![]() |
باب في صلاة أهل الأعذار وهم المرضى والمسافرون والخائفون. الذين لا يتمكّنون من أداء الصلاة على الصفة التي يؤديها غير المعذور. فهؤلاء خفف الشارع عنهم، وطلب منهم أن يصلّوا حسب استطاعتهم. قال تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" وقال تعالى: "لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها" أولا: المريض: الصلاة لا تسقط عن المريض، بل يصليها على حسب حاله. · المريض يلزمه أن يؤدي الصلاة قائما، فإن احتاج إلى الاعتماد على عصا ونحوه في قيامه، فلا بأس. · فإن لم يستطع القيام؛ بأن عجز عنه أو شق عليه أو خيف من قيامه زيادة مرض أو تأخر برء، فإنه حينها يصلي قاعدا. = ولا يشترط لإباحة القعود في الصلاة تعذر القيام، ولا يكفي لذلك أدنى مشقة >> بل المعتبر المشقة الظاهرة. وأجمع العلماء على أن من عجز عن القيام في الفريضة، صلّاها قاعدا، ولا إعادة عليه. وتكون هيئة قعوده حسب ما يسهل عليه. · فإن لم يستطع المريض الصلاة قاعدا، بأن شق عليه الجلوس مشقة ظاهرة، أو عجز عنه؛ فإنه يصلي على جنبه. · فإذا لم يقدر المريض أن يصلي على جنبه؛ تعيّن عليه أن يصلي على ظهره. قال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائما، فإن لم تستطع فصل قاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبك" - والمريض الذي يصلي جالسا وهو يستطيع السجود وجب عليه، فإن كان لا يستطيع السجود، أو صلى على جنبه، أو على ظهره؛ فإنه يومئ برأسه للركوع والسجود، ويجعل إيماء السجود أخفض. - والمريض العاجز عن الوضوء، أو ملابسه نجسة؛ ويقول: إن شفيت قضيت الصلوات جميعا، فهذا خطأ وجهل، فالصلاة تُصلى في وقتها حسب الإمكان، ولا يجوز لمسلم ترك الصلاة لكونه عاجز عن بعض أركانها أو شروطها؛ بل يصلّيها على حسب حاله. - وللمريض أن يصلي مستلقيا، مع قدرته على القيام؛ إذا قال له طبيب مسلم ثقة؛ لا يمكن مداواتك إلا إذا صليت مستلقيا. فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا حين جحش شقه. ثانيا صلاة الراكب: · إذا كان يتأذى بنزوله للصلاة على الأرض بوحل أو مطر. · أو يعجز عن الركوب إذا نزل. · و يخشى فوات رفقته إذا نزل. · أو يخاف على نفسه إذا نزل من عدو أو سبع. فيصلي في هذه الأحوال على مركوبه، ولا ينزل إلى الأرض، مستقبلا القبلة إن استطاع، مع فعل ما يقدر عليه من ركوع وسجود وإيماء بهما وطمأنينة. وما لا يقدر عليه فلا يكلف به. لحديث يعلى بن مرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه، وهو على راحلته، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن فأذّن وأقام، ثم تقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فصلّى بهم يومئ إيماء، يجعل السجود أخفض من الركوع) - وراكب الطائرة يصلي بحسب استطاعته من قيام أو قعود أو سجود أو ركوع أو إيماء بهما بحسب استطاعته، مستقبلا القبلة لأنه ممكن. ثالثا: صلاة المسافر ويشرع له قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، بدليل الكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" - ويبدأ القصر: بخروج المسافر من عامر بلده، لأن الله أباح القصر لمن ضرب في الأرض، وقبل خروجه لا يكون ضاربا ولا مسافرا. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر إذا ارتحل. - وكل مسافر يجوز له القصر؛ فإنه يجوز له الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في وقت أحدهما، ويفعل الأرفق به من جمع تأخير أو جمع تقديم. والجمع رخصة عارضة، يفعلها عند الحاجة، كما لو جدّ به السير. روى معاذ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في عزوة تبوك: إذا ارتحل قبل زيغ الشمس؛ أخّر الظهر حتى يجمعها إلى العصر ويصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس؛ صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء) - والمسافر إذا نزل للراحة؛ فالأفضل أن يصلي كل صلاة في وقتها قصرا بلا جمع. = ويباح كذلك الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، للمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن الأمة، فإذا احتاجوا الجمع جمعوا، ...) وقال أيضا: (يجمع المرضى كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين، ويباح الجمع لمن عجز عن الطهارة لكل صلاة، كمن به سلس بول، أو جرح لا يرقأ دمه، أو رعاف دائم، قياسا على المستحاضة ...) = ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة، لحصول مطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة. لأنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة، وفعله أبوبكر وعمر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (يجوز الجمع للوحل الشديد، والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك، وإن لم يكن المطر نازلا في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجمع، مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة، إذ السنة أن تُصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين ...) = وجمع التقديم بين الظهر والعصر بعرفة سنة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، ولأجل اتصال الوقوف بعرفة. وكذلك جمع التأخير بين المغرب والعشاء بمزدلفة سنة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، ولأجل مواصلة السير إليها. وفي غيرهما مباح، يفعله المسافر عند الحاجة، فإن لم تدع الحاجة إليه، فالأفضل أداء كل صلاة في وقتها قصرا دون جمع. رابعا: صلاة الخوف مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذا حذرهم وأسلحتهم" - وتُفعل صلاة الخوف عند الحاجة إليها سفرا وحضرا؛ إذا خيف هجوم العدو على المسلمين. فالمبيح لها هو الخوف لا السفر، فصلاة الخوف في الحضر لا يُقصر فيها عدد الركعات، وإنما تُقصر فيها صفة الصلاة. وصلاة الخوف في السفر يقصر فيها عدد الركعات إذا كانت رباعية، وتقصر فيها الصفة. - وتشرع صلاة الخوف بشرطين: · الشرط الأول: أن يكون العدو يحلّ قتاله. · الشرط الثاني: أن يخاف هجومه على المسلمين حال الصلاة. قال تعالى: "إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا" - صفة صلاة الخوف: قال الإمام أحمد: (صحّت صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه أو ستة كلها جائزة) ومن هذه الأوجه؛ ما كان من فعله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، وصفتها كما رواها سهل بن أبي حثمة الأنصاري قال: (أن طائفة صفت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتمّوا لأنفسهم، ثم سلم بهم) متفق عليه وهذه إنما تُفعل إذا لم يشتد الخوف. فإذا اشتد الخوف؛ بأن تواصل الطعن والضرب والكر والفر، وحان وقت الصلاة، فإنهم يصلّون على حسب حالهم؛ رجالا وركبانا للقبلة وغيرها يومئون للركوع وللسجود حسب طاقتهم، ولا يؤخرون الصلاة. قال تعالى: "فرجالا أو ركبانا" أي: صلوا رجالا أو ركبانا؛ والراجل هو الكائن على قدميه ماشيا أو واقفا، والركبان جمع راكب. - ومثل شدة الخوف؛ حالة الهرب من عدو أو سيل أو سبع، أو خوف فوات عدو يطلبه؛ فيصلي في هذه الحالة راكبا أو ماشيا، مستقبل القبلة وغير مستقبلها، يومئ بالركوع والسجود. - نستفيد من صلاة الخوف على هذه الكيفيّات العجيبة والتنظيم الدقيق: · أهمية الصلاة في الإسلام، وصلاة الجماعة على وجه الخصوص، لأنهما لم يسقطا في هذه الأحوال الحرجة. · فيها دلائل على كمال الشريعة الإسلامية، وأنها شرّعت لكل حال ما يُناسبها. · وفيها أيضا دلائل على سماحة الشريعة، ورفع الحرج عن الأمة، وصلاحيتها لكل زمان ومكان. |
باب في أحكام صلاة الجمعة ولا يقسم سورة من هذه السور بين الركعتين، فذلك خلاف السنة. قال صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع" - ومن خصائص يوم الجمعة: · استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته. قال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة" · صلاة الجمعة التي هي آكد فروض الإسلام، من تركها تهاونا طبع الله على قلبه. · خطبة الجمعة التي يقصد بها الثناء على الله والشهادة له بالوحدانية ولرسوله صلى الله عله وسلم بالرسالة وتذكير العباد. · الأمر بالاغتسال فيه، وهو سنة مؤكدة. · استحباب التطيب فيها. · استحباب التبكير للذهاب إلى المسجد لصلاة الجمعة، والاشتغال بالذكر والصلاة حتى يخرج الإمام، مع وجوب الإنصات للخطبة. · قراءة سورة الكهف في يومها. ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، سطع له نور من تحت قدمه، إلى عنان السماء، يضئ به يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين" · فيه ساعة الإجابة. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة: "إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا، إلا أعطاه إياه (وقال بيده يقللها)" = ويستحب التبكير في الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة: - فإذا دخل صلى تحية المسجد ركعتين. - وإن أراد أن يتنفل بزيادة صلوات، فلا مانع من ذلك؛ لأن السلف كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (... وهو المأثور عن الصحابة، فمنهم من يصلي عشر ركعات، ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة، ومنهم من يصلي ثمان ركعات، ومنهم من يصلي أقل من ذلك، ... والصلاة قبل الجمعة حسنة، وليست سنة راتبة ...) فليس قبلها سنة راتبة وإنما راتبتها بعدها ففي صحيح مسلم: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات" - والأحقية في المكان في المسجد للسابق بالحضور بنفسه، ووضع الحمى للمكان في المسجد دون حضور من الشخص اغتصاب للمكان. ومن أحكام الجمعة: · أن من دخل المسجد والإمام يخطب؛ لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما. قال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام، فليصل ركعتين" متفق عليه · ومن دخل والإمام يخطب فإنه لا يسلم، بل ينتهي للصف ويصلي ركعتين، ويجلس يستمع الخطبة، ولا يصافح من بجانبه. · ولا يجوز الكلام والإمام يخطب. قال صلى الله عليه وسلم: "من قال صه؛ فقد لغا، ومن لغا، فلا جمعة له" · ولا يجوز العبث حال الخطبة بيد أو رجل أو ثوب أو غيره لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مس الحصا فقد لغا، ومن لغا، فلا جمعة له" · كذلك لا ينبغي له الالتفات يمينا وشمالا، لأنه يشغله عن الاستماع للخطبة. · ويجوز للإمام أن يكلم بعض المأمومين حال الخطبة، ويجوز لغيره أن يكلمه لمصلحة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلّم سائلا، وكلمه هو. · ويجوز الكلام قبل الخطبة، وبعدها، وبين الخطبتين إذا جلس الإمام لمصلحة، ولا ينبغي التحدث بأمور الدنيا. · وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعها من الخطيب، ولا يرفع صوته بها. · ويسن أن يؤمن على دعاء الخطيب بلا رفع صوت. · وإذا عطس حمد الله بينه وبين نفسه. فقد دلت النصوص على أن الكلام حال الخطبة يُفسد الأجر، وأن المتكلم لا جمعة له، وأنه كالحمار يحمل أسفارا، فيجب الحذر من ذلك، والتحذير منه. = وصلاة الجمعة فرض مستقل، ليست بدلا من الظهر. قال عمر رضي الله عنه: (صلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم) - وهي فرض عين على كل: مسلم، ذكر، حر، مكلّف، مستوطن. روى أبو داود مرفوعا: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة؛ إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض"صححه غير واحد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (كل قوم مستوطنين ببناء متقارب، لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا، تقام فيه الجمعة ... فالأصل أن يكونوا مستوطنين، ليسوا كأهل الخيام والحلل، الذين ينتقلون في البقاع ...) - ولا تجب الجمعة على: 1) مسافر سفر قصر فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون، ولم يصل أحد منهم الجمعة في السفر. ومن خرج للبر في نزهة، ولم يكن حوله مسجد تقام فيه الجمعة، فلا جمعة عليه، ويصلي ظهرا. 2) ولا تجب على امرأة قال ابن المنذر: (أجمعوا أن لا جمعة على النساء ... ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد زوال الشمس حتى يصليها، وقبل الزوال يكره السفر إن لم يكن سيصليها في طريقه) شروط لصحة الجمعة: 1- دخول الوقت لأنها صلاة مفروضة، يشترط لها دخول الوقت وأداؤها بعد الزوال أفضل وأحوط، وقبله محل خلاف بين العلماء وآخر وقتها آخر وقت صلاة الظهر، بلا خلاف. 2- أن يكون المصلون مستوطنين بمساكن مبنية بما جرت العادة بالبناء به، فلا تصح من أهل الخيام، وبيوت الشعر. 3- ويشترط لصحة الجمعة تقدّم خطبتين قال ابن عمر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس) ومن شروط صحتها: حمدالله، والشهادتان، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والوصية بتقوى الله، والموعظة، وقراءة شيء من القرآن ولو آية. بخلاف ما عليه خطب المعاصرين اليوم، من خلوّها من هذه الشروط أو غالبها. قال الإمام ابن القيم: (ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جلّ جلاله، وأصول الإيمان الكليّة، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، ... فينصرف السامعون وقد أحبّوه وأحبّهم. ثم طال العهد وخفي نور النبوة ... فأخلّوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب، احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول صبحكم ومساكم. ما يسن فعله في خطبتي الجمعة والصلاة: · يسن أن يخطب على منبر. لفعله صلى الله عليه وسلم، كما أنه أبلغ في الإعلام والوعظ. قال النووي: (واتخاذه سنة مجمع عليها) · ويسن أن يسلم الخطيب على المأمومين إذا أقبل عليهم. قال جابر: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلّم) · ويسن أن يجلس على المنبر إلى فراغ المؤذن. لقول ابن عمر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب) · ومن سنن خطبتي الجمعة الجلوس بينهما. لحديث ابن عمر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس) متفق عليه · ومن سننهما أن يخطب قائما. لفعله صلى الله عليه وسلم · ويسن أن يعتمد على عصا ونحوه · ويسن أن يقصد تلقاء وجهه لفعله صلى الله عليه وسلم · ويسن أن يقصر الخطبة تقصيرا معتدلا؛ بحيث لا يملّوا، ولا يقصّرها تقصيرا مخلا؛ فلا يستفيدون منها. روى الإمام مسلم عن عمار مرفوعا: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة) · ويسن أن يرفع صوته بها. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب علا صوته، ولأن ذلك أوقع في النفوس. · ويسن أن يدعو للمسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم، ويدعو لإمام المسلمين وولاة أمورهم بالتوفيق والصلاح. والدعاء لولاة الأمور في الخطبة كان معروفا عند المسلمين، وعليه عملهم، وهو من منهج أهل السنة والجماعة. · ويسن إذا فرغ الإمام من الخطبتين أن تقام الصلاة مباشرة، وأن يشرع في الصلاة من غير فصل طويل. = وصلاة الجمعة ركعتان بالإجماع، يجهر فيهما بالقراءة. · ويسن أن يقرأ في الأولى: سورة الجمعة، وفي الثانية: سورة المنافقون. أو يقرأ "سبح اسم ربك الأعلى" و "هل أتاك حديث الغاشية" |
باب في أحكام صلاة العيدين ولا بأس بالمصافحة في التهنئة.- سمّي العيد عيدا: لأنه يعود ويتكرر كل عام. وصلاة العيدين مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: "فصل لربك وانحر" ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان لأهلها يومان يلعبون فيهما، قال: "قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما، يوم النحر، ويوم الفطر" فلا تجوز الزيادة على هذين العيدين، بإحداث أعياد أخرى كأعياد الموالد وغيرها، لأن ذلك: زيادة على ما شرعه الله وابتداع في الدين ومخالفة لسنة سيد المرسلين وتشبه بالكافرين، سواء سميت أعيادا أو ذكريات، أو أياما. قال صلى الله عليه وسلم: "إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" وأول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم للعيد يوم الفطر من السنة الثانية من الهجرة، واستمر عليها المسلمون خلفا عن سلف. فلو تركها أهل بلد مع استكمال شروطها فيهم، قاتلهم الإمام، لأنها من أعلام الدين الظاهرة. - وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها حتى النساء؛ قال صلى الله عليه وسلم: "وليخرجن تفلات، ويعتزلن الرجال، ويعتزلن الحيض المصلى" قالت أم عطية: (كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى تخرج البكر من خدرها، وحتى تخرج الحيض، فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته) - وتؤدى صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد. عن أبي سعيد: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى) إلا مكة المشرفة؛ فإنها تصلى في المسجد الحرام. - ويبدأ وقتها؛ إذا ارتفعت الشمس بعد طلوعها قدر رمح، ويمتد إلى زوال الشمس. وإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال؛ صلوا من الغد قضاء. روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: (غمّ علينا هلال شوال، فأصبحنا صياما، فجاء ركب في آخر النهار، فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا غدا لعيدهم) رواه أحمد وصححه جماعة - ويسن تقديم صلاة الأضحى؛ ليتسع وقت التضحية وتأخير صلاة الفطر؛ ليتسع الوقت لإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة. - ويسن أن يأكل قبل الخروج لصلاة الفطر تمرات، وأن لا يطعم يوم النحر حتى يصلي. لقول بريدة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي) - ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد. - ويسن أن يتجمّل المسلم لصلاة العيد بلبس أحسن الثياب. لحديث جابر: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم حلة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة) - ويشترط لصلاة العيد؛ الاستيطان: بأن يكونوا الذين يقيمونها مستوطنين في مساكن مبنية بما جرت العادة بالبناء به، كما في صلاة الجمعة. فلا تقام صلاة العيد إلا حيث يسوغ إقامة صلاة الجمعة. فالنبي صلى الله عليه وسلم وافق العيد في حجته ولم يصلها، وكذلك خلفاؤه من بعده. - وصلاة العيدين ركعتان قبل الخطبة. لقول ابن عمر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل الخطبة) وحكمة تأخير الخطبة عن صلاة العيد وتقديمها على صلاة الجمعة؛ أن خطبة الجمعة شرط للصلاة؛ والشرط مقدّم على المشروط، بخلاف خطبة العيد، فإنها سنة. - وصلاة العيدين ركعتان بإجماع المسلمين. ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين لم يصلّ قبلهما ولا بعدهما) وقال عمر: (صلاة الفطر والأضحى ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقد خاب من افترى) - ولا يشرع لصلاة العيد أذان ولا إقامة. روى مسلم عن جابر: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بغير أذان ولا إقامة) صفة صلاة العيد: يكبر في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح؛ ست تكبيرات؛ قبل التعوّذ والقراءة. ثم يتعوّذ عقب التكبيرة السادسة، ثم يقرأ. ويكبر في الركعة الثانية قبل القراءة خمس تكبيرات، غير تكبيرة الانتقال. روى أحمد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعا في الأولى، وخمسا في الآخرة) وروي غير ذلك في عدد التكبيرات. - ويرفع يديه مع كل تكبيرة، لفعله صلى الله عليه وسلم. - وإن شك في عدد التكبيرات، بنى على اليقين، وهو الأقل. - وإن نسي التكبير الزائد حتى شرع في القراءة، سقط، لأنه سنة فات محلها. - وكذا إن أدرك المأموم الإمام بعدما شرع في القراءة، أو أدركه راكعا؛ فإنه لا يشتغل بقضاء التكبير، بل يدخل مع الإمام حيث أدركه. - وصلاة العيد ركعتان يجهر فيهما بالقراءة. عن ابن عمر رضي الله عنهما: (كان النبي صلى الله عيه وسلم يجهر بالقراءة في العيدين والاستسقاء) قال سمرة: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بــ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) ... ) وفي صحيح مسلم: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بــ (ق) و (اقتربت)) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (مهما قرأ به جاز، ... لكن إن قرأ (ق) و (اقتربت) أو نحو ذلك مما جاء في الأثر، كان حسنا ...) - فإذا سلم من الصلاة خطب خطبتين يجلس بينهما. روى عبيدالله بن عبيدالله بن عتبة قال: (السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين، يفصل بينهما بجلوس) ويحثهم في خطبة عيد الفطر على إخراج صدقة الفطر، ويبيّن لهم أحكامها، ويرغبهم في خطبة عيد الأضحى في ذبح الأضحية، ويبيّن لهم أحكامها. - ويُكره التنفّل قبل صلاة العيد وبعدها في موضعها حتى يفارق المصلى. الزهري: (... كان ابن مسعود وحذيفة ينهيان الناس عن الصلاة قبلها) فإذا رجع إلى منزله فلا بأس أن يصلي فيه. روى أحمد وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع إلى منزله صلى ركعتين) - ويسن لمن فاتته صلاة العيد أو فاته بعضها، أن يقضيها على صفتها، فيصليها ركعتين بتكبيراتها. لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتمّوا" - ويسن في العيدين التكبير المطلق؛ وهو الذي لا يتقيّد بوقت، وهو آكد في عيد الفطر لأن الله أمر به. يرفع بها صوته، إلا الأنثى فلا تجهر به. فيكبر في ليلتي العيدين، [إلى الخروج إلى الصلاة، وحتى يخرج الإمام، ثم إذا فرغت الخطبة يقطع التكبير المطلق لانتهاء وقته]*. وفي كل عشر ذي الحجة، [من ابتداء العشر إلى فراغ الخطبة]* ويجهر في البيوت، والأسواق، وفي كل موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى. عن ابن عمر: (أنه إذا كان غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير، حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام) - ويزيد عيد الأضحى بمشروعية التكبير المقيد: وهو التكبير الذي شرّع عقب كل صلاة فريضة في جماعة. فيلتفت الإمام إلى المأمومين ثم يكبّر ويكبّرون. ويبتدئ التكبير المقيد في حق غير المحرم: من صلاة الفجر يوم عرفة، إلى عصر آخر أيام التشريق. وأما المحرم؛ فيبتدئ التكبير المقيد في حقه: من صلاة الظهر يوم النحر، إلى عصر آخر أيام التشريق، لأنه قبل ذلك مشغول بالتلبية. "كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة، أقبل على أصحابه فيقول مكانكم؛ ويقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد" - ولا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضا؛ بأن يقول: (تقبّل الله منا ومنك). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فقد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخّص فيه الأئمة كأحمد وغيره) __________________________________________________ * حاشية الروض المربع: للشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=1545 |
باب في أحكام صلاة الكسوف وإن انجلى الكسوف وهو في الصلاة؛ أتمها خفيفة، ولا يقطعها لقوله تعالى: "ولا تبطلوا أعمالكم"، فالصلاة تكون وقت الكسوف.حكمها: سنة مؤكدة. ودليلها السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف إنما يحصل عند ولادة عظيم أو موته؛ فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الاعتقاد، وبين الحكمة الإلهية في حصول الكسوف: روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود الأنصاري قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة" - وقتها: من ابتداء الكسوف إلى التجلي ففي الحديث: "فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي" ولا تٌقضى صلاة الكسوف بعد التجلي، لفوات محلّها. وإن تجلى قبل أن يعلموا؛ لم يصلوا له. - صفتها: روت عائشة رضي الله عنها: (أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام وكبّر، وصفّ الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، فركع ركوعا طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم سجد، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك، حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف) متفق عليه - ويسن أن تُصلى في جماعة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. ويجوز أن تصلى فرادى كسائر النوافل. - ويسن أن يعظ الإمام الناس بعد صلاة الكسوف ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: "إن الشمس والقمر آيتان ...") - فإذا انتهت الصلاة قبل أن ينجلي الكسوف، ذكر الله ودعاه حتى ينجلي، ولا يعيد الصلاة. |
باب في أحكام صلاة الاستسقاء الاستسقاء هنا هو طلب السقي من الله تعالى. أجمع المسلمون على مشروعيته؛ ويشرع إذا أجدبت الأرض، وانحبس المطر، وأضرّ ذلك بهم، فيتضرعون إلى ربهم ويستسقوه. حكمها: سنة مؤكدة قال عبدالله بن زيد: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجّه إلى القبلة يدعو، وحوّل رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة) متفق عليه صفتها: وصفتها في موضعها وأحكامها كصلاة العيد؛ في عدد ركعاتها والجهر بالقراءة وكونها تُصلّى قبل الخطبة وفي التكبيرات الزوائد في الركعتين واستحباب فعلها في المصلى كصلاة العيد قال ابن عباس: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد) ويقرأ في الركعة الأولى: "سبح اسم ربك الأعلى" وفي الثانية بسورة الغاشية. - وإذا أراد الإمام الخروج لصلاة الاستسقاء؛ فيتقدم ذلك: تذكير الناس بما يليّن قلوبهم من ذكر ثواب الله وعقابه وأمرهم بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم بردّها إلى مستحقّيها فالتوبة والاستغفار سبب لإجابة الدعاء قال تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" - ثم يعيّن لهم يوما يخرجون فيه ليتهيئوا ويستعدوا، ويكون خروجهم للمصلى بتواضع وتذلل. قال ابن عباس: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا) ولا ينبغي لأحد يستطيع الخروج أن يتأخّر عن الحضور، حتى الصبيان والنساء. - ويصلي بهم الإمام ركعتين، ثم يخطب خطبة واحدة؛ والاقتصار على خطبة واحدة هو الأرجح من حيث الدليل، وكون الخطبة بعد الصلاة هو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم؛ وهو الأرجح. - ويُكثر في خطبة الاستسقاء من: الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر بذلك وطلب الغيث من الله تعالى، ويرفع يديه، لفعله صلى الله عليه وسلم. - ويسن أن يستقبل القبلة في آخر الدعاء، ويحوّل رداءه؛ بأن يجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين. في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم، حول ظهره إلى الناس، واستقبل القبلة يدعو، ثم حوّل رداءه ...) ويحول الناس أرديتهم؛ لأن ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق أمته، إلا ما دلّ الدليل على اختصاصه به. روى أحمد: (وحول الناس معه أرديتهم) - فإن سقى الله تعالى المسلمين؛ وإلا أعادوا الصلاة. - وإذا نزل المطر؛ يسن أن يقف في أوله ليصيبه منه، ويقول: "اللهم صيبا نافعا" "مطرنا بفضل الله ورحمته" - وإذا زادت المياه وخيف الضرر؛ يسن أن يقول: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر" |
باب في أحكام الجنائز * أن يكون بقصد الاعتبار والدعاء للأموات، لا بقصد التبرك أو طلب الحاجات وتفريج الكربات؛ فتلك زيارة بدعية شركيةقال ابن القيم رحمه الله: (وكان هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكمل الهدي، مخالفا لهدي سائر الأمم، مشتملا على إقامة العبودية لله تعالى على أكمل الأحوال، وعلى الإحسان للميت ومعاملته بما ينفعه في قبره ويوم معاده، من عيادة، وتلقين، وتطهير، وتجهيز إلى الله على أحسن الأحوال وأفضلها، فيقفون صفوفا على جنازته، يحمدون الله ويثنون عليه ويصلون على نبيه صلى الله عليه وسلم، ويسألون للميت المغفرة والرحمة والتجاوز، ثم يقفون على قبره يسألون له التثبيت، ثم زيارة قبره، والدعاء له، كما يتعاهد الحي صاحبه في الدنيا ثم الإحسان إلى أهل الميت وأقاربه وغير ذلك) - ويسن الإكثار من ذكر الموت، والاستعداد له بالتوبة من المعاصي، ورد المظالم إلى أصحابها، والمبادرة بالأعمال الصالحة. قال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات" رواه الخمسة أولا: أحكام المريض والمحتضر - إذا أصيب الإنسان بمرض؛ فعليه أن يصبر ويحتسب ولا يجزع لقضاء الله وقدره. - والشكوى إلى الله، وطلب الشفاء منه لا ينافي الصبر. قال تعالى في أيوب لما ناداه: "أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" - ولا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة، بل ذهب بعض العلماء إلى تأكد ذلك؛ فقد جاءت الأحاديث بإثبات الأسباب والمسببات، وأن التداوي لا ينافي التوكل. - ولا يجوز التداوي بمحرم. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) - ويحرم التداوي بما يمس العقيدة. من تعليق التمائم المشتملة على ألفاظ شركية، أو طلاسم. أو اتخاذ خرز أو خيوط أو قلائد توضع على العضد أو الذراع؛ يعتقد فيها الشفاء ودفع العين، لما فيه من التعلق بغير الله تعالى. أو التداوي عند المشعوذين من الكهان والمنجمين والسحرة. فكل ذلك من الشرك، أو من وسائلة الموصلة إليه. - وقد جعل الله الشفاء في المباحات النافعة؛ للبدن والعقل والدين؛ وعلى رأس ذلك: القرآن الكريم، والرقية به. - وتسن عيادة المرض. لما في الصحيحين: (خمس تجب للمسلم على أخيه) وذكر منها عيادة المريض. فإذا زاره: · سأل عن حاله فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدنو من المريض، ويسأل عن حاله. · وتكون الزيارة يوما بعد يوم، أو بعد يومين، إن رغب المريض بذلك. · ولا يطيل الجلوس عنده، إلا أن يرغب المريض بذلك. · ويقول للمريض: "لا بأس طهور إن شاء الله" · ويدخل عليه السرور، ويدعو له بالشفاء، ويرقيه بالقرآن. - ويسن للمريض أن يوصي بشيء من ماله في أعمال الخير. - ويجب أن يوصي بماله وما عليه من الديون، وما عنده من الودائع والأمانات، وهذا مطلوب حتى من الإنسان الصحيح. قال صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" والليلتين للتأكيد لا للتحديد. - ويحسن المريض ظنه بالله، ويتأكد عند إحساسه بلقاء الله. فالله تعالى يقول: "أنا عند ظن عبدي بي" - ويسن لمن يحضره تطميعه في رحمة الله، ويغلّب هنا جانب الرجاء على جانب الخوف. - وإذا احتضر المريض؛ يسن لمن حضره أن يلقنه: لا إله إلا الله، ويكون تلقينه برفق ودون إكثار عليه. لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" - ويسن أن يوجه إلى القبلة، وأن يقرأ عنده سورة "يــــس" لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا على موتاكم سورة يـــــــــس" والمراد بـــــــــــ (موتاكم): من حضرته الوفاة، أما من مات؛ فإنه لا يقرأ عليه. فالقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على الذي يحتضر؛ فإنها سنة. ثانيا: أحكام الوفاة - يستحب إذا مات الميّت تغميض عينيه. فالنبي صلى الله عليه وسلم أغمض عيني أبا سلمة رضي الله عنه لما مات؛ وقال: "إن الروح إذا قبض؛ تبعه البصر، فلا تقولوا إلا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" مسلم - ويسن ستر الميّت بعد وفاته بثوب. روت عائشة رضي الله عنها: (النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي؛ سجي ببرد حبرة) - وينبغي الإسراع في تجهيزه. قال صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله" ولما فيه من حفظ للميت من التغير. ولا بأس أن ينتظر به من يحضره من وليّه أو غيره، مالم يخش على الميت من التغيّر. - ويباح الإعلام بموت المسلم؛ للمبادرة لتهيئته، وحضور جنازته، والصلاة عليه، والدعاء له. أما الإعلام بموته على صفة الجزع، وتعداد مفاخره، فذلك من فعل الجاهلية؛ ومنه حفلات التأبين وإقامة المآتم. - ويستحب الإسراع بتنفيذ وصيته. فالله تعالى قدمها في الذكر على الدين؛ اهتماما بشأنها، وحثا على إخراجها. - ويجب الإسراع بقضاء ديونه. سواء كانت لله تعالى من: زكاة أو حج أو نذر طاعة أو كفارة. أو كانت الديون لآدمي: كرد الأمانات والغصوب العارية. سواء أوصى بذلك أم لم يوص به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "نفس المؤمن معلّقة بدينه حتى يقضى عنه" ثالثا: تغسيل الميت قال صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: "اغسلوه بماء وسدر ..." وغسّل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكيف بمن سواه. حكمه: فرض كفاية على من علم بحاله من المسلمين. - والرجل يغسله الرجل. والأولى والأفضل أن يختار لتغسيل الميت ثقة عارف بأحكام التغسيل. ويقدم في تغسيل الميت وصيه؛ وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين. ثم يلي الوصي في تغسيل الميت؛ أبو الميت، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم الأجنبي؛ وهذا الترتيب في الأولوية إذا كانوا يحسنون التغسيل وطالبوا به؛ وإلا فإنه يقدم العالم بأحكام التغسيل على من لا علم عنده. - والمرأة تغسلها النساء. والأولى يتغسيل المرأة وصيتها، ثم القربى فالقربى من نسائها. - ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه؛ لأن عليا غسل فاطمة، وأوصى أبوبكر أن تغسله زوجته. - ولكل من الرجال والنساء غسل من مات وهو دون السبع سنين ذكرا كان أو أنثى. لأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء. - وليس لإمرأة غسل ابن سبع سنين فأكثر. - ولا لرجل غسل ابنة سبع سنين فأكثر. - ولا يجوز لمسلم أن يغسل كافرا أو يحمل جنازته أو يكفنه أو يتبع جنازته أو يصلي عليه. قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ..." ولا يدفنه؛ إلا إن لم يوجد أحد لدفنه؛ فإنه يواريه بإلقائه في حفرة، منعا من التضرر بجثته، ولإلقاء قتلى بدر في القليب. - ويشترط أن يكون الماء الذي يغسّل به الميت طهورا مباحا، والأفضل الماء البارد. - ويكون التغسيل في مكان مستور مسقوف. - ويستر ما بين سرة الميت وركبته وجوبا قبل التغسيل، ثم يجرّد من ثيابه. - ويوضع على سرير منحدر نحو رجليه. - ولا يحضر الغسل إلا الغاسل ومن يعينه، ويكره لغيرهم. - ويكون التغسيل: · برفع الميت إلى قرب جلوسه ويمرر الغاسل يده على بطنه؛ ليخرج منه ما هو مستعد للخروج، ويكثر صب الماء، وينجي الميت بلف خرقة على يده، وينقي المخرج بالماء. · ثم ينوي التغسيل، ويسمي، ويوضئه كوضوء الصلاة، إلا المضمضة والاستنشاق؛ فلا يدخل الماء لأنفه ولا فمه، بل يكفي عنهما المسح. · ثم يغسل رأسه ولحيته برغوة سدر أو صابون، ثم يغسل ميامن جسده؛ من صفحة عنقه اليمنى، وشق صدره الأيمن، وكتفه ويده اليمنى، وفخذه وساقه ورجله اليمنى، ويقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن، وكذا يفعل بشقه الأيسر. · والواجب غسلة واحدة مع الإنقاء. والمستحب ثلاث غسلات، وله الزيادة إلى سبع إن لم يحصل الإنقاء. · ويستحب أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورا. · ثم ينشف الميت، ويأخذ من أظافره، وشاربه، وإبطيه، ويجعله معه في الكفن. · ويضفر شعر المرأة ثلاث قرون ويسدل من ورائها. · ومن تعذر غسله؛ فييمم بالتراب بمسح وجهه وكفيه. · وإن تعذر غسل بعضه، فيغسل ما أمكن غسله، وييمم عن الباقي. رابعا: أحكام التكفين يشترط في الكفن أن يكون ساترا. ويستحب أن يكون أبيضا نظيفا. - والمقدار الواجب منه؛ ثوب يستر جميع الميت. والمستحب في تكفين الرجل؛ ثلاث لفائف. والمرأة في خمسة أثواب؛ إزار، وقميص، وخمار، ولفافتين. والصغير في ثوب، ويباح في ثلاثة أثواب، والصغيرة؛ في قميص ولفافتين. - ويستحب تجمير الأكفان بالبخور. - ويتم تكفين الرجل: بأن تبسط اللفائف بعضها على بعض، ثم يؤتى بالميت مستورا وجوبا، ويوضع فوق اللفائف، ويؤتى بالحنوط؛ وهو الطيب، ويجعل في قطن، يوضع: بين إليتي الميت، وعلى عينيه، ومنخريه، وفمه، ومواضع السجود، ومغابن بدنه، وفي رأسه، وبين الأكفان. ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم طرفها الأيمن على شقه الأيسر، ويفعل بالباقي كذلك. ويجمع الفاضل عند رأسه ويرد على وجهه، والفاضل عند رجليه فيرد على رجليه، ثم يعقد على اللفائف أحزمة، لئلا تنتشر، وتحل في القبر. خامسا: أحكام الصلاة على الميت حكمها: فرض كفاية شروطها: النية، استقبال القبلة، ستر العورة، اجتناب النجاسة، طهارة المصلي والمصلى عليه، إسلام المصلي والمصلى عليه، حضور الجنازة إن كان بالبلد وكونه مكلّفا. أركانها: القيام فيها، التكبيرات الأربع، قراءة الفاتحة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء للميت، والترتيب، والتسليم. سننها: رفع اليدين مع كل تكبيرة، الاستعاذة، الدعاء لنفسه وللمسلمين، الاسرار بالقراءة، وأن يقف بعد التكبيرة الرابعة وقبل التسليم قليلا، وضع اليمنى على اليسرى على الصدر، الالتفات على اليمين في التسليم. صفتها: أن يقوم الإمام والمنفرد عند صدر الرجل، ووسط المرأة ويكبر للإحرام، ويتعوذ ولا يستفتح، ويسمي ويقرأ الفاتحة. ثم يكبر، ويصلي بعدها على النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يكبر، ويدعو للميت بما ورد. ثم يكبر، ويقف بعدها قليلا ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه. - وحمل المرأة إذا سقط ميتا؛ فإن تم له أربعة أشهر فأكثر، صلي عليه صلاة الجنازة، وإن كان دون أربعة أشهر لم يصل عليه. سادسا: حمل الميت ودفنه وهو من فروض الكفاية. - ويسن اتباع الجنازة وتشييعها إلى قبرها. قال صلى الله عليه وسلم: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليه فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" قيل: وما القيراطان، قال: "مثل الجبلين العظيمين" ويسن لمن تبعها المشاركة في حملها إن أمكنه. - ويسن الإسراع بالجنازة. قال صلى الله عليه وسلم: "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة، فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك، فشر تضعونه عن رقابكم" ولا يكون الإسراع شديدا. - ويحرم خروج النساء مع الجنائز. لحديث أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز) - ويسن أن يعمّق القبر ويوسّع. قال صلى الله عليه وسلم: "احفروا وأوسعوا وعمّقوا" - ويسن ستر قبر المرأة عند إنزالها فيه، لأنها عورة. - ويسن أن يقول من ينزل الميّت في القبر: (بسم الله على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال صلى الله عليه وسلم: "إذا وضعتم موتاكم في القبور؛ فقولوا: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم" - ويوضع الميت في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة. لقوله صلى الله عليه وسلم في الكعبة: "قبلتكم أحياء وأمواتا" ويوضع تحت رأسه لبنة أوحجر، ويجعل خلف ظهره تراب، ثم تسد عليه فتحة اللحد باللبن والطين حتى يلتحم، ثم يُهال عليه التراب، ولا يُزاد عليه من غير ترابه. - ويرفع القبر قدر شبر، ويوضع عليه حصباء، ويرش بالماء. - ويستحب أن يقف المسلمون على قبره بعد دفنه ويدعوا له. كان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه يُسأل الآن" - ويحرم البناء على القبور، وتجصيصها، والكتابة عليها، وبناء المساجد عليها، أو الصلاة عندها أو إليها، ويحرم إسراج القبور. عن جابر: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) - وتحرم إهانة القبور؛ بالمشي عليه أو وطئها، أو الجلوس عليها، أو جعلها مجمع للقمامات. عن أبي هريرة مرفوعا: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير من أن يجلس على قبر) سابعا: أحكام التعزية وزيارة القبور - تسن تعزية المصاب، وحثه على الصبر، ولفظ التعزية: (أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك) - ولا ينبغي الجلوس للعزاء والإعلان عن ذلك. - ويستحب أن يعد لأهل الميت طعاما يبعثه إليهم. قال صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد جاءهم ما يشغلهم" - وأما أن يعد أهل الميت مكانا لاستقبال الناس، ويصنعون الطعام، ويستأجرون المقرئين، فهذا من المآتم المحرمة المبتدعة. روى أحمد عن جرير بن عبدالله: (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة) - وتستحب زيارة القبور؛ بثلاثة شروط: * أن يكون الزائر من الرجال * أن تكون من دون سفر وبالله التوفيق انتهى كتاب الصلاة ويليه كتاب الزكاة -إن شاء الله- |
الساعة الآن 07:01 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir