![]() |
الدرس الرابع - الأسبوع الثاني
[ قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من إياك وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر وهي قراءة شاذة مردودة ؛ لأن إيا ضوء الشمس . وقرأ بعضهم : أياك بفتح الهمزة وتشديد الياء ، وقرأ بعضهم : هياك بالهاء بدل الهمزة ، كما قال الشاعر : فهياك والأمر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره و نستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم وقيس ] . العبادة في اللغة من الذلة ، يقال : طريق معبد ، وبعير معبد ، أي : مذلل ، وفي الشرع : عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف . وقدم المفعول وهو إياك ، وكرر ؛ للاهتمام والحصر ، أي : لا نعبد إلا إياك ، ولا نتوكل إلا عليك ، وهذا هو كمال الطاعة . والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين ، وهذا كما قال بعض السلف : الفاتحة سر القرآن ، وسرها هذه الكلمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] فالأول تبرؤ من الشرك ، والثاني تبرؤ من الحول والقوة ، والتفويض [ ص: 135 ] إلى الله عز وجل . وهذا المعنى في غير آية من القرآن ، كما قال تعالى : ( فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون ) [ هود : 123 ] قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) [ الملك : 29 ] رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ] ، وكذلك هذه الآية الكريمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين . وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب ، وهو مناسبة ، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى ؛ فلهذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى ، وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ؛ ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك ، وهو قادر عليه ، كما جاء في الصحيحين ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب . وفي صحيح مسلم ، من حديث العلاء بن عبد الرحمن ، مولى الحرقة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، إذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) [ الفاتحة : 3 ] قال : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] قال الله : مجدني عبدي ، وإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [ الفاتحة : 6 ، 7 ] قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . وقال الضحاك ، عن ابن عباس : إياك نعبد يعني : إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك وإياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها . وقال قتادة : إياك نعبد وإياك نستعين يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم . وإنما قدم : ( إياك نعبد على وإياك نستعين لأن العبادة له هي المقصودة ، والاستعانة وسيلة إليها ، والاهتمام والحزم هو أن يقدم ما هو الأهم فالأهم ، والله أعلم . |
الدرس الخامس الأسبوع الثاني
قال السعدي: "قال - تعالى -: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾؛ أي: دُلَّنا وأرشدنا، ووفِّقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط، واهدنا في الصراط؛ فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملاً؛ فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد؛ ولهذا وجب على الإنسان أن يدعوَ الله به في كل ركعة من صلاته؛ لضرورته إلى ذلك"؛[2] اهـ. وقال ابن القيم: "﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6] يتضمَّن بيان أن العبد لا سبيلَ له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم، وأنه لا سبيل له إلى الاستقامة إلا بهداية ربه له، كما لا سبيل له إلى عبادته بمعونته، فلا سبيل له إلى الاستقامة على الصراط إلا بهدايته. وقوله: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6] يتضمَّن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحرافٌ إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد، والانحراف إلى الطرف الآخر انحرافٌ إلى الغضب الذي سببُه فساد القصد والعمل"[3]. وقال ابن العثيمين - رحمه الله -: قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾: ﴿ الصِّرَاطَ ﴾ فيه قراءتان: بالسين: {السراط}، وبالصاد الخالصة: ﴿ الصِّرَاطَ ﴾؛ والمراد بـ﴿ الصِّرَاطَ ﴾ الطريق؛والمراد بـ "الهداية" هداية الإرشاد، وهداية التوفيق؛ فأنت بقولك: {اهدنا الصراط المستقيم} تسأل الله تعالى علماً نافعاً، وعملاً صالحاً؛ و﴿ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ أي الذي لا اعوجاج فيه.. قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾: ﴿ الصِّرَاطَ ﴾ فيه قراءتان: بالسين: {السراط}، وبالصاد الخالصة: ﴿ الصِّرَاطَ ﴾؛ والمراد بـ﴿ الصِّرَاطَ ﴾ الطريق؛ والمراد بـ "الهداية" هداية الإرشاد، وهداية التوفيق؛ فأنت بقولك: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ تسأل الله تعالى علماً نافعاً، وعملاً صالحاً؛ و﴿ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ أي الذي لا اعوجاج فيه.. [4]. وقال ابن باز - رحمه الله - [5]: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾، والمستقيم الذي ليس فيه عوج، قال الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ ﴾ [الشورى: 52، 53]؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بعثه الله ليهديَ إلى صراط مستقيم، وهكذا الرسل جميعًا، كلهم بعثوا ليهدوا إلى الصراط المستقيم يعني: يدعون الناس إلى الصراط المستقيم وهو توحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه والوقوف عند حدوده، هذا صراط الله المستقيم[6]. |
فائدة من الدرس السادس ،الأسبوع الثاني
عند قول سفيان الثوري رحمه الله : يكتب للرجل من صلاته ما عقل منها . وهذه مسألة مهمة ينبغي التنبه لها وهي أن المسلم اذا احسن القصد في طلبه من الله الهداية على وجه الرجاء واستحضر الخشوع عند قراءة الفاتحة التي جعلها الله بينه وبين عبده ، انعكس ذلك على قلبه وبالتالي على جوارحه خشوعا واستحضارا فيكتب له من صلاته النصف بل يكتب من الفالحين الذين هم في صلاتهم خاشعون ، وهذا يبين أهمية الفاتحة وأنه ينبني عليها الفلاح والفوز بحسب قصد قاريها واستحضاره وخشوعه ، وربما لا يناله من صلاته شيء لانشغال قلبه عن القراءة وعدم تعقله لما يتلوه فيها أو يتلى عليه فيها . وفائدة اخرى من الدرس السابع وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه » ، هذه الحديث يبين سعة رحمة الله على عباده وذلك بكلمة واحدة لا تتجاوز الست أحرف ان قالها مستجيبا متبعا مستحضرا لامر الله ساعيا الى الموافقة مع امامه بقولها ، يترتب عليه ان يغفر الله له ما تقدم من ذنبه ، سبحان الله ! ، كلمة لا تأخذ من الوقت ثانية يترتب عليها غفران جميع الذنوب المتقدمة - عدا الكبائر والحقوق - وهنا يتضح سبب حسد اليهود لنا لانهم يعلمون اهمية ذلك فهم يعلمون ويحرفون وكما وصفوا هم قوم بهت يبهتون الحق ولا ينساقون اليه ولا يستجيبون ، لذلك جعلوا من المغضوب عليهم ، نسأل الله السلامة . |
الدرس السابع الأسبوع الثاني
لا خلاف بين العلماء القائلين بمشروعية التأمين للمأموم، أنه لا يجهر به، إذا أسرّ الإمام بالقراءة. أي: في الصلاة السرِّية، كالظهر، والعصر. واختلفوا في صفة تأمينه إذا جهر الإمام. أي: في الصلاة الجهرية: كالفجر، والمغرب، والعشاء، والجمعة، والعيدين وغيرها1. اختلفوا في ذلك على قولين: القول الأول: إن المأموم يجهر بالتأمين، إذا جهر الإمام بالقراءة. وإلى هذا القول ذهب: القائلون بمشروعية التأمين له. ومنهم: أصحاب المذاهب الثلاثة: (مالك في رواية المدنيين 2، والشافعي في القديم وهو الأصح |
المقدمة الأولى - الأسبوع الثاني
المقدمة الأولى: بيان فضائل سورة الفاتحة
الفاتحة فُرِضَ على كلِّ من دخل الإسلام تعلمها بلفظها ؛ لأنه لا تصح عبادة الصلاة دونها ؛لأجل ذلك كانت عظيمة القدر وقراءتها عظيمة الثواب ، لم يؤت نبي قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثلها . وأدلة فضلها كثيرة منها : . حديث أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له:: لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد». ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: «ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن» قال الحمد لله رب العالمين}«هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته». رواه البخاري. 2. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أم القرآن هي السبع المثاني، والقرآن العظيم» رواه البخاري. 3. وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرٍ له فنزل ونزل رجل إلى جانبه؛ فالتفتَ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا أخبرك بأفضل القرآن» قال: (فتلا عليه {الحمد لله رب العالمين ( ولها من الأحاديث في فضلها لا تصح وقد أغنانا الله عنها بالصحيح ، فالحمد لله حافظ دينه من الدخيل عليه |
المقدمة الثانية - الأسبوع الثاني
المقدمة الثانية :
الفاتحة لها أسماء عدة منها : 1: فاتحة الكتاب، سُميت بذلك لأنّها أوّل ما يُستفتح منه، أي يُبدأ به، وهو أكثر الأسماء وروداً في الأحاديث والآثار الصحيحة. 2 - فاتحة القرآن، باعتبار أنها أوّل ما يقرأ منه لمن أراد قراءة القرآن من أوّله، أو أوّل ما يقرأ من القرآن في الصلاة. -3 الفاتحة، وهو اسم مختصر لما قبله، والتعريف فيه للعهد الذهني، وهو أكثر أسمائها شهرة واستعمالاً عند المسلمين، لاختصاره وظهور دلالته على المراد. - 4. أم القرآن، سميت بذلك لتضمنها أصول معاني القرآن والدين . 5. - أم الكتاب، وفي معناه قولان كالقولين في معنى اسم "أمّ القرآن"، والصواب الجمع بين المعنيين لصحّتهما، وصحّة الدلالة عليهما، وعدم تعارضهما. 6. - {الحمد لله رب العالمين}، وهو من باب تسمية السورة بأول آية فيها. 7. - {الحمد لله}، وهذا الاسم اختصار لما قبله، 8. والحمد، وهو اختصار لما قبله، وقيل لأجل ذكر الحمد فيها، وهو من الأسماء المشتهرة لهذه السورة العظيمة. 9. - السبع المثاني لقول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم} ، 10. - القرآن العظيم ، ودليل هذا الاسم ما تقدّم من أحاديث أبي هريرة وأبيّ بن كعب وأبي سعيد بن المعلّى ومما ذكر من أسماء أخرى للفاتحة : الشافية، والكافية، والوافية، والرقية، والصلاة، والدعاء، والسؤال، والشكر، والكنز، والأساس. |
القدمة الثالثة - الأسبوع الثاني
المقدمة الثالثة: شرح مسائل نزول سورة الفاتحة
المسألة الأولى: الخلاف في مكيّة سورة الفاتحة جاء قول العلماء في مكية الفاتحة أم مدنيتها على ثلاثة أقول : الأول : أنها مكية الثاني: أنها مدنية الثالث : أنها مكية مدنية إلا أن القول الأول هو الصحيح ؛ لاستقامته مع الدليل النقلي والعقلي . المسألة الثانية: خبر نزول سورة الفاتحة حديث ابن عباس رضي الله عنهما :(بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: " هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم"، فنزل منه ملك، فقال: "هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم"؛ فسلَّم وقال: (أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته). رواه مسلم. يبين خبر نزول الفاتحة على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ،ويبين كذلك فضلها وعظم أجرها . المسألة الثالثة: ترتيب نزول سورة الفاتحة لا يصحّ في ترتيب نزول سورة الفاتحة حديث ولا أثر _ مما وقفت عليه_ ، ولا تحديد لتاريخ نزولها. المسألة الرابعة: هل نزلت سورة الفاتحة من كنز تحت العرش ؟ لا يجزم في هذه المسألة بنفي ولا إثبات أن فاتحة الكتاب نزلت من كنز تحت العرش وما ورد في إثبات نزولها حديثان ضعيفان : أحدهما: حديث يُروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:« إن الله عز وجل أعطاني فيما منَّ به علي؛ إني أعطيتك فاتحة الكتاب، وهي من كنوز عرشي، ثم قسمتها بيني وبينك نصفين . والآخر: حديث يُروى علي بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه أنّه سئل عن فاتحة الكتاب، فقال: حدّثنا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ تغيّر لونه، وردّدها ساعةً حين ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: (أنها نزلت من كنزٍ تحت العرش . |
المقدمة الرابعة - الأسبوع الثاني
المقدمة الرابعة: عدد آيات سورة الفاتحة
أجمع القرَّاء والمفسّرون غلى أن الفاتحة آياتها سبعة مستدلين في ذلك بقول الله تعالى : [ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم] وكذلك مع ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من تفسيرها بسورة الفاتحة؛ فيكون العدد منصرفاً إلى آياتها. وقال ابن جرير: لا خلاف بين الجميع من القرَّاء والعلماء في ذلك. وقد اتّفق علماءُ العدد على أنها سبع آيات. ولكن جاء الخلاف في عدّ البسملة آية من سورة الفاتحة على قولين: القول الأول: البسملة آية من الفاتحة. والقول الثاني: لا تعدّ البسملة من آيات سورة الفاتحة، وهؤلاء يعدّون [أنعمت عليهم] رأس آية. والخلاف معتبر بين العلماء تؤيده اختلاف القراءات القرآنية . |
الدرس الثاني - الأسبوع الثاني
الدرس الثاني: تفسير الاستعاذة
تفسير الاستعاذة: الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى ،من بيده العصمة من شرِّ ما يُستعاذ منه. وقد أمرنا الله تعالى بالاستعاذة به مطلقاً من الشيطان الرجيم في غير وضع من القرآن الكريم ،قال تعالى {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ}.، وعند قراءة القرآن خاصة ؛ قال الله نعالى : [فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم * إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون]. ولا سبيل للعصمة من كيد الشيطان إلا بالاستعاذة بالله والإيمان به والتوكّل عليه. ,`وذلك بقراءة السور والآيات والأدعية والأذكار والتعويذات الشرعية التي جعلها الله سبباً مباركاً للعصمة من كيد الشيطان . وينبغي للمؤمن أن يغلق على الشيطان مداخله على الإنسان، وأهمها: الغفلة، والهوى، والغضب، والفرح، والشهوة، والشحّ، والفضول. فهذه المداخل التي يدخل منها الشيطان على كثير من الناس فيستزلّهم؛ فمن أقام دون كلّ مدخل منها حرساً من ذكر الله والاعتصام به والعمل بما أرشد الله إليه في كلّ أمر من هذه الأمور؛ فقد وقي شرّا عظيماً. |
الدرس الثاني - الأسبوع الثاني
الاستعاذة من الشيطان عند قراءة القرآن :
قال الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم * إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكلون } فالشيطان يريد أن يحول بين المرء وبين الانتفاع بالقرآن بما يستطيع من الكيد، فإن استطاع أن يردّه عن تلاوته أصلاً ردّه حتى يقع في هجران القرآن؛ فإن عصاه المسلم فقرأ القرآن اجتهد في صدّه عن الانتفاع بتلاوته بإفساد قصده، أو إشغال ذهنه، أو التلبيس عليه في قراءته أو غير ذلك من أنواع الكيد، إذ لا شيء أنكى على الشيطان ولا أغيظ عليه من أن يتّبع المسلم هدى ربّه جلّ وعلا ويفوز بفضله ورحمته. وَمَن عصمه الله من كيد الشيطان عند تلاوته للقرآن كان أقرب إلى إحسان تلاوته، وتدبّر آياته، والتفكّر في معانيه، وعَقْلِ أمثاله، والاهتداء بهداه، وكان أحرى بالخشية والخشوع، والسكينة والطمأنينة، والتلذّذ بحلاوة القرآن، ووجدان طعم الإيمان، والفوز بنصيب عظيم من فضل الله ورحمته وبركاته. هل الاستعاذة قبل القراءة أو بعدها ؟ قال الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم } جاءت الأقوال بالاستعاذة قبل القراءة أم بعده على قولين : الأول : قبلها وهو : أصحّ الأقوال في تفسير هذه الآية، وهو قول جمهور العلماء من المفسّرين واللغويين، ورجّحه ابن جرير واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. ونُسب إلى الإمام مالك وحمزة الزيات القول بأن الاستعاذة بعد القراءة، ولا يصحّ ذلك عنهم. قال ابن الجزري: ( هو قبل القراءة إجماعاً ولا يصح قولٌ بخلافه، عن أحد ممن يعتبر قوله، وإنما آفة العلم التقليد). ثم إنَّ المعنى الذي شُرعت الاستعاذة له يقتضي أن تكون قبل القراءة؛ لأنها طهارة الفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له، وتهيؤ لتلاوة كلام الله تعالى. صِيَغ الاستعاذة روي في صيغ الاستعاذة عدد من الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين. فمن الأحاديث المرفوعة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وهذه أصحّ ما روي من صيغ الاستعاذة، وبها يقول الشافعي وكثير من الفقهاء والقراء. - اللهم إني أعوذ بك من الشيطان، من همزه ونفخه ونفثه - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه - اللّه أكبر كبيرًا، ثلاثًا، الحمد للّه كثيرًا، ثلاثًا، سبحان اللّه بكرةً وأصيلًا ثلاثًا، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الشّيطان من همزه ونفخه ونفثه . - ومن الآثار المروية عن الصحابة رضي الله عنهم: 1. افتتح عمر الصلاة، ثم كبر، ثم قال: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك , وتعالى جدك، ولا إله غيرك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الحمد لله رب العالمين . 2. عن ابن عمر أنه كان يتعوذ يقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، أو «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. وفي رواية عند عبد الرزاق وابن المنذر كان يقول: « اللهمّ إنّي أعوذ بك من الشّيطان الرّجيم » ومن الآثار المروية عن بعض التابعين: 1. عن ابن عباس أنه كان يقول: «رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم. 2. عن محمد بن سيرين أنه كان يتعوذ قبل قراءة فاتحة الكتاب وبعدها، " أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين، وأعوذ بالله أن يحضرون. 3. ما رواه كهمس بن الحسن عن عبد الله بن مسلم بن يسار، قال: سمعني أبي، وأنا أستعيذ بالسميع العليم، فقال: «ما هذا؟» قال: قل: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم). رواه ابن أبي شيبة. وهذه الأحاديث والآثار تدلّ على أنّ الاختيار في صيغة الاستعاذة واسع، وقد اختلفت اختيارات أئمة الفتوى والقراءات ، لكن ينبغي أن يختار من الصيغ المأثورة، وأن لا يتّخذ صيغة غير مأثورة شعاراً له يكثر منها عند القراءة؛ لأنّ الأصل في القراءة الاتّباع. |
الدرس الثاني - الأسبوع الثاني
تحقيق الاستعاذة:
وتحقيق الاستعاذة يكون بأمرين: أحدهما: التجاء القلب إلى الله تعالى وطلب إعاذته بصدق وإخلاص معتقداً أن النفع والضر بيده وحده جلّ وعلا، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. والآخر: اتّباع هدى الله فيما أمر به ليعيذه، ومن ذلك بذل الأسباب التي أمر الله بها، والانتهاء عما نهى الله عنه. فمن جمع هذين الأمرين كانت مستعيذاً بالله حقاً. حكم الاستعاذة لقراءة القرآن جاءت أقوال العلماء في حكم الاستعاذة لقراءة القرآن على ثلاثة أقوال: القول الأول: هي سنّة في الصلاة وخارجها، وهو قول جمهور العلماء. والقول الثاني: لا يستعيذ في صلاة الفريضة، ويستعيذ في النافلة إن شاء، وفي غير الصلاة، وهذا قول الإمام مالك في المشهور عنه. والقول الثالث: وجوب الاستعاذة لقراءة القرآن، وهذا القول يُنسب إلى عطاء بن أبي رباح وسفيان الثوري، ولم أره مُسنداً عنهما. والراجح هو القول الأول وهو قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى. حكم الجهر بالاستعاذة أما في الصلاة فيسرّ بها على قول الجمهور في استحباب الاستعاذة، قال ابن قدامة: يسرّ الاستعاذة ولا يجهر بها ، لا أعلم فيه خلافا . وهو راجح الأقوال . وأما في القراءة خارج الصلاة؛ فيجهر بها على نحو ما يجهر بقراءته، وهو قول جمهور أهل العلم من القراء والفقهاء. ثم ذكر عن بعض قراء المدينة أنهم كانوا يخفون التعوذ ويجهرون بالقراءة، وذكر عن بعضهم أنهم كانوا يقرؤون من غير استعاذة. خبر نزول الاستعاذة ما روي في نزول الاستعاذة :عن عبد الله بن عباس، قال: أوَّل ما نزل جبريل على محمد، قال: يا محمد، قل: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم. ثم قال: قل بسم الله الرحمن الرحيم. ثم قال :اقرأ باسم ربك الذي خلق . وهو حديث ضعيف الإسناد منكر المتن . معنى "الشيطان " لا يختلف المعنى اللغوي للشيطان عن المعنى الاصطلاحي : وهو لفظ جامع للبعد والمشقّة والالتواء والعُسر. ,وهذه المعاني متحققة في الشيطان ، نعوذ بالله منه . معنى وصف الشيطان بأنه "رجيم" الرجم في اللغة : الرمي بالشرّ وبما يؤذي ويضرّ، ويكون في الأمور الحسية والمعنوية. فمن الأول: الرجم بالحجارة، ورجم الشاطين بالشهب. ومن الثاني: الرجم بالقول السيء من السبّ والشتم والقذف والتخرّص. وفي معنى الرجيم قولان: أحدهما: أنه بمعنى مرجوم، كما يقال: لَعِين بمعنى ملعون، وقتيل بمعنى مقتول. والقول الآخر: أنه بمعنى راجم، أي يرجم الناس بالوساوس والربائث. والقولان صحيحا المعنى متحققان في الشيطان وعلاقته بالإنسان . هل تُجوَّد الاستعاذة كما تُجوَّد تلاوة القرآن؟ على اعتبار أن الاستعاذة ليست من القرآن ، وهو قول جموع العلماء . فمن العلماء من اختار عدم ترتيلها لأنها ليست بقرآن. والمشهور عن القرّاء ترتيلها، وقد تكلّموا في ( أحكام وصل الاستعاذة بالبسملة وبالآية بعدها، وفي الوقف عليها ) - كما هو معروف في كتب القراءات والتجويد- ، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر بآمين ويمدّ بها صوته، وهي ليست بقرآن اتفاقاً. |
الدرس الثالث - الأسبوع الثاني
تفسير البسملة
المراد بالبسملة: المراد بالبسملة هنا قول (بسم الله الرحمن الرحيم ) واشتهر إطلاق اسم البسملة على كلمة (بسم الله الرحمن الرحيم). وأكثر ما تستعمل التسمية لقول (بسم الله). ويقع في كلام بعضهم استعمال اللفظين للمعنيين، والسياق يخصص المراد. هل البسملة آية؟ (بسم الله الرحمن الرحيم) قرآن منزّل بلا خلاف، وكان يُفصل بها بين السور، للأحاديث: - حديث أنس بن مالك رضي الله ... قال: «أنزلت علي آنفا سورة؛ فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر} " - وحديث أمّ سلمة رضي الله عنها أنها سُئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فقالت: ( كان يقطع قراءته آية آية: {بسم الله الرحمن الرحيم} . {الحمد لله رب العالمين} . .. الحديث وقد تواتر النقل عن جماعة من القراء بقراءة البسملة في أوّل كلّ سورة عدا سورة براءة، والبسملة فيها رواية عن عاصم. وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على تجريد المصحف مما سوى القرآن، وكتبوا {بسم الله الرحمن الرحيم} للفصل بين السور، ولم يكتبوا (آمين) لأنها ليست قرآناً، مع أنَّ قول آمين بعد الفاتحة من السنن الثابتة. فكلّ ذلك من الدلائل الدالة على أنّ {بسم الله الرحمن الرحيم} قرآن منزّل، ولا ينبغي الاختلاف في ذلك، وإنما اختلفوا في العدّ، قالَ أبو بكرٍ البيهقيُّ : (لم يختلف أهل العلم في نزول {بسم الله الرحمن الرحيم} قرآنا، وإنما اختلفوا في عدد النزول). هل تُعدُّ البسملة ُآيةً في أوّل كلّ سورة؟ باقي السور فلا خلاف بين أهل العدد في عدم عدِّ البسملة من آيات السور، وإن كانوا يقرؤون بها في أوّل كل سورة غير براءة وقد قرأ بها عاصم في رواية عنه. وأما إثباتها آية في أول كل سورة فلم يذهب إليه أحدٌ من أهل العدد وأهل العدد الذين اعتنوا بعدِّ آيات القرآن الكريم ومعرفة فواصله من قرّاء الأمصار الأوائل الذين تلقوا القراءة ) والمقصود أنّ هؤلاء كلّهم لم يعدّوا البسملة آيةً في أوّل كلّ سورة إلا ما تقدّم في الفاتحة، فعدّها أصحاب العدّ الكوفي والمكي آية من آيات سورة الفاتحة، ولم يعدّها الآخرون. ولذلك اختلف العلماء في البسملة في هذه المواضع في أوائل السور عدا الفاتحة والتوبة هل هي آية أو لا على أقوال: - اختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها آية مستقلة في أول كل سورة وليست من السور، فلا تعد مع آيات السور، وهو رواية عن أحمد، وقول لبعض الحنفية. قال ابن تيمية: (هو أوسط الأقوال وبه تجتمع الأدلة فإن كتابة الصحابة لها في المصاحف دليل على أنها من كتاب الله، وكونهم فصلوها عن السورة التي بعدها دليل على أنها ليست منها). ولا خلاف في أن البسملة بعض آية في سورة النمل في قوله تعالى: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}. وفي اتفاق أهل العدد على عدم عدّها آية في أوّل كلّ سورة غير الفاتحة دليل على أنّ الآخذ بهذا القول آخذٌ بقولٍ صحيحٍ لا شكَّ فيه، مع قيام الاحتمال القويّ على أنّ الأقوال المأثورة عن بعض أهل العلم في عدّها آية من كلّ سورة قد تكون صحيحة عن بعض القراء الأوائل، وأنّها مما قد تختلف فيه الأحرف السبعة. |
الدرس الثالث - الأسبوع الثاني
معنى اسم (الله) جلَّ جلاله
اسم (الله) هو الاسم الجامع للأسماء الحسنى، وهو أخصّ أسماء الله تعالى؛ وأعرف المعارف على الإطلاق. ومعنى اسم (الله) يشتمل على معنيين عظيمين متلازمين: المعنى الأول: هو الإله الجامع لجميع صفات الكمال والجلال والجمال؛ فهذا الاسم يدلّ باللزوم على سائر الأسماء الحسنى؛ فهو الخالق البارئ المصوّر، وهو الملك الغنيّ الرازق، وهو القويّ القدير القاهر.. الخ وهكذا سائر الأسماء الحسنى والصفات العلى. ودلالة هذا الاسم على سائر الأسماء الحسنى بالتضمّن واللزوم دلالة ظاهرة . ويستلزم كمال ربوبيّة الله تعالى، وما يدلّ على ذلك من أسمائه وصفاته. ويستلزم كمال ملكه وتدبيره، وما يدلّ على ذلك من الأسماء والصفات. والمعنى الثاني: هو المألوه أي المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد سواه، كما قال تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض} أي: المعبود في السماوات والمعبود في الأرض. والعبادة لا تسمى عبادة حتى تجتمع فيها ثلاثة أمور: الأمر الأول: المحبة العظيمة . الأمر الثاني: التعظيم والإجلال . الأمر الثالث: الذل والخضوع والانقياد . وهذه الأمور الثلاثة (المحبة والتعظيم والانقياد) هي معاني العبادة ولوازمها التي يجب إخلاصها لله عز وجل، فمن جمع هذه المعاني وأخلصها لله فهو من أهل التوحيد والإخلاص. |
الدرس الثالث - الأسبوع الثاني
معنى اسم الله : (الرحمن)
(الرحمن) ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء، .. وهو اسم مختصّ بالله تعالى، لا يُسمَّى به غيره. معنى اسم الله : (الرحيم) (الرحيم) فعيل بمعنى فاعل، أي: راحم، ووزن فعيل من أوزان المبالغة؛ والمبالغة تكون لمعنى العظمة ومعنى الكثرة. والله تعالى هو الرحيم بالمعنيين؛ فهو عظيم الرحمة، وكثير الرحمة. والرحمة نوعان: رحمة عامة ورحمة خاصة: - فجميع ما في الكون من خير فهو من آثار رحمة الله العامة . - وأما الرحمة الخاصة فهي ما يرحم الله به عباده المؤمنين مما يختصهم به من الهداية للحق واستجابة دعائهم وكشف كروبهم وإعانتهم وإعاذتهم وإغاثتهم ونصرهم على أعدائهم ونحو ذلك كلها من آثار الرحمة الخاصة. الحكمة من اقتران اسمي "الرحمن" و"الرحيم". اختلف العلماء في سبب اقتران هذين الاسمين، وكثرة تكررهما مقترنين، على أقوال أحسنها وأجمعها: قول ابن القيم رحمه الله تعالى: ( (الرحمن) دالٌّ على الصفة القائمة به سبحانه، و(الرحيم) دال على تعلقها بالمرحوم؛ فكان الأول للوصف والثاني للفعل. فالأول دال على أن الرحمة صفته. ، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته. |
الدرس الثالث - الأسبوع الثاني
الجهر والإسرار بالبسملة في الصلاة
مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة من المسائل التي اشتهر فيها الخلاف بين الفقهاء واتّسع، وكثرت فيها الآثار والأقوال، وصًنّفت فيها مصنفات، وأطال كثير من الفقهاء والمفسّرين وشرّاح الأحاديث بحثها. وقد اختلف الفقهاء في الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية على أربعة أقوال: القول الأول: يقرأ بها سراً ولا يجهر بها. ، وهو أرجح الأقوال وهو قول الجمهور والقول الثاني: لا يقرأ بها سراً ولا جهراً . والقول الثالث: يُستحب له أن يجهر بها. والقول الرابع: إن شاء جهر وإن شاء أسرّ. |
الدرس الرابع - الأسبوع الثاني
الدرس الرابع / الأسبوع الثاني
تفسير قول الله تعالى {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين} قال الله تعالى {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين } هذه الآيات الثلاث حمدٌ لله تعالى وثناء عليه وتمجيد له، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين.. ) الحديث. فهذه الآيات الثلاث من القسم الذي جعله الله تعالى له من صلاة العبد لربّه بفاتحة الكتاب. فهو حمدٌ لله تعالى بما حمد به نفسه، وثناء عليه بتكرير ذكر أسمائه وصفاته، وتمجيد له بتكرير الثناء عليه بما صف به نفسه من الصفات الجامعة لمعاني المجد والعظمة. |
الدرس الرابع - الأسبوع الثاني
تفسير قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
معنى {الحمد لله} : الحمد هو ذكر محاسن المحمود عن رضا ومحبة. والتعريف في الحمد له معنيان : المعنى الأول : استغراق الجنس، أي كلّ حمد فالله هو المستحقّ له، فكلّ ما في الكون مما يستحقّ الحمد؛ فإنما الحمد فيه لله تعالى حقيقة لأنه إنما كان منه وبه. والمعنى الثاني : التمام والكمال، أي الحمد التامّ الكامل من كلّ وجه وبكلّ اعتبار لله تعالى وحده. - فهو تعالى محمود على كلّ ما اتّصف به من صفات الكمال والجلال والجمال. - وهو محمود في جميع أمره. - وهو محمود على كلّ ما خلق وقضى وقدّر. فملأ حمدُه تعالى كلَّ شيء؛ {وإن من شيء إلا يُسبّح بحمده}. والله تعالى له الحمد بالمعنيين كليهما. |
الدرس الرابع - الأسبوع الثاني
معنى (الرَّبّ)
(الرَّبُّ) هو الجامع لجميع معاني الربوبية من الخلق والرزق والملك والتدبير والإصلاح والرعاية. والربوبية نوعان : النوع الأول : ربوبية عامة بالخلق والملك والإنعام والتدبير، وهذه عامة لكل المخلوقات. والنوع الثاني : ربوبية خاصة لأوليائه جل وعلا بالتربية الخاصة والهداية والإصلاح والنصرة والتوفيق والتسديد والحفظ. والله تعالى هو الرب بهذه الاعتبارات كلها. معنى (العالمين) العالمون جمع عالَم، وهو اسم جمعٍ لا واحد له من لفظه، يشمل أفراداً كثيرة يجمعها صِنْفٌ واحد. فالإنس عالَم، والجنّ عالَم، وكلّ صنف من الحيوانات عالَم، وكلّ صنف من النباتات عالم، إلى غير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى من عوالم الأفلاك والملائكة والجبال والرياح والسحاب والمياه، وغيرها من العوالم الكثيرة والعجيبة. |
الدرس الرابع - الأسبوع الثاني
معنى {ربّ العالمين}
وربوبيّة الله تعالى للعالمين ربوبيّة عامّة . - فهو تعالى {ربّ العالمين} الذي خلق العوالم كلَّها كبيرها وصغيرها على كثرتها وتنوعها وتعاقب أجيالها. ،وفي هذه العوالم أممٌ لا يحصيها إلا من خلقها. - وهو ربُّ العالمين المالك لكلِّ تلك العوالم فلا يخرج شيء منها عن ملكه. - وهو ربّ العالمين الذي دبَّر أمرها، وسيّر نظامها، وقدّر أقدارها، وساق أرزاقها، وأعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى. - وهو ربّ العالمين الذي له الملك المطلق والتصرّف التامّ، فما يقضيه فيها نافذ لا مردّ له . - وهو ربّ العالمين الذي لا غنى للعالمين عنه، ولا صلاح لشؤونهم إلا به.. - وهو ربّ العالمين الذي دلّت ربوبيّته للعالمين على كثير من أسمائه الحسنى وصفاته العليا. - وهو تعالى {ربّ العالمين} المستحقّ لأن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن لا يجعلوا معه إلهاً آخر، كما أنهم لم يكن لهم ربٌّ سواه، ولهذا قال تعالى {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}؛ فاحتجّ على توحيد العبادة باسم الربوبية. |
الدرس الرابع - الأسبوع الثاني
الحكمة من تكرار ذكر {الرحمن الرحيم} بعد ذكرهما في البسملة:
جواب هذه المسألة يتبيّن بتأمّل سياق الآيات في الموضعين ومقاصد تلك الآيات: فالموضع الأول: البسملة، وغرضها الاستعانة بالله تعالى والتبرّك بذكر اسمه واستصحابه على تلاوة القرآن وتدبّره وتفهّمه والاهتداء به. والموضع الثاني: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم} جاء فيه ذكر هذين الاسمين بعد ذكر حمد الله تعالى وربوبيّته العامّة للعالمين؛ فيكون لذكر الاسمين في هذا الموضع ما يناسب من معاني رحمة الله تعالى وسعتها لجميع العالمين، وأنَّ رحمته وسعت كلّ شيء. وإذا ظهر الفرق بين مقصد ذكر هذين الاسمين في البسملة، وبين ذكرهما بعد الحمد ؛ ظهر للمتأمّل معنى جليل من حكمة ترتيب الآيات على هذا الترتيب البديع المحكَم. |
الدرس الرابع - الأسبوع الثاني
تفسير قول الله تعالى: {مالك يوم الدين (4)}
مقصد هذه الآية تمجيد الله تعالى والتفويض إليه؛ كما صحَّ في الحديث القدسي ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي )المتقدّم ذكره؛ فقد وردت فيه الروايتان في صحيح مسلم: فأمَّا تمجيد العبد لربّه بذكر ملكه ليوم الدين فتدلّ عليه لوازم هذا الوصف العظيم ودلائله الباهرة؛ التي تدلّ على عظمة ملكه تعالى، وكثرة جُنده، وكمال قوّته، وقهره لعباده، وقدرته على بعثهم بعد موتهم.. وأمَّا التفويض إلى الله تعالى فيدّل عليه تلاشي كلّ ملك دون ملك الله تعالى، واضمحلال قدرة كلّ أحد على أن يملك لنفسه أو لأحد غيره شيئاً، فلم يبق إلا التفويض لله تعالى.. فيوم الدين هو يوم التفويض التامّ إلى الله تعالى من الخلق كلّهم برّهم وفاجرهم {وألقوا إلى الله يومئذ السلم }. والمؤمن إذا تلا هذه الآية معتقداً معانيها عالماً بمقاصدها هداه ذلك إلى تمجيد الله تعالى والتفويض إليه؛ فينفعه هذا التمجيد والتفويض يوم يلقى ربَّه في ذلك اليوم العظيم. |
الدرس الرابع - الأسبوع الثاني
القراءات في قوله تعالى {مالك يوم الدين (4)}:
في هذه الآية قراءتان سبعيتان متواترتان: الأولى: {مالك يوم الدين} بإثبات الألف بعد الميم، وهي قراءة عاصم والكسائي. والثانية: {ملك يوم الدين} بحذف الألف، وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو بن العلاء وحمزة وابن عامر. بيان معنى القراءتين: أمَّا المَلِك فهو ذو المُلك، وهو كمال التصرّف والتدبير ونفوذ أمره على من تحت ملكه وسلطانه. وإضافة المَلِك إلى يوم الدين (ملك يوم الدين) تفيد الاختصاص. وأمَّا المالك فهو الذي يملِكُ كلَّ شيء يوم الدين، فيظهر في ذلك اليوم عظمة ما يَـمْلِكه جلَّ وعلا، ويتفرّد بالمِلك التامّ فلا يملِك أحدٌ دونه شيئاً إذ يأتيه الخلق كلّهم فرداً فرداً لا يملكون شيئاً. فالمعنى الأولّ صفة كمال فيه ما يقتضي تمجيد الله تعالى وتعظيمه والتفويض إليه. والمعنى الثاني صفة كمال أيضاً وفيه تمجيد لله تعالى وتعظيم له وتفويض إليه من أوجه أخرى، والجمع بين المعنيين فيه كمال آخر وهو اجتماع المُلك والمِلك في حقّ الله تعالى على أتمّ الوجوه وأحسنها وأكملها.. |
الدرس الرابع - الأسبوع الثاني
المراد بيوم الدين
فالمراد بيوم الدين هنا هو يوم القيامة، من غير خلاف بين المفسّرين، وسمّي يوم الدين لأنه يومٌ يُدان الناس فيه بأعمالهم، أي يجازون ويحاسبون. قال قتادة في قوله تعالى: {مالك يوم الدين} قال: «يوم يدين الله العباد بأعمالهم» . معنى الإضافة في {مالك يوم الدين} الإضافة في مالك يوم الدين لها معنيان: المعنى الأول: إضافة على معنى (في) أي هو المالك في يوم الدين؛ ففي يوم الدين لا يملك أحد دونه شيئاً. والمعنى الثاني: إضافة على معنى اللام، أي هو المالك ليوم الدين. وكلا الإضافتين تقتضيان الحصر، وكلاهما حقّ، والكمال الجمع بينهما . |
الدرس الخامس - الأسبوع الثاني
الدرس الخامس
تفسير قول الله تعالى: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} اشتمل قول الله تعالى: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} على: 1. التبرؤ من كلّ معبود يُعبد من دون الله تعالى؛ ففيها معنى "لا إله إلا الله". 2. والتبرؤ من الاستعانة بغيره جلّ وعلا؛ وذلك مستلزم للإيمان بقدرته تعالى على الإعانة؛ ففيها معنى "لا حول ولا قوّة إلا بالله". - فإخلاص العبادة يستلزم الكفر بكلّ ما يُعبد من دون الله تعالى، وأن يكون القلب سليماً لله تعالى ليس فيه تعلّق بغيره. - وإخلاص الاستعانة يستلزم التوكّل على الله تعالى، وتفويض الأمور إليه، ورجاء عونه وتوفيقه. |
الدرس الخامس - الأسبوع الثاني
● معنى قوله تعالى: {إياك نعبد}.
أي نُخلِص لك العبادة؛ فنطيع أوامرك محبّة وخوفاً ورجاء خاضعين مستكينين لك وحدك لا شريك لك. والعِبادةُ هي: التَّذلُّلُ والخُضوعُ والانقيادُ مع شدَّةِ المحبَّةِ والتعظيمِ. |
الدرس الخامس - الأسبوع الثاني
● بيان معنى العبادة في اللغة والشرع وحدودها وصورها :
- معنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع، ويقال طريقٌ مُعَبَّدٌ إذا كان مذلَّلا بكثرة الوطء)ا.هـ. فهذا تعريف لها باعتبار أصل معناها اللغوي الملازم لها، واعتبار هذا المعنى مهم. والعبادة في الشرع : لها تعريفات متعددة ذكرها أهل العلم، وقد سلكوا مسالك في تعريفها، ومن أحسنها تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة (العبودية)؛ إذ قال رحمه الله تعالى: (العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة)ا.هـ. فالعبادات الشركية والبدعية وإن كان يشملها اسم العبادة لغة وحقيقة من جهة كونها صادرة عن تذلل وخضوع للمعبود، لكنها عبادات باطلة عند الله . ويصحب هذه الذلة في العبادات الشرعية التي أمر الله بها ثلاثة أمور:المحبة، والانقياد، والتعظيم؛ فلا تُسمّى العبادة عبادة إلا بالجمع بين هذه الأمور. والعبادةُ تكونُ بالقلبِ واللسانِ والجوارحِ، وقد أمَرَ اللهُ تعالى بإخلاصِ العبادةِ له وَحْدَه لا شَريكَ له. |
الدرس الخامس - الأسبوع الثاني
● فوائد تقديم المفعول {إيَّاك}
تقديم المفعول {إيَّاك} على الفعل {نعبد} فيه ثلاث فوائد جليلة: إحداها: إفادة الحصر؛ وهوَ إثباتُ الحكمِ للمذكورِ ونفيهُ عما عداهُ؛ فكأنَّهُ يقولُ: نعبدكَ، ولا نعبدُ غَيركَ، أو قول: (لا نعبد إلا إيَّاك)؛ مع اختصار اللفظ وعذوبته. والثانية: تقديم ذكر المعبود جلَّ جلاله. والثالثة: إفادة الحرص على التقرّب؛ فهو أبلغ من (لا نعبد إلا إياك). ومعناه: أي نستعينك وحدك لا شريك لك على إخلاص العبادة لك؛ فإنا لا نقدر على ذلك إلا بأن تعيننا عليه، ونستعينك وحدَك على جميع أمورنا؛ فإنّك إن لم تعنّا لم نقدر على جلبِ النفعِ لأنفسنا ولا دفع الضرّ عنها. وبيان متعلَّق الاستعانة هنا، وحاصل ما قالوه يرجع إلى معنيين: أحدهما: نستعينك على عبادتك؛ لتقدّم ذكرها. والمعنى الآخر: نستعينك على قضاء حوائجنا، وجميع شؤوننا؛ فلا غنى لنا عن عونك وإمدادك. والصواب الجمع بين المعنيين؛ إذ كلاهما حقّ، فالأوَّل طلب الإعانة على أداء حقّ الخالق جلّ وعلا، والآخر طلب الإعانة على ما يحتاجه المخلوق. |
الدرس الخامس - الأسبوع الثاني
● أقسام الاستعانة
الاستعانة على قسمين: القسم الأول: استعانة العبادة، وهي الاستعانة التي يصاحبها معانٍ تعبدية تقوم في قلب المستعين من المحبة والخوف والرجاء والرغب والرهب فهذه عبادة لا يجوز صرفها لغير الله عز وجل، ومن صرفها لغيره فهو مشرك كافر، وهي الاستعانة التي أوجب الله تعالى إخلاصها له جلَّ وعلا. القسم الثاني: استعانة التسبب، وهو بذل السبب رجاء نفعه في تحصيل المطلوب مع اعتقاد أن النفع والضر بيد الله جل وعلا، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فهذه الاستعانة ليست بعبادة لخلوّها من المعاني التعبّدية، وهي كما يستعين الكاتب بالقلم على الكتابة؛ وكما يستعين على معرفة الحق بسؤال أهل العلم. استعانة التسبب حكمها بحسب حكم السبب وحكم الغرض فإذا كان الغرض مشروعاً والسبب مشروعاً كانت الاستعانة مشروعة، وإذا كان الغرض محرماً أو كان السبب محرماً لم تجز تلك الاستعانة، فإن تعلق القلب بالسبب كان ذلك شركاً أصغر من شرك الأسباب. |
الدرس الخامس - الأسبوع الثاني
● الحكمة من تقديم {إياك نعبد} على {إياك نستعين}.
أجاب ابن القيّم رحمه الله تعالى في كتابه "مدارج السالكين" على هذا السؤال؛ فقد أحسن بيان جملة من الحكم والأسرار البديعة التي لا تكاد تجدها في كتب التفسير بمثل تنبيهه وبيانه ... فقال رحمه الله: (تقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل إذ العبادة غاية العباد التي خُلقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها. 2- ولأن {إياك نعبد} متعلق بألوهيته واسمه "الله"، {وإياك نستعين} متعلق بربوبيته واسمه "الرب" فقدم {إياك نعبد} على {إياك نستعين} كما قدم اسم "الله" على "الرب" في أول السورة. 3- ولأن {إياك نعبد} قِسْم "الرب"؛ فكان من الشطر الأول، الذي هو ثناء على الله تعالى، لكونه أولى به، و{إياك نستعين} قِسْم العبد؛ فكان من الشطر الذي له، وهو " {اهدنا الصراط المستقيم} " إلى آخر السورة. 4- ولأن "العبادة" المطلقة تتضمن "الاستعانة" من غير عكس، فكل عابد لله عبودية تامة مستعين به ولا ينعكس، لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته، فكانت العبادة أكمل وأتم، ولهذا كانت قسم الرب. 5- ولأن "الاستعانة" جزء من "العبادة" من غير عكس. 6- ولأن "الاستعانة" طلب منه، و"العبادة" طلب له. 7- ولأن "العبادة" لا تكون إلا من مخلص، و"الاستعانة" تكون من مخلص ومن غير مخلص. 8- ولأن "العبادة" حقّه الذي أوجبه عليك، و"الاستعانة" طلب العون على "العبادة"، وهو بيان صدقته التي تصدق بها عليك، وأداء حقه أهم من التعرض لصدقته. 9- ولأن "العبادة" شكر نعمته عليك، والله يحب أن يُشكر، والإعانة فعله بك وتوفيقه لك، فإذا التزمت عبوديته، ودخلت تحت رقها أعانك عليها، فكان التزامها والدخول تحت رقها سببا لنيل الإعانة، وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم، والعبودية محفوفة بإعانتين: إعانة قبلها على التزامها والقيام بها، وإعانة بعدها على عبودية أخرى، وهكذا أبدا، حتى يقضي العبد نحبه. 10- ولأن {إياك نعبد} له، و{إياك نستعين} به، وما له مقدم على ما به، لأن ما له متعلق بمحبته ورضاه، وما به متعلق بمشيئته، وما تعلق بمحبته أكمل مما تعلق بمجرد مشيئته، فإن الكون كله متعلق بمشيئته، والملائكة والشياطين والمؤمنون والكفار، والطاعات والمعاصي، والمتعلق بمحبته: طاعتهم وإيمانهم، فالكفار أهل مشيئته، والمؤمنون أهل محبته، ولهذا لا يستقر في النار شيء لله أبدا، وكل ما فيها فإنه به تعالى وبمشيئته. فهذه الأسرار يتبين بها حكمة تقديم {إياك نعبد} على {إياك نستعين})ا.هـ. # وذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وجهاً حسناً فقال: (وإتيانه بقوله: {وإياك نستعين} بعد قوله: {إياك نعبد} فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل إلا على من يستحق العبادة؛ لأن غيره ليس بيده الأمر، وهذا المعنى المشار إليه هنا جاء مبيناً واضحاً في آيات أخر كقوله: {فاعبده وتوكل عليه}). |
الدرس السادس - الأسبوع الثاني
تفسير قول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}
مقصد الآية: هذا الدعاء اصطفاه الله تعالى لهذه الأمّة ورضيه لها، وفرضه عليها؛ أعظم الدعاء وأنفعه، وأحبّه إلى الله، وقد وعدها الإجابة عليه؛ فمن أحسن الإتيان بما دلَّ عليه أوّل هذه السورة كان أسعد بإعطاء مسألته، وإجابة دعوته في آخرها. وهو مقصود العبد بعدما تقدّم من الحمد والثناء والتمجيد لله تعالى، والتوسّل إليه بإخلاص العبادة والاستعانة له، وما يتضمّن هذا الإخلاص من البراءة من الشرك وما يقدح في إخلاص العبادة لله تعالى، والبراءة من الحول والقوّة إلا به تعالى. وإذا حصلت الهداية حصل ما يترتب عليها من النصر والرزق والتوفيق وأنواع الفضائل والبركات، وما تطلبه النفس من أحوال السعادة، ومن العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة. |
الدرس السادس - الأسبوع الثاني
بيان مراتب الهداية:
المرتبة الأولى: هداية الدلالة والإرشاد، وهي هداية علمية، ثمرتها: العلم بالحقّ، والبصيرة في الدين. والمرتبة الثانية: هداية التوفيق والإلهام، وهي هداية عملية، ثمرتها: إرادة الحقّ والعمل به. ولا تتحقّق الهداية إلا بالجمع بين المعنيين؛ وهو مقتضى الجمع بين العلم والعمل. ولذلك فإن من لم يعرف الحقّ لا يهتدي إليه، ومن عرفه لكن لم تكن في قلبه إرادة صحيحة له فهو غير مهتدٍ. |
الدرس السادس - الأسبوع الثاني
درجات المهتدين:
الدرجة الأولى: الذين تحقق لهم أصل الهداية، وهم الذين هداهم الله لأصل الإسلام اعتقاداً وقولاً وعملاً. الدرجة الثانية: المتقّون، وهم الذين هداهم الله لفعل الواجبات وترك المحرمات؛ فنجوا بذلك من العذاب، وفازوا بكريم الثواب. الدرجة الثالثة: المحسنون، وهم أكمل الناس هداية، وأحسنهم عملاً، وهم الذين هداهم الله لأن يعبدوه كأنّهم يرونه، فاجتهدوا في إحسان أداء الواجبات، والكفّ عن المحرّمات، وأحسنوا التقرّب إلى الله تعالى بالنوافل حتى أحبّهم. وأصحاب كلّ درجة يتفاضلون فيها تفاضلاً كبيراً لا يحصيه إلا من خلقهم. |
الدرس السادس - الأسبوع الثاني
الحكمة من سؤال المسلم الهداية:
1. أن الهداية قائمة على العلم والعمل، وهما يتفاضلان؛ فيحتاج المؤمن إلى البصيرة في الدين، وإلى الإعانة على الطاعة، والعصمة من الضلالة في كلّ أمرٍ من أموره. 2. أنّ الهداية الإجمالية لا تغني عن الهداية التفصيلية. 3. أن القلب يتقلّب، وحاجة المرء إلى سؤال الله تعالى التثبيت والهداية دائمة متجددة. 4. أن الفتن التي تعترض المؤمن في يومه وليلته كثيرة متنوّعة ومن لم يهده الله ضلّ بها. 5. أنّ لكل عبد حاجات خاصّة للهداية، بما يناسب حاله، فهو محتاج إلى أن يمدّه الله بتلك الهدايات، وإن لم يهده الله لم يهتد. |
الدرس السادس - الأسبوع الثاني
الحكمة من الإضافة في قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم}:
أجاب ابن القيّم رحمه الله على هذا السؤال جواباً حسناً، وتلخيصه أن فيه ثلاث فوائد: إحداها: التنبيه على علّة كونهم من المُنعم عليهم، وهي الهداية؛ فبهداية الله لهم كانوا من المنعم عليهم. والثانية: قطع التعلّق بالأشخاص ونفي التقليد المجرّد عن القلب؛ واستشعار العلم بأنّ اتّباع من أمرنا باتّباعهم إنما هو امتثال لأمر الله. والثالثة: أن الآية عامّة في جميع طبقات المنعَم عليهم؛ وأنه تعالى هو الذي هدى إلى جميع تفاصيل الطريق التي سلكها كلّ من أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فكان ذكرهم بالوصف الجامع أوجز وأبلغ وأعمّ فائدة. |
الدرس السادس - الأسبوع الثاني
فائدة إسناد الإنعام في قوله: {أنعمتَ} إلى ضمير الخطاب:
أولها: توحيد الربّ جلّ وعلا، والتصريح بذكر إنعامه وحدَه، وأنّه لولا إنعامه لم يهتدِ أحد إلى الصراط المستقيم، فكان ذكر الضمير أدلَّ على التوحيد من قول (المنعَم عليهم). والثاني: أنَّ ذلك أبلغ في التوسّل والثناء على الله تعالى؛ فإنّ ذلك يقتضي أنَّ كل مهتدٍ إلى الصراط المستقيم فإنّما اهتدى بما أنعم الله عليه. والثالث: أن هذا اللفظ أنسب للمناجاة والدعاء والتقرب إلى الله تعالى والتضرّع إليه. والرابع: أنَّ مقتضى شكر النعمة التصريح بذكر المنعِم ونسبة النعمة إليه. |
الدرس السادس - الأسبوع الثاني
الحكمة من تخصيص اليهود بوصف الغضب عليهم، والنصارى بوصف الضلال:
أحدها: أن الله تعالى وَسَم كلَّ طائفة بما تُعرفُ به، حتى صارت كلّ صفة كالعلامة التي تعرف بها تلك الطائفة، وهذا حاصل جواب ابن جرير. الثاني: أنَّ أفاعيل اليهود من الاعتداء والتعنّت وقتل الأنبياء وغيرها أوجبت لهم غضباً خاصّا، والنصارى ضلوا من أوّل كفرهم دون أن يقع منهم ما وقع من اليهود، . الثالث: أنّ اليهود أخص بالغضب لأنهم أمة عناد، والنصارى أخص بالضلال لأنهم أمة جهل، وهذا جواب ابن القيّم وتبعه تلميذه ابنُ كثير رحمهما الله. الرابع: التنبيه على سببي سلبِ نعمة الهداية: - فمن ترك العمل بالعلم استحقّ سلب نعمة الهداية؛ لمقابلته نعمة الله تعالى بما يُغضب الله إذ لم يتّبع الهدى بعد معرفته به؛ كما فعلت اليهود. - ومن أعرض عن العلم الذي جاء من عند الله ضلَّ عن الصراط المستقيم، وابتدع في دين الله ما لم يأذن به الله؛ كما فعلت النصارى. واستحضار هذا المعنى مما يقوّي في نفس المؤمن الحرص على اتّباع هدى الله واجتناب ما يعرّض العبد للحرمان من نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم. |
الدرس السادس - الأسبوع الثاني
الحكمة من تقديم المغضوب عليهم على الضالين
أحدها: أن ذلك لمراعاة فواصل الآيات، وهذا الجواب وإن كان صحيحاً في نفسه إلا أنّه لا يستقلّ بالجواب إذ لا بدّ من حكمة أخرى غير مجرّد مراعاة الفواصل، وقد ذكره ابن عاشور وجهاً. الثاني: لأنَّ اليهود متقدمون في الزمان على النصارى، ذكره ابن القيّم وجهاً. والثالث: أن اليهود أغلظ كفراً من النصارى؛ فبدأ بهم، ، وهذا الجواب ذكره ابن القيّم رحمه الله، وهو جواب شيخنا ابن عثيمين رحمه الله، قال: (قدم المغضوب عليهم على الضالين؛ لأنهم أشد مخالفة للحق من الضالين؛ فإن المخالف عن علم يصعب رجوعه بخلاف المخالف عن جهل)ا.هـ. والرابع: أن تقديم المغضوب عليهم على الضالين فيه فائدة بلاغية وهي تحقيق المقابلتين: المقابلة الخاصة والمقابلة العامة: - فالخاصة بين العمل وتركه. - والعامة بين العلم وعدمه. وتوضيح ذلك أنَّ الهداية لا تتحقّق إلا بعلم وعمل، والعلم متقدّم على العمل فكانت دائرته مع ما يقابله أعمّ، والعمل بالعلم دائرته مع ما يقابله أخصّ؛ فتحقيق المقابلة الخاصة مقدّم على تحقيق المقابلة العامّة؛ لتتمّ المقابلة الخاصّة أولاً ثم تتمّ بعدها المقابلة العامّة لأنّها أشمل. |
الساعة الآن 06:38 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir