معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   المنتدى العام (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=97)
-   -   انبعاجة ضوء (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=10288)

ساجدة فاروق 3 جمادى الأولى 1436هـ/21-02-2015م 09:32 AM

(81)

[قال يحيى بن معاذ: حقيقة الحب في الله: أن لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء].
(البر: هو أن يحسن إليك الذي أحببته, ويصلك بأمور الدنيا, أو بنفع البدن بالخدمة وغير ذلك، فلو فعل ذلك ما زاد حبه؛ لأن الحب ليس لهذا، الحب لله.
(ولا ينقص بالجفاء) لو مثلاً جفاك، وأصبح لا يزورك ولا يكلمك ولا يصلك, وانقطعت الصلة بينك وبينه, وليس ذلك عن عداوة، بل مجرد أنه لا يأتي أو أنه مشغول أو غير ذلك، فلا تنقص المحبة من أجل ذلك, لأنها ليست لأمر نفع دنيوي, وإنما هي لشيء قام به وهو طاعة الله، فهو يحب لله، وليس لذاته ولا لشيء يقدمه, وإنما يحب لأنه يحب الله, فأنت تحبه لأنه يحب حبيبك، إذا كانت أمور الدنيا بهذه المثابة لا تزيد ولا تنقص سواء جاءت أو ذهبت، فالمحبة لله أعظم، أما المحبة للدنيا وللناس فهذه ما تجدي شيئاً, فهذه تنقطع بسرعة، لما حصلت مبادلة النفع زادت، فإذا نقصت أو زالت ذهب ذلك وزال لأنه ليس لله، وكل ما لم يكن لله فهو زائل وذاهب لأنه باطل، وإنما يثبت الحق الذي لله جل وعلا).

[شرح كتاب التوحيد:4/86]


ساجدة فاروق 13 جمادى الأولى 1436هـ/3-03-2015م 06:39 PM

(82)

(.. فإنهم أعقل خلق الله جل وعز عنه، لما فهموا من كلامه وتدبروا معاني قوله، وبذلك أمَّنهم ورضي عنهم وأثنى عليهم، ورفع به قدرهم؛ لأنهم فهموا منه ما أخبرهم عنه بكلامه الذي أنزله في كتابه، إذ يقول جل وعز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}
فلما عقلوا ذلك عن ربهم ابتغوا منه الشفاء والهدى والرحمة، فداووا به قساوة قلوبهم، وغسلوا به رين ذنوبهم، ووضعوا دواءه على أدواء قلوبهم، ونفوا به سوء النيات من ضمائرهم، وأزالوا به وَحَر صدورهم، ونظروا ببصائرهم إلى ما يشبه الشبهات من سوء الدلائل ومكايد الشيطان وزخرف المبطلين، وكشفوا بمنار دلائله ما وارته الظلمات وغطته الشهوات من خفيات الغيوب ومعالم الطريق المضروب على المحاجّ الواضحات والبرهان النير؛ فنظروا بنور هداية كلام الرب جل ذكره وواضح دلائله إلى ما خفي عن الغافلين المؤْثرين لأهوائهم على استيضاح كتاب ربهم جل مولانا وتعالى، فهتكوا بنوره حجاب كل ظلمة، وكشفوا بتبيانه غطاء كل ضلالة وبدعة؛ لأنه الدليل الواضح، والصراط المستقيم الذي جعله الله للناس إمامًا، ورضي به بينهم حاكمًا، فأماتوا عنده كل شهوةٍ، وانبعثوا بتأمله إلى كل رغبة، وحنُّوا بتشويقه إلى جوار المولى الكريم، وصبروا لأحكامه في كل عسر ويسر، وتأدبوا بأدبه في كل أقوالهم، وتزينوا بأخلاقه في كل أمورهم، فصاروا للقيام به للمتعبدين أعلاماً، يرجع الحائرون عن الحق إلى سبيلهم، ويتأدبون بمكارم أخلاقهم، ويتزينون بزينة هديهم، ويستضيئون بنور هدايتهم، ويدينون بما أُلْزِموا من برهان حجته.
فارغب إلى الله عز وجل في طلب آثارهم، وسلوك طريقهم، فإن العاقل عن الله بدلائل الكتاب مستبصرٌ، وبحبله عن كل هلكةٍ معتصمٌ، ولربه بتلاوته في الخلوات مناجٍ؛ لأنه بنجاة نفسه مهتمٌ، ففزِع إلى فهم كلام الرب جل وعز، ليُحيي به قلبه، وينجو به من عقابه، في يوم يندم فيه الغافلون، ويخسر فيه المبطلون، فكفى بكتاب الله عز وجل عن غيب الآخرة مخبراً، وببصائره للعوام موضحاً؛ لأن من فهم عن الله عز وجل؛ ذاق طعم حلاوته، وخالط فهمه لذة مناجاته، إذ عرف من يحاوره، فعقل عن الله عز وجل ما به خاطبه، فاتخذه معاذًا، فسكن إلى الله جل وعز، وأنس به من كل وحشةٍ، فلم يؤثر شيئاً عليه، فكان للمتقين الماضين قبله في الدنيا خَلفًا، وللآخرين المريدين من بعده سَلفًا، فتدبر القرآن أيام حياته، فصار لله جل وعز به مستفيدًا؛ لأنه الدليل الهادي للعباد قبل نزول المَحَلِّ، وحادي المشتاقين إلى جوار الكريم، فبه نطق الحكماء، وبه أنس المنفردون إلى إدمان الفكر في معانيه..) يتبع في الانبعاجة التالية بمشيئة الله.

[من مقدمة كتاب فهم القرآن للحارث المحاسبي رحمه الله]

ساجدة فاروق 14 جمادى الأولى 1436هـ/4-03-2015م 08:55 AM

(83)
تابع (82)
(.. لا يضلُّ السالك باتباع دلائله؛ لأنه النور الذي استضاء به الموقنون، والغاية التي يتسابق إليها المتسابقون، والمنهج الذي لا يصل السالك إلا باتباع دلائله، ولا يعلم له طريق النجاة إلا مع الاستضاءة بنوره، ولا يصاب الحق إلا في محكم آياته. شفيعٌ في القيامة لمن تقرب إلى الله جل وعز برعايته، وحفظ حدوده، وصبر لله جل وعز على أحكامه. وهو الماحِل لمن لم يكن في قلبه منه إلا حفظ حروفه، وفي جوارحه منه إلا تلاوته.
هو القول الذي فُصِّلت آياته، والفرقان الذي يميِّز بين الحق والأباطيل بشواهد بيناته، حكمةٌ بالغةٌ منزلةٌ من حكيم الحكماء، وعليم العلماء، أنزله الله تعالى لأدواء القلوب شافيا، ولمن حرم حرامه وأحل حلاله عن النار عادلا، ولمن حذر مخاوفه في مقيل الجنان نازلاً.
فأهل العلم بكلام ربهم عز وجل هم أهل الصفاء من الأدناس، وأهل الخاصة من الله جل وعز الذين أشعروا فهمه قلوبهم، وتدبروا آياته عند تلاوته بألبابهم، فتزوَّدوا لبعد سفرهم إلى معادهم، وفهموا منه شدة إجهادهم يوم القيامة، ففزعوا، وذكروا به السؤال من الله عز وجل، فاستعدوا للجواب عما عملوا، فتابوا إلى الله جل وعز عن كل ذنبٍ، وتطهروا له من كل دنسٍ، وأخلصوا له النيات في أعمالهم، ليجيبوه عما سلف من ذنوبهم بالتوبة، وعن إرادتهم في طاعته بصدق النية، فاستعدوا بالقرآن للعرض والسؤال، منقادون له بذلتهم، وخاشعون له باستكانتهم؛ لأنهم وقروه لإجلال المتكلم به، غير مغيبين عن تلاوته لطلب حقائق معانيه، ولا مستهينين بحرماته؛ فانتعشوا به من كل صرعةٍ، وجبر الله لهم به من مصيبةٍ.
فما زال ذلك دأب العاقلين عن ربهم؛ لأنه ربيع قلوب الموقنين وراحة الراجين ومستراح المحزونين، لا ينقص نوره لدوام تلاوته، ولا يدرك غور فهمه، ولا يبلغ له غاية نهاية تاليه أبدًا؛ لأنه كلام الرب - جل ثناؤه - الذي تعلق المتقون بعروته، والملجأ الذي أوى الراهبون إلى كنف رحمته).

[من مقدمة كتاب فهم القرآن للحارث المحاسبي رحمه الله]

ساجدة فاروق 14 جمادى الأولى 1436هـ/4-03-2015م 09:04 PM

(84)

{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة:2] فنتكلم عن التقوى في ثلاثة فصول:
الأول: في فضائلها المستنبطة من القرآن
، وهي خمس عشرة:
1. الهدى كقوله: {هدى للمتقين} [البقرة: 2]
2. والنصرة، لقوله: {إن الله مع الذين اتقوا} [النحل: 128]
3. والولاية لقوله: {الله ولي المتقين} [الجاثية: 18]
4. والمحبة لقوله: {إن الله يحب المتقين} [براءة:4]
5. والمغفرة لقوله: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} [الأنفال: 29]
6-7. والمخرج من الغم والرزق من حيث لا يحتسب لقوله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} [الطلاق: 2] الآية.
8. وتيسير الأمور لقوله: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا [الطلاق: 4]
9-10. وغفران الذنوب وإعظام الأجور لقوله: {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا [الطلاق: 5]
11. وتقبل الأعمال لقوله: {إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27]
12. والفلاح لقوله: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة: 189]
13. والبشرى لقوله: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}[يونس: 64]
14. ودخول الجنة لقوله: {إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم} [القلم:34]
15. والنجاة من النار لقوله: {ثم ننجي الذين اتقوا} [مريم: 72] .

الفصل الثاني: البواعث على التقوى
عشرة:
1. خوف العقاب الأخروي.
2. وخوف العقاب الدنيوي.
3. ورجاء الثواب الدنيوي.
4. ورجاء الثواب الأخروي.
5. وخوف الحساب
6. والحياء من نظر الله، وهو مقام المراقبة.
7. والشكر على نعمه بطاعته.
8. والعلم لقوله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28] .
9. وتعظيم جلال الله، وهو مقام الهيبة.
10. وصدق المحبة لقول القائل:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه = هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حـــبك صادقا لأطعتـه = إن المحب لمن يحب مطـيع ).

[تفسير التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي:1/69]

ساجدة فاروق 21 جمادى الأولى 1436هـ/11-03-2015م 11:00 PM

(85)
(فالذي يتعيَّن على المسلم الاعتناءُ به والاهتمامُ: أن يبحثَ عمَّا جاء عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم يجتهد في فهم ذلك، والوقوف على معانيه
ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العِلْمية.
وإن كان من الأمور العَمَلية، بذلَ وُسْعَه في الاجتهاد في فِعْل ما يستطيعه من الأوامر، واجتناب ما يُنهى عنه، وتكون همته مصروفة بالكُلِّية إلى ذلك، لا إلى غيره.

وهكذا كان حالُ أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان في طلبِ العلم النافع من الكتاب والسنة)
[جامع العلوم والحكم_ابن رجب]

ساجدة فاروق 22 جمادى الأولى 1436هـ/12-03-2015م 04:16 PM

(86)
  • لو لم يكن من فضل الْعِلْم إلا أن الجهال يهابونك ويجلونك وأن العلماء يحبونك ويكرمونك لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة! ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء ويغبط نظراءه من الجهال لكان ذلك سبباً إلى وجوب الفرار عنه فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة!.
  • لو لم يكن من فائدة الْعِلْم والاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس لكان ذلك أعظم داع إليه فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره! ومن أقلها ما ذكرنا مما يحصل عليه طالب العلم.
  • لو تدبر العالم في مرور ساعاته ماذا كفاه الْعِلْم من الذل بتسلط الجهال ومن الهم بمغيب الحقائق عنه ومن الغبطة بما قد بان له وجهه من الأمور الخفية عن غيره لزاد حمداً لله عز وجل وغبطة بما لديه من الْعِلْم ورغبة في المزيد منه.
[الأخلاق والسير في مداواة النفوس لابن حزم, فصل في العلم]

ساجدة فاروق 23 جمادى الأولى 1436هـ/13-03-2015م 09:34 PM

(87)
من شغل نفسه بأدنى العلوم وترك أعلاها وهو قادر عليه كان كزارع الذرة في الأرض التي يجود فيها البر وكغارس الشعراء حيث يزكو النخل والزيتون.
من مال بطبعه إلى علم ما وإن كان أدنى من غيره فلا يشغلها بسواه، فيكون كغارس النارجيل بالأندلس وكغارس الزيتون بالهند وكل ذلك لا ينجب.
أجل العلوم ما قربك من خالقك تعالى وما أعانك على الوصول إلى رضاه.
أنظر في المال والحال والصحة إلى من دونك وانظر في الدين والعلم والفضائل إلى من فوقك.
[الأخلاق والسير في مداواة النفوس لابن حزم, فصل في العلم]

ساجدة فاروق 26 جمادى الأولى 1436هـ/16-03-2015م 07:25 AM

(88)
3 (تابع 82,83)

(قلت: قد علمتَ أن في فهمه النجاة، وفي الإغفال عنه الهلكة. فلو ذاب أهل السموات، وأهل الأرض حين يسمعون كلام الله عز وجل، أو ماتوا خمودا أجمعون؛ لكان ذلك حُقَّ لهم، ولما كان ذلك كثيرا إذا تكلم الله عز وجل به تكليما من نفسه من فوق عرشه، من فوق سبع سمواته. فإذا عظم في صدرك تعظيم المتكلم به، لم يكن عندك شيء أرفع ولا أشرف، ولا أنفع ولا ألذ ولا أحلى من استماع كلام الله جل وعز، وفهم معاني قوله؛ تعظيمًا وحبًا له وإجلالا، إذ كان تعالى قائله، فحب القول على قدر حب قائله.
وكذلك نجده في فطرنا فيما بيننا وبين الخلق، نحب قول الأخ والقرابة والعالم والشريف على قدر محبتنا له، ونُجِلُّ قوله، ونعظم ونردد ذكره، ونتفهم معانيه، على قدر حبنا له وإجلالنا له. فكلام العالم عندنا أحلى وألذ وأرفع وأجل من كلام الجاهل، وكلام الشريف من كلام الوضيع، وكلام من أحسن إلينا كمن لا إحسان له إلينا، وكلام الناصح المتحنن من كلام من لا ينصحنا ولا يتحنن علينا، حتى إن كلام الوالدة نجد له من اللذة والحلاوة ما لا نجد من كلام غيرها؛ لمعرفتنا برحمتها، ونصحها وتحننها علينا.
فلا أحد أعظم من الله عز وجل عندنا قدرًا ولا أشرف، بل لا شرف ولا قدر لمن لم يجعل الله عز وجل له الشرف والقدر، ولا أحد أعلم من الله جل وعز، ولا أحد أنصح لنا ولا أرحم ولا أعظم تحننًا من الله تعالى، بل لم يرحمنا راحم ولم ينصحنا ناصح ولم يتحنن علينا متحنن إلا بما استودع لنا في قلبه، وسخره لنا بالرحمة والنصح.
ألم تسمع قول عبد الله (بن مسعود): "من أراد أن يعلم أنه يحب الله عز وجل فلينظر هل يحب القرآن" (وقوله): "من سره أن يعلم أنه يحب الله ورسوله فلينظر؛ فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله".
(و)عن عبد الله بن يزيد: "لا يسأل عبد عن نفسه إلا القرآن، فمن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله".
فمن كان كذلك محبا له يحبه الله، والله أحب إليه من نفسه، ومن كل شيء؛ كان تلاوة القرآن وتفهمه ألذ الأشياء عنده، وأنفعها لقلبه، ولم يمل من تلاوته، ولم يقنع بتلاوته دون أن يطلب الفهم لمعاني ما أراد الله عز وجل، من تعظيمه وتبجيله ومحبته، وأمره، ونهيه، وإرشاده، وآدابه، ووعده، ووعيده، ويعلم أنه لا ينال منافع آخرته، ولا الفوز فيها، والنجاة من هلكتها، إلا بالعلم الدال على كل نجاة، والمُنْجِي له من كل هلكة، ولا نجاة له في آخرته، ولا اعتصام له في انتهائه عما يستوجب به عذاب ربه، إلا بالعلم الدال على ذلك.
فإذا علم ذلك رغب في العلم ليحركه لطلب الفوز من عذاب الله تعالى، ومن سبيل كل هلكة، ويدل على سبيل محجة النجاة عن بيان وبصيرة، وتَجَانَب طرق الردى بعد إيضاح واستبانة لها.
فإذا رغب في ذلك، نظر بعقل صحيح أن العلم أرفع للمقدار، وأنفع للقلوب، وأفتحه لأبصارها. فعلم أن العلم على قدر العالم، فأي العلماء أعلم، كان طلب علمه أحب إليه من طلب علم من هو دونه في العلم.
ألا ترى أن الاستماع من الرسل عليهم السلام والتفهم عنهم أولى وأرفع عند الناس لعظيم قدرهم؛ لأنهم عن الله عز وجل أخذوا علمهم، وأنهم معصومون من الخطأ من الله جل وعز في دينه، فقد لزم قلوب المؤمنين الأمان من الخطأ فيما أخذوا عنهم من العلم، وكذلك أتباعُ الرسل أرفع في العلم ممن دونهم من التابعين.
فاعرف ذلك، ثم اعرف القرآن كلام من هو، وهل أحد أعلم من قائله والمتكلم به؟ ولا يصيب أحد علماً إلا من قائله، وهو الله رب العالمين جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه).

[من مقدمة كتاب فهم القرآن للحارث المحاسبي رحمه الله]

ساجدة فاروق 30 جمادى الأولى 1436هـ/20-03-2015م 07:26 PM

(89)

- والعاقل يعرف حق المحسن، ويجتهد في مكافأته، وجهل الإنسان بحقوق المنعم من أخس صفاته، لا سيما إذا أضاف إلى جحد الحق المقابلة بسوء المنقلب.
- برهما يكون بطاعتهما فيما يأمران به ما لم يكن بمحظور، وتقديم أمرهما على فعل النافلة، والاجتناب لما نهيا عنه، والإنفاق عليهما، والتوخي لشهواتهما، والمبالغة في خدمتهما، واستعمال الأدب والهيبة لهما، فلا يرفع الولد صوته، ولا يحدق إليهما، ولا يدعوهما باسمهما، ويمشي وراءهما، ويصبر على ما يكره مما يصدر منهما.
- وأن ابن عباس رضي الله عنهما أتاه رجل، فقال: أني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟
قال: أمك حية؟ قال: لا. قال: تب إلى الله وتقرب إليه ما استطعت.
فقال رجل لابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ قال: (إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة).
- قال هشام بن حسان: قلت للحسن: إني أتعلم القرآن، وإن أمي تنتظرني بالعشاء، قال الحسن: (تعش العشاء مع أمك تقر به عينها، أحب إلي من حجة تحجها تطوعاً).

[مقتبسات من كتاب بر الوالدين لابن الجوزي رحمه الله]

ساجدة فاروق 5 جمادى الآخرة 1436هـ/25-03-2015م 11:29 AM

(90)
إرادة الخير للغير ودفعهم إليه

(حدثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا الأعمش، قال:
خرجت أنا وإبراهيم النخعي ونحن نريد الجامع، فلما صرنا في خلال طرقات الكوفة قال لي: يا سليمان.
قلت: لبيك.
قال: هل لك أن تأخذ في خلال طرقات الكوفة كي لا نمر بسفهائها فينظرون إلى أعور وأعمش فيغتابونا ويأثمون؟
قلت: يا أبا عمران، وما عليك في أن نؤجر ويأثمون؟
قال: يا سبحان الله، بل نسلم ويسلمون خير من أن نؤجر ويأثمون). [المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: 7/22]

(أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ صَفِيَّةَ - زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ المَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ، مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ»، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا»)
[صحيح البخاري, رقم الحديث: 2035]

عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [ صحيح البخاري, رقم الحديث: 13]

ساجدة فاروق 9 جمادى الآخرة 1436هـ/29-03-2015م 07:26 AM

(91)
من أعجب القصص عن علو الهمة في الطلب
بقي بن مخلد والإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله

(نقل بعض العلماء من كتاب لحفيد بقي عبد الرحمن بن أحمد: سمعت أبي يقول: رحل أبي من مكة إلى بغداد، وكان رجلا بغيته ملاقاة أحمد بن حنبل.

قال: فلما قربت بلغتني المحنة، وأنه ممنوع (وذلك في فتنة خلق القرآن حين جعل الإمام تحت ما يسمى الإقامة الجبرية ومنع من التحديث) فاغتممت غما شديدا، فاحتللت بغداد، واكتريت (استأجرت) بيتا في فندق، ثم أتيت الجامع وأنا أريد أن أجلس إلى الناس، فدفعت إلى حلقة نبيلة، فإذا برجل يتكلم في الرجال، فقيل لي: هذا يحيى بن معين.
ففرجت لي فرجة، فقمت إليه، فقلت: يا أبا زكريا: - رحمك الله - رجل غريب ناء عن وطنه، يحب السؤال، فلا تستجفني، فقال: قل.
فسألت عن بعض من لقيته، فبعضا زكى، وبعضا جرح، فسألته عن هشام بن عمار،، فقال لي: أبو الوليد، صاحب صلاة دمشق، ثقة، وفوق الثقة، لو كان تحت ردائه كبر، أو متقلدا كبرا، ما ضره شيئا لخيره وفضله، فصاح أصحاب الحلقة: يكفيك - رحمك الله - غيرك له سؤال.
فقلت - وأنا واقف على قدم: اكشف عن رجل واحد: أحمد بن حنبل، فنظر إلي كالمتعجب، فقال لي: ومثلنا، نحن نكشف عن أحمد ؟! ذاك إمام المسلمين، وخيرهم وفاضلهم.
فخرجت أستدل على منزل أحمد بن حنبل، فدللت عليه، فقرعت بابه، فخرج إلي، فقلت: يا أبا عبد الله: رجل غريب، نائي الدار، هذا أول دخولي هذا البلد، وأنا طالب حديث ومقيد سنة، ولم تكن رحلتي إلا إليك، فقال: ادخل الاصطوان ولا يقع عليك عين.
فدخلت، فقال لي: وأين موضعك ؟ قلت: المغرب الاقصى.
فقال: إفريقية ؟ قلت: بعد من إفريقية، أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية، بلدي الاندلس، قال: إن موضعك لبعيد، وما كان شئ أحب إلي من أن أحسن عون مثلك، غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك.
فقلت: بلى، قد بلغني، وهذا أول دخولي، وأنا مجهول العين عندكم، فإن أذنت لي أن آتي كل يوم في زي السؤال (أي: كشحاذ يطلب الصدقة) فأقول عند الباب ما يقوله السؤال، فتخرج إلى هذا الموضع، فلو لم تحدثني كل يوم إلا بحديث واحد، لكان لي فيه كفاية.
فقال لي: نعم، على شرط أن لا تظهر في الخلق، ولا عند المحدثين.
فقلت: لك شرطك، فكنت آخذ عصا بيدي، وألف رأسي بخرقة مدنسة، وآتي بابه فأصيح: الأجر - رحمك الله - والسؤال هناك كذلك (مثلما يقال عندنا: لله يا محسنين، صدقة لله) فيخرج إلي، ويغلق ويحدثني بالحديثين والثلاثة والاكثر، فالتزمت ذلك حتى مات الممتحن له، وولي بعده من كان على مذهب السنة، فظهر أحمد، وعلت إمامته، وكانت تضرب إليه آباط الابل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي، ويقص على أصحاب الحديث قصتي معه، فكان يناولني الحديث مناولة، ويقرؤه علي وأقرؤه عليه، واعتللت في خلق معه) [سير أعلام النبلاء]

أتى من (أسبانيا) إلى (العراق) بغيرما طائرة!
فرأى مقصده ممنوعا، فلم ييأس وطلب العلم عند غيره!
ثم حنّ للمعلم الذي قصده، فجاهد لبلوغه!
لم يستقل الحديث والاثنين، رغم أنه أوقف حياته كلها لأجل هذا!
صمد وصبر، وثابر .. حتى بلغ.
لم تغريه عزة نفس مكذوبة ولا وساوس الشيطان، وبلغ من حبه للطلب وحرصه أن يقبل بمظهر الشحاذين!
ومن صدقه في الطلب قبوله أن يبقى مغبونا مجهولا بين الناس، لم يغريه حب الظهور ولا رغبة الاشتهار.
فاللهم من فضلك نسألك، ربّّ زدنا علمًا، ومنك سبحانك ارزقنا إخلاصا وقبولا.

ساجدة فاروق 14 جمادى الآخرة 1436هـ/3-04-2015م 02:32 PM

(92)

قال صلى الله عليه وسلم
: "أكثر منافقي أمتي قراؤها" وفي رواية "أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها "
رواه أحمد والبيهقي والطبراني وقال الأرناؤوط صحيح وهذا إسناد حسن وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 2 / 386 : ورد من حديث عبد الله بن عمرو و عقبة بن عامر، و عبد الله بن عباس، وعصمة بن مالك.

  • قال البيقهي: (القراء: حفظة القرآن ومن يجيدون قراءته)
  • (..أي الذين يتأولونه على غير وجهه ويضعونه في غير مواضعه أو يحفظون القرآن تقية للتهمة عن أنفسهم وهم معتقدون خلافه، فكان المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة، ذكره ابن الأثير .. وقال الزمخشري: أراد بالنفاق الرياء لأن كلا منهما إرادة ما في الظاهر..) [فيض القدير: ج2]
  • وقال صاحب معاني الأخيار في مقارنة بين حال المنافق والقارئ المرائي: (..والله أعلم هذا نفاق العمل لا نفاق الاعتقاد، وذلك أن المنافق هو الذي أظهر شيئا وأضمر خلافه، أظهر الإيمان بالله لله، وأضمر عصمة ماله ودمه، والمرائي بعمله الدار الآخرة، وأضمر ثناء الناس وعرض الدنيا، والقارئ أظهر أنه يريد الله بعمله ووجهه لا غير، وأضمر حظ نفسه وهو الثواب، ويرى نفسه أهلا لذلك، وينظر لعمله بعين الإجلال، فلأن كان باطنه خلاف ظاهره صار منافقا إذ المنافق بإيمانه قصد حظ نفسه، والقارئ بعمله قصد حظ نفسه فاستويا في القصد ، ومخالفة الباطن والظاهر ، فاستويا في الإثم لاستوائهما في القصد والصفة ، فالمنافق راءى الإمام والسلطان وعوام المسلمين ، والمرائي راءى الزهاد والعباد ، وأرباب الدين ، والقارئ راءى الله عز وجل فصال بعمله ، وأعجب بنفسه ، وتمنى على ربه).
  • وقال شارح كتاب الاستذكار لابن عبد البر: (أن القرآن قد يقرؤه من لا دين له ولا خير فيه ولا يجاوز لسانه وقد مضى هذا المعنى عند قول ابن مسعود {وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير قراؤه تحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده} وذكرنا هناك قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر منافقي أمتي قراؤها وحسبك بما ترى من تضييع حدود القرآن وكثرة تلاوته في زماننا هذا بالأمصار وغيرها مع فسق أهلها والله أسأله العصمة والتوفيق والرحمة فذلك منه لا شريك له..).

ساجدة فاروق 27 شعبان 1436هـ/14-06-2015م 08:12 AM

(93)

(جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فقالا: يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضاً سبخة ليس فيها نخلٌ ولا منفعة ،
فإن رأيت أن تقطعناها لعلنا نحرثها ونزرعها ولعل الله ينفع بها بعد اليوم.
فأقطعهما إياها، وكتب لهما كتاباً وأشهد في ذلك عمر، وعمر ليس في القوم، فانطلقا إلى عمر ليشهداه، فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل فيه فمحاه، فتذمرا وقالا مقالة سيئة.

فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألّفكما والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله عز وجل قد أعز الإسلام، فاذهبا فاجهدا جهدكما، لا أرعى الله عليكما إن أرعيتما.
قال: فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمران فقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟
فقال: عمر غير أن الطاعة لي. [ وفي رواية بل هو لو كان شاء]
قال: فجاء عمر مغضباً حتى وقف على أبي بكر فقال: أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين الرجلين أرض لك خاصة أم هي بين المسلمين عامة؟
قال: فما حملك على أن تخص هذين بها دون جماعة المسلمين؟
قال: استشرت هؤلاء الذين حولي فأشاروا علي بذلك.
قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك أكل المسلمين أوسعت مشورة ورضىً؟
فقال أبو بكر: قد كنت قلت لك إنك أقوى على هذا الأمر مني ولكنك غلبتني) [تاريخ البخاري وكذا البيهقي وابن عساكر وابن أبي شيبة والسيوطي وصاحب تاريخ دمشق]

[ قيل في التواضع] :
* التواضع: مجاهدة النفس في وضعها وسقوطها فهي تريد الرفعة وأنت تريد السقوط. [ابن عجيبة إيقاظ الهمم شرح متن الحكم]
* قال ذو النون المصري: من أراد التواضع فليوجه نفسه إلى عظمة الله فإنها تذوب وتصغر ومن نظر إلى سلطان الله تعالى ذهب عنه سلطان نفسه لأن النفوس كلها محقورة عند هيبته. المرجع السابق .
* سئل الجنيد عن التواضع ؛ فقال: خفض الجناح للخلق ؛ ولين الجانب لهم. الرسالة القشيرية .
* سُئِل الفضيل : ما التواضع ؟ قال: أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته منه، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته منه. حلية الأولياء .
* سُئِل يوسف بن أسباط: ما غاية التواضع؟ قال: أن تخرج من بيتك فلا تلقى أحداً إلا رأيت أنه خير منك ! حلية الأولياء .
* قال الشوكاني : أما التواضع فهو أن لا يرى لنفسه حقاً.
* عن عمرو بن قيس ، قال: ثلاث من رؤوس التواضع:
- أن تبدأ بالسلام على من لقيت ،
- وأن ترضى بالمجلس الدون من الشرف ،
- وأن لا تحب الرياء والسمعة والمدحة في عمل الله . حلية الأولياء .

ساجدة فاروق 1 رمضان 1436هـ/17-06-2015م 07:17 AM

الحمد لله الذي بلغنا
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساجدة فاروق (المشاركة 127152)
(66)

- من هو الصائم؟
(والصائم هو الذي: صامت جوارحه عن الآثام ، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب ، وفرجه عن الرفث.
فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً، وكذلك أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته، وأَمِن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم.
هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام، وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه، وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم يصم) [ابن القيم رحمه الله]

- أدب الصوم:
(كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور:
** الأول: غض البصر، وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره، وإلى كل ما يشغل القلب ويلهى عن ذكر الله عز وجل.
** الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان، والكذب، والغيبة، والنميمة، والفحش، والجفاء، والخصومة، والمراء وإلزامه السكوت، وشغله بذكر الله سبحانه، وتلاوة القرآن، فهذا صوم اللسان.
** الثالث: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه، لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه.
** الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام: من اليد، والرجل، وعن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار، فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام، فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصراً ويهدم مصراً.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش))، فقيل: هو الذي يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
** الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه، وكيف يستفاد من الصوم قهرُ عدوا الله وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره ؟! وربما يزيد عليه في ألوان الطعام، حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر. ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى، لتقوى النفس على التقوى.
** سادساً: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء، إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين، أو يرد عليه فهو من الممقوتين؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها) أ.هـ
[إحياء علوم الدين]


ساجدة فاروق 14 شوال 1436هـ/30-07-2015م 01:48 PM

1 مرفق
(95)
طالب العلم وتقوية الذاكرة

وقت السحر:
الوقت الذي قبل الفجر مباشرة -وقت السحر- هو وقت التنزل الإلهي فيقوم الإنسان بصلاة ما يتيسر له فيه من الركعات، ثم يوتر بواحدة ويبدأ في الحفظ، هذا الوقت فيه بركة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم بارك لأمتي في بكورها" (صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داوود)، والأطباء اكتفوا فيه سراً جديداً وهو أن الأكسجين في هذه اللحظات يكون ثلاثياً (نتيجة اتحاد ذرة أكسجين ثنائي عادية مع ذرة حرة o3) وإذا استنشقه الإنسان – سبحان الله- يعطيه نشاط غير عادي، والذين يذهبون لصلاة الفجر ثم يعودون يستنشقون هذا الأكسجين الثلاثي إلى أن تطلع أشعة الشمس فتكسر هذا الأكسجين إلى أكسجين ثنائي عادي لكل الناس.
• كيف يستغل الإنسان جميع خلايا المخ في الحفظ؟
الإنسان عنده 200 بليون خلية في المخ، ومعظم الناس لا يستغل إلا 10% فقط من خلايا المخ والباقي معطل، فكيف يستغل الإنسان قدر كبير- لا نقول 100%- ولكن أكبر قدر ممكن من خلايا المخ، سبحان الله المخ طاقة جبارة لا تمثل أجهزة الحاسوب شيئاً بالنسبة له، فهو من نتائج إعمال المخ بعد توفيق الله عزَّ وجلَّ.
أنت حينما تقوم بترديد متن معين لتحفظه وتكرره مرات، وأنت تتلفت حولك فيأخذ ذلك من تركيزك وتشتت الذهن فيأخذ كل منظر تقع عليه عينك جزء من خلايا المخ ويبقى جزء بسيط جداً للحفظ لأن كل صورة تلتقطها العين يقوم المخ بتحليلها وتأخذ حيز منه ، فلا تذاكر أمام الورود والبساتين وهذه الأشياء كما يقول الناس، فهذا ليس صحيحاً، فاقرأ وكرر حوالي 20 مرة وأنت تنظر في المحفوظ، وإذا أردت أن ترفع بصرك فارفعه إلى جدار مثلاً، ويكون أملس وليس به أي شيء يلفت النظر، ولا يلتفت.
إذاً كيف تستغل جميع خلايا المخ في الحفظ؟

تابع كامل الموضوع في المرفقات عن صاحبه الشيخ: وحيد عبد السلام بالي.
المقال بعنوان: (قواعد إدارة العقل) وإن كان غالبه في العادات والأغذية المعينة على تقوية الذاكرة.

ساجدة فاروق 17 شوال 1436هـ/2-08-2015م 07:53 PM

(96)
[باب في الإخلاص]

- وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "إنما يعطى الرجل على قدر نيته"، وعن غيره: "إنما يعطى الناس على قدر نياتهم".
- وروينا عن الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى، قال: الإخلاص: "إفراد الحق في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر، من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس أو محبة أو مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى"، قال: "ويصح أن يقال: الإخلاص: تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين".
- وعن حذيفة المرعشي رحمه الله تعالى: "الإخلاص: استواء أفعال العبد في الظاهر والباطن".
- وعن ذي النون رحمه الله تعالى، قال:"ثلاث من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية العمل في الأعمال، واقتضاء ثواب الأعمال في الآخرة".
- وعن الفضيل بن عياض رضي الله عنه، قال: "ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
- وعن سهل التستري رحمه الله تعالى، قال: "نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى وحده لا يمازجه شيء، لا نفس ولا هوى ولا دنيا".
- وعن السري رحمه الله، قال:"لا تعمل للناس شيئا، ولا تترك لهم شيئا، ولا تغط لهم شيئا، ولا تكشف لهم شيئا".
- وعن القشيري، قال: "أفضل الصدق: استواء الصدق والعلانية".
- وعن الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى، قال: "الصادق: هو الذي لا يبالي ولو خرج عن كل قدر له في قلوب الخلائق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب إطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله، ولا يكره إطلاع الناس على السيئ من عمله، فإن كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم، وليس هذا من أخلاق الصديقين".

[التبيان في آداب حملة القرآن: للنووي]

ساجدة فاروق 19 شوال 1436هـ/4-08-2015م 08:09 PM


(97)

فَأَما الرِّضَا بِالْقضَاءِ فَهُوَ من عَلَامَات المخبتين الصَّادِقين فِي الْمحبَّة،
فَمَتَى امْتَلَأت الْقُلُوب بمحبة مَوْلَاهَا رضيت بِكُل مَا يَقْضِيه عَلَيْهَا من مؤلم وملائم
سيان إِن لاموا وَإِن عذلوا = مَالِي عَن الأحباب مصطبر
لابد لي مِنْهُم وَإِن تركُوا = قلبِي بِنَار الهجر تستعر
وَعلي أَن أرْضى بِمَا حكمُوا = وَأطِيع فِي كل مَا أمروا
إِذا امْتَلَأت الْقُلُوب بِالرِّضَا عَن المحبوب صَار رِضَاهَا فِي مَا يرد عَلَيْهَا من أَحْكَامه وأقداره.

قَالَ عمر بن عبد العزيز: أَصبَحت وَمَالِي سرُور إِلَّا فِي مواقع الْقَضَاء وَالْقدر
دخلُوا على بعض التَّابِعين فِي مَرضه فَقَالَ: أحبه إِلَيّ أحبه إِلَيْهِ
إن كان سركم ما قد بليت به = فما لجرح إذا أرضاكم ألم
[شرح حديث لبيك اللهم لبيك لابن رجب: 12]

ساجدة فاروق 28 شوال 1436هـ/13-08-2015م 06:31 PM

(98)

قال القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي (ت: 671هـ):
(سمى الله سبحانه أسماءه بالحسنى لأنها حسنة في الأسماع والقلوب، فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وإفضاله. والحسنى مصدر وصف به) [الجامع لأحكام القرآن:7/326]

وقال الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت: 1393هـ):
(ووصف الأسماء {الْحُسْنَى} : لأنها دالة على ثبوت صفات كمال حقيقي، أما بعضها فلأن معانيها الكاملة لم تثبت إلا لله نحو الحي، والعزيز، والحكيم، والغني.
وأما البعض الآخر فلأن معانيها مطلقا لا يحسن الاتصاف بها إلا في جانب الله نحو المتكبر، والجبار، لأن معاني هذه الصفات وأشباهها كانت نقصا في المخلوق من حيث أن المتسم بها لم يكن مستحقا لها لعجزه أو لحاجته، بخلاف الإله لأنه الغني المطلق، فكان اتصاف المخلوق بها منشأ فساد في الأرض وكان اتصاف الخالق بها منشأ صلاح، لأنها مصدر العدالة والجزاء القسط) [التحرير والتنوير:8/361]

ساجدة فاروق 1 ذو القعدة 1436هـ/15-08-2015م 04:04 PM

(99)

(ينبغى لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، وأن لا تنظر إلى كلام بعضهم فى بعض إلا إذا أتى ببرهان واضح.
ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك، وإلا فاضرب صفحا عما جرى بينهم
فإنك لم تخلق لهذا فاشتغل بما يعنيك ودع مالا يعنيك، ولا يزال طالب العلم عندى نبيلا حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين ويقضى لبعضهم على بعض.
فإياك ثم إياك أن تصغى إلى ما اتفق بين أبى حنيفة وسفيان الثورى أو بين مالك وابن أبى ذئب أو بين أحمد بن صالح والنسائى أو بين أحمد ابن حنبل والحارث المحاسبى وهلم جرا إلى زمان الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقى الدين بن الصلاح
فإنك إن اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك، فالقوم أئمة أعلام ولأقوالهم محامل ربما لم يفهم بعضها، فليس لنا إلا الترضى عنهم والسكوت عما جرى بينهم كما يفعل فيما جرى بين الصحابة رضى الله عنهم)
[طبقات الشافعية لتاج الدين السبكي: 2/278]



90 يوما من المضاعفة تبدأ الليلة بفضل الله
فسارعوا إلى ربكم.. السبق السبق يا عباد الله
قال قتادة: (إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم في سواها)
موسم المضاعفة:
http://www.saaid.net/daeyat/alromaysa/34.htm


ساجدة فاروق 2 ذو القعدة 1436هـ/16-08-2015م 10:17 AM

(100)

الحديث، وفيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُد اللَّه كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك))
(هَذَا مِنْ جَوَامِع الْكَلِم الَّتِي أُوتِيهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ أَحَدنَا قَامَ فِي عِبَادَة وَهُوَ يُعَايِن رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا يَقْدِر عَلَيْهِ مِنْ الْخُضُوع وَالْخُشُوع وَحُسْن السَّمْت وَاجْتِمَاعه بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنه عَلَى الِاعْتِنَاء بِتَتْمِيمِهَا عَلَى أَحْسَن وُجُوههَا إِلَّا أَتَى بِهِ.
فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اُعْبُدْ اللَّه فِي جَمِيع أَحْوَالك كَعِبَادَتِك فِي حَال الْعِيَان، فَإِنَّ التَّتْمِيم الْمَذْكُور فِي حَال الْعِيَان إِنَّمَا كَانَ لِعِلْمِ الْعَبْد بِاطِّلَاعِ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى عَلَيْهِ، فَلَا يُقْدِم الْعَبْد عَلَى تَقْصِير فِي هَذَا الْحَال لِلِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُود مَعَ عَدَم رُؤْيَة الْعَبْد فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَل بِمُقْتَضَاهُ.
فَمَقْصُودُ الْكَلَامِ الْحَثُّ عَلَى الْإِخْلَاص فِي الْعِبَادَة، وَمُرَاقَبَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي إِتْمَام الْخُشُوع وَالْخُضُوع وَغَيْر ذَلِكَ.
وَقَدْ نَدَبَ أَهْلُ الْحَقَائِقِ إِلَى مُجَالَسَة الصَّالِحِينَ لِيَكُونَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَلَبُّسه بِشَيْءٍ مِنْ النَّقَائِص اِحْتِرَامًا لَهُمْ وَاسْتِحْيَاءً مِنْهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَزَالُ اللَّه تَعَالَى مُطَّلِعًا عَلَيْهِ فِي سِرّه وَعَلَانِيَته؟!)
[المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي:1/70]

ساجدة فاروق 3 ذو القعدة 1436هـ/17-08-2015م 03:27 PM

(101)
إلى طالب العلم (التكرار)

(والتَّكرَارُ – أيُّهَا الموفَّق -: عِبَارةٌ عَنْ تَكريرِ المَحْفُوظِ والمَقروءِ وإِعادَتِهِ وطُولِ تَرديده ؛ بُغْيَة ضَبْطِهِ وتَرسِيخِهِ ، كَأنْ تَعْمِدَ إلى حِزبٍ من القُرآنِ ، أو إلى حَدِيثٍ ، أو صَفْحةٍ من المتُونِ فَتَقُومَ بحِفْظِهَا ، ثُمَّ بتِكْرَارِها التَّكرارَ الكَثِيرَ ( 50 ، 100 ، 200 ، ...) ، فإِنَّكَ إنْ فَعَلتَ ذَلكَ اِشْتَدَ مَتنُ مَحْفُوظِك ، فَلا تُتعبُك كَثْرةُ المرَاجَعَةِ ولا تُرْهِقُكَ السُّرْعَةُ في التَّفَلت ، وصَارَ مَحْفوظكَ – في كلِّ وَقْتٍ- قَريبَ الاستِحْضَارِ ، سَهْلَ المرَاجَعَة .
أيُّهَا القَارئُ: إنَّ مَا وَصَفتُهُ لَكَ ليس بِدْعَاً مِنَ القَولِ ، أو مِثَاليَّاتٍ مِن الخَيَال ، بلْ هَذَا مَا عَليهِ السَّلَفُ المتقدِّمون والخَلَفُ الحَاذِقُونَ في الحِفظِ وَالمطَالعة ، وأَنَا أذكُرُ لك من أقوالهم وأحوَالهِمْ مَا يَكُونُ لَكَ في دَربِك سِرَاجاً ودَليلاً.
وكَانُوا يَرَونَ أنَّ إعادةَ النَّظَرِ والتَّكرَارِ تُوقِفُ المَرءَ عَلَى مَا لم يَطَّلِعْ عَلَيهِ سَابقاً ، لا في المطَالَعَة ولا في الحِفْظِ .
أيُّهَا المبَاركُ : هذا الذي وَصَفتُـهُ لكَ هو الأصلَحُ لغَالبِ طَلَبةِ العلمِ والمهتَمِّينَ به ، وأمَّا من رَزَقه الله ذَاكِرةً قَويَّةً مَتِينةً بحيثُ يحفظُ سَريعاً ويَنْسى بَطِيئاً فَهَذا نَادِرٌ لا يُقَاسُ عَليه ، وقَليلٌ لا يُنَبَّه عَلَيه ، وأمَّا جُلُّ الناسِ فالتَّكرارُ لهم هو : الأصلح . بَلْ قد يُقالُ : طُول تَرديد العلم وتكراره يَحتَاجُه سَرِيعُ الحِفظِ أيضاً، وهذا ظَاهرُ صنيعِ حُفَّاظِ المسلمين ، كالبُخَاري وغيره .
وتَكرارُ المحفوظِ يُعين على ضَبطِه وثَبَاته ، ويُعين – أيضاً – عِندَ المراجعة ؛ لأنَّ الإنسانَ قد تَعتَرضُه الأَعمالُ فيبتعدُ عن مَحفوظَاتِه ، فإنْ كانَ قد أَدامَ تكرارها في أوَّلِ حِفظهِ سَهُلَ عليه استِرجَاعُها ، وقدْ رأيتُ من أصحَابِ الحفظِ السَّريعِ مَنْ يُعاني في المرَاجَعةِ كالمعَانَاةِ في أوَّل الحفظ بل أشدُّ ، حتى إنَّ بعضهم : يخيل إليه أنه مَا مرَّ على حافِظَته منه شيء.. فمن ترك التكرار زاهداً به ، معتقداً أنَّ الحفظَ السَّريعَ كَافٍ في رُسُوخِ المحفُوظِ فَهَذَا يُسْرِعُ إليه النِّسيانُ ، وتصعُب عليه المراجَعةُ ، ولو ظنَّ أوَّلَ أمْرِهِ أنَّه مُتقنٌ.
والتَّكرارُ وإنْ كَانتْ تَصْحَبُه بَعضُ السَّآمةِ ويُلازِمُه التَّرَيثُ ، فإنَّه أَبقَى في الذِّهنِ ، وأثبت في الحافظة . ولَئِنْ أسرَعَ المرءُ في الحفظ ليَتَأخَّرنَّ في المراجعة ويتعبَ ، كما ثَبَتَ ذلك في التجربة ،فإنَّ الحفظَ السَّريعَ يُوهمُ الإنسانَ بـ(كثْرةِ التَّحصِيلِ) وأنَّـه به يَخْتَصرُ العلمَ ، ويُدركُ بالزَّمنِ اليسير ، فإذا عَادَ الطَّالبُ إلى هَذا الحفظِ وَجَدَ أرْضَاً قاعاً ، وبناءاً مُتَصَدِّعَاً . وفي المثل : رُبَّ عَجَلَةٍ تَهَبُ رَيْثَاً، فإذا جمَعَ المرء بينَ التَرديدِ والتَّكرارِ وبين المراجعة المستمرَّة - ولا بُدَّ- فهو المؤَمَّلُ والغَاية)

[مقتبس من مقال: التكرار هو طريقة السلف في العلم والحفظ لابن المهلهل: هنا]

ساجدة فاروق 6 ذو القعدة 1436هـ/20-08-2015م 11:31 AM


(102)

(والحاصل أن من أحب شيئا سوى الله تعالى، وسوى رسوله صلى الله عليه وسلم "فالضرر حاصل له بمحبوبه، إن وجده وإن فقد؛
فإن فقده عذب بفواته وتألم على قدر تعلق قلبه به، وإن وجده كان ما يحصل له من الألم قبل حصوله، ومن النكد في حال حصوله، ومن الحسرة عليه بعد فوته ـ أضعاف أضعاف ما في حصوله من اللذة"
ومن أعرض عن حب مولاه، واشتغل بما عداه، جدير أن يعذب بما يهواه، وهل للعبد المربوب أن يحب غير ربه المطلوب؟!
ومن كان في قلبه حب الله ورسوله، وجد حلاوة الإيمان، وذاق طعمه، وأغناه ذلك عن محبة الأنداد وتألهها.
وإذا خلا من ذلك احتاج إلى أن يستبدل ما يهواه، ويتخذ إلهه هواه،
وهذا من تبديل الدين وتغيير فطرة الله التي فطر عليها عباده، ومن ابتلي بهذه البلية*، فليلجأ إلى الله الذي بيده الأمور كلها، أن يخلِّصه منها بفضله، وليصدق في ذلك.
ومن تاب تاب الله عليه، وإياه أن يبقى على هذه الفتنة حتى يأتيه اليقين [الموت] وهو مبتلى بهذه الدناسة، ويقام بين يدي الله، ونجاسة محبة غيره وغير رسوله فيه.
ما في الفؤادِ لغير حبك موضعُ = كلا، ولا أحدٌ سِواكَ يَحُلُّهُ)

[السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج لصديق خان القنوجي: 1/138] غير أن ما بين المعقوفتين استنسخه من إغاثة اللهفان لابن قيم الجوزية.
والحديث دائر في عشق الصور والمردان.


ساجدة فاروق 6 ذو القعدة 1436هـ/20-08-2015م 09:06 PM

(103)
إلى طالب العلم

(قال الرازي: وسمعت علي بن أحمد الخوارزمي يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول:
كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل: النسخ والمقابلة.
قال: فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا، فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس..
فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئا، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه.
ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد)
[سير أعلام النبلاء: 13/266]

ساجدة فاروق 7 ذو القعدة 1436هـ/21-08-2015م 05:50 PM

1 مرفق

(104)
مكتبة طالب العلم السلوكية التطبيقية
لا تحسبنَّ العلم ينفع وحده = ما لم يُتَوَّج ربُّـــه بخــــلاق
  • تعليم المتعلم طريقة التعلم لبرهان الدين الزرنوجي (ت: 591هـ)
  • الفقيه والمتفقه للخطيب أبو بكر البغدادي. (ت: 463هـ)
  • الْجَامِعُ لِأَخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِلْخَطِيِبِ الْبَغْدَادِيِّ. (ت: 463هـ)
  • تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمُتَكَلِّم في أَدَب العَالِم والمُتَعَلِّم لابن جماعة. (ت: 733هـ).
  • غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب للسفاريني (ت: 1188هـ).

قال الخطيب البغدادي رحمه الله: (والواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدباً ، وأشد الخلق تواضعاً، وأعظمهم نزاهة وتديُّناً، وأقلهم طيشاً وغضباً،
لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآدابه، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه، وطرائق المحدثين ومآثر الماضين، فيأخذوا بأجملها وأحسنها، ويصدفوا عن أرذلها وأدونها
)

في المرفقات: ملف به نحو 80 مصنفا، جمعها: عبد الإله الشايع غفر الله له.
ليكن للطالب ورد منها، ورد عمليّ هدفه التطبيق وتهذيب النفس، والسير على خطى السلف.. لا رصد الأحرف وطي الصحف.

ساجدة فاروق 8 ذو القعدة 1436هـ/22-08-2015م 10:29 PM


(105)

(والقرآن شفاء لما في الصدور، ومن في قلبه أمراض الشبهات والشهوات ففيه من البينات ما يزيل الحق من الباطل، فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه
وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب، فيرغب القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره، فيبقى القلب محبا للرشاد مبغضا للغي بعد أن كان مريدا للغي مبغضا للرشاد.
فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة، حتى يصلح القلب فتصلح إرادته ويعود إلى فطرته التي فطر عليها، كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي، ويغتذي القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده كما يغتذي البدن بما ينميه ويقومه فإن زكاة القلب مثل نماء البدن. و" الزكاة في اللغة " النماء والزيادة في الصلاح، يقال: زكا الشيء إذا نما في الصلاح
فالقلب يحتاج أن يتربَّى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح، كما يحتاج البدن أن يربى بالأغذية المصلحة له، ولا بد مع ذلك من منع ما يضره فلا ينمو البدن إلا بإعطاء ما ينفعه ومنع ما يضره، كذلك القلب لا يزكو فينمو ويتم صلاحه إلا بحصول ما ينفعه ودفع ما يضره، وكذلك الزرع لا يزكو إلا بهذا)
[رسالة في أمراض القلوب وشفاؤها لابن تيمية: هنا]

ساجدة فاروق 10 ذو القعدة 1436هـ/24-08-2015م 06:02 PM

(106)

(كم قد خطر على قلب يهودي ونصراني حب الإسلام فلا يزال إبليس يثبطه ويقول لا تعجل وتمهل في النظر فيسوفه حتى يموت على كفره، وكذلك يسوّف العاصي بالتوبة فيجعل له غرضه من الشهوات ويمنيه الإنابة..
وكم من عازم على الجد سوّفه، وكم ساع إلى فضيلة ثبّطه،فلربما عزم الفقيه على إعاده درسه فقال استرح ساعة أو انتبه العابد في الليل يصلي فقال له عليك وقت، ولا يزال يحب الكسل ويسوف العمل ويسند الأمر إلى طول الأمل.
فينبغي للحازم أن يعمل على الحزم، والحزم: تدارك الوقت، وترك التسوف، والاعراض عن الأمل.
فإن المخوف لا يؤمن، والفوات لا يبعث، وسبب كل تقصير في خير أو ميل إلى شر: طول الأمل.. ومن صَوَّرّ الموت عاجلا: جَدَّ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صل صلاة مودع".

وقال بعض السلف: أنذركم (سوف) فإنها أكبر جنود إبليس.
ومثل العامل على الحزم والساكن لطول الأمل: كمثل قوم في سفر فدخلوا قرية فمضى الحازم فاشترى ما يصلح لتمام سفره وجلس متأهبا للرحيل، وقال المفرط سأتأهب فربما أقمنا شهرا، فضرب بون الرحيل في الحال، فاغتبط المحترز واغتبط الآسف المفرط، فهذا مثل الناس في الدنيا منهم المستعد المستيقظ فإذا جاء ملك الموت لم يندم، ومنهم المغرور المسوِّف يتجرع مرير الندم وقت الرحلة.
فإذا كان في الطبع حب التواني وطول الأمل، ثم جاء إبليس يحث على العمل بمقتضى ما في الطبع صعبت المجاهدة إلا أنه من انتبه لنفسه علم أنه في صف حرب، وأن عدوه لا يفتر عنه، فإن فتر في الظاهر بطن له مكيدة وأقام له كمينا.)
[تلبيس إبليس لابن الجوزي:356]

ساجدة فاروق 11 ذو القعدة 1436هـ/25-08-2015م 03:33 PM

(107)

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((لا يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهاَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُالَحِقُ مَعَهُنَّ: (وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةَ ذَاتَ شَرَف ، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ ، حينَ يَنْتَهِبُهَا ، وَهُو مُؤْمِنٌ) وَفِي رِوَايَة : (وَلَا يَغُلُّ أَحَدكُمْ حِين يَغُلّ وَهُوَ مُؤْمِن)

- قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: أَشَارَ بَعْض الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ مَا فِي الْحَدِيث تَنْبِيه عَلَى جَمِيع أَنْوَاع الْمَعَاصِي وَالتَّحْذِير مِنْهَا:
فَنَبَّهَ بِالزِّنَا عَلَى جَمِيع الشَّهَوَات
وَبِالسَّرِقَةِ عَلَى الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَالْحِرْص عَلَى الْحَرَام
وَبِالْخَمْرِ عَلَى جَمِيع مَا يَصُدّ عَنْ اللَّه تَعَالَى وَيُوجِب الْغَفْلَة عَنْ حُقُوقه
وَبِالِانْتِهَابِ الْمَوْصُوف عَنْ الِاسْتِخْفَاف بِعِبَادِ اللَّه تَعَالَى وَتَرْكِ تَوْقِيرهمْ وَالْحَيَاء مِنْهُمْ وَجَمْع الدُّنْيَا مِنْ غَيْر وَجْهِهَا .

- قَالَ الْحَسَن: مَعْنَاهُ يُنْزَع مِنْهُ اِسْم الْمَدْح الَّذِي يُسَمَّى بِهِ أَوْلِيَاء اللَّه الْمُؤْمِنِينَ، وَيَسْتَحِقُّ اِسْم الذَّمّ فَيُقَال: سَارِق ، وَزَانٍ وَفَاجِر ، وَفَاسِق.
- وَحُكِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ : يُنْزَع مِنْهُ نُور الْإِيمَان.
- وقال النووي رحمه الله، وقد أورد أقوالهم في معنى نفي الإيمان: (فَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يَفْعَل هَذِهِ الْمَعَاصِي وَهُوَ كَامِل الْإِيمَان)

ساجدة فاروق 14 ذو القعدة 1436هـ/28-08-2015م 10:27 AM

(108)
إلى طالب العلم

- قال محمد بن عباس الفربري: وَأَملَى يَوْماً عليَّ _أي البخاري_ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ:
طِبْ نَفْساً، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ.
- قال الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْديَّ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مخصوصاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَعَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخِصَالِ المحمودَةِ:
كَانَ قَلِيْلَ الكَلاَمِ، وَكَانَ لاَ يطمعُ فِيْمَا عِنْدَ النَّاسِ، وَكَانَ لاَ يشتغِلُ بِأُمُورِ النَّاسِ، كُلُّ شُغْلِهِ كَانَ فِي العِلْمِ.

- قال الإمام مسلم للإمام البخاري رحمهما الله: (لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ حَاسِدٌ، وَأَشهدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ).
- سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ:
كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالبَصْرَةِ يَعْدُونَ خَلْفَ البُخَارِيِّ فِي طلبِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْلِسُوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ أَكْثَرُهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
قَالاَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ شَابّاً لَمْ يخرجْ وَجْهُهُ.
[سير أعلام النبلاء: متفرقات من الجزء 12 بعد صفحة 400]

ساجدة فاروق 17 ذو القعدة 1436هـ/31-08-2015م 04:11 PM

(109)
إلى طالب العلم

اعلم أنه لا بُدَّ لك من فتورٍ يعتريك، في تحنثك وفي دراستك.
فارفق بنفسك وجاذِبها ولا تجذب، وقف بالباب سائلا ولا تيأس، لا تُبغِّضها فيما أحبت بتشددك عليها، والرأفة واللين أولى الناس بهما نفسك، مع حزم وقوة يحبهما ربك.
الزم العتبة تجردا وتضرعا، متشبثا برحمته مستمسكا بحسن الظن بما عودك من فضله، فعمّا قريب ترى الخيرات تهل وتصب عليك فتوحات ما كنت لتنالها إلا بُعيد غفوة هِمَّة!.

قال أبو عبد الله بن قيم الجوزية رحمه الله: (وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّ لِكُلِّ عَامِلٍ شِرَّةً. وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ» .
فَالطَّالِبُ الْجَادُّ: لَا بُدَّ أَنْ تَعْرِضَ لَهُ فَتْرَةٌ. فَيَشْتَاقُ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ إِلَى حَالِهِ وَقْتَ الطَّلَبِ وَالِاجْتِهَادِ.
فَتَخَلُّلُ الْفَتَرَاتِ لِلسَّالِكِينَ: أَمْرٌ لَازِمٌ لَا بُدَّ مِنْهُ. فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى مُقَارَبَةٍ وَتَسْدِيدٍ، وَلَمْ تُخْرِجْهُ مِنْ فَرْضٍ، وَلَمْ تُدْخِلْهُ فِي مُحَرَّمٍ: رَجَا لَهُ أَنْ يَعُودَ خَيْرًا مِمَّا كَانَ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ: إِنَّ لِهَذِهِ الْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا. فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَخُذُوهَا بِالنَّوَافِلِ. وَإِنْ أَدْبَرَتْ فَأَلْزِمُوهَا الْفَرَائِضَ.
وَفِي هَذِهِ الْفَتَرَاتِ وَالْغُيُومِ وَالْحُجُبِ، الَّتِي تَعْرِضُ لِلسَّالِكِينَ: مِنَ الْحِكَمِ مَا لَا يَعْلَمُ تَفْصِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. وَبِهَا يَتَبَيَّنُ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ.
فَالْكَاذِبُ: يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَيَعُودُ إِلَى رُسُومِ طَبِيعَتِهِ وَهَوَاهُ.
وَالصَّادِقُ: يَنْتَظِرُ الْفَرَجَ. وَلَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ. وَيُلْقِي نَفْسَهُ بِالْبَابِ طَرِيحًا ذَلِيلًا مِسْكِينًا مُسْتَكِينًا، كَالْإِنَاءِ الْفَارِغِ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ، يَنْتَظِرُ أَنْ يَضَعَ فِيهِ مَالِكُ الْإِنَاءِ وَصَانِعُهُ مَا يَصْلُحُ لَهُ، لَا بِسَبَبٍ مِنَ الْعَبْدِ - وَإِنْ كَانَ هَذَا الِافْتِقَارُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ - لَكِنْ لَيْسَ هُوَ مِنْكَ. بَلْ هُوَ الَّذِي مَنَّ عَلَيْكَ بِهِ. وَجَرَّدَكَ مِنْكَ. وَأَخْلَاكَ عَنْكَ. وَهُوَ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ.
فَإِذَا رَأَيْتَهُ قَدْ أَقَامَكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَرْحَمَكَ وَيَمْلَأَ إِنَاءَكَ، فَإِنْ وَضَعْتَ الْقَلْبَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَلْبٌ مُضَيِّعٌ. فَسَلْ رَبَّهُ وَمَنْ هُوَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ: أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكَ وَيَجْمَعَ شَمْلَكَ بِهِ)
[مدارج السالكين: 3/122]

ساجدة فاروق 18 ذو القعدة 1436هـ/1-09-2015م 07:47 PM

(110)

- توفي وله 45 عاما!
- صاحب أشهر الشروحات على مسلم، وأشهر الأربعينيات، ورياض الصالحين، والتبيان في آداب حملة القرآن، وغيرهن كثيرات، الإمام النووي رحمه الله.
- كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا:
درسين في الوسيط، ودرسا في المهذب، ودرسا في الجمع بين الصحيحين، ودرسا في صحيح مسلم، ودرسا في اللمع لابن جنى، ودرسا في اصطلاح المنطق لابن السكيت، ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه تارة في اللمع لأبي إسحاق وتارة في المنتخب لفخر الدين، ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدين.
- وقال بعد كل هذا:
وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح عبارة وضبط لغة، وبارك الله لي في وقتي، وخطر لي الاشتغال بعلم الطب فاشتريت كتاب القانون فيه وعزمت على الاشتغال فيه
فأظلم على قلبي، وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري ومن أين دخل علي الداخل فألهمني الله أن سببه اشتغالي بالطب، فبعت القانون في الحال فاستنار قلبي!.


فوحد غايتك.. أيا طويلب!
واجمع همومك على هم واحد، لا تشتت نفسك.
وإن انغلقت عليك؛ فقبل أن تتذمر انظر: من أين قد أُتيت؟
لا تسر ركضا بلا بصيرة أو تفكر، فتجد نفسك: قد نسيتها!
تمهل: راجع نيتك، أهدافك، وقتك فيم يذهب، من أين انطلقت؟ أين وصلت؟ وإلى أين أنت سائر؟
كيف حالك مع حق نفسك، والديك، أهلك، أرحامك، جيرانك؟ وكيف حال قلبك مع الله قبل كل هذا.
ثم انطلق.. صحبتك معية الله وتوفيقه.


ساجدة فاروق 26 ذو القعدة 1436هـ/9-09-2015م 06:02 PM

(111)
1/3

(فالقلب الصحيح: هو الذي همه كله في الله، وحبه كله له، وقصده له وبدنه له وأعماله له ونومه له ويقظته له وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث، وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابه.
الخلوة به آثر عنده من الخلطة إلا حيث تكون الخلطة أحب إليه وأرضى له، قرة عينه به وطمأنينته وسكونه إليه، فهو كلما وجد من نفسه التفاتا إلى غيره تلا عليها {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}
فهو يردد عليها الخطاب بذلك ليسمعه من ربه يوم لقائه، فينصبغ القلب بين يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة العبودية فتصير العبودية صفة له وذوقا لا تكلفا، فيأتي بها توددا وتحببا وتقربا كما يأتي المحب المقيم في محبة محبوبه بخدمته وقضاء أشغاله، فكلما عرض له أمر من ربه أو نهي أحس من قلبه ناطقا ينطق: (لبيك وسعديك، إني سامع مطيع ممتثل، ولك علي المنة في ذلك والحمد فيه عائد إليك)
وإذا أصابه قدر وجد من قلبه ناطقا يقول: (أنا عبدك ومسكينك وفقيرك، وأنا عبدك الفقير العاجز الضعيف المسكين، وأنت ربي العزيز الرحيم لا صبر لي إن لم تصبرني، ولا قوة لي إن لم تحملني وتقوني، لا ملجأ لي منك إلا إليك، ولا مستعان لي إلا بك، ولا انصراف لي عن بابك، ولا مذهب لي عنك)
فينطرح بمجموعه بين يديه ويعتمد بكليته عليه فإن أصابه بما يكره قال: (رحمة أهديت إلي، ودواء نافع من طبيب مشفق) وإن صرف عنه ما يحب قال: شرا صرف عني)
[إغاثة اللهفان لابن القيم: 74]

ساجدة فاروق 3 ذو الحجة 1436هـ/16-09-2015م 08:19 PM

(112)
2/3

(ومن علامات صحته أيضا [أي القلب]: أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة ويحل فيها، حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها جاء إلى هذه الدار غريبا يأخذ منها حاجته ويعود إلى وطنه
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.
وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة وقرب منها حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها حتى يصير من أهلها.

ومن علامات صحة القلب: أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به، فبه يطمئن وإليه يسكن وإليه يأوي وبه يفرح وعليه يتوكل وبه يثق، وإياه يرجو وله يخاف. فذكره: قوته وغذاؤه، ومحبته والشوق إليه: حياته ونعيمه ولذته وسروره، والالتفاف إلى غيره والتعلق بسواه داؤه والرجوع اليه دواؤه.
فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به وزال ذلك الاضطراب والقلق وانسدت تلك الفاقة، فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدا، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده.
فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى الهه ومعبوده، فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق ولأجله خلقت الجنة والنار وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب، ولو لم يكن جزاء إلا نفس وجوده لكفى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبة) [إغاثة اللهفان لابن القيم: 74]

ساجدة فاروق 9 ذو الحجة 1436هـ/22-09-2015م 03:46 PM

(113)
3/3

(قال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل : وما أطيب ما فيها قال : محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته.
وقال آخر: إنه ليمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب
وقال آخر: والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته، ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته.
وقال آخر: من قرت عينه بالله تعالى قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات.
وقال يحيى بن معاذ: من سر بخدمة الله سرت الأشياء كلها بخدمته، ومن قرت عينه بالله قرت عيون كل أحد بالنظر إليه.

ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه ولا يسأم من خدمته ولا يأنس بغيره إلا بمن يدله عليه ويذكره به ويذاكره بهذا الأمر
ومن علامات صحته: أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألما أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده
ومن علامات صحته: أنه يشتاق إلى الخدمة كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب
ومن علامات صحته: أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا واشتد عليه خروجه منها ووجد فيها راحته ونعيمه وقرت عينه وسرور قلبه
ومن علامات صحته: أن يكون همه واحدا وأن يكون في الله
ومن علامات صحته: أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا من أشد الناس شحا بماله
ومنها: أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل فيحرص على الإخلاص فيه والنصحية والمتابعة والإحسان ويشهد مع ذلك منة الله عليه فيه وتقصيره في حق الله
فهذه ست مشاهد لا يشهدها إلا القلب الحي السليم) [إغاثة اللهفان لابن القيم: 74]

ساجدة فاروق 13 ذو الحجة 1436هـ/26-09-2015م 03:20 PM

(114)
(نجد أن أخلاق الشخص المتميز عالية، وإذا واجهته أية مشكلة فهو يتسامح بسرعة، والسبب في أنه ليس لديه وقت ليضيعه هنا وهناك؛ لأنه يعرف أن وقته محدود في الدنيا، وأن هذه اللحظة قد تكون آخر لحظات حياته، فهو يفكر بطريقة سليمة، والإنسان المتميز يسأل نفسه دائماً: هل يمكن أن تكون هذه اللحظة هي آخر لحظات حياتي؟ والإجابة: بالطبع نعم.. فاسأل نفسك: هل الذي تفعله في هذا الوقت يساوي هذا الاستثمار؟ )
الطريق إلى الامتياز _ د. إبراهيم الفقي رحمه الله

ساجدة فاروق 15 ذو الحجة 1436هـ/28-09-2015م 03:52 PM

(115)

(حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة، أو ذكرت عنده، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم وخفت أمانتهم وكانوا هكذا» وشبك بين أصابعه، قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «الزم بيتك وأملك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر الخاصة ودع عنك أمر العامة» [رواه أبو داود والنسائي، وقال الألباني: حسن صحيح].
قد نصح صلى الله عليه وسلم كثيرا ولم يأل شفقة ونصحا وكان جديرا أن يفعل ذلك وبه وصفه الله تعالى في كتابه قال سبحانه: {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} وذلك أنه قسم له كل واحد من أمر دينه ودنياه إلى قسمين اثنين:
1) فقال في الأول وهو قسم أمر الدين «خذ ما تعرف» فكان هذا إشارة إلى معهود تعارفوه فيما بينهم وكان الذي تعارفوه معهودا من حقوق الأئمة ومتعلقا بهم من أمر الدين: إقامة الصلاة خلفهم وأداء الزكاة إليهم وجهاد الكفار معهم، إلى ما يشبه هذا من الأمور التي يليها الأمراء فأمره بطاعتهم فيها. ثم قال: «ودع ما تنكر» وهو كل ما حدث بعده من الفتن ونشب بين بعض أصحابه من الحروب والتنازع في الملك يقول: إذا دعوك إلى شيء منها فدعهم واعتزلهم ولا تكن معهم.
2) ثم قسم صلى الله عليه وسلم له القسمة الثانية التي هي قسم أمر دنياه فقال صلى الله عليه وسلم: «عليك بأمر الخاصة» وهو كل ما يخصه ويعنيه ويخص كل إنسان في ذاته من إعالة أهله وسياسة ذويه والقيام لهم والسعي في مصالحهم.
ونهاه عن التعرض لأمر العامة والتعاطي لسياستهم والترأس عليهم والتوسط في أمورهم فقال: «دع عنك أمر العامة» فقد نظم صلى الله عليه وسلم الطويل العريض من أمر دينه ودنياه في القصير الوجيز من كلامه) [العزلة للخطابي: 10]

أقول: فمن لم يقدر على العزلة، أو كانت خلطته للناس خير، فليأخذ نصيبه من الوصية، وليدع ما لا يعنيه وما لا يفيد رأيه فيه، وليفر من الجدل والهذر.. فهذه دنياه، وأمر دينه يقبل على تعلمه ويضرب في كل باب من الخير بسهم، ويحذر بريق البديل وسراب البدع.. فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

ساجدة فاروق 17 ذو الحجة 1436هـ/30-09-2015م 12:00 PM

(116)

عن جبير بن نفير قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ يَوْمًا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: طُوبَى لِهَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ رَأَتَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ! لَوَدِدْنَا أَنَّا رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، وَشَهِدْنَا مَا شَهِدْتَ.
فَاسْتُغْضِبَ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ، مَا قَالَ إِلَّا خَيْرًا! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ:
"مَا يَحْمِلُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَتَمَنَّى مُحْضَرًا غَيَّبَهُ اللَّهُ عَنْهُ؟ لَا يَدْرِي لَوْ شَهِدَهُ كَيْفَ يَكُونُ فِيهِ؟ وَاللَّهِ! لَقَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَامٌ كَبَّهُمُ اللَّهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي جَهَنَّمَ؛ لَمْ يُجِيبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ! أَوَلَا تَحْمَدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ أَخْرَجَكُمْ لَا تَعْرِفُونَ إِلَّا رَبَّكُمْ، فَتُصَدِّقُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ كُفِيتُمُ الْبَلَاءَ بِغَيْرِكُمْ.

وَاللَّهِ لَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَشَدِّ حَالٍ بُعِثَ عَلَيْهَا نَبِيٌّ قَطُّ، فِي فَتْرَةٍ وَجَاهِلِيَّةٍ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ دِينًا أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ! فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَرَى وَالِدَهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ أَخَاهُ كَافِرًا، وَقَدْ فَتْحَ اللَّهُ قُفْلَ قَلْبِهِ بِالْإِيمَانِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ هَلَكَ دَخَلَ النَّارَ، فَلَا تَقَرُّ عَيْنُهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ، وَأنَّهَا لِلَّتِي قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}[الفرقان: 74] . [رواه البخاري في الأدب المفرد، وابن حبان في صحيحه، والألباني في صحيحهما]
الحمد لله الذي أخرجنا لا نعرف إلا ربنا، وكفانا البلاء بغيرنا.

ساجدة فاروق 25 ذو الحجة 1436هـ/8-10-2015م 11:35 AM

(117)

عن أبي هريرة قال: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: "يَا فُلَانُ أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَك؟ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ" [صحيح مسلم] (قوله: "فإنما يصلي لنفسه" يشير إلى أن نفع صلاته يعود إلى نفسه، كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} فمن علم أنه يعمل لنفسه وأنه ملاق عمله، ثم قصر في عمله وأساء كان مسيئا في حق نفسه، غير ناظر لها ولا ناصح)
"إن أحدكم إذا كان في الصلاة إنما يناجي ربه" (قوله: "إنما يناجي ربه" إشارة إلى أنه ينبغي له أن يستحي من نظر الله إليه، وإطلاعه عليه وقربه منه، وهو قائم بين يديه يناجيه، فلو استشعر هذا لأحسن صلاته غاية الإحسان، وأتقنها غاية الإتقان، كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "اعبد الله كأنك تراه" وفي القرآن الإشارة إلى هذا بقوله - عز وجل -: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيه})
[فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن رجب رحمه الله]

ساجدة فاروق 8 محرم 1437هـ/21-10-2015م 07:44 PM

(118)

باب الهمزة:
- الهمزة في أول الكلمة ترسم ألفا مطلقا سواء أكانت همزة وصل أم همزة قطع، وسواء أكانت مفتوحة أم مضمومة أم مكسورة.
- همزة الوصل هي التي يتوصل بها إلى النطق بالساكن، لأن العرب لا تبدأ به. فهي تثبت نطقا في حالة الابتداء، وتسقط في حالة الدرج.
- نطق الهمزة مكسورة في نحو (اِبْن زيدٍ قائم) لأنك ابتدأت بها، وأما في نحو (جاءَ ابْن زيد) فإنك لا تنطق الهمزة لأنها وردت في درج الكلام
- تكون همزة الوصل في خمسة مواضع يكثر فيها الخطأ مع يسر معرفتها!
الأول: أمر الفعل الثلاثي، نحو: اُكتُب - اِضرِب - اِفرَح - اِسعَ - اِرمِ - اُدعُ.
فتكتب مثلا: فافرح بنعمة الله، ولا تكتب: فإِفرح بنعمة الله. لأن همزة الوصل تسقط في الدرج كما أسلفت.
الموضع الثاني من مواضع همزة الوصل: الألف واللام بأنواعها، نحو: الولد - الحارث - القائم - المقتول. والخطأ فيه قليل.
الموضع الثالث: الماضي والأمر والمصدر من الفعل الخماسي، نحو: انطلَقَ - انطلِقْ - انطلاقٌ واجتمَعَ - اجتمِعْ - اجتماع.
- ومن الأخطاء الشائعة جدا كتابة: الإنطلاق - الإجتماع - الإنتصار، ونحو ذلك. مع أن القاعدة سهلة جدا.
الموضع الرابع من مواضع همزة الوصل: الماضي والأمر والمصدر من الفعل السداسي، نحو: استغفَرَ- استغفِرْ - استغفارٌ. فلا تكتب: الإستغفار.
الموضع الخامس: عشرة أسماء هي: (اسم واست وابن وابنة وابنم وامرؤ وامرأة واثنان واثنتان، وايمن في القسم). فلا تكتب: الإبن والإسم.

- سبق بيان الهمزة في أول الكلمة. أما الهمزة المتطرفة وهي التي في آخر الكلمة، فالقاعدة أن ترسم على كرسي يناسب حركة الحرف الذي قبلها، ففيها أربعة صور:
الصورة الأولى: أن يكون ما قبلها مكسورا، فترسم على كرسي الياء، نحو: شاطِئٌ - متباطِئًا - قارِئٍ.
الصورة الثانية: أن يكون ما قبلها مفتوحا، فترسم على الألف، نحو: أنبأ - ملجأ - ينشأ. ومن هنا فإنني إذا رأيت (مبتدأ) غير مضبوطة بالشكل قرأتها بفتح الدال، وإذا رأيت (مبتدئ) قرأتها بكسر الدال. وما أكثر الخلط بينهما. مثال آخر: أَنشأَ وأُنشِئُ.
الصورة الثالثة: أن يكون ما قبلها ساكنا، فترسم منفردة (أي على السطر)، نحو: دفء - عبء - بُرء - جاء - كساء - يجيء - شَيء - ينوء - وضوء.
الصورة الرابعة: أن يكون ما قبلها مضموما، فترسم على الواو، نحو: لؤلؤ - تواطُؤ - تقيُّؤ - رَدُؤَ - وَضُؤ - امرؤٌ.
يستثنى من الصورة الرابعة ما إذا كان الحرف الذي قبل الهمزة واوا مشددة، فإن الهمزة ترسم منفردة كراهة اجتماع المثلين، نحو: التبوُّءُ.

- الهمزة المتوسطة هي التي تكون بعد الحرف الأول من الكلمة، وقبل الحرف الأخير منها.
- إذا كانت الهمزة المتوسطة ساكنة ترسم بصورة حرف يناسب ما قبلها، أي ترسم ألفا إن كان ما قبلها مفتوحا، نحو: فأس - رأس - نأْي؛ وياء إن كان ما قبلها مكسورا، نحو: بئر - برِئْت، ويدخل في هذه الصورة الماضي والأمر والمصدر من الافتعال في مهموز الفاء نحو: ائتَمَن - ائْتَمِنْ - ائتِمانا؛ وترسم واوا إن كان ما قبلها مضموما، نحو: سؤر - مؤذٍ.
- إذا كانت الهمزة مكسورة فترسم ياء مطلقا. ويشمل ذلك أربع صور:
المفتوح ما قبلها: سَئِم - مطمئن - رئيس - تقرئين - حينئذ، وكل كلمة في أولها همزة استفهام بعدها همزة قطع مكسورة: نحو: أئفكا - أئذا.
والمضموم ما قبلها: سُئل - رُئِي
والمكسور ما قبلها: القارئين - مئين.
والساكن ما قبلها: مائل - موئل - وضوئِه - جزئه - أفئدة.

[جامع تغريدات الشيخ البشير عصام المراكشي لأبو زراع المدني]

ساجدة فاروق 12 محرم 1437هـ/25-10-2015م 01:07 PM

(119)

{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143]
عَنْ قَتَادَةَ: " كَانَ كَثِيرَ [أو: طويل] الصَّلَاةِ فِي الرَّخَاءِ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ بِذَلِكَ؛ قَالَ: وَقَدْ كَانَ يُقَالُ فِي الْحِكْمَةِ: إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ إِذَا مَا عَثَرَ، فَإِذَا صُرِعَ وَجَدَ مُتَّكَأً"
عن مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ، يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: "اذْكُرُوا اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرْكُمْ فِي الشِّدَّةِ، إِنَّ يُونُسَ كَانَ عَبْدًا لِلَّهِ ذَاكِرًا، فَلَمَّا أَصَابَتْهُ الشِّدَّةُ دَعَا اللَّهَ فَقَالَ اللَّهُ: {لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يَبْعَثُونَ} فَذَكَرَهُ اللَّهُ بِمَا كَانَ مِنْهُ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ طَاغِيًا بَاغِيًا فَلَمَّا {أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] قَالَ الضَّحَّاكُ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرْكُمْ فِي الشِّدَّةِ"
[تفسير الطبري: 12/100]

ساجدة فاروق 18 محرم 1437هـ/31-10-2015م 08:03 PM

(120)

{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}

- قال التستري: (الرزق على وجهين:
رزق وهو ذكر لنفس الروح والعقل والقلب، مثل عيش الملائكة، وحياتهم بالذكر، متى أمسك عنهم ماتوا.
والرزق الآخر: هو المأكول والمشروب ونحو ذلك لنفع الطبع، وفيه يقع الحلال والحرام فالحلال ما رزقه الله تعالى وأمر بالأخذ منه، والحرام ما رزقه الله تعالى ونهى عنه، وهو قسمة النار ولا أعلم شيئاً أشد من كف الأذى وأكل الحلال).

- وقال القشيري: (منَ الخَلَف في الدنيا الرضا بالعَدَم والفقد، وهو أتمّ من السرور بالموجود؛ ومن ذلك الأنسُ بالله في الخلوة؛ ولا يكون ذلك إلا مع التجريد).


الساعة الآن 09:45 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir