معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=818)
-   -   كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=44363)

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:25 AM

سورة غافرٍ
 
سورة غافرٍ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة غافرٍ
قوله تعالى: {ويستغفرون للّذين آمنوا} [غافر: 7].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ استغفار الملائكة لأهل الأرض خاصٌّ بالمؤمنين منهم.

وقد جاءت آيةٌ أخرى يدلّ ظاهرها على خلاف ذلك، وهي قوله تعالى: {ويستغفرون لمن في الأرض} الآية [الشورى: 5].
والجواب: أنّ آية «غافرٍ» مخصّصةٌ لآية «الشّورى»، والمعنى: ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين؛ لوجوب تخصيص العامّ بالخاصّ.


قوله تعالى: {وإن يك صادقًا يصبكم بعض الّذي يعدكم} [غافر: 28].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن في هذه الآية من توهّم المنافاة بين الشّرط والجزاء في البعض؛ لأنّ المناسب لاشتراط الصّدق هو أن يصيبهم جميع الّذي يعدهم لا بعضه، مع أنّه تعالى لم يقل: وإن يك صادقًا يصبكم كلّ الّذي يعدكم.

وأجيب عن هذا بأجوبةٍ، من أقربها -عندي-: أنّ المراد بالبعض الّذي يصيبهم هو البعض العاجل الّذي هو عذاب الدّنيا؛ لأنّهم أشدّ خوفًا من العذاب العاجل، ولأنّهم أقرب إلى التّصديق بعذاب الدّنيا منهم بعذاب الآخرة.
ومنها: أنّ المعنى: إن يك صادقًا فلا أقلّ من أنّ يصيبكم بعض الّذي يعدكم.

وعلى هذا، فالنّكتة المبالغة في التّحذير؛ لأنّه إذا حذّرهم من إصابة البعض، أفاد أنّه مهلكٌ مخوّفٌ، فما بال الكلّ؟

وفيه إظهارٌ لكمال الإنصاف وعدم التّعصّب، ولذا قدّم احتمال كونه كاذبًا.
ومنها: أنّ لفظة «البعض» يراد بها الكلّ.

وعليه، فمعنى: {بعض الّذي يعدكم}: كلّ الّذي يعدكم.

ومن شواهد هذا في اللّغة العربيّة قول الشّاعر:

إنّ الأمور إذا الأحداث دبّرها ... دون الشّيوخ ترى في بعضها خللًا
يعني: ترى فيها خللًا.
وقول القطاميّ:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل
يعني: قد يدرك المتأنّي حاجته.
وأمّا استدلال أبي عبيدة لهذا بقول لبيدٍ:
ترّاك أمكنةٍ إذا لم أرضها ... أو يعتلق بعض النّفوس حمامها
فغلطٌ منه؛ لأنّ مراد لبيدٍ بـ«بعض النّفوس» نفسه، كما بيّنته في رحلتي في الكلام على قوله: {ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال} الآية [الرعد: 31] ). [دفع إيهام الاضطراب: 274-275]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:25 AM

سورة فصّلت
 
سورة فصّلت
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة فصّلت
قوله تعالى: {قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض} إلى قوله: {ثمّ استوى إلى السّماء} [فصلت: 9-11].
تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30] في الكلام على قوله تعالى: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثمّ استوى إلى السّماء} الآية [البقرة: 29].


قوله تعالى: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن من منافاة هذه الحال وصاحبها؛ لأنّها جمعٌ مذكّرٌ عاقلٌ، وصاحبها ضمير تثنيةٍ لغيرٍ عاقلٍ، ولو طابقت صاحبها في التّثنية حسب ما يسبق إلى الذّهن، لقال: أتينا طائعتين.
والجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما -وهو الأظهر عندي-: أنّ جمعه للسّماوات والأرض، لأنّ السّماوات سبعٌ والأرضين كذلك، بدليل قوله: {ومن الأرض مثلهنّ} [الطلاق: 12]، فالتّثنية لفظيّةٌ تحتها أربعة عشر فردًا.
وأمّا إتيان الجمع على صيغة جمع العقلاء؛ فلأنّ العادة في اللّغة العربيّة أنّه إذا وصف غير العاقل بصفةٍ تختصّ بالعاقل أجري عليه حكمه. ومنه قوله تعالى: {إنّي رأيت أحد عشر كوكبًا والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4]، لمّا كان السّجود في الظّاهر من خواصّ العقلاء أجري حكمهم على الشّمس والقمر والكواكب لوصفها به.

ونظيره قوله تعالى: {قالوا نعبد أصنامًا فنظلّ لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرّون} [الشعراء: 71 - 73]، فأجرى على الأصنام حكم العقلاء؛ لتنزيل الكفّار لها منزلتهم.

ومن هذا المعنى قول قيس بن الملوّح:

أسرب القطّا هل من يعير جناحه ... .. .. ... .....
فإنّه لمّا طلب الإعارة من القطّا، وهي من خواصّ العقلاء، أجرى على القطّا اللّفظ المختصّ بالعقلاء لذلك.

ووجه تذكير الجمع: أنّ السّماوات والأرض تأنيثها غير حقيقيٍّ.
الوجه الثّاني: أنّ المعنى: {قالتا أتينا طائعين} فيكون فيه تغليب العاقل على غيره. والأوّل أظهر عندي. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 276-277]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:26 AM

سورة الشّورى
 
سورة الشّورى
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الشّورى
قوله تعالى: {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذّلّ ينظرون من طرفٍ خفيٍّ} الآية [الشورى: 45].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ الكفّار يوم القيامة ينظرون بعيونٍ خفيّةٍ ضعيفة النّظر.

وقد جاءت آيةٌ أخرى يتوهّم منها خلاف ذلك، وهي قوله تعالى: {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديدٌ} [ق: 22].
والجواب: هو ما ذكره صاحب الإتقان، من أنّ المراد بحدّة البصر: العلم وقوّة المعرفة.

قال قطربٌ: {فبصرك} أي: علمك ومعرفتك بها قويّةٌ، من قولهم: بصر بكذا، أي علم، وليس المراد رؤية العين.

قال الفارسيّ: ويدلّ على ذلك قوله: {فكشفنا عنك غطاءك} [ق: 22].
وقال بعض العلماء: {فبصرك اليوم حديدٌ} أي: تدرك به ما عميت عنه في دار الدّنيا. ويدلّ لهذا قوله تعالى: {ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا} الآية [السجدة: 12]، وقوله: {ورأى المجرمون النّار فظنّوا أنّهم مواقعوها} الآية [الكهف: 53]، وقوله: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظّالمون اليوم في ضلالٍ مبينٍ} [مريم: 38].
ودلالة القرءان على هذا الوجه الأخير ظاهرةٌ، فلعلّه هو الأرجح، وإن اقتصر صاحب الإتقان على الأوّل). [دفع إيهام الاضطراب: 278-279]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:26 AM

سورة الزّخرف
 
سورة الزّخرف
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الزّخرف
قوله تعالى: {قالوا لو شاء الرّحمن ما عبدناهم} [الزخرف: 20].
كلامهم هذا حقٌّ؛ لأنّ كفرهم بمشيئة الله الكونيّة.

وقد صرّح الله بأنّهم كاذبون، حيث قال: {ما لهم بذلك من علمٍ إن هم إلّا يخرصون} [الزخرف: 20].
وقد قدّمنا الجواب واضحًا في سورة الأنعام " في الكلام على قوله: {سيقول الّذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا} الآية [الأنعام: 148].


قوله تعالى: {وهو الّذي في السّماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ} [الزخرف: 84].
هذا العطف مع التّنكير في هذه الآية يتوهّم الجاهل منه تعدّد الآلهة، مع أنّ الآيات القرآنيّة مصرّحةٌ بأنّه واحدٌ، كقوله: {فاعلم أنّه لا إله إلّا الله} [محمد: 19]، وقوله: {وما من إلهٍ إلّا إلهٌ واحدٌ} الآية [المائدة: 73].
والجواب: أنّ معنى الآية: أنّه تعالى هو معبود أهل السّماوات والأرض. فقوله: {وهو الّذي في السّماء إلهٌ} أي: معبودٌ وحده في السّماء، كما أنّه المعبود بالحقّ في الأرض، سبحانه وتعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 280]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:27 AM

سورة الدّخان
 
سورة الدّخان
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الدّخان
قوله تعالى: {ثمّ صبّوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنّك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 48-49].
هذه الآية الكريمة يتوهّم من ظاهرها ثبوت العزّة والكرم لأهل النّار، مع أنّ الآيات القرآنيّة مصرّحةٌ بخلاف ذلك، كقوله: {سيدخلون جهنّم داخرين} [غافر: 60]، أي: صاغرين أذلّاء، وكقوله: {ولهم عذابٌ مهينٌ} [آل عمران: 178]، وكقوله هنا: {خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم}[الدخان: 47].
والجواب: أنّها نزلت في أبي جهلٍ لمّا قال: أيوعدني محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم وليس بين جبليها أعزّ ولا أكرم منّي؟! فلمّا عذّبه الله بكفره قال له: {ذق إنّك أنت العزيز الكريم} في زعمك الكاذب، بل أنت المهان الخسيس الحقير.

فهذا التّقريع نوعٌ من أنواع العذاب). [دفع إيهام الاضطراب: 281]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:27 AM

سورة الجاثية
 
سورة الجاثية
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الجاثية
قوله تعالى: {وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا} [الجاثية: 34].
لا يعارض قوله تعالى: {لا يضلّ ربّي ولا ينسى} [طه: 52]، ولا قوله: {وما كان ربّك نسيًّا} [مريم: 64].
وقد قدّمنا الجواب واضحًا في سورة «الأعراف» ). [دفع إيهام الاضطراب: 282]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:27 AM

سورة الأحقاف
 
سورة الأحقاف
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الأحقاف
قوله تعالى: {قل ما كنت بدعًا من الرّسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} الآية [الأحقاف: 9].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّه صلّى الله عليه وسلّم لا يعلم مصير أمره، وقد جاءت آيةٌ أخرى تدلّ أنّه عالمٌ بأنّ مصيره إلى الخير، وهي قوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر} [الفتح: 2]، فأن قوله: {وما تأخر} تنصيصٌ على حسن العاقبة والخاتمة.
والجواب ظاهرٌ، وهو أنّ الله تعالى علّمه ذلك بعد أن كان لا يعلمه. ويستأنس له بقوله تعالى: {وعلّمك ما لم تكن تعلم} الآية [النساء: 113]، وقوله: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا} الآية [الشورى: 52]، وقوله: {ووجدك ضالًّا فهدى} [الضحى: 7]، وقوله: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلّا رحمةً من ربّك} الآية [القصص: 86].
وهذا الجواب هو معنى قول ابن عبّاسٍ -وهو مراد عكرمة والحسن وقتادة- بأنّها منسوخةٌ بقوله: {ليغفر لك الله ما تقدّم} الآية [الفتح: 2].
ويدلّ له: أنّ «الأحقاف» مكّيّةٌ، وسورة «الفتح» نزلت عام ستٍّ في رجوعه صلّى الله عليه وسلّم من الحديبية.
وأجاب بعض العلماء بأنّ المراد: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدّنيا من الحوادث والوقائع. وعليه فلا إشكال. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذابٍ أليمٍ} [الأحقاف: 31].
هذه الآية يفهم من ظاهرها أنّ جزاء المطيع من الجنّ غفران ذنوبه، وإجارته من عذابٍ أليمٍ، لا دخوله الجنّة.
وقد تمسّك جماعةٌ من العلماء -منهم الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى- بظاهر هذه الآية فقالوا: إنّ المؤمنين المطيعين من الجنّ لا يدخلون الجنّة، مع أنّه جاء في آيةٍ أخرى ما يدلّ على أنّ مؤمنيهم في الجنّة، وهي قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان} [الرحمن: 46]؛ لأنّه تعالى بيّن شموله للجنّ والإنس بقوله: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} [الرحمن: 47].

ويستأنس لهذا بقوله تعالى: {لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ} [الرحمن: 56]؛ لأنّه يشير إلى أنّ في الجنّة جنًّا يطمثون النّساء كالإنس.
والجواب عن هذا: أنّ آية «الأحقاف» نصّ فيها على الغفران والإجارة من العذاب، ولم يتعرّض فيها لدخول الجنّة بنفيٍ ولا إثباتٍ، وآية «الرّحمن» نصّ فيها على دخولهم الجنّة؛ لأنّه تعالى قال فيها: {ولمن خاف مقام ربّه}.
وقد تقرّر في الأصول: أنّ الموصولات من صيغ العموم، فقوله: {لمن خاف} يعمّ كلّ خائفٍ مقام ربّه.

ثمّ صرّح بشمول ذلك للجنّ والإنس معًا بقوله: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان}، فبيّن أنّ الوعد بالجنّتين لمن خاف مقام ربّه من آلائه، أي: نعمه على الإنس والجنّ.

فلا تعارض بين الآيتين؛ لأنّ إحداهما بيّنت ما لم تتعرّض له الأخرى.

ولو سلّمنا أنّ قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذابٍ أليمٍ} يفهم منه عدم دخولهم الجنّة؛ فإنّه إنّما يدلّ عليه بالمفهوم.
وقوله: {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} يدلّ على دخولهم الجنّة بعموم المنطوق، والمنطوق مقدّمٌ على المفهوم، كما تقرّر في الأصول.
ولا يخفى أنّا إذا أردنا تحقيق هذا المفهوم المدّعى، وجدناه معدومًا من أصله؛ للإجماع على أنّ قسمة المفهوم ثنائيّةٌ: إمّا أن يكون مفهوم موافقةٍ، أو مخالفةٍ، ولا ثالث.

ولا يدخل هذا المفهوم المدّعى في شيءٍ من أقسام المفهومين.

أمّا عدم دخوله في مفهوم الموافقة بقسميه، فواضحٌ.

وأمّا عدم دخوله في شيءٍ من أنواع مفهوم المخالفة؛ فلأن عدم دخوله في مفهوم الحصر أو العلّة أو الغاية أو العدد أو الصّفة أو الظّرف واضحٌ.
فلم يبق من أنواع مفهوم المخالفة يتوهّم دخوله فيه إلّا مفهوم الشّرط أو اللّقب، وليس داخلًا في واحدٍ منهما؛ فظهر عدم دخوله فيه أصلًا.
أمّا وجه توهّم دخوله في مفهوم الشّرط؛ فلأنّ قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم} فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بكونه جزاء الطّلب، وجمهور علماء العربيّة على أنّ الفعل إذا كان كذلك فهو مجزومٌ بشرطٍ مقدّرٍ لا بالجملة قبله، كما قيل به.
وعلى الصّحيح -الّذي هو مذهب الجمهور- فتقرير المعنى: أجيبوا داعي الله وآمنوا به، إن تفعلوا ذلك يغفر لكم. فيتوهّم في الآية مفهوم هذا الشّرط المقدّر.
والجواب عن هذا: أنّ مفهوم الشّرط عند القائل به، إنّما هو في فعل الشّرط لا في جزائه، وهو معتبرٌ هنا في فعل الشّرط على عادته، فمفهوم: إن تجيبوا داعي الله وتؤمنوا به يغفر لكم، أنّهم إن لم يجيبوا داعي الله ولم يؤمنوا به لم يغفر لهم. وهو كذلك.

أمّا جزاء الشّرط فلا مفهوم له؛ لاحتمال أن تترتّب على الشّرط الواحد مشروطاتٌ كثيرةٌ، فيذكر بعضها جزاءً له، فلا يدلّ على نفي غيره. كما لو قلت لشخصٍ مثلًا: إن تسرق يجب عليك غرم ما سرقت، فهذا الكلام حقٌّ ولا يدلّ على نفي غير الغرم كالقطع؛ لأنّ قطع اليد مرتّبٌ أيضًا على السّرقة كالغرم.

فكذلك الغفران والإجارة من العذاب ودخول الجنّة كلّها مرتّبةٌ على إجابة داعي الله والإيمان به، فذكر في الآية بعضها وسكت فيها عن بعضٍ، ثمّ بيّن في موضعٍ آخر. وهذا لا إشكال فيه.
وأمّا وجه توهّم دخوله في مفهوم اللّقب؛ فلأنّ اللّقب في اصطلاح الأصوليّين هو: ما لم يمكن انتظام الكلام العربيّ دونه، أعني المسند إليه، سواءٌ كان لقبًا أو كنيةً أو اسمًا أو اسم جنسٍ أو غير ذلك. وقد أوضحنا اللّقب غايةً في «المائدة».
والجواب عن عدم دخوله في مفهوم اللّقب: أنّ الغفران والإجارة من العذاب، المدّعى بالفرض أنّهما لقبان لجنس مصدريهما، وأنّ تخصيصهما بالذّكر يدلّ على نفي غيرهما في الآية، مسندان لا مسند إليهما؛ بدليل أنّ المصدر فيهما كامنٌ في الفعل، ولا يسند إلى الفعل إجماعًا ما لم يرد مجرّد لفظه على سبيل الحكاية.
ومفهوم اللّقب عند القائل به إنّما هو فيما إذا كان اللّقب مسندًا إليه؛ لأنّ تخصيصه بالذّكر عند القائل به يدلّ على اختصاص الحكم به دون غيره، وإلّا لما كان للتّخصيص بالذّكر فائدةٌ، كما علّلوا به مفهوم الصّفة.
وأجيب من جهة الجمهور بأنّ اللّقب ذكر ليمكن الحكم لا لتخصيصه بالحكم، إذ لا يمكن الإسناد بدون مسندٍ إليه.

وممّا يوضّح ذلك: أنّ مفهوم الصّفة الّذي حمل عليه اللّقب عند القائل به، إنّما هو في المسند إليه لا في المسند؛ لأنّ المسند إليه هو الّذي تراعى أفراده وصفاتها، فيقصد بعضها بالذّكر دون بعضٍ، فيختصّ الحكم بالمذكور.
أمّا المسند فإنّه لا يراعى فيه شيءٌ من الأفراد ولا الأوصاف أصلًا، وإنّما يراعى فيه مجرّد الماهية الّتي هي الحقيقة الذّهنيّة.
فلو حكمت مثلًا على الإنسان بأنّه حيوانٌ، فإنّ المسند إليه -الّذي هو الإنسان في هذا المثال- يقصد به جميع أفراده؛ لأنّ كلّ فردٍ منها حيوانٌ، بخلاف المسند -الّذي هو الحيوان في هذا المثال- فلا يقصد به إلّا مطلق ماهيّته وحقيقته الذّهنيّة من غير مراعاة الأفراد؛ لأنّه لو روعيت أفراده لاستلزم الحكم على الإنسان بأنّه فردٌ آخر من أفراد الحيوان، كالفرس مثلًا.
والحكم بالمباين على المباين باطلٌ إذا كان إيجابيًّا باتّفاق العقلاء.

وعامّة النّظّار على أنّ موضوع القضيّة إذا كانت غير طبيعيّةٍ يراعى فيه ما يصدق عليه عنوانها من الأفراد، باعتبار الوجود الخارجيّ إن كانت خارجيّةً، أو الذّهنيّ أن كانت حقيقيّةً.
وأمّا المحمول من حيث هو، فلا تراعى فيه الأفراد البتّة، وإنّما يراعى فيه مطلق الماهيّة.
ولو سلّمنا تسليمًا جدليًّا أنّ مثل هذه الآية يدخل في مفهوم اللّقب، فجماهير العلماء على أنّ مفهوم اللّقب لا عبرة به، وربّما كان اعتباره كفرًا؛ كما لو اعتبر معتبرٌ مفهوم اللّقب في قوله تعالى: {محمّدٌ رسول الله} [الفتح: 29] فقال: يفهم من مفهوم لقبه أنّ غير محمّدٍ صلى الله عليه وسلم لم يكن رسول الله. فهذا كفرٌ بإجماع المسلمين.
فالتّحقيق: أنّ اعتبار مفهوم اللّقب لا دليل عليه شرعًا ولا لغةً ولا عقلًا، سواءٌ كان اسم جنسٍ أو اسم عينٍ أو اسم جمعٍ، أو غير ذلك.
فقولك: جاء زيدٌ لا يفهم منه عدم مجيء عمرٍو. وقولك: رأيت أسدًا، لا يفهم منه عدم رؤيتك غير الأسد.
والقول بالفرق بين اسم الجنس فيعتبر، واسم العين فلا يعتبر، لا يظهر.

فلا عبرة بقول الصّيرفيّ وأبي بكرٍ الدّقّاق وغيرهما من الشّافعيّة، ولا بقول ابن خويز منداد وابن القصّار من المالكيّة، ولا بقول بعض الحنابلة، باعتبار مفهوم اللّقب؛ لأنّه لا دليل على اعتباره عند القائل به، إلّا أنّه يقول: لو لم يكن اللّقب مختصًّا بالحكم لما كان لتخصيصه بالذّكر فائدةٌ، كما علّل به مفهوم الصّفة لأنّ الجمهور يقولون: ذكر اللّقب ليسند إليه. وهو واضحٌ لا إشكال فيه.

وأشار صاحب مراقي السّعود إلى تعريف اللّقب بالاصطلاح الأصوليّ، وأنّه أضعف المفاهيم بقوله:

أضعفها اللّقب وهو ما أبي ... من دونه نظم الكلام العربي
وحاصل فقه هذه المسألة:

أنّ الجنّ مكلّفون على لسان نبيّنا محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم بدلالة الكتاب والسّنّة وإجماع المسلمين.

وأنّ كافرهم في النّار بإجماع المسلمين، وهو صريح قوله تعالى: {لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} [السجدة: 13]، وقوله تعالى: {فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون} [الشعراء: 94 - 95]، وقوله تعالى: {قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار} [الأعراف: 38]، إلى غير ذلك من الآيات.

وأنّ مؤمنيهم اختلف في دخولهم الجنّة، ومنشأ الخلاف: الاختلاف في فهم الآيتين المذكورتين، والظّاهر دخولهم الجنّة كما بيّنّا.

والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 283-290]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:28 AM

سورة القتال
 
سورة القتال
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة القتال
قوله تعالى: {فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشّاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفًّى} [محمد: 15].

هذه الآية الكريمة تدلّ على تعدّد الأنهار مع تعدّد أنواعها.
وقد جاءت آيةٌ أخرى يوهم ظاهرها أنّه نهرٌ واحدٌ، وهي قوله تعالى: {إنّ المتّقين في جنّاتٍ ونهرٍ} [القمر: 54].

وقد تقدّم الجمع واضحًا في سورة «البقرة» في الكلام على قوله تعالى: {ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ} الآية،وبيّنّا أنّ قوله: {ونهرٍ}: يعني: وأنهارٍ). [دفع إيهام الاضطراب: 291]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:28 AM

سورة الفتح
 
سورة الفتح
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الفتح
قوله تعالى: {إنّا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله} الآية [الفتح: 1-2].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن من تنافي هذه العلّة ومعلولها؛ لأنّ فتح الله لنبيّه لا يظهر كونه علّةً لغفرانه له.
والجواب عن هذا من وجهين:
الأوّل -وهو اختيار ابن جريرٍ، لدلالة الكتاب والسّنّة عليه-: أنّ المعنى: إنّ فتح الله لنبيّه يدلّ بدلالة الالتزام على شكر النّبيّ لنعمة الفتح، فيغفر الله له ما تقدّم وما تأخّر بسبب شكره بأنواع العبادة على تلك النّعمة، فكأنّ شكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم لازمٌ لنعمة الفتح، والغفران مرتّبٌ على ذلك اللّازم.
وأمّا دلالة الكتاب على هذا: ففي قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت النّاس يدخلون في دين الله أفواجًا * فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابًا} [النصر: 1-3].
فصرّح في هذه السّورة الكريمة بأنّ تسبيحه بحمد ربّه واستغفاره لربّه -شكرًا على نعمة الفتح- سببٌ لغفران ذنوبه؛ لأنّه رتّب تسبيحه بحمده واستغفاره بالفاء على مجيء الفتح والنّصر ترتيب المعلول على علّته، ثمّ بيّن أنّ ذلك الشّكر سبب الغفران بقوله: {إنّه كان توّابًا}.
وأمّا دلالة السّنّة: ففي قوله صلّى الله عليه وسلّم -لمّا قال له بعض أصحابه: لا تجهد نفسك بالعمل، فإنّ الله غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر-: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!))، فبيّن صلّى الله عليه وسلّم أنّ اجتهاده في العمل لشكر تلك النّعمة.

وترتّب الغفران على الاجتهاد في العمل لا خفاء به.
الوجه الثّاني: أنّ قوله: {إنّا فتحنا} يفهم منه بدلالة الالتزام الجهاد في سبيل الله؛ لأنّه السّبب الأعظم في الفتح، والجهاد سببٌ لغفران الذّنوب. فيكون المعنى: ليغفر لك الله بسبب جهادك المفهوم من ذكر الفتح.

والعلم عند الله تعالى).[دفع إيهام الاضطراب: 292-293]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:28 AM

سورة الحجرات
 
سورة الحجرات
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الحجرات
قوله تعالى: {يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى} [الحجرات: 13].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ خلق النّاس ابتداؤه من ذكرٍ وأنثى.
وقد دلّت آياتٌ أخر على خلقهم من غير ذلك، كقوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من ترابٍ} [غافر: 67]، وقوله تعالى: {يا أيّها النّاس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنّا خلقناكم من ترابٍ} [الحج: 5].
والجواب واضحٌ، وهو أنّ التّراب هو الطّور الأوّل، وقد قال تعالى: {وقد خلقكم أطوارًا} [نوح: 14].
وقد بيّن الله أطوار خلق الإنسان من مبدئه إلى منتهاه بقوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ} [المؤمنون: 12 - 13] إلى آخره). [دفع إيهام الاضطراب: 294]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:29 AM

سورة ق
 
سورة ق
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة ق
قوله تعالى: {فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد} [ق: 45].
هذه الآية تدلّ على خصوص التّذكير بالقرآن بمن يخاف وعيد الله.
وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على عمومه، كقوله تعالى: {فذكّر إنّما أنت مذكّرٌ} [الغاشية: 21]، وقوله تعالى: {وكذلك أنزلناه قرآنًا عربيًّا وصرّفنا فيه من الوعيد لعلّهم يتّقون أو يحدث لهم ذكرًا} [طه: 113].
والجواب: أنّ التّذكير بالقرآن عامٌّ، إلّا أنّه لمّا كان المنتفع به هو من يخاف وعيد الله، صار كأنّه مختصٌّ به، كما أشار إليه قوله تعالى: {وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين} [الذاريات: 55]، كما تقدّم نظيره مرارًا). [دفع إيهام الاضطراب: 295]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:29 AM

سورة الذّاريات
 
سورة الذّاريات
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الذّاريات
قوله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} [الذاريات: 24].
لا يخفى ما بين هذا النّعت ومنعوته من التّنافي في الظّاهر؛ لأنّ النّعت صيغة جمعٍ والمنعوت لفظٌ مفردٌ.
والجواب: أنّ لفظة «الضّيف» تطلق على الواحد والجمع؛ لأنّ أصلها مصدر ضاف، فنقلت من المصدريّة إلى الاسميّة، كما تقدّم في سورة «البقرة» ). [دفع إيهام الاضطراب: 296]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:30 AM

سورة الطّور
 
سورة الطّور
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الطّور
قوله تعالى: {كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ} [الطور: 21].
هذه الآية تقتضي عموم رهن كلّ إنسانٍ بعمله، ولو كان من أصحاب اليمين، نظرًا للشّمول المدلول عليه بلفظة: «كلّ»، وقد جاءت آيةٌ أخرى تدلّ على عدم شمولها لأصحاب اليمين، وهي قوله تعالى: {كلّ نفسٍ بما كسبت رهينةٌ إلّا أصحاب اليمين} [المدثر: 38 - 39].
والجواب ظاهرٌ، وهو أنّ آية «الطّور» هذه تخصّصها آية «المدّثّر» ). [دفع إيهام الاضطراب: 297]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:31 AM

سورة النّجم
 
سورة النّجم
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة النّجم
قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحيٌ يوحى} [النجم: 3-4].
هذه الآية الكريمة تدلّ بظاهرها على أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يجتهد في شيءٍ.

وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على أنّه صلّى الله عليه وسلّم ربّما اجتهد في بعض الأمور، كما دلّ عليه قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} [التوبة: 43]،وقوله تعالى: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} الآية [الأنفال: 67].

والجواب عن هذا من وجهين:
الأوّل -وهو الّذي اقتصر عليه ابن جريرٍ، وصدّر به ابن الحاجب في مختصره الأصوليّ-: أنّ معنى قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى} [النجم: 3] أي في كلّ ما يبلغه عن الله، {إن هو} أي كلّ ما يبلّغه عن الله {إلّا وحيٌ} من الله؛ لأنّه لا يقول على الله شيئًا إلّا بوحيٌ منه.

فالآية ردٌّ على الكفّار حيث قالوا: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم افترى هذا القرءان. كما قال ابن الحاجب.
الوجه الثّاني: أنّه إن اجتهد، فإنّه إنّما يجتهد بوحيٍ من الله يأذن له به في ذلك الاجتهاد، وعليه فاجتهاده بوحيٍ، فلا منافاة.
ويدلّ لهذا الوجه: أنّ اجتهاده في الإذن للمتخلّفين عن غزوة تبوك أذن الله له فيه حيث قال: {فأذن لمن شئت منهم} [النور: 62]، فلمّا أذن للمنافقين عاتبه بقوله: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين} [التوبة: 43]، فالاجتهاد في الحقيقة إنّما هو الإذن قبل التّبيّن، لا في مطلق الإذن، للنّصّ عليه.
ومسألة اجتهاد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعدمه من مسائل الخلاف المشهورة عند علماء الأصول، وسبب اختلافهم هو تعارض هذه الآيات في ظاهر الأمر.
قال مقيّده -عفا الله عنه-: الّذي يظهر أنّ التّحقيق في هذه المسألة: أنّه صلّى الله عليه وسلّم ربّما فعل بعض المسائل من غير وحيٍ في خصوصه، كإذنه للمتخلّفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبيّن صادقهم من كاذبهم، وكأسره لأسارى بدرٍ، وكأمره بترك تأبير النّخل، وكقوله: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ...)) الحديث، إلى غير ذلك.
وأنّ معنى قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى} لا إشكال فيه؛ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا ينطق بشيءٍ من أجل الهوى ولا يتكلّم بالهوى.
وقوله تعالى: {إن هو إلّا وحيٌ يوحى} يعني أنّ كلّ ما يبلّغه عن الله فهو وحيٌ من الله لا بهوًى ولا بكذبٍ ولا افتراءٍ، والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى} [النجم: 39].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّه لا ينتفع أحدٌ بعمل غيره.
وقد جاءت آيةٌ أخرى تدلّ على أنّ بعض النّاس ربّما انتفع بعمل غيره، وهي قوله تعالى: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ} الآية [الطور: 21]، فرفع درجات الأولاد -سواءٌ قلنا: إنّهم الكبار أو الصّغار- نفعٌ حاصلٌ لهم، وإنّما حصل لهم بعمل آبائهم لا بعمل أنفسهم.
اعلم أوّلًا: أنّ ما روي عن ابن عبّاسٍ من أنّ هذا كان شرعًا لمن قبلنا، فنسخ في شرعنا غير صحيحٍ، بل آية: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} محكمةٌ. كما أنّ القول بأنّ المراد بالإنسان خصوص الكافر غير صحيحٍ أيضًا.
والجواب من ثلاثة أوجهٍ:
الأوّل: أنّ الآية إنّما دلّت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه، ولم تدلّ على نفي انتفاعه بسعي غيره، لأنّه لم يقل: وأن لن ينتفع الإنسان إلّا بما سعى. وإنّما قال: {وأن ليس للإنسان}، وبين الأمرين فرقٌ ظاهرٌ؛ لأنّ سعي الغير ملكٌ لساعيه إن شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير، وإن شاء أبقاه لنفسه.
وقد أجمع العلماء على انتفاع الميّت بالصّلاة عليه والدّعاء له والحجّ عنه، ونحو ذلك ممّا ثبت الانتفاع بعمل الغير فيه.
الثّاني: أنّ إيمان الذّرّيّة هو السّبب الأكبر في رفع درجاتهم، إذ لو كانوا كفّارًا لما حصل لهم ذلك، فإيمان العبد وطاعته سعيٌ منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين، كما وقع في الصّلاة في الجماعة، فإنّ صلاة بعضهم مع بعضٍ يتضاعف بها الأجر زيادةً على صلاته منفردًا، وتلك المضاعفة انتفاعٌ بعمل الغير سعى فيه المصلّي بإيمانه وصلاته في الجماعة. وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى: {واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ}.
الثّالث: أنّ السّعي الّذي حصل به رفع درجات الأولاد ليس للأولاد، كما هو نصّ قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى}، ولكنّه من سعي الآباء، فهو سعيٌ للآباء أقرّ الله عيونهم بسببه بأن رفع إليهم أولادهم ليتمتّعوا في الجنّة برؤيتهم.

فالآية تصدّق الأخرى ولا تنافيها؛ لأنّ المقصود بالرّفع إكرام الآباء لا الأولاد، فانتفاع الأولاد تبعٌ، فهو بالنّسبة إليهم تفضّلٌ من الله عليهم بما ليس لهم، كما تفضّل بذلك على الولدان والحور العين والخلق الّذين ينشّؤهم للجنّة.

والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 298-301]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:32 AM

سورة القمر
 
سورة القمر
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة القمر
قوله تعالى: {فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر} [القمر: 29].
يدلّ على أنّ عاقر النّاقة واحدٌ.

وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على كونه غير واحدٍ، كقوله: {فعقروا النّاقة} الآية [الأعراف: 77]، وقوله: {فكذّبوه فعقروها} [الشمس: 14].
والجواب من وجهين:
الأوّل: أنّهم تمالئوا كلّهم على عقرها، فانبعث أشقاهم لمباشرة الفعل، فأسند العقر إليهم؛ لأنّه برضاهم وممالأتهم.
الوجه الثّاني: هو ما قدّمنا في سورة «الأنفال» من إسناد الفعل إلى المجموع مرادًا به بعضه، وذكرنا في «الأنفال» نظائره في القرءان العظيم. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {إنّ المتّقين في جنّاتٍ ونهرٍ} [القمر: 54].
تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ} الآية [محمد: 15] ). [دفع إيهام الاضطراب: 302]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:32 AM

سورة الرّحمن
 
سورة الرّحمن
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الرّحمن
قوله تعالى: {يرسل عليكما شواظٌ من نارٍ ونحاسٌ فلا تنتصران} [الرحمن: 35].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن من أنّ إرسال شواظ النّار الّذي هو لهبها، والنّحاس الّذي هو دخانها، أو النّحاس المذاب، وعدم الانتصار ليس في شيءٍ منه إنعامٌ على الثّقلين.

وقوله لهم: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} يفهم منه أنّ إرسال الشّواظ والنّحاس وعدم الانتصار من آلاء الله، أي نعمه على الجنّ والإنس.
والجواب من وجهين:
الأوّل: أنّ تكرير: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} للتّوكيد: ولم يكرّره متواليًا؛ لأنّ تكريره بعد كلّ آيةٍ أحسن من تكريره متواليًا.

وإذا كان للتّوكيد فلا إشكال؛ لأنّ المذكور منه بعد ما ليس من الآلاء مؤكّدٌ للمذكور بعد ما هو من الآلاء.
الوجه الثّاني: أنّ {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} لم تذكر إلّا بعد ذكر نعمةٍ أو موعظةٍ أو إنذارٍ وتخويفٍ، وكلّها من آلاء الله الّتي لا يكذّب بها إلّا كافرٌ جاحدٌ.

أمّا في ذكر النّعمة، فواضحٌ.
وأمّا في الموعظة، فلأنّ الوعظ تلين له القلوب فتخشع وتنيب، فالسّبب الموصل إلى ذلك من أعظم النّعم، فظهر أنّ الوعظ من أكبر الآلاء.
وأمّا في الإنذار والتّخويف كهذه الآية، ففيه أيضًا أعظم نعمةً على العبد؛ لأنّ إنذاره في دار الدّنيا من أهوال يوم القيامة من أعظم نعم الله عليه.
ألا ترى أنّه لو كان أمام إنسانٍ مسافرٍ مهلكةٌ كبرى، وهو مشرفٌ على الوقوع فيها من غيرٍ أن يعلم بها، فجاءه إنسانٌ فأخبره بها وحذّره عن الوقوع فيها، أنّ هذا يكون يدًا له عنده وإحسانًا يجازيه عليه جزاء أكبر الإنعام؟
وهذا الوجه الأخير هو مقتضى الأصول؛ لأنّه قد تقرّر في علم الأصول: أنّ النّصّ إذا احتمل التّوكيد والتّأسيس، فالأصل حمله على التّأسيس لا على التّوكيد؛ لأنّ في التّأسيس زيادة معنًى ليس في التّوكيد.
وعلى هذا القول، فتكرير: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} إنّما هو باعتبار أنواع النّعم المذكورة قبلها من إنعامٍ أو موعظةٍ أو إنذارٍ، وقد عرفت أنّ كلّها من آلاء الله.

فالمذكورة بعد نعمه كالمذكورة بعد قوله: {وله الجواري المنشآت} الآية [الرحمن: 24]، وبعد قوله: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} الآية [الرحمن: 22]؛ لأنّ السّفن واللّؤلؤ والمرجان من آلاء الله كما هو ضروريٌّ، والمذكورة بعد موعظةٍ كالمذكورة بعد قوله: {فإذا انشقّت السّماء} الآية [الرحمن: 37].

والمذكورة بعد إنذارٍ أو تخويفٍ كالمذكورة بعد قوله: {يرسل عليكما شواظٌ} الآية [الرحمن: 35]. والعلم عند الله تعالى.



قوله تعالى: {فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌّ} [الرحمن: 39].
تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {فوربّك لنسألنّهم أجمعين عمّا كانوا يعملون} [الحجر: 92 - 93]، وقوله: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم} الآية [الأعراف: 6] في سورة «الأعراف» ). [دفع إيهام الاضطراب: 303-305]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:33 AM

سورة الواقعة
 
سورة الواقعة
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الواقعة
قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} [الواقعة: 75].
يقتضي أنّه لم يقسم بهذا القسم.

وقوله تعالى: {وإنّه لقسمٌ لو تعلمون عظيمٌ} [الواقعة: 76]. يدلّ على خلاف ذلك.
والجواب من وجهين:
الأوّل: أنّ «لا» النّافية يتعلّق نفيها بكلام الكفّار، فمعناها إذًا ليس الأمر كما يزعمه المكذّبون للرّسول.

وعليه، فقوله: {أقسم} إثباتٌ مؤتنفٌ.
الثّاني: أنّ لفظة «لا» صلةٌ، وقد وعدنا ببيان ذلك بشواهده في الجمع بين قوله تعالى: {لا أقسم بهذا البلد} [البلد: 1]، مع قوله تعالى: {وهذا البلد الأمين} [التين: 3] ). [دفع إيهام الاضطراب: 306]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:33 AM

سورة الحديد
 
سورة الحديد
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الحديد
قوله تعالى: {ثمّ استوى على العرش} [الحديد: 4].
يدلّ على أنّه تعالى مستوٍ على عرشه عالٍ على جميع خلقه.

وقوله تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم} يوهم خلاف ذلك.
والجواب: أنّه تعالى مستوٍ على عرشه كما قال، بلا كيفٍ ولا تشبيهٍ، استواءً لائقًا بكماله وجلاله، وجميع الخلائق في يده أصغر من حبّة خردلٍ، فهو مع جميعهم بالإحاطة الكاملة والعلم التّامّ ونفوذ القدرة سبحانه وتعالى علوًّا كبيرًا، فلا منافاة بين علوّه على عرشه ومعيّته لجميع الخلائق.
ألا ترى -وللّه المثل الأعلى- أنّ أحدنا لو جعل في يده حبّةً من خردلٍ، أنّه ليس داخلًا في شيءٍ من أجزاء تلك الحبّة، مع أنّه محيطٌ بجميع أجزائها، ومع جميع أجزائها؟

والسّماوات والأرض ومن فيهما في يده تعالى أصغر من حبّة خردلٍ في يد أحدنا، وله المثل الأعلى سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا.

فهو أقرب إلى الواحد منّا من عنق راحلته، بل من حبل وريده، مع أنّه مستوٍ على عرشه، لا يخفى عليه شيءٌ من عمل خلقه، جلّ وعلا). [دفع إيهام الاضطراب: 307]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:34 AM

سورة المجادلة
 
سورة المجادلة
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة المجادلة
قوله تعالى: {والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا} [المجادلة: 14].
لا يخفى أنّ ترتيبه تعالى الكفّارة بالعتق على الظّهار والعود معًا يفهم منه أنّ الكفّارة لا تلزم إلّا بالظّهار والعود معًا.
وقوله: {من قبل أن يتماسّا} صريحٌ في أنّ التّكفير يلزم كونه قبل العود إلى المسيس.
اعلم أوّلًا: أنّ ما رجّحه ابن حزمٍ من قول داود -وحكاه ابن عبد البرّ عن بكير بن الأشجّ والفرّاء وفرقةٍ من أهل الكلام، وقال به شعبة- من أنّ معنى: {ثمّ يعودون لما قالوا} هو عودهم إلى لفظ الظّهار، فيكرّرونه مرّةً أخرى قولٌ باطلٌ؛ بدليل أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يستفصل المرأة الّتي نزلت فيها آية الظّهار، هل كرّر زوجها صيغة الظّهار أم لا؟ وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في الأقوال، كما تقدّم مرارًا.
والتّحقيق: أنّ الكفّارة ومنع الجماع قبلها لا يشترط فيهما تكرير صيغة الظّهار.

وما زعمه البعض أيضًا من أنّ الكلام فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، وتقديره: والّذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا، ثمّ يعودون لما قالوا سالمين من الإثم بسبب الكفّارة غير صحيحٍ أيضًا؛ لما تقرّر في الأصول من وجوب الحمل على بقاء التّرتيب إلّا لدليلٍ، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السّعود:

كذلك ترتيبٌ لإيجاب العمل ... بما له الرّجحان ممّا يحتمل
وسنذكر إن شاء الله الجواب عن هذا الإشكال على مذاهب الأئمّة الأربعة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، فنقول وبالله نستعين:
معنى العود عند مالكٍ فيه قولان، تؤوّلت المدوّنة على كلّ واحدٍ منهما، وكلاهما مرجّحٌ:
الأوّل: أنّه العزم على الجماع فقط.
الثّاني: أنّه العزم على الجماع وإمساك الزّوجة معًا.

وعلى كلا القولين فلا إشكال في الآية؛ لأنّ المعنى حينئذٍ: والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعزمون على الجماع، أو عليه مع الإمساك، فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا فلا منافاة بين العزم على الجماع، أو عليه مع الإمساك، وبين الإعتاق قبل المسيس.
وغاية ما يلزم على هذا القول حذف الإرادة، وهو واقعٌ في القرءان، كقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصّلاة} [المائدة: 6]، أي أردتم القيام إليها، وقوله: {فإذا قرأت القرآن} أي: أردت قراءته {فاستعذ بالله} الآية [النحل: 98].
ومعنى العود عند الشّافعيّ: أن يمسكها بعد المظاهرة زمانًا يمكنه أن يطلّق فيه فلا يطلّق.

وعليه فلا إشكال في الآية أيضًا؛ لأنّ إمساكه إيّاها الزّمن المذكور لا ينافي التّكفير قبل المسيس، كما هو واضحٌ.
ومعنى العود عند أحمد: هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه.

أمّا العزم فقد بيّنّا أنّه لا إشكال في الآية على القول به.
وأمّا على القول بأنّه الجماع، فالجواب: أنّه إن ظاهر وجامع قبل التّكفير يلزمه الكفّ عن المسيس مرّةً أخرى حتّى يكفّر، ولا يلزم من هذا جواز الجماع الأوّل قبل التّكفير؛ لأنّ الآية على هذا القول إنّما بيّنت حكم ما إذا وقع الجماع قبل التّكفير، وأنّه وجوب التّكفير قبل مسيسٍ آخر.
أمّا الإقدام على المسيس الأوّل فحرمته معلومةٌ من عموم قوله: {من قبل أن يتماسّا} ومعنى العود عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: هو العزم على الوطء.

وعليه فلا إشكال، كما تقدّم.
وما حكاه الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله في تفسيره عن مالكٍ من أنّه حكي عنه أنّ العود الجماع، فهو خلاف المعروف من مذهبه.
وكذلك ما حكاه عن أبي حنيفة من أنّ العود هو العود إلى الظّهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهليّة، فهو خلاف المقرّر في فروع الحنفيّة من أنّه العزم على الوطء، كما ذكرنا.

وغالب ما قيل في معنى العود راجعٌ إلى ما ذكرنا من أقوال الأئمّة رحمهم الله.
وقال بعض العلماء: المراد بالعود: الرّجوع إلى الاستمتاع بغير الجماع، والمراد بالمسيس في قوله: {من قبل أن يتماسّا} خصوص الجماع.
وعليه فلا إشكال، ولكن لا يخفى عدم ظهور هذا القول.

والتّحقيق: عدم جواز الاستمتاع بوطءٍ أو غيره قبل التّكفير؛ لعموم قوله: {من قبل أن يتماسّا}.
وأجاز بعضهم الاستمتاع بغير الوطء قائلًا: إنّ المراد بالمسيس في قوله: {من قبل أن يتماسّا} نفس الجماع لا مقدّماته.
وممّن قال بذلك الحسن البصريّ والثّوريّ. وروي عن الشّافعيّ أحد القولين.

وقال بعض العلماء: اللّام في قوله: {لما قالوا} بمعنى «في»، أي: يعودون فيما قالوا، بمعنى: يرجعون عنه، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((الواهب العائد في هبته)) الحديث.

وقيل: اللّام بمعنى «عن»، أي: يعودون عمّا قالوا، أي: يرجعون عنه. وهو قريبٌ ممّا قبله.
قال مقيّده -عفا الله عنه-: الّذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنّ العود له مبدأٌ ومنتهى، فمبدؤه العزم على الوطء، ومنتهاه الوطء بالفعل، فمن عزم على الوطء فقد عاد بالنّيّة، فتلزمه الكفّارة لإباحة الوطء. ومن وطء بالفعل تحتّم في حقّه اللّزوم، وخالف بالإقدام على الوطء قبل التّكفير.

ويدلّ لهذا أنّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا قال: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار))، وقالوا: يا رسول الله، قد عرفنا القاتل فما بال المقتول؟ قال: ((إنّه كان حريصًا على قتل صاحبه)) فبيّن أنّ العزم على الفعل عملٌ يؤاخذ به الإنسان.
فإن قيل: ظاهر الآية المتبادر منها يوافق قول الظّاهريّة الّذي قدّمنا بطلانه؛ لأنّ الظّاهر المتبادر من قوله: {لما قالوا} أنّه صيغة الظّهار، فيكون العود لها تكريرها مرّةً أخرى.
فالجواب: أنّ المعنى {لما قالوا} أنّه حرامٌ عليهم، وهو الجماع.

ويدلّ لذلك وجود نظيره في القرآن في قوله تعالى: {ونرثه ما يقول} [مريم: 80]، أي: ما يقول إنّه يؤتاه من مالٍ وولدٍ في قوله: {لأوتينّ مالًا وولدًا} [مريم: 77].

وما ذكرنا من أنّ من جامع قبل التّكفير يلزمه الكفّ عن المسيس مرّةً أخرى حتّى يكفّر هو التّحقيق، خلافًا لمن قال: تسقط الكفّارة بالجماع قبل المسيس.

كما روي عن الزّهريّ وسعيد بن جبيرٍ وأبي يوسف، ولمن قال: تلزم به كفّارتان.
كما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الرّحمن بن مهديٍّ، ولمن قال: تلزم به ثلاث كفّاراتٍ، كما رواه سعيد بن منصورٍ عن الحسن وإبراهيم.

والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً} [المجادلة: 12].
هذه الآية تدلّ على طلب تقديم الصّدقة أمام المناجاة.
وقوله تعالى: {أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقاتٍ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم} الآية [المجادلة: 13] يدلّ على خلاف ذلك.
والجواب ظاهرٌ، وهو أنّ الأخير ناسخٌ للأوّل. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 308-313]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:34 AM

سورة الحشر
 
سورة الحشر
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الحشر
قوله تعالى: {وما آتاكم الرّسول فخذوه} الآية [الحشر: 7].
تقدّم وجه الجمع بين الإطلاق الّذي في هذه الآية، والتّقييد الّذي في قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا استجيبوا للّه وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم} [الأنفال: 24]، وقوله تعالى: {ولا يعصينك في معروفٍ} [الممتحنة: 12] في سورة «الأنفال» ). [دفع إيهام الاضطراب: 314]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:35 AM

سورة الممتحنة
 
سورة الممتحنة
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الممتحنة
قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم} الآية [الممتحنة: 8].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ الكافر إذا لم يقاتل المؤمن في الدّين ولم يخرجه من داره لا يحرم برّه والإقساط إليه.

وقد جاءت آيةٌ أخرى تدلّ على منع موالاة الكفّار وموادّتهم مطلقًا، كقوله تعالى: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم} [المائدة: 51]،وقوله تعالى: {ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون} [الممتحنة: 9]، وقوله تعالى: {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر} الآية [المجادلة: 22].

والجواب: هو أنّ من يقول بنسخ هذه الآية فلا إشكال فيها على قوله.

وعلى القول بأنّها محكمةٌ، فوجه الجمع مفهومٌ منها؛ لأنّ الكافر الّذي لم ينه عن برّه والإقساط إليه مشروطٌ فيه عدم القتال في الدّين، وعدم إخراج المؤمنين من ديارهم، والكافر المنهيّ عن ذلك فيه هو المقاتل في الدّين المخرج للمؤمنين من ديارهم، المظاهر للعدوّ على إخراجهم.

والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 315]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:36 AM

سورة الصّفّ
 
سورة الصّفّ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الصّفّ
قوله تعالى: {والله لا يهدي القوم الفاسقين} [الصف: 5].
هذه الآية الكريمة تدلّ بظاهرها على أنّ الخارج عن طاعة الله لا يهديه الله.
وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على خلاف ذلك، كقوله تعالى: {قل للّذين كفروا إن ينتهوا} الآية [الأنفال: 38]، وقوله تعالى: {كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم} [النساء: 94].
والجواب: أنّ الآية من العامّ المخصوص، فهي في خصوص الأشقياء الّذين أزاغ الله قلوبهم عن الهدى لشقاوتهم الأزليّة.
وقيل: المعنى: لا يهديهم ما داموا على فسقهم، فإن تابوا منه هداهم). [دفع إيهام الاضطراب: 316]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:37 AM

سورة الجمعة
 
سورة الجمعة
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الجمعة
قوله تعالى: {والله لا يهدي القوم الظّالمين} [الجمعة: 5].
فيه الإشكال. والجواب مثل ما ذكرنا آنفًا في قوله تعالى: {والله لا يهدي القوم الفاسقين} [الصف: 5].


قوله تعالى: {وإذا رأوا تجارةً أو لهوًا انفضّوا إليها} الآية [الجمعة: 11].
لا يخفى أنّ أصل مرجع الضّمير هو الأحدّ الدّائر بين التّجارة واللهو؛ لدلالة لفظة " أو " على ذلك، ولكنّ هذا الضّمير راجعٌ إلى التّجارة وحدها دون اللهو، فبينه وبين مفسّره بعض منافاةٍ في الجملة.
والجواب: أنّ التّجارة أهمّ من اللهو، وأقوى سببًا في الانفضاض عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّهم انفضّوا عنه من أجل العير. واللهو كان من أجل قدومها.

مع أنّ اللّغة العربيّة يجوز فيها رجوع الضّمير لأحد المذكورين قبله:
أمّا في العطف بـ«أو» فواضحٌ؛ لأنّ الضّمير في الحقيقة راجعٌ إلى الأحدّ الدّائر الّذي هو واحدٌ لا بعينه، كقوله تعالى: {ومن يكسب خطيئةً أو إثمًا ثمّ يرم به بريئًا} الآية [النساء: 112].
وأمّا الواو فهو فيها كثيرٌ.
ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} الآية [البقرة: 45]، وقوله تعالى: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها} الآية [التوبة: 34]، وقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولّوا عنه} الآية [الأنفال: 20].
ونظيره من كلام العرب قول نابغة ذبيان:
وقد أراني ونعمًا لاهيين بها ... والدّهر والعيش لم يهمم بإمرار
). [دفع إيهام الاضطراب: 317-318]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:37 AM

سورة المنافقون
 
سورة المنافقون
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة المنافقون
قوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول الله} الآية [المنافقون: 1].
هذا الّذي شهدوا عليه حقٌّ؛ لأنّ رسالة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم حقٌّ لا شكّ فيها.

وقد كذّبهم الله بقوله: {والله يشهد إنّ المنافقين لكاذبون}، مع أنّ قوله: {والله يعلم إنّك لرسوله} [المنافقون: 1] كأنّه تصديقٌ لهم.
والجواب: أنّ تكذيبه تعالى لهم منصبٌّ على إسنادهم الشّهادة إلى أنفسهم في قولهم: {نشهد}، وهم في باطن الأمر لا يشهدون برسالته، بل يعتقدون عدمها، أو يشكّون فيه، كما يدلّ للأوّل قوله تعالى عنهم: {أنؤمن كما آمن السّفهاء} إلى قوله: {ولكن لا يعلمون} [البقرة: 13]، ويدلّ للثّاني قوله تعالى: {وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون} [التوبة: 45].


قوله تعالى: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} الآية [المنافقون: 6].
ظاهر هذه الآية الكريمة أنّه لا يغفر للمنافقين مطلقًا.

وقد جاءت آيةٌ توهم الطّمع في غفرانه لهم إذا استغفر لهم رسوله صلّى الله عليه وسلّم سبعين مرّةً، وهي قوله تعالى: {إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80].
والجواب: أنّ هذه الآية هي الأخيرة، بيّنت أنّه لا يغفر لهم على كلّ حالٍ؛ لأنّهم كفّارٌ في الباطن). [دفع إيهام الاضطراب: 319-320]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:37 AM

سورة التّغابن
 
سورة التّغابن
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة التّغابن
قوله تعالى: {فاتّقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16].

تقدّم رفع الإشكال بينه وبين قوله تعالى: {اتّقوا الله حقّ تقاته} [آل عمران: 102]، في سورة «آل عمران» ). [دفع إيهام الاضطراب: 321]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:38 AM

سورة الطّلاق
 
سورة الطّلاق
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الطّلاق
قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ} الآية [الطلاق: 1].
ظاهرٌ في خصوص الخطاب به صلّى الله عليه وسلّم.
وقوله: {إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} الآية يقتضي خلاف ذلك.
والجواب هو ما تقدّم محرّرًا في سورة «الرّوم» من أنّ الخطاب الخاصّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حكمه عامٌّ لجميع الأمّة.


قوله تعالى: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحًا يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا قد أحسن الله له رزقًا} [الطلاق: 11].
أفرد الضّمير في هذه الآية في قوله: {يؤمن} وقوله: {ويعمل} وقوله: {يدخله} وقوله: {له}، وجمع في قوله: {خالدين}.
والجواب: أنّ الإفراد باعتبار لفظ: «من»، والجمع باعتبار معناه، وهو كثيرٌ في القرءان العظيم.

وفي هذه الآية الكريمة ردٌّ على من زعم أنّ مراعاة المعنى لا تجوز بعدها مراعاة اللّفظ؛ لأنّه في هذه الآية راعى المعنى في قوله: {خالدين}، ثمّ راعى اللّفظ في قوله: {قد أحسن الله له رزقًا} ). [دفع إيهام الاضطراب: 322]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:38 AM

سورة التّحريم
 
سورة التّحريم
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة التّحريم
قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ} [التحريم: 1]. مع قوله: {قد فرض الله لكم تحلّة أيمانكم} [التحريم: 2]، يجري فيه من الإشكال.
والجواب ما تقدّم في سورة «الطّلاق».


قوله تعالى: {وكانت من القانتين} [التحريم: 12].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن من أنّ المرأة ليست من الرّجال، وهو تعالى لم يقل من القانتات.
والجواب هو: إطباق أهل اللّسان العربيّ على تغليب الذّكر على الأنثى في الجمع، فلمّا أراد أن يبيّن أنّ مريم من عباد الله القانتين وكان منهم ذكورٌ وإناثٌ غلّب الذّكور، كما هو الواجب في اللّغة العربيّة، ونظيره قوله تعالى: {إنّك كنت من الخاطئين} [يوسف: 29]، وقوله: {إنّها كانت من قومٍ كافرين} [النمل: 43] ). [دفع إيهام الاضطراب: 323]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:38 AM

سورة الملك
 
سورة الملك
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الملك
قوله تعالى: {وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السّعير} [الملك: 10].
ظاهر هذه الآية الكريمة يدلّ على أنّهم ما كانوا يسمعون في الدّنيا ولا يعقلون.

وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على خلاف ذلك، كقوله: {وجعلنا لهم سمعًا وأبصارًا} [الأحقاف: 26]، وقوله: {فصدّهم عن السّبيل وكانوا مستبصرين} [العنكبوت: 38].

وقد قدّمنا الجواب عن هذا محرّرًا في الكلام على قوله: {صمٌّ بكمٌ}، وعلى قوله: {أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا} الآية [البقرة: 170] ). [دفع إيهام الاضطراب: 324]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:39 AM

سورة القلم
 
سورة القلم
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة القلم
قوله تعالى: {لولا أن تداركه نعمةٌ من ربّه لنبذ بالعراء} الآية [القلم: 49].
تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله: {فنبذناه بالعراء} الآية [الصافات: 145] ). [دفع إيهام الاضطراب: 325]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:39 AM

سورة الحاقّة
 
سورة الحاقّة
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الحاقّة
قوله تعالى: {إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه} [الحاقة: 20].
تقدّم رفع الإشكال بينه وبين الآيات الدّالّة على أنّ الظّنّ لا يكفي، كقوله: {إنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئًا} [يونس: 36]، في الكلام على قوله: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} [البقرة: 46] في سورة «البقرة».


قوله تعالى: {ولا طعامٌ إلّا من غسلينٍ} [الحاقة: 36].
ظاهر هذا الحصر أنّه لا طعام لأهل النّار إلّا الغسلين، وهو ما يسيل من صديد أهل النّار على أصحّ التّفسيرات، كأنّه فعلينٌ من الغسل؛ لأنّ الصّديد كأنّه غسالة قروح أهل النّار، أعاذنا الله والمسلمين منها.
وقد جاءت آيةٌ أخرى تدلّ على حصر طعامهم في غير الغسلين، وهي قوله تعالى: {ليس لهم طعامٌ إلّا من ضريعٍ} [الغاشية: 6]، وهو الشّبرق اليابس على أصحّ التّفسيرات، ويدلّ لهذا قول أبي ذؤيبٍ:
رعى الشّبرق الرّيّان حتّى إذا ذوى ... وصار ضريعًا بان عنه النّحائص
وللعلماء عن هذا أجوبةٌ كثيرةٌ، أحسنها عندي اثنان منها، ولذلك اقتصرت عليهما:
الأوّل: أنّ العذاب ألوانٌ، والمعذّبون طبقاتٌ، فمنهم من لا طعام له إلّا من غسلين، ومنهم من لا طعام له إلّا من ضريعٍ، ومنهم من لا طعام له إلّا الزّقّوم.

ويدلّ لهذا قوله تعالى: {لها سبعة أبوابٍ لكلّ بابٍ منهم جزءٌ مقسومٌ} [الحجر: 44].
الثّاني: أنّ المعنى في جميع الآيات: أنّهم لا طعام لهم أصلًا؛ لأنّ الضّريع لا يصدق عليه اسم الطّعام، ولا تأكله البهائم، فأحرى الآدميّون.
وكذلك الغسلين ليس من الطّعام، فمن طعامه الضّريع لا طعام له، ومن طعامه الغسلين كذلك.

ومنه قولهم: فلانٌ لا ظلّ له إلّا الشّمس، ولا دابّة إلّا دابّة ثوبه يعنون القمّل. ومرادهم: لا ظلّ له أصلًا، ولا دابّة له أصلًا. وعليه فلا إشكال. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 326-327]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:40 AM

سورة سأل سائلٌ
 
سورة سأل سائلٌ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة سأل سائلٌ
قوله تعالى: {في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ} [المعارج: 4].
تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله: {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ} [السجدة: 5]، وقوله: {وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون} [الحج: 47]، في سورة «الحجّ».


وقوله: {أو ما ملكت أيمانهم} [المعارج: 30]، تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين}[النساء: 23] في سورة «النّساء» ). [دفع إيهام الاضطراب: 328]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:40 AM

سورة نوحٍ
 
سورة نوحٍ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة نوحٍ
قوله تعالى: {إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلّا فاجرًا كفّارًا} [نوح: 27].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ نوحًا عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام عالمٌ بما يصير إليه الأولاد من الفجور والكفر قبل ولادتهم.

وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على أنّ الغيب لا يعلمه إلّا الله، كقوله: {قل لا يعلم من في السّماوات والأرض الغيب إلّا الله} [النمل: 65]، وكقول نوحٍ نفسه فيما ذكره الله عنه في سورة «هودٍ»: {ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب الآية} [هود: 31].

والجواب عن هذا ظاهرٌ، وهو أنّه علم بوحيٍ من الله أنّ قومه لا يؤمن منهم أحدٌ إلّا من آمن، كما بيّنه بقوله تعالى: {وأوحي إلى نوحٍ أنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن} الآية [هود: 36] ). [دفع إيهام الاضطراب: 329]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:41 AM

سورة الجنّ
 
سورة الجنّ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الجنّ
قوله تعالى: {وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبًا} [الجن: 15].
لا يعارض قوله: {إنّ الله يحبّ المقسطين} [الممتحنة: 8]؛ لأنّ القاسط هو الجائر، والمقسط هو العادل، فهما ضدّان.


قوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين} الآية [الجن: 23].
أفرد الضّمير في قوله: {له} وجمع قوله: {خالدين} والجواب هو ما تقدّم من أنّ الإفراد باعتبار لفظ: «من»، والجمع باعتبار معناها، وهو ظاهرٌ). [دفع إيهام الاضطراب: 330]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:41 AM

سورة المزّمّل
 
سورة المزّمّل
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة المزّمّل
قوله تعالى: {يا أيّها المزّمّل قم اللّيل إلّا قليلًا} [المزمل: 1-2]، وقوله: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل} إلى قوله: {وطائفةٌ من الّذين معك} الآية [المزمل: 20]، يدلّ على وجوب قيام اللّيل على الأمّة؛ لأنّ أمر القدوة أمرٌ لأتباعه.
وقوله: {وطائفةٌ من الّذين معك} دليلٌ على عدم الخصوص به صلّى الله عليه وسلّم.
وقد ذكر الله ما يدلّ على خلاف ذلك في قوله: {فاقرءوا ما تيسّر من القرآن}، وقوله: {فاقرءوا ما تيسّر منه} [المزمل: 20].

والجواب ظاهرٌ، وهو: أنّ الأخير ناسخٌ للأوّل، ثمّ نسخ الأخير أيضًا بالصّلوات الخمس.


قوله تعالى: {وكانت الجبال كثيبًا مهيلًا} [المزمل: 14].
لا يعارض قوله: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} [القارعة: 5]؛ لأنّ قوله: {وكانت الجبال كثيبًا مهيلًا} تشبيهٌ بليغٌ، والجبال بعد طحنها المنصوص عليه بقوله: {وبسّت الجبال بسًّا} [الواقعه: 15] تشبه الرّمل المتهايل، وتشبه أيضًا الصّوف المنفوش). [دفع إيهام الاضطراب: 331]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:41 AM

سورة المدّثّر
 
سورة المدّثّر
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة المدّثّر
قوله تعالى: {كلّ نفسٍ بما كسبت رهينةٌ} الآية [المدثر: 38].
تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ} الآية [الطور: 21] ). [دفع إيهام الاضطراب: 332]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:42 AM

سورة القيامة
 
سورة القيامة
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة القيامة
قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة: 1].
لا يعارض إقسامه به في قوله: {واليوم الموعود} [البروج: 2].

والجواب من وجهين:
أحدهما: أنّ «لا» نافيةٌ لكلام الكفّار.
الثّاني: أنّها صلةٌ كما تقدّم، وسيأتي له زيادة إيضاحٍ إن شاء الله تعالى.


قوله تعالى: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ إلى ربّها ناظرةٌ} [القيامة: 22-23].
تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] ). [دفع إيهام الاضطراب: 333]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:42 AM

سورة الإنسان
 
سورة الإنسان
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الإنسان
قوله تعالى: {وحلّوا أساور من فضّةٍ} [الإنسان: 21].
لا يعارضه قوله تعالى: {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ} الآية [الكهف: 31].
ووجه الجمع ظاهرٌ، وهو أنّهما جنّتان أوانيهما وجميع ما فيهما من فضّةٍ، وأخريان أوانيهما وجميع ما فيهما من ذهبٍ. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 334]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:42 AM

سورة المرسلات
 
سورة المرسلات
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة المرسلات
قوله تعالى: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات: 35-36].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ أهل النّار لا ينطقون ولا يعتذرون.
وقد جاءت آياتٌ تدلّ على أنّهم ينطقون ويعتذرون، كقوله تعالى: {والله ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23]، وقوله: {فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوءٍ} [النحل: 28]، وقوله: {بل لم نكن ندعو من قبل شيئًا} [غافر: 74]، وقوله: {تالله إن كنّا لفي ضلالٍ مبينٍ إذ نسوّيكم بربّ العالمين وما أضلّنا إلّا المجرمون} [الشعراء: 97 - 99]، وقوله: {ربّنا هؤلاء أضلّونا} [الأعراف: 38]، إلى غير ذلك من الآيات.
والجواب عن هذا من أوجهٍ:
الأوّل: أنّ القيامة مواطن، ففي بعضها ينطقون وفي بعضها لا ينطقون.
الثّاني: أنّهم لا ينطقون بما لهم فيه فائدةٌ. وما لا فائدة فيه كالعدم.
الثّالث: أنّهم بعد أن يقول الله لهم: {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 108] ينقطع نطقهم، ولم يبق إلّا الزّفير والشّهيق. قال تعالى: {ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون} [النمل: 85]، وهذا الوجه الثّالث راجعٌ للوجه الأوّل). [دفع إيهام الاضطراب: 335-336]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:44 AM

سورة النبأ
 
سورة النبأ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة النبأ
قوله تعالى: {لابثين فيها أحقاباً} [النبأ: 23].
تقدمّ وجه الجمع بينه هو والآيات المشابهة له، كقوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلاّ ما شاء ربّك}. [هود: 107]، مع الآيات المقتضية لدوام عذاب أهل النار بلا انقطاعٍ، كقوله: {خالدين فيها أبداً} في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: {قال النّار مثواكم خالدين فيها إلاّ ما شاء الله} الآية [الأنعام: 128]، فقد بيّنّا هناك أن العذاب لا ينقطع عنهم، وبيّنّا وجه الاستثناء بالمشيئة.

وأمّا وجه الجمع بين الأحقاب المذكورة هنا مع الدوام الأبديّ الذي قدّمنا الآيات الدالّة عليه، فمن ثلاثة أوجهٍ:
الأول: -وهو الذي مال إليه ابن جريرٍ، وهو الأظهر عندي؛ لدلالة ظاهر القرآن عليه-، هو: أنّ قوله: {لابثين فيها أحقاباً}. متعلّقٌ بما بعده؛ أي: {لابثين فيها أحقاباً} في حال كونهم {لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً إلاّ حميماً وغسّاقاً}، فإذا انقضت تلك الأحقاب عذّبوا بأنواعٍ أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغسّاق.

ويدلّ لهذا تصريحه تعالى بأنّهم يعذّبون بأنواعٍ أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغسّاق في قوله: {هذا فليذوقوه حميمٌ وغسّاقٌ * وآخر من شكله أزواجٌ} [ص: 57-58].

وغاية ما يلزم على هذا القول تداخل الحال، وهو جائزٌ حتى عند من منع ترادف الحال كابن عصفورٍ ومن وافقه.
وإيضاحه: أنّ جملة: {لا يذوقون} حالٌ من ضمير المستكن، ونعني باسم الفاعل قوله: {لابثين} الذي هو حالٌ. ونظيره من إتيان جملة فعلٍ مضارعٍ منفيٍّ بـ«لا» حالاً في القرآن قوله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئاً} [النحل: 78] أي: في حال كونكم لا تعلمون.
الثاني: أنّ هذه الأحقاب لا تنقضي أبداً، رواه ابن جريرٍ عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ، وقال: إنّه أصحّ من جعل الآية في عصاة المسلمين، كما ذهب إليه خالد بن معدان.
الثالث: أنّا لو سلّمنا دلالة قوله: {أحقاباً} على التّناهي والانقضاء، فإنّ ذلك إنّما فهم من مفهوم الظرف، والتأبيد مصرّحٍ به منطوقاً، والمنطوق مقدّمٌ على المفهوم، كما تقرّر في الأصول.

وقول خالد بن معدان: إنّ هذه الآية في عصاة المسلمين يردّه ظاهر القرآن؛ لأنّ الله قال: {وكذّبوا بآياتنا كذّاباً}. وهؤلاء الكفار). [دفع إيهام الاضطراب: 337-338]

محمد أبو زيد 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م 06:44 AM

سورة النّازعات
 
سورة النّازعات
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة النّازعات
قوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30].
تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله: {قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين} إلى قوله: {ثمّ استوى إلى السّماء}
[فصلت: 9-11]، في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثمّ استوى إلى السّماء} الآية.


قوله تعالى: {إنّما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45].
تقدمّ وجه الجمع بينه وبين الآيات الدّالّة على عموم الإنذار، كقوله: {ليكون للعالمين نذيراً} [الفرقان: 1]. في سورة (يس) وغيرها). [دفع إيهام الاضطراب: 339]


الساعة الآن 02:45 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir