![]() |
الفصل الخامس (آداب الطالب في حياته العملية) تلخيص وترتيب الدرس التاسع والثلاثين (الْمُناظَرَةُ بلا مُمَارَاةٍ) إيَّاكَ والْمُمَارَاةَ ؛ فإنها نِقْمَةٌ ، أمَّا المناظَرَةُ في الْحَقِّ ؛ فإنها نِعْمَةٌ إذ الْمُناظَرَةُ الْحَقَّةُ فيها إظهارُ الحقِّ على الباطلِ ، والراجِحِ على المرجوحِ ، فهي مَبْنِيَّةٌ على الْمُناصَحَةِ والْحِلْمِ ، ونَشْرِ العلْمِ ، أمَّا الْمُماراةُ في المحاوَرَاتِ والمناظَرَاتِ ؛ فإنها تَحَجُّجٌ ورِياءٌ ، ولَغَطٌ وكِبرياءُ ومُغالَبَةٌ ومِراءٌ ، واختيالٌ وشَحْنَاءُ ، ومُجاراةٌ للسفهاءِ ، فاحْذَرْها واحْذَرْ فاعِلَها ؛ تَسْلَمْ من المآثِمِ وهَتْكِ الْمَحارِمِ ، وأَعْرِضْ تَسْلَمْ وتَكْبُت الْمَأْثَمَ والْمَغْرَمَ . - المناظرة والمناقشة تشحذ الفهم وتعطي الإنسان قدرة على المجادلة. - والمجادلة في الحق مأمور بها كما قال الله تعالى: { ادعُ إلى سبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَة وجادِلْهُم بالَّتي هِيَ أحْسَن }. فإذا تمرن الإنسان على المناظرة والمجادلة حصل على خير كثير، وكم من إنسان جادل بالباطل فغلب صاحب الحق لعدم قدرته على المجادلة. - المجادلة نوعان: 1- مجادلة المماراة، يماري بذلك السفهاء ويجادل الفقهاء ويريد أن ينتصر قوله > هذه مذمومة. ==== علامتها: المجادل الذي يريد الانتصار لنفسه تجده لو بان الحق، وكان ظاهر الحق مع خصمه؛ يورد إيرادات: لو قال قائل. ثم إذا أجيب. قال: ولو قال قائل. ثم إذا أجيب، قال: ولو قال قائل. ثم تكون سلسلة لا منتهي لها، ومثل هذا عليه خطر أن لا يقبل قلبه الحق حتى في خلوته، فربما يورد الشيطان عليه هذه الإيرادات. قال الله تعالى: { ونُقلِّبُ أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا بهِ أولّ مرَّة ونذرُهم في طُغيانهم يعمَهون } ، وقال الله تعالى: { فإن تَوَلَّوْا فأعلم أنمَّا يُريدُ اللهُ أن يُصيبهم ببعض ذنوبهم }. 2- مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه > هذه محمودة مأمور بها. ==== علامتها: أن الإنسان إذا بلغه الحق اقتنع وأعلن الرجوع، - عليك ابتغاء الحق سواء كان بمجادلة غيرك أو بمجادلة نفسك، متى تبين قل: سمعنا وأطعنا. - جادَلَ رجل عبد الله بن عمر فقال له: أرأيت؟! قال له: «اجعل أرأيت في اليمن». لأنه من أهل اليمن. وعندما سأل أهل العراق عن دم البعوضة، وهل يجوز قتل البعوضة؟ قال: « سبحان الله !! أهل العراق يقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتون يسألون عن دم البعوضة!! » هذه مجادلة ولا شك. |
الفصل الخامس (آداب الطالب في حياته العملية) تلخيص وترتيب الدرس الأربعين (مُذاكَرَةُ العِلْمِ) تَمَتَّعْ مع البُصَرَاءِ بالْمُذاكَرَةِ والْمُطارَحَةِ ؛ فإنها في مَواطِنَ تَفوقُ الْمُطالَعَةَ وتَشْحَذُ الذهْنَ وتُقَوِّي الذاكرةَ ؛ مُلْتَزِمًا الإنصافَ والملاطَفَةَ مُبْتَعِدًا عن الْحَيْفِ والشَّغَبِ والمجازَفَةِ . وكُنْ على حَذَرٍ ؛ فإنها تَكْشِفُ عُوارَ مَن لا يَصْدُقُ . فإن كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ، وأمَّا مُذاكرَتُك مع نفسِك في تقليبِك لمسائِلِ العلْمِ ؛ فهذا ما لا يَسوغُ أن تَنْفَكَّ عنه. وقد قيلَ : إحياءُ العِلْمِ مُذاكرَتُه . - المذاكرة نوعان: مذاكرة مع النفس. ومذاكرة مع الغير. 1- المذاكرة مع النفس: تجلس مثلا جلسة واحدة، ثم تفرض مسألة من المسائل أو تكون مسألة مرت عليك، ثم تحاول ترجيح ما قيل في هذه المسألة بعضه على بعض.. وهذه سهلة على الإنسان، وهي أيضا تساعد على مسألة المناظرة السابقة. 2- المذاكرة مع الغير: يختار الإنسان من إخوانه الطلبة من يكون عونا له على طلب العلم، مفيدا له فيجلس معه ويتذاكرا، يقرءان مثلا ما حفظاه، كل واحد يقرأ على الآخر قليلا أو يتذاكرن في مسألة من المسائل بالمراجعة أو بالمفاهمة إن قدرا على ذلك، فإن هذا مما ينمي العلم ويزيده. - وإياك والشغب والصلف، لأن هذا لا يفيد. فأنت الآن في مقام الإقناع، واعلم أنه لن يقتنع كلما اشتد غضبك عليه، بل ربما إذا اشتد غضبك عليه، اشتد غضبه عليك ثم ضاع الحق بينكما. - أما لو كنت أنت أعلم منه وتفهم من العلم ما لا يفهم، وعرفت أن هذا الرجل يريد العنت. فحينئذ لك أن تشتد عليه وأن تقول: لن أفهمك، لقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ((فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم)) ، ولهذا قال المؤلف « فإن كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ». بعض الناس أكثر علما من الآخر لكن الثاني أفهم منه في معرفة النصوص والثالث أعقل منهم أيضا في معرفة مصادر الشريعة ومواردها لأنه قد يفهم الإنسان النص فهما كاملا لكن ليس عنده ذاك العقل الذي يجمع بين أدلة الشريعة وبين مقاصدها وأسرارها فتجده يأخذ بظاهر اللفظ ولو كان بعيدا عن مقاصد الشرع وهذا خلل عظيم. |
الفصل الخامس (آداب الطالب في حياته العملية) تلخيص وترتيب الدرس الواحد والأربعين (بين الكتاب والسنة) * طالبُ العلْمِ يَعيشُ بينَ الكتابِ والسُّنَّةِ وعلومِها: فهما له كالْجَناحينِ للطائرِ ، فاحْذَرْ أن تكونَ مَهيضَ الْجَناحِ. - الكتاب والسنة لطالب العلم كالجناحين للطائر والطائر لا يطير إلا بجناحين إذا انكسر أحدهما لم يطر. - يجب على طالب العلم أن لا يرعى القرآن ويهمل السنة ولا يرعى السنة ويهمل القرآن وإن كان القرآن هو الجناح الأصل. - وعلومِها: أي كلام العلماء فيجب على طالب العلم أن لا يهمل كلام العلماء ولا يغفل عنه لأن العلماء أشد منه رسوخا في العلم، وعندهم من قواعد الشريعة وضوابط الشريعة وأسرارها ما ليس عنده فلا يغفله. * أمران على طالب العلم مراعتهما لأهميتهما: 1/ مخالفة الجمهور. - كان العلماء الأجلاء المحققون إذا ترجح عندهم قول يقولون: «إن كان أحد قال به وإلا فلا نقول به». - إذا رأيت مسألة من المسائل اختلف فيها العلماء وأكثرهم يقول بكذا، والآخرون يقولون بكذا، وترجح عندك قول الأقل ، لا تأخذ به مباشرة ، فكر، ما أدلة الآخرين؟ لأن الأكثر في الغالب يكون معهم الحق ، ففكر أولا ، ثم إذا تبين لك أن الحق مع الأقل فاتبع الحق ، لكن كونك تأخذ مباشرة بما ترجح عندك والجمهور على خلافه هذا لا ينبغي أبدا. 2/ مخالفة القواعد في الشريعة الإسلامية. تأتي مثلا أدلة شواذ تخالف الأدلة التي هي كالجبال في الشريعة والدلالة فيأخذ الإنسان بهذا الدليل الشاذ، ولعله لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ثبت وهو منسوخ ، أو ثبت وهو مخصوص، فنقول ارفق ما دام هذا يخالف الأدلة التي هي كالجبال للشريعة فلا تتعجل في الأخذ به، انتظر وتمهل. |
الفصل الخامس (آداب الطالب في حياته العملية) تلخيص وترتيب الدرس الثاني والأربعين (استكمال أدوات كل فن) لن تكونَ طالبَ عِلْمٍ مُتْقِنًا مُتَفَنِّنًا – حتى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِياطِ – ما لم تَستكمِلْ أدواتِ ذلك الفَنِّ ، * إذا أراد الإنسان أن يكون طالب علم في فن معين، وهو ما يعرف بالتخصص، فلا بد أن يكون مستكملا أدوات ذلك الفن، يعني عنده علما به. ففي الفِقْهِ بينَ الفقْهِ وأصولِه، * مثلًا الفقه من أراد أن يكون عالمًا به فلابد أن يقرأ الفقه وأصول الفقه ليكون متبحرًا فيه وإلا من الممكن معرفة الفقه بدون علم الأصول ولكن لا يمكن أن يعرف أصول الفقه بدون الفقه يعني يمكن أن يستغني الفقيه عن أصول الفقه، لكن لا يمكن أن يستغني الأصولي عن الفقه، إذا كان يريد الفقه. * اختلف العلماء، علماء الأصول: هل الأولى لطالب العلم أن يبدأ بأصول الفقه لابتناء الفقه عليه أو بالفقه لدعاء الحاجة إليه، حيث أن الإنسان يحتاجه في عمله، حاجاته، ومعاملاته قبل أن يفطن إلى أصول الفقه. والثاني- هو الأولى وهو المتبع غالبا أي يبدأ بالفقه قبل الأصول. وفي الحديثِ بينَ عِلْمَي الروايةِ والدِّرايةِ .... وهكذا ، وإلا فلا تَتَعَنَّ . * يعني بذلك الرواية في أسانيد الحديث ورجال الحديث. والدراية في فهم معناه. * التلاوة هنا: - التلاوة اللفظية. - التلاوة المعنوية. - التلاوة العملية. * التلاوة مأخوذة من تلاه إذا اتبعه، فالذين آتاهم الكتاب لا يمكن أن يوصفوا بأنهم أهل الكتاب حتى يتلوه حق تلاوته. |
الفصل السادس (التحلي بالعمل) تلخيص وترتيب الدرس الثالث والأربعين (علامات العلم النافع) من علامات العلم النافع: 1- العمل به: وهذا بعد الإيمان، أن تؤمن بما علمت ثم تعمل إذ لا يمكن العمل إلا بإيمان، فإن لم يوفق الإنسان لذلك، بأن كان يعلم الأشياء ولكن لا يعمل بها فعلمه غير نافع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «القرآن حجة لك أو عليك». 2- كراهية التزكية، والمدح، والتكبر على الخلق: وهذا ابتلي به بعض الناس، فيزكي نفسه ويرى أن ما قاله هو الصواب وأن غيره إذا خالفه فهو مخطئ وما أشبه ذلك، كذلك التكبر على الخلق، بعض الناس- والعياذ بالله – إذا آتاه الله علما تكبر. ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم : العائل المستكبر من الذين لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. 3- تكاثر تواضعك كلما ازددت علما: وهذا في الحقيقة فرع من الثاني، وينبغي كلما ازددت علما تزداد تواضعا. 4- الهرب من حب الترؤس والشهرة والدنيا: هذه قد تكون متفرعة عن كراهية التزكية والمدح، يعني لا تحاول أن تكون رئيسا لأجل علمك، لا تحاول أن تجعل علمك مطية إلى نيل الدنيا. 5- هجر دعوى العلم: لا تدعي العلم. لا تقول أنا العالم. 6- إساءة الظن بالنفس، وإحسانه بالناس، تنزها عن الوقوع بهم: أن يسيء الظن بنفسه لأنها ربما تغره وتأمره بالسوء فلا يحسن الظن بالنفس، وكلما أملت عليه أخذ بها. أما قوله «إحسانه بالناس»: الأصل إحسان الظن بالناس وإنك متى وجدت محملا حسنا لكلام غيرك فاحمله عليه ولا تسيء الظن، لكن إذا علم عن شخص من الناس أنه محل لإساءة الظن، فهنا لا حرج أن تسيء الظن من أجل أن تحترس منه. |
الفصل السادس (التَحَلِّي بالعَمَلِ) تلخيص وترتيب الدرس الرابع والأربعين (زكاة العلم) - أَدِّ ( زَكاةَ العِلْمِ ): صادعًا بالحَقِّ، أمَّارًا بالمعروفِ، نَهَّاءً عن الْمُنْكَرِ، مُوازِنًا بينَ الْمَصالِحِ والْمَضَارِّ، ناشرًا للعِلْمِ، وحبِّ النفْعِ وبَذْلِ الجاهِ، والشفاعةِ الحسَنَةِ للمسلمينَ في نوائِبِ الحقِّ والمعروفِ . * زكاة العلم تكون بأمور: - نشر العلم: كما يتصدق الإنسان بشيء من ماله، فهذا العالم يتصدق بشيء من علمه، وصدقة العلم أبقى دواما وأقل كلفة ومؤنة. > أبقى دواما لأنه ربما كلمة من عالم تسمع ينتفع بها فئات من الناس وما زلنا الآن ننتفع بأحاديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولم ننتفع بدرهم واحد من الخلفاء الذين كانوا في عهده. وكذلك العلماء تنتفع بكتبهم وعلومهم، فهذه زكاة. وهذه الزكاة لا تنقص العلم بل تزيده. - العمل به: لأن العمل به دعوة إليه بلا شك، وكثير من الناس يتأسون بالعالم وبأعماله، أكثر مما يتأسون بأقواله وهذا بلا شك زكاة أيما زكاة، لأن الناس يشربون منها وينتفعون. - أن يكون صداعا للحق. وهذا من جملة النشر، ولكن النشر قد يكون في حال السلامة والأمن على النفس، وقد يكون في حالة الخطر، فيكون صداعا بالحق. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو عارف بالمعروف وعارف بالمنكر، ثم قائم بواجبه نحو هذه المعرفة. والمعروف: كل ما أمر به الله ورسوله. والمنكر: كل ما نهى الله عنه ورسوله. موازنا بين المصالح والمضار. لأنه قد يكون من الحكمة ألا تنهي حسب ما تقتضيه المصلحة، فالإنسان ينظر إلى المصالح والمضار. - وقوله: «ناشرا للعلم وحب النفع» يعني تنشر العلم بكل وسيلة للنشر من قول باللسان وكتابة بالبنان. وبكل طريق، وفي عصرنا هذا سخر الله لنا الطرق لنشر العلم، فعليك أن تنتهز هذه الفرصة من أجل أن تنشر العلم الذي أعطاك الله إياه، فإن الله تعالى أخذ على أهل العلم ميثاق أن يبينوه للناس ولا يكتموه، - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : «إذا مات الإنسان انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». رواه مسلم وغيره. الشاهد في قوله « أو علم ينتفع به» -قوله: [ قال بعض أهل العلم: هذه الثلاث لا تجتمع إلا للعالم الباذل لعلمه، فبذله صدقة، ينتفع بها، والمتلقي لها ابن للعالم في تعلمه عليه. ] هذا قصور. والصواب خلاف ذلك: - المراد بالصدقة الجارية، صدقة المال. - وأما صدقة العلم فذكرها بعده بقوله «أو علم ينتفع به». - «أو ولد صالح» المراد به الولد بالنسب، لا الولد بالتعليم. فحَمْلُ الحديث على أن المراد بالعالِم يُعلّم فيكون صدقة ويبقى علمه بعد موته ينتفع به ويكون طلابه أبناء له، فهذا لا شك تقصير في تفسير الحديث. - والصواب: أن الحديث دل على ثلاثة أجناس مما ينتفع به الإنسان بعد موته. * الصدقة الجارية والصدقة إما جارية وإما مؤقتة. فإذا أعطيت فقيرا يشتري طعاما فهذه صدقة لكنها مؤقتة، وإذا حفرت بئرا ينتفع به المسلمون بالشرب، فهذه صدقة جارية. - فاحرص على هذه الحلية، فهي رأس ثمرة علمك. ولشرف العلم، فإنه يزيد بكثرة الإنفاق، وينقص مع الإشفاق، وآفته الكتمان. - ولشرف العلم والأولى أن يقال «ولبركة العلم» فهذا أمثل: أولا:لكونه يزيد بكثرة الإنفاق، ووجه زيادته أن الإنسان إذا علّم الناس مكث عِلمه في قلبه واستقر، وإذا غفل نسي. ثانيا: أنه إذا علم الناس فلا يخلو هذا التعليم من الفوائد الكثيرة، بمناقشة أو سؤال، فينمي علمه ويزداد، وكم من أستاذ تعلم من تلاميذه. قد يذكر التلميذ مسألة ما جرت على بال الأستاذ وينتفع بها الأستاذ فلهذا كان بذل العلم سببا في كثرته وزيادته. - ولا تحملك دعوى فساد الزمان، وغلبة الفساق، وضعف إفادة النصيحة عن واجب الأداء والبلاغ، فإن فعلت، فهي فعلة يسوق عليها الفساق الذهب الأحمر، ليتم لهم الخروج على الفضيلة، ورفع لواء الرذيلة. لا تيأس ولا تقل: إن الناس غلب عليهم الفسق والمجون والغفلة، لا! أبذل النصيحة ما استطعت ولا تيأس لأنك إذا تقاعست واستحسرت فسيفرح بذلك الفساق والفجار. |
الفصل السادس (التَحَلِّي بالعَمَلِ) تلخيص وترتيب الدرس الخامس والأربعين (عِزَّةُ العُلماءِ) * التَّحَلِّي بـ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ): صيانةُ العِلْمِ وتَعظيمُه، وحمايةُ جَنابِ عِزِّه وشَرَفِه وبِقَدْرِ ما تَبْذُلُه في هذا يكونُ الكَسْبُ منه ومن العَمَلِ به، وبِقَدْرِ ما تُهْدِرُه يكونُ الفَوْتُ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العزيزِ الحكيمِ . وعليه ؛ فاحْذَرْ أن يَتَمَنْدَلَ بك الكُبراءُ، أو يَمْتَطِيَكَ السفهاءُ، فتُلَايِنَ في فَتْوَى أو قضاءٍ أو بَحْثٍ أو خِطابٍ . ** يَتَمَنْدَلَ (في قاموس اللغة العربية المعاصر) معناه: تَمَنْدَلَ بِمِنْدِيل أي مسح به وجهه ويديه، أو شده على رأسه كالعمامة. - صيانة العلم وتعظيمه وحماية جنابه، لا شك أنه عز وشرف. فإن الإنسان إذا صان علمه عن الدناءة وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس، وعن بذل نفسه فهو أشرف له وأعز. * ولا تَسْعَ به إلى أهلِ الدنيا ، ولا تَقِفْ به على أَعتابِهم ، ولا تَبْذُلْه إلى غيرِ أهلِه وإن عَظُمَ قَدْرُه . - هذا القول فيه تفصيل.. فيقال: == إذا سعيت به إلى أهل الدنيا وكانوا ينتفعون بذلك فهذا خير، وهو داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. == أما إن كانوا يقفون من هذا العالم الذي دخل عليهم وأخذ يحدثهم بأمور شرعية، موقف الساخر المتململ، وشاهدهم يتغامزون؛ فهنا لا ينبغي أن يهدي العلم إلى هؤلاء، لأنه إهانة له وإهانة لعلمه. أما إذا دخل على هؤلاء وجلس وتحدث، ووجد وجوها تهش، وأفئدة تطمئن، ووجد منهم إقبالا، فها هنا يجب أن يفعل، ولكل مقام مقال. لو كان دخل طالب علم صغير على هؤلاء المترفين، فلربما يقفون منه موقف الإستهزاء والسخرية، لكن لو دخل عليهم من له وزن عندهم وعند غيرهم لكان الأمر بالعكس، فلكل مقام مقال. * ومَتِّعْ بَصَرَك وبَصِيرَتَكَ بقِراءةِ التراجِمِ والسيَرِ لأَئِمَّةٍ مَضَوْا ، تَرَ فيها بَذْلَ النفْسِ في سبيلِ هذه الحمايةِ لا سِيَّمَا مَن جَمَع مُثُلًا في هذا ؛ مثلَ كتابِ ( من أخلاقِ العُلماءِ ) لِمُحَمَّدٍ سليمانَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( الإسلامِ بينَ العُلماءِ والحكَّامِ ) لعبدِ العزيزِ البَدْرِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( مَناهِجِ العُلماءِ في الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنكَرِ ) لفاروقٍ السامَرَّائيِّ . وأرجو أن تَرى أضعافَ ما ذَكَرُوه في كتابِ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَه . - ومن أحسن ما رأى الشيخ ابن عثيمين في هذا كتاب «روضة العقلاء» للبسني، وقال أنه كتاب عظيم على اختصاره، فيه فوائد عظيمة ومآثر كريمة للعلماء المحدثين وغيرهم. ويرى الشيخ ابن عثيمين أن بعض الكتب التي ذكرها الشيخ بكر مختصرة جدا، لا يستفيد الإنسان منه كثير فائدة. لكن سير أعلام النبلاء مفيد فائدة كبيرة، ومراجعته عظيمة. - كتاب «عزة العلماء» هو من كتابات المؤلف، وهو يدعو إلى الله تعالى أن ييسر إتمامه وطبعه. * وقد كان العلماءُ يُلَقِّنُونَ طُلَّابَهُم حِفْظَ قصيدةِ الْجُرجانيِّ عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ رَحِمَه الله تعالى... ومَطْلَعُها: يـقـولـونَ لـــي فـيــك انـقـبـاضٌ وإنـمــا = رَأَوْا رجُلًا عن مَوْضِعِ الذلِّ أَحْجَمَا أرى الناسَ مَن داناهُم هانَ عِنْدَهمْ = ومَـــن أَكـرَمَـتْـهُ عِـــزَّةُ الـنـفْـسِ أُكْـرِمَــا ولـو أنَّ أهـلَ العلْـمِ صانُـوه صانَهُـمْ = ولــو عَظَّـمُـوه فـــي الـنـفـوسِ لعَـظَّـمَـا ( لعَظَّمَا ) بفتحِ الظاءِ المعجَمَةِ الْمُشالَةِ . - هذا الضبط فيه نظر، والظاهر: ولو عظموه في النفوس لعظما؛ يعني لكان عند الناس عظيما، لكنهم لم يعظموه في النفوس، بل أهانوه وبذلوه لكل غال ورخيص. |
الفصل السادس (التَحَلِّي بالعَمَلِ) تلخيص وترتيب الدرس السادس والأربعين (صِيانةُ العِلْمِ) * إن بَلَغْتَ مَنْصِبًا فتَذَكَّرْ أنَّ حَبْلَ الوَصْلِ إليه طَلَبُكَ للعِلْمِ ، فبِفَضْلِ اللهِ ثم بسببِ عِلْمِك بلَغْتَ ما بَلَغْتَ من وَلايةٍ في التعليمِ ، أو الفُتْيَا أو القضاءِ ... وهكذا فأَعْطِ العِلْمَ قَدْرَه وحَظَّهُ من العمَلِ به وإنزالَه مَنْزِلَتَهُ. * واحْذَرْ مَسْلَكَ مَن لا يَرْجُونَ للهِ وَقَارًا ، الذين يَجْعَلون الأساسَ ( حِفْظَ الْمَنْصِبِ ) فيَطْوُونَ أَلْسِنَتَهُم عن قولِ الحَقِّ ، ويحملُهم حُبُّ الوَلايةِ على الْمُجَارَاةِ. * فالْزَمْ – رَحِمَكَ اللهُ – المحافَظَةَ على قِيمَتِكَ بحِفْظِ دِينِك ، وعِلْمِك وشَرَفِ نفسِكَ ، - المراد بهذه الأداب: أن الإنسان يصون علمه، فلا يجعله مبتذلا، بل يجعله محترما، معظما، فلا يلين في جانب من لا يريد الحق، بل يبقى طورا شامخا، ثابتا، وأما أن يجعله الإنسان سبيلا إلى المداهنة وإلى المشي فوق بساط الملوك وما أشبه ذلك، فهذا أمر لا ينبغي، ولم يكن الإنسان صائنا لعلمه إذا سلك الإنسان هذا المسلك. - والواجب قول الحق، لكن قول الحق قد يكون في مكان دون مكان، والإنسان ينتهز الفرصة فلا يفوتها، ويحذر الذلة فلا يقع فيها. * «بحكمة ودراية وحسن سياسة» - لكل مقام مقال. - لا بد أن الإنسان يكون عنده علم ومعرفة وسياسة، بحيث يتكلم إذا كان للكلام محل، ويسكت إذا كان ليس للكلام محل. * ( احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ ) ( احْفَظِ اللهَ في الرخاءِ يَحْفَظْكَ في الشدَّةِ ... ). - «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» هذا نص الحديث. - وفي الحديث «احفظ الله يحفظك» يعني: احفظ حدود الله كما قال الله تعالى في سورة التوبة : {والحافظون لحدود الله} (سورة التوبة: 112). فلا ينتهكونها بفعل محرم، ولا يضيعونها بترك واجب. - وقوله «يحفظك» يعني في دينك ودنياك وفي أهلك ومالك. فإن قال قائل: إننا نرى بعض الحافظين لحدود الله يصيبهم ما يصيبهم. فنقول: هذا زيادة في تكفير سيئاتهم ورفعة درجاتهم، ولا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» * «يعرفك» لا تظن أن الله تعالى لا يعرف الإنسان إذا لم يتعرف إليه، لكن هذه معرفة خاصة، فهي كالنظر الخاص المنفي عمن نفي عنه كما في قوله تعالى : {ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم} (سورة آل عمران: 77). مع أن الله لا يغيب عن نظره شيء، لكن النظر، نظران: - نظر خاص - ونظر عام. كذلك المعرفة: - معرفة خاصة، - ومعرفة عامة. والمراد هنا المعرفة الخاصة. ^ يقال: إن المشهور عند أهل العلم أن الله تعالى لا يوصف بأنه عارف. يقال: عالم، ولا يقال عارف. وفرقوا بين العلم والمعرفة. بأن المعرفة تكون للعلم اليقيني والظني وأنها- أي المعرفة- انكشاف بعد خفاء. وأما العلم فليس كذلك. فنقول ليس المراد بالمعرفة هنا ما أراده الفقهاء أو أراده الأصوليون إنما المراد بالمعرفة هنا: أن الله تعالى يزداد عناية لك ورحمة بك، مع علمه بأحوالك- عز وجل. * وإن أَصْبَحْتَ عاطلًا من قِلادةِ الوِلايةِ – وهذا سبيلُك ولو بعدَ حينٍ – فلا بأسَ ؛ فإنه عَزْلُ مَحْمَدَةٍ لا عَزْلُ مَذَمَّةٍ ومَنْقَصَةٍ . - وهذا سبيلُك ولو بعدَ حينٍ- يعني سوف تترك الولاية ولو بقيت في الولاية حتى الموت فإنك ستتركها لا بد. - وقوله : «فلا بأس، فإنه عزل محمدة لا عزل مذمة ومنقصة». هذا أيضا ليس على عمومه، لأن من الناس من يعزل عزل محمدة وعزة لكونه يقوم بالواجب عليه من الملاحظة والنزاهة، لكن يضيق على من تحته فيحفرون له حتى يقع، وهذا كثير مع الأسف. ومن الناس من يعزل لأنه قد تبين أنه ليس أهلا للولاية، فهل هذا العزل عزل محمدة أم عزل مذمة؟ عزل مذمة لا شك. * ومن العجيبِ أنَّ بعضَ مَن حُرِمَ قَصْدًا كبيرًا من التوفيقِ لا يكونُ عندَه الالتزامُ والإنابةُ والرجوعُ إلى اللهِ إلا بعدَ ( التقاعُدِ ) ، فهذا وإن كانت تَوبَتُه شرعيَّةً ؛ لكن دِينَه ودِينَ العجائزِ سواءٌ ، إذ لا يَتَعَدَّى نَفْعُه ، أمَّا وَقْتُ وِلايتِه حالَ الحاجةِ إلى تَعَدِّي نَفْعِه ؛ فتَجِدُه من أَعْظَمِ الناسِ فُجورًا وَضَرَرًا ، أو باردَ القلْبِ أَخْرَسَ اللسانِ عن الْحَقِّ .فنَعوذُ باللهِ من الْخِذلانِ . - بعض الناس إذا عزل عن الولاية وترك المسؤولية ازداد إنابة إلى الله عز وجل، لأنه إن عزل في حالة يحمد عليها لجأ إلى الله وعرف أنه لا يغنيه أحد عن الله عز وجل، وعرف افتقاره إلى الله تبارك وتعالى، فصلحت حاله. وإن كان انفصاله إلى غير ذلك فلربما يمن الله عليه بالتوبة لتفرغه وعدم تحمله المسئولية، فيعود إلى الله تبارك وتعالى. |
الفصل السادس (التحلي بالعمل) تلخيص وترتيب الدرس السابع والأربعين (المداراة لا المداهنة) "الْمُداهَنَةُ خُلُقٌ مُنْحَطٌّ ، أمَّا الْمُدارَاةُ فلا ، لكن لا تَخْلِطْ بينَهما فتَحْمِلَك المداهَنَةُ إلى حَضَارِ النفاقِ مُجاهَرَةً ، والْمُداهَنَةُ هي التي تَمَسُّ دِينَك" الفرق بين المداهنة والمداراة: * المداهنة: أن يرضى الإنسان بما عليه قبيله، كأنه يقول: لكم دينكم ولي دين، ويتركه. فإنها الموافقة ولهذا جاءت بلفظ الدهن، لأن الدهن يسهل الأمور لأن الإنسان يترك خصمه وما هو عليه ولا يحاول إصلاحه يقول ما دام أنت ساكت عني فأنا أسكت عنك، {ودوا لو تدهن فيدهنون}. * وأما المداراة: فهو أن يعزم بقلبه على الإنكار عليه، لكنه يداريه فيتألفه تارة، ويؤجل الكلام معه تارة أخرى، وهكذا حتى تتحقق المصلحة. فالمداراة يراد بها الإصلاح لكن على وجه الحكمة والتدرج في الأمور فيشتد أحيانا ويلين أحيانا وينطق أحيانا ويسكت أحيانا ، والمطلوب من طالب العلم المداراة. |
الفصل السادس (التَحَلِّي بالعَمَلِ) تلخيص وترتيب الدرس الثامن والأربعين (ما يختص بالكتب من توجيهات) 1- غرام الكتب شرف العلم معلوم، لعموم نفعه، وشدة الحاجة إليه كحاجة البدن إلى الأنفاس، وظهور النقص بقدر نقصه، وحصول اللذة والسرور بقدر تحصيله، ولهذا اشتد غرام الطلاب بالطلب، والغرام بجمع الكتب مع الانتقاء، ولهم أخبار في هذا تطول، وفيه مقيدات في «خبر الكتاب» يسر الله إتمامه وطبعه. وعليه، فأحرز الأصول من الكتب، واعلم أنه لا يغني منها كتاب عن كتاب، ولا تحشر مكتبتك وتشوش على فكرك بالكتب الغثائية، لا سيما كتب المبتدعة، فإنها سم ناقع. جمع الكتب مما ينبغي لطالب العلم أن يهتم به، ولكن يبدأ بالأهم فالأهم. فإذا كان الإنسان قليل الراتب فليس من الخير ولا من الحكمة أن يشتري كتبا كثيرة يلزم نفسه بغرامة قيمتها، فإن هذا من سوء التصرف. - ولذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي أراد أن يزوجه ولم يجد شيئا، أن يقترض ويستدين. واحرص على كتب الأمهات، الأصول، دون المؤلفات الحديثة لأن بعض المؤلفين حديثا ليس عنده علم راسخ، ولهذا إذا قرأت كتابا ما تجد أنه سطحي، قد ينقل الشيء بلفظه، وقد يحرفه إلى عبارة طويلة، لكنها غثاء. فعليك بالأمهات، عليك بالأصل ككتب السلف، فإنها خير وأبرك بكثير من كتب الخلف. * ثم احذر أن تضم مكتبتك الكتب التي ليس فيها خير، لا أقول التي فيها ضرر، بل أقول التي ليس فيها خير -لأن الكتب تنقسم إلى ثلاثة أقسام: خير، وشر، ولا خير ولاشر. هناك كتب يقال أنها كتب أدب، لكنها تقطع الوقت وتقتله من غير فائدة، هناك كتب غامضة ذات أفكار معينة ومنهج معين، فهذه أيضا لا تدخل مكتبتك. _________________________________________________________ 2- قوام مكتبتك عليك بالكتب المنسوجة على طريقة الاستدلال، والتفقه في علل الأحكام، والغوص على أسرار المسائل،ومن أجلها كتب الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى. هذا أيضا منهم، أن يختار الإنسان في مكتبته الكتب الأصيلة القديمة، لأن غالب المتأخرين قليلة المعاني، كثيرة المباني، تقرأ صفحة كاملة يمكن أن تلخصها في سطر أو سطرين مع التعريج والمطآب والتغريزات في بعض الكلمات التي لا تفهم إلا بعد افتراض، لكن كتب السلف تجدها سهلة لينة رصينة، لا تجد كلمة واحدة ليس لها معنى. _________________________________________________________ 3- التعامل مع الكتاب لن تستفد من كتاب حتى تعرف اصطلاح مؤلفه فيه، وكثيرا ما تكون المقدمة كاشفة عن ذلك، فابدأ من الكتاب بقراءة مقدمته. التعامل مع الكتاب يكون بأمور: -الأول: معرفة موضوعه، حتى يستفيد الإنسان منه لأنه يحتاج إلى التخصص. -الثاني: أن تعرف مصطلحاته، وهذا في الغالب يكون في المقدمة، لأن معرفة المصطلحات يحصل بها في الواقع أنك تحفظ أوقات كثيرة، وهذا يفعله الناس في مقدمات الكتب - فمثلا نعرف أن صاحب بلوغ المرام إذا قال: متفق عليه، يعني رواه البخاري ومسلم. لكن صاحب المنتقى إذا قال: متفق عليه في الحديث يعني أنه رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم - كذلك أيضا كتب الفقه يفرق بين القولين، الوجهين،الروايتين، والاحتمالين، كما يعرف الناس من تتبع كتب الفقهاء. الروايتين عن الإمام، والوجهين عن أصحابه، لكن أصحاب المذهب الكبار أهل التوجيه، والاحتمالين للتردد بين قولين: والقولين أعم من ذلك كله. - كذلك يحتاج أن تعرف إذا قال المؤلف: إجماعا أو إذا قال: وفاقا. إذا قال: إجماعا يعني بين الأمة، وفاقا مع الأئمة الثلاثة كما هو اصطلاح صاحب الفروع في فقه الحنابلة. - الثالث: معرفة أسلوبه وعباراته، ولهذا تجد أنك إذا قرأت الكتاب أول ما تقرأ لا سيما من الكتب العلمية المملوءة علما، تجد أنك تمر بك العبارات تحتاج إلى تأمل وتفكير في معناها،لأنك لم تألفها فإذا كررت هذا الكتاب ألفته، وانظر مثلا إلى كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، الإنسان الذي لا يتمرن على كتبه يصعب أن يفهمها لأول مرة، لكن إذا تمرن عرفها بيسر وسهولة. -أما ما يتعلق بأمر خارجي عن التعامل مع الكتاب، وهو التعليق بالهوامش أو بالحواشي، فهذا أيضا مما يجب لطالب العلم أن يغتنمه، وإذا مرت به مسألة تحتاج الىشرح أو دليل أو إلى تعليق ويخشى أن ينساها فإنه يعلقها، إما بالهامش وهو الذي على يمينه أو يساره وإما بالحاشية، وهي التي تكون بأسفل. -وكذلك أيضا إذا كان الكتاب فيه فقه مذهب من المذاهب ورأيت أنه يخالف المذهب في حكم هذه المسألة، فإنه من المستحسن أن تقيد المذهب في الهامش أو الحاشية حتى تعرف أن الكتاب خرج عن المذهب، ولا سيما إذا كان المذهب أقوى مما ذهب إليه صاحب الكتاب. _________________________________________________________ 4- ومنه إذا حزت كتابا، فلا تدخله في مكتبتك إلا بعد أن تمر عليه جردا، أو قراءة لمقدمته، وفهرسه، ومواضع منه، أما إن جعلته مع فنه في المكتبة، فربما مر زمان وفات العمر دون النظر فيه، وهذا مجرب، والله الموفق. أكثر مايكون في حال الإنسان إذا جاءه كتاب جديد بتصفحه، أو إذا كان كثيرا يقرأ الفهرس. قل أن تجد شخصا- مثلا- أو مر بك حال من حين يأتيك الكتاب أن تقرأه. هذا قليل. وإنما قال الشيخ هذا، لأجل إن احتجت إلى مراجعته عرفت أنه يتضمن حكم الذي تريد، أما إذا لم تجرده مراجعة ولو مرورًا فإنك لا تدري ما فيه من الفوائد والمسائل، فيفوتك شيء كثير موجود في هذا الكتاب الذي عندك في الرف. |
الفصل السادس (التَحَلِّي بالعَمَلِ) تلخيص وترتيب الدرس التاسع والأربعين (إعجامُ الكتابةِ) * إذا كَتَبْتَ فأَعْجِم الكتابةَ بإزالةِ عُجْمَتِها. - لا بد أن تكون عالما بالنحو، حتى لا تقع في قول القائل "يريد أن يعربه فيعجمه"، أو" فأعجمه"، لا بد أن تكون عالما، إذا أشكل عليك ترقيم الكلمة أو حركاتها في تركيبها، لا في إعرابها فارجع إلى كتب اللغة؛ لأن هناك أخطاء شائعة بين الناس، مثلا يقولون: تَجْرِبة وتَجَارِب، أكثر الناس إن لم يكن كل الناس يضمونها، وهذا غلط، وقد يشتهر بين الناس أشياء وليس لها أصل؛ فلا بد أن ترجع للأصل.** أعجم، كتاب معجم، أعجِمْ الكتابة معناه: أزِلْ عجمته بإعرابه وتشكيله ونقطه، حتى لا يشكل. == وهذا من الأفعال التي يراد بها الضد، كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم (يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد) > "يتحنث" يعني يزيل الحنث أم يفعل الحنث؟ يزيله.. وهذه لها أمثلة كثيرة . * إعجام الكتابة يكون بأمورٍ : أولاً: وضوحُ الخطِّ. ثانيا: رَسْمُه على ضَوْءِ قواعدِ الرسْمِ ( الإملاءِ ). وفي هذا مؤلَّفاتٌ كثيرةٌ من أَهَمِّها: [ ( كتابُ الإملاءِ ) لحسين والي - ( قواعدُ الإملاءِ ) لعبدِ السلامِ محمد هارون - ( الْمُفْرَدُ العَلَمُ ) للهاشميِّ ] رَحِمَهُم اللهُ تعالى . ثالثا: النَّقْطُ للمُعْجَمِ والإهمالُ للمُهْمَلِ. رابعا: الشَّكْلُ لِمَا يُشْكِلُ . خامسا: تَثبيتُ عَلاماتِ الترقيمِ في غيرِ آيةٍ أو حديثٍ . - النَّقْطُ للمُعْجَمِ والإهمالُ للمُهْمَلِ، الشَّكْلُ لِمَا يُشْكِلُ، تَثبيتُ عَلاماتِ الترقيمِ في غيرِ آيةٍ أو حديثٍ: هذه قواعد إملائية ينبغي مراعاتها. |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ) تلخيص وترتيب الدرس الخمسون (حِلْمُ اليَقَظَةِ ) * إيَّاك و ( حِلْمَ اليَقَظَةِ )، ومنه بأن تَدَّعِيَ العلْمَ لِمَا لم تَعْلَمْ، أو إتقانَ ما لم تُتْقِنْ، فإن فَعَلْتَ؛ فهو حِجابٌ كَثيفٌ عن الْعِلْمِ. - ما أسرع أن يغتر الإنسان ، أحيانا بعض الناس يري الحاضرين بأنه عالم مطلع، فتجده إذا سُئل.... يسكت قليلا- يعني كأنه يتأمل ويطلع على الأسرار ثم يرفع رأسه ويقول: هذه المسألة فيها قولان للعلماء !! ، ولو قلت له ما هما القولين؟ يأتي بالقولين من عنده أو يقول تحتاج إلى مراجعة. - على الطالب أن لا يدعي العلم وأن لا ينصب نفسه عالمًا مفتيًا وهو لا علم عنده، لأن هذا من السفه في العقل والضلال في الدين. - الإنسان إذا فعل هذا، يقول خلاص أنا صرت عالم لا أحتاج إلى ان أطلب العلم فينحجب عن العلم بهذا الاعتقاد الباطل. |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ) تلخيص وترتيب الدرس الواحد والخمسين (احذر أن تكون أبا شبر) "فقد قيلَ : العلْمُ ثلاثةُ أَشبارٍ ، مَن دَخَلَ في الشبْرِ الأَوَّلِ ؛ تَكَبَّرَ ؛ وَمَنْ دَخَلَ في الشبْرِ الثاني ؛ تَواضَعَ ، ومَن دَخَلَ في الشبْرِ الثالثِ ؛ عَلِمَ أنه ما يَعْلَمُ". * الشبر الأول يرى نفسه عالما لكن متكبر ، والثاني يرى نفسه عالما لكنه متواضع ، والثالث أنه جاهل لا يعلم. وبالضرورة فلن يتكبر وهو يرى نفسه جاهلا. * إذا رأى طالب العلم نفسه جاهلا وهو على علم فليعلم أنه لن يقدم على عزم في الفتيا مثلا، ولهذا تجد بعض طلبة العلم لا يعطيك جزما يقول: الذي يظهر... أو يحتمل. هذا خطأ لأنه يجعل الإنسان السائل طريح الاحتمال. أما الإنسان الذي ليس عنده علم متمكن فهذا ينبغي أن يرى نفسه غير عالم. |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ) تلخيص وترتيب الدرس الثاني والخمسين(التصدر قبل التأهل) احذر التصدر قبل التأهل،فهو آفة في العلم والعمل. وقد قيل: من تصدر قبل أوانه، فقد تصدى لهوانه. مما يجب الحذر منه أن يتصدر الإنسان قبل أن يكون أهل للتصدر؛ لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلا على أمور: -الأول: إعجابه بنفسه، حيث تصدر فهو يرى نفسه علم الأعلام. -الثاني: أن ذلك يدل على عدم فقهه ومعرفته بالأمور، وإذا الناس رأوه متصدرا، أوردوا عليه من المسائل ما يبين عواره. -الثالث: إنه إذا تصدر قبل أن يتأهل، لزمه أن يقول على الله ما لا يعلم، لأن غالب من كان هذا قصده الغالب أنه لا يبالي أن يحطم العلم تحطيما وأن يجيب عن كل ما سئل عنه. -الرابع: أن الإنسان إذا تصدر فإنه في الغالب لا يقبل الحق، لأنه يظن بسفهه أنه إذا خضع لغيره، وإن كان معه الحق كان هذا دليلا على أنه ليس بأهل في العلم. |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ) تلخيص وترتيب الدرس الثالث والخمسين (التَّنَمُّرُ بالعِلْمِ) * احْذَرْ ما يَتَسَلَّى به الْمُفْلِسُونَ من العِلْمِ ، يُراجِعُ مسألةً أو مسألتين، فإذا كان في مَجلسٍ فيه مَن يُشارُ إليه؛ أثارَ البحثَ فيهما؛ ليُظْهِرَ عِلْمَه، وكم في هذا من سَوْأَةٍ، أقَلُّها أن يَعلمَ أنَّ الناسَ يَعلمونَ حقِيقَتَه. ** التَّنَمُّرُ بالعِلْمِ: يعني أن يجعل الإنسان نفسه نمرا (أخو الأسد). = أي يأتي مثلاً إلى مسألة من المسائل ويبحثها ويحققها بأدلتها ومناقشتها مع العلماء، وإذا حضر مجلس عالِم يُشارُ إليه بالبنان، يقول: ماذا تقول أحسن الله إليك في كذا وكذا؟ قال العالم: هذا حرام مثلا. قال: كيف؟ بماذا نجيب عن قوله صلى الله عليه وسلم كذا، عن قول فلان كذا، ثم يأتي من الأدلة التي لا يعرفها العالِم؛ لأن العالم ليس محيطا بكل شيء.. فيُظهِر هذا المتنمّر نفسه أنه أعلَـم من هذا العالِم، فيتحدث عنه العوام: والله فلان البارحة جالس مع فلان -الذي هو كبير من العلماء- وأفحمه في مسألة؛ لأن العالم لا يدري، وهذا لا شك أنه تنمُّر. - والتنمُّر يكون مِن المُفلِس، فإذا قلنا له: أعرب قول الشاعر، أو اقسم هذه المسألة الفرضية، يتبين أنه ليس عنده شيء. = كثير من العلماء الآن وطلبة العلم، يكون له اختصاص في شيء معين مثل أن يدرس كتاب النكاح مثلا ويحقق فيه، لكن لو تخرج به إلى كتاب البيع -الذي هو قبل باب النكاح في الترتيب عند الفقهاء- لن تجده عنده شيئا. = وكذلك كثير من الناس يتنمَّر في الحديث، فيعرض حديث فيقول رواه فلان عن فلان، وفيه انقطاع، وانقطاعه كذا. ثم يضفي على هذا ظلالا من كبريات العلم، ثم لو تسأله عن آية من كتاب الله ما أجاب. - الإنسان يجب أن يتأدب مع مَن هو أكبر منه. - إذا كان مَن هو أكبر منه أخطأ في مسألة، فالخطأ يجب أن يُبَيَّن لكن بصيغة لبقة أو ينتظر حتى يخرج مع هذا العالم ويمشي معه ويتكلم معه بأدب، والعالم الذي يتقي الله إذا بان له الحقّ فإنه سوف يرجع إليه وسوف يبين للناس أنه رجع. - مِن المهم ألا يكون هَمّ طالب العلم أن يكون رئيسا في الناس لأن هذا من ابتغاء الدنيا بالدين. |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ) تلخيص وترتيب الدرس الرابع والخمسين (تَحْبِيرُ الكَاغَدِ) * كما يكونُ الحذَرُ من التأليفِ الخالي من الإبداعِ في مَقاصِدِ التأليفِ الثمانيةِ، والذي نِهايتُه ( تَحبيرُ الكاغَدِ) - الكاغد كلمة فارسية معربة وتعني القرطاس. - يحذر الشيخ رحمه الله مَن يريد التأليف أن يكون تأليفه خالياً من الإجادة والإفادة فيكون غايته تسويد الأوراق بالحبر وتضييع وقته ووقت القارئ. - مقاصد التأليف الثمانية هي: 1- اختراع معدوم 2- أو جمع مفترق 3- أو تكميل ناقص 4- أو تفصيل مجمل 5- أو تهذيب مطول 6- أو ترتيب مخلط 7- أو تعيين مبهم 8- أو تبيين خطأ . قال جمال الدين القاسمي في قواعد التحديث: (كذا عدها أبو حيان ويمكن الزيادة فيها). ^ الكلام في حصر مقاصد التأليف مبني على الاستقراء والسبر والتقسيم، وأصولها أربعة كما ذكر ابن فارس في كتابه الصاحبي في فقه اللغة: (وإنما لنا فيه اختصار مبسوط أو بسط مختصر، أو شرح مشكل، أو جمع متفرق). ^ قال ابن حزم - كما في مجموع رسائله - : (وإنما ذكرنا التآليف المستحقة للذكر، والتي تدخل تحت الأقسام السبعة التي لا يؤلف عاقل إلا في أحدها، وهي: - إما شيء لم يسبق إليه يخترعه. - أو شيء ناقص يتمه. - أو شيء مستغلق يشرحه. - أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه. - أو شيء متفرق يجمعه. - أو شيء مختلط يرتبه. - أو شيء أخطأ فيه مؤلفه يصلحه. ^ وقال المقري في أزهار الرياض: (رأيت بخط بعض الأكابر ما نصه: المقصود بالتأليف سبعة: شيء لم يسبق إليه فيؤلف، أو شيء ألف ناقصا فيكمل، أو خطأ فيصحح، أو مشكل فيشرح، أو مطول فيختصر، أو مفترق فيجمع، أو منثور فيرتب. ^ وقال ابن خلدون في مقدمته: (ثم إن الناس حصروا مقاصد التأليف التي ينبغي اعتمادها وإلغاء ما سواها، فعدوها سبعة: 1/ استنباط العلم بموضوعه وتقسيم أبوابه وفصوله وتتبع مسائله. 2/ أن يقف على كلام الأولين وتآليفهم فيجدها مستغلقة على الأفهام ويفتح الله له في فهمها فيحرص على إبانة ذلك لغيره ممن عساه يستغلق عليه، لتصل الفائدة لمستحقها. 3/ أن يعثر المتأخر على غلط أو خطإ في كلام المتقدمين ممن اشتهر فضله وبعد في الإفادة صيته، ويستوثق في ذلك بالبرهان الواضح الذي لا مدخل للشك فيه، فيحرص على إيصال ذلك لمن بعده. 4/ أن يكون الفن الواحد قد نقصت منه مسائل أو فصول بحسب انقسام موضوعه فيقصد المطلع على ذلك أن يتمم ما نقص من تلك المسائل ليكمل الفن بكمال مسائله وفصوله، ولا يبقى للنقص فيه مجال. 5/ أن يكون مسائل العلم قد وقعت غير مرتبة في أبوابها ولا منتظمة، فيقصد المطلع على ذلك أن يرتبها ويهذبها. 6/ أن تكون مسائل العلم مفرقة في أبوابها من علوم أخرى. 7/ أن يكون الشيء من التآليف التي هي أمهات للفنون مطولاً مسهباً فيقصد بالتأليف تلخيص ذلك، بالاختصار والإيجاز وحذف المتكرر. ^ هذه جماع المقاصد التي ينبغي اعتمادها بالتأليف ومراعاتها. ^ وما سوى ذلك ففعل غير محتاج إليه وخطأ عن الجادة التي يتعيين سلوكها في نظر العقلاء، مثل: انتحال ما تقدم لغيره من التآليف أن ينسبه إلى نفسه ببعض تلبيس، من تبديل الألفاظ وتقديم المتأخر وعكسه، أو يحذف ما يحتاج إليه في الفن أو يأتي بما لا يحتاج إليه، أو يبدل الصواب بالخطأ، أو يأتي بما لا فائدة فيه. فهذا شأن الجهل والقحة. ^ولذا قال أرسطو، لما عدد هذه المقاصد، وانتهى إلى آخرها فقال: وما سوى ذلك ففضل أو شره، يعني بذلك الجهل والقحة. * فالْحَذَرَ من الاشتغالِ بالتصنيفِ قبلَ استكمالِ أَدواتِه ، واكتمالِ أهْلِيَّتِكَ ، والنضوجِ على يَدِ أشياخِك ؛ فإنك تُسَجِّلُ به عارًا ، وتُبْدِي به شَنَارًا . * أمَّا الاشتغالُ بالتأليفِ النافعِ لِمَن قامَتْ أهْلِيَّتُه ، واستَكْمَلَ أَدواتِه وتَعَدَّدَتْ مَعارِفُه ، وتَمَرَّسَ به بَحْثًا ومُراجعةً ومُطالَعَةً وجَرْدًا لِمُطَوَّلاتِه وحِفْظًا لِمُخْتَصَرَاتِه ، واستذكارًا لمسائلِه ؛ فهو من أَفْضَلِ ما يَقومُ به النُّبلاءُ من الفُضلاءِ . - هذه الشروط التي ذكرها المؤلف، الآن متعذرة. - إذا كان الطالب لديه علم وقدرة فليشرح هذه الكتب الموجودة شرحا لأن بعض هذه الكتب لا يوجد فيه الدليل على وجه كامل. * ولا تَنْسَ قولَ الْخَطيبِ : ( مَن صَنَّفَ ؛ فقد جَعَلَ عقْلَه على طَبَقٍ يَعْرِضُه على الناسِ ) . |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ) تلخيص وترتيب الدرس الخامس والخمسين (موقفك من وهم من سبقك) "إذا ظفرت بوهم لعالم، فلا تفرح به للحط منه، ولكن افرح به لتصحيح المسألة فقط؛ فإن المنصف يكاد يجزم بأنه ما من إمام إلا وله أغلاط وأوهام، لا سيما المكثرين منهم. وما يشغب بهذا ويفرح به للتنقص، إلا متعالم «يريد أن يطب زكاما فيحدث به جذاما». نعم؛ ينبه على خطأ أو وهم وقع لإمام غمر في بحر علمه وفضله، لكن لا يثير الرهج عليه بالتنقص منه، والحط عليه فيغتر به من هو مثله". * موقف الإنسان من وهم من سبقه أو من عاصره أيضا له جهتان: الجهة الأولى: التصحيح وهذا أمر واجب، ويجب على كل إنسان عثر على وهم إنسان- ولو كان من أكابر العلماء في عصره- أو فيمن سبقه- يجب عليه أن ينبه على هذا الوهم وعلى هذا الخطأ، لأن بيان هذا الوهم أمر واجب، ولا يمكن أن يضيع الحق لاحترام من قال بالباطل، لأن احترام الحق أولى من مراعاته. - قد يكون من المصلحة ألا يصرح، كما لو كان يتكلم عن عالم مشهور في عصره، موثوق عند الناس محبوب إليهم. فيقول: قال فلان كذا وكذا خطأ، فإن العامة لا يقبلون منه شيئا بل يسخرون به، ففي هذه الحال يجب أن يقول: من الوهم أن يقول القائل كذا وكذا. ولا يقل: فلان. - وقد يكون هذا الرجل- الذي توهم- متبوعا يتبعه شرذمة من الناس، وليس له قدر في المجتمع، فحينئذ يصرح، لئلا لا يغتر الناس به، فيقول: قال فلان كذا وكذا وهو خطأ. الجهة الثانية: أن يقصد بذلك بيان معايبه لا إظهار الحق من الباطل.وهذه إنما تقع من إنسان حاسد- والعياذ بالله- يتمنى أن يجد قولا ضعيفا أو خطأ لشخص ما، فينشره بين الناس ولهذا نجد أهل البدع يتكلمون في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وينظرون إلى أقرب شيء يمكن أن يقدح به، فينشرونه ويعيبونه. * «إذا ظفرت بوهم لعالم فلا تفرح به للحط منه، ولكن افرح به لتصحيح المسألة فقط»: يرى الشيخ ابن عثيمين أن الأفضل أن نقول: «إذا ظفرت بوهم عالم فلا تفرح به للحط منه ولكن التمس العذر له وصحح الخطأ» هذا صواب العبارة. * «فإن المنصف يكاد يجزم بأنه ما من إمام إلا وله أغلاط وأوهام، ولا سيما المكثرين منهم»: أي أن الذي يتكلم بالعدل ويتتبع أقوال العلماء يعلم أنه ما في عالم إلا وله أوهام وأخطاء، ولا سيما المكثر الذي يكثر الكتابة والفتوى. ولهذا قال بعضهم: من كثر كلامه، كثر سقطه. ومن قل كلامه، قل سقطه. * «وما يشغب بهذا ويفرح به للتنقص، إلا متعالم» يريد أن يطب زكاما فيحدث به جذاما»: في الحقيقة لا يفرح به للتنقص إلا إنسان معتدي لا متعالي. معتدي يريد العدوان على الشخص نفسه، ويريد العدوان على العلم الصحيح، لأن الناس إذا وجدوا هذا العالم أخطأ في مسألة ضعف قوله، أو ضعفت قوة قوله عندهم حتى في المسائل الصحيحة. * فأنت في وهم من سبقك يجب أن يكون قصدك الحق، ومن كان قصده الحق وفق للقبول، أما من كان قصده أن يظهر عيوب الناس، فإن من تتبع عورة أخيه، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في بيت أمه. |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ) تلخيص وترتيب الدرس السادس والخمسين (دفع الشبهات) لا تجعل قلبك كالإسفنجة تتقلى ما يرد عليها، فاجتنب إثارة الشبه وإيرادها على نفسك أو غيرك، فالشبه خطافة، والقلوب ضعيفة، وأكثر من يلقيها حمالة الحطب- المبتدعة- فتوقهم. هذه الوصية أوصى بها شيخ الإسلام ابن تيمية تلميذه ابن القيم قال: «لا تجعل قلبك كالإسفنجة يشرب ويقبل كل ما ورد عليه، ولكن اجعله زجاجة صافية تبين ما وراءها ولا تتأثر بما يرد عليها». كثير من الناس يكون قلبه غير مستقر ويورد شبهات. وقد قال العلماء رحمهم الله قولا حقا وهو: أننا لو طاوعنا الإيرادات العقلية ما بقي علينا نص إلا وهو محتمل مشتبه، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يأخذون بظاهر القرآن وبظاهر السنة، ولا يوردون -ولو قال قائل: نعم إن كان الإيراد قويا أو كان هذا الإيراد قد أورد من قبل فحينئذ يبحث الإنسان، أما أن يجعل يفكر إذا نام على فراشه «إنما الأعمال بالنيات» أفلا يحتمل بالأعمال العبادات الأم: كالصلاة والزكاة والحج والصوم، والباقي لا نية له. يمكن، فيه احتمال عقليا؛ ثم يبني على الاحتمال الذي أورده على نفسه احتمالات أخرى. وما أكثر هذا في بعض الناس، نجده دائما يورد إيرادات وهذا في الواقع ثلم عظيم في تلقي العلم. اترك الإيرادات وامش على الظاهر فهو الأصل، ولهذا اقرأوا الآن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة والأحاديث تجدون المسألة على ظاهرها. -لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بأن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير. ما قالوا يا رسول الله كيف ينزل؟ وهل السماء تسعه؟ وهل يخلو من العرش؟ . -لما حدثهم أن الموت يؤتى به يوم القيامة على صورة كبش، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت، ثم يذبح بين الجنة والنار. ما قالوا كيف يكون الموت كبشا؟ -لذلك أنصح نفسي وإياكم ألا توردوا هذا على أنفسكم، لا سيما في أمور الغيب المحضة، لأن العقل يحار فيها، ما يدركها، فدعها على ظاهرها ولا تتكلم فيها. قل سمعنا وآمنا وصدقنا، وما وراءنا أعظم مما نتخيل. فهذا مما ينبغي لطالب العلم أن يسلكه. |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ) تلخيص وترتيب الدرس السابع والخمسين (احْذَر اللَّحْنَ) * ابْتَعِدْ عن اللحْنِ في اللفظِ والكُتُبِ؛ فإنَّ عَدَمَ اللحْنِ جَلالةٌ وصفاءُ ذوقٍ ووُقوفٌ على مِلاحِ المعاني لسلامةِ الْمَبانِي. ** اللحْنِ معناه: الميل، سواء كان في قواعد التصريف أو في قواعد الإعراب. = قواعد الإعراب يمكن الإحاطة بها، فيعرف الإنسان القواعد ويطبق لفظه أو كتابته عليها. = قواعد التصريف هي المشكلة، فأحيانا يأتي الميزان الصرفي على غير قياس، يأتي سماعيا بحتاً، وحينئذ لا يخلو إنسان في الغلط فيه. حتى لو ضبطت جموع التكسير، وأبنية المصادر سوف تجد شاذا كثيرا عنها، ولكن نقول: سدد وقارب. - عليك بأن تعدل لسانك وأن تعدل بنانك، وأن لا تكتب إلا بعربية، ولا تنطق إلا بعربية، فإن عدم اللحن جلالة وصفاء لون ووقوف على ملامح المعاني لسلامة المباني.. " كلما سلم المبنى اتضح المعنى ". * عن عمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ: (تَعَلَّمُوا العربيَّةَ؛ فإنها تَزيدُ في الْمُروءةِ). - هذه يقولها في عهده رضي الله عنه، يأمر بتعلم العربية خوفا من أن تتغير بلسان الأعاجم بعد الفتوحات. لكن مع الأسف أننا في هذا الزمن ليس لنا شخصية وصرنا أذيالا وأتباعا لغيرنا، وصار مِنَّا مَن يرى أن من تكلم بالإنجليزية أو بالفرنسية هو ذو مروءة، بل إن بعضنا يعلم أولاده اللغة غير العربية. فيجب أن يكون لنا شخصية، لأننا والحمد لله أهل دين وشريعة. * وقد وَرَدَ عن جَماعةٍ من السلَفِ أنهم كانوا يَضْرِبُونَ أولادَهم على اللَّحْنِ. - مع أن اللحن قليل في ذلك الوقت، لكن كانوا يضربونهم عليه. عندنا الآن لا أحد يضرب على اللحن ولا أولاده ولا تلاميذه ولا غيره، على الأقل بالنسبة للتلاميذ إذا أخطأ الإنسان في العربية فرد عليه حتى لا يكون أخطأ، وظن أن سكوتك يدل على صحة ما نطق به. * أَسْنَدَ الخطيبُ عن الرَّحْبيِّ قالَ: ( سَمِعْتُ بعضَ أصحابنِا يَقولُ: إذا كَتَبَ لَحَّانٌ ، فكَتَبَ عن اللَّحَّانِ لَحَّانٌ آخَرُ؛ صارَ الحديثُ بالفارِسِيَّةِ ) !. وأَنْشَدَ الْمُبَرِّدُ : النحوُ يَبْسُطُ من لسانِ الأَلْكَنِ = والــــمــــرءُ تُـــكْـــرِمُـــه إذا لـــــــــم يَـــلْـــحَـــنِ فــــإذا أرَدْتَ مـــــن الـعــلــومِ أَجَـلَّــهــا = فــأَجَــلُّــهــا مــنـــهـــا مُــقـــيـــمُ الأَلْــــسُــــنِ وعليـــــــــه، فلا تَحْفَلْ بقولِ القاسمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى: (تَعَلُّمُ النَّحْوِ: أوَّلُه شُغْلٌ وآخِرُه بَغْيٌ) . ولا بقولِ بِشْرٍ الحافِي رَحِمَه اللهُ تعالى : (لَمَّا قيلَ له: تَعَلَّم النحْوَ قالَ : أَضِلُّ ، قالَ : قلُ: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا . قالَ بِشْرٌ: يا أخي! لِمَ ضَرْبُه ؟ قالَ : يا أبا نَصْرٍ ! ما ضَرَبَه، وإنما هذا أصْلٌ وُضِعَ . فقالَ بِشْرٌ : هذا أَوَّلُه كَذِبٌ ، لا حاجةَ لي فيه) . |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ)) تلخيص وترتيب الدرس الثامن والخمسين (الإجهاضُ الفكريُّ والإسرائيلياتُ الجديدةُ) 62- الإجهاضُ الفكريُّ: احْذَر ( الإجهاضَ الفِكْرِيَّ ) ؛ بإخراجِ الفِكرةِ قبلَ نُضُوجِها . - لا تتعجل من حين ما يتبين لك شيئا تخرجه، لا سيما إذا كان هذا الشيء الذي أنت تريد أن تخرجه مخالفا لقول أكثر العلماء أو مخالفا لما تقتضيه الأدلة الأخرى الصحيحة، لأن بعض الناس يمشي مع بنيات الطريق، فتجده إذا مر بحديث -ولو كان ضعيفا شاذا- أخذ به، ثم قام يتكلم به في الناس، فيظن الناس لهذا أنه أدرك من العلم ما لم يدركه غيره. - إذا رأيت: ^ حديثا يدل على حكم تعارضه الأحاديث الصحيحة التي هي عماد الأمة، والتي تلقتها الأمة بالقبول فلا تتعجل، ^ وكذلك إذا رأيته يدل على حكم خالف الجمهور، لا تتعجل. - لكن إذا تبين لك الحق فلا بد من القول به. - هذا سماه الشيخ بكر: (الإجهاض الفكري) يعني كأن امرأة وضعت حملها قبل أن يتم. 63- الإسرائيلياتُ الجديدةُ : احْذَر الإسرائيليَّاتِ الجديدةَ في نَفَثَاتِ المستشرقين من يهودَ ونَصَارَى ؛ فهي أشدُّ نِكايةً وأعظَمُ خَطَرًا من الإسرائيليَّاتِ القديمةِ ؛ فإنَّ هذه قد وَضَحَ أمْرُها ببيانِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الموْقِفَ منها ؛ ونَشْرِ العُلماءِ القولَ فيها ، أمَّا الجديدةُ الْمُتَسَرِّبَةُ إلى الفِكْرِ الإسلاميِّ في أعقابِ الثورةِ الحضارِيَّةِ واتِّصالِ العالَمِ بعضِه ببعضٍ ، وكَبْحِ المدِّ الإسلاميِّ ؛ فهي شرٌّ مَحْضٌ وبلاءٌ متَدَفِّقٌ ، وقد أخذَتْ بعضَ المسلمينَ عنها سِنَةٌ ، وخَفَضَ الْجَناحَ لها آخَرونَ فاحْذَرْ أن تَقَعَ فيها ، وَقَى اللهُ المسلمينَ شَرَّهَا . * يريد بهذا الأفكار الدخيلة التي دخلت على المسلمين بواسطة اليهود والنصارى، فهي ليست إسرائيليات إخبارية، بل إسرائيليات فكرية. * منها ما يتعلق بالمعاملات، ومنها ما يتعلق بالعبادات، ومنها ما يتعلق بالأنكحة. * أمثلة: - إن بعض الكتاب ينكر تعدد النساء الذي ذهب كثير من العلماء إلى أن التعدد أفضل من الإفراد، وينكر التعدد ويقول هذا في زمن ولى وراح، ولم يدر أن التعدد في هذا الزمن أشد إلحاحا منه فيما سبق لكثرة النساء وكثرة الفتن واحتياج النساء إلى من يُحَصن فروجهن. - كذلك أيضا من بعض الأفكار ما يتعلق بحال النبي عليه الصلاة والسلام وتعدد الزوجات في حقه. - ومن الأفكار أيضا ما يتعلق بالخلافة والإمامة، كيف كان أبو بكر يبايع له بدون أن يستشار الناس كلهم، حتى العجوز والطفل.... وما أشبه ذلك. الخلاصة: هناك أفكارا جديدة واردة اشتبهت على بعض كتاب المسلمين فيجب على الإنسان الحذر منها وأن يرجع إلى الأصول في هذه الأمور فإنها خير. |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ)) "احذر الجدل البيزنطي:تلخيص وترتيب الدرس التاسع والخمسين (احذر الجدل البيزنطي) أي الجدل العقيم، أو الضئيل، فقد كان البيزنطيون يتحاورون في جنس الملائكة والعدو على أبواب بلدتهم حتى داهمهم. وهكذا الجدل الضئيل يصد عن السبيل. وهدي السلف: الكف عن كثرة الخصام والجدال، وأن التوسع فيه من قلة الورع، كما قال الحسن، إذا سمع قوما يتجادلون. «هؤلاء ملوا العبادة، وخف عليهم القول، وقل ورعهم، فتكلموا». رواه أحمد في «الزهد»، وأبو نعيم في «الحلية»". * الجدل البيزنطي هو الجدال العقيم، الذي لا فائدة منه، أو الجدل الذي يؤدي إلى التنطع في المسائل والتعمق فيها بدون أن يكلفنا الله ذلك، فدع هذا الجدل واتركه، لأنه لا يزيدك إلا قسوة في القلب وكراهة للحق، إذا كان مع خصمك وغلبك فيه، فلهذا دع هذا النوع من الجدل. * أما الجدل الحقيقي الذي يقصد به الوصول إلى الحق، ويكون جدل مبني على السماحة، وعدم التنطع. فهذا أمر مأمور به. قال الله تعالى : (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (سورة النحل: 125). * مثال للجدل العقيم: جنس الملائكة ما هم؟ يجادل هؤلاء المتكلمون: جنسهم من كذا، وجنسهم من كذا. ونحن نعلم أنهم خلقوا من نور وأنهم أجسام وأنهم لهم أجنحة وأنهم يصعدون وينزلون إلى آخر ما ذكره الله في الكتاب أو ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة من أوصافهم، ولا نتعد في أمور الغيب غير ما بلغنا، ولا نسأل: كيف ولم؟. - مثال آخر: ما ابتلي به أهل الكلام فيما يتعلق بالعقيدة وصاروا يتنطعون ويقولون -مثلاً-: كلام الله هل هو صفة فعلية أم ذاتية؟ وهل هو حادث أو قديم؟ وما أشبه ذلك من الكلام، وهل نزول الله إلى السماء الدنيا حقيقة أو مجاز؟ * على الإنسان أن يكون كما كان الصحابة رضي الله عنهم لا يسألون عن مثل هذه الأمور، لأنهم إذا سألوا وبحثوا ونقبوا، فإن الضريبة هي قسوة القلب، مؤكد. لكن إذا بقي الرب عز وجل محل الإجلال والتعظيم في قلبك، وعدم البحث في هذه الأمور صار هذا أجل وأعظم. |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ) تلخيص وترتيب الدرس الستين( لا طائفِيَّةَ ولا حِزبيَّةَ يُعْقَدُ الولاءُ والبَرَاءُ عليها ) *السلف الصالح ليس عندهم حزبية كلهم حزب واحد، كلهم ينضمون تحت قول الله تعالى : (هو سماكم المسلمين من قبل) (سورة الحج: 78). فلا حزبية ولا تعدد ولا موالاة ولا معاداة إلا على حسب ما جاء في الكتاب والسنة. *فمن الناس مثلا من يتحزب إلى طائفة معينة، يقرر منهجها ويستدل عليه بالأدلة التي قد تكون دليل عليه، وقد تكون دليل له ويحامي دونه، ويضلل من سواه حتى ولو كانوا أقرب إلى الحق منها ويأخذ بمبدأ: من ليس معي فهو علي. وهذا مبدأ خبيث، يعني بعض الناس يقول: إذا لم تكن معي فأنت علي، هناك وسط بين أن يكون لك أو عليك، وإذا كان عليك في الحق فليكن عليك فإنه في الحقيقة معك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم، فلا حزبية في الإسلام. ولذلك لما ظهرت الأحزاب في المسلمين تنوعت الطرق وتفرقت الأمة، وصار بعضهم يضلل بعضا ويأكل لحم أخيه ميتا. -«أهل الإسلام ليس لهم سمة سوى الإسلام والسلام» (هو سماكم المسلمين من قبل) (سورة الحج: 78). فهذه سمة المسلم وعلامته: مسلما لله، مستسلما له، قائما بأمره تابعا لرسوله *فيا طالب العلم بارك الله فيك وفي علمك اطلب العلم واطلب العمل، لا تكن مثل بعض الناس، ليس إلا كتب مجموعة، يحفظ كثيرا ويفهم كثيرا، لكنه يعمل قليلا. فهذا لا ينتج. كن طالبا للعلم عاملا به، داعيا إلى الحق. ثلاثة أشياء: صدق الطلب، العمل به، الدعوة. لا بد من هذا، أما مجرد أن تحشر العلوم ولا ينتفع الناس بعلمك، فهذا نقص كبير. *وادع إلى الله على طريقة السلف. وهي التي أرشدهم الله إليها بقوله : (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (سورة النحل: 125). لين في موضع اللين، وشدة في موضع الشدة. -«ولا تكن خراجا ولاجا في الجماعات، فتخرج من السعة إلى القوالب الضيقة، فالإسلام كله لك جادة ومنهج». إن بعض الناس يكون ولاجا خراجا، بينما تجده منضما إلى قوم أو فئة، اليوم تجده خارجا منها ووالجا في جهة أخرى، وهذا مضيعة للوقت، ودليل على أن الإنسان ليس له قاعدة يبني عليها حياته. -«المسلمون جميعهم هم الجماعة، وأن يد الله مع الجماعة، فلا طائفية ولا حزبية في الإسلام». بل يجب أن نكون أمة واحدة، وإن اختلفنا في الرأي، أما أن نكون أحزابا: هذا إخواني- يعني من الإخوان المسلمين- وهذا سلفي، وهذا تبليغي. وهذا لا يجوز، الواجب أن كل هذه الأسماء ينبغي أن تزول. وتكون أمة واحدة، وحزب واحد على أعدائنا -«وأعيذك بالله أن تتصدع، فتكون نهابا بين الفرق، والطوائف، والمذاهب الباطلة، والأحزاب الغالية، تعقد سلطان الولاء والبراء عليها». هذه أيضا طريق سيئة، أن يكون الإنسان نهابا بين الفرق والطوائف، يأخذ من هذا، ومن ثم لا يستقر على رأي. فإن هذه آفة عظيمة، والواجب على الإنسان أن يكون مختارا ما هو أنسب في العلم والدين ويستمر عليه وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:«من بورك له في شيء فليلزمه». وهذه في الحقيقة قاعدة لمنهاج المسلم يجب أن يسير عليها، من بورك له في شيء فليلزمه وليستمر عليه حتى لا تتقطع أوقاته يوما هنا ويوما هنا. -«فكن طالب علم على الجادةـ تقفوا الأثر، وتتبع السنن، تدعوا إلى الله على بصيرة عارفا لأهل الفضل فضلهم وسابقتهم». الإنسان ينبغي له أن يتبع الأثر وأن يدع الأهواء والأفكار الواردة على الإسلام والتي هي في الحقيقة دخيلة على الإسلام وبعيدة الوضوح. *ثم نقل كلام ابن القيم: (العلامة الثانية) قوله: «ولم ينسبوا إلى اسم»أي: لم يشتهروا باسم يعرفون به عند الناس من الأسماء التي صارت أعلاما لأهل الطريق. وأيضا، فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من الأعمال، فإن هذا آفة في العبودية، وهي عبودية مقيدة. وأما العبودية المطلقة، فلا يعرف صاحبها باسم معين من معاني أسمائها. العبودية المطلقة أن يعبد الإنسان ربه على حسب ما تقتضيه الشريعة. مرة من المصلين، ومرة من الصائمين، ومرة من المجاهدين ومرة من المتصدقين حسب ما تقتضيه المصلحة، ولذلك تجد النبي صلى الله عليه وسلم هكذا حاله، لا تكاد تراه صائما إلا وجدته صائما ولا مفطرا إلا وجدته مفطرا، ولا قائما إلا وجدته قائما. يتبع المصلحة، أحيانا يترك الأشياء التي يحبها من أجل مصلحة الناس، فإياك أن تكون قاصرا على عبادة معينة، بحيث لا تتزحزح عنها. -«فإنه مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها»، فله مع كل أهل عبودية نصيب يضرب معهم بسهم، فلا يتقيد برسم ولا إشارة، ولا اسم ولا بزي، ولا طريق وضعي اصطلاحي، بل إن سئل عن شيخه؟ قال: الرسول. وعن طريقه؟ قال: الاتباع. وعن خرقته؟ قال: لباس التقوى. وعن مذهبه؟ قال: تحكيم السنة وعن مقصده ومطلبه؟ قال : (يريدون وجهه). وعن رباطة وعن خانكاه؟ قال: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال (36) رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) (سورة النور: 36-37). وعن نسبه؟ قال: أبي الإسلام لا أب لي سواه .............إذا افـتـخــروا بـقـيــس أو تـمــيــم وعن مأكله ومشربه؟ قال: «مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء، وترعى الشجر، حتى تلقى ربها». هذه قالها النبي صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل، لما سئل عن إلتقاطها غضب عليه الصلاة والسلام. وقال: «ما لك ولها؟ دعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها ترد وترعى الشجر حتى تلقى ربها». ابن القيم- رحمه الله- نقلها إلى هذا المعنى الجليل، يعني: هؤلاء العباد الذين تفنوا في العبادة وأخذوا لكل نوع منها نصيب. لو سئل من أين يجري عليك الرزق. يجيب: مالك ولها دعني!! يرزقني الله عز وجل. -«أولئك ذخائر الله حيث كانوا، ذخائر الملك: ما يخبأ عنده، ويذخره لمهماته، ولا يبذله لكل أحد، وكذلك ذخيرة الرجل: ما يذخره لحوائجه ومهماته. وهؤلاء لما كانوا مستورين عن الناس بأسبابهم، غير مشار إليهم، ولا متميزين برسم دون الناس، ولا منتسبين إلى اسم طريق أو مذهب أو شيخ أو زي، كانوا بمنزلة الذخائر المخبوءة. هؤلاء أبعد الخلق عن الآفت، فإن الآفات كلها تحت الرسوم والتقيد بها، ولزوم الطرق الاصطلاحية، والأوضاع المتداولة الحادثة. هذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن الله، وهم لا يشعرون». لا شك أن الأمر كما قال الإمام ابن القيم- رحمه الله- هؤلاء الذين لهم مراسم معينة، ولهم طقوس معينة، وأشكال معينة، هؤلاء لا شك أنهم ينقطعون عن الله عز وجل بحسب ما معهم من هذه الرسومات الإصطلاحية وما أشبهها، تجد الواحد منهم إذا رأيته قلت: من هذا الرجل؟ من هذا العالم. لكنه عالم بالزي والشكل فقط، وليس عنده علم راسخ، بل وربما نقول إيمانه ضعيف أيضا، وإلا لكان يعتمد على ما عنده من العلم والإيمان والدعوة والصلاح. -«والعجب أن أهلها هم المعروفون بالطلب والإرادة، والسير إلى الله، وهم- إلا الواحد بعد الواحد- المقطوعون عن الله بتلك الرسوم والقيود». العجب من أن الإنسان يستغرب أن يكون هؤلاء الذين أخذوا العلم بالرسوم والاصطلاحات الحادثة، هم المعروفون بالطلب والإرادة لأنهم يغرون الناس بلباسهم ونبرات كلامهم، وغير ذلك. -«وقد سئل بعض الأئمة عن السنة؟ فقال: ما لا اسم له سوى «السنة». يعني: أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها. فمن الناس من يتقيد بلباس غيره، أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره، أو مشية لا يمشي غيرها، أو بزي وهيئة لا يخرج عنهما، أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها وإن كانت أعلى منها، أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه. فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى، مصدودون عنه، قد قيدتهم العوائد والرسوم، والأوضاع، والاصطلاحات عن تجريد المتابعة، فأضحوا عنه بمعزل، ومنزلتهم منها أبعد منزل، فترى أحدهم يتعبد بالرياضة، والخلوة، وتفريغ القلب، ويعد العلم قاطعا له عن الطريق، فإذا ذكر له الموالاة في الله، والمعاداة فيه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، عد ذلك فضولا وشرا، وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك، أخرجوه من بينهم، وعدوه غيرا عليهم، فهؤلاء أبعد الناس عن الله، وإن كانوا أكثر إشارة. والله أعلم» اهـ. قوله:«يتعبد بالرياضة»المراد: الرياضة القلبية على زعمهم، فتجدهم منعزلين عن الناس، بعيدين عن الناس، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ولا يتعلمون ظنا منهم أن هذا هو الخير، ولكنهم في الواقع ضلوا، الخير أن تتبع الخير حيث ما كان. فتارة في مجالس العلم، وتارة في مصارف الجهاد، وتارة في الحسبة، وتارة في الصلاة وتارة في القرآن، حسب ما ترى أنه أنفع لعباد الله وأخشى لقلبك، لكن من الناس من لا يتحمل، فتجده يركن إلى شيء معين من العبادة يدعي أن فيه صلاح قلبه ويستمر عليه. |
الفصل السابع (الْمَحاذِيرُ) تلخيص وترتيب الدرس الواحد والستين (نَوَاقِضُ هذه الْحِلْيَةِ) * هذه النواقض والخوارم هي خدش عظيم لطالب العلم وللعامة أيضا. يا أخي – وَقَانا اللهُ وإيَّاكَ العثراتِ – إن كنتَ قَرَأْتَ مَثَلًا من (حِليةِ طالبِ العِلْمِ) وآدابِه وعَلِمْتَ بعضًا من نواقِضِها؛ فاعْلَمْ أنَّ مِن أَعْظَمِ خَوارِمِها الْمُفْسِدَةِ لنظامِ عِقْدِها: 1- إفشاءَ السرِّ: وهو محرم لأنه خيانة للأمانة . فإذا استكتمك الإنسان حديثا فلا يحل لك أن تفشيه لأي أحد كان. = واحذر أن يخدعك أحد لأن بعض الناس يظن أنه أفشي إليك ثم يأتي إليك وكأن الأمر مسلّم أنه علم بذلك فيقول مثلا: ما شاء الله، من أدراك عن كذا وكذا، فيبهت الآخر، فيظن أنه قد أعلن ثم يفضي له السر وهذه طريقة تجسس من بعض الناس. فاحذر هذا، فما دمت استكتمك صاحبك فإذا جاء أحد يبهتك بمثل هذا الأسلوب، فلا تخف. قل: أبدا، ما صار هذا، وأنا أبرىء إلى الله منه- وتقصد منه – هذا الكلام الذي قلت، لأنه تجسس. = قال العلماء: وإذا حدثك الإنسان بحديث والتفت، فقد استأمنك، فهو أمانة وسر، فلا يجوز أن تفشيه. حتى وإن لم يقل لا تخبر أحدا. لأن التفاته يعني أنه لا يريد أحدا يسمعه. فإذا أفشيته فهذا من إفشاء السر. 2- نَقْلَ الكلامِ من قومٍ إلى آخرينَ: وهذه هي النميمة. - وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قتات». أي: نَمَّام. - ومر الرسول بقبرين يُعذَّبان، وذكر أن أحدهما كان يمشي بالنميمة. فهي من كبائر الذنوب. = لكن إذا كان رجل مغتر بشخص ويفضي إليه أسراره ويستشيره في أموره، فجاء إنسان وقال: يا فلان، أنا رأيتك تفضي سرك إلى فلان وتثق به، والرجل ليس بأمين، الرجل يفشي كل ما تقول >> فهذه نصيحة وليست نميمة. 3- الصلَفَ واللسانَةَ: الصلف: يعني التشدد في الشيء، يكون الإنسان غير لين لا بمقاله ولا بحاله. بل هو صلت ولسن، يعني رفيع الصوت، أو يعني عنده بيانا يبدي به الباطل ويخفي به الحق. = أما قوة الصوت وارتفاعه, فإنه ليس إلى اللسانة، هذه من خلقة الله عز وجل، ولما أنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} كان ثابت بن قيس رضي الله عنه- وهو من أحد الشعراء والخطباء- كان جهوري الصوت، فلزم بيته يبكي، ولم يكن له وجه يخرج إلى الناس، ويقابل الناس به، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه وأرسل إليه رسولا، فقال:«إن الله أنزل هذه الآية وإني خفت أن يحبط عملي وأنا لا أشعر». فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:«إنه يحيى سعيدا، ويقتل شهيدا، ويدخل الجنة» 4- كثرةَ الْمِزاحِ: ولم يقل المزاح لأن "المزاح في الكلام كالملح في الطعام"؛ إن أكثرت منه فسد الطعام، وإن لم تجعل فيه الملح لم يشته إليه الطعام. - كثرة المزاح: تذهب الهيبة / وتنزل مرتبة طالب العلم. - أما المزاح القليل الذي يقصد به إدخال السرور على صاحبك فهو من السنة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا. == جاء رجل يريد أن يحمله على بعير يجاهد عليها في سبيل الله،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا حاملوك على ولد الناقة» قال الرجل كيف؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «وهل تلد الإبل إلا النوق». فهذا مزاح ولكنه حق. == وقال لأبي عمير- غلام صغير- معه طير يلعب به، فمات الطير. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذات يوم فقال:«يا أبا عُمَيْر ما فعلَ النُّغَيْر؟ » . أما ما يفعله بعض الناس، كل كلامه مزح، فهذا كما أنه لا يليق بالرجل العاقل فضلا عن طالب العلم، فإنه يجعل كلامه مزحا حتى أن المخاطبين يقولون له أنت صادق أم تمزح؟ لأنه يجعل كل كلامه مزحا. 5- الدخولَ في حديثٍ بينَ اثنينِ: فإن بعض الناس إذا رأى اثنين يتحدثان، دخل بينهما وهذا كالمتسلق للجدار، لم يأت البيوت من أبوابها. ولهذا كان من آداب حاضر صلاة الجمعة ألا يفرق بين اثنين كما جاءت به السنة، فالتفريق بين اثنين في الكلام وفي الحديث من خوارم المروءة. - وكذلك أيضا لا ينبغي إذا رأيت اثنين يتحدثان أن تقترب منهما، بل من الأدب والمروءة أن تبتعد، لأنه ربما يكون بينهما حديث السر ويخجلان أن يقولا لك أبعد، فالحديث سر، أو إذا كانا لا يستطيعان ذلك عدلا عن حديث السر فقطعت حديثهما. 6- الحقْدَ: هو الكراهية والبغضاء. - بعض الناس إذا رأى أن الله أنعم على غيره نعمة حقد عليه، مع أن هذا الذي أنعم عليه لم يتعرض له بسوء، لكن حاقد عليه. == كما في قصة ابني ءادم؛ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر. فقال الذي لم يتقبل منه إلى الذي تقبل منه لأقتلنك، كرهه وحقد عليه إلى حد أنه أودى بحياته، فقال له ذلك: {إنما يتقبل الله من المتقين} وليس بيدي تزكية نفسي أو ثناء عليها. كأنه قال له: اتق الله يقبل منك ولكن: {فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله}. فلا يجوز للإنسان أن يحقد على أخيه المسلم، ولا سيما أن يكون سبب الحقد ما مَنَّ الله عليه من النعمة سواء دينيا أو دنيويا. 7- الحسَدَ: أن يتمنى زوال نعمة الله على غيره، وهو من أخلاق اليهود، وبئس الخلق خلق الحسد. - قال شيخ الإسلام رحمه الله: «الحسد كراهة نعمة الله على غيره». يعني ما يتمنى زوالها، لكن يكره أن الله أنعم على هذا الإنسان بهذه النعمة. == أما لو تمنى أن يرزقه الله مثلها، فليس هذا من الحسد بل هذا من الغبطة، التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا حسد إلا في اثنتين». = مضار الحسد إحدى عشرة، وهي: 1- أنه من كبائر الذنوب. 2- أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. [والحديث ضعيف]. 3- أنه من أخلاق اليهود. 4- أنه ينافي الإخوة الإيمانية. 5- أنه فيه عدم الرضا بقضاء الله وقدره. 6- أنه سبيل للتعاسة. 7- الحاسد متبع لخطوات الشيطان. 8- يورث العداوة والبغضاء بين الناس. 9- قد يؤدي إلى العدوان على الغير. 10- فيه إزدراء لنعمة الله على الحاسد. 11- يشغل القلب عن الله. 8- سوءَ الظنِّ: أن يظن بغيره ظنا سيئا، مثل أن يقول: لم يتصدق هذا إلا رياء. أو: لم يُلقِ هذا الطالب هذا السؤال إلا رياء ليعرف أنه طالب. وكان المنافقون إذا أتى المتصدق من المسلمين بالصدقة- إن كانت كثيرة- قالوا: مرائي. وإن كانت قليلة، قالوا: إن الله غني عن صدقة هذا، فهم يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات، ويلمزون الذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم. فإيّاك وسوء الظن = الواجب إحسان الظن بمن ظاهره العدالة. = أما من ظاهره غير العدالة فلا حرج أن يكون في نفسك سوء الظن به، لكن مع ذلك عليك أن تتحقق حتى يزول ما في نفسك من هذا الوهم. لأن بعض الناس قد يسيء الظن بشخص ما بناء على وهم كاذب لا حقيقة له.قال الله تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمنوا اجتَنِبُوا كثيرًا مِنَ الظَّنِّ} . ولم يقل كل الظن، لأن بعض الظنون لها أصل ولها مبرر {إنَّ بَعضَ الظَّنِّ إثْم} وليس كل الظن، فالظن الذي يحصل فيه العدوان على الغير هذا لا شك أنه إثم، والظن الذي لا مستند له، هو أيضا إثم. 9- مُجالَسَةَ المبتَدِعةِ: [ يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ليته عمَّم، وقال "مجالسة كل من تخرم مجالستهم المروءة "، سواء كان ذلك لابتداع أو سوء أخلاق أو انحطاط رتبة عن المجتمع أو ما أشبه ذلك. ] - ينبغي لطالب العلم أن يكون مرتفعا عن مجالسة من تخدش مجالستهم المروءة أو تخدش الدين. = لكن كأنه خص ذلك بالمبتدعة لأن المقام مقام تعليم، فإذا وجدنا مبتدعا عنده طلاقة في اللسان، وسحر في البيان، فإنه لا يجوز أن يجلس إليه، لأنه مبتدع. لماذا لا يجوز؟10- وَقْلَ الْخُطَى إلى الْمَحَارِمِ: يعني أن يمشي الإنسان على الأمور المحرمة، فإن هذا من خوارم هذه الحلية؛ إذ أن الذي ينبغي لطالب العلم أن يتجنب هذا، بل إن بعض العلماء يقول يتجنب حتى الخطى إلى أمر ينتقده الناس فيه. = كما لو ذهب طالب العلم إلى أسواق البيع المخصصة للنساء،هذا مما يُذمّ عليه، لأنه سيقال فلان طالب العلم يروح لأسواق النساء، حتى لو قال: أنا أريد أن أذهب لأسواق النساء حتى أشتري لأهلي من هذه الأثواب التي تباع بالأسواق. قلنا: وَكِّل مَن يشتري عنك، أما أنت طالب علم ينتقد عليك هذا الفعل، ويقتدي بك من نيته سيئة. * فاحذر هذه الآثام وأخواتها، اقْصرْ خُطاكَ عن جميعِ الْمُحَرَّمَاتِ والْمَحارِمِ فإن فعلتَ وإلا فاعْلَمْ أنك رَقيقُ الدِّيانةِ خَفيفٌ لَعَّابٌ مُغْتَابٌ نَمَّامٌ فأَنَّى لك أن تكونَ طالبَ عِلْمٍ، يُشارُ إليك بالبَنانِ ، مُنَعَّمًا بالعِلْمِ والعمَلِ. يعني: ينبغي للإنسان أن ينزل منزلة طالب العلم وألا يدنسها بالأخلاق، لأن طالب العلم شرفه الله تعالى بالعلم وجعله قدوة، حتى إن الله تعالى رد أمور الناس عند الإشكال إلى العلماء. فقال: {فاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُون}. وأنت يا طالب العلم محترم فلا تنزل نفسك إلى ساحة الذل والضعة، بل كن كما ينبغي أن تكون. ========================= خـــــاتـــمـــــــة * هذه الحلية لا شك أنها مفيدة ونافعة لطالب العلم، وينبغي للإنسان أن يحرص عليها ويتبعها. * لكن لا يعني ذلك أن يقتصر عليها، بل هناك كذلك كتب أخرى صنفت في آداب العلم ما بين قليل وكثير ومتوسط. * أهم شيء أن الإنسان يترسم خطى النبي صلى الله عليه وسلم ويمشي عليها، فهي الحلية الحقيقية التي ينبغي للإنسان أن يتحلى بها، كما قال سبحانه وتعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا }. نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم بصالح الأعمال، وأن يوفقنا للعمل بما يرضيه سَدَّدَ اللهُ الْخُطَى ، ومَنَحَ الجميعَ التقْوَى وحُسْنَ العاقِبَةِ في الآخرةِ والأُولَى وصَلَّى اللهُ على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه وسَلَّمَ |
الساعة الآن 12:40 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir