![]() |
شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله: للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله (درس 19) الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد المتن: وَمِنْ ذَلِكَ أشْرَاطُ السَّاعَةِ: مِثْلُ خُرُوجِ الدَّجَّالِ،وَنُزُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَقْتُلَهُ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِها، وَخُرُوجِ الدَّابةِ،وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا صَحَّ بِهِ النَّقْلُ. وَعَذَابُ القَبْرِ وَنَعِيمُهُ حَقٌّ،وَقَدِ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَأَمَرَ بِهِ فيكُلِّ صَلاةٍ. وَفِتْنَةُ القَبْرِ حَقٌّ،وسُؤالُ مُنْكَرٍوَنَكِيرٍحَقٌّ، وَالبَعْثُ بَعْدَ المَوْتِ حَقٌّ، وَذَلِكَ حِينَ يَنفُخُ إِسْرَافِيلُ عَليْهِ السَّلامُ في الصُّورِ:{ْفَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَىرَبـِّهِمْ يَنْسِلُونَ} الشرح: قال رحمه الله: ( ومن ذلك) أي من الأمور التي يجب الإيمان بها ماأخبر به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أشراطُ الساعة. وأشراط الساعة هي علامات دنو مجيئها، وقرب قيامها، فتأتي بين يدي الساعة مشعرةً بقرب قيامها ودنو مجيئها، ودنو قيامها. (ومن ذلك أشراط الساعة) وذكر أمثلة على ذلك، مثل: (مثل خروج الدجال) وهو رجل يخرج في آخر الزمان، وخروجه فتنة هي من أعظم الفتن، ومابعث الله سبحانه وتعالى من نبي إلا وقد أنذر قومه فتنة المسيح الدجال، فهي فتنة عظيمة وخروجه ابتلاء عظيم، ويكون بخروجه فتن عظام، ويتبعه خلق كثير، ويمر بالقرية وينادي أهلها أن يتبعوه وأن يعبدوه ويّدعي أنه رب العالمين، وإله الناس أجمعين، فيمر بالقرية فإن استجابوا أمر السماء أن تمطر، فتطمر، وأمر الأرض أن تنبيت، فتنبت، وهذا ابتلاء وامتحان، وإذا أبى أهل القرية أن يستجيبوا له، أمر كنوز القرية أن تتبعه فتتبعه، فهي فتن عظيمة للغاية، تجرف الناس جرفاً، فيصدقون ذلك الدجال، مع أنه مكتوبٌ بين عينيه كافر، يقرأها كل مؤمن، وهو أعور عينه اليمنى. ولما أنذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته منه، قال:( إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور) رجل أعور، وتكون هذه الأمور المهيلة العظيمة تخرج على يديه، ابتلاءً من الله سبحانه وتعالى للخلق، وامتحاناً، فيصدقه خلق، ويتبعه خلق، لما يرون من هذه الأمور التي تكون معه من باب الابتلاء والامتحان. فالنبي عليه الصلاة والسلام أمر تجاه الدجال بأمور لاتقائه والحذر منه، وأهمها أمران؛ الأمر الأول: الإكثار من التعوذ بالله سبحانه وتعالى من فتنته، وأمرنا بهذا التعوذ دبر كل صلاة قبل السلام، أن نتعوذ من أربع، ومنها التعوذ من فتنة المسيح الدجال، والتعوذ: هو الاعتصام بالله، ومن اعتصم بالله سبحانه وتعالى وأحسن في الالتجاء إليه وقاه، فيكثر المسلم التعوذ بالله سبحانه وتعالى من هذه الفتنة التي هي أعظم الفتن وأشدها. والأمر الثاني: هو مادل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من سمع بالدجال فلينأ عنه" أي ليكون في بعدً تام عن مكانه حتى لايرى شيئا من هذه الأمور، أو الفتن التي معه، فقد يرى شيئاً من ذلك فتبهره وتجرفه وربما صدق هذا الدجال في دجله وكذبه، وهو يسمى الدجال من الدجل والكذب، فقال عليه الصلاة والسلام:" من سمع بالدجال فلينأ عنه"، وقد قال أهل العلم: وكما أن فتنة الدجال؛ فتنة عين (أي هذا الشخص المعين المعروف الذي يخرج في آخر الزمان) فإنها كذلك فتنة جنس. وعليه فإن الحديث يفيد بعمومه أن يحذر المسلم من كل دجال، وما أكثر الدجاجلة الذين يخرجون للناس بين وقت وآخر، ويلبسون عليهم بمخرقةٍ، وحيل وأمور زائفة، ثم يدعون مع ذلك دعاوى فيُصدقون. ففتنة الدجال، كما أنها فتنة بهذا الرجل المعين الذي يخرج في آخر الزمان، فإنها فتنة جنس. وبهذا يُعلم أن الواجب على المسلم أن ينأى بنفسه عن كل دجال، أما إذا أتاح لنفسه سماع كلام الدجاجلة، والنظر إلى فعالهم، فمثل ذلك يهيؤه لقبول ما عند الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان، لكن إذا أخذ المسلم هذا الأمر مأخذ الحزم، ونأى بنفسه وابتعد عن كل دجال، سلم بإذن الله. فإذًا من أهم مايكون في هذا الباب، كثرة التعوذ بالله سبحانه وتعالى من فتنته، والأمر الثاني أن ينأى عنه إذا سمع بخروجه، والله سبحانه وتعالى الحافظ. ( ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام) أي في آخر الزمان. ( فيقتله) أي يقتل الدجال، وآخر الزمان ينزل عيسى عليه السلام، ونزوله بعد خروج الدجال، وعيسى عليه السلام كما هو معلوم، رفعه الله سبحانه وتعالى إليه، فهو لم يمت بل رُفع حيًّا إلى السماء، وهو فيها حي، إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى له بالنزول، فينزل واضعاً يديه على جناحي ملك، وينزل في منطقةٍ في الشام، ويقتل الدجال، وعندما ينزل لا يجد ريحه كافر إلا مات، وريحه تبلغ مايبلغ بصره عليه السلام، وإذا لقي الدجال يتصاغر هذا المتعالي المتعاظم، يتصاغر ويكون موته بقتل عيسى عليه السلام له، كما جاء ذلكم في الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرها من كتب السنة. (وخروج يأجوج ومأجوج) وهما قبيلتان من ذرية آدم، تخرج آخر الزمان، ويحصل على يديهم شر عظيم وفساد عريض، وأذىً للناس، وقتل وعدوان، وخروجهم أمارة من أمارات الساعة، وعلامة من علاماتها، وهم محصورون خلف سدّ، ولا يخرجون إلا أن يأذن الله سبحانه وتعالى بخروجهم، فيخرجون وينتشرون في الأرض، وخروجهم علامة من علامات الساعة، وأمارة من أمارات دنو قيامها، وكذلك (خروج الدابة في آخر الزمان، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل) أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأشار هنا رحمه الله تعالى إلى جملة، أو بعض علامات الساعة العظام، علامات الساعة الكبرى، لأن علامات الساعة قسمها أهل العلم إلى قسمين: علامات كبرى؛ وهي التي أشار المصنف إلى عدد منها. وعلامات صغرى؛ وهي كثيرة جداً. (وعذاب القبر ونعيمه حق، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم، أمر به في كل صلاة) وعذاب القبر، أي في حق المستحق لذلك من الكفار والعصاة، فعذاب القبر يكون بالكفر ويكون بالكبائر أيضاً، وقد مر عليه الصلاة والسلام بقبرين فقال: ( إنهما ليعذبان ومايعذبان في كبير) وفي رواية قال: (بل هو كبير) أي من الكبائر. فعذاب القبر يكون بالكفر، ويكون أيضاً بالكبائر، لكن عذاب القبر بالكفر يختلف عن عذاب القبر بالكبائر، كما أن الأمر مختلف في التعذيب بالنار. فعذاب الكافر مستمر معه دائم لا ينقطع، وعذاب العصاة من الموحدين على قدر عصيانهم. فعذاب القبر حق، ونعيمه حق؛ أي ما يكون لأهل الإيمان في قبورهم من نعيم، وأن قبورهم تكون لهم روضة من رياض الجنة، كل ذلكم حق، فعذاب القبر حق ونعيمه حق، والفتنة في القبر حق، فالناس يفتنون في قبورهم، كل ذلكم حق لمجيئه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه)؛ أي عذاب القبر. ( وأمر به في كل صلاة) أمر به في كل صلا، التعوذ بالله من أربع منها عذاب القبر. (وفتنة القبر حق، وسؤال منكر ونكير حق) فتنة القبر: أي أن الناس يفتنون في قبورهم، وسؤال منكر ونكير حق وهما ملكان صّح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهما يأتيان إلى الميت في قبره ويجلسانه ويسألانه، وسميا بمنكر ونكير لأنهما يأتيان إلى الميت على صورة لم يكن يعهدها إطلاقاً، يأتي إلى الميت على صورة لم يكن الميت يعهدها إطلاقاً، ولم تمر عليه تلك الصورة، سود الوجوه زرق العيون على صورة لم تكن معهودة له إطلاقاً، ولهذا يسميان المنكر والنكير. (والبعث بعد الموت حق) بعث الناس وقيامهم لرب العالمين"يوم يقوم الناس لرب العالمين" هذا كله حق لثبوته في كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. (وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور) قال تعالى:" ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون" وقوله: ذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور: أي النفخة الأخيرة، لأنه له أكثر من نفخة في الصور. والصور كما جاء في الحديث قرن ينفخ فيه، فإذا نفخ فيه الملك صعق من في السماوات ومن في الأرض، وإذا نفخ فيه النفخة الأخرى قاموا جميعاً لرب العالمين. وقد قال عليه الصلاة والسلام:( كيف أنعم وقد التقم ملك الصور الصور وأصغى بسمعه ينتظر أن يؤمر) أي أن يأمره الله سبحانه وتعالى بالنفخ في الصور. المتن: وَيُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِحُفَاةًعُرَاةً غُرْلاً بُهمَاً، فَيَقِفُونَ في مَوْقِفِ القِيَامَةِ، حَتَّى يَشْفَعَ فِيهمْ نَبيُّنَامُحمَّدٌصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَيُحَاسِبُهُمُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَتُنْصَبُ المَوَازِينُ، وَتُنْشَرُ الدَّواوِينُ،وَتَتَطَايَرُ صُحُفُ الأَعمَالِ إِلى الأيمانِ وَالشَّمَائِلِ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَيُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتاَبَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثبُوُرًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق: 7-12]. وَالمِيزَانُ لَهُ كِفَّتانِ وَلِسَانٌ تُوزَنُ بِهِالأَعْمَالُ: {فَمَن ثَقُلَتْ مَواَزِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواأَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[المؤمنون: 102 - 103] وَلِنَبيِّنَا مُحمّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَحَوْضٌ في القِيامَةِ،مَاؤُهُ أَشَدُّ بَياضاً مِن اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَالعَسَلِ، وَأَبارِيقُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبةًلَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً. وَالصِّراطُ حَقٌّ يَجُوزُهُ الأَبْرَارُ، وَيَزِلُّعَنْهُ الفُجَّارُ. الشرح: ( ويحشر الناس يوم القيامة) والحشر: الجمع، يحشر الناس يوم القيامة، أي يجمعون، يجمع الله سبحانه وتعالى يوم القيامة الأولين والآخرين على صعيد واحد، وأرض واحدة، أرضٍ عفراء لا ارتفاع فيها ولا انخفاض، ولا ظل، فيجمع الله سبحانه وتعالى الأولين والآخرين. (حفاة عراة غرلاً بهما) أي على هذه الصفات، حفاة: أي ليس عليهم نعال، عراة: ليس عليهم ثياب لباس، حتى إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سألت النبي عليه الصلاة والسلام قالت: يارسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم لبعض. قال: ( ياعائشة الأمر أعظم من ذلك). وقوله غرلاً أي غير مختونين، وقوله بُهماً: أي ليس معهم من الدنيا شيء، كما مر معنا ذلك في حديث عبدالله بن أُنيس رضي الله عنه. ( فيقفون في موقف القيامة) موقف القيامة الذي يشير إليه المؤلف رحمه الله تعالى، هو يوم يقفه الناس على تلك الأرض المستوية التي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع ولا ظل، يقفه الناس ومقداره خمسين ألف سنة، وليقارن العاقل بين هذا اليوم الذي هذه مدته بمدة الحياة في الدنيا، التي يعيشها الإنسان، حتى يجتهد في هذا القليل، حتى ييسر له الله سبحانه وتعالى ذلك اليوم الطويل، يوم مقداره خمسين ألف سنة. عندما تقارن ماذا يكون مدة حياتك في هذه الدنيا مقارنة بهذا اليوم الذي هذه مدته، وتدنو الشمس من الخلائق يوم القيامة، ويعرقون، ويكون العرق بحسب أعمال الناس، منهم من إلى كعبيه، ومنهم من إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً. فماذا لو قارن الإنسان تكون المقارنة بين مدة عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا مقارنة بهذه المدة يوم مقداره خمسين ألف سنة. ثم أيضاً ماهي مدة حياة الإنسان في الدنيا، التي هو مكلف فيها بالعمل، إذا كان عمر الإنسان على سبيل المثال؛ ستين (أعمار أمتي مابين الستين والسبعين)، فعلى سبيل المثال لو كان عمر الإنسان ستين سنة، احذف من الستين سنة الثلث، عشرين سنة هذه نائم، إذا كان عمره ستين سنة، فعشرين سنة نائم، لأن الإنسان في الغالب ينام في اليوم والليلة ثمان ساعات، فإذا كان عمره ستين سنة، فمعنى ذلك أنه عشرين سنة من حياته كان نائماً، عشرين سنة من حياته كان نائماً. إذا كان عمرك ثلاثين سنة، فمعناه عشر سنوات كنت نائم، لكن مايشعر بها الإنسان، هذا النوم لايشعر به لأنه تفرق مع الأيام، ولو تساءل كم نمت في مامر من حياتي، يقول له: قليل، أنام قليل في الليل، لكن إذا حسبه عشر سنوات، إذا كان عمره ثلاثين سنة معناه عشر سنوات كاملة نائم. والنائم غير مكلف، واحذف منها خمس عشرة سنة في أول العمر غير مكلف لأنه لا يكلف إلا بعد البلوغ، ماذا اصطفى منها، أياماً هو مكلف فيها، تجدها ثلاثين أو خمس وثلاثين، وأقل أو أكثر بحسب عمر الإنسان، ماذا تعني هذه المدة مقابل خمسين ألف سنة يقفها الإنسان في ذلك الموقف العظيم. فالعاقل يأخذ نفسه في هذه الأيام مأخذ الحزم والعزم والجد حتى يهون عليه ذلك الأمر ويكون بإذن الله سبحانه وتعالى من الفائزين، وقد جاء في حديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أن الله يهون ذلك اليوم على أهل الإيمان فيكون كما بين صلاة الظهر إلى العصر) يوم مقداره خمسين ألف سنة يهونه الله على أهل الإيمان، فيمر كما بين صلاة الظهر إلى العصر. وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله: للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله ( درس 20) الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد (فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويحاسبهم الله تبارك وتعالى) قال: حتى يشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الشفاعة العظمى، الشفاعة الكبرى، التي يغبطه عليها صلى الله عليه وسلم النبيّون، والخلائق إذا وقفوا هذا الموقف العظيم وطالت بهم هذه المدة، يأتون إلى الأنبياء ويطلبون منهم أن يشفعوا لهم عند الله في أن يبدأ في الحساب، ليرى كلاً مصيره؛ إما إلى الجنة وإما إلى النار، لكن الخلائق كلهم يطلبون من الأنبياء أن يشفعوا لهم عند الله في أن يبدأ بالحساب، فيذهبون إلى آدم فيعتذر، إلى نوح فيعتذر، إلى إبراهيم فيعتذر، إلى موسى فيعتذر، كلٌّ يحيل إلى غيره من الأنبياء، فيحيلهم عيسى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا لها، ويذهب ويخر ساجداً تحت عرش الرحمن سبحانه وتعالى، ويحمد الله سبحانه وتعالى بمحامد ويثني عليه ثناءً يعلمه الله سبحانه وتعالى إياه في ذلك الوقت، ثم يقول الله له: ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع. وبعد هذه الشفاعة، يجئ الرب سبحانه وتعالى للفصل والقضاء، كما قال الله عزوجل في سورة الفجر: "وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول ياليتني لحياتي" فهي الحياة. "وإن الأخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون" فيجئ الرب سبحانه وتعالى بنفسه مجيئاً يليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى للفصل بين الخلائق، وتجئ الملائكة وتحيط بالخلائق صفاً من وراء صف محيطين بالخلائق، ويُجاء بجهنم "وجئ يومئذ بجنهم" يجاءُ بها كما جاء في صحيح مسلم: تجر ولها سبعون ألف زمام، ومع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها. (ويحاسبهم الله تبارك وتعالى) ويوم القيامة هو يوم الدين، يوم الحساب. (وتنصب الموازين) كما قال الله تعالى:" ونضع الموازين القسط ليوم القيامة"، وهو ميزان حقيقي، له كفتان، توضع الحسنات في كفة، وتوضع السيئات في كفة، قد قال تعالى: " فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون" وهو ميزان بمثاقيل ذر، "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" (وتنتشر الدواوين) أي دواوين الأعمال. (وتتطاير صحف الأعمال إلى الأيمان والشمائل) أي من الناس من يأخذ صحيفته بيمينه، ومن الناس من يأخذ صحيفته بشماله من وراء ظهره، كما قال تعالى: " فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا" (والميزان له كفتان ولسان توزن به الأعمال) الكفتان ثابت الدليل بهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتوضع السجلات -في حديث البطاقة-، قال فتوضع السجلات في كفة، ولا إله إلا الله في كفة. واللسان جاء في بعض الآثار، لم يصح به حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (" فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون") (ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حوض في القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً) فذكر هنا الحوض المورود، والنبي صلى الله عليه وسلم فرط أمته على الحوض، ويذود صلى الله عليه وسلم أقواماً عن حوضه صلى الله عليه وسلم؛ (يذاد أقوام عن حوضه صلى الله عليه وسلم) فيسأل عن ذلك، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. ومن صفات هذا الحوض كما ذكر المؤلف: ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل. وأباريقه عدد نجوم السماء. من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. (والصراط حق يجوزه الأبرار ويزل عنه الفجار) يجوزه الأبرار: أي، يعبرون من فوق الصراط المنصوب على متن جهنم، وقد قال الله تعالى: " وإن منكم الإ واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جثيا" أي النار. فقوله يجوزه الأبرار: أي إلى الجنة، مزحزحين عنه، ناجين سالمين من الدخول والسقوط في النار، وقد قال سبحانه: " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" المتن: وَيَشْفَعُ نَبيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ أُمَّتِهِ مِنْ أَهْلِ الكَبَائِرِفَيَخْرُجُونَ بِشَفَاعَتِه بَعْدَمَا احْتَرَقُواوَصَارُوا فَحْمًا وَحُمَمًا فَيْدخُلُونَ الجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم. وَلِسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُؤْمِنينَ وَالملائِكَةِشَفَاعَاتٌ،{وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء: 28]،وَلاَ تَنْفَعُ الكَافِرَ شَفَاعَةُالشَّافِعينَ. الشرح: (ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته صلى الله عليه وسلم بعدما احترقوا وصاروا فحماً وحمماً) أي سود، فيدخلون الجنة بشفاعته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في الصحيحين وغيرهما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لصفة إخراج هؤلاء من النار، وأن الله سبحانه وتعالى إذا أذن بخروجهم، أماتتهم النار إماتة وأصبحوا كقطع الفحم، كالقطع من الفحم، فيُلقون، ويخرجون ضبائر ضبائر، أي جماعات جماعات، ويُلقون في نهر الفردوس، فيحيون بمائه، كما تنبت الحبة في حميل السيل، فيدخلون الجنة بشفاعته، وهذه الشفاعة ليست خاصة به عليه الصلاة والسلام، بل يشاركه فيها من يأذن الله سبحانه وتعالى لهم بالشفاعة من الملائكة والنبيين والصالحين. ولهذا قال المؤلف (ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات) شفاعات: أي يشفعون لمن دخل النار أن يخرج منها، من أهل الإيمان من عصاة الموحدين، قال تعالى: "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفعون". وأذن الله سبحانه وتعالى لمن شاء من الملائكة و الأنبياء والصالحين بالشفاعة هذا تشريف لهؤلاء الذين تميزوا في الدنيا بالإيمان والطاعة والصلاح والاستقامة فيبشرهم الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بأن يكونوا شفعاء، ولهذا جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الطعانين واللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة"، لكن الذي عُرف بنفع الناس والنصح لهم والدعاء لهم، والشفقة عليهم، والرحمة بهم، ومعاونتهم، ومساعدتهم، عُرف بذلك في الدنيا، يكون بإذن الله مؤهلاً أن يشفع للناس يوم القيامة، وأن يكون شهيداً لهم يوم القيامة، أما من كان مؤذياً لهم في الدنيا، طعانا لعانا فاحشا بذيئاً لم يسلموا منه في الدنيا، فكيف يكون شفيعاً لهم يوم القيامة. (ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين) كما قال تعالى:"فما تنفعهم شفاعة الشافعين" فالكافر لاتنفعه، ومن شرط قبول الشفاعة؛ إذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع له، إذن الله للشافع "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه"، ورضاه عن المشفوع له "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" وهو سبحانه وتعالى لايرضى إلا عن أهل التوحيد، فبهذه المقدمات الثلاث: الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله، ولا تكون إلا برضاه عن المشفوع له، وهو لا يرضى إلا عن أهل التوحيد. بهذه المقدمات الثلاث يتبين أن الكافر لا حظ له في الشفاعة ولا نصيب. المتن: وَالجنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لاَ تَفْنَيانِ،فَالجنَّةُمَأْوَى أَوْلِيائِه، وَالنَّارُ عِقَابٌ لأِعْدَائِه، وَأَهْلُ الجَنَّةِ فِيهَامُخَلَّدُونَ، والمجرمون في عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ. وَيُؤْتَى بِالمَوْتِ في صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَح،فَيُذْبَحُ بينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: ((يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌوَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ وَلاَمَوتَ)). الشرح: (والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان) هذا أيضاً من جملة الاعتقاد الذي يجب الإيمان به، أن نعتقد أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، الجنة أعدها الله للمتقين، والنار أعدها الله سبحانه للكافرين. ولا تفنيان، أي الجنة باقية أبد الآباد، والنار كذلك، باقية أبد الآباد، لا تفنى الجنة ولا تفنى كذلك النار. (فالجنة مأوى أوليائه، والنار عقاب لأعدائه) فالجنة دار النعيم المقيم، والنار دار العذاب الأليم، وأهل الجنة فيها مخلدون أي أبد الآباد، وكذلك أهل النار فيها مخلدون أبد الآباد "إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون" أي باقون في النار أبد الآباد، لا يُقضى عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها، بل إن عذابهم فيها بازدياد "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا". (ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح، ويُذبح بين الجنة والنار) إذا بقي في النار أهلها، وأفرج منها عصاة الموحدين، يؤتى بعد ذلك بكبش أملح يعني: يجعل الله سبحانه وتعالى الموت على هذه الصورة، على صورة كبش أملح، ثم يُنادى أهل الجنة فيستبشرون، ويُنادى كذلك أهل النار فيستبشرون، ويقال: أتعرفونه – يعني هذا الكبش الأملح أتعرفونه- فالكل يقول: نعم، نعرفه هذا الموت. من أين عرفوه؟ لأن كل واحد منهم ذاقه، فالكل يعرفه، والكل قد ذاقه، والكل قد مر به، فيقال: أتعرفونه، يقولون: نعم. فيذبح بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. فيبقى أهل الجنة في الجنة منعمين فيها أبد الآباد، ويبقى أهل النار في النار مخلدين فيها أبد الآباد. اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار. المتن: وَمُحَمَّدٌرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّم خَاتِمُ النّبِيّينَ وَسَيِّدُ المُرْسَلِينَ، لاَ يَصِحُّ إِيْمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يُؤْمِنَ بِرِسَالَتِهِ، وَيَشْهَدَ بِنُبُوَّتِهِ، وَلاَ يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ في القِيامَةِ إلاَّ بِشَفَاعَتِهِ، وَلاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ أُمَّةٌ إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ أُمَّتِهِ. صَاحِبُ لِواءِ الحَمْدِ وَالمَقَامِ المَحْمُودِ،وَالحَوْضِ المَوْرُودِ، وَهُوَ إِمَامُ النَّبِيينَ وَخَطِيبُهُمْ وَصَاحِبُ شَفَاعَتِهمْ، أُمَّتُهُ خَيْرُ الأُمَمِ. وَأَصْحَابُهُ خَيْرُ أَصْحَابِ الأَنْبِياءِ عَلَيهِمُ الصلاة والسَّلامُ. الشرح: (ومحمد رسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين) ذكر في هذه الجملة جزءاً من الاعتقاد الواجب تجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه الصلاة والسلام رسول الله وختم به النبوّات، فلا نبي بعده صلوات الله وسلامه عليه وفضّله على العالمين، فهو سيد ولد آدم أجمعين، ولا يصح إيمان عبدٍ حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لايؤمن بالذي جئت به إلا كان حقاً على الله أن يدخله النار". وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله: للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله (درس21) الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد وأمته عليه الصلاة والسلام أول الأمم دخولاً الجنة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:" نحن الآخرون الأولون" فأمته عليه الصلاة والسلام أول الأمم دخولاً الجنة. (صاحب لواء الحمد والمقام المحمود) أي الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون، وقد قال الله تعالى: "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" (والحوض المورود، وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم، أمته خير الأمم، وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام) المتن: وَأَفْضَلُ أُمّتِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ الفَارُوقُ، ثُمَّ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْن، ثُمَّ عَليٌّ المُرْتَضَى،رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، لِمَا روي عن عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: (كُنَّانَقُولُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ: أَفْضَلُ هذِهِ الأمَّةِ بَعْدَ نَبيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثمَّ عَليٌّ، فَيَبْلُغُ ذَلِكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَيُنْكِرُهُ). وَصَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (خَيْرُهَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ،وَلَو شِئْتُ لَسَمَّيْتُ الثَّالِثَ). وَرَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِرضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: ((مَا طَلَعَتِ شَّمْسُ وَلاَغَرَبَتْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ)). وَهُوَ أَحَقُّ خَلْقِ اللهِ بِالخِلافَةِ بَعْدَالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِفَضْلِهِ وَسَابِقتِهِ، وَتَقْدِيمِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ في الصَّلاةِ عَلَى جَميعِ الصَّحَابَةِ رضوان الله عليهم أجمعين، وَإِجْماعِ الصَّحَابةِ عَلَى تَقْدِيْمِه ِوَمُبَايَعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَجْمَعَهُمْ عَلى ضَلاَلةٍ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لِفَضْلِهِ وَعَهْدِ أَبي بَكْرٍ إلَيْهِ. ثُمَّ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِتَقْدِيمِ أَهْلِ الشُّورَى لَهُ. ثُمَّ عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِفَضْلِهِ وَإجْمَاعِ أَهْل عَصْرِهِ عَلَيْهِ. الشرح: ثم ذكر هنا طرفاً للاعتقاد الواجب في أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الذين شرفهم الله سبحانه وتعالى بصحبته، ومن عليهم برؤيته، وسماع حديثه منه صلوات الله وسلامه عليه، وهم خير أمته صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم"، وقال في الحديث الآخر: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه"، والأحاديث في فضل الصحابة وبيان مكانتهم العلية كثيرة جداً، بل إن الله عزوجل قد أثنى على الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم في التوراة والإنجيل قبل أن يخلقوا، وقبل أن يوجدوا، أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في التوراة والإنجيل، كما قال الله سبحانه وتعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار" فهذان ثناءان عاطران على الصحب الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم في التوراة والإنجيل من قبل أن يخلقوا، ومن قبل أن يوجدوا، ومن قبل أن يدرجوا على الأرض رضي الله عنهم وأرضاهم. وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تمدح الصحابة وتثني على الصحابة، وفيها الإخبار عن رضى الله جل وعلا عنهم ورضاهم، وبيان لفضائلهم، ومناقبهم، وفضلهم وشرفهم، ومكانتهم والأحاديث أيضاً المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثيرة، وبين رحمه الله تعالى أن الصحابة متفاضلون، ليسوا في الفضل على درجةٍ واحدة، بل هم متفاضلون، وأفضلهم على الإطلاق صديق الأمة، أبوبكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه. فهو أفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويليه في الفضل عمر بن الخطاب، عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه، فهذان هما أفضل أمة محمد عليه الصلاة والسلام، بل هما أفضل الناس بعد الأنبياء في جميع الأمم، بل هما رضي الله عنهم وأرضاهم أفضل الناس بعد الأنبياء، كما قال عليه الصلاة والسلام:(أبو بكر وعمر سيدا كهول الجنة من الأولين والآخرين عدا النبيين) فرتبتهما في الفضل تلي رتبة النبيين مباشرة، فلا أفضل من أبي بكر وعمر في الناس كلهم إلا الأنبياء. (وأفضل أمته أبو بكر الصديق ثم الفاروق ثم عثمان ذو النورين) وقيل في تلقيبه بذي النورين أقوال أوضحها أن الله سبحانه وتعالى أكرمه بالزواج من ابنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم، لما ماتت الأولى، تزوج الثانية فقيل: ذي النورين لإكرام الله له بالزواج من ابنتين للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم. (ثم علي المرتضى رضي الله عنه وأرضاه أبو الحسنين) وهو الخليفة الراشد الرابع من خلفاء النبي الكريم عليه الصلاة والسلام. (رضي الله عنهم أجمعين) ثم ذكر الدليل على ذلك، قال: (لما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره) والحديث الذي يشير إليه المصنف رحمه الله مخرج في صحيح البخاري، ولفظه: عن ابن عمر قال: (كنا نخير بين الناس - أي نفضل بين الناس- زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخيّر أبا بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم) ومعنى نخيّر: أي نفضّل. فكانوا يفضلون أبا بكر على سائر الصحابة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يقرّ ذلك ولا ينكره. (وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر ثم عمر، ولو شئت سميّت الثالث) وأيضا صحّت عنه الرواية رضي الله عنه أنه قال: لا أجد أحداً يفضّلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري. (وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماطلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر رضي الله عنه) والحديث رواه الطبراني في الأوسط وغيره، وإسناده فيه كلام، لكن المعنى الذي دلّ عليه هذا الحديث، قد دلّ عليه الحديث الصحيح الذي أشرت إليه آنفا وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: أبوبكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين عدا النبيين. فهذا صريح في الدلالة على أنه ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر ثم عمر رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين. (وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم) لماذا؟ لأمور عديدة ذكرها المؤلف رحمه الله؛ الأول: (لفضله) السبب الأول، لكونه أفضل الصحابة، والشواهد والدلائل على كونه أفضل الصحابة كثيرة، منها ما سبق الإشارة إليه. والأمر الثاني: (وسابقته) أي إلى الإسلام، والتصديق بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فهو أول الرجال إيمانا وتصديقا بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام. فالسبب الأول: لفضله، لكونه أفضل الصحابة. والسبب الثاني: لسابقته، لكونه سابق للإسلام رضي الله عنه. والسبب الثالث: (لتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم) فأمر عليه الصلاة والسلام أن يؤمّ الناس أبوبكر رضي الله عنه وأرضاه. والسبب الرابع: قال: (وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة) فهم أجمعوا على تقديمه وعلى مبايعته، وبايعوه، وتمت البيعة له، ولم يكن الله ليجمع أصحاب نبيّه صلى الله عليه وسلم من بعده على ضلالة. فهذه أمور ساقها المصنف مستدلا بها على أحقيّة أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة. (ثم من بعده عمر رضي الله عنه لفضله، وعهدِ أبي بكر إليه) عهد إليه بالخلافة، وعمر رضي الله عنه أفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد صدّيق الأمّة. (ثم عثمان) أي يليه في الفضل رضي الله عنه، وهو الخليفة الثالث. (لتقديم أهل الشورى له) لأن عمر لم يستخلف وإنما جعلها شورى في ستة حدّدهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فقدّم أهل الشورى عثمان رضي الله عنه وأرضاه. (ثم علي رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه) المتن: وَهَؤُلاَءِ الخُلَفَاءُالرَّاشِدُونَ الأئمة المَهْدِيُّونَ الَّذِينَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهِمْ: ((عَلَيْكُم بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِالرَّاشِدينَ المَهْدِيين مِنْ بَعْدِي، عضُّوا عَلَيْهَابِالنَّواجِذ)). وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الخِلاَفةُ بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً))، فَكَانَ آخِرَهَا خِلاَفَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْه. الشرح: (وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون) هؤلاء: أي الأربعة الذين مر ذكرهم؛ هم الخلفاء الراشدون المهديون الذين يتناولهم قول النبي عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ). وقد وصفهم عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بوصفين: الرشاد والهداية، قال: (الراشدون المهديون) فوصفهم بالرشاد والهداية، والرشاد والهداية يعنيان: صلاح العلم وصلاح العمل، لأن ضد الراشد: الغاوي، وهو من فسد عمله. وضد المهتدي: الضال، وهو من فسد علمه. والنبي صلى الله عليه وسلم وصف هؤلاء الخلفاء بالرشاد والهداية، أي صلاح العلم وصلاح العمل، ونظير هذا الوصف، ما وصف الله سبحانه وتعالى به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "ما ضلّ صاحبكم وما غوى" فضد الضال: المهتدي، وضد الغاوي: الراشد. (قال صلى الله عليه وسلم: (الخلافة من بعدي ثلاثون سنة)) ثم يكون بعد ذلك ملكا، وهذه الخلافة التي هي ثلاثون، انتهت بوفاة علي رضي الله عنه. وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
بسم الله الرحمن الرحيم المقرر الثاني لكتاب اللمعة شرح الشيخ صالح الفوزان حفظه الله الدرس الاول (إثبات صفة الوجه لله تعالى) قال تعالى ((ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام)) هنا إثبات صفة الوجه لله وهي من صفات الذات ، قرأ السلف هذه الآية ولم يعترضوا عليها ولم تشكل عليهم أثبتوها كما جاءت، حيث دل ذلك على وجوب إثبات صفة الوجه لله عز وجل ، أما أهل الضلال قالوا المراد بالوجه هنا الذات لأننا لو أثبتنا الوجه للخالق وهو موجود في المخلوق للزم التشابه بين الخالق والمخلوق. فنرد عليهم لا يلزم من إثبات الوجه لله مشابهته لوجه المخلوق بل لله جل وعلا وجه يليق به ولانعلم كيفيته وللمخلوق وجه يليق به. الدرس الثاني إثبات صفة اليدين لله عز وجل قال تعالى ((بل يداه مبسوطتان)) في هذه الآية اثبات صفة اليدين لله عز وجل ورد على اليهود الذين قالو((يد الله مغلولة))حيث يصفون الله بالبخل سبحانه وتعالى((غلت أيديهم)) بل هم أبخل الناس والأقوام يجمعون المال من كل الطرق الحلال والحرام ولكن لا ينفقون ولعنهم الله أي طردهم من رحمته ورد عليهم بل يداه مبسوطتان فكل الخلائق تعيش من رزقه حتى الكفار فوصف نفسه بان لديه يدان. دليل آخر قال تعالى((ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)) خلق آدم بيديه وأما بقية الخلائق فإنه يخلقها بأمره يقول كن فيكون. أما أهل الضلال فيقولون المراد بيد الله قدرته ، فنرد عليهم لو كان ذلك صحيح لم يكن لآدم مزية عن باقي الخلق حيث أن الله شرفه عن باقي الخلق. وقال تعالى بيدي هل يقال بقدرتي هل لله قدرتان أو قدرة واحدة ؟ له قدرة واحدة، فدل ذلك على تثنية اليد حقيقية لا تشبه يد المخلوق ولانعلم كيفيتها . الدرس الثالث قوله تعالى إخبارا عن عيسى صلى الله عليه وسلم قال: (تعلم مافي نفسي ولا أعلم مافي نفسك) هذا فيه إثبات صفة النفس لله سبحانه وتعالى، كما أن المخلوق له نفس، ولا يلزم من كون المخلوق له نفس أن تتشابه النفسان نفس الله جل وعلا ونفس المخلوق. الدرس الرابع المجئ والإتيان وقوله سبحانه وتعالى:(وجاء ربك) الفجر، وقوله:(هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام)البقرة هذه من صفات الأفعال فيها إثبات صفة المجئ لله، وإثبات الإتيان لله جل وعلا ليس كإتيان المخلوق ولا كمجئ المخلوق ولا نعلم كيفيته، يجئ سبحانه كما يليق به ويأتي أيضا كما يليق به سبحانه وتعالى لانتعرض لكيفيته. |
شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله، للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله ) درس 22) الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد المتن: وَنَشْهَدُ لِلْعَشْرَةِ بِالجَنَّةِ، كَمَا شَهِدَلَهمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((أَبُو بَكْرٍ في الجَنَّةِ،وعُمَرُ في الجَنَّةِ، وعُثْمَانُ في الجَنَّةِ، وعَليٌّ في الجَنَّةِ، وطَلْحَةُفي الجنَّةِ، والزُّبيرُ في الجَنَّةِ، وسَعْدٌ في الجَنَّةِ، وسَعِيدٌ في الجَنَّةِ، وعَبْدُ الرَّحمنِ بنُ عَوْفٍ في الجَنَّةِ، وأبُو عبيدةَ بنُ الجَرَّاحِ في الجَنَّةِ)). الشرح: ثم ذكر هنا الشهادة للعشرة المبشرين بالجنة، الشهادة لهم بالجنة لشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك، وهؤلاء العشرة يقال لهم: العشرة المبشرون بالجنة، مع أنه يوجد في الصحابة آخرون شهد لهم عليه الصلاة والسلام بالجنة مثل ما سيأتي الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة، والشهادة لثابت بن قيس، والشهادة لعكاشة، فهناك آخرون من الصحابة شهد لهم النبي عليه والصلاة والسلام بالجنة، لكن هؤلاء العشرة تميّزوا بأنهم في مجلس واحد شهد لهم عليه الصلاة والسلام في الجنة، فسمّاهم هؤلاء العشرة واحدا تلو الآخر في مجلس واحد، ولهذا يقال عنهم: العشرة المبشرون بالجنة، وهم أفضل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم الخلفاء الراشدون الأربعة الذين مرّ ذكرهم، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، فهؤلاء العشرة في مجلس واحد شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة. أحد أهل العلم أفرد هؤلاء العشرة بمصنّف، فما هو هذا المصنف؟ ومن مؤلّفه؟ السؤال: مؤلَف مفرد في العشرة المبشرين بالجنة، ما هو هذا المؤلف؟ ومن مصنّفه؟ (أبيات لابن أبي داود صاحب الحائية) الكتاب لمحب الدين الطبري: (الرياض النضرة في مناقب العشرة)، العشرة المبشرين في الجنة. المتن: وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالجَنَّةِ شَهِدْنَا لَهُ بِها، كَقَوْلِهِ: ((الحَسَنُ والحُسَيْنُ سَيِّدا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ)). وَقَوْلِهِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: ((إِنَّه مِنْ أَهْلِ الجَنَّة)). الشرح: وأيضا هؤلاء شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام، فنشهد لهم بالجنة لشهادته عليه الصلاة والسلام لهم بالجنة، فنقول: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة كما أخبر بذلك نبيّنا عليه الصلاة والسلام، ونقول أيضا ثابت بن قيس بن شمّاس من أهل الجنة لشهادة النبي عليه الصلاة والسلام له بذلك. المتن: وَلاَ نَجْزِمُ لأَحَدٍ مِن أَهْلِ القِبْلَةِ بِجَنَّةٍ وَلاَ نارٍ، إلاَّ مَنْ جَزَمَ لَهُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّا نَرْجُو لِلْمُحْسِنِ، وَنَخَافُ عَلَى المُسِيءِ. الشرح: قال: (ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم) فمثل قبل قليل مرّ معنا أحاديث جزم فيها النبي عليه الصلاة والسلام لأشخاص بأعيانهم بأنهم في الجنة فنجزم لهم بذلك، فالذي جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة نجزم له ولا نجزم لأحد بجنة ولا نار إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، لكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسئ، من أحسن رجونا له ولا نجزم له، ومن أساء أشفقنا عليه وخفنا عليه من العذاب ولا نجزم بذلك. المتن: وَلاَ نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ بِذَنْبٍ، وَلاَ نُخْرِجُهُ عَنِ الإِسْلامِ بِعَمَلٍ. وَنَرَى الحجَّ والجِهَادَ مَاضِيًامَعَ طاعةِ كُلِّ إِمامٍ،بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَصَلاةُ الجُمُعَةِ خَلْفَهُمْ جَائِزَةٌ. قَال َأنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((ثَلاَثٌ من أَصْلِ الإِيمانِ: الكَفُّ عَمَّنْ قال: لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ، وَلاَ نُكفِّرُهُ بِذنْبٍ، وَلاَ نُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلاَم بِعَمَلٍ، وَالجِهادُ ماضٍ مُذ بَعَثَنِي اللهُ عزَّوجلَّ حَتى يُقَاتِلَ آخرُ أُمَّتي الدَّجَّالَ، لا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ،وَلاَ عَدلُ عَادِل، والإِيمانُ بالأَقْدَار))،رواهُ أبوداودَ. الشرح: ثم قال رحمه الله: (ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل) فأيضا هذا من جملة ما عليه أهل السنة والجماعة فيما يتعلّق بالتكفير، وقوله: لا نكفّر أحدا بذنب، فيه الرد على الخوارج، الذين يكفّرون بالذنوب التي هي دون الكفر بالله. ومراده بالذنب: أي الذنب الذي هو دون الكفر، وإلا فإن الكفر ذنب وهو أعظم ذنب، لكن المراد بالذنب هنا: أي فيما دون الكفر والشرك بالله سبحانه وتعالى. قال: ولا نكفّر أحدا من أهل القبلة بذنب، أي خلافا للخوارج الذين يكفّرون بالكبائر. ولا نخرج عن الإسلام بعمل، إلا إذا كان العمل ناقضا للإسلام محبطا للدين، كسبّ الدين أو سبّ النبيين أو نحو ذلك من الأعمال والأقوال التي هي ردّة وخروج عن دين الله سبحانه وتعالى. قال: (ونرى الحج والجهاد ماضيين) أي باقيا مستمرا. (مع طاعة كل إمام) أي ولي الأمر. (برّا كان أو فاجرا) يعني لا يشترط طاعة الإمام أن يكون الإمام برّا، أي حتى ولو كان فاجرا يُسمع له ويُطاع وفجوره عليه، لكن لا يُطاع إذا أمر بمعصية، له الطاعة ولكن إذا أمر بمعصية لا يُطاع، مثل لو أمر رعيته بشرب خمر أو فعل فاحشة أو نحو ذلك، لا يُسمع له ولا يُطاع، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف" "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" قال: (وصلاة الجمعة خلفهم جائزة) يعني خلف الأئمة، سواء كانوا أبرارا أو فجارا. ثم أورد هذا الحديث؛ حديث أنس بن مالك رحمه الله تعالى مستشهدا به لما سبق، وما سبق له أدلته، وبسطها أهل العلم في الكتب الموسّعة في هذا الباب والحديث الذي ذكره المصنف هو في سنن أبي داود وإسناده ضعيف فيه يزيد وهو مجهول كما في التقريب وغيره. المتن: وَمِنَ السُّنَّةِ:تَوَلِّي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَحبَّتُهمْ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِمْ وَالتَّرحُّمُ عَلَيْهِمْ والاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالكَفُّ عَنْ ذِكْرِ مَسَاوِئِهِم، وَمَاشَجَرَ بَيْنَهُم، وَاعْتِقَادُ فَضْلِهِمْ وَمَعْرِفَةُ سَابِقَتِهِمْ، قالَ اللهُ تَعَالَى: {والَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَاوَلإِخْوَانِناَ الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَل في قُلُوبِنَاغِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنوُاْ}[الحشر: 10]. وَقَالَ الله تَعَالَى: {مُّحَمَّدٌرَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: 29]. وَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي،فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ)). الشرح: قال: (ومن السنة تولّي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم) هذا كله واجب تجاه أصحاب النبي الكريم صلوات الله عليه وسلامه عليه، ورضي الله عنهم أجمعين، فالواجب تجاه الصحابة في الجملة أمران: أمر يتعلّق بالقلب، والأمر الآخر يتعلق باللسان، وجميع ما ذكره المؤلف رحمه الله هنا وما لم يذكره راجع إلى أمرين، أمر يتعلق باللسان وأمر يتعلق بالقلب، أما ما يتعلق باللسان، فأن يكون فيه المحبة للصحابة والاحترام والتوقير ومعرفة قدر الصحابة رضي الله عنهم ومكانتهم ومنزلتهم وتولّيهم وحبهم وألا يكون في القلب غل أو حقد أو ضغينة تجاه أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وما يتعلق باللسان أن يكون اللسان نظيفا نقيا تجاه أصحاب النبي عليهم رضوان الله فلا يتناولهم بسب أو طعن أو وقيعة أو خوض فيما شجر بين الصحابة، بل يكون مترحما مثنيا مترضيا داعيا لهم بالخير، وجُمع هذان الأمران في قول الله سبحانه وتعالى وقد ساقه المصنف "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم" فقوله: "يقولون ربنا اغفر لنا" هذا سلامة اللسان، "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" هذا سلامة اللسان، وقوله: "ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا" هذا سلامة القلب. فجماع ما ينبغي تجاه الصحابة يتلخص في سلامة القلب وسلامة اللسان، فالقلب ليس فيه حقد ولا ضغينة بل ليس فيه إلا الحب والاحترام والتوقير، واللسان ليس فيه طعن ولا وقيعة بل ليس فيه إلا الدعاء والترضّي والثناء على الصحابة الكرام. وأورد قول الله سبحانه وتعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم" تتمّة هذه الآية كما قرأنا قبل قليل فيها ثناء الله جل وعلا على الصحابة في التوراة والإنجيل من قبل أن يُخلقوا رضي الله عنهم وأرضاهم. ثم أورد قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه" يعني لو أن إنسانا ملك مثل أحد ذهب أنفقه كلّه في سبيل الله وأحد الصحابة أنفق ملء يده، أو مدّ يده ذهبا، فهذا الذي أنفقه الصحابي أفضل من نفقة هذا الذي بلغ مثل أحد ذهبا، وهذا يدل على فضل الصحابة رضي الله عنهم وتميّزهم بما خصّهم الله سبحانه وتعالى به من خيرية وفضل. المتن: وَمِنَ السُّنَّةِ:التَّرَضّي عَنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أمَّهاتِ المؤمِنِينَ المُطَهَّراتِ المُبرَّآتِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، أَفْضَلُهُنَّ خَديجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ،وَعَائِشَةُ الصِّدِّيقةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ الَّتي بَرَّأَها اللهُ في كِتَابِهِ، زَوْجُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، فَمَن قَذفَها بما برَّأَهَا اللهُ مِنْهُ في كتابه فَقَدْ كَفَرَ باللهِ العظيمِ. الشرح: ثم ذكر هنا الواجب تجاه أمهات المؤمنين أزواج النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فذكر خلاصة في ذلك وأن الواجب الترضي عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم جميعا، واعتقاد أنهنمطهّرات مبرءات من كل سوء وأن أفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وعائشة رضي الله عنهما وعن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أجمعين. (الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه) أي أنزل الله سبحانه وتعالى في كتابه وحيا يُتلى ببراءتها، ولما نزلت تلك الآيات الكريمات في براءتها تواضعت رضي الله عنها، وقالت: ولشأني في نفسي أحقر من أن يُنزل الله فيّ وحيا يُتلى، وأصبحت براءتها رضي الله عنها آيات تُتلى وتُحفظ في الصدور وتُقرأ وتُكتب معلنة براءتها رضي الله عنها وأرضاها مما رميت به، وأُلصق بها رضي الله عنها وأرضاها من إفك وافتراء. واستنادا إلى هذه الآيات قال أهل العلم: من رمى عائشة رضي الله عنها بما برّأها الله منه فهو كافر، لا يقبل الله منه عمل، لا صلاة ولا صيام ولا حج، ولا غير ذلك، فهو كافر، لأن الله سبحانه وتعالى أنزل وحيا يقرأه المسلون ويحفظونه ويرتّلونه، فيه إعلان براءة عائشة رضي الله عنها مما رُميت به، فمن أبى إلا أن يرميها بما برأها الله سبحانه وتعالى منه، فهو كافر بالله، كافر بالقرآن، كافر بدين الله سبحانه وتعالى، لا يُقبل منه أي عمل من الأعمال، ولهذا قال المصنف: (فمن قذفها بما برّأها الله منه فقد كفر بالله العظيم) وأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
شرح كتاب (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة رحمه الله، للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله( درس 23) الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد المتن: وَمُعَاوِيَةُ خَالُ المُؤْمِنينَ، وَكَاتِبُ وَحْيِ اللهِ، أَحَدُ خُلَفَاءِ المُسْلِمِينَ. الشرح: (ومعاوية خال المؤمنين)معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه وهو صحابي جليل، وله مكانته، وله قدره، وله منزلته في نفوس المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وله أيضا مناقبه وخصائصه، وهو كاتب وحي النبي صلى الله عليه وسلم، وخال المؤمنين؛ لماذا لقّب بهذا اللقب؛ خال المؤمنين؟ لأن أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فهي من أمهات المؤمنين، ولقّب رضي الله عنه وأرضاه بخال المؤمنين لأن أخته إحدى أمهات المؤمنين، أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا لقب بهذا اللقب. (وكاتب وحي الله أحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم)وخصّه هنا في هذا المعتقد بالذكر؛ لأن معاوية رضي الله عنه وأرضاه تجنّى عليه خلق كثيرون، كذبا عليه وعدوانا وثلبا ووقيعة وظلما وبغيا، فتجنى عليه خلق كثيرون فخصّه بالذكر في هذا المعتقد، وبين بهذه الخلاصة فضل هذا الصحابي ومكانته العظيمة، ومنزلته العلية، ومن تجرّأ على معاوية؛ وهذا أيضا من أسباب تخصيصه بالذكر، من تجرأ على معاوية؛ تجرأ أيضا على غيره، لأنه يفتح الباب بالجرأة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال أحد السلف كلمة عظيمة في هذا الباب: معاوية بن أبي سفيان ستر لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فمن هتكه؛ هتك ما وراءه. فالذي يتجرأ على معاوية سيتجرأ أيضا على غيره من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، والصحابة كلهم عدول؛ عدّلهم الله وأثنى عليهم، وأثنى عليهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وأخبر أنه رضي عنهم وأنهم رضوا عنه، فمن وقع في أحد من الصحابة رضي الله عنهم فإنما يضر نفسه، ولا يضر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا. المتن: وَمِنَالسُّنَّةِ:السَّمْعُ والطَّاعَةُ لأَئِمَّةِالمُسْلِمِينَ وأُمَراءِ المُؤْمِنِينَ، بَرِّهِمْ وفَاجِرِهمْ، مَا لَمْ يأْمُرُوابِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإنَّه لاَ طَاعَة لأَحَدٍ في مَعْصِيةِالله. الشرح: ثم ذكر الواجب تجاه ولاة الأمر؛ عملا بقول الله عزوجل: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" وعملا بالأحاديث الكثيرة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالسمع والطاعة لولاة الأمر. والإمام مسلم في كتابه الصحيح عقد كتابا بعنوان (الإمارة)؛ وساق فيه أحاديث كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب، والذي قال هذه الأحاديث هو الذي جاءت عنه أحاديث الصلاة وأحاديث الصيام وأحاديث الدين الأخرى، ومع ذلك فبعض الناس لأهواء أُشرب بها قلبه، إذا سمع الأحاديث التي تتعلق بالسمع والطاعة لولاة الأمر ينقبض قلبه، ولا يرتاح لها وينكمش منها وإذا سمع أحاديث الصلاة، أحاديث الصيام، يقبل عليها، مع أن الذي قال هذا؛ هو الذي قال هذا، فلماذا ينقبض هنا، وينشرح هنا، والقائل واحد، والواجب تجاه الأحاديث كلها واحدة، فلماذا بعض أحاديثه ينقبض منها، بل في حديث واحد قال عليه الصلاة والسلام: "اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم" فبعض الناس إذا ذكرت طاعة ولاة الأمر قلبه ينقبض وينكمش ولا يرتاح، وإذا جاءت الأحاديث الأخرى يقبل، مع أن الذي قال هذا؛ هو الذي قال هذا، وهو الصادق المصدوق الواجب طاعته في كل ما جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه، فلم الوحشة والانقباض من أحاديثه عليه الصلاة والسلام التي تتعلق بجانب الطاعة لولي الأمر، ولا تنقبض في الجوانب الأخرى، لاشك أن من وراء هذا الانقباض هوى تسرب إلى النفس، جعل النفس لا تقبل على هذه الأحاديث، ومنهم من يردّها، ومنهم من يتأوّلها، ومنهم ..الخ، في عدم الاقبال على أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المتعلقة في هذا الباب. وأهل العلم من أئمة السلف أوردوا هذا في الاعتقاد؛ لأن أهل البدع يخالفون في هذا الباب ويناكفون في هذا الأمر، ويتمرّدون ويفتاتون على ولي الأمر، ويشقّون الجماعة، وينزعون اليد من الطاعة، فأهل العلم أوردوا هذا في جملة الاعتقاد، ولذلك لا تكاد ترى مؤلفا في العقيدة مختصرا كان أو مطولا إلا ويضمّن هذا الجانب. (ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم) ليست الطاعة للبر فقط؛ بل الفاجر من الولاة أيضا يُطاع ويسمع له؛ إلا إذا أمر بمعصية، لا يُسمع له فيما أمر به من معصية ولا يُطاع، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الطاعة في المعروف" "ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، ولهذا قال المؤلف: (ما لم يؤمر بمعصية، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله) المتن: وَمَنْ وَلِيَ الخِلاَفَةَ واجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَرَضُوا بِهِ أَوْ غَلَبَهُمْ بِسَيْفِهِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةَ وَسُمِّيَ أَمِيرَالمُؤْمِنيِنَ، وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، وَحَرُمَتْ مُخَالَفَتُهُ وَالخُرُوجُ عَلَيْهِ وَشَقُّ عَصَا المُسْلِمينَ. الشرح: ثم بين ما قرره فيما سبق؛ فيما يتعلق بالولاة أن من ولي الأمر سواء باجتماع الناس عليه ورضاهم به، أو أيضا استخلفه الوالي الذي قبله، أو غلب الناس بالسيف، حتى صار الخليفة وسمّي أمير المؤمنين، وأصبح الأمر بيده، وجبت طاعته وحرُم مخالفته والخروج عليه، وشق عصا المسلمين. المتن: وَمِنَ السُّنَّةِ:هُجْرَانُ أَهْلِ البِدَعِ،وَمُبَايَنَتُهُمْ، وَتَركُ الجِدَالِ والخُصُوماتِ في الدِّينِ، وَتَرْكُ النَّظَرِ في كُتُبِ المُبْتَدِعَةِ والإصْغَاءِ إلى كلاَمِهمْ، وَكُلُّ مُحْدَثةٍفي الدِّينِ بِدْعَةٌ. وَكُلُ مُتَسَمٍّ بِغَيْرِ الإِسْلاَمِ والسُّنَّةِ مُبْتَدِعٌ، كالرَّافِضَةِ، والجَهْمِيَّةِ والخَوَارِجِ والقَدَرِيَّةِ وَالمُرْجِئَةِ، والمُعْتَزِلَةِ وَالكُرامِيَّةِ والسالمية وَالكُلاَّبِيَّةِ وَنَظَائِرِهِمْ، فَهذِهِ فِرَقُ الضَّلاَلِ، وَطَوائِفُ البِدَعِ، أَعَاذَنَا اللهُ مِنْها. الشرح: (ومن السنة هجران أهل البدع) أيضا وترك النظر في كتب المبتدعة، فالمراد بهذين الأمرين؛ صيانة المعتقد، وحفظ الدين، والسلامة من العقائد الباطلة، والأهواء الزائفة التي ابتلي بها خلق وأقوام. وهجران أهل البدع؛ المراد منه؛ من حيث الجملة أمران: الأمر الأول: يتعلق بالهاجر ليسلم له دينه؛ فإذا هجرهم ابتعد عنهم، وابتعد عن مخالطتهم، وعن مجالستهم، هذا أسلم لدينه، لأنه قد يجالسهم ويباسطهم ويؤانسهم؛ ثم يلقون عليه من الشبهات ما قد تضرّ بدينه وعقيدته. والسبب الثاني: من أجل المهجور؛ لعل في ذلك ردعا له، وزجرا له عن بدعته وضلالته، ولهذا يقال: الهجرُ للزجر. وهذا الباب من حيث الجملة؛ تُراعى فيه قاعدة الشريعة التي هي: جلب المصالح ودرء المفاسد، والمسألة مبنية على هذه القاعدة، فينبغي أن يكون التعامل في هذا الباب في ضوء هذه القاعدة؛ قاعدة الشريعة: جلب المصالح ودرء المفاسد. (ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين)لأنه كما قال السلف: من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقّل. ومما يُروى في هذا الباب أن أحد المبتدعة جاء لأحد أئمة السلف ليناظره؛ فقال: أما أنا فعلى بيّنة من ديني، وأما أنت فشاكّ فاذهب إلى شاكّ مثلك فجادله. وخاصة إذا عُلم من الشخص المُناظر أنه لا هم له إلا في الجدل وفي المغالطة، لا يبحث عن الحق ولا يتحرّاه. أما إذا كان الشخص؛ يُعرف عنه أنه يبحث عن الحق ويريد الحق، فهذا يُجادل بالتي هي أحسن، ولا تكون أيضا مجادلته إلا من عالم، أما من لا علم عنده فلا يجادل، لأنه إن جادل أضرّ بنفسه، فقد تُلقى عليه شبهة لا يستطيع ردّها، وقد تكون أيضا مؤثرة عليه في عقيدته وإيمانه. (وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم) لأن النظر في كتب هؤلاء قد يتسبب بدخول شبهات هؤلاء على الإنسان فيضر بدينه، والإنسان إذا أراد أن يخاطر بشيء؛ فلا يخاطر بدينه، فإن دينه أغلى ما يملك في هذه الحياة، وما أكثر ما يخاطر الناس ولاسيما في زماننا هذا في أديانهم، وكأن دينه أرخص شيء عنده، كثيرا ما يُخاطر الآن الناس في أديانهم، وانظروا إلى أحوال الناس مع القنوات الفضائية، ومع المواقع في الشبكة العنكبوتية، تجد الشاب الصغير الذي لا علم عنده؛ يفتح على كل المواقع، كفار وفجرة ومبتدعة وفساق ..الخ، وينظر هنا وينظر هنا، ويطلع إلى ما عند هؤلاء، حتى يتلوّث تماما بالشبهات والشهوات، والسبب أنه خاطر بدينه، وأوقع نفسه في الوحل، وحل الشبهات ووحل الشهوات، وهو الذي ورّط نفسه، في خطوات يخطوها، وتجده في البداية عندما يدخل مواقع الشبهات أو مواقع الشهوات؛ يدخل وهو خائف، ومتردد، هل أدخل أو لا؟ هل أنظر أو لا؟ متردد، ثم يتجرّأ ومن ورائه الشيطان يؤزه ويدفعه فينظر، ثم النظرة تجر نظرة، ويستمر به الأمر حتى يتلوّث تماما، ومن لطيف ما يذكر في هذا الباب؛ أن الإمام أحمد رحمه الله كان يوما يمشي مع أصحابه، فمروا بوحل؛ يعني طين وأرض زلقة، فعادة الإنسان إذا مر بوحل وثيابه نظيفة والطريق من أمامك وحل، وأنت تريد أن تمر؛ العادة ما هي، أنه تجده في البداية؛ يتردد ثم يحاول ينظر في الوحل أماكن يمشي عليها، ليسلم جسمه، وتسلم ملابسه من الوحل، فتجده يدخل بحذر، يبحث عن أماكن ناشفة أو حجر يقف عليه بحيث لا يلمس الطين، ثم إذا لمست رجله الطين، ماذا يصنع بعد ذلك؛ يمشي، تجده في البداية أولا يتردد، يقول: لا يمكن، ثيابي تتسخ وجسمي يتلوث، ثم تجده بعد هذا التردد؛ أنا أشوف طريق نظيف وأطأ على هذا الحجر ثم هذا الحجر حتى أصل، فإذا وطئ الطين مشى وواصل السير، إلى أن يتلوّث تماما بالطين والوحل، والدخول في الشبهات والدخول في المعاصي مثل هذا تماما. ولهذا قال الإمام أحمد: هكذا شأن الذنوب أو شان المعاصي، شبهها بحال الإنسان مع الوحل. وأذكر مرة راسلني شخص برسالة يذكر حاله المزرية في المعاصي، ويقول: أنا أريد أن أتوب، ولكن ما أعرف كيف أتوب، ولكن من ضمن كلامه؛ قال لي: أنا في وحل، فذكرني بكلمة الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وتشبيه حال الذنوب بحال من يمر بالوحل على الوصف الذي مرّ ذكره. الشاهد؛ أن كتب أهل الباطل ومثلها مواقع أهل الباطل وقنوات أهل الباطل؛ لا تُشاهد ولا يُنظر إليها، ولا يُسمع إلى كلامهم، لأن من يستمع إلى كلامهم ويُشاهد ما يُقدمونه، هذا يُخاطر بدينه، ودين الإنسان أغلى شيء وأثمن شيء يملكه، ومن أراد أن يُخاطر بشيء لا يُخاطر بدينه. (وكل محدثة في الدين بدعة) أي كما قال عليه الصلاة والسلام: "كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (وكل متسم بغير الإسلام والسنة مبتدع) وأهل السنة سمّوا: أهل السنة، لأنهم مظاهر ظهرت بهم السنة، انتسبوا إليها وطبّقوها، فهم أهل السنة، لأنهم مظاهر ظهرت عليهم وبهم السنة، وأهل البدعة سمّوا أهل بدعة؛ لأنهم مصادر صدرت منهم البدعة، فصاروا منسوبين إليها، ولهذا تجد أهل البدع تارة ينسبون إلى البدعة نفسها التي أحدثوها كالرفض والخروج، وتارة ينسبون إلى من أسس لهم البدعة كالجهمية والكلابية وغيرهم. أما أهل السنة فلا ينتسبون إلى شيء إلا إلى سنة النبي عليه الصلاة والسلام، تمسكا بها وتحليا بها، وذكر هنا نماذج من أهل الضلال، وطوائف المبتدعة، قال: (كالرافضة، والجهمية، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة، والكرّامية، والسالمية، والكلامية، ونظرائهم، فهذه فرق الضلال، وطوائف البدع، أعاذنا الله منها) وأهل العلم أيضا أفردوا ما يتعلق التعريف بهذه الطوائف على وجه التحذير منها، ومن باطلهم، مؤلفات خاصة مفردة في هذا الباب. المتن: وأَمَّا النِّسْبَةِ إِلى إِمَامٍ في فُرُوعِ الدِّينِ كَالطَّوائِفِ الأَرْبَعِ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ، فَإِنَّ الاخْتِلاَفَ في الفُرُوعِ رَحمةٌ، وَالمُختَلِفُونَ فِيها مَحمُودُونَ في اخْتِلافِهمْ، مُثَابُونَ في اجْتِهَادِهِم، واختِلاَفُهُم رَحْمَةٌ وَاسِعةٌ، واتِّفَاقُهُم حُجَّةٌ قَاطِعةٌ. نَسْأَلُ اللهَ الكريم أَنْ يَعْصِمَنَا مِنَ البِدَعِ وَالفِتْنَةِ، وَيُحْييَنَا عَلَى الإِسْلامِ والسُّنَّةِ، ويَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَتَّبِعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فِي الحَياةِ، وَيَحْشُرَنَا في زُمْرَتِهِ بَعْدَ المَمَات بِرَحْمَتِهِ وفَضْلِهِ. وهذا آخِرُ المُعْتَقَدِ، والحَمْدُ للهِ الواحد الأحد القيوم الصمد، والصلاة والسلام على محمد أكرم والد وولد صلى الله عليه وآله بلا حساب ولا عدد. الشرح: لما حذر رحمه الله تعالى من الانتساب إلى طوائف الضلال وأئمة البدع، ذكر ما يتعلق بالمذاهب الفقهية الأربعة المشهورة. (وأما النسبة إلى إمام في فروع الدين كالطوائف الأربع فليس بمذموم، فإن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون محمودون في اختلافهم مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله شرح وبيان وتعليق على هذا؛ نكتفي بقراءته: [[ والاخْتِلافُ فيها ليسَ بِمَذْمُومٍ، حيثُ كانَ صَادِرًا عن نِيَّةٍ خَالِصَةٍ واجْتِهَادٍ، لا عن هَوًى وتَعَصُّبٍ؛ لأنه وَقَعَ في عَهْدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يُنْكِرْه، حيثُ قالَ في غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ: ((لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إلاَّ في بَنِي قُرَيْظَةَ))، فحَضَرَت الصَّلاةُ قَبْلَ وُصُولِهم، فَأخَّرَ بَعْضُهُم الصَّلاةَ حَتَّى وَصَلُوا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَصَلَّى بَعْضُهُم حِينَ خَافُوا خُرُوجَ الوَقْتِ، وَلَمْ يُنْكِر النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهم ) رواه البُخَارِيُّ، ولأن الاخْتِلافَ فيها مَوْجُودٌ في الصَّحَابَةِ وهم خيرُ القُرُونِ، ولأنَّه لا يُورِثُ عَدَاوَةً ولابَغْضَاءَ ولا تَفَرُّقَ كَلِمَةٍ بخَلافِ الاخْتِلافِ في الأُصُولِ. وقولُ المُؤَلِّفِ: (المُخْتَلِفُون فيه مَحْمُودُونَ في اخْتِلافِهِم) ليسَ ثناءً على الاختلافِ؛ فإن الاتِّفَاقَ خَيْرٌ منه، وإنما المُرَادُ به نَفْيُ الذَّمِّ عنه، وأنَّ كلَّ وَاحِدٍ مَحْمُودٌ على مَا قالَ؛ لأنه مُجْتَهِدٌ فيه مُرِيدٌ للحقِّ فهو مَحْمُودٌ على اجْتِهَادِهِ واتِّباعِ مَا ظَهَرَ له مِن الحَقِّ، وإنْ كانَ قد لا يُصِيبُ الحَقَّ. وقولُه: (إنَّ الاخْتِلافَ في الفُرُوعِ رَحْمَةٌ) وإنَّ (اخْتِلافَهم رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ)أي: داخِلٌ في رَحْمَةِ اللهِ وعَفْوِهِ حيثُ لم يُكَلِّفْهُم أَكْثَرَ ممَّا يَسْتَطِيعُون، ولم يُلْزِمْهُم بأَكْثَرَ ممَّا ظَهَرَ لَهُم،فلَيْسَ عليهم حَرَجٌ في هذا الاخْتِلافِ، بل هُم فيه داخِلُون تحتَ رَحْمَةِ اللهِ وعَفْوِهِ؛ إنْ أَصَابُوا فلهم أجْرَان، وإنْ أَخْطَؤُوا فلهم أجْرٌواحِدٌ.]] ثم ختم المؤلف رحمه الله مؤلفه بهذا الدعاء: (نسأل الله أن يعصمنا من البدع والفتنة، وأن يحيينا على الإسلام والسنة، ويجعلنا ممن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته وفضله، آميـــــــــــــــــــن. وهذا آخر المعتقد. والحمدلله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ) والوقت المقرر في هذا الأسبوع لدراسة هذا الكتاب وإنجازه في أسبوع، قد اضطرنا المرور على كثير من المواضع التي تحتاج إلى شيء من الوقوف والتوسع والتفصيل لمزيد البيان والإيضاح، لكن مررنا عليها مرورا سريعا. وعلى كل حال نرجو الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل مجلسنا هذا في موازين حسناتنا، وأن يجعله حُجّةً لنا، لاعلينا، وأن يجزي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى خير الجزاء، وجميع علماء المسلمين وأن يُلحقنا جمعياً بالصالحين من عباده وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وجزاكم الله جميعاً خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. -تم شرح الشيخ عبدالرزاق البدر حفظه الله- |
الساعة الآن 03:26 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir