئتها وأركانها وثوابها أيضاً
o ولأن السنّة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر، ولم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه جمع العصر إلى الجمعة أبداً
o ولأن وقت الجمعة على المشهور من مذهب الحنابلة من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى العصر، والظهر من الزوال إلى العصر
o ولأن الجمعة لا تصح إلا في وقتها، فلو خرج الوقت تصلّى ظهراً، والظهر تصح في الوقت وتصح بعده للعذر.
· من أراد أن ينوي الجمعة ظهراً لأنه مسافر وصلاة الظهر في حقه ركعتان يعني على قدر الجمعة :
o فلا تصح هذه النية على قول من يقول إنه يشترط اتفاق نية الإِمام والمأموم، لأنهم لم يستثنوا من هذه المسألة إلا من أدرك من الجمعة أقل من ركعة
o أما على القول الراجح أن نية الإِمام والمأموم لا يضر الاختلاف بينهما فإنه يصح :
§ ولكن إذا نواها ظهراً حرم أجر الجمعة وأجر الجمعة أكبر بكثير من أجر الظهر.
§ ولأن في نية صلاة الظهر قبل فوات الجمعة ممن تلزمه الجمعة إذا حضرها نظراً، لأن صلاة الظهر قبل فوات الجمعة ممن تلزمه غير صحيحة.
· جمع التأخير :

§ الشرط الأول أن ينوي الجمع في وقت الأولى :
· لأنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر إلا بنية الجمع حيث جاز.
· ودليل عدم جواز تأخير الصلاة عن وقتها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حدد الصلوات في أوقات معينة ، فلا يجوز أن تؤخر الصلاة الأولى عن وقتها إلا بنية الجمع حيث وجد سببه
· وهذا الشرط ما لم يضق وقت الأولى عن فعلها، فإن ضاق عن فعلها لم يصح الجمع لأن تأخير الصلاة حتى يضيق وقتها عن الفعل محرم والجمع رخصة، والرخص لا تستباح بالمحرم
§ الشرط الثاني أن يستمر العذر إلى دخول الثانية :
· فإن لم يستمر فالجمع حرام كرجل مسافر نوى جمع التأخير، ولكنه قدم إلى بلده قبل خروج وقت الأولى فلا يجوز له أن يجمع الأولى إلى الثانية، لأن العذر انقطع وزال فيجب أن يصلّيها في وقتها إلا أن يكون مجهداً يشق عليه انتظار دخول الثانية لاحتياجه إلى النوم مثلاً، فيجوز له الجمع حينئذ للمشقة لا للسفر ويصلّيها أربعا لأن علة القصر السفر وقد زال.
§ الشرط الثالث الموالاة :
· لم يذكر المؤلف الموالاة إشارة إلى عدم اشتراطها في جمع التأخير فلو أنه جمع جمع تأخير، ودخل وقت الثانية وصلّى الأولى، وبقي ساعة أو ساعتين ثم صلّى الثانية، فالجمع صحيح؛ لأن الموالاة شرط في جمع التقديم، وليست شرطاً في جمع التأخير. وهذا هو المشهور من المذهب.
· وذهب بعض العلماء إلى أن الموالاة شرط في جمع التأخير وجمع التقديم لأن الجمع هو الضم
· وذهب بعض العلماء إلى أن الموالاة ليست شرطاً لا في التقديم ولا في التأخير وهذا اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية.
ü العذر الثالث الخوف :
o الخوف من العدو أي عدو كان، آدمياً أو سبعاً، لأنه ليس بشرط أن يكون العدو من بني آدم، بل أي عدو كان يخاف الإِنسان على نفسه منه، فإنها تشرع له صلاة الخوف.

o صفاتها :
§ وردت صلاة الخوف في السنّة بصفاتٍ وهي ستة أوجه، أو سبعة أوجه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
§ ظاهر كلام المؤلف أن كل صفة منها تجوز في أي موضع
§ ولكن قد نقول إن هذه الصفات من الصلاة لا يجوز نوع منها إلا في موضعه الذي صلاّها النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه، ونذكر صفتين منها :
· الصفة الأولى : ما يوافق ظاهر القرآن، وهي أن يقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين، طائفة تصلّي معه، وطائفة أمام العدو، لئلا يهجم، فيصلّي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا قام إلى الثانية أتموا لأنفسهم أي: نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم، والإِمام لا يزال قائماً، ثم إذا أتموا لأنفسهم ذهبوا ووقفوا مكان الطائفة الثانية أمام العدو، وجاءت الطائفة الثانية ودخلت مع الإِمام في الركعة الثانية، وفي هذه الحال يطيل الإِمام الركعة الثانية أكثر من الأولى لتدركه الطائفة الثانية، وهذه مستثناة مما سبق في باب صلاة الجماعة أنه يسنّ تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية، فتدخل الطائفة الثانية مع الإِمام فيصلّي بهم الركعة التي بقيت، ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد قامت هذه الطائفة من السجود رأساً وأكملت الركعة التي بقيت وأدركت الإِمام في التشهد فيسلم بهم. وهذه الصفة موافقة لظاهر القرآن :
o قال الله تعالى: {{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ}} إذا سجدوا، أي: أتموا الصلاة {{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى}} وهي التي أمام العدو {{لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}}، ولكن الله عزّ وجل قال للطائفة الثانية: {{وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}} [النساء: 102] وللطائفة الأولى قال: {{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}} لأن الطائفة الثانية الخوف عليها أشد، فإن العدو قد يكون قد تأهب لما رأى الجيش انقسم إلى قسمين وأعدّ العدة للهجوم، فلهذا أمر الله بأخذ الحذر والأسلحة.
o وهذه الصفة في صلاة الخوف خالفت الصلاة المعتادة في أمور منها :
§ أولاً انفراد الطائفة الأولى عن الإِمام قبل سلامه وهذا جائز في كل عذر طرأ للمأموم
§ ثانياً أن الطائفة الثانية قضت ما فاتها من الصلاة قبل سلام الإِمام وهذا لا نظير له في صلاة الأمن، بل إن المأموم في صلاة الأمن يقضي ما فاته بعد سلام إمامه.
· الصفة الثانية : إذا كان العدو في جهة القبلة، فإن الإِمام يصفهم صفين ويبتدئ بهم الصلاة جميعاً، ويركع بهم جميعاً ويرفع بهم جميعاً، فإذا سجد سجد معه الصف الأول فقط ويبقى الصف الثاني قائماً يحرس، فإذا قام قام معه الصف الأول ثم سجد الصف المؤخر، فإذا قاموا تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم صلّى بهم الركعة الثانية قام بهم جميعاً وركع بهم جميعاً، فإذا سجد سجد معه الصف المقدم الذي كان في الركعة الأولى هو المؤخر، فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر، فإذا جلسوا للتشهد سلم الإِمام بهم جميعاً، وهذه لا يمكن أن تكون إلا إذا كان العدو في جهة القبلة.
o مسائل :
§ لو فرض أن الصفات الواردة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يمكن تطبيقها في الوقت الحاضر لأن الوسائل الحربية والأسلحة اختلفت :
· فنقول إذا دعت الضرورة إلى الصلاة في وقت يخاف فيه من العدو، فإنهم يصلّون صلاة أقرب ما تكون إلى الصفات الواردة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا كانت الصفات الواردة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا تتأتى، لقول الله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] .
§ إذا اشتد الخوف فهل يجوز أن تؤخر الصلاة التى لا تجمع عن الوقت؟ في هذا خلاف بين العلماء :
· فمن العلماء من يقول لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، ولو اشتد الخوف، بل يصلّون هاربين وطالبين إلى القبلة، وإلى غيرها يومئون بالركوع والسجود، لقوله تعالى: {{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}} [البقرة: 236] .
· ومنهم من قال: يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إذا اشتد الخوف، بحيث لا يمكن أن يتدبر الإِنسان ما يقول أو يفعل أما إذا كان يمكن أن يتدبر ما يقول أو يفعل في الصلاة فليصل على أي حال، لكن إذا كانت السهام والرصاص تأتيه من كل جانب ولا يمكن أن يستقر قلبه ولا يدري ما يقول، ففي هذه الحال يجوز تأخير الصلاة، وهذا مبني على «تأخير النبي صلّى الله عليه وسلّم الصلاة في غزوة الأحزاب» هل هو منسوخ أو محكم والصحيح أنه محكم
§ وذكر في الروض :
· أنه يشترط لجواز صلاة الخوف أن يكون القتال مباحاً، والقتال المباح: هو قتال الكفار أو قتال المدافعة
· أما قتال الهجوم على من لا يحل قتاله فإن ذلك لا يجيز صلاة الخوف، بل نقول لمن قاتل على هذا الوجه يجب عليك أن تكف عن القتال.
o حمل السلاح في صلاة الخوف :
§ ذهب كثير من أهل العلم إلى أن حمل السلاح مستحب في صلاة الخوف.
§ والصحيح أن حمل السلاح واجب :
· لأن الله أمر به فقال: {{فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}} [النساء: 102]
· ولأن ترك حمل السلاح خطر على المسلمين، وما كان خطراً على المسلمين فالواجب تلافيه والحذر منه.
· لو فرض أن السلاح متلوث بدم نجس فإنه يجوز حمله للضرورة، ولا إعادة عليه، وهو كذلك.
§ اشترط المؤلف رحمه الله في حمل السلاح شرطين :
· أن يكون دفاعياً فقط وليس هجومياً لأنه مشغول في صلاته عن مهاجمة عدوه
· ألاّ يشغله عن الصلاة لأنه إذا حمل ما يشغله عن الصلاة زال خشوعه وأهم شيء في الصلاة الخشوع فهو لبُّ الصلاة وروحها
· ومما يتحقق فيها الشرطين السيف والسكين، والرمح القصير، وفي وقتنا المسدس.

أبو صهيب 24 ربيع الثاني 1431هـ/8-04-2010م 10:42 PM

باب صلاة الجمعة :

ü صلاة الجمعة :
o أي الصلاة التي تجمع الخلق، وذلك أن المسلمين لهم اجتماعات متعددة، اجتماعات حي في الصلوات الخمس في مسجد الحي، واجتماعات بلد في الجمعة والعيدين، واجتماعات أقطار في الحج بمكة كل هذا شرعه الله من أجل توطيد أواصر الألفة والمحبة بين المسلمين.
ü شروط وجوب الجمعة :

o الشرط الأول : أن يكون ذكراً والدليل :
§ أن صلاة الجمعة صلاة جمع؛ لهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن»
§ هذا إن لم يصح الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا على أربعة...» ، فإن صح فالأمر فيه واضح.
§ فخرج به الأنثى والخنثى، فلا تلزمهم صلاة الجمعة :
· أما عدم وجوبها على الخنثى فلعدم تحقق الشرط فيه؛ لأنه لا يدرى أذكر هو أم أنثى، والأصل براءة الذمة حتى يتيقن شرط وجوبها، وهذا لم يتيقن.
· وأما الأنثى فلأنها ليست من أهل الجماعة.
o الشرط الثاني أن يكون حرا :
§ وضد الحر العبد، والمراد بالعبد المملوك فالعبد لا تلزمه الجمعة وذلك لما يلي :
· قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض»
· ولأنه مشغول في خدمة سيده.
§ وقال بعض العلماء تلزمه الجمعة لأنه :
· داخل في عموم قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}} [الجمعة: 9]
· والحديث الوارد في نفي وجوب صلاة الجمعة عن العبد ضعيف.
· والتعليل بأنه مشغول في خدمة سيده أضعف؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
§ وقال بعض العلماء :
· إذا أذن له سيده لزمته؛ لأنه لا عذر له لزوال العلة التي هي سبب منع الوجوب
· وإن لم يأذن له لم تلزمه.
· وهذا القول قول وسط بين قول من يلزمه الجمعة مطلقاً، وقول من لا يلزمه مطلقاً، ووجهه قوي جداً، ويمكن أن يحمل الحديث عليه
o الشرط الثالث أن يكون مكلفا :
§ والمكلف عند العلماء من جمع وصفين أحدهما البلوغ والثاني العقل والدليل :
· قوله صلّى الله عليه وسلّم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ»
· لكن الصغير تصح منه الجمعة والمجنون لا تصح منه؛ لأن المجنون لا عقل له، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات» ، ومن لا عقل له لا نية له، بخلاف الصبي المميز فإن له نية.
o الشرط الرابع أن يكون مسلما :
§ وضده الكافر، فالكافر لا تجب عليه الجمعة، بل ولا تصح منه، ودليل هذا:
· قوله تعالى: {{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ}} [التوبة: 54] ، فإذا كانت النفقات مع كون نفعها متعدياً لا تقبل منهم، فالعبادات التي نفعها غير متعدٍ من باب أولى لا تقبل منهم.
· قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لما بعث معاذاً إلى اليمن: «ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة» ، فجعل فرض الصلوات بعد الشهادتين.
o الشرط الخامس أن يكون مستوطنا :
§ وضد المستوطن المسافر والمقيم :

· فالستوطن تلزمه الجمعة بشرطين :
o أن يكون الوطن مبني بالحجر، والمدر، والإِسمنت، والخشب، وغيرها :
§ احتراز مما لو كانوا أهل خيام كأهل البادية، فإنه لا جمعة عليهم؛ لأن البدو الذين كانوا حول المدينة لم يأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بإقامة الجمعة مع أنهم مستوطنون في أماكنهم؛ لكونها ليست ببناء، ولهذا إذا ظعنوا عن هذا الموطن ظعنوا ببيوتهم، ولم يبق لها أثر؛ لأنها خيام.
o أن يكون اسم البلد واحدا ولو تفرق مثل: مكة، المدينة، عنيزة، بريدة، الرياض، حتى لو تباعد، وتفرق بأن صارت الأحياء بينها مزارع وهو الصحيح
o وقال بعض العلماء لو تفرق، وفرقت بينه المزارع، فليس بوطن واحد، وعلى هذا القول يكون كل حي وحده مستقلاً.
· والمسافر لا جمعة عليه ودليل ذلك :
o أن النبي صلّى الله عليه وسلّم في أسفاره لم يكن يصلي الجمعة، مع أن معه الجمع الغفير، وإنما يصلي ظهراً مقصورة ولو كان يصلي الجمعة لكان ذلك مما تتوافر الدواعي على نقله، ولنقل إلينا.
o ولو كانت واجبة لصلاها، بل لو كانت جائزة لصلاها، فإذا صلى الإنسان الجمعة وهو في السفر، فصلاته باطلة، وعليه أن يعيدها ظهراً مقصورة؛ لأن المسافر ليس من أهل الجمعة.
o ولدينا نصاً ظاهراً جداً في أنه لا يصلي الجمعة في سفره، وذلك في يوم عرفة، فإن يوم عرفة كان يوم الجمعة في حجة الوداع، ففي صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لما وصل بطن الوادي يوم عرفة نزل فخطب الناس، ثم بعد الخطبة أذَّن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر» وهذه الصفة تخالف صلاة الجمعة من وجوه:
§ لأن صلاة الجمعة الخطبة فيها بعد الأذان، وهنا الخطبة قبل الأذان.
§ صلاة الجمعة يتقدمها خطبتان، وحديث جابر ليس فيه إلا خطبة واحدة.
§ صلاة الجمعة يجهر فيها بالقراءة، وحديث جابر يدل على أنه لم يجهر، لأنه قال: «صلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر».
§ صلاة الجمعة تسمى صلاة الجمعة، وفي حديث جابر قال: «صلى الظهر».
§ صلاة الجمعة لا تجمع إليها العصر، وحديث جابر يقول: «صلى الظهر ثم أقام فصلى العصر» ، وهذا نص صريح واضح في هذا الجمع الكثير الذي سيتفرق فيه المسلمون إلى بلادهم فيقولون: صلينا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة ظهراً يدل دلالة قطعية على أن المسافر لا يصلي الجمعة.
o وأما المسافر في بلد تقام فيه الجمعة، كما لو مرَّ إنسان في السفر ببلد، ودخل فيه ليقيل، ويستمر في سيره بعد الظهر فإنها تلزمه الجمعة :
§ لعموم قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}} [الجمعة: 9] ، وهذا عام
§ ولم نعلم أن الصحابة الذين يفدون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويبقون إلى يوم الجمعة يتركون صلاة الجمعة، بل إن ظاهر السنة أنهم يصلون مع النبي صلّى الله عليه وسلّم.
o وقالت الظاهرية إن المسافر تلزمه الجمعة واستدلوا على ذلك :
§ بعمومات الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجمعة، وهذا الاستدلال مردود بالأدلة المخصصة للعمومات.
· وأما المقيم وهو المسافر الذي نوى أن يقيم في بلد أكثر من أربعة أيام فهو مسافراً من بعض الوجوه غير مسافر من بعض الوجوه :
o فتلزمه الجمعة إذا أقيمت بغيره، هذا هو تقرير المذهب ولكن لا يصح أن يكون إماماً في الجمعة ولا خطيباً فيها ولا يكمل به العدد المشروط، ويلزمه إتمام الصلاة، ولا يترخص برخص السفر؛ لانقطاع حكم السفر في حقه،. وهذا تناقض
o ولهذا كان الصحيح أن حكم السفر لا ينقطع في حقه، وأنه يصح أن يكون إماماً وخطيباً في الجمعة، ويكمل به العدد المشروط
· وبناء على هذا ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام :
o مستوطن
o مسافر
o مقيم لا مسافر ولا مستوطن
o الشرط السادس ألا يكون بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ :
§ والفرسخ ثلاثة أميال، والميل اثنا عشر ألف ذراع وذكر علماؤنا أن مسيرة الفرسخ ساعة ونصف الساعة في سير الإبل والقدم
§ إذا كان بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ :
· فإن كان البلد واحداً فإنها تلزمه، ولو كان بينه وبين المسجد فراسخ
· وأما إن كان خارج البلد قالوا: تلزمه بغيره أي: إن أقيمت الجمعة وهو في البلد لزمته وإلا فلا
§ ودليلهم على التقييد بالفرسخ أنهم :
· عللوا ذالك بأن الغالب أن من كان بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ أنه لا يسمع النداء ولم يقيدوه بالأذان قالوا لأنه يختلف بحسب صوت المؤذن والرياح وارتفاع المؤذن وهدوء الأصوات، فلا يمكن انضباطه، والفرسخ منضبط
· وبعض العلماء قدَّره بسماع الأذان وهو الذي دلت عليه السنة لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تسمع النداء» ؟ قال: نعم، قال: «فأجب»
ü من لا تجب عليه :
o الجمعة كما مر لا تجب على المسافر سفر قصر ولا على المرأة ولا على العبد
o ومن حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به :
§ كونها تجزئهم وليسوا من أهل الوجوب ذالك :
· أن إسقاطها عنهم تخفيف، فإذا حضروا وصلوا فهم الذين اختاروا ذلك لأنفسهم فتصح
· ولو قيل بتعليل سوى هذا، وهو أنهم ائتموا بمن يصلي الجمعة، فأجزأتهم تبعاً لإمامهم، وقد يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، لكان أولى.
§ وكونها لم تنعقد بواحد من هؤلاء أي: لا يحسب من العدد المعتبر لأنهم :
· ليسوا من أهل الوجوب، والعدد كما سيأتينا إن شاء الله على المذهب أربعون رجلاً.
o ولا يصح أن يكون أحد من هؤلاء إماماً في الجمعة :
§ أما المرأة فلا شك أنه لا يصح أن تؤم فيها، ولا تنعقد بها :
· لأن المرأة لا تكون إماماً للرجال، وليست من أهل الوجوب.
§ وأما العبد :
· فلا يصح أن يكون إماماً فيها؛ لأنه ليس من أهل الوجوب ولو كان هذا العبد قارِئاً عالماً فقيهاً عابداً هذا ما يقتضيه كلام المؤلف.
· ومذهب أبي حنيفة والشافعية وهو الصحيح :
o أن العبد يصح أن يكون إماماً في الجمعة هذا إذا قلنا إن العبد لا تلزمه الجمعة
o أما إذا قلنا بأن العبد تلزمه الجمعة فإنها تنعقد به أي يكمل به العدد، ويصح أن يكون إماماً فيها.
§ وأما المسافر :
· فلا يصح أن يكون إماماً في الجمعة ولا خطيباً لأن من شرط الخطبة أن تكون ممن تصح إمامته في الجمعة
· ومذهب الأئمة الثلاثة وهو الراجح أن المسافر تنعقد به الجمعة ويصح أن يكون إماما فيها وخطيبا أيضاً؛ لأن القول بعدم صحة ذلك لا دليل عليه
o من سقطت عنه الجمعة لعذر :
§ من سقطت عنه لعذر ممن تجب عليه إذا تحمل المشقة وحضرها وجبت عليه وانعقدت به؛ فيحسب من الأربعين ويصح أن يكون إماماً، وأن يخطب فيها؛ لأنه من أهل الوجوب في الأصل
§ والفرق بينه وبين المسافر والعبد أن الأخيرين لم يوجد فيهما شرط الوجوب، فليسا من أهله، وأما من سقطت عنه لعذر ففيه مانع الوجوب وهو من أهله، فإذا حضر إلى مكانها زال المانع، فصار كالذي ليس فيه مانع.
o من صلى الظهر ممن يلزمه الحضور :
§ من صلى الظهر وهو ممن يلزمه الحضور سواء لزمه بنفسه، أو بغيره فإن صلاته لا تصح :
· لأنه فعل ما لم يؤمر به، وترك ما أمر به فيكون هذا الرجل عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فلا تقبل منه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»
· ولأن صلاته الظهر مع وجوب الحضور عليه يكون كالذي غصب الزمن؛ لأن هذا الزمن الأصل فيه أن يكون للجمعة
· ومقتضى كلام المؤلف :
o أنها لا تصح حتى في الحال التي يعلم أنه لو سعى لم يدرك الجمعة، فينبغي أن ينتظر حتى يفرغ الإمام من الجمعة، فيقدر ذلك ثم يصلي
o وقيل له أن يصلي الظهر إذا علم أنه لن يدرك الجمعة لأنه في هذه الحال لا يلزمه السعي إليها فلا فائدة في الانتظار
· وتصح ممن لا تجب عليه الجمعة، وإن لم يُصلِّ الإمام
· والأفضل لمن لا تلزمه الجمعة :
o أن يؤخر صلاة الظهر حتى يصلي الإمام إن كان ممن يرجى أن يزول عذره ويدركها
o وإن كان ممن لا يرجى أن يزول عذره كالمرأة فالأفضل تقديم الصلاة في أول وقتها؛ لأن الأفضل في الصلوات تقديمها في أول الوقت إلا ما استثني بالدليل
§ والفقهاء ـ رحمهم الله ـ يقسمون الناس الذين تلزمهم الجمعة إلى قسمين :
· الأول: من تلزمه الجمعة بغيره، وهذا لا تنعقد به ولا يصح أن يكون إماماً فيها.
· الثاني: من تلزمه بنفسه، وهذا يصح أن يكون إماماً فيها وتنعقد به.
o السفر يوم الجمعة :
§ لا يجوز السفر في يوم الجمعة بعد الزوال لمن تلزمه، سواء كانت تلزمه بنفسه، أو بغيره :
· وذلك أنه بعد الزوال دخل الوقت بالاتفاق، والغالب أنه إذا دخل الوقت يحضر الإمام فيؤذن للجمعة وتصلى، فيحرم أن يسافر.
· ولقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}} [الجمعة: 9] ، فأمر بالسعي إليها، وترك البيع، وكذا يترك السفر؛ لأن العلة واحدة، فالبيع مانع من حضور الصلاة، والسفر كذلك مانع من حضور الصلاة
· ويستثنى من تحريم السفر بعد الزوال مسألتان :
o الأولى إذا خاف فوات الرفقة، فله أن يسافر لأن هذا عذر في ترك الجمعة نفسها، فكذلك يكون عذراً في السفر بعد الزوال.ومن ذالك :
§ خوف إقلاع الطائرة فلو فرض أن الطائرة ستقلع في وقت صلاة الجمعة، ولو جلس ينتظر فاتته، فهو معذور وله أن يسافر ولو بعد الزوال.
o الثانية إذا كان يمكنه أن يأتي بها في طريقه فلا يحرم عليه السفر؛ لأن علة التحريم هي خوف فوات الجمعة، وهنا الجمعة لن تفوت
· المؤلف رحمه الله علق الحكم بالزوال :
o لأن الزوال هو سبب وجوب الجمعة؛ إذ إنه يدخل به الوقت، ودخول الوقت سبب، فعلق الحكم بالسبب
o والأَوْلَى: أن يعلق الحكم بما علقه الله به وهو النداء إلى الجمعة؛ لأنه من الجائز أن يتأخر الإمام عن الزوال، ولا يأتي إلا بعد الزوال بساعة، فلا ينادى للجمعة إلا عند حضور الإمام.
§ وأما السفر قبل الزوال يوم الجمعة فجائز وذلك :
· لأنه لم يؤمر بالحضور فلم يتعلق الطلب به، فجاز له أن يسافر قبل الزوال.
§ وكرهه بعض العلماء وقال :
· لئلا يفوت على نفسه فضل الجمعة لأن الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر


ü شروط صحة الجمعة :
o تعريف الشرط :
§ الشروط : جمع شرط، وهو في اللغة: العلامة.
§ وفي الشرع: ما يتوقف عليه الشيء :
· إن كان شرطاً للوجوب فهو ما يتوقف عليه الوجوب
· وإن كان شرطاً للصحة فهو ما تتوقف عليه الصحة
· وإن كان شرطاً للإجزاء فهو ما يتوقف عليه الإجزاء
o الفرق بين شروط الشيء والشروط في الشيء :
§ شروط الشيء موضوعة من قبل الشرع، فلا يمكن لأحد إسقاطها، والشروط في الشيء موضوعة من قبل العبد فيجوز لمن هي له أن يسقطها.
§ شروط الشيء ما يتوقف عليه الشيء صحة أو وجوباً أو إجزاء، أو وجوداً في أمور العقليات، والشروط في الشيء ما يتوقف عليه لزوم الشيء.
§ فشروط صحة الجمعة ما يتوقف عليها صحة الجمعة، أي: إذا فقد واحد من الشروط لم تصح الجمعة.
o الشرط الأول إذن الإمام :
§ إذا قال العلماء (إمام) فهو صاحب أعلى سلطة في البلد، سواء سمي إماماً أو خليفة أو أميراً أو رئيساً أو شيخاً أو غير ذلك.
§ نص المؤلف على نفي هذا الشرط فلو صلى الناس بدون إذن الإِمام فصلاتهم صحيحة لأن المذهب لا يشترط إذن الإمام
§ وقال بعض العلماء: لا تقام الجمعة إلا بإذن الإمام :
· وذلك لأنها صلاة جامعة لكل أهل البلد، فلا يجوز أن تقام إلا بإذن الإمام
· والإمام إذا استؤذن يجب عليه أن يأذن، ولا يحل له أن يمنع، فلو فرض أنه امتنع ومنعهم من إقامة الجمعة مع وجوبها فحينئذٍ يسقط استئذانه.
§ لكن لو قيل بالتفصيل، وهو :
· أن إقامة الجمعة في البلد لا يشترط لها إذن الإمام، وأنه إذا تمت الشروط وجب إقامتها، سواء أذن أم لم يأذن
· وأما تعدد الجمعة فيشترط له إذن الإمام؛ لئلا يتلاعب الناس في تعدد الجمع، فلو قيل بهذا القول لكان له وجه.
o الشرط الثاني الوقت :
§ بدأ به المؤلف حيث أهمل اشتراط إذن الامام لأن الوقت آكد شروط الصلاة، سواء هنا أو في أوقات الصلوات الخمس، ولهذا إذا دخل الوقت يصلي الإنسان على حسب حاله، ولو ترك ما لا يقدر عليه من الشروط والأركان
§ المؤلف قال هنا: «أحدها الوقت» ، وفي شروط الصلاة، قال: «دخول الوقت» وهذا اختلاف تعبير يختلف به الحكم :
· لأن الشرط السابق في شروط الصلاة هو: دخول الوقت، فتصح الصلاة ولو بعد وقتها، إما مطلقاً، وإما لعذر على القول الراجح
· أما هنا فلا تصح الصلاة إلا في وقتها، فلو خرج الوقت ولم يصل ولو لعذر كالنسيان والنوم، فإنه لا يصلي الجمعة، بل يصلي ظهراً
· والصلاة قبل الوقت في الجمعة وغيرها لا تصح :
o لأنه في غير الجمعة نقول لم يدخل الوقت
o وفي الجمعة نقول ليست في الوقت
§ الدليل على اشتراط الوقت:
· الإِجماع على أنها لا تصح إلا فيه، فلا تصح قبله ولا بعده.
§ أول وقتها :
· أول وقت صلاة الجمعة بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، والرمح حوالي متر، فلنا أن نصليها من حين أن ترتفع الشمس قدر رمح والدليل :
o أثر عبد الله بن سيدان ـ رحمه الله ـ قال: «شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره» . رواه الدارقطني، وأحمد، واحتج به
o ولكن هذا الحديث لا يستقيم الاستدلال به على أن وقت صلاة الجمعة يكون من ارتفاع الشمس قيد رمح لما يلي :
§ أولاً الأثر ضعيف كما قاله النووي وغيره، وراويه يقول عنه البخاري إنه لا يتابع على حديثه.
§ ثانياً لو صح هذا الأثر فليس فيه دليل على دخول وقت الجمعة بارتفاع الشمس قيد رمح؛ لأن قوله: «كانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار» ، يدل على أنها قريبة من النصف وهو الزوال، ولو كانت في أول النهار لقال: كانت صلاته وخطبته في أول النهار والقول بأن صلاة الجمعة تصح قبل الزوال هو المذهب، وهو من المفردات.
· القول الثاني: أنها لا تصح إلا بعد الزوال، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة.
· القول الثالث: أنها تصح في الساعة السادسة قبل الزوال بساعة :
o استناداً إلى حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: «من راح في الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» ، فيكون حضور الإمام على مقتضى حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في الساعة السادسة، ولهذا رجح الموفق ـ رحمه الله ـ في المغني ـ وهو من أكابر أصحاب الإمام أحمد ـ أنها لا تصح قبل السادسة، ولا في أول النهار كما ذهب إليه كثير من الأصحاب، ومنهم الخرقي، وهذا القول هو الراجح أنها لا تصح في أول النهار، إنما تصح في السادسة، والأفضل على القول بأنها تصح في السادسة، أن تكون بعد الزوال وفاقاً لأكثر العلماء
§ آخر وقتها :
· وآخر وقت الجمعة آخر وقت صلاة الظهر، وذلك إذا كان ظل الشيء كطوله بعد فيء الزوال.
§ إدراك الجمعة :
· أولا إدراكها في الوقت :

o تدرك صلاة الجمعة :
§ بإدراك تكبيرة الإحرام قبل خروج الوقت
§ فإن خرج وقتها قبل تكبيرة الإحرام، فإنهم يصلونها ظهراً :
· لأن الوقت قد فات ولا يدرك إلا بتكبيرة الإحرام وهذا الذي مشى عليه المؤلف ـ رحمه الله ـ مبني على أن الإدراك يكون بتكبيرة الإحرام.
· والصحيح: أن الإدراك لا يكون إلا بركعة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة»
§ بناءا على القول بأن الإدراك لا يكون إلا بركعة :
· إن خرج وقتها قبل إدراك ركعة قبل خروجه فإنهم يصلون ظهراً.
· وإن بقي من الوقت مقدار الواجب من الخطبة فيصلون ظهراً؛ لأن الجمعة لا بد أن يتقدمها خطبتان
· فإذاً لا بد أن يبقى من وقت الجمعة مقدار الواجب من الخطبتين، ومقدار تكبيرة الإحرام على قول المؤلف، أو ركعة على القول الذي رجحناه.
o المذهب أن جميع الإدراكات :
§ تَعْتَبر تكبيرة الإحرام إلا إدراكاً واحداً، وهو إدراك الرجل صلاة الجمعة فلا يكون إلا بإدراك ركعة كاملة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
§ والصحيح: أن جميع الإدراكات لا تكون إلا بركعة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» هذا منطوق الحديث، ومفهومه أن من لم يدرك ركعة لم يدرك الصلاة، وهذا عام في جميع الإدراكات.
· ثانيا إدراكها للمسبوق :

o من أدرك مع الإمام من الجمعة ركعة أتمها جمعة ودليله :
§ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة».
o وإن أدرك أقل من ذلك بأن جاء بعد رفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية فهنا لم يدرك ركعة فيتمها ظهراً بشرطين :
§ الشرط الأول أن ينوي الظهر فإن لم ينو الظهر بأن دخل مع الإمام بنية الجمعة؛ لأنه يظن أن هذه هي الركعة الأولى ثم تبين أنها الركعة الأخيرة :
· فعلى كلام المؤلف يتمها نفلاً؛ لأنه لم ينو الظهر، وعلى هذا يحتاج المسبوق إذا جاء إلى الجمعة وهو لا يدري هل هي الركعة الأولى أو الثانية؟ أن ينتظر فإن جلس الإمام للتشهد دخل معه بنية الظهر، وإن قام دخل معه بنية الجمعة
· القول الثاني أنه إذا دخل معه بنية الجمعة، فتبين أنه لم يدرك ركعة، فلينوها ظهراً بعد سلام الإمام، وهذا هو الذي لا يسع الناس إلا العمل به، خصوصاً العامة وهذا القول هو الصحيح؛ لأن الظهر فرع عن الجمعة، فإذا انتقل من الجمعة إلى الظهر، فقد انتقل من أصل إلى بدل، وكلاهما فرض الوقت، وفي هذه المسألة قد تنخرم القاعدة التي يقال فيها: (إن الانتقال من معين إلى معين يبطل الأول، ولا ينعقد الثاني به).
§ الشرط الثاني أن يكون وقت الظهر قد دخل لاحتمال أن تُصلَّى الجمعة قبل الزوال، فإذا صليت قبل الزوال وأدرك منها أقل من ركعة فإنه لا يتمها ظهراً، بل يتمها نفلاً، ثم إذا دخل وقت الظهر صلى الظهر
o الشرط الثالث العدد :
§ القول الأول يشترط لصحة الجمعة حضور أربعين من أهل الوجوب والمراد حضورهم الخطبتين والصلاة، وسبق بيان من هم أهل الوجوب واستدلوا على اشتراط الأربعين بما يلي :
· قال أحمد: «بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين، وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة»
o ويجاب إن صح هذا الأثر فإنه لا يصح الاستدلال به؛ وذلك لأن بلوغهم هذا العدد وقع اتفاقاً لا قصداً، فلم يقل إنهم أمروا أن يجمعوا فلما بلغوا أربعين أقاموا جمعة، فلو كان لفظ الحديث هكذا لكان فيه شيء من الاستدلال.
· قال جابر: «مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة، وأضحى، وفطراً»
o لكن هذا الحديث لا يصح، وبهذا يتبين أن دليل المؤلف إما صريح غير صحيح مثل حديث جابر، وإما صحيح غير صريح مثل حديث مصعب بن عمير، والحديث الذي تثبت به الأحكام لا بد أن يكون صحيحاً وصريحاً
o وعلى هذا فاشتراط الأربعين لإقامة الجمعة غير صحيح؛ لأن ما بني على غير صحيح فليس بصحيح
o ثم يقال: إنه ثبت في صحيح مسلم «أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما قدمت العير من الشام إلى المدينة وكانوا في شفقة لقدومها لشدة حاجتهم انفضوا إليها، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب، ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً ـ أقل من الأربعين ـ وبقي مقيماً لصلاة الجمعة» .
o لكن قالوا لعل هؤلاء الذين خرجوا رجعوا فوراً قبل أن يمضي النبي صلّى الله عليه وسلّم في خطبته.
o ويجاب: أن هذا الاحتمال خِلاف الأصل والظاهر :
§ فهو خلاف الأصل لأن الأصل أن من خرج لا يعود حتى يثبت دليل أنه عاد.
§ وخلاف الظاهر لأنه ليس من الظاهر أنهم يخرجون ينظرون فقط، ثم يرجعون، بل سيبقون هناك يشترون من المتاع الذي حضر؛ ولهذا عاتبهم الله عزّ وجلّ فقال: {{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}} [الجمعة: 11
§ القول الثاني أنه لا بد من اثني عشر رجلاً من أهل الوجوب واستدلوا :
· بحديث جابر الذي ثبت في صحيح مسلم «أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما قدمت العير من الشام إلى المدينة وكانوا في شفقة لقدومها لشدة حاجتهم انفضوا إليها، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب، ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً وبقي مقيماً لصلاة الجمعة»
o وأجيب بأن هذا وقع اتفاقاً فلم يكن قصداً، فربما يبقى أكثر، وربما يبقى أقل، ولا يصح الاستدلال به.
§ القول الثالث أنه يشترط أربعة رجال، إمام وثلاثة يوجه إليهم الخطاب، وهذا مذهب أبي حنيفة والدليل :
· قوله تعالى : {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}} [الجمعة: 9] و«آمنوا» جمع، وأقل الجمع ثلاثة، والإمام هو الذي يُسعى لخطبته.
o وأجيب: بأن الاستدلال ليس بصحيح؛ لأن قوله: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}} [الجمعة: 9] وإن كان جمعاً، فالمراد به الجنس، ولهذا يؤمر بالحضور إلى الجمعة، ولو كان واحداً.
§ القول الرابع أنه يشترط أن يكونوا ثلاثة: خطيب ومستمعان، واستدلوا:
· أن الثلاثة أقل الجمع.
· أنه روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان» ، والصلاة عامة تشمل الجمعة وغيرها، فإذا كانوا ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الصلاة، فإن الشيطان قد استحوذ عليهم، وهذا يدل على وجوب صلاة الجمعة على الثلاثة، ولا يمكن أن نقول: تجب على الثلاثة، ثم نقول: لا تصح من الثلاثة؛ لأن إيجابها عليهم ثم قولنا: إنها غير صحيحة تضاد، معناه: أمرناهم بشيء باطل، والأمر بالشيء الباطل حرام، هذا القول قوي، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ.
§ القول الخامس أن الجمعة تجب على اثنين فما فوق لأن :
· الاثنين جماعة فيحصل الاجتماع، ومن المعلوم أن صلاة الجماعة في غير الجمعة تنعقد باثنين بالاتفاق، والجمعة كسائر الصلوات، فمن ادعى خروجها عن بقية الصلوات، وأن جماعتها لا بد فيها من ثلاثة فعليه الدليل، وهذا مذهب أهل الظاهر، واختاره الشوكاني في شرح المنتقى، وهو قول قوي
· لكن ما ذهب إليه شيخ الإسلام أصح؛ إذ لا بد من جماعة تستمع، وأقلها اثنان، والخطيب هو الثالث، وحديث أبي الدرداء يؤيد ما قاله الشيخ.
§ القول السادس أن الجمعة تصح حتى من واحد :
· لأن الجمعة فرض الوقت، فما الفرق بين الجماعة والواحد، كما أن الظهر فرض الوقت ولا فرق بين الواحد والجماعة، ومن ادعى شرطية العدد في الجمعة فعليه الدليل، ولكن هذا قول شاذ، وهناك أقوال أخرى.
§ وأقرب الأقوال إلى الصواب أنها تنعقد بثلاثة، وتجب عليهم
§ وإن نقصوا واحداً فأكثر عن العدد المشترط بطلت صلاتهم :
· فإن كان الوقت لا يتسع لإعادتها جمعة وجب عليهم أن يستأنفوا الصلاة ظهراً لأنه يشترط أن يكون العدد المطلوب من أول الصلاة إلى آخرها.
· فإن اتسع الوقت لإعادتها جمعة وحضر من يكمل العدد فإنه يلزمهم إقامتها جمعة؛ لأن الجمعة فرض الوقت، وقد أمكن إقامتها
§ وقال بعض العلماء بل يتمونها جمعة؛ لأن الصلاة انعقدت على وجه صحيح، فإبطالها بعد انعقادها يحتاج إلى دليل، وإذا لم يكن هناك دليل فإنه يبنى آخرها على أولها.
§ القول الثالث قول وسط ـ والغالب أن الوسط من أقوال العلماء هو الصحيح الراجح ـ :
· أنه إذا كان النقص في الركعة الثانية فما بعد أتموا جمعة
· وإن نقصوا في الركعة الأولى استأنفوا ظهراً ما لم يمكن إعادتها جمعة، وهذا اختيار الموفق ـ رحمه الله ـ، وهذا القول هو الراجح ودليله :
o قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» كما أنه لو أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة مع أنه يصلي الثانية وحده.
· أما القول بأنهم يتمونها جمعة مطلقاً؛ لأنهم ابتدؤوا الصلاة على وجه صحيح فنحتاج إلى دليل على بطلانها فجوابه أن هذه الصلاة من شرط صحتها العدد، فإذا فقد الشرط في أثنائها بطلت، كما لو أحدث في أثنائها، أو انكشفت عورته، أو ما أشبه ذلك.

أبو صهيب 27 ربيع الثاني 1431هـ/11-04-2010م 06:28 PM

تابع باب صلاة الجمعة :

تابع شروط صحة الجمعة :

o الشرط الرابع أن يكون العدد المشروط مستوطنين بقرية :
§ يشترط لصحة صلاة الجمعة أن يكون العدد المشروط مستوطنين بقرية فإن كانوا في خيام كالبادية، فإنه لا جمعة عليهم، ولا تصح منهم ودليل هذا :
· أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر البدو الذين حول المدينة بإقامة جمعة؛ لأنهم ليسوا مستوطنين، فربما يكونون هذا العام في هذا المكان، وفي العام الثاني أو الثالث في مكان آخر؛ لأنهم يتبعون الربيع والعشب.
· والقرية في اللغة العربية: تشمل المدينة والمصر؛ لأنها مأخوذة من الاجتماع.
§ وإن أقام أهل القرية المستوطنين الجمعة خارج البلد :
· فإن كان المكان قريبا كمصلى العيد يكون في الصحراء من البلد ، فإنها تصح، فلا يشترط أن تكون في نفس البلد
· وإن كان بعيداً فلا تصحُّ فيه الجمعة كأهل قرية خرجوا في نزهة بعيداً عن البلد، وأقاموا الجمعة فإنها لا تجزئ لأنهم انفصلوا عن البلد.
· المؤلف هنا أطلق القرب من البنيان، والعلماء إذا أطلقوا الشيء، ولم يحددوه فالمرجع في ذلك إلى العرف
· وقال بعض العلماء لا يجوز أن تقام الجمعة إلا في البنيان فلو خرجوا قريباً من البنيان فإنها لا تجزئ
· لكن ما ذهب إليه المؤلف هو الصحيح، بدليل :
o أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى.
§ مسألتان :
· إنسان دخل مع إمام الجمعة، لكن الناس متضايقون، فلما أراد السجود ما وجد مكاناً يسجد فيه :
o يجب عليه أن يسجد على ظهر إنسان، أو على رجله.
o وقال بعض العلماء إذا زحم فإنه ينتظر حتى يقوم الناس، ثم يسجد، ويكون التخلف هنا عن الإمام لعذر.
o وقال بعض العلماء يومئ إيماء أي: يجلس ويومئ بالسجود إيماء؛ لأن الإيماء في السجود قد جاءت به السنة عند التعذر بخلاف التخلف عن الإمام فإنه لم يأت إلا لعذر، وهذا القول أرجح، ويليه القول بأنه ينتظر، ثم يسجد، بعد الإمام
o وأما القول بأنه يسجد على ظهر إنسان أو رجله فإنه ضعيف :
§ لما يلزم عليه من التشويش التام على المسجود عليه، وقد يقاتل المسجود عليه الساجد
§ وقد يكون الذي أمامه امرأة.
§ وأيضاً السجود على ظهر إنسان لا تتأتى معه صورة السجود، لعلو الإنسان في السجود فيكون وجهه محاذياً لرجليه، وهنا الساجد أيضاً يكون رفيعاً.
· من أحرم، ثم زحم، وأخرج عن الصف فصلى فذاً :
o لو أن إنسانا زحم، وعجز عن أن يطيق الوقوف في الصف حتى خرج، فإنه على المذهب لا تصح صلاته؛ لأنه فذ.
o والصحيح أن صلاته تصح؛ لأنه معذور في الفذية فإذا كان قد صلى الركعة الأولى في الصف فإنه إذا زحم حتى خرج من الصف :
§ ينوي الانفراد ويتمها جمعة؛ لأنه أدرك ركعة كاملة هذا على المذهب
§ والقول الراجح أنه يتمها جمعة مع الإمام؛ لأن انفراده هنا للعذر.
o الشرط الخامس أن يتقدم الصلاة خطبتان :
§ فإن لم يتقدمها خطبتان لم تصح ولو تأخرت الخطبتان بعد الصلاة لم تصح والدليل على اشتراط تقدم الخطبتين ما يلي :
· قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}} [الجمعة: 9] ، فأمر بالسعي إلى ذكر الله من حين النداء وبالتواتر القطعي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أذن المؤذن يوم الجمعة خطب، إذاً فالسعي إلى الخطبة واجب، وما كان السعي إليه واجباً فهو واجب؛ لأن السعي وسيلة إلى إدراكه وتحصيله، فإذا وجبت الوسيلة وجبت الغاية.
· أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة، والإمام يخطب فقد لغوت» وهذا يدل على وجوب الاستماع إليهما، ووجوب الاستماع إليهما يدل على وجوبهما.
· مواظبة النبي صلّى الله عليه وسلّم عليهما مواظبة غير منقطعة، فلم يأتِ يوم من أيام الجمعة لم يخطب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا الدوام المستمر صيفاً وشتاءً، شدةً ورخاءً يدل على وجوبهما.
· أنه لو لم تجب لها خطبتان لكانت كغيرها من الصلوات، ولا يستفيد الناس من التجمع لها، ومن أهم أغراض التجمع لهذه الصلاة الموعظة وتذكير الناس.
§ شروط صحة الخطبتين :

· الشرط الأول «حمد الله» :
o يشترط في الخطبتين أن يحمد الله بأي صيغة، سواء قال: الحمد لله، أو قال: أحمد الله، أو قال: نحمد الله، وسواء كان الحمد في أول الخطبة، أم في آخرها، والأفضل أن يكون في أول الخطبة والدليل :
§ قول النبي عليه الصلاة والسلام: «كل أمر لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع» والأقطع الناقص البركة والخير.
§ حديث جابر في صحيح مسلم: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب حمد الله وأثنى عليه»
§ وهذا استدلال قد يعارض؛ لأنه مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، لكن لا شك أنه أفضل وأحسن.
· الشرط الثاني الصلاة على رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم :
o يصلي على الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأي اسم من أسمائه أو صفة تختص به
o قال بعض العلماء ولا بد أن يصلى عليه باسم مُظهر، فإن صلى عليه مضمراً لا مظهراً لم تصح لكن هذا غير صحيح فإن المضمر يحل محل المظهر متى علم مرجعه.
o والدليل على اشتراط الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم :
§ أن كل عبارة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسوله صلّى الله عليه وسلّم، هكذا علل بعض العلماء.
§ وهذا التعليل عليل، وليس بصحيح، وما أكثر العبادات التي لا تفتقر إلى ذكر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهي تفتقر إلى ذكر الله. مثلاً: لو أراد الإنسان أن يتوضأ يقول: باسم الله، ولا يقول: الصلاة والسلام على رسول الله فالعلة هنا منتقضة، وانتقاض العلة يدل على بطلانها
§ لهذا ليس هناك دليل صحيح يدل على اشتراط الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في الخطبة.
· الشرط الثالث قراءة آية فأكثر من كتاب الله :
o فإن لم يقرأ آية لم تصح الخطبة، ولكن يشترط في الآية أن تستقل بمعنى، فإن لم تستقل بمعنى لم تجزئ والدليل على اشتراط قراءة الآية :
§ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ يوم الجمعة بـ«ق والقرآن المجيد» يخطب بها
§ ولكن هذا ليس بدليل؛ لأن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب.
o وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا تشترط لصحة الخطبة قراءة شيء من القرآن متى تضمنت الموعظة المؤثرة في إصلاح القلوب وبيان الأحكام الشرعية، وهذه الرواية الثانية عن أحمد ـ رحمه الله
· الشرط الرابع الوصية بتقوى الله عز وجل :
o الوصية هي أن يوصي الخطيب المستمعين بتقوى الله سواء قال: أوصيكم بتقوى الله، أو قال: يا أيها الناس اتقوا الله، فلا بد أن يوصي بتقوى الله؛ لأن هذا هو لبُّ الخطبة الذي يحصل به وعظ الناس، ويذكرهم ويلين قلوبهم، ويوصيهم بما ينفعهم.
o فإن أتى بمعنى التقوى دون لفظها بأن قال: يا أيها الناس افعلوا أوامر الله، واتركوا نواهي الله فيصح، أو قال: يا أيها الناس أطيعوا الله، وأقيموا أوامره، واتركوا نواهيه فيجزئ.
· الشرط الخامس أن يحضر الخطبتين العدد المشترط :
o لا بد أن يحضر الخطبتين العدد المشترط :
§ فإن حضر الخطبة عشرون، ثم لما أقيمت الصلاة قبل أن يشرع في الصلاة تموا أربعين، فإنه لا تجزئ الخطبتان، وعليه إعادتهما.
§ ولو حضر أربعون نصف الخطبة لم يجزئ.
o والصحيح: أن تقدير العدد بأربعين ليس بصواب كما سبق، لكننا إذا قلنا يشترط حضور ثلاثة صار لا بد من حضور الثلاثة.
· الشرط السادس أن تكون الخطبتان بعد دخول الوقت
o فإن خطب قبل دخول الوقت لم تصح الخطبتان، ثم لا تصح الجمعة بعد ذلك.
· وقال بعض أهل العلم :
o إن الشرط الأساسي في الخطبة أن تشتمل على الموعظة المرققة للقلوب، المفيدة للحاضرين، وأن الحمد لله، أو الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقراءة آية، كله من كمال الخطبة.
o وهذا القول وإن كان له حظ من النظر لا ينبغي للإنسان أن يعمل به إذا كان أهل البلد يرون القول الأول الذي مشى عليه المؤلف؛ لأنه لو ترك هذه الشروط التي ذكرها المؤلف لوقع الناس في حرج، وصار كلٌّ يخرج من الجمعة، وهو يرى أنه لم يصل الجمعة، وإذا أتيت بهذه الشروط لم تقع في محرم، ومراعاة الناس في أمر ليس بحرام هو مما جاءت به الشريعة، فقد راعى النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في الصوم والفطر في رمضان في حال السفر، وراعاهم عليه الصلاة والسلام في بناء الكعبة حيث قال لعائشة ـ رضي الله عنها ـ: «لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم» وهذه القاعدة معروفة في الشرع.
· عدم اشتراط الطهارة :
o لا يشترط للخطبتين أن يكون الخطيب على طهارة، فلو خطب وهو محدث فالخطبة صحيحة لأنها ذكر وليست صلاة.لكن إذا خطب وهو جنب ففيه مشكلتان :
§ المشكلة الأولى اللبث في المسجد، وزوالها أن يقال إنه يتوضأ فتزول المشكلة بهذا الوضوء.
§ المشكلة الثانية قراءة القرآن وهو جنب، والمذهب أن قراءة الآية شرط لصحة الخطبة، وقراءة الجنب للقرآن حرام، فكيف تصح هذه القراءة
§ قالوا إن النهي هنا لا يتعلق بقراءة الآية في الخطبة، بل هو عام، فلو ورد نهي لا تقرأ القرآن وأنت جنب حال الخطبة، ثم قرأ قلنا إن الخطبة لا تصح؛ لأنه فعل فعلاً محرماً في نفس العبادة أما هنا فتصح وهذا صحيح أن قراءة الآية من القرآن وهو جنب صححية مع الإثم
o وقد سبق أن بعض أهل العلم لا يشترط قراءة آية، وعليه لا يرد هذا الإشكال أصلاً.
· عدم اشتراط أن يتولى الخطبتين خطيب واحد :
o لا يشترط أن يتولى الخطبتين من يتولى الصلاة، فلو خطب رجل وصلى آخر فهما صحيحتان، والصلاة صحيحة.
o ولا يشترط أن يتولاهما واحد، فلو خطب رجل خطبة، وخطب الثانية رجل آخر صح.
o وأما اشتراط أن يتولى الخطبة الواحدة واحد فلم أر حتى الآن من تكلم عليها، ولكن قد يقال أنه لا بد أن يتولى الخطبة الواحدة واحد، فلا تصح من اثنين سواء لعذر أو لغير عذر :
§ فإن كان لغير عذر فالظاهر أن الأمر واضح؛ لأن هذا شيء من التلاعب.
§ وإذا كان لعذر مثل أن يذكر الذي بدأ الخطبة أنه على غير وضوء، ثم ينزل ليتوضأ، فهنا نقول الأحوط أن يبدأ الثاني الخطبة من جديد، حتى لا تكون عبادة واحدة من شخصين.
· اشتراط العدد عينه في الخطبة والصلاة :
o يشترط أن يكون العدد الحاضر لهما هو نفسه العدد الحاضر للصلاة _كأن يخطب بأربعين، ثم تخرج الأربعون، وتأتي أربعون غيرهم للصلاة_ لأنه لا بد أن يحضروا الخطبتين والصلاة
· اشتراط العربية في الخطبة :
o إن كان يخطب في عرب، فلا بد أن تكون بالعربية
o وإن كان يخطب في غير عرب :
§ فقال بعض العلماء لا بد أن يخطب أولاً بالعربية، ثم يخطب بلغة القوم الذين عنده.
§ وقال آخرون لا يشترط أن يخطب بالعربية بل يجب أن يخطب بلغة القوم الذين يخطب فيهم، وهذا هو الصحيح :
· لقوله تعالى: {{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}} [إبراهيم: 4] .
· ولا يمكن أن ينصرف الناس عن موعظة وهم لا يعرفون ماذا قال الخطيب؟
· والخطبتان ليستا مما يتعبد بألفاظهما حتى نقول: لا بد أن تكونا باللغة العربية لكن إذا مرَّ بالآية فلا بد أن تكون بالعربية؛ لأن القرآن لا يجوز أن يغير عن اللغة العربية.
· ما يبطل الخطبتين :
o ذكر الشارح في الروض أنهما تبطلان بالكلام المحرم :
§ فلو أن الخطيب في أثناء الخطبة تكلم كلاماً محرماً، كقذف أو لعن، أو ما أشبه ذلك، فإنها تبطل؛ لأن ذلك ينافي مقتضى الخطبة.
§ فالمقصود بالخطبة وعظ الناس وزجرهم عن الحرام، فإذا كان الخطيب نفسه يفعل الحرام فإنها تبطل.
§ سنن الخطبتين :

· أن يخطب على منبر أو موضع عال :
o المنبر على وزن مفعل من النبر، وهو الارتفاع، أي على شيء مرتفع وإنما كان ذلك سنة :
§ اقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم حيث كان يخطب في أول الأمر إلى جذع نخلة في مسجده، ثم صنع له منبر من خشب الغابة (الأثل) فصار يخطب عليه
§ ولأن ذلك أبلغ في إيصال الخطبة إلى الناس؛ لأنه إذا كان مرتفعاً سمعه الناس أكثر، وكذلك إذا كان مرتفعاً رآه الناس بأعينهم، ولا شك أن تأثر السامع إذا رأى المتكلم أكثر من تأثره وهو لا يراه
§ لهذا كان من هدي الصحابة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب استقبلوه بوجوههم ليكون ذلك أبلغ في حضور القلب والانتفاع بالخطبة
§ قال العلماء: ينبغي أن يكون المنبر على يمين مستقبل القبلة في المحراب كما هو معمول به الآن؛ من أجل أن الإمام إذا نزل منه ينفتل عن يمينه.
o وإذا لم يوجد منبر فعلى موضع مرتفع، ولو كومة من التراب :
§ من أجل أن يبرز أمام الناس، وكما ذكرنا سابقاً؛ لأن ذلك أبلغ في الصوت، وأبلغ في التلقي عن الخطيب؛ لأن من يُشَاهَدُ يتلقى منه أكثر.
· ثم يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم :
o يسن إذا صعد المنبر أن يتجه إلى المأمومين، ويسلم عليهم وذلك :
§ لأن روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وإن كان الحديث المرفوع فيه ضعف، لكن الأمة أجمعت على العمل به، واشتهر بينها أن الخطيب إذا جاء وصعد المنبر استقبل الناس وسلم عليهم، وهذا التسليم العام.
§ أما الخاص فإنه إذا دخل المسجد سلم على من يمر عليه أولاً، وهذا من السنة بناء على النصوص العامة أن الإنسان إذا أتى قوماً فإنه يسلم عليهم
· ثم يجلس إلى فراغ الأذان :
o يسن إذا سلم على المأمومين أن يجلس حتى يفرغ المؤذن، وفي هذه الحال يتابع المؤذن على أذانه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن» وهذا عام له لغيره
· ويجلس بين الخطبتين :
o يسن أن يجلس بين الخطبتين لأنه :
§ ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أنه كان يجلس بين الخطبتين»
§ ولأنه لو لم يجلس لم يتبين التمييز بينهما؛ إذ قد يظن الظان أنه سكت لعذر منعه من الكلام
· ويخطب قائماً :
o يسن أن يخطب قائماً :
§ لفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم
§ ولأن ذلك أبلغ بالنسبة للمتكلم؛ لأن القائم يكون عنده من الحماس أكثر من الجالس
§ ولأنه أبلغ أيضاً في إيصال الكلام إلى الحاضرين، لا سيما في الزمن السابق، إذ ليس فيه مكبر صوت.
· ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا :
o يسن أن يعتمد حال الخطبة على سيف، أو قوس، أو عصا واستدلوا بما يلي :
§ بحديث يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في صحته نظر
· وعلى تقدير صحته قال ابن القيم إنه لم يحفظ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد اتخاذه المنبر أنه اعتمد على شيء.
§ وبتعليل فقالوا بأنه إشارة إلى أن هذا الدين قام بالسيف
· وهذا التعليل فيه نظر :
o فالدين لم يفتح بالسيف؛ لأن السيف لا يستعمل للدين إلا عند المنابذة، فإذا أبى الكفار أن يسلموا أو يبذلوا الجزية فإنهم يقاتلون، أما إذا بذلوا الجزية فإنهم يتركون، وهذا هو القول الذي تدل عليه الأدلة.
o ثم إن المسلمين لم يفتحوا البلدان إلا بعد أن فتحوا القلوب أولاً بالدعوة إلى الإسلام، وبيان محاسنه بالقول وبالفعل
o وفيه أيضاً: حجة للكفار حيث يقولون: إنكم أنتم أيها المسلمون فتحتم بلادنا في الأول بالقوة، لا بالدعوة.
o وعليه نقول أن الاعتماد إنما يكون عند الحاجة :
§ فإن احتاج الخطيب إلى اعتماد، مثل أن يكون ضعيفاً يحتاج إلى أن يعتمد على عصا فهذا سنة؛ لأن ذلك يعينه على القيام الذي هو سنة
§ وما أعان على سنة فهو سنة، أما إذا لم يكن هناك حاجة، فلا حاجة إلى حمل العصا.
· ويقصد تلقاء وجهه :
o يسن للخطيب أن يتجه تلقاء وجهه، فلا يتجه لليمين أو لليسار، بل يكون أمام الناس :
§ لأنه إن اتجه إلى اليمين أضر بأهل اليسار، وإن اتجه إلى اليسار أضر بأهل اليمين، وإن اتجه تلقاء وجهه لم يضر بأحد، والناس هم الذين يستقبلونه مع الإمكان.
§ والإلتفات يميناً وشمالا ليس من السنة فيما يظهر، وأن الخطيب يقصد تلقاء وجهه، ومن أراده التفت إليه.
§ وأيضا تحريك اليدين عند الانفعال ليس من السنّة وإن كان بعض الخطباء بلغني أنهم يفعلون ذلك، لكن يشير في الخطبة بأصبعه عند الدعاء :
· أما الخطبة التي هي غير خطبة الجمعة فقد نقول إنه من المستحسن أن الإنسان يتحرك بحركات تناسب الجمل التي يتكلم بها
· أما خطبة الجمعة فإن المغلَّب فيها التعبد، ولهذا أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين رفع يديه في الدعاء مع أن الأصل في الدعاء رفع اليدين فلا يشرع فيها إلا ما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
· ويقصر الخطبة :
o يسن أن يجعلها قصيرة وذالك :
§ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّة من فقهه» أي علامة ودليل على فقهه، وأنه يراعي أحوال الناس
§ ولأن في تقصير الخطبة فائدتين :
· ألا يحصل الملل للمستمعين لأن الخطبة إذا طالت لا سيما إن كان الخطيب يلقيها إلقاءً عابراً لا يحرك القلوب، ولا يبعث الهمم فإن الناس يملون ويتعبون.
· أن ذلك أوعى للسامع أي أحفظ للسامع؛ لأنها إذا طالت أضاع آخرها أولها، وإذا قصرت أمكن وعيها
· لكن أحياناً تستدعي الحال التطويل، فإذا أطال الإنسان أحياناً لاقتضاء الحال ذلك، فإن هذا لا يخرجه عن كونه فقيهاً؛ وذلك لأن الطول والقصر أمر نسبي، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يخطب أحياناً بسورة {{ق}} وسورة «ق» مع الترتيل والوقوف على كل آية تستغرق وقتاً طويلاً.
· ويدعو للمسلمين :
o يسن أيضاً في الخطبة أن يدعو للمسلمين الرعية والرعاة :
§ لأن ذلك الوقت ساعة ترجى فيه الإجابة، والدعاء للمسلمين لا شك أنه خير، فلهذا استحبوا أن يدعو للمسلمين.
§ ولكن قد يقول قائل كون هذه الساعة مما ترجى فيها الإجابة، وكون الدعاء للمسلمين فيه مصلحة عظيمة موجود في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وما وجد سببه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يفعله فتركه هو السنة؛ إذ لو كان شرعاً لفعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلا بد من دليل خاص يدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو للمسلمين، فإن لم يوجد دليل خاص فإننا لا نأخذ به، ولا نقول: إنه من سنن الخطبة، وغاية ما نقول إنه من الجائز
§ لكن قد روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة» :
· فإن صح هذا الحديث فهو أصل في الموضوع، وحينئذٍ لنا أن نقول إن الدعاء سنّة
· أما إذا لم يصح فنقول إن الدعاء جائز، وحينئذٍ لا يتخذ سنّة راتبة يواظب عليه؛ لأنه إذا اتخذ سنّة راتبة يواظب عليه فهم الناس أنه سنّة، وكل شيء يوجب أن يفهم الناس منه خلاف حقيقة الواقع فإنه ينبغي تجنبه.

أبو صهيب 1 جمادى الأولى 1431هـ/14-04-2010م 01:47 AM

تابع صلاة الجمعة :

ü الجمعة ركعتان ودليل ذالك النص، والإجماع :
o أما النص فإن هذا أمر متواتر مشهور عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يصلي الجمعة ركعتين فقط.
o وأما الإجماع فهو أيضاً إجماع متواتر لم يختلف أحد من المسلمين فيه.
o وفي هذا دليل على أن الجمعة صلاة مستقلة لها شرائطها وصفتها الخاصة بها ، وليست ظهراً، ولا بدلاً عن الظهر، ومن زعم أنها ظهر مقصورة، أو بدل عنها فقد أبعد النجعة
ü القراءة فيها :
o الجهر بالقراءة :
§ يسن أن يقرأ جهراً وهذا مما تختلف فيه عن صلاة الظهر، أنها تسنّ القراءة فيها جهراً من بين سائر الصلوات النهارية ولو قرأ سراً لصحّت الصلاة، لكن الأفضل الجهر.
o بم يقرأ :
§ يقرأ في الركعة الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالمنافقين حيث ثبت ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، والمناسبة فيهما ظاهرة :
· أما «سورة الجمعة» فالمناسبة أظهر من الشمس؛ لأن فيها ذكر الأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة، وأيضاً ذكر الله فيها الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ـ أي: لم يعملوا بها ـ أن مثلهم كمثل الحمار، ففيه تحذير للمسلمين أن يتركوا العمل بالقرآن، فيصيروا مثل اليهود أو أخبث؛ لأن من ميّز عن غيره بفضل كان تكليفه بالشكر أكثر.
· وأما «المنافقون» فالمناسبة ظاهرة أيضاً: من أجل أن يصحح الناس قلوبهم ومسارهم إلى الله تعالى كل أسبوع، فينظر الإنسان في قلبه، هل هو من المنافقين أو من المؤمنين؟ فيحذر ويطهر قلبه من النفاق، وفيه أيضاً فائدة أخرى أن يقرع أسماع الناس التحذير من المنافقين كل جمعة؛ لأن الله قال فيها عن المنافقين: {{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}} [المنافقون: 4] .
§ وله أن يقرأ بـ{{سَبِّحِ}} و{{الْغَاشِيَةِ}} حيث ثبت ذلك أيضاً في صحيح مسلم والمناسبة فيهما ظاهرة :
· لأن في «سبّح» أمر الله تعالى بالتذكير فقال: {{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى *سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى *}} [الأعلى] ، والإمام قد ذكر في الخطبة، فينبّه الناس على أنهم إن كانوا من أهل خشية الله فسوف يتذكرون.
· وفي «الغاشية» ذكر يوم القيامة وأحوال الناس فيها، قال تعالى: {{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ *عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ *}} [الغاشية] ، وقال: {{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ *لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ *}} [الغاشية] ، وفيها أيضاً التذكير: {{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ *لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ *}} [الغاشية] .
§ فالسنة: أن يقرأ مرة بهذا، ومرة بهذا، ولكن لو أن الإنسان راعى أحوال الناس لكان حسن وذلك أن من هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه ما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً
ü إقامتها في أكثر من موضع في البلد :
o تحرم إقامة صلاة الجمعة في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة ودليل ذلك :
§ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»
§ وحافظ النبي صلّى الله عليه وسلّم على صلاته الجمعة في مسجد واحد طول حياته والخلفاء من بعده، والصحابة من بعدهم، وهم يعلمون أن البلاد اتسعت
§ وفي عهد عثمان اتسعت المدينة فزاد أذاناً ثالثاً فصار أذان أول، ثم أذان عند حضور الإمام، ثم الإقامة، ولم يعدد الجمعة
§ حتى إن الإمام أحمد سئل عن تعدد الجمعة فقال ما علمت أنه صلي في المسلمين أكثر من جمعة واحدة، والإمام أحمد توفي سنة (241هـ) إلى هذا الحد لم تقم الجمعة في أكثر من موضع في البلد
§ وكانت أحياء العوالي في عهده صلّى الله عليه وسلّم بعيدة عن مكان الجمعة، ومع ذلك يحضرون إلى مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم
§ وأيضاً لو تعددت الجمعة لفات المقصود الأعظم، وهو اجتماع المسلمين وائتلافهم ثم صار كل قوم ينفضون عن موعظة تختلف عن موعظة الآخر فيتفرق البلد، ولا يشربون من نهر واحد.
o وقوله «إلا لحاجة» ، والمراد بالحاجة هنا ما يشبه الضرورة؛ لأن هناك ضرورة وحاجة، والفرق بين الحاجة والضرورة:
§ أن الحاجة هي التي يكون بها الكمال.
§ والضرورة هي التي يندفع بها الضرر
§ مثال الحاجة :
· إذا ضاق المسجد عن أهله، ولم يمكن توسيعه
· وكذا إذا تباعدت أقطار البلد، وصار الناس يشق عليهم الحضور
· ومن ذالك أيضاً أن يكون بين أطراف البلد حزازات وعداوات، يخشى إذا اجتمعوا في مكان واحد أن تثور فتنة لكن هذا مشروط بما إذا تعذر الإصلاح
· وليس من الحاجة أن يكون الإمام مسبلاً أو فاسقاً؛ لأن الصحابة صلوا خلف الحجاج بن يوسف ، وهو من أشد الناس ظلماً وعدواناً
o فإن صلوا الجمعة في موضعين فأكثر بلا حاجة :
§ فالصحيحة :
· ما باشرها الإمام _وهو من له أعلى سلطة في الدولة_ أي ما صلى فيها، سواء كان هو الإمام، أو كان مأموماً
· أوأذن فيها إن لم يباشرها، مثل: أن يكون بلد الإمام في محل آخر وهذا البلد الذي فيه تعدد الجمعة لم يكن فيه الإمام حاضراً، لكنه قال: أذنت لكم أن تقيموا جمعتين فأكثر
§ فإن استوتا في إذن أو عدمه بأن يكون الإمام قد أذن فيهما جميعاً، أو لم يأذن فيهما جميعاً :
· فالثانية باطلة على ما يقتضيه كلام المؤلف والمراد بالثانية ما تأخرت عن الأخرى بتكبيرة الإحرام، وإن كانت الأخرى أسبق منها إنشاء
· وقال بعض العلماء: المعتبر السبق زمناً، فالتي قد أنشئت أولاً فالحكم لها؛ لأن الثانية هي التي حدثت على الأولى، فهي تشبه مسجد الضرار الذي بناه المنافقون عند مسجد قباء، وقال الله لنبيه: {{لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا}} [التوبة: 108] وهذا القول هو الصحيح، أن المعتبر السابقة زمناً وإنشاء ولو تأخرت عملاً
§ فإن وقعتا معاً بطلتا فلو قال إمام كل مسجد منهما: «الله أكبر» في نفس الوقت فنقول :
· صلاتكم جميعاً باطلة لأنه لم تتقدم إحداهما حتى يكون لها مزية، وإذا لم يكن لها مزية صارت كل واحدة منهما تبطل الأخرى، كالبينتين إذا تعارضتا تساقطتا، وعلى هذا يلزم الجميع إعادتها جمعة في مكان واحد مع بقاء الوقت، وإلا صلوا ظهراً.
· وعلى القول الذي رجحناه نقول أن الجمعة تصح في المسجد الذي أنشأت فيه أولا.
§ وإن جهلت الأولى بطلتا :
· فلو أقيمت جمعتان بلا حاجة، واستوتا في إذن الإمام وعدمه. وجهلت الأولى منهما، ولم يعلم أيهما أسبق بتكبيرة الإحرام بطلتا ولزمهم صلاة الظهر، ولا يصح استعمال القرعة هنا؛ لأنها عبادة، وهنا تلزمهم صلاة الظهر، ولا تصح إعادتها جمعة.
· والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها :
o أنه في المسألة الأولى بطلت الجمعتان جميعاً، كل واحدة أبطلت الأخرى فلم تصح واحدة منهما، فيجب إعادة الجمعة إن استطاعوا، وإلا صلوا ظهراً
o وفي هذه المسألة إحداهما صحيحة وهي التي سبقت لكنها مجهولة، والجمعة لا تعاد مرتين، فحينئذٍ لا تعاد الصلاة، ولو اجتمعوا في مسجد واحد، فيجب على الجميع إعادة الصلاة ظهراً.
ü سنن الجمعة :

o السنن التوابع للجمعة :
§ السنة البعدية :
· أقل السنّة بعد الجمعة ركعتان لأن :
o النبي صلّى الله عليه وسلّم «كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته » ، ثبت ذلك عنه في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما.
· وأكثرها ست :
o لأنه ورد عن عبد الله بن عمر بإسناد صححه العراقي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي بعد الجمعة ستاً
o وقد كان ابن عمر «إذا صلى في مكة تقدم بعد صلاة الجمعة فصلى ركعتين، ثم صلى أربعاً، وفي المدينة يصلي ركعتين في بيته، ويقول: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يفعله».
o وأما الأربع فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بذلك فقال: «إذا صلّى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً».
· هل السنة بعد الجمعة هذا مما وردت به السنة على وجوه متنوعة، أو على أحوال متنوعة، فيه أقوال:
o القول الأول أنها على أحوال متنوعة وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيقال إن صليت راتبة الجمعة في المسجد فصل أربعاً، وإن صليتها في البيت فصل ركعتين.
o القول الثاني أنها متنوعة على وجوه فصلِّ أحياناً أربعاً، وأحياناً ركعتين.
o القول الثالث أنها أربع ركعات مطلقاً لأنه إذا تعارض قول النبي صلّى الله عليه وسلّم وفعله يقدم قوله.
o والأولى للإنسان ـ فيما أظنه راجحاً ـ أن يصلي أحياناً أربعاً، وأحياناً ركعتين أما الست فإن حديث ابن عمر يدل على أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم «كان يفعلها». لكن الذي في الصحيحين أنه كان يصلي ركعتين، ويمكن أن يستدل لذلك بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي في بيته ركعتين، وأمر من صلى الجمعة أن يصلي بعدها أربعاً، فهذه ست ركعات: أربع بقوله وركعتان بفعله، وفيه تأمل.
§ السنة القبلية :
· ليس للجمعة سنّة قبلها ولكن يصلي ما شاء بغير قصد عدد، فيصلي ركعتين أو ما شاء، لكن إذا دخل الإمام أمسك.
· أما الركعتان لا بد منهما، وهما تحية المسجد، وما عدا ذلك ينظر الإنسان ما هو أرجح له :
o فإذا كنت في مسجد يزدحم فيه الناس، ويكثر المترددون بين يديك، فالظاهر أن قراءة القرآن أخشع لقلب الإنسان وأفيد
o وإذا كنت في مكان سالم من التشويش، فلا شك أن الصلاة أفضل من القراءة؛ لأن الصلاة تجمع قراءة وذكراً ودعاء وقياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً، فهي روضة من رياض العبادات فهي أفضل.
o الغسل :
§ الاغتسال يوم الجمعة خاص بمن يأتي إليها :
· لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل»
· ولقوله: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم»
· وعلى هذا فالنساء لا يسنّ لهن الاغتسال، وكذلك من لا يحضر لصلاة الجمعة لعذر، فإنه لا يسنّ له أن يغتسل للجمعة.
§ حكمه :
· يسن الإغتسال يوم الجمعة وهو المذهب، وعليه جمهور العلماء وإن لم يغتسل فلا إثم عليه.
· وذهب بعض أهل العلم إلى أن الاغتسال واجب وهذا القول هو الصحيح لما يلي :
o قول أفصح الخلق وأنصحهم محمد صلّى الله عليه وسلّم: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» :
§ فصرّح النبي صلّى الله عليه وسلّم بالوجوب
§ ثم إنه علق الوجوب بوصف يقتضي الإلزام، وهو الاحتلام الذي يحصل به البلوغ، فإذا تأملنا ذلك تبيّن لنا ظاهراً أن غسل الجمعة واجب، وأن من تركه فهو آثم، لكن تصح الصلاة بدونه؛ لأنه ليس عن جنابة.
o أن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ دخل وعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة، فأنكر عليه تأخّره، فقال: والله يا أمير المؤمنين كنت في شغل، وما زدت على أن توضأت، ثم أتيت، فقال له ـ موبخاً ـ: والوضوء أيضاً؟ ـ أي: تفعل الوضوء أيضاً ـ، وقد علمت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر بالغسل ، فأنكر عمر ـ رضي الله عنه ـ عليه اقتصاره على الوضوء.
o وأما ما روي عن سمرة بن جندب أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» :
§ فهذا الحديث لا يقاوم ما أخرجه الأئمة السبعة وغيرهم، وهو حديث أبي سعيد الذي ذكرناه آنفاً «غسل الجمعة واجب على كل محتلم»
§ ثم إن الحديث من حيث السند ضعيف؛ لأن كثيراً من علماء الحديث يقولون إنه لم يصح سماع الحسن عن سمرة إلا في حديث العقيقة
§ ثم إن هذا الحديث من حيث المتن إذا تأملته وجدته ركيكاً ليس كالأسلوب الذي يخرج من مشكاة النبوة «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» ... «بها» أين مرجع الضمير؟ ففيه شيء من الركاكة أي: الضعف في البلاغة «ومن اغتسل فالغسل أفضل» فيظهر عليه أنه من كلام غير النبي صلّى الله عليه وسلّم.
o فالذي نراه وندين الله به، ونحافظ عليه أن غسل الجمعة واجب، وأنه لا يسقط إلا لعدم الماء، أو للضرر باستعمال الماء
o ولم يأت حديث صحيح أن الوضوء كاف، وأما ما ورد في صحيح مسلم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام» ، فإنه مرجوح، لاختلاف الرواة، فبعضهم قال: «من اغتسل» وهذه أرجح، وبعضهم قال: «من توضأ».
· وإذا لم يجد الماء، أو تضرر باستعماله فلا يتيمم لهذا الغسل وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله حيث يقول أن جميع الأغسال المستحبة إذا لم يستطع أن يقوم بها فإنه لا يتيمم عنها؛ لأن التيمم إنما شرع للحدث؛ لقوله تعالى:
o {{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}} [المائدة: 6]
o ومعلوم أن الأغسال المستحبة ليست للتطهير؛ لأنه ليس هناك حدث حتى يتطهر منه
· والفقهاء رحمهم الله يقولون: يتيمّم، والصحيح خلاف ذلك.
§ صفته :
· الاغتسال إذا أطلق في لسان الشارع، أو في لسان أهل الشرع وهم الفقهاء، فإنه يحمل على الاغتسال الشرعي، لا على مجرد أن يغسل الإنسان بدنه، والغسل الشرعي له صفتان:
o واجبة وهي أن يعم جميع بدنه بالماء، ولو بانغماس في بركة أو نهر أو بحر.
o مستحبة وهي أن يتوضأ أولاً، كما يتوضأ للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، ويخلل شعره ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على سائر جسده.
§ وقته :
· فقال بعضهم إن أول وقته من آخر الليل.
· وقال آخرون بل من طلوع الفجر؛ لأن النهار لا يدخل إلا بطلوع الفجر.
· وقال آخرون بل من طلوع الشمس؛ لأن ما بين الفجر وطلوع الشمس وقت لصلاة خاصة، وهي الفجر، ولا ينتهي وقتها إلا بطلوع الشمس، وعلى هذا فيكون ابتداء الاغتسال من طلوع الشمس، وهذا أحوط الأقوال الثلاثة لأن من اغتسل بعد طلوع الشمس فقد أتى على الأقوال كلها.
· وينتهي وقت الاغتسال بوجوب السعي إلى الجمعة على الأقوال كلها.
o التنظّف والتّطيب :
§ يسنّ أن يتنظف :
· كما جاءت به السنّة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر...»
· والتنظّف أمر زائد على الاغتسال، فالتنظّف بقطع الرائحة الكريهة وأسبابها، فمن أسباب الرائحة الكريهة الشعور والأظفار التي أمر الشارع بإزالتها،.
§ ويسنّ أيضاً أن يتطيّب :
· كما جاءت به السنة ، بأي طيب سواء من الدهن أو من البخور، في ثيابه وفي بدنه؛ وذلك من أجل اجتماع الناس في مكان واحد؛ لأن العادة أنه إذا كثر الجمع ضاق النفس، وكثر العرق، وثارت الرائحة الكريهة
o لبس أحسن الثياب :
§ يسنّ لبس أحسن ثيابه :
· لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يُعد أحسن ثيابه للوفد والجمعة.
· وأفضلها البياض
o التبكير إليها ماشياً :
§ يسنّ أن يبكّر إلى الجمعة ودليله :
· حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: «من اغتسل يوم الجمعة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة»
§ ويسن أن يذهب إلى الجمعة ماشياً على قدميه، ودليله :
· أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من غسل واغتسل، وبكّر وابتكر، ودنا من الإمام، ومشى ولم يركب» فقال: «مشى ولم يركب»
· ولأن المشي أقرب إلى التواضع من الركوب، ولأنه يرفع له بكل خطوة درجة، ويحط عنه بها خطيئة، فكان المشي أفضل من الركوب.
· ولكن لو كان منزله بعيداً، أو كان ضعيفاً أو مريضاً، واحتاج إلى الركوب، فكونه يرفق بنفسه أولى من أن يشق عليها.
o الدنو من الإمام :
§ وهذا أيضاً من السنّة أن يدنو من الإمام ودليل ذلك :
· قول النبي عليه الصلاة والسلام: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى»
· ولما رأى قوماً تأخروا في المسجد عن التقدم قال: «لا يزال قوم يتأخرون، حتى يؤخرهم الله» ، فأقل أحواله أن يكون التأخّر عن الأول فالأول مكروه.
§ وقد دلّت السنّة على أن يمين الصف أفضل من اليسار عند التقارب أو التساوي، وأما مع البعد فقد دلّت السنّة على أن اليسار الأقرب أفضل ودليل ذلك :
· أن الناس كانوا إذا وجد جماعة ثلاثة، فإن الإمام يكون بين الرجلين ، ثم نسخ ذلك فصار الإمام يتقدم الاثنين فأكثر،
· ولو كان اليمين أفضل على الإطلاق لصار مقام الرجلين مع الرجل عن اليمين.
· وأيضاً لو كان اليمين أفضل مطلقاً لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أكملوا الأيمن فالأيمن»، كما كان الصف يكمل فيه الأول فالأول.
§ وطرف الصف الأول من اليمين أو اليسار أفضل من الصف الثاني، وإن كان خلف الإمام ودليل ذلك :
· قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتراصون، ويتمون الأول فالأول».
o قراءة سورة الكهف :
§ يسنّ أن يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة قبل الصلاة أو بعدها وذالك :
· لما روى أبو سعيد رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» وهذا روي مرفوعاً وموقوفاً. وعلى فرض أنه من قول أبي سعيد، فمثل هذا لا يقال بالرأي، فيكون له حكم الرفع؛ لأن أبا سعيد لا يعرف هذا الثواب، فيكون مرفوعاً حكماً إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم
§ وسورة الكهف لها مزايا منها :
· أن من قرأ فواتحها على الدجال عصم من فتنته
· وفيها قصة أصحاب الكهف.
· و قصة الرجلين ذوي الجنتين.
· وقصة موسى مع الخضر.
· قصة ذي القرنين.
· و قصة يأجوج ومأجوج.
· ولهذا ورد الترغيب في قراءتها في يوم الجمعة قبل الصلاة أو بعد الصلاة.
o الإكثار من الدعاء والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم :
§ يسن أن يكثر الدعاء يوم الجمعة لأن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه وذالك :
· لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه» فينبغي أن يكثر من الدعاء رجاء ساعة الإجابة.
§ ويسن أن يكثر الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة :
· لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بإكثار الصلاة عليه يوم الجمعة
· والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم معناها: أنك تسأل الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى.
ü ما يحرم أو يكره يوم الجمعة :

o تخطى رقاب الناس :
§ المشهور من المذهب أن تخطي الرقاب مكروه.
§ والصحيح أن تخطي الرقاب حرام في الخطبة وغيرها :
· لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: «اجلس فقد آذيت»
· ولا سيما إذا كان ذلك أثناء الخطبة؛ لأن فيه أذية للناس، وإشغالاً لهم عن استماع الخطبة، إشغال لمن باشر تخطي رقبته، وإشغال لمن يراه ويشاهده، فتكون المضرة به واسعة
§ ويستثني الفقهاء ـ رحمهم الله ـ من ذالك :
· الإمام فلا بأس أن يتخطى؛ لأن مكانه متقدم :
o ولكن بشرط أن لا يمكن الوصول إلى مكانه إلا بالتخطي
o فإن كان يمكن الوصول إلى مكانه بلا تخط بأن كان في مقدم المسجد باب يدخل منه الإمام، فإنه كغيره في التخطي؛ لأن العلة واحدة
· أو أن يكون هناك متسع في الصفوف المقدمة :
o فإن كان هناك فرجة، فلا بأس أن يتخطى إليها قالوا :
§ لأنه إذا كان ثمة فرجة فإنهم هم الذين جنوا على أنفسهم؛ لأنهم مأمورون أن يكملوا الأول فالأول، فإذا كان ثمة فرجة فقد خالفوا الأمر، وحينئذٍ يكون التفريط منهم، وليس من المتخطي.
o ولكن الذي أرى أنه لا يتخطى حتى ولو إلى فرجة :
§ لأن العلة وهي الأذية موجودة، وكونهم لا يتقدمون إليها قد يكون هناك سبب من الأسباب، مثل أن تكون الفرجة في أول الأمر ليست واسعة، ثم مع التزحزح اتسعت، فحينئذٍ لا يكون منهم تفريط، فالأولى الأخذ بالعموم وهو ألا يتخطى إلى الفرجة لكن لو تخطى برفق واستأذن ممن يتخطاه إلى هذه الفرجة فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس
o إقامة الغير والجلوس مكانه :
§ يحرم أن يقيم غيره من المكان الذي كان جالساً فيه ويجلس مكانه ودليل هذا :
· قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به»
· نهيه صلّى الله عليه وسلّم أن يقيم الرجل أخاه فيجلس مكانه ففي الحديث الأول بيان الأحقية، وفي الحديث الثاني تحريم أن يقيم غيره فيجلس مكانه.
· أن ذلك يحدث العداوة والبغضاء بين المصلين، وهذا ينافي مقصود الجماعة، إذ إن المقصود من الجماعة هو الائتلاف والمحبة
§ ويستثنى من ذالك من قدم صاحباً له في موضع يحفظه له فله أن يقيمه؛ لأن هذا الذي أقيم وكيل له ونائب عنه.
§ وظاهر كلام المؤلف أن هذا العمل جائز وفي هذا نظر لما يلي :
· أولاً أن هذا النائب لم يتقدم لنفسه، وربما يراه أحد فيظنه عمل عملاً صالحاً، وليس كذلك.
· ثانياً أن في هذا تحايلاً على حجز الأماكن الفاضلة لمن لم يتقدم، والأماكن الفاضلة أحق الناس بها من سبق إليها.
§ وأما الصغير فالمذهب أنه يجوز أن يقيمه ويجلس مكانه ودليلهم :
· قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى»
§ ولكن الصحيح أنه لا يجوز أن يقيم الصغير لما يلي :
· أولاً لعموم النهي «لا يقيم الرجل أخاه».
· ثانياً: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» وهذا الصبي سابق فلا يجوز لنا أن نهدر حقه، وأن نظلمه ونقيمه.
· وأما دليلهم فهو استناد إلى غير مستند لأن المراد بقوله صلّى الله عليه وسلّم «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» حث أولي الأحلام والنهى أن يتقدموا، ولو قال: «لا يلني منكم إلا أولو الأحلام» لكان لنا الحق أن نقيم الصغير.
· ثم إن في إقامة الصغير عن مكانه مفسدة عظيمة بالنسبة للصغير؛ إذ يبقى في قلبه كراهة للمسجد والتقدم إليه، وكراهة لمن أقامه من مجلسه أمام الناس، ولا سيما إذا كان له تمييز كالسابعة والثامنة.
· وهناك مفسدة أخرى غير ما سبق، وهي أننا إذا أقمنا الصغار من الصف الأول، وجعلناهم في صف واحد مستقل فسيلعبون لعباً عظيماً، لكن إذا أبقيناهم في الصف الأول، وصار كل طفل إلى جنب رجل قلَّ لعبهم بلا شك، وهذا القول الراجح هو الذي صوَّبه صاحب الإنصاف، ومال إليه صاحب الفروع، وصرح به المجد جد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله.
o الإيثار بالمكان :
§ يكره إيثار الغير بالمكان كأن تكون في الصف الأول، فأردت أن تتأخر إكراماً لشخص حضر ليجلس في مكانك والدليل :
· قول النبي عليه الصلاة والسلام: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا»
· ولأن هذا يدل على أنه ليس عندك رغبة في الخير ولا اهتمام بالشيء الفاضل.
§ والصحيح أن إيثار غيره إذا كان فيه مصلحة كالتأليف فلا يكره
§ ولا يكره قبول الإيثار، فلو قلت لشخص تقدم في مكاني في الصف الأول، فإنه لا يكره له أن يقبل ويتقدم.
§ لا يحل لغير المؤثر ـ بفتح التاء ـ سبق المؤثر :
· مثاله لو آثر زيد عمراً بمكانه فسبق إليه بكر، فإنه لا يحل ذلك لبكر؛ لأن زيداً إنما آثر عمراً.
· وأشد منه ما يفعله بعض الناس إذا جاء والصف تام جذب واحداً من الصف، فيتأخر المجذوب من أجل أن يصف معه، فيتقدم ذاك في مكانه؛ لأنه سيؤدي إلى بطلان صلاة المجذوب، ثم هو أحسن إليك وتأخر معك فتسيء إليه هذه الإساءة.
o حجز المكان في المسجد :
§ من حجز مكانا بمصلى ثم انصرف فيحرم على صاحبه رفعه و«المصلى» ما يصلى عليه مثل السجادة والتعليل:
· أن هذا المصلى نائب عن صاحبه، قائم مقامه، فكما أنك لا تقيم الرجل من مكانه فتجلس فيه، فكذلك لا ترفع مصلاه.
· ومقتضى كلام المؤلف أنه يجوز أن يضع المصلى ويحجز المكان :
o لأنه لو كان وضع المصلى وحجز المكان حراماً لوجب رفع المصلى، وإنكار المنكر، فلما جعل المؤلف للمصلى حرمة دل ذلك على أن وضعه جائز، وهذا هو المذهب.
· ولكن الصحيح في هذه المسألة أن الحجز والخروج من المسجد لا يجوز، وأن للإنسان أن يرفع المصلى المفروش؛ لأن القاعدة (ما كان وضعه بغير حق فرفعه حق) :
o لكن لو خيفت المفسدة برفعه من عداوة أو بغضاء، أو ما أشبه ذلك، فلا يرفع (لأن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح)
o وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا المصلى المفروش لكنت في مكانه، فإن الله قد يثيبك ثواب المتقدمين؛ لأنك إنما تركت هذا المكان المتقدم من أجل العذر.
§ فإذا أقيمت الصلاة فلنا رفعه :
· لأنه في هذه الحال لا حرمة له
· ولأننا لو أبقيناه لكان في الصف فرجة، وهذا خلاف السنة
· وليس لنا أن نصلي عليه بدون رفع؛ لأن هذا مال غيرنا، وليس لنا أن ننتفع بمال غيرنا بدون إذنه، ولكن نرفعه.
§ و يستثنى من القول الراجح من تحريم وضع المصلى :
· ما إذا كان الإنسان في المسجد، فله أن يضع مصلى بالصف الأول، أو أي شيء يدل على الحجز، ثم يذهب في أطراف المسجد لينام، أو لأجل أن يقرأ قرآناً، أو يراجع كتاباً، فهنا له الحق؛ لأنه ما زال في المسجد، لكن إذا اتصلت الصفوف لزمه الرجوع إلى مكانه؛ لئلا يتخطى رقاب الناس.
· أيضا إذا حجز الإنسان المكان، وخرج من المسجد لعارض لحقه :
o ثم عاد إليه قريبا فهو أحق به والعارض كأن يحتاج للوضوء، أو أصيب بأي شيء اضطره إلى الخروج فإذا عاد فهو أحق به ودليله :
§ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به»،
o وظاهر كلام المؤلف أنه لو تأخر طويلاً فليس أحق به، فلغيره أن يجلس فيه.
o وقال بعض العلماء: بل هو أحق، ولو عاد بعد مدة طويلة إذا كان العذر باقياً، وهذا القول أصح؛ لأن استمرار العذر كابتدائه
o من دخل والإمام يخطب :
§ لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما والدليل على ذلك :
· قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» وهذا عام
· أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «رأى رجلاً دخل المسجد فجلس، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فقال: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصلِّ ركعتين» وفي رواية «وتجوَّز فيهما» .
· قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، وقد خرج الإمام فليصل ركعتين وليتجوز فيهما» فالسنة في هذا ظاهرة.
§ حكم تحية المسجد :
· استنبط بعض العلماء من هذا أن تحية المسجد واجبة، ووجه الاستنباط :
o أن استماع الخطبة واجب، والاشتغال بالصلاة يوجب الانشغال عن استماع الخطبة، ولا يشتغل عن واجب إلا بواجب، وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم
· ولكن بعد التأمل في عدة وقائع تبين لنا أنها سنة مؤكدة، وليست بواجبة، ويمكن الانفكاك عن القول بأنه ينشغل بأن يقال:
o قد ينشغل، وقد يسمع بعض الشيء وهو يصلي، والإنسان يسمع وهو يصلي، ويفهم وهو يصلي ولهذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يصلي بالناس فإذا سمع بكاء الصبي تجوَّز في صلاته
o وهذا دليل على أن المصلي لا ينشغل انشغالاً كاملاً، فالذي ترجح عندي أخيراً أن تحية المسجد سنة مؤكدة، وليست بواجبة.
· وقال بعض العلماء تسن تحية المسجد لكل داخل مسجد إلا المسجد الحرام، فإن تحيته الطواف :
o ولكن هذا ليس على إطلاقه، بل نقول إلا المسجد الحرام، فإن تحيته الطواف لمن دخل ليطوف، فإنه يستغنى بالطواف عن الركعتين؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما دخل المسجد الحرام لطواف العمرة والحج لم يصل ركعتين
o أما من دخل ليصلي، أو ليستمع إلى علم أو ليقرأ القرآن، أو ما أشبه ذلك فإن المسجد الحرام كغيره من المساجد تحيته ركعتان؛ لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين».
o الكلام والإمام يخطب :
§ لا يجوز الكلام يوم الجمعة والخطيب يخطب والدليل على ذلك :
· أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال فيما أخرجه الإمام أحمد: «من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً ـ وهذا التشبيه للتقبيح والتنفير ـ والذي يقول له: أنصت، ليست له جمعة» مع أن الذي يقول له أنصت، ينهى عن منكر، ومع ذلك يلغو، ومن لغا فلا جمعة له.
· وكذلك أيضاً جاء في الصحيحين: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت»
· ومن تكلم فلا جمعة له أي لا ينال أجر الجمعة، وليس معناه أن جمعته لا تصح
§ ويستثنى من ذالك من يكلم الإمام أو يكلمه الإمام :
· فإن كان لمصلحة تتعلق بالصلاة، أو بغيرها مما يحسن الكلام فيه أو لحاجة فإنه فيجوز ودليل هذا:
o «أن رجلاً دخل المسجد والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا فرفع النبي صلّى الله عليه وسلّم يديه، وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا» فاستجاب الله دعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبقي المطر ينزل أسبوعاً كاملاً لم يروا الشمس، فلما كانت الجمعة الثانية دخل الرجل أو رجل آخر فقال: يا رسول الله «تهدَّم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها» ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام لم يدع الله أن يمسكها، بل قال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام، والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر»، أي: دعا الله تعالى أن يكون المطر على الأماكن التي فيها مصلحة، وليس فيها مضرة، يقول أنس: «فجعل يشير إلى السماء كلما أشار إلى ناحية انفرج السحاب» فخرج الناس يمشون في الشمس بعد الجمعة
o فمن الحاجة:
§ أن يخفى على المستمعين معنى جملة في الخطبة فيسأل أحدهم عنه
§ ومنها أيضا أن يخطئ الخطيب في آية خطأ يحيل المعنى، مثل: أن يسقط جملة من الآية، أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى.
o ومن المصلحة مثلاً إذا اختل صوت مكبر الصوت فللإمام أن يكلم، المهندس ليصلحه إن أمكن
· وأما لو تكلم الإمام لغير مصلحة، فإنه لا يجوز.
§ الكلام قبل الخطبة وبعدها :
· يجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها ولو بعد حضور الخطيب، ولو بعد الأذان ما دام لم يشرع في الخطبة، ويجوز كذلك بعد انتهاء الخطبة، وسواء كان ذلك بعد انتهاء الخطبة الأولى، أو بعد انتهاء الخطبة الثانية؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قيد الحكم بما إذا كان الإمام يخطب، والمقيد ينتفي الحكم به بانتفاء القيد
§ ولكن ليس هذا الجواز على حد سواء؛ لأن الإنسان لو شرع يتكلم قبل أن يبدأ الإمام بالخطبة، فربما يستمر به الأمر حتى يتكلم والإمام يخطب، فالأفضل عدم الكلام؛ لئلا يستمر به الكلام والإمام يخطب.
§ مسألة: بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا شرع الإمام في الدعاء في حال الخطبة يجوز الكلام؛ لأن الدعاء ليس من أركان الخطبة، والكلام في غير أركان الخطبة جائز، ولكنه قول ضعيف؛ لأن الدعاء ما دام متصلاً بالخطبة فهو منها، وقد ورد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة في الخطبة»
§ فالصحيح: أنه ما دام الإمام يخطب، سواء في أركان الخطبة، أو فيما بعدها فالكلام حرام.
§ إذا عطس المأموم يوم الجمعة فإنه يحمد الله خفية، فإن جهر بذلك فسمعه من حوله فلا يجوز لهم أن يشمِّتوه.
§ وإذا عطس الإمام وحمد الله جهراً :
· فعلى القول بأنه يجب أن يشمِّته كل من سمعه كما قال ابن القيم، فالظاهر أنه إن سكت الإمام من أجل العطاس فلا بأس أن يشمَّت، وإن لم يسكت فلا؛ لأن الخطبة قائمة.
· والذي أراه في هذه المسألة أنه ينبغي للإمام أن يحمد سراً حتى لا يوقع الناس في الحرج


الساعة الآن 12:48 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir