معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   صفحات الدراسة (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=893)
-   -   سلسلة تلخيص و توضيح مقاصد كتب الاعتقاد من صحيح الإمام البخاري (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=22966)

سليم سيدهوم 3 شعبان 1435هـ/1-06-2014م 11:17 AM

سلسلة تلخيص و توضيح مقاصد كتب الاعتقاد من صحيح الإمام البخاري
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، و بعد :
فنستعين بالله تبارك و تعالى و نبدأ في تلخيص ما أورد الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه من الكتب المتعلقة بالعقيدة، و سأقتصر في هذا التلخيص على بيان معتقد أهل السنة و الجماعة مع الإشارة إلى ما قاله المخالفون من دون الشعور في تفاصيل شبهاتهم عملا بتوجيه شيخنا عبد العزيز الداخل و نصيحته و عملا أيضا بأقوال علمائنا الأفاضل، و من ذلك:
- نصيحة شيخنا بواسطة أشرطته الشيخ يوسف بن محمد الغفيص حفظه الله و قد نصح الطلاب في عدد من دروسه بأخذ العقيدة من كتب التقرير لا من كتب الردود.
-كلام شيخ الإسلام في أول كتاب الإيمان: "و نحن نذكر ما يستفاد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، مع ما يستفاد من كلام الله تعالى، فيصل المؤمن إلى ذلك من نفس كلام الله و رسوله، فإن هذا هو المقصود، فلا نذكر اختلاف الناس ابتداء، بل نذكر من ذلك من ضمن ما يستفاد من كلام الله و رسوله ما يبين أن رد موارد النزاع إلى الله و إلى الرسول خير و أحسن تأويلا و أحسن عاقبة في الدنيا و الآخرة".
- ما ذكره الحافظ الحكمي في مقدمة كتابه "أعلام السنة المنشورة" من أنه اقتصر على قول أهل السنة و الاتباع و أهمل أقوال أهل الأهواء و الابتداع إذ لا يقال الا للرد عليها و إرسال سهام السنة عليها.
و سنبدأ إن شاء الله تعالى بذكر ترجمة يسيرة للإمام البخاري و كلام مختصر عن صحيحه، و سرد كتب الاعتقاد من صحيحه على سبيل الإجمال ثم يأتي توضيح مقاصد كل كتاب و الأبواب التي يشتمل عليها على سبيل التفصيل.

سليم سيدهوم 11 شعبان 1435هـ/9-06-2014م 12:39 PM

ترجمة الإمام البخاري
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، و بعد :
فإن الإمام حافظ الإسلام خاتمة الجهابذة النقاد الأعلام شيخ الحديث و طبيب علله في القديم و الحديث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة - و هو بالفارسية:
-الزراع- البخاري الجعفي، ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفي و إلى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء عملا بمذهب من يرى أن من أسلم على يد شخص كان ولاؤه له.
ولد ببخارى يوم الجمعة بعد الصلاة ، لثلاثة عشرة لسلة خلت من شوال كما فال الشيخ ابن برجس و غيره، و قال ابن كثير: ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال.
و أما تآليفه فكثيرة جدا، منها:
- الجامع الصحيح و هو أعظمها و أجلها.
-الأدب المفرد.
- بر الوالدين.
- التاريخ الكبير.
- التاريخ الأوسط.
- التاريخ الصغير.
- خلق أفعال العباد الذي صنفه بسبب ما وقع بينه و بين الذهلي.
و كل هذه التصانيف موجودة مروية لنا بالسماع و الوجادة، و له كتب أخرى ذكرها أهل العلم في كتبهم.
و أما ثناء العلماء عليه، فقد قال الحافظ ابن كثير: "كان إمام الحديث و زمانه، و المقتدى به في أوانه و المقدم على سائر أضرابه و أقرانه".
و قال الإمام أحمد بن حنبل فيما رواه الخطيب عنه بسند صحيح: " ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل".
و قال علي بن المديني: " لم ير اليخاري مثله".
و قد قدمه بعضهم على أحمد و إسحاق، و قال مسلم له: " لا يبغضك إلا حاسد و أشهد انه ليس في الدنيا مثلك".
و أما تاريخ وفاته فتوفي رحمة الله عليه ليلة سبت ليلة عيد الفطر سنة 256 عن 62 سنة إلا ثلاثة عشر يوما.
فهذا نبذة عن ترجمته رحمه الله، و هو في الحقيقة غني عن التعريف، حتى قال العلامة ابن برجس رحمه الله: "من الذي لا يعرف البخاري؟!".

المراجع:
- الحطة في ذكر الصحاح الستة لأبي الطيب السيد صديق حسن خان الفنوجي رحمه الله، و قد توسع في ذكر ترجمته ( ط. دار الآثر صنعاء).
- تاريخ تدوين العقيدة السلفية للعلامة عبد السلام بن برجس رحمه الله( ص 40 ).
- البداية و النهاية لابن كثير رحمه الله (25/11 ).

سليم سيدهوم 12 شعبان 1435هـ/10-06-2014م 05:51 PM

مع كتابه "الجامع الصحيح"
تقدم أن "المسند الجامع الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم و سننه و أيامه" المشهور ب "صحيح البخاري" هو أعظم الكتب التي صنفها و أجلها.
و هو أول ما صنف في الصحيح المجرد، و هو أصح الكتب المصنفة.
و قد اعتنى به أهل العلم قديما و حديثا عناية فائقة، فبعضهم شرحه، و بعضهم علق عليه، و بعضهم اختصره إلى غير ذلك، فهذا الكتاب وجد القبول عند علماء أهل السنة و الجماعة و حتى الأشاعرة و الصوفية فالأولون اعتنوا بشرحه و إن أخطؤوا في بعض المسائل و خصوصا ما يتعلق بتوحيد الأسماء و الصفات، و الله أعلم بما يسمع في مثل شرح الآخرين من الطمات، و من شطحات هؤلاء ما يوجد في كتاب "تحفة السامع و القارئ بختم صحيح البخاري".
و على كل فإن حتى هؤلاء فإنهم يحبون هذا الكتاب، و لا يبغضه ممن يدعي الإسلام الا الرافضة، فهو أبغض الكتب إليهم كما أن شيخ الإسلام أبغض شخص إليهم، و الحقيقة أن في هذا الكتاب رد على كل هذه الطوائف.
و الذي ستعتني به إن شاء الله تعالى من خلال هذا التلخيص هو بيان مقاصد كتب الاعتقاد من هذا الصحيح، و و لا أريد أن يطول الكلام كيلا أشق عليكم فسأكتفي إن شاء الله تعالى بذكر بعض المراجع المهمة التي قرأتها لمن أراد التوسع و سنبدأ إن شاء الله تعالى ببيان مقاصد كتاب بدء الوحي.

المراجع :
- اختصار علوم الحديث لابن كثير.
- مناسبات أبواب صحيح البخاري بعضها بعضا للبلقيني مع تحقيق الدكتور أحمد بن فارس السلوم.
- شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ الغنيمان.
- الحطة في ذكر الصحاح الستة لأبي الطيب السيد صديق حسن خان الفنوجي رحمه الله.
- كيف تستفيد من كتب الحديث الستة للشيخ عبد المحسن العباد.
و للشيخ عبد الكريم الخضير محاضرات بعنوان "مقارنة بين الكتب الستة".
-

سليم سيدهوم 12 شعبان 1435هـ/10-06-2014م 09:20 PM

و قبل الشعور في تفصيل ما اقترحت فأريد أن أسرد أسماء كتب الاعتقاد من صحيح الإمام البخاري، و هي كما يلي:
- كتاب بدء الوحي.
-و كتاب الإيمان.
-و كتاب بدء الخلق.
- كتاب أحاديث الأنبياء.
- و جزء من كتاب المناقب.
- و كتاب فضائل الصحابة.
- و كتاب مناقب الأنصار.
- و كتاب القدر.
- و كتاب استتابة المرتدين و المعاندين و قتالهم.
- و كتاب الفتن.
- و كتاب أخبار الآحاد.
- و كتاب الاعتصام بالكتاب و السنة.
- و كتاب التوحيد.

تنبيه: بعض هذه الكتب تختص بالعقيدة، و بعضها لا تختص بها بل فيها بعض مسائل ترد في كتب الاعتقاد.
تنبيه آخر ذو أهمية: لا يعني هذا العمل أني متأهل لشرح هذا الكتاب و لاإجابة على الأسئلة، بل قصدي فيه هو غرض عملي على المشايخ كي أعرف هل فهمت هذه الكتب أم لا؟
ثم إني بحاجة إلى شروح الصحيح، و أنا من الذين يرون أن الطالب لا يدرس إخوانه حتى يستأذن و يقول له شيخه: درس فأنت مأهل لذلك أو ما إلى ذلك.
و أما بالنسبة إلى المراجع فقد قسمتها الى قسمين: مراجع أصلية، و مراجع أخرى.
أما المراجع الأصلية، فهي:
- فتح الباري لابن حجر.
- شرح الشيخ الراجحي.
- شرح الشيخ عبد المحسن العباد.
فمن يرى هذه العبارة عندما سأذكر المراجع فليعلم أنها هي المعنية بها.
و أما المراجع الأخرى فسأصرح بها عندما سأذكر المراجع.

سليم سيدهوم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م 09:32 PM

سيكون شرح الشيخ ابن عثيمين من المراجع الأصلية إن شاء الله تعالى لكثرة فوائده في علم العقيدة.

سليم سيدهوم 4 رمضان 1435هـ/1-07-2014م 12:15 PM

كتاب بدء الوحي
الوحي مبدأ الخيرات وبه تبدأ الرسالات إلى الأنبياء و لهذا ذكره البخاري رحمه الله في أول صحيحه.
مقصود الإمام البخاري من إيراد هذا الكتاب هو بيان كيف كان بدء الوحي إلى الرسول صلى الله عليه و سلم.
و وجه علاقة هذا الكتاب بالعقيدة أن الشريعة كلها مبنية على الوحي، و أنه يتضمن بابا عظيما من أبواب هذا العلم و هو دلائل النبوة.
و مادة الوحي في اللغة تدل على إلقاء علم في خفاء.
و في الشرع: إعلام الله لنبي من أنبيائه ـ بكيفية معينةـ بنبوته، و ما يتبعها من أوامر و نواه و أخبار.
و هنا تعريف مختصر و هو أن يقال: الإعلام بالشرع.

1ـ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم:
مقاصد الإمام البخاري رحمه الله من إيراد هذا الباب:
ـ أن الله تعالى أوحى إلى الأنبياء كما أنه أوحى إلى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، و أن ما حصل له فقد حصل لهم.
ـ تقرير أصل من أصول الدين، و هو الإخلاص لله تعالى.
ـ أن بدأ الوحي كان بالنية لأن الله تعالى فطر نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم على التوحيد و بغضه إليه الأوثان.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ شرح الشيخ الراجحي، و شرح الشيخ عبد المحسن العباد، و شرح الشيخ ابن جبرين.
ـ المحرر في علوم القرآن للدكتور مساعد الطيار (ص 61ـ63).
ـ مناسبات أبواب صحيح البخاري لبعضها بعضا للبلقيني.

سليم سيدهوم 4 رمضان 1435هـ/1-07-2014م 01:05 PM

2ـ باب:
لم يذكر الإمام البخاري ترجمة لهذا الباب و هذا يتمثل صورة من صور تراجم البخاري في صحيحه، و هو أن يقول باب ثم لا يذكر له ترجمة و يورد ما فيه من أحاديث.
و هذا الباب له مناسبة بالذي قبله لأنه تتعلق بنوعين من أنواع الوحي، و هما:
الأول: أن يأتيه مثل صلصلة الجرس و هو أشده عليه.
و الثاني: أن يتمثل له الملك رجلا فيكلمه فيعي ما يقول.
و هذا شأن مثل هذه الأبواب، و قد تكون المناسبة للباب الذي قبله ظاهرة كما في هذا الباب، و قد تكون معمية كما سيأني بيانه إن شاء الله تعالى.
تنبيه: ذكر الحافظ ابن حجر بعض الأقوال في معنى تمثل الملك، و له قول أيضا في ذلك، و لكن كلها ـ بما فيها قول الحافظ ـ لا يصح، و الأولى عدم الدخول في مثل هذه الأمور الغيبية.

المراجع:
ـ تعليقات الشيخ عبد الكريم الخضير على "فتح الباري" لابن حجر.
ـ شرح الشيخ الراجحي.
ـ زاد المعاد لابن القيم، و قد ذكر أقسام الوحي.
ـ كلام الدكتور أحمد بن فارس السلوم في تحقيقه لكتاب البلقيني (ص56ـ58).

سليم سيدهوم 5 رمضان 1435هـ/2-07-2014م 12:58 PM

3ـ باب:

3 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 2] " فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ.
4 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: " بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي " فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 2] إِلَى [ص: 8] قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5]. فَحَمِيَ الوَحْيُ وَتَتَابَعَ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَتَابَعَهُ هِلاَلُ بْنُ رَدَّادٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ، وَمَعْمَرٌ:" بَوَادِرُهُ".


مقصود الإمام البخاري من إيراد هذا الباب: ذكر نوع آخر من أنواع الوحي و هو: الرؤيا الصالحة المسمى أيضا بالرؤيا بالمبشرات لقول النبي صلى الله عليه و سلم :"لم يبق من النبوة إلا المبشرات الرؤية الصالحة يراها المؤمن في منامه أو ترى له".
و فيه فضل القراءة و فضل العلم، و فضل خديجة رضي الله عنها، و سيأتي بيان فضلها في باب تزويج النبي صلى الله عليه و سلم خديجة و فضلها رضي الله عنها في كتاب مناقب الأنصار إن شاء الله تعالى.
و فيه ذكر شيه من دلائل النبوة، و ذلك في قولها رضي الله عنها:"كلا و الله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم و تكسب الكل و تحمل المعدوم، و تقري الضيف، و تعين على نوائب الحق"، قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله في شرحه على العقيدة الطحاوية في معرض رده على المعتزلة القائلين بأن النبوة لا تثبت إلا بالمعجزات (ص89): "فاستدلت على صدقه و حفظ الله له و وقايته من شر الشيطان بما هو عليه من الفضائل العظيمة".
و فيه ذكر ورقة بن نوفل و هو أول من أسلم، و الصحيح أنه معدود في الصحابة لقوله:" و إن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا".
و فيه الاعتماد على الله و التوكل عليه و الصبر على الأذى، و أن كل من دعا إلى الحق فإنه عودي.
و فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم نبئ ب(اقرأ)، ثم انقطع الوحي لمدة الله أعلم بها.قيل: سنتين فأكثر، وفيه نظر لأنه كثير، و قيل: ستة أشهر، و هذا يحتاج إلى دليل. ثم أرسل ب(المدثر)
قال ابن حجر:" و فتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان، و كان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه و سلم وجده من الروع،ليحصل له التشوف إلى العود، فقد روى المؤلف في كتاب التعبير من طريق معمر ما يدل على ذلك".

تنييه: سيأتي إن شاء الله تعالى ذكر مذهب أهل السنة و الجماعة في دلائل النبوة.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ شرح الشيخ الراجحي.
ـ شرح الشيخ ابن جبرين.
ـ الفصول في سيرة الرسول لابن كثير (ط.غراس)،(ص54) مع تعليقات الشيخ عبد المحسن القاسم.
ـ شرح العقيدة الطحاوية للشيخ البراك.
ـ زاد المعاد لابن القيم فقد ذكر أنواع الوحي.

سليم سيدهوم 9 رمضان 1435هـ/6-07-2014م 06:23 PM

4ـ باب:
5 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17] قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ.

مقصد هذا الباب: بيان حرص النبي صلى الله عليه و سلم على حفظ المنزل.
و وجه تعلق الحديث بهذا الكتاب بيان صفة الوحي، و هو أن النبي صلى الله عليه و سلم في أول الأمر إذا جاءه الملك و أخذ يكلمه بالوحي صار يتابعه فيلقى من ذلك شدة.

سليم سيدهوم 9 رمضان 1435هـ/6-07-2014م 06:33 PM

5ـ باب:

6 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح وحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ».

الشاهد من هذا الحديث قول ابن عباس رضي الله عنه:"و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل"؛ أي: للوحي.

مراجع الباب الرابع و الباب الخامس: شرح الشيخ الراجحي و شرح الشيخ ابن جبرين.

سليم سيدهوم 11 رمضان 1435هـ/8-07-2014م 10:26 PM

6- باب:
7 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ. ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ [ص: 9] قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الكَلِمَةِ، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ. قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ. فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا القَوْلَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا القَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ، هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ. وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ. ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ: سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ " وَ {يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} قَالَ أَبُو سُفْيَانَ [ص: 10] : فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ. فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ. وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ، صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ، سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ، قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا اليَهُودُ، فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ اليَهُودِ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ، أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ العَرَبِ، فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ. ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي العِلْمِ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاَحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَيُونُسُ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ


هذا الحديث فيه أسئلة هرقل عن النبي صلى الله عليه و سلم مما يدل على كبر عقله و كان يريد أن يسلم لكن منعه الرئاسة فآثر الدنيا على الآخرة.
و أجوبة هذه الأسئلة تعتبر من دلائل نبوته صلى الله عليه و سلم.

ـ سبب تعدد دلائل النبوة:
إذا قال قائل: ما هو سبب تعدد دلائل النبوة؟
الجواب: ذكر شارح الطحاوية العلامة ابن عبد العز الحنفي رحمه الله تعالى وجها فقال: "و مما ينبغي أن يعرف: أنه ما يحصل في القلب بمجموع أمور، قد لا يستقل بعضها به"، قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله في الشرح: " بمجموع دلائل النبوة يقوى التصديق بذلك النبي، فالله تعالى يؤيد الأنبياء بمعجزات يعرف بمجموعها صدق كل واحد منهم، و لو لم يكن إلا معجزة واحدة لتوقف الناس أو بعض الناس في الصدق، لكن إذا تأيددت معجزة بمعجزة أخرى ثم جاءت ثالثة ثم رابعة...و هكذا، فبمجموعها بلا شك يثير في النفس انتباها، و يكون سببا للتصديق و اليقين.".

سليم سيدهوم 12 رمضان 1435هـ/9-07-2014م 02:05 PM

و ذكر الإمام البيهقي وجها آخر، و هو أن الله تعالى لما جمع له بين بعثه إلى الجنس و الإنس عامة و ختمه النبوة به ظهر له من الحجج حتى إن شذت واحدة عن فريق بلغته أخرى، و إن لم تنجع واحدة نجعته أخرى، و إن درست على الأيام واحدة بقيت أخرى.

سليم سيدهوم 12 رمضان 1435هـ/9-07-2014م 02:49 PM

و اعلموا أيها الإخوة و الأخوات أن أهل السنة و الجماعة لا يعتقدون أن دلائل النبوة لا تنحصر في المعجزات بخلاف المتكلمين، و هذا الكتاب ـ بدء الوحي ـ يتضمن الرد عليهم لما في من ذكر هذه الأدلة، و قد كان المسلمون في زمن النبي صلى الله عليه و سلم يعتبرون التشريع كله دلالة على صدقه لما فيه من الأسرار العجيبة و الحكم البليغة.
و قد قسمها الشيخ عمر الأشقر إلى خمسة أقسام:
ـ الأول: الآيات و المعجزات التي يجريها الله تصديق لرسله.
ـ و الثاني: بشارة الأنبياء السابقين بالأنبياء اللاحقين.
ـ و الثالث: النظر في أحوال الأنبياء.
ـ و الرابع: النظر في دعوة الرسل.
ـ و الخامس: نصر الله و تأييده لهم.

سليم سيدهوم 12 رمضان 1435هـ/9-07-2014م 04:25 PM

المراجع:
ـ الرسل و الرسالات للدكتور عمر الأشقر (ص119ـ120).
ـ الصحيح المسند من دلائل النبوة للشيخ مقبل (ص9ـ10)

سليم سيدهوم 16 ذو الحجة 1435هـ/10-10-2014م 11:51 PM

قال الإمام البخاري رحمه الله: "كتاب الإيمان"
مقصد الإمام البخاري رحمه الله تعالى في هذا الكتاب: البحث عن مسمى الإيمان و بيان حقيقته و مذهب السلف فيه.
سؤال: ما الفرق بينه و بين كتاب الإيمان من صحيح مسلم؟
الجواب: أن الإمام مسلم أراد أن يبين المعنى العام و هو جماع أصول الدين تحت هذا المسمى، و لذلك نجد أن الإمام مسلم لم يترجم بكتاب التوحيد في صحيحه، و إنما ذكر الأدلة المتعلقة بتوحيد الله تعالى في كتاب الإيمان

قال رحمه الله: "بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ".
بدأ الإمام البخاري رحمه الله تعالى بالإسلام مع أن الكتاب في الإيمان لتطابق مسمى الإسلام مع مسمى الإيمان.
سؤال: هل البخاري رحمه الله تعالى يساوي بينهما و لم يرفق؟
الجواب: قال بذلك بعض أهل العلم، لكن الشيخ يوسف الغفيص حفظه الله يرى أنه لا يساوي بينهما.

قال رحمه الله:"وَهُوَ قَوْلٌ وَ فِعْلٌ، وَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ "
الإيمان في اللغة: الإقرار.
و أما في الشرع فهو كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى: قول و عمل.
حكى الشافعي و أبو ثور رحمهما الله تعالى إجماع الصحابة و التابعين على أن الإيمان قول و عمل.
و جاء في رواية من صحيح البخاري : "قول و عمل" فحاول بعض أهل العلم أن يبين الفرق بينهما، و كله تكلف لأن الإمام البخاري لا يفرق بينهما.
و المراد بالقول هنا: قول القلب و اللسان.
و المراد بالعمل عمل القلب و اللسان و الجوارح.
فقول القلب: الاعتقاد.
و قول اللسان: النطق بالشهادتين.
و عمل القلب مثل الخوف و الرجاء و التوكل و نحو ذلك.
و عمل اللسان مثل الذكر و قراءة القرآن.
و عمل الجوارح مثل السجود و الركوع.

و هذا أحد عبارات السلف في تعريف الإيمان، و من عباراتهم في تعريفه:
ـ أن الإيمان قول و عمل و نية، و هؤلاء زادوا النية لما كان بعض الناس قد لا يفهم دخولها في التعريف.
ـ أنه قول و عمل و نية و سنة و ذلك أن مطلق القول و العمل و النية لا يكون مقبولا إلا إذا وافق السنة.
ـ أنه اعتقاد بالقلب و قول باللسان و عمل بالجوارح، و ذلك أن بعض الناس قد لا يفهم من القول و العمل إلا القول الظاهر و العمل الظاهر.

سؤال: هل هذه العبارات اختلاف معنوي أو لفظي أو تنوع؟
الجواب: أنها من باب اختلاف لفظي،لأن اختلاف تنوع معناه أنه يوجد في إحدى هذه العبارات معنى غير موجود في الأخرى.
و خالفت أهل السنة و الجماعة طائفتان: الوعيدية، و المرجئة.
و أول من خالف إجماع السلف في مسمى الإيمان هو حماد بن أبي سليمان في الكوفة، و هو من تلاميذ إبراهيم النخعي ، و كان هو ـ أي: إبراهيم ـ و أمثاله و من قبله من أصحاب ابن مسعود كعلقمة و الأسود من أشد الناس مخالفة للمرجئة.
و حماد و من اتبعه كأبي حنيفة و غيره هو الذين يسمون بمرجئة الفقهاء، و قد اشتد إنكار السلف على هؤلاء، لأن بدعتهم ذريعة إلى ما هو أخطر كقول الجهمية و الأشاعرة، و الكرامية. و هم على قسمين:
الأول: متقدموهم كحماد مؤسس هذا المذهب، و هؤلاء جعلوا الإيمان واحدا باعتبار الأصل، و أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، و لا يرون الكفر بترك العمل الظاهر، و لا يرون جواز الاستثاء في الإيمان لكن لا يقولون: الإيمان لا يزيد و لا ينقص و المؤمنون يتساوون في درجة الإيمان.
و الثاني: الذين شرحوا مذهب حماد باعتبار مذهبا لأبي حنيفة، و هم قرروا أن المؤمنين يتساوون في درجة الإيمان لأهم أخذوا هذه المادة عن المذهب الأخرى.

سؤال: هل أهل الكوفة متفقون على ما قاله حماد؟
الجواب: لا، بل غالب علماء الكوفة على مذهب السلف في الإيمان، و لهذا نجد أن أبا عبيد القاسم بن سلام رحمه الله أطال لما نقل أقوالهم الموافقة لأهل السنة في الإيمان.
سؤال: فهل حماد من أهل السنة و الجماعة أو من أهل البدع؟
الجواب: قوله بدعة باتفاق أهل السنة و الجماعة، لكن ليس من أهل البدع، بل من أهل السنة
و ذكر شيخ الإسلام أن أصل نزاع الفرق الضالة في مسألة الإيمان أنهم جعلوه واحدا و أنه إذا زال بعضه زال جميعه، و إذا ثبت بعضه ثبت جميعه
ثم قالت الوعيدية: الطاعات كلها إيمان فإذا ذهب بهض الإيمان ذهب سائره فحكموا على مرتكب الكبيرة بأنه ليس معه شيء من الإيمان
و قالت المرجئة و الجهمية: إن الإيمان لا يتبعض، إما مجرد تصديق القلب، كقول الجهمية، أو تصديق القلب و اللسان كقول المرجئة
سؤال: ما هي آخر الفرق التي أحدث في مسألة الإيمان؟
الجواب: هم الكرامية الذين يقولون: إن الإيمان قول باللسان فقط، و لذلك لم يذكرهم بعض الأئمة لعدم وجودهم في زمنهم
و يرد على أصلهم الفاسد الحديث الذي رواه المؤلف في هذا الكتاب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
"أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان".
فدل على أن الإيمان يبقى بعضه و لو زال بعضه.

قال رحمه الله:" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]"
و المراد بالهدى في هذه الآيات: الطاعات.

قال رحمه الله:" وَقَوْلُهُ: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] وَقَوْلُهُ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] وَالحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: "إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ، وَشَرَائِعَ، وَحُدُودًا، وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ".
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}."
و وجه الدلالة من قوله تعالى:{وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبي} أنه عليه السلام طلب الزيادة في الإيمان كما يدل عليه سياق الآية: {أ و لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي} فأراد أن ينتقل من درجة علم اليقين إلى درجة عين اليقين الذي هو أعلى و أكمل.
و زيادة الإيمان بالذكر من وجهين:
أحدهما: أن يجدد من الإيمان و التصديق في القلب ما درس منه بسبب الغفلة.
و الثاني: أن الذكر نفسه من خصال الإيمان، فيزداد الإيمان بكثرته.


قال رحمه الله: "وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: "اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً".
وَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ" وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "لاَ يَبْلُغُ العَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ".
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "{شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} سَبِيلًا وَسُنَّةً"
[/color]
و ساق أثر ابن مسعود رضي الله عنه الذي فيه أن اليقين هو الإيمان كله، و ذلك أنه سبب لقوة التصديق و عدم السك و الريب.
و قد تعلق بهذا الأثر من قال بأن الإيمان هو التصديق و لا حجة لهم فيه و ذلك أنه رضي الله عنه لم يرد أن ينفي دخول الأعمال في الإيمان، و إنما أراد أن يبين أن اليقين هو أصل الإيمان، و أنه سبب لانبعاث الجوارح كلها للاستعداد للقاء الله تعالى بالأعمال الصالحة.
و ذكر أثر ابن عمر لأن التقوى من خصال الإيمان.
و معنى قول ابن عباس: أن المنهاج هو السنة و الشرعة: الطريق الموصل إليها.
و الإمام البخاري رحمه الله تعالى ساق عدة أدلة على أن الإيمان يزيد و ينقص، و نستفيد من ذلك أن عقيدة أهل السنة و الجماعة واحدة من زمن النبي صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا بخلاف ما يعتقده المبتدعة.


المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ الإيمان الاوسط لابن تيمية .
ـ شرح الشيخ يوسف بن محمد الغفيص لكتاب الإيمان للقاسم بن سلام .
ـ الإيمان الكبير لابن تيمية.
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف الغفيص.
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ علي بن عبد العزيز الشبل.

سليم سيدهوم 21 ذو الحجة 1435هـ/15-10-2014م 10:31 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله:" باب دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] وَمَعْنَى الدُّعَاءِ فِي اللُّغَةِ الإِيمَان."

مقصود المؤلف من إيراد هذا الباب: بيان أنه يصح إطلاق أن الإيمان عمل، و ذلك أن الدعاء عمل و فقد فسر الدعاء هنا بالإيمان كما فسره ابن عباس - رضي الله عنه-.
و الراجح عدم وقوع كلمة (باب) كما في بعض روايات الصحيح.
و أصل الدعاء في اللغة: الطلب، و يكون تارة بسؤال الله تعالى، و تارة بالأبسباب التي تقتضي حصول المطالب، و هو الاشتغال بطاعة الله تعالى، و ما يحب من عبده أن يفعله، و هذا هو حقيقة الإيمان، و قد قرأ النبي صلى الله عليه و سلم قوله تعالى:{و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} بعد أن أخبر أن الدعاء هو العبادة
و في قول الله تعالى { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ } تفسيران:
أحدهما: أن المراد لو لا دعاؤكم إياه، فيكون المراد بالدعاء هنا الطاعة
و الثاني: لو لا دعاؤه إياكم إلى طاعته.


و قال البخاري رحمه الله: "حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ"
وجه الدلالة من هذا الحديث أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
و شبه النبي صلى الله عليه و سلم الإسلام بالنينان و ذكر أن له خمسة أركان، و أما بقية خصال الإسلام فكبقية البنيان، إذا فقد شيئ من خصال الإسلام الواجبة نقص البنيان و لم تسقط بفقده، أما هذه الخمس فإذا زالت كلها سقط البنيان.
و كذلك إذا زالت الشهادتان.
و أما بقية الأركان فقد اختلف العلماء: هل يزول الاسم بزوال كلها أو واحدة منها؟ أو يفرق بين الصلاة و غيرها فنقول: يزول الاسم بترك الصلاة؟ أو يزول بزوال الصلاة و الزكاة خاصة؟
و كل هذه الأقوال مروية عن الإمام أحمد.
و يرى كثير من علماء الحديث أن تارك الصلاة كافر و حكى إسحاق بن راهويه إجماعا منهم حتى جعل من قول من قال: لا يكفر من ترك هذه الأركان الأربعة مع الإقرار بها من أقوال المرجئة
فقال إسحاق رحمه الله:" كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى ذهب وقتها كافر"
لكن الصحيح عدم الإجماع المتحقق في هذه المسألة، و لذلك فإن من روى عن إسحاق هذا رواه على وجهين:
الأول: كما تقدم.
و الثاني: بزيادة:" إذا أبى من قضائها و قال: لا أصليها"، و ذلك أنه يمتنع أن يكون قتل على الفسق ـ أي: إذا علم أن عقوبته القتل و امتنع عن قضائها.
و قال أيوب: "ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه".
و أما قول عبد الله بن شقيق: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة"، فهذا محفوظ عنه لكنه يدل على أن هذا هو ظاهر مذهب الصحابة لا على الإجماع المتحقق الذي لا تجوز مخالفته، و لو قلنا بأن الإجماع متحقق للزم القول بأن عدد من الأئمة وقعوا في محذور حيث خالفوا إجماعا لا تجوز مخالفته.
و يبقى أن يقال بأن الراجح هو أن تارك الصلاة كافر، و المراد الترك المكفر للصلاة هنا هو تركها بالكلية.
و أما ترك الزكاة فالراجح أنه يكفر إذا قتل عليه.
و أما من ترك الجح و صوم رمضان فلا يكفر.
و أما بقية خصال الإسلام و الإيمان فلا يخرج العبد بتركها من الإسلام عند أهل السنة و الجماعة.
و قد ضرب الله و رسوله مثل الإيمان و الإسلام بالنخلة، فقال تعالى:{ضرب الله مثلا طيبا كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء}، و جعل النبي صلى الله عليه و سلم مثل المؤمن كمثل النخلة، و معلوم أن الشجرة إذا نقص منه شيء بقي اسمها و لكنها شجرة ناقصة، و إذا سقط أصلها لم يبق منه شيء، فكذلك الإيمان و الإسلام
يبقى الكلام عن سبب ذكر هذه الأركان دون غيرها من الواجبات، فقال شيخ الإسلام: " و التحقيق أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر الدين الذي هو استسلام العبد لربه مصلقا، الذي يجب لله عبادة محضة على الأعيان، فيجب على كل من كان قادرا عليه أن يعبد الله بها مخلصا له الدين، و هذه هي الخمس و ما سوى ذلك فإنما يجب بأسباب لمصالح، فلا يعم وجوبها جميع الناس"، ثم بين أن غيره إما أن يكون فرضا على الكفاية، أو يجب بسبب حق للآدميين.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ الإيمان الكبير لابن تيمية (ص 245-246).
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف بن محمد الغفيص.
ـ شرح كتاب الإسمان لأبي عبيد القاسم ابن سلام للشيخ يوسف بن محمد الغفيص.

سليم سيدهوم 24 ذو الحجة 1435هـ/18-10-2014م 10:04 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، وبعد:
فقد قرأت كلاما لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في "الدرر السنية" (69/2) و له علاقة بأصل الخلاف في مسألة الإيمان، فأحببت أن أضيفه هنا، فقال رحمه الله: "و سر المسألة أن الإيمان يتجزأ"، و قال أيضا: "بسبب الغفلة عن التجزي غلط أبو حنيفة و أصحابه في زعمهم أن الإعمال ليست من الإيمان".
و مما أحب أن أضيفه أيضا كلام للشيخ عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف في أثناء تعليقه على "الإيمان الأوسط" فقد ذكر حفظه الله أن الإمام البخاري بدأ بالرد على المرجئة ـ أي: في كتاب الإيمان ـ ، ثم ختم صحيحه بكتاب التوحيد فرد على الجهمية، و هذا أحد الطرق الذين صنفوا في الرد على الفرق، يعني: أنهم يبدءون بالأخف ثم ينتقلون إلى شر الفرق.

سليم سيدهوم 10 صفر 1436هـ/2-12-2014م 03:12 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى:" بَابُ أُمُورِ الإِيمَانِ"
المراد بأمور الإيمان: خصاله و شعبه المتعددة.
فمقصد هذا الباب: ذكر بعض خصال الإيمان، و أن الإيمان لها شعب، فليس شيئا واحدا.

قال رحمه الله: "وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا، وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ} [البقرة: 177]"

وجه الاستلال من الآية يظهر مع حديث أبي ذر رضي الله عنه لما سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن الإيمان، فتلا هذه الآية و قد حصرت التقوى على أصحاب هذه الصفات، و المراد المتقون من الشرك و الأعمال السيئة، فمن اتصف بها فهو المؤمن الكام، و هذه الأعمال مع انضمامها إلى التصديق فهي داخلة في مسمى البر، كما أنها داخلة في مسمى الإيمان.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:" و قد فسر البر بالإيمان ،وفسر بالتقوى، و فسر بالعمل الذي يتقرب به إلى الله، و الجميع حق".
و جواب النبي صلى الله عليه و سلم عن سؤال أبي ذر رضي الله عنه يدل على أن هذه الخصال هي خصال الإيمان المطلق، فإذا أطلق الإيمان دخلت فيه كل هذه الخصال.
و البخاري لم يذكر هذا الحديث لأنه ليس على شرطه.

و قال رحمه الله: "وَقَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] الآيَة
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ"

و قال أيضا ـ صلى الله عليه و سلم: الإيمان بضع و سبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله، و أدناها إماطة الأذى عن الطريق، و الحياء شعبة من الإيمان" و هو حديث جامع يدل على أن الإيمان اعتقاد، و قول، و علم، و أنه يزيد و ينقص.
و قد جاءت الروايات المختلفة في لفظ الحديث، وقد ذكرها الخافظ ابن رجب، و الأظهر، أن هذا الاختلاف من الرواة كما جاء التصريح في بعضه بأنه شك من سهيل بن أبي صالح.
و زعم بعض الناس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يذكر هذا العدد بحسب ما ينزل من خصال الإيمان، و في ذلك نظر.
و قد جاءت الإشارة في بعض روايات صحيح مسلم إلى أن من هذه الخصال ما هو اعتقاد بالقلب، و منها ما هو قول باللسان، و منها ما هو عمل بالجوارح.
كما أنه جاءت الإشارة إلى أن هذه الخصال على ثلاثة أقسام: منها ما هو ركن يزول الإيمان بزواله، و منها ما هو واجب ينقص الإيمان بزوال بعضها، و منها ما هو مستحب.
و هل ذكر هذا العدد للحصر أو للمبالغة؟
الجواب: ذكر الحافظ ابن رجب أربعة أوجه في سبب ذكر هذا العدد:
الأول: أن عدد خصال الإيمان عند قول النبي صلى الله عليه و سلم كان منحصرا في هذا العدد، و لكن فيه نظر.
و الثاني: أن تكون كل خصال الإيمان تنحصر في بضع و سبعين نوعا، و إن كانت أفراد كل نوع تعدد تعددا ، كثيرا و هذا أشبه و إن كان الوقوف عليه يتعذر.
و الثالث أن ذكر السبعين على وجه التكثير للعدد، و فيه نظر أيضا.
و الرابع: أنها أشرف خصال الإيمان و أعلاها.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب
ـ فتح الباري ابن حجر
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف بن محمد الغفيص
ـ الإيمان لشيخ الإسلام ط,المكتب الإسلامي(ص 143)

سليم سيدهوم 12 صفر 1436هـ/4-12-2014م 01:50 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام البخاري رحمه الله: "بابٌ: المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ:
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ."


مقصد الإمام البخاري في هذا الباب: أن النبي صلى الله عليه و سلم بين كمال الإسلام، و الإسلام الذي يراد به التحقيق يدخل فيه الإيمان.
قالمراد بالمسلم في هذا الحديث هو المسلم الكامل الإسلام، و ذلك أن الألف و اللام في هنا للكمال، فمن لم يسلم المسلمون من لسانه و يده انتفى عنه كمال الإسلام الواجب.
فإن قيل: يلزم منه أن من اتصف بهذه الصفة وحدها يكون كامل الإسلام.
قيل: المراد هنا مع مراعاة باقي الأركان.
سؤال: ما هو سبب ذكر هذه الصفة دون غيرها؟
الجواب: ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله أن الظاهر و الله أعلم أن السائل كان مسلم، و قد أتى بأركان الإسلام الخمس، و إنما كان يجهل هذا القدر الواجب، و لهذا أخبره النبي صلى الله عليه و سلم أن المسلم هو من اتصف بهذه الصفة، و أذى اليد الفعل، و أذى اللسان القول.
و في قوله صلى الله عليه و سلم : "و المهاجر من هجر ما نهى الله عنه دليل على أن أصل الهجرة هو هجران الشر، و يدخل فيه هجران بلد الشرك رغبة في دار الإسلام، و إلا فمجرد الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام مع الإصرار على المعاصي فليس بهجرة تامة كاملة.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف بن محمد الغفيص.

سليم سيدهوم 12 صفر 1436هـ/4-12-2014م 02:06 AM

قال الإمام البخاري رحمه الله:" بَابٌ: أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ".


مقصد الإمام البخاري رحمه الله تعالى في هذا الباب: أن خصال الإسلام تتفاضل، فلما كانت كذلك دخل فيها ما يسمى إيمانا، لأنها ليست أصلا واحدا.

سليم سيدهوم 12 صفر 1436هـ/4-12-2014م 11:54 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام البخاري رحمه الله: "بَابٌ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلاَمِ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ"


مقصد المصنف في هذا الباب: تتبع شعب الإيمان من الكتاب و السنة، و أنها تتفضل مما يدل على أنه ليس شيئا واحدا، فهو رحمه الله استدل بحديث شعب الإيمان على أنه يزيد و ينقص، ثم شرع في تتبع هذه الشعب فبدأ بباب من سلم مسلمون من لسانه و يده، و أتبعه بباب أي الإسلام أفضل، ثم أورد هذا الباب.
المراد بالإسلام هنا الإسلام التام الكامل، و ليس المقصود أن من اتصف بهاتين الصفتين خير ممن لم يتصف بهما مطلقا، و لا أنها أفضل من الأركان الخمس، و هذه الدرجة في الإسلام فضل، و ليست واجبة، فدل على أن من شعب الإيمان ما هو مستحب و أن منها ما هو عمل اللسان و الجوارح.
و قوله صلى الله عليه و سلم :"و تقرأ السلام على من عرفت و من لم تعرف" هذا أفضل أنواع إفشاء السلام لكن يخرج منه من لا تجوز بداءته بالسلام كأهل الكتاب.
فائدة: ذكر الكرماني أن الإطعام يستلزم السلامة من اليد و اللسان.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري للكرماني.

سليم سيدهوم 13 صفر 1436هـ/5-12-2014م 12:22 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام البخاري رحمه الله:" بَابٌ: مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ:
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"


لما نفى النبي صلى الله عليه و سلم الإيمان عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه دل على أن ذلك من خصال الإيمان الواجب، فإن الإيمان لا ينفى إلا بانتفاء بعض واجباته.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ثم إن نفي الإيمان عند عدمها ـ أي: أعمال البرـ دل على أنها واجبة، و إن ذكر فضل إيمان صاحبها و لم ينف إيمانه، دل على أنها مستحبة، فإن الله و رسوله لا ينفيان اسم مسمى أمر أمر الله به و رسوله إلا إذا ترك بعض واجباته"
فمناسبة الباب لكتاب الإيمان أن المصنف أراد أن يبين أن من لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه لم يأت بالإيمان الكامل الواجب، فدل على أن حب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه من شعب الإيمان، و أنه يتفاوت.
فائدة: سياق هذا الباب يختلف عن سياق الباب الذي قبله، فقدم لفظ الإيمان بخلاف أخواته، فما سبب ذلك؟
قال بعض الشراح: أنه إما للحصر بمعنى أن هذه الخصلة لا تقع إلا عن الإيمان، و أما إطعام الطعام فيقع عن الإيمان و عن خلافه، و لهذا كان العرب في الجاهلية يطعمون الطعام، و إلا للاهتمام بذكره، و هو توجيه حسن لكن يرد عليه أن الباب الذي بعده أليق بالاهتمام و الحصر معا، و مع ذلك قال: باب حب الرسول من الإيمان فالذي يظهر و الله أعلم أنه أراد التنويع في العبارة، و يمكن أنه اهتم بذكر حب الرسول فقدمه و الله أعلم


المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ الإيمان الكبير لشيخ الإسلام ط.المكتب الإسلامي (ص 15).
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف الغفيص.
ـ الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري.

سليم سيدهوم 15 صفر 1436هـ/7-12-2014م 12:21 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله: "بَابٌ: حُبُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الإِيمَانِ:
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ".
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح وحَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"


مقصد الإمام البخاري رحمه الله: لم يزل المصنف رحمه الله في سرد بعض شعب الإيمان، و بيان أنه يتبعض، فأورد هذا الباب، و محبة النبي صلى الله عليه و سلم أحق الحقوق بعد حق الله.
المراد بالرسول هنا نبينا محمد صلى الله عليه و سلم بدليل قوله صلى الله عليه و سلم في حديث الباب: "حتى أكون أحب إليه"، و إن كان محبة جميع الرسل من الإيمان لكن الأحبية مخبصة به صلى الله عليه و سلم.
و محبة الرسول من أصول الإيمان، و هي مقارنة بمحبة الله تعالى، قال الله تعالى: {قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و أزواجكم و أولادكم و عشيركم و أموال اقترتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى يأي الله بأمره}.
و يجب تقديم محبة الرسول صلى الله عليه و سلم على الولد، و الوالد، و الناس أجمعين، و الأموال و المساكن، حتى على النفس، و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم لعمر رضي الله عنه لما قال له:"أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، قال:" لا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك" قال:" و الله، أنت الآن أبحب إلي من نفسي. قال: "الآن يا عمر".
و المحبة تتم بالطاعة كما قال الله تعالى:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.
و تنقسم محبة الرسول باعتبار الدرجة التي بلغتها إلى قسمين:
ـ الأول: أن يقدم العبد طاعة الرسول على ما يدعو إلى غيرها من الأشياء المجبوبة، و هذا درجة المقتصدين، فمن بلغها فقد أتى بالإيمان التام الواجب عليه
ـ و الثاني: تقديم المندوبات على دراعي النفس، و هذا دليل على كمال الإيمان، و هي درجة المقربين المحبوبين
و في هذا دليل على أن الناس متفاوتون في محبته صلى الله عليه و سلم.
و يدخل في تقديم محبته صلى الله عليه و سلم نصرة سنته، و الذب عن شريعته و قمع مخالفيها، و الأمر عن المعروف و النهي عن المنكر.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف بن محمد الغفيص.

سليم سيدهوم 15 صفر 1436هـ/7-12-2014م 01:29 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله: "بابُ حَلاَوَةِ الإِيمَانِ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ".


مقصد الإمام البخاري رحمه الله في هذا الباب:أن للإيمان تحقيق و هذا يدل على تفاضله، و أن في تحقيق هذه الخصال تفاضل.
و هذه الخصال من أعلى خصال الإيمان فمن كملها فقد وجد حلاوة الإيمان.
و هذه الحلاوة لا يجدها من لا يسلم من أمراض القلوب كما أن من لم يسلم من أمراض الأبدان لم يجد حلاوة الطعام و الشراب.
و هذه الخصال التي ذكرها النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ هي:
ـ محبة الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و سلم، و أن يكون الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و سلم أحب إلى العبد مما سواهما.
و محبة الله تعالى على درجتين:
الدرجة الأولى: المحبة المقتضية لفعل ما أمره، و ترك ما نهى عنه، و الصبر على مقدراته المؤلمة، و هذه المحبة واجبة.
و الدرجة الثانية: المحبة المقتضية لفعل المندوبات، و ترك المكروهات، و الرضا بالأقضية المؤلمة، و هذا مستحب.
و أما محبة الرسول صلى الله عليه و سلم فتنشأ عن معرفته و معرفة كماله و أوصافه و عظم ما جاء به، و ينشأ ذلك من معرفة مرسله و عظمه، و قد تقدم الكلام على هذه الخصلة في الباب السابق.
ـ أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، و هذا من أصول الإيمان.
قال ابن رجب رحمه الله: "و إنما كانت هذه الخصلة تالية لما قبلها، لأن من كان الله و رسوله أحب إليه مما سواهما فقد صار حبه كله لله، و يلزم من ذلك أن يكون بغضه لله، و موالاته له، و معاداته له، و لا يبقى له من نفسه و هواه."
ثم بين أن ذلك يستلزم حب ما يحبه الله و بغض ما يبغضه، و المعاملة بمقتضى هذا الحب و البغض.
ـ أن يكره الرجوع إلى الكفر كما يكره الرجوع إلى النار، و للحافظ ابن رجب كلام جيد عن هذه الخصلة فراجعه.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف بن محمد الغفيص.

سليم سيدهوم 16 صفر 1436هـ/8-12-2014م 12:39 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام البخاري رحمه الله: "بَابٌ: عَلاَمَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ:
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ"


مقصد الإمام البخاري في هذا الباب: أن من الإيمان ما هو من أعمال القلوب، و أنا نحب الأنصار لله تعالى، فهو و إن دخلوا في عموم قوله صلى الله عليه و سلم:" و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله" إلا أنهم أحب إلينا ممن هو دونهم، فالتنصيص بالتخصيص دليل العناية.
هذا المعنى يرجع إلى ما تقدم فنحب الأنصار لله تعالى، و هم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و هذا من الإيمان و كذلك حب المهاجرين.
و قال الحافظ ابن رجب في معنى قوله صلى الله عليه و سلم: "و آية النفاق بغض الأنصار": "و بغضهم محرم فهو من النفاق لأنه مما لا يتظاهر به غالبا، و من تظاهر به فقد تظاهر بنفاقه فهو شر ممن كتمه و أخفاه".
و سيأتي الكلام عن الأنصار و فضائلهم و حكم من يبغضهم في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ فتح الباري لابن حجر.

سليم سيدهوم 17 صفر 1436هـ/9-12-2014م 12:19 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام البخاري رحمه الله: "باب
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: "بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ [ص:13]، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ" فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ."


مقصد الإمام البخاري من هذا الباب: أنه لما ذكر الأنصار في الحديث السابق أشار هنا إلى سبب تلقيبهم بهذا اللقب
و مناسبة الحديث لكتاب الإيمان: أن اجتناب النواهي من الإيمان كامتثال الأوامر، و أنه يتضمن الرد على من قال: إن مرتكب الكبيرة كافر أو مخلد في النار،
لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ"
و الحديث يشتمل على مسائل كثيرة فراجع فتح الباري لابن رجب رحمه الله.

سليم سيدهوم 17 صفر 1436هـ/9-12-2014م 01:07 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام البخاري رحمه الله: "بَابٌ: مِنَ الدِّينِ الفِرَارُ مِنَ الفِتَنِ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ".


مقصد الإمام البخاري رحمه الله من هذا الباب: قال ابن رجب رحمه الله: "بوب البخاري على أن الفرار من الفتن من الدين، و ليس في الحديث إلا الإشعار بفضل من يفر بدينه من الفتن، لكن لما جعل الغنم خير مال المسلم في هذا الحال، دل على أن هذا الفعل من خصال الإسلام، و الإسلام هو الدين.
و لفظ (الدين) أطلق هنا فيراد به ما يراد بلفظ (الإيمان) و (الإسلام) و (البر) و (التقوى) إذا أطلق.
و قال ابن بطال رحمه الله عمن اعتزل عن ظهور الفتن لأجل الدين: "و هذا كله من كمال الدين".
و هذا الحديث سيأتي في كتاب الفتن إن شاء الله، و هو أليق المواضع به كما قال الحافظ ابن حجر فسأحاول أن أبين المسائل التي يشتمل عليها هناك إن شاء الله.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ شرح صحيح البخاري لابن بطال.


تنبيه: أخر هذا الباب في فتح الباري لابن رجب فجعل بعد باب الحياء من الإيمان، و لا أدري هل هذا من صنيع ابن رجب أو لا؟ فلعل الشيخ عبد العزيز الداخل سيبين لنا سبب ذلك.

سليم سيدهوم 18 صفر 1436هـ/10-12-2014م 08:30 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله:
" بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ". وَأَنَّ المَعْرِفَةَ فِعْلُ القَلْبِلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]".

مقصود الإمام البخاري من هذا الباب: أن المعرفة بالقلب التي هي أصل الإيمان فعل للعبد بدليل قول الله تعالى:{و لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}.
و المعرفة النافعة التي يمدح من اتصف بها هي التي تتضمن العلم و العمل، و إلا فمجرد الإدراك ليسا مدحا فقد وصف الله تعالى اليهود بالمعرفة كما في قوله تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}، و لم يمدحهم كما يدل عليه لحاق الآية، بل ذمهم.
و هذه الآية التي ساقها المؤلف تدل على أن الإيمان لا يتم بالقول وحده، بل لا بد من انضمام عمل القلب إليه، و فيه رد على الكرامية القائلين بأن الإيمان هو القول فقط كما أن حديث الباب رد عليهم أيضا.

و قال رحمه الله:
"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: "إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا".

وجه دخول هذا الحديث في كتاب الإيمان أن التقوى فعل القلب، و قول النبي صلى الله عليه و سلم: "إن أتقاكم و أعلمكم بالله أنا" دليل على شدة اجتهاده في خصال التقوى، و هذا عمل
و أنه يدل على تفاوت الناس في تقوى الله و معرفته.
فائدة: ذكر الحافظ ابن حجر بعض أقوال المتكلمين في ما هو أول الواجب على العبد على سبيل الاختصار ثم قال: "و قد نقل القدوة أبو محمد بن أبي حمزة عن أبي وليد الباجي عن أبي جعفر السمناني ـ و هو من كبار الأشاعرة ـ أنه سمعه يقول: إن هذه المسألة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب.
فائدة أخرى: قال الكرماني: "أتقاكم" إشارة إلى القوة العملية، و "أعلمكم" إشارة إلى القوة العلمية".
و المراد بالقوة العملية: العمل، و بالقوة العلمية: الاعتقاد.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري.

سليم سيدهوم 19 صفر 1436هـ/11-12-2014م 05:45 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام البخاري رحمه الله: "بَابٌ: مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الإِيمَانِ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ ".


تقدم هذا الحديث في باب حلاوة الإيمان إلا أن فيه زيادة: "بعد إذ أنقذه الله"، و هذا لا يلزم منه أن يكون قد دخل فيها، فإن كل من دخل في الإيمان فقد أنقذه الله من الكفر و لو لم يكن كافرا قبل ذلك.
و تختلف ألفاظ هذا الحديث عن الحديث المروي في باب حلاوة الإيمان كما أنه يختلف رواته، و هذا هو فائدة تكراره، ثم إن الإمام البخاري أورد هذه الباب ليبين أن كراهة العود إلى الكفر من الإيمان بينما أورد باب حلاوة الإيمان ليبين أن للإيمان حلاوة.
تنبيه: لم يشرح ابن بطال هذا الباب فلعل السبب هو أنه شرح الحديث قبل ذلك و الله أعلم

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري.

سليم سيدهوم 20 صفر 1436هـ/12-12-2014م 12:31 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله: "بَابٌ: تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ".

مقصود الإمام البخاري من هذا الباب: أن المؤمنين ليسوا على حد سوى في الأعمال سواء كانت أعمال القلوب أم أعمال الجوارج، فدل ذلك على أنهم ليسوا على حد سواء في الإيمان.

و قال رحمه الله:
"حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ"، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الحَيَا، أَوِ الحَيَاةِ - شَكَّ مَالِكٌ - فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً" قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو: الحَيَاةِ، وَقَالَ: "خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ".

و في حديث أبي سعيد رضي الله عنه رد على من زعم أن إيمان المذنبين كإيمان جبريل، و أنه لا تفاضل في الإيمان.
و فيه أيضا رد على الوعيدية الذين لا يرون خروج العصاة من الموحدين من النار، و على من لا يجزم بأن بعض المسلمين يدخلون النار ثم يخرجون منها.
و فيه أن الإيمان يزيد و ينقص.

و قال رحمه الله:
"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ".

هذا الحديث يدل على أن الدين يتفاضل
فائدة: قال ابن رجب رحمه الله: "و إنما فسر القمص في المنام بالدين، لأن الدين و الإسلام و التقوى كل ذلك توصف بأنها لباس، قال الله تعالى: {و لباس التقوى ذلك خير}.
فائدة أخرى: حديث أبي سعيد يتعلق بالشفاعة لأهل الكبائر من هذه الأمة، و من أحسن ما صنف في هذا الباب ـ أي: الشفاعة ـ : "الشفاعة" للعلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله، و لقد يسر الله لي اشتراء هذا الكتاب و الحمد لله.
المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ شرح صحيح البخاري لابن بطال.

سليم سيدهوم 21 صفر 1436هـ/13-12-2014م 01:00 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله: "بَابٌ: الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعْهُ فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ".


عناصر الباب:
ـ مقصد البخاري من الترجمة.
ـ نوعا الحياء.
ـ فائدة إعادة ذكر هذه الشعبة مع أنه تقدم ذكرها في باب أمور الإيمان.


مقصود الإمام البخاري من هذه الترجمة: ذكر شعبة من شعب الإيمان و هو الحياء.
و الحياء نوعان:
ـ غريزي، و هو خلق يمنحه الله تعالى للعبد، و هو من أعلى مواهبه له، فهذا من الإيمان باعتبار أنه يؤثر ما يؤثره
الإيمان من فعل الجميل، و الكف عن القبيح، و ربما ارتقى صاحبه بعده إلى درجة الإيمان
ـ أن يكون مكتسبا، إما من مقام الإيمان، كحياء العبد من مقامه بين يدي الله يوم القيامة، أو من مقام الإحسان كحياء العبد من اطلاع الله عليه و قربه منه، و هذا من أعلى خصال الإيمان.
سؤال: ما فائدة إعادة ذكر هذه الشعبة مع أنها ذكرت في باب أمور الإيمان؟
الجواب: قال ابن حجر رحمه الله: "أنه ذكر هناك بالتبعية و هنا بالقصد مع مغايرة الطريق"، و للكرماني كلام يشبه كلام ابن حجر.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ الكراكب الدراري شرح صحيح البخاري.

سليم سيدهوم 21 صفر 1436هـ/13-12-2014م 05:59 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله: "بابٌ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ المُسْنَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ".


عناصر الباب:
ـ مقصود الإمام البخاري من إيراد هذا الباب.
ـ حكم تارك الصلاة.
ـ حكم تارك الزكاة.
ـ الجواب على من استبعد صحة هذا الحديث.


مقصود الإمام البخاري من إيراد هذا الباب: الرد على المرجئة حيث زعموا أن الإيمان لا يحتاج إلى العمل.
و مناسبة الحديث للآية أنه جعل تفسيرا لها لأن المراد بالآية الرجوع عن الكفر إلى التوحيد، و أن التخلية في الآية و العصمة في الحديث بمعنى واحد.
سؤال: ما حكم تارك الصلاة؟
الجواب: من جحد بحكمها فهو كافر بالإجماع، و أما من تركها كسلا تهاونا فالراجح أنه يكفر إذا تركها بالكلية.
سؤال: ما حكم تارك الزكاة؟
الجواب: أنه يكفر إذا قوتل عليها، لأن من امتنع عن أدائها و قد وعده الإمام بالقتل فلا بد أن يكون كافرا، فلا يتصور صدور مثل هذا الفعل عن مؤمن.
هذا و قد استبعد قوم صحة هذا الحديث، و قالوا بأنه لو كان عند ابن عمر لما ترك أباه ينازع أبا بكر في حكم مانعي الزكاة، و لو كانوا يعرفونه لما كان أبو بكر يقر عمر على الاستدلال بقول النبي صلى الله عليه و سلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهد أن لا إله إلا الله" ،و ينتقل من الاستدلال من هذا النص إلى القياس إذ قال: "لأقتلن من فرق بين الصلاة و الزكاة"، لأنها قرينتها في كتاب الله.
و يقال لهم: أنه لا يلزم من كون الحديث مذكور عند ابن عمر أن يكون استحضره في تلك الحالة، و لو كان مستحضرا له فقد يحتمل أنه لا يكون حضر المناظرة المذكورة، و لا يمتمع أن يكون ذكر لهما بعد، و لم يستدل أبو بكر بالقياس فقط، بل أخذه أيضا بقول النبي صلى الله عليه و سلم: "إلا بحق الإسلام"، و الزكاة من حق الإسلام.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ شرح كتاب الإيمان للقاسم ابن سلام للشيخ يوسف بن محمد الغفيص.

سليم سيدهوم 23 ربيع الأول 1436هـ/13-01-2015م 03:08 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام البخاري رحمه الله: "بَابُ مَنْ قَالَ إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ العَمَلُلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 93] عَنْ قَوْلِ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ} [الصافات: 61].
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ".

مقصود الإمام اليخاري بهذا الباب: أن الإيمان كله عمل.
و قد سبق أن تصديق القلب عمل أيضا، و على هذا فالإيمان كله عمل مناقضة لقول من قال: إن الإيمان ليس فيه عمل بالكلية

و أما مطابقة الآيات و الحديث لما ترجم له فبالاستدلال بالجموع على المجموع كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، لأن كل واحد منها دال مفرده على بعض الدعوى، فقول الله تعالى: {عما كنتم تعملون} عام في الأعمال، و قد نقل جماعة من المفسرين أن معناه: عما كنتم تؤمنون فيكون خاصا، و قوله تعالى: {عما كانوا يعملون} خاص بقول اللسان على ما نقله المؤلف، و قوله تعالى: {ليعمل العاملون} عام أيضا، و أما الحديث فيدل على أن الاعتقاد و النطق من جملة الأعمال.

سليم سيدهوم 25 ربيع الأول 1436هـ/15-01-2015م 11:52 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام البخاري رحمه الله: "بَابُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلاَمُ عَلَى الحَقِيقَةِ، وَكَانَ عَلَى الِاسْتِسْلاَمِ أَوِ الخَوْفِ مِنَ القَتْلِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] فَإِذَا كَانَ عَلَى الحَقِيقَةِ، فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}".

مقصود الإمام البخاري بهذه الترجمة: أن الإسلام يطلق بمعنيين:
أحدهما: الإسلام الحقيقي، و هو المراد بقول الله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}.
و الثاني: الاستسلام ظاهرا مع عدم إسلام الباطن إذا وقع خوفا كإسلام المنافقين،
و استدل بقول الله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم} ، و حمله على الاستسلام خوفا و تقية، و ذلك أنه لا يفرق بين الإسلام و الإيمان.
و قد استدل بهذه الآية من يفرق بين الإيمان و الإسلام، و قالوا: نفي الإيمان عنهم لا يلزم منه نفي الإسلام كما ،أن نفي الإيمان عن الزاني و السارق لا يلزم منه نفي الإسلام، و هو الراجح.

و قال رحمه الله: "حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا» فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا". ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا سَعْدُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ» وَرَوَاهُ يُونُسُ، وَصَالِحٌ، وَمَعْمَرٌ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ".
مناسبة الحديث للترجمة: أن هذا الرجل كان منافقا، و أن الرسول نفى عنه الإيمان و أثبت له الاستسلام الظاهر، و هذا على رأي من لا يفرق بين الإسلام و الإيمان، لكن يرد على ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه و سلم في آخر الحديث: "يا سعد إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ".
فائدة: قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "و هذا الذي ذكره البخاري في هذا الباب من الآية و الحديث إنما يطابق التبويب على اعتقاده أنه لا فرق بين الإسلام و الإيمان.
و أما على قول الأكثرين بالتفريق بينهما فإنه ينبغي أن يذكر قول الله عز و جل : {و له أسلم من في السموات و الأرض طوعا و كرها}"، و قال أيضا رحمه الله:" و الحديث الذي يطابق هذا الباب ـ على اختيار المفرقين بين الإسلام و الإيمان ـ قول النبي صلى الله عليه و سلم في ذكر قرينه من الجن: "و لكن الله أعانني عليه فأسلم".
تنبيه: الذي يظهر من هذا الباب أن البخاري رحمه الله يساوي بين الإسلام و الإيمان، لكن هل يساوي بينهما في سائر الموارد؟ و على القول بأنه لا يساوي بينهما فبماذا نجيب على قول ابن رجب رحمه الله و في شرحه على هذه الترجمة؟
سأسأل شيخنا عن هذا في المجلس القادم إن شاء الله تعالى.

المرجع:
ـ فتح الباري لابن رجب.

سليم سيدهوم 13 شوال 1436هـ/29-07-2015م 07:35 PM

[COLOR="Black"]قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ:
"بَابٌ: إِفْشَاءُ السَّلاَمِ مِنَ الإِسْلاَمِ
[وقَالَ عَمَّارٌ: "ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ"/COLOR]

28 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ"
مقصود الإمام البخاري من إيراد هذا الباب: تعديد شعب الإيمان، و لهذا خص هذه الشعبة بباب مستقل مع أن الحديث تقدم في باب: إطعام الطعام من الإسلام.
فائدة: البخاري لا يعيد الحديث الواحد في موضعين إلا و فيه فائدة متنية أو إسنادية، و أما إيراد الحديث الواحد في موضعين على صورة واحدة فقليل جدا في صحيحه و لا يزيد على عشرين موضعا.


المراجع:
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ شرح صحيح البخاري للشيخ عبد المحسن العباد.

سليم سيدهوم 14 شوال 1436هـ/30-07-2015م 07:50 PM

قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ:
"بَابُ كُفْرَانِ العَشِيرِ، وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ
فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
29 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ» قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: " يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ "

وجه إيراد هذا الباب في كتاب الإيمان: بيان أن الطاعات تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا، لكن لا يلزم من ذلك الخروج من الملة.
و إذا كان كفران العشير ينقص الإيمان دل ذلك على أن الإيمان يزيد بشكره.
مسألة: هل يجوز لنا أن نسمي بعض المعاصي كفرا و لو لم يسمها الشارع بذلك؟
الجواب: يقتصر على ما رود به النص فما سماه الشارع كفرا يجوز لنا أن نسميه كفرا و ما لم يسمه كفرا لا نسميه بذلك

المراجع:
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ شرح صحيح البخاري لابن بطال.

سليم سيدهوم 15 شوال 1436هـ/31-07-2015م 06:52 PM

قال الإمام البخاري رحمه الله:
"بَابٌ: المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلَّا بِالشِّرْكِ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]
30 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ"
بَابُ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] فَسَمَّاهُمُ المُؤْمِنِينَ
31 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، وَيُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ".

غرض الإمام البخاري من إيراد هذين البابين: بيان أن صاحب المعصية لا يخرج من الملة و الرد على من يكفر مرتكب الكبيرة و يقول بأنه يخلد في النار.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ شرح صحيح البخاري لابن بطال
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف بن محمد الغفيص.

سليم سيدهوم 16 شوال 1436هـ/1-08-2015م 03:43 PM

قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ:
" بَابٌ: ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ
32 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ح قَالَ: وحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ العَسْكَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا} [الأنعام: 82] إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]"
مقصود الإمام البخاري من إيراد هذا الباب: أن الظلم يقع في القرآن و يراد به الكفر بالله و يقع و يراد به دون ذلك.

المراجع:
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف بن محمد الغفيص.

سليم سيدهوم 17 شوال 1436هـ/2-08-2015م 02:35 PM

قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ:
"بَابُ عَلاَمَةِ المُنَافِقِ
33 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ".
34 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ " تَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ.
"
مقصود الإمام البخاري من إيراد هذا الباب: أن المعاصي نتقص الإيمان، و لا يلزم منه زواله، و أن تمام الإيمان بالعمل، و هذا يدل عليه البابان المتقدمان أيضا.
و هذه الأبواب الثلاثة تدل على أن الكفر، و الظلم، و النفاق مراتب متفاوتة.
مسألة: هل يصح أن يسمى سائر الكبائر كفرا أو نفاقا؟
الجواب: لا، بل نقف على ما سماه النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ كفرا أو نفاقا، و الشريعة في تسميتها هذه الأفعال اعتبرت القدر و الصفة.
أما القدر فإنها من الكبائر.
و أما الصفة فثمت مناسبة بين هذه الأمور و بين النفاق، فإن هذه الخصال تشبهه، لأن النفاق في اللغة أن يظهر المرء خلاف ما يبطن، و هذا المعنى موجود في الكذب و خلف الوعد و الخيانة و الغدر.
مسألة: فإن قال قائل: كيف تقولون بأن مرتكب هذه الكبائر لا يزول إيمانه و النبي صلى الله عليه و سلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا"؟
الجواب: أن معنى هذا الحديث: خالصا في هذه الخلال المذكورة في هذا الحديث فقط لا في غيرها، فمن كانت هذه الخصال شأنه قويت العلامة و الدلالة، و لا يلزم منه الخروج عن الملة، لأن الله تعالى قال:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

المراجع:
ـ فتح الباري لابن حجر.
ـ فتح الباري لابن رجب.
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف بن محمد الغفيص.

سليم سيدهوم 18 شوال 1436هـ/3-08-2015م 04:53 PM

قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ:
"بَابٌ: قِيَامُ لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ
35 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
بَابٌ: الجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ
36 - حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي، أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ".
بَابٌ: تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ
37 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"
بَابٌ: صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ
38 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

مقصود الإمام البخاري من إيراد هذه الأبواب في كتاب الإيمان:ذكر شعب أخرى من شعب الإيمان، و أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
فائدة: قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ: "تطوع قيام رمضان"، و لو اكتفى يذكر "قيام رمضان" لأتى بالمقصود لكنه أراد أن يبين أن الأعمال الصالحة جميعها داخلة في مسمى الإيمان.

المراجع:
ـ شرح صحيح البخاري لابن بطال.
ـ شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري للشيخ يوسف بن محمد الغفيص.


الساعة الآن 09:17 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir